فصل: الْفَصْلُ الْأَوَّلُ: فِي السَّبَبِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الذخيرة (نسخة منقحة)



.الباب الْعَاشِرُ فِي صَلَاةِ السَّفَرِ:

السَّفَرُ فِي اللُّغَةِ قَطْعُ الْمَسَافَةِ وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ سَفَرَتِ الْمَرْأَةُ عَنْ وَجْهِهَا إِذَا أَظْهَرَتْهُ وَأَسْفَرَ الصُّبْح إِذا ظهر لِأَنَّهُ سفر عَنْ أَخْلَاقِ الرِّجَالِ بِسَبَبِ مَشَاقِّهِ وَالْكَلَامُ فِي السَّبَب والشروط وَالْحُكْمِ وَمَحَلِّهِ فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ فُصُولٍ:

.الْفَصْلُ الْأَوَّلُ: فِي السَّبَبِ:

وَهُوَ فِي الْكِتَابِ سَفَرُ ثَمَانِيَةٍ وَأَرْبَعِينَ مِيلًا أَرْبَعَةُ بُرُدٍ كُلُّ بَرِيدٍ أَرْبَعَةُ فَرَاسِخَ وَكُلُّ فَرْسَخٍ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ وَتَرَكَ قَوْلَهُ يَوْمًا وَلَيْلَةً قَالَ سَنَدٌ مَعْنَاهُ تَرَكَ التَّحْدِيدَ قَالَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ وَإِلَّا فَهُمَا سَوَاءٌ وَقَالَهُ (ش) وَقَالَهُ (ح) أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ فَرْسَخًا وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ خَمْسَةٌ وَأَرْبَعُونَ مِيلًا وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ أَرْبَعُونَ مِيلًا وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ مَنْ صَلَّى فِي سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ مِيلًا لَا يُعِيدُ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ وَفِي الْجَوَاهِر وَرُوِيَ عَن مَالِكٍ اثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ مِيلًا لَنَا مَا فِي الْبُخَارِيِّ كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ يَقْصُرَانِ وَيُفْطِرَانِ فِي أَرْبَعَةِ بُرُدٍ وَيُرْوَى عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَام: «لاتقصروا فِي أَدْنَى مِنْ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ مِنْ مَكَّةَ إِلَى عُسْفَانَ».
فَوَائِدُ:
الْفَرْسَخُ: فَارِسِيٌّ عُرِّبَ وَالْمِيلُ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمَيْلِ بِفَتْحِ الْمِيمِ لِأَنَّ الْبَصَرَ يَمِيلُ فِيهِ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ حَتَّى يفنى إِدْرَاكُهُ وَفِيهِ سَبْعَةُ مَذَاهِبَ قَالَ صَاحِبُ التَّنْبِيهَاتِ هُوَ عشرَة غلى وَالْغَلْوَةُ طَلَقُ الْفَرَسِ وَهُوَ مِائَتَا ذِرَاعٍ فَيَكُونُ الْمِيلُ أَلْفَيْ ذِرَاعٍ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَصَحُّ مَا قِيلَ فِيهِ ثَلَاثَةُ آلَافٍ وَخَمْسُمِائَةِ ذِرَاعٍ وَنَقَلَ صَاحِبُ الْبَيَانِ ثَلَاثَةُ آلَافِ ذِرَاعٍ وَقِيلَ أَرْبَعَةُ آلَافِ ذِرَاعٍ كُلُّ ذِرَاعٍ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ أُصْبُعًا كُلُّ أُصْبُعٍ سِتُّ شَعِيرَاتٍ بَطْنُ إِحْدَاهَا إِلَى ظَهْرِ الْأُخْرَى كل شعيرَة سِتّ شَعرَات شعر الْبِرْذَوْنِ وَقِيلَ أَمَدُ الْبَصَرِ قَالَهُ صَاحِبُ الصِّحَاحِ وَقِيلَ أَلْفُ خُطْوَةٍ بِخُطْوَةِ الْجَمَلِ وَقِيلَ أَنْ يَنْظُرَ الشَّخْصُ فَلَا يَعْلَمُ أَهُوَ آتٍ أَمْ ذَاهِبٌ أَوْ رَجُلٌ أَوِ امْرَأَةٌ قَالَ سَنَدٌ وَالْبَحْرُ عِنْدَ مَالِكٍ مِثْلُ الْبَرِّ فِي اعْتِبَارِ المساحة وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا اعْتِبَارُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لِأَنَّ الرّيح قد تقطع تِلْكَ المساحة فِي نِصْفِ نَهَارٍ قَالَ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ المساحة المستقيمة أَو الشَّدِيدَة لِحُصُولِ الْمَشَقَّةِ وَاشْتَرَطَ ابْنُ الْجَلَّابِ وَاللَّخْمِيُّ الِاسْتِقَامَةَ قَالَ فَإِنِ اجْتَمَعَ الْبَرُّ وَالْبَحْرُ فَإِنْ رَاعَيْنَا الْمِسَاحَةَ فَلَا كَلَامَ وَإِلَّا وَجَبَ التَّلْفِيقُ فَإِنْ كَانَتِ الْبِدَايَةُ بِالْبَرِّ وَهُوَ لَا يُسَافِرُ فِي الْبَحْرِ إِلَّا بِالرِّيحِ فَفِي الْجَوَاهِرِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّاز ولابد أَن يكون فِي مَسَافَةِ الْبَرِّ أَرْبَعَةُ بُرُدٍ لِأَنَّ الرِّيحَ قد يتَعَذَّر فَلَوْ كَانَ لِلْبَلَدِ طَرِيقَانِ قَرِيبٌ وَبَعِيدٌ فَعَدَلَ عَنِ الْقَرِيبِ النَّاقِصِ عَنْ مَسَافَةِ الْقَصْرِ لِحَاجَةٍ قصر عِنْدَ مَالِكٍ وَ (ش) وَ (ح) وَإِنْ لم يقْصد إِلَّا للترخص فَقَالَ (ح) يقصر وَللشَّافِعِيّ قَوْلَانِ وَيَتَخَرَّجُ لِمَالِكٍ قَوْلَانِ مِنْ قَوْلَيْهِ فِي لَابِسِ الْخُفِّ لِلتَّرَخُّصِ.
قَاعِدَةٌ:
الْأَصْلُ اعْتِبَارُ الْأَوْصَافِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى الْحُكْمِ فَإِذَا تَعَذَّرَ اعْتِبَارُهَا إِمَّا لِعَدَمِ انْضِبَاطِهَا أَوْ لِخَفَائِهَا أُقِيمَتْ مَظِنَّتُهَا مَقَامَهَا فَكَانَ الْأَصْلُ إِنَاطَةُ الْأَحْكَامِ بِالْعَقْلِ حَالَةَ وَجُودِهِ لَكِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَنْضَبِطْ زَمَانُهُ أُقِيمَ الْبُلُوغُ مَقَامَهُ لِكَوْنِهِ مَظِنَّةً لَهُ وَمُوجِبُ انْتِقَالِ الْأَمْلَاكِ الرضى وَلَمَّا لَمْ يُعْلَمْ أُقِيمَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ مَقَامَهُ وَالْمَشَقَّةُ سَبَبُ التَّرَخُّصِ بِالْقَصْرِ فَلَمَّا لَمْ تَنْضَبِطْ أُقِيمَت المساحة مقَامهَا لكَونهَا مَظَنَّة لَهَا.
فروع أحد عشرَة:
الْأَوَّلُ:
قَالَ فِي الْكِتَابِ إِذَا وَاعَدَ مَنْ يمر بِهِ أَو ينْتَظر فِيهِ رفْقَة تَأتيه وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ الَّذِي يَمُرُّ بِهِ أَوْ يَنْتَظِرُ فِيهِ مَا لَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ إِنْ كَانَ عَازِمًا عَلَى السَّفَرِ عَلَى كُلِّ حَالٍ قَصَرَ وَإِنْ كَانَ لَا يُسَافِرُ إِلَّا بِهِمْ أَتَمَّ حَتَّى يَبْرُزَ عَنِ الْمَوْضِعِ الْآخَرِ:
الثَّانِي فِي الْكِتَابِ مَتَى نَوَى الْمُسَافِرُ إِقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ أَتَمَّ وَقَالَهُ (ش) وَقَالَ رَبِيعَةُ يَوْمًا وَلَيْلَةً قِيَاسًا عَلَى مُدَّةِ السَّفَرِ وَقَالَ (ح) خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ ذَلِكَ وَقَالَ اللَّيْثُ سِتَّةَ عَشَرَ وَإِسْحَاقُ تِسْعَةَ عَشَرَ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَقَامَ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَامَ الْفَتْحِ تِسْعَةَ عَشَرَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ فَنَحْنُ إِذَا أَقَمْنَا تِسْعَةَ عَشَرَ قَصَرْنَا وَإِذَا زِدْنَا أَتْمَمْنَا لَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يُقِيمُ الْمُهَاجِرُ بَعْدَ قَضَاءِ نُسُكِهِ ثَلَاثًا مَعَ تَحْرِيمِ الْإِقَامَةِ عَلَيْهِمْ بِمَكَّةَ لِأَنَّهُمْ تَرَكُوهَا لله فَيكون الزَّائِد اقامة وَفِي مُسْلِمٍ الضِّيَافَةُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَالْمُقِيمُ لَا يُضِيفُ وَلِأَنَّ ظَاهِرَ الْقُرْآنِ يَقْتَضِي أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ ضَارِبًا فِي الْأَرْضِ لَا يَقْصُرُ خَالَفْنَاهُ فِي الثَّلَاثِ لِأَنَّ الْمُسَافِرَ تَنْعَقِرُ دَابَّتُهُ وَيَقْضِي فِي بعض المناهل حَوَائِجه فلابد مِنَ اللُّبْثِ الْيَسِيرِ فَيَبْقَى مَا عَدَاهُ عَلَى مُقْتَضَى الدَّلِيلِ وَالْجَوَابُ عَلَى مَا نَقَلُوهُ أَنَّ اللّّبْث لَيْسَ مَانِعا من الْقصر بل لابد مِنْ نِيَّةِ الْإِقَامَةِ فَلَا بُدَّ عَلَى وَجُودِهَا مِنْ دَلِيلٍ وَعَنِ الْقِيَاسِ الْفَرْقُ بِأَنَّ أَكْثَرَ الْإِقَامَةِ أَكْثَرُ مِنْ أَكْثَرِ السَّفَرِ عَادَةً فَيَكُونُ أَقَلُّهَا أَكْثَرَ مِنْ أَقَلِّهِ عَمَلًا بِالْمُنَاسَبَةِ.
تَفْرِيعٌ:
قَالَ سَنَدٌ اعْتَبَرَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ غَيْرَ يَوْمِ دُخُولِهِ لِتَنَاوُلِ لَفْظِ خَبَرِ الْأَيَّامِ وَيَلْزَمُ عَلَى قَوْلِهِ عَدَمُ اعْتِبَارِ يَوْمِ خُرُوجِهِ وَقَالَهُ (ش) وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَسَحْنُونٌ عِشْرُونَ صَلَاةً وَقَالَهُ ابْنُ حَنْبَلٍ لِأَنَّ الْحُكْمَ إِنَّمَا تَعَلَّقَ بِالْأَيَّامِ لِأَجْلِ الصَّلَوَاتِ فَلَوْ عَزَمَ عَلَى السَّفَرِ بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ قَالَ سَحْنُونٌ لَا يَقْصُرُ حَتَّى يَظْعَنَ كَابْتِدَاءِ السَّفَرِ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يَقْصُرُ فِي مَوْضِعِهِ دَفْعًا لِلنِّيَّةِ بِالنِّيَّةِ وَلَوْ نَوَى الِاسْتِيطَانَ إِلَّا أَنَّهُ عَزَمَ عَلَى الْحَرَكَةِ قَبْلَ الْأَرْبَعِ ثُمَّ رَجَعَ أَتَمَّ عِنْدَ مَالِكٍ وَقَصَرَ عِنْدَ ابْنِ مَسْلَمَةَ وَلَوْ عَزَمَ بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ عَلَى إِتْمَامِ سَفَرِهِ اشْتُرِطَ فِي الثَّانِي مَسَافَةُ الْقَصْرِ وَهُوَ أَرْجَحُ قَوْلَيْ مَالِكٍ وَبِهِ أَخذ ابْن الْقَاسِم وَابْن الْمَوَّاز.
الثَّالِثُ:
فِي الْكِتَابِ إِذَا عَزَمَ عَلَى الْإِقَامَةِ بَعْدَ رَكْعَةٍ يُضِيفُ إِلَيْهَا أُخْرَى وَيَجْعَلُهَا نَافِلَةً ثمَّ يبتديء أَرْبَعًا قَالَ سَنَدٌ وَلِابْنِ الْقَاسِمِ فِي بُطْلَانِهَا قَوْلَانِ لِاخْتِلَافِ النِّيَّةِ وَإِذَا قُلْنَا بِالصِّحَّةِ فَفِي الْكتاب يَجْعَلُهَا نَافِلَةً وَعِنْدَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ يُتِمُّهَا سَفَرِيَّةً وتجزيه خلافًا (ح ش) نَظَرًا لِلْإِحْرَامِ كَالْمُتَيَمِّمِ يَطْرَأُ عَلَيْهِ الْمَاءُ فَلَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ قَبْلَ الرُّكُوعِ قَالَ مَالِكٌ يَجْعَلُهَا نَافِلَةً وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ يُتِمُّهَا أَرْبَعًا بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الرُّكُوعِ لِحُصُولِ مَا يَبْنِي عَلَيْهِ كَمَنْ أَدْرَكَ مِنَ الْجُمُعَةِ رَكْعَةً وَلَوْ أَدْرَكَ فِي الْجُمُعَةِ دُونَ الرَّكْعَةِ صَلَّى أَرْبَعًا فَلَوْ نَسِيَ الْعَصْرَ فَأَحْرَمَ بِهِ قَبْلَ الْغُرُوبِ بِرَكْعَةٍ ثُمَّ نَوَى الْإِقَامَةَ بِرَكْعَةٍ بَعْدَ رَكْعَةٍ قَالَ سَحْنُونٌ يَتَمَادَى لِأَنَّهَا نِيَّةٌ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ وَقَدْ تَرَتَّبَتْ فِي ذِمَّتِهِ سَفَرِيَّةً وَقَالَ أَصْبَغُ يَقْطَعُ لِأَنَّ وَقْتَهَا إِلَى الْغُرُوبِ مَا لَمْ يُحْرِمْ قَبْلَ الْغُرُوبِ كَمَا لَوْ غَرَبَتِ الشَّمْسُ بَعْدَ رَكْعَةٍ مِنَ الْجُمُعَةِ فَإِنَّهُ يَسْتَأْنِفُ قَضَاءَ الظُّهْرِ ثُمَّ إِذَا قَطَعَ الْمُسَافِرُ قَالَ أَصْبَغُ يَبْتَدِئُهَا سَفَرِيَّةً لِوُقُوعِ النِّيَّةِ بَعْدَ الْوَقْتِ وَقَالَ ابْن الْمَوَّاز تجزيه ثُمَّ رَجَعَ إِلَيَّ قَوْلِ أَصْبَغَ فَلَوْ لَمْ يُحْرِمْ بِالْعَصْرِ حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ ثُمَّ نَوَى الْإِقَامَةَ صَلَّاهَا سَفَرِيَّةً وَلَوْ بَقِيَ مِنَ النَّهَارِ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ وَعَلَيْهِ الصَّلَاتَانِ فَلَمَّا صَلَّى رَكْعَةً مِنَ الظُّهْرِ نَوَى الْإِقَامَةَ قَالَ سَحْنُونٌ يُصَلِّيهَا سَفَرِيَّةً وَالْعَصْرَ حَضَرِيَّةً لِأَنَّهُ أَقَامَ بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِ الظُّهْرِ فَلَوْ نَوَى بَعْدَ الصَّلَاةِ فَفِي الْجُلَّابِ لَا يُعِيدُ كَالْمَرِيضِ يَصِحُّ بَعْدَ الصَّلَاةِ وَقِيلَ يُعِيدُهَا اسْتِحْبَابًا لِبَقَاءِ الْوَقْتِ وَالْفَرْقُ أَنَّ سَبَبَ التَّرْخِيصِ لِلْمَرِيضِ مُقَارِنٌ لِلصَّلَاةِ وَلِلْمُسَافِرِ مُفَارِقٌ لِأَن حَالَة الصَّلَاة لَا يسر فِيهَا.
تَمْهِيدٌ:
لَا يَصِيرُ مُسَافِرًا بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ لِأَنَّ السَّفَرَ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ فَلَا تَكْفِي فِيهِ النِّيَّةُ وَيَصِيرُ مُقِيمًا بِهَا لِأَنَّ الْأَصْلَ الْإِقَامَةُ كَمَا قُلْنَا فِي الْعُرُوضِ تَصِيرُ لِلْقُنْيَةِ بَعْدَ التِّجَارَة بِمُجَرَّد النِّيَّة لِأَن الْأَصْلَ فِيهَا وَلَا تَصِيرُ لِلتِّجَارَةِ بَعْدَ الْقُنْيَةِ إِلَّا بِالْبَيْعِ مَعَ النِّيَّةِ.
الرَّابِعُ:
فِي الْكِتَابِ النَّوَاتِيَّةُ يَقْصُرُونَ وَإِنْ كَانَ مَعَهُمُ الْأَهْلُ وَالْوَلَدُ فِي السَّفِينَةِ وَقَالَهُ (ش) وَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ لَا يَقْصُرُونَ لِأَنَّهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْمُقِيمِينَ.
الْخَامِسُ:
فِي الْكِتَابِ لَوْ نَوَى إِقَامَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فِي قَرْيَةٍ وَلَيْسَ فِيهَا أَهْلُهُ وَفِيهَا جَوَارِيهِ وَوَلَدُهُ وَمَالُهُ قَصَرَ فَإِنْ كَانَ فِيهَا أَهْلُهُ أَتَمَّ وَلَوْ صَلَّى وَاحِدَةً لِأَنَّ الْعَادَةَ تَقُومُ مَقَامَ الْقَصْدِ كَالْأَثْمَانِ فِي الْبَيْعِ وَالْكَوْنُ فِي هَذَا الْمَكَان إِقَامَةٌ فِي الْعَادَةِ فَلَا حَاجَةَ إِلَى النِّيَّةِ وَقَالَ (ش) حَتَّى يَنْوِيَ إِقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ لِأَن الْمُهَاجِرين كَانُوا فِي مَكَّة عِنْد أَهْليهمْ وكانون يَقْصُرُونَ وَنَحْنُ نَمْنَعُ ذَلِكَ وَتَقْدِيرُ التَّسْلِيمِ يَكُونُ خَاصًّا بِهِمْ لِأَنَّهُمْ تَرَكُوا وَطَنَهُمْ لِلَّهِ فَلَمْ يَبْقَ لِنُفُوسِهِمْ إِلَيْهِ سُكُونٌ قَالَ سَنَدٌ فَلَوْ نَزَلَ بِقَرْيَةٍ كَانَ أَهْلُهُ بِهَا وَمَاتُوا فَفِي الْمُوازِية يتم مالم يَرْفُضْ سُكْنَاهَا وَلَوْ تَزَوَّجَ بِقَرْيَةٍ لَيْسَتْ مَسْكَنَهُ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ لَا يُتِمُّ حَتَّى يَبْنِيَ بِأَهْلِهِ ثمَّ يلْزمه السُّكْنَى وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ فِي الْفَرْعَيْنِ وَفِي الْكِتَابِ لَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ بِقَرْيَةٍ ثُمَّ سَافَرَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهَا أَتَمَّ لِأَنَّهَا وَطَنُهُ وَرَجَعَ إِلَى أَنَّهُ يَقْصُرُ نَظَرًا إِلَى الْأَصْلِ فِيهَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَوْضِعَ أَهْلِهِ.
السَّادِسُ:
قَالَ سَنَدٌ إِنْ نَوَى غَايَةَ مَا يُسَافِرُ إِلَيْهِ لَكِنَّهُ إِنْ وَجَدَ حَاجَتَهُ دُونَ ذَلِكَ رَجَعَ أَتَمَّ.
السَّابِعُ:
فِي الْكِتَابِ إِذَا سَافَرَ ثَلَاثَةَ فَرَاسِخَ ثُمَّ رَجَعَ أَتَمَّ إِذَا رَجَعَ لِأَنَّهُ سَفَرٌ ثَانٍ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ بِخِلَافِ مَنْ تَرُدُّهُ الرِّيحُ غَلَبَةً لِأَنَّهُ لَمْ يَعْزِمْ عَلَى الرُّجُوعِ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي الْمَجْمُوعَةِ يَقْصُرُ كَمَنْ تَرُدُّهُ الرِّيحُ.
الثَّامِنُ:
فِي الْكِتَابِ يُتِمُّ الْأَسِيرُ بِدَارِ الْحَرْبِ إِلَى أَنْ يُسَافِرَ لِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَعْزِمْ فَهُوَ مَسْجُونٌ قَالَ سَنَدٌ وَكَذَلِكَ لَوْ سَافَرَ بِهِ الشَّهْرَيْنِ قَصَرَ وَإِنْ كَانَ لَوْ وَجَدَ يَهْرُبُ وَرَجَعَ.
التَّاسِعُ:
يَقْصُرُ الْجَيْشُ بِدَارِ الْحَرْبِ وَلَوْ أَقَامَ شَهْرًا لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَقَامَ بِتَبُوكَ عِشْرِينَ يَوْمًا يَقْصُرُ قَالَ سَنَدٌ فَلَوْ عَزَمُوا عَلَى الْإِقَامَةِ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ قَصَرُوا.
الْعَاشِرُ:
فِي الْكِتَابِ إِذَا رَدَّتْهُ الرِّيحُ أَتَمَّ فِي الْمَكَانِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ قَالَ سَنَدٌ إِنْ رَدَّتْهُ الرِّيحُ إِلَى وَطَنِهِ أَتَمَّ وَإِلَّا فَقَوْلَانِ لِمَالِكٍ فَلَوْ رَدَّتْهُ إِلَى وَطَنِهِ وَهُوَ مُحْرِمٌ بِالصَّلَاةِ قَالَ سَحْنُون تبطل كَمَا لَو نوى الْإِقَامَة فِيهَا.
الْحَادِيَ عَشَرَ:
فِي الْكِتَابِ مَنْ دَخَلَ مَكَّةَ فَأَقَامَ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً فَأَوْطَنَهَا ثُمَّ أَرَادَ الْخُرُوجَ إِلَى الْجُحْفَةِ لِيَعْتَمِرَ مِنْهَا ثُمَّ يَقْدَمُ مَكَّةَ فَيُقِيمُ بِهَا الْيَوْمَيْنِ ثُمَّ يَخْرُجُ يُتِمُّ وَرَجَعَ إِلَى الْقَصْرِ قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ يَتَخَرَّجُ عَلَى تَلْفِيقِ الْإِقَامَةِ الْإِتْمَامُ بِضَمِّ الْيَوْمَيْنِ إِلَى مَا قَبْلَهُمَا وَالْقَصْرُ عَلَى تَرْكِ التَّلْفِيقِ وَأَضَافَ الْيَوْمَيْنِ إِلَى مَا بَعْدَهُمَا مِنَ السَّفَرِ وَيَخْرُجُ عَلَى التَّلْفِيقِ مَنْ سَافَرَ فِي الْبَحْرِ ثُمَّ رَدَّتْهُ الرِّيحُ إِلَيْهِ هَلْ يَقْصُرُ فِيهِ أَوْ يُتِمُّ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ يُتِمُّ إِذَا كَانَ مَوْضِعَ وَطَنِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَطَنَهُ وَلَا نَوَى دَوَامَ الْإِقَامَةِ فَفِي قَصْرِهِ قَوْلَانِ وَلَا تُحْسَبُ الْمَسَافَةُ بِالْعَوْدَةِ إِلَى وَطَنِهِ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْهُ إِقَامَةٌ أَصْلًا وَالْإِقَامَةُ الْمُعْتَبَرَةُ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ فَإِنْ رَجَعَ لِأَخْذِ شَيْءٍ نَسِيَهُ ثُمَّ يَقْصُرُ فِي رُجُوعِهِ فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ يَقْصُرُ وَإِنْ رَجَعَ إِلَى غَيْرِ وَطَنِهِ وَكَانَ يَقْصُرُ فِيهِ قَصَرَ الْآنَ وَإِنْ كَانَ يُتِمُّ فَقِيلَ يُتِمُّ فِي رُجُوعِهِ وَقِيلَ يَقْصُرُ ثُمَّ مُنْتَهَى سَفَرِهِ مُنْتَهَى قَصْرِهِ إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ إِقَامَةً فِي أَضْعَافِ سَفَرِهِ يَكُونُ مَكَانُ الْإِقَامَةِ هُوَ الْمُعْتَبَرَ وَقِيلَ يُلَفِّقُ الْمَسَافَةَ بِمَا قَبْلَ الْإِقَامَةِ وَمَا بَعْدَهَا فَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي تَلْفِيقِ الْإِقَامَةِ وَفِي تَلْفِيقِ السَّفَرِ.

.الْفَصْلُ الثَّانِي: فِي الشُّرُوطِ:

وَهِيَ أَرْبَعَةٌ:
الشَّرْطُ الْأَوَّلُ:
الْعَزْمُ عَلَى قَطْعِ الْمَسَافَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَلَوْ قَطَعَ الْمَسَافَةَ وَلَمْ يَعْزِمْ لَمْ يَجُزِ الْقَصْرُ.
الشَّرْطُ الثَّانِي:
فِي الْكِتَابِ لَا يَقْصُرُ حَتَّى يَبْرُزَ عَنْ بُيُوتِ الْقَرْيَةِ وَإِذَا رَجَعَ أَتَمَّ إِذَا دَخَلَهَا أَوْ قَارَبَهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تقصرُوا من الصَّلَاة} فَرَتَّبَ الْقَصْرَ عَلَى الضَّرْبِ وَالْكَائِنُ فِي الْبُيُوتِ لَيْسَ بِضَارِبٍ فِي الْأَرْضِ فَلَا يَقْصُرُ.
فَائِدَةٌ:
نَقَلَ ابْنُ عَطِيَّةَ فِي تَفْسِيرِهِ ضَرَبَ فِي الْأَرْضِ إِذَا سَافَرَ لِلتِّجَارَةِ وَضَرَبَ الْأَرْضَ إِذَا سَافر لِلْحَجِّ أَو الْغَزْو فَكَأَنَّ الْأَوَّلَ لَمَّا كَانَ طَالِبًا لِمَتَاعِ الدُّنْيَا كَانَ ملتبسا بِهَا وَفِيهَا وَالثَّانِي عَابِرُهَا إِلَى الْآخِرَةِ فَلَيْسَ فِيهَا وَإِنَّمَا هُوَ فِي الْآخِرَةِ قَالَ سَنَدٌ ظَاهر الْكتاب يَقْتَضِي أَلا يُحَاذِيَهُ مِنَ الْبُيُوتِ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ شَيْءٌ وَرُوِيَ عَنْهُ لَا بُدَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ وَرُوِيَ تَخْصِيصُهَا بِقَرْيَةٍ تُقَامُ فِيهَا الْجُمُعَةُ لِوُجُوبِ السَّعْيِ مِنْ تِلْكَ الْمَسَافَةِ بِخِلَافِ غَيْرِهَا وَفِي الْكِتَابِ إِذَا كَانَتِ الْبَسَاتِينُ مُتَّصِلَةً لَمْ يَقْصُرْ حَتَّى يُفَارِقَهَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ لِأَنَّهَا مِنْ تَوَابِعِهَا وَأَهْلُ الْبَلَدِ يُقِيمُونَ فِيهَا قَالَ سَنَدٌ وَلَوْ كَانَ فِي الْبَلَدِ نَهْرٌ كَبَغْدَادَ لَمْ يَقْصُرْ حَتَّى يَتَجَاوَزَ الْجَانِبَ الْآخَرَ فَإِنِ اتَّصَلَ بُنْيَانُ قَرْيَةٍ بِقَرْيَةٍ فَحَتَّى يَتَجَاوَزَهُمَا وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا فَضَاءٌ فَلَا وَلَا يَقْصُرُ الْبَدَوِيُّ حَتَّى يُجَاوِزَ جَمِيعَ بُيُوتِ الْحَيِّ.
فَرْعٌ:
قَالَ وَلَو نَوَى الرَّجْعَةَ بَعْدَ بُرُوزِهِ ثُمَّ نَوَى السَّفَرَ قَالَ مَالِكٌ لَا يَقْصُرُ حَتَّى يَبْرُزَ عَنْ مَوْضِعه.
الشَّرْطُ الثَّالِثُ:
إِبَاحَةُ السَّفَرِ فِي الْكِتَابِ لَا يَقْصُرُ الصَّائِدُ لِلتَّلَذُّذِ قَالَ سَنَدٌ السَّفَرُ خَمْسَةٌ وَاجِبٌ وَمَنْدُوبٌ وَيُقْصَرُ فِيهِمَا وَمُبَاحٌ وَيُقْصَرُ فِيهِ خِلَافًا لِابْنِ مَسْعُودٍ فِي تَخْصِيصِهِ بِالْوَاجِبِ مُعَلِّلًا بِأَن الْوَاجِب لَا يتْرك لِلْوَاجِبِ وَلِعَطَاءٍ فِي تَخْصِيصِهِ بِالْعِبَادَاتِ لَنَا مَا فِي الصِّحَاحِ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ إِذَا قَفَلَ مِنْ حَجَّةٍ أَوْ غَزْوَةٍ قَصَرَ فِي رُجُوعِهِ إِلَى بَيْتِهِ وَهُوَ مُبَاحٌ وَمُحَرَّمٌ وَالْمَشْهُورُ الْمَنْعُ لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ لَا تَكُونُ سَبَبَ الرُّخْصَةِ كَمَا أَنَّ زَوَالَ الْعَقْلِ يُسْقِطُ التَّكَالِيفَ بِخِلَافِ السُّكْرِ وَالْخَوْفُ يُبِيحُ الْإِيمَاءَ فِي الصَّلَاةِ وَالْمُحَارِبُ الْخَائِفُ مِنَ الْإِمَامِ لَا يُومِئُ وَقِيلَ يَتَرَخَّصُ لِعُمُومِ النَّصِّ وَالْمَكْرُوهُ إِنْ قُلْنَا بِالْمَنْعِ فِي الْمُحَرَّمِ كُرِهَ وَإِلَّا جَازَ وَالْعَاصِي فِي سَفَرِهِ مُخَالِفٌ لِلْعَاصِي بِسَفَرِهِ.
الشَّرْطُ الرَّابِعُ:
أَلَّا يَقْتَدِيَ بِمُقِيمٍ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْكِتَابِ يُتِمُّ وَرَاءه أَن أدْرك رَكْعَة وَقَالَهُ (ح وش) وَابْن حَنْبَل لنا مَا فِي الْمُوَطَّأِ كَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا صَلَّى وَرَاء الإِمَام صلى أَرْبعا وَإِذا وجده صَلَّى رَكْعَتَيْنِ قَالَ سَنَدٌ وَقَالَ أَشْهَبُ يَنْتَظِرُهُ بَعْدَ اثْنَتَيْنِ حَتَّى يُسَلِّمَ فَإِنْ أَدْرَكَ أَقَلَّ مِنْ رَكْعَةٍ قَالَ مَالِكٌ لَا يُتِمُّ خِلَافًا ل (ح وش) كَمَنْ أَدَرَكَ أَقَلَّ مِنْ رَكْعَةٍ مِنَ الْجُمُعَةِ فَإِنَّهُ لَا يَلْتَزِمُهَا.