فصل: الْفَصْلُ الْأَوَّلُ: فِي شُرُوطِهَا:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الذخيرة (نسخة منقحة)



.الباب التَّاسِع فِي الْجُمُعَة:

وَهِي مُشْتَقَّة من الْجمع للاجتماع النَّاسِ فِيهَا وَكَانَ اسْمُهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ عَرُوبَةَ مِنَ الْإِعْرَابِ الَّذِي هُوَ التَّحْسِينُ لِمَكَانِ تَزَيُّنِ النَّاس فِيهِ وَمِنْه وَقَوله تَعَالَى {عربا أَتْرَابًا} أَي محسنات لِبُعُولَتِهِنَّ وَقَدْ جَمَعَ أَسْمَاءَ الْأُسْبُوعِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى عَلَى التَّرْتِيبِ مُبْتَدِئًا بِالْأَحَدِ قَوْلُ الْقَائِلِ:
أُؤَمِّلُ أَنْ أَعِيشَ وَإِنَّ يَوْمِي ** بِأَوَّلَ أَوْ بِأَهْوَنَ أَوْ جُبَارِ

أَوِ التَّالِي دُبَارِ فَإِنْ يَفُتْنِي ** فَمُؤْنِسِ أَوْ عَرُوبَةَ أَوْ شُبَارِ

وَهَذَا الْيَوْمُ الَّذِي أُمِرَتِ الْأُمَمُ بِتَعْظِيمِهِ فَعَدَلُوا عَنْهُ إِلَى السَّبْتِ وَالْأَحَدِ وَفِي الْمُوَطَّأِ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَة فِيهِ خلق الله آدم وَفِيه اهبط وَفِيهِ تِيبَ عَلَيْهِ وَفِيهِ مَاتَ وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا وَهِيَ مُصِيخَةٌ يَوْم الْجُمُعَة من حِين يصبح حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ شَفَقًا مِنَ السَّاعَةِ إِلَّا الْجِنَّ وَالْإِنْسَ وَفِيهِ سَاعَةٌ لَا يُصَادِفُهَا عَبْدٌ مُسلم وَهُوَ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ وَفِيهِ قَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ هَذِهِ السَّاعَةُ مَذْكُورَةٌ فِي التَّوْرَاةِ.
فَوَائِدُ: ذِكْرُ هَذِهِ الْكَائِنَاتِ فِيهِ فِي سِيَاقِ تَعْظِيمِهِ يَدُلُّ عَلَى عِظَمِهَا وَعِظَمِهِ أَمَّا عِظَمُهَا فَخَلْقُ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهُوَ الْمُفَضَّلُ عَلَى الْمَلَائِكَةِ وَمَبْدَأُ نَوْعِ الْإِنْسَانِ وَالْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرُ ذُرِّيَّتِهِ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرَانِ وَوَقُودُ النِّيرَانِ إِلَّا أَنَّ ذَرَّةً مِنَ الْإِيمَانِ لَا يَعْدِلُهَا شَيْءٌ مِنَ الْكُفْرَانِ وَلَحْظَةً مِنَ الْقُرْبِ يُغْتَفَرُ لَهَا هِجْرَانُ الدَّهْرِ وَأَمَّا التَّوْبَةُ عَلَيْهِ فَسَبَبُ السَّعَادَةِ وَمَبْدَأُ السِّيَادَةِ وَأَمَّا قِيَامُ السَّاعَةِ فَهُوَ الْمَقْصُودُ بِالرَّسَائِلِ وَنَصْبِ الْوَسَائِلِ وَفِيهِ إِكْرَامُ الْأَبْرَارِ وَخِزْيُ الْفُجَّارِ وَأَمَّا إِصَاخَةُ الدَّوَابِّ وإشفاقها فدليل إِدْرَاكهَا وَهُوَ مُخْتَلف فِيهِ يحرر فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَأَمَّا سَاعَةُ الْإِجَابَةِ فَفِيهَا أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ قَالَ صَاحِبُ الْقَبَسِ الصَّحِيحُ أَنَّهَا مِنْ حِينِ جُلُوسِ الْإِمَامِ إِلَى حِينِ تُقْضَى الصَّلَاةُ وَهُوَ فِي مُسْلِمٍ وَفِي أَبِي دَاوُود وَحين تُقَام الصَّلَاة إِلَى انصراف مِنْهَا وَفِي التِّرْمِذِيِّ الْتَمِسُوهَا بَعْدَ الْعَصْرِ إِلَى غيوبة الشَّمْسِ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ هِيَ آخِرُ سَاعَةٍ فِي النَّهَارِ وَقِيلَ غَيْرُ مُخْتَصَّةٍ وَبِه يُمكن الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَقْوَالِ وَفِي الْقَبَسِ هِيَ السَّاعَةُ الَّتِي تِيبَ عَلَى آدَمَ فِيهَا وَقَوْلُهُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي مَعَ امْتِنَاعِ الصَّلَاةِ عَلَى الْأَقْوَالِ الْأُوَلِ إِمَّا مِنْ مَجَازِ التَّشْبِيهِ لِأَنَّ السَّامِعَ لِلْخُطْبَةِ أَوِ الْجَالِسَ الْمُنْتَظِرَ لِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ بِمَنْزِلَةِ الْمُصَلِّي أَوْ مِنْ بَابِ إِطْلَاقِ لَفْظِ الْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ فَإِنَّ انْتِظَارَ الصَّلَاةِ سَبَبٌ لِإِيقَاعِهَا وَلِذَلِكَ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَنْ جَلَسَ مَجْلِسًا يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ فَهُوَ فِي صَلَاةٍ حَتَّى يُصَلِّيَ.
تَنْبِيهٌ:
لَمَّا كَانَتِ الْقُلُوبُ تَصْدَأُ بِالْغَفَلَاتِ وَالْخَطِيئَاتِ كَمَا يَصْدَأُ الْحَدِيدُ اقْتَضَتِ الْحِكْمَةُ الْإِلَهِيَّةُ جَلَاءَهَا فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ بِمَوَاعِظِ الْخُطَبَاءِ وَأُمِرَ بِالِاجْتِمَاعِ لِيَتَّعِظَ الْغَنِيُّ بِالْفَقِيرِ وَالْقَوِيُّ بِالضَّعِيفِ وَالصَّالِحُ بِالطَّالِحِ وَلذَلِك أُمِرَ بِاجْتِمَاعِ أَهْلِ الْآفَاقِ فِي الْحَجِيجِ مَرَّةً فِي الْعُمْرِ لِئَلَّا يَشُقَّ عَلَيْهِمْ بِخِلَافِ أَهْلِ الْبَلَدِ.
فَرْعٌ:
وَفِي الْكِتَابِ كُرِهَ تَخْصِيصُهُ بِتَرْكِ الْعَمَل تَشْبِيها بِأَهْل الْكتاب فِي السبت والأحد وَفِي الْجَوَاهِرِ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ فَرْضٌ عَلَى الْأَعْيَانِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذكر الله} وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى الْكِفَايَةِ وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ هَلِ الْمَقْصُودُ إِصْلَاحُ الْقُلُوبِ بِالْمَوَاعِظِ وَالْخُشُوعِ فَيَعُمُّ أَوْ إِظْهَارُ الشَّعَائِرِ وَهُوَ حَاصِلٌ بِالْبَعْضِ فَيَخُصُّ.
تَمْهِيدٌ:
يَحْكِي جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَصْحَابِ الْخِلَافَ هَلِ الْجُمُعَةِ بَدَلٌ مِنَ الظُّهْرِ أَمْ لَا وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ الْبَدَلَ لَا يفعل إِلَّا عِنْدَ تَعَذُّرِ الْمُبْدَلِ وَالْجُمُعَةِ يَتَعَيَّنُ فِعْلُهَا مَعَ إِمْكَانِ الظُّهْرِ فَهُوَ مُشْكِلٌ وَالْحَقُّ أَنْ يُقَالَ إِنَّهَا بَدَلٌ مِنَ الظُّهْرِ فِي الْمَشْرُوعِيَّةِ وَالظُّهْرُ بَدَلٌ مِنْهَا فِي الْفِعْلِ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهَا وَاجِبٌ مُسْتَقِلٌّ بِنَاءً عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ الْوَاجِبُ الظُّهْرُ وَيَجِبُ إِسْقَاطُهُ بِالْجُمُعَةِ وَهُوَ كَلَامٌ غير مَعْقُول فَإِن الْوَاجِب مَا لَا يجوز تَركه وَهَذَا يجب تَركه فالجمع بَيْنَهُمَا مُتَنَاقِضٌ.
قَاعِدَةٌ:
الْبَدَلُ فِي الشَّرْعِ خَمْسَةُ أَقْسَامٍ بَدَلٌ مِنَ الْمَشْرُوعِيَّةِ كَالْجُمُعَةِ بَدَلُ الظُّهْرِ وَالْكَعْبَةِ بَدَلٌ مِنَ الْمَقْدِسِ وَبَدَلٌ مِنَ الْفِعْلِ كَالْخُفَّيْنِ بَدَلٌ مِنَ الْغَسْلِ وَمَسْحِ الْجَبِيرَةِ بَدَلُ الْغَسْلِ وَبَدَلٌ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ دُونَ الْفِعْلِ وَالْمَشْرُوعِيَّةِ كَالتَّيَمُّمِ مَعَ الْوُضُوءِ وَمِنْ كُلِّ الْأَحْكَامِ كَالصَّوْمِ مِنَ الْعِتْقِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَبَدَلٌ مِنْ حَالَةٍ مِنْ أَحْوَالِ الْفِعْلِ دُونَ الْمَشْرُوعِيَّةِ وَالْفِعْلِ وَالْأَحْكَامِ كَالْعَزْمِ بَدَلٌ عَنْ تَعْجِيلِ الْعِبَادَةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَالتَّعْجِيلُ وَالتَّأْخِيرُ وَالتَّوَسُّطُ أَحْوَالٌ عَارِضَةٌ لِلْفِعْلِ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ أَحْكَامٌ تَخُصُّهُ:
فَخَاصِّيَّةُ الْأَوَّلِ أَنْ يَكُونَ الْبَدَلُ أَفْضَلَ وَأَنْ لَا يُفْعَلَ الْمُبْدَلُ عَنْهُ إِلَّا عِنْدَ تَعَذُّرِ الْبَدَلِ عَكْسُهُ غَيْرُهُ أَوْ قَدْ لَا يُفْعَلُ أَلْبَتَّةَ كَالصَّلَاةِ لِلْمَقْدِسِ.
وَخَاصِّيَّةُ الثَّانِي الْمُسَاوَاةُ فِي الْمَحَلِّ وَقَدْ يَسْتَوِي الْحُكْمُ كَالْجَبِيرَةِ وَقَدْ يَخْتَلِفُ كَالْخُفِّ لِوُجُوبِ الْأَعْلَى دُونَ الْأَسْفَلِ.
وَخَاصِّيَّةُ الثَّالِثِ أَنْ لَا يَنُوبَ عَنِ الْمُبْدَلِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْحُكْمِ بَلْ يُخْتَصُّ الْمُبْدَلُ مِنْهُ بِأَحْكَامٍ.
وَخَاصِّيَّةُ الرَّابِعِ اسْتِوَاءُ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ فِي الْأَحْكَامِ بِسَبَبِهِمَا.
وَخَاصِّيَّةُ الْخَامِسِ أَنَّ الْفِعْلَ بِجُمْلَةِ أَحْكَامِهِ بَاقٍ وَإِنَّمَا السَّاقِطُ بِالْبَدَلِ حَالَةٌ مِنَ الْأَحْوَالِ دُونَ شَيْءٍ مِنَ الْأَحْكَامِ وَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ تُظْهِرُ بُطْلَانَ قَوْلِ الْقَائِلِ الْبَدَلُ يَقُومُ مَقَامَ الْمُبْدَلِ مُطْلَقًا وَأَنْ يُفْعَلَ إِلَّا عِنْدَ تَعَذُّرِ الْمُبْدَلِ بَلْ ذَلِك يخْتَلف فِي الشَّرْع كَمَا ترى وَفِي الْبَابِ ثَلَاثَةُ فُصُولٍ.

.الْفَصْلُ الْأَوَّلُ: فِي شُرُوطِهَا:

وَهِيَ عَلَى قِسْمَيْنِ: شُرُوطُ وُجُوبٍ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ تَحْصِيلُهَا وَهُوَ شَأْنُ شَرْطِ الْوُجُوبِ حَيْثُ وَقَعَ فِي الشَّرْعِ وَشُرُوطُ أَدَاءٍ يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ تَحْصِيلُهَا وَشُرُوطُ الْوُجُوبِ عَلَى قِسْمَيْنِ شُرُوطٌ فِي الصِّحَّةِ وَفِي الْوُجُوب فَقَط فَهَذِهِ ثَلَاثَة أَقسَام:
الشَّرْطُ الْأَوَّلُ:
الْعِلْمُ بِدُخُولِ وَقْتِهَا وَهُوَ الزَّوَالُ وَقَالَ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ أَوَّلُهَا وَقْتُ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ وَقَالَ بَعضهم أَو السَّادِسَةِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الأولى الحَدِيث وَجعل خُرُوج الإِمَام عَقِيبَ الْخَامِسَةِ لَنَا مَا فِي الْبُخَارِيِّ كَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ حِينَ تَمِيلُ الشَّمْسُ وَإِنَّ الْجُمُعَةَ هِيَ الظُّهْرُ وَإِنَّمَا سَقَطَتِ الرَّكْعَتَانِ لتعذر الْخطْبَة كَمَا سَقَطت لِعُذْرِ السَّفَرِ وَقَدْ سَلَّمَ الْخَصْمُ آخِرَ الْوَقْتِ فَتَعَيَّنَ أَوَّلُهُ عَلَيْهِ قَالَ سَنَدٌ فَلَوْ خَطَبَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَصَلَّى بَعْدَهُ رَوَى مُطَرِّفٌ لَا تجزيهم لِبُطْلَانِ الشَّرْطِ وَيُعِيدُونَ جُمُعَةً قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْكِتَابِ مَا لَمْ تَغِبِ الشَّمْسُ وَلَوْ كَانَ لَا يُدْرِكُ بَعْضَ الْعَصْرِ إِلَّا بَعْدَ الْغُرُوبِ وَعِنْدَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ آخِرُ وَقْتِهَا أَوَّلُ الْعَصْرِ فَيُصَلُّونَ أَرْبَعًا حِينَئِذٍ وَعِنْدَ سَحْنُونٍ قَبْلَ الْغُرُوبِ بِقَدْرِ الْخُطْبَةِ وَالْجُمُعَةِ وَجُمْلَةِ الْعَصْرِ وَفِي الْجَوَاهِرِ اصْفِرَارُ الشَّمْسِ وَقِيلَ قَبْلَ الْغُرُوبِ بِأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ وَقَالَ مُطَرِّفٌ إِذَا صُلِّيَتْ بِغَيْرِ خُطْبَةٍ أُعِيدَتْ إِلَى الْمَغْرِبِ وَلَوْ صُلِّيَ الْعَصْرُ بَعْدَ الْغُرُوبِ وَقِيلَ قَبْلَ الْغُرُوبِ بِخَمْسِ رَكَعَاتٍ سِوَى زَمَانِ الْخُطْبَةِ الْمُتَوَسِّطَةِ فَلَوْ خَرَجَ عَلَيْهِ وَقْتُهَا وَهُوَ فِيهَا فَرُوِيَ يُتِمُّهَا جُمُعَةً وَلَوْ بَعْدَ الْغُرُوبِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ إِنْ عَقَدَ مِنْهَا رَكْعَةً بِسَجْدَتَيْهَا أَتَمَّهَا وَإِلَّا فَظُهْرًا.
الشَّرْطُ الثَّانِي:
الْجَمَاعَةُ فَفِي الْجَوَاهِرِ غير محدودة وَلَا تجزي الْأَرْبَعَةَ وَمَا فِي مَعْنَاهَا بَلْ لَا بُدَّ مِمَّن تَتَقَرَّى بِهِمْ قَرْيَةٌ وَالشَّاذُّ أَنَّهَا مَحْدُودَةٌ فِي رِوَايَةِ ابْنِ حَبِيبٍ بِثَلَاثِينَ بَيْتًا وَالْبَيْتُ مَسْكَنُ الرَّجُلِ الْوَاحِدِ وَعِنْدَ ش بِأَرْبَعِينَ وَعِنْدَ رَبِيعَةَ ثَلَاثَة عَشَرَ وَعِنْدَ ح بِأَرْبَعَةٍ بِالْإِمَامِ لِأَنَّهُ عَدَدٌ يَزِيدُ عَلَى أَقَلِّ الْجَمْعِ وَمَا عَدَاهُ مِنْ مَرَاتِبِ الْأَعْدَادِ مَشْكُوكٌ فِيهِ وَاحْتَجَّ (ش) بِمَا يرْوى السُّنَّةِ أَنَّ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ فَمَا فَوْقَهَا جُمُعَةً وَنَقَلَ الْمَازِرِيُّ عَشَرَةَ أَقْوَالٍ عَدَمُ التَّحْدِيدِ وَاثْنَانِ وَثَلَاثَةٌ وَأَرْبَعَةٌ وَتِسْعَةٌ وَاثْنَا عَشَرَ وَمَا قَارَبَ الثَّلَاثِينَ وَأَرْبَعُونَ وَخَمْسُونَ وَمِائَتَانِ لَنَا أَنَّ من شَرطهَا الْإِقَامَة وَالْأَرْبَعَة وَنَحْوهَا لَا تمكنهم الْإِقَامَةُ وَلَا يُشْتَرَطُ الْأَرْبَعُونَ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَقْبَلَتْ عِيرٌ بِتِجَارَةٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَانْصَرَفَ النَّاسُ يَنْظُرُونَ وَمَا بَقِيَ مَعَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ غَيْرُ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا فَنَزَلَتْ {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَو لهوا} قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْكِتَابِ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ بَعْدَ الْخُطْبَةِ أَوْ فِيهَا جَمَاعَةٌ صَلَّى الْجُمُعَةِ أَرْبَعًا إِذَا لَمْ يَرْجِعُوا قَالَ سَنَدٌ قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ الْأَشْيَاخُ مُقْتَضَى الْمَذْهَب أَن حُضُورَهُمُ الْخُطْبَةَ شَرْطٌ وَقَالَ الْبَاجِيُّ قَوْلُ أَصْحَابِنَا إِنَّ السَّعْيَ يَجِبُ بِالْأَذَانِ أَنَّهُ لَيْسَ شَرْطًا لِأَنَّ الْبَعِيدَ لَا يَأْتِي حَتَّى تَفْرَغَ الْخُطْبَةُ قَالَ سَنَدٌ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَهُوَ ظَاهِرُ الْكِتَابِ وَهُوَ قَول ش وح قَوْلَانِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا الْمَوْعِظَةُ وَلَا تَحْصُلُ إِلَّا بِالْجَمَاعَةِ وَلِأَنَّهُ الْعَمَلُ قَالَ وَإِذَا ثَبَتَ وَجُوبُ حُضُورِهِمْ فَلَا يَخْطُبُ حَتَّى يَحْضُرُوا مَا بَقِيَ الْوَقْتُ الْمُخْتَارُ وَإِلَّا صَلَّى أَرْبَعًا فَإِنْ خَرَجُوا قَبْلَ تَمَامِهَا تَمَادَى وَحْدَهُ فَإِنْ أَتَوْا صَلَّى بِهِمْ عَلَى ظَاهِرِ الْكِتَابِ لِقَوْلِهِ إِذَا لَمْ يَرْجِعُوا وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ إِنْ حَضَرُوا مَا لَهُ بَالٌ أَجْزَأَ وَإِلَّا فَلَا فَإِنِ انْفَضُّوا بَعْدَ الْخُطْبَةِ وَأَيِسَ مِنْهُمْ صَلَّى أَرْبَعًا وَإِلَّا انْتَظَرَهُمْ إِلَى الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ فَإِنْ عَادُوا بِالْقربِ إجتزاوا بِالْخُطْبَةِ لِأَنَّ الْفَصْلُ الْيَسِيرَ لَا يَمْنَعُ وَإِنْ بَعُدَ الْوَقْتُ فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ إِعَادَةُ الْخُطْبَةِ لِارْتِبَاطِهَا بِالصَّلَاةِ وَلِهَذَا يُعِيدُهَا الْوَالِي الثَّانِي إِذَا قُدِّمَ وَقِيلَ ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ فَإِنِ انْفَضُّوا بَعْدَ الْإِحْرَامِ فَالْمَذْهَبُ إِنْ يَئِسَ بَنَى عَلَى إِحْرَامِهِ أَرْبَعًا وَإِلَّا جَعَلَهُ نَافِلَةً وَانْتَظَرَهُمْ وَإِنِ انْفَضُّوا بَعْدَ رَكْعَةٍ قَالَ سَحْنُونٌ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَوِ انْفَضُّوا فِي التَّشَهُّد فَقَالَ أَشهب وَعبد الْوَهَّاب لَا يُتمهَا جُمُعَة لِأَن بِرَكْعَة تدْرك الصَّلَاةَ وَرَأَى سَحْنُونٌ أَنَّ شَرْطَ الِابْتِدَاءِ شَرْطُ الِانْتِهَاءِ فَإِنِ انْفَضَّ مَنْ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ وَبَقِيَ مَنْ لَا تَلْزَمُهُ وَهُمْ جَمَاعَةٌ قَالَ سَحْنُونٌ لَا يَجْمَعُ خِلَافًا لِأَشْهَبَ لِأَنَّهُمْ تَبَعٌ فَلَا يَسْتَقِلُّونَ.
الشَّرْطُ الثَّالِثُ:
الْإِمَامُ قَالَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ هُوَ شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ وَالصِّحَّةِ وَفِي الْجَوَاهِرِ لَا يُشْتَرَطُ حُضُورُ السُّلْطَانِ وَلَا إِذْنُهُ وَقَالَهُ ش وَقَالَ ابْنُ مَسْلَمَةَ يُشْتَرَطُ أَوْ رَجُلٌ يَجْتَمِعُ عَلَيْهِ وَقَالَ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ لَا بُد مِمَّن تُخَافُ مُخَالَفَتُهُ وَقَالَ ح لَا بُدَّ مِنَ السُّلْطَان لانه الْعَمَل وَقِيَاسًا على الْجِهَاد وَجَوَابه منع الاول الْعَمَلُ لِأَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ صَلَّى بِالنَّاسِ وَعُثْمَانُ مَحْصُورٌ وَكَانَ قَادِرًا عَلَى الِاسْتِئْذَانِ وَكَانَ سعيد بن العَاصِي أَمِيرَ الْمَدِينَةِ فَأُخْرِجَ مِنْهَا وَصَلَّى بِهِمْ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ وَذَلِكَ كَثِيرٌ وَعَنِ الثَّانِي الْقِيَاسُ على الصَّلَوَات الْخمس قَالَ سَنَد واذا لم يشْتَرط فَلَو تولاها لم يجزأن تُقَامَ دُونَهُ إِلَّا إِذَا ضَيَّعَهَا قَالَ مَالِكٌ لَوْ تَقَدَّمَ رَجُلٌ بِغَيْرِ إِذْنِهِ لَمْ تُجْزِهِمْ لِأَنَّهُ مَحَلُّ اجْتِهَادٍ فَإِذَا رَتَّبَ الْحَاكِمُ فِيهِ شَيْئًا ارْتَفَعَ الْخِلَافُ أَمَّا إِذَا ضَيَّعَهَا سَقَطَ اتِّبَاعه فَلَو لَمْ يَتَوَلَّهَا السُّلْطَانُ اسْتُحِبَّ اسْتِئْذَانُهُ مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ فِي إِذْنِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْكِتَابِ إِذَا اسْتُنْكِرَ تَأْخِيرُ الْإِمَامِ جَمَعُوا لِأَنْفُسِهِمْ إِنْ قدرُوا وَإِلَّا صلوا أَرْبعا يتنفلون مَعَهُ لِمَا فِي أَبِي دَاوُدَ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَا أَبَا ذَرٍّ كَيْفَ بِكَ إِذَا كَانَ عَلَيْكَ أُمَرَاءُ يُمِيتُونَ الصَّلَاةَ أَوْ قَالَ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا تَأْمُرنِي؟ قَالَ صلى الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا فَإِذَا أَدْرَكْتَهَا مَعَهُمْ فَصَلِّهَا فَإِنَّهَا لَكَ نَافِلَةٌ قَالَ سَنَدٌ يُرِيدُ بِالتَّأْخِيرِ إِلَى الْعَصْرِ فَإِذَا صَلَّوُا الظُّهْرَ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يُصَلُّونَ أَفْذَاذًا تَشْبِيهًا بِمَنْ فَاتَتْهُ وَلَوْ دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ وَقَدْ صَلَّى رَكْعَةً قَالَ الْأَبْهَرِيُّ يُتِمُّهَا بِهِمْ جُمُعَةً وَإِلَّا أَتَمَّهَا أَرْبَعًا وَقَالَ ش إِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ قَبْلَ فَرَاغِهَا أَتَمَّهَا أَرْبَعًا وَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ إِنْ أَحْرَمَ فِي وَقْتِهَا أَتَمَّهَا جُمُعَةً وَقَالَ ح لَا يَبْنِي وَيَسْتَأْنِفُ أَرْبَعًا وَالْمَشْهُورُ اتمامها جُمُعَة واذا صَلَّوْا ظُهْرًا ثُمَّ أَتَى الْإِمَامُ فِي الْوَقْتِ لَزِمَهُمُ الْإِعَادَةُ وَإِلَّا فَلَا وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُهُ يَتَنَفَّلُونَ مَعَهُ وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَصَّارِ يَجُوزُ تَأْخِير الْجُمُعَة الى الْغُرُوب تَلْزَمُهُمُ الْإِعَادَةُ وَإِذَا قُلْنَا لَا تَلْزَمُهُمْ فَيُعِيدُونَ بِنِيَّةِ الْجُمُعَةِ كَإِعَادَةِ الصَّلَاةِ فِي جَمَاعَةٍ فَإِنْ تَأَخّر مَعَه جمَاعَة غَيرهم أجزائهم وَإِلَّا فَلَا.
الشَّرْطُ الرَّابِعُ:
الْمَسْجِدُ قَالَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ هُوَ شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ وَالصِّحَّةِ عَلَى رَأْيِ مَنْ يَشْتَرِطُ فِيهِ الْبُنْيَانَ وَأَمَّا عَلَى رَأْي من لَا يَشْتَرِطه بل يَكْتَفِي بالفضاء إِذَا حُبِسَ وَعُيِّنَ لِلصَّلَاةِ وَحُكِمَ لَهُ بِالْمَسْجِدِ يَكُونُ شَرْطًا فِي الصِّحَّةِ فَقَطْ فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يَتَعَذَّرُ وَأَفْتَى الْبَاجِيُّ إِذَا انْهَدَمَ سَقْفُ الْمَسْجِدِ لَا تُقَامُ فِيهِ الْجُمُعَةُ قَالَ وَهُوَ يُعِيد بَلْ تُقَامُ فِيهِ لِأَنَّهُ يُسَمَّى مَسْجِدًا حِينَئِذٍ وَحُكْمُهُ فِي التَّعْظِيمِ الشَّرْعِيِّ حُكْمُ الْمَسْجِدِ وَقَالَ الْبَاجِيُّ لَا تُقَامُ إِلَّا فِي الْجَامِعِ فَلَوْ مَنَعَ مَانِعٌ لَمْ تُقَمْ فِي الْمَسَاجِدِ حَتَّى يحكم الامام لوَاحِد مِنْهُمَا بِكَوْنِهِ جَامِعًا قَالَ وَهُوَ بَعِيدٌ بَلْ تُقَامُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ نَقْلِ حُكْمٍ إِلَيْهِ قَالَ فَإِن قيل لَو جَازَ ذَلِكَ لَجَازَ لِلرَّاعِفِ أَنْ يُتِمَّ بَقِيَّةَ الْجُمُعَةِ فِي بَعْضِ الْمَسَاجِدِ قَالَ قُلْتُ قَدْ جَوَّزَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ وَإِنْ مَنَعْنَا فَلِأَنَّهُ الْتَزَمَ الصَّلَاةَ فِي الْجَامِعِ ابْتِدَاءً وَفِي الْجَوَاهِرِ يُشْتَرَطُ فِي ذَلِك الْبُنيان الْمُعْتَاد للمساجد وَأَن يتَّفق عَلَى الِاجْتِمَاعِ فِيهِ عَلَى التَّأْبِيدِ فَكُلُّ جَامِعٍ مَسْجِد وَلَيْسَ كل مَسْجِد جَامعا واستقرأ الصَّالِحِي عدم وُجُوبه استقراء بَاطِلا وَدَلِيلُ وَجُوبِهِ قَوْله تَعَالَى {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} وَالنِّدَاءُ إِنَّمَا يَكُونُ عَادَةً فِي الْمَسَاجِدِ لِلْعَمَلِ قَالَ سَنَد وَلَا يكون عِنْدَ مَالِكٍ إِلَّا دَاخِلَ الْمَصْرِ وَجَوَّزَ ح مُصَلَّى الْعِيدِ لِشِبْهِ الْجُمُعَةِ بِالْعِيدِ لَنَا أَنَّهُ مَكَانٌ تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ فَيَكُونُ مُنَافِيًا لِوُجُوبِ الْجُمُعَةِ.
قَاعِدَةٌ:
مَتَّى كَانَ فِعْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بَيَانًا لِمُجْمَلٍ كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ ذَلِكَ الْمُجْمَلِ إِنْ وَاجِبًا فَوَاجِبٌ وَإِنْ مُبَاحًا فَمُبَاحٌ لِأَنَّ الْبَيَان مُرَاد للمتكلم حَالَةَ التَّخَاطُبِ فَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الْكَلَامِ الْأَوَّلِ وَآيَةُ الْجُمُعَةِ مُجْمَلَةٌ لَمْ تَدُلَّ عَلَى خُصُوصِ صَلَاةٍ فَيُحْتَمَلُ الصُّبْحُ وَالظُّهْرُ وَالْعَصْرُ وَالسِّرُّ وَالْجَهْرُ وَغَيْرُ ذَلِكَ فَبَيَّنَ عَلَيْهِ السَّلَامُ جَمِيعَ ذَلِكَ فَجَمِيعُ بَيَانِهِ يَكُونُ وَاجِبًا إِلَّا مَا دَلَّ الدَّلِيل على خِلَافه فبهذه الْقَاعِدَة يسْتَدلّ عَلَى وُجُوبِ الْمَسْجِدِ وَالْخُطْبَةِ وَسَائِرِ الْفُرُوضِ فُرُوعٌ ثَلَاثَةٌ:
الْأَوَّلُ:
فِي الْكِتَابِ لَا يُصَلَّى فِي الْمَوَاضِعِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهَا حَوْلَ الْمَسْجِدِ وَإِنْ أَذِنَ أَهْلُهَا فِي ذَلِكَ قَالَ سَنَدٌ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَيُعِيدُونَ وَإِنْ ذَهَبَ الْوَقْتُ لِأَنَّ عَدَمَ الْحَجْرِ مِنْ خَوَاصِّ الْمَسْجِدِ فَإِذَا عدم افقد الشَّرْط ولان السَّعْي وَاجِب وَتجوز ذَلِكَ يُبْطِلُهُ بِخِلَافِ الطُّرُقِ فَإِنَّهَا لَا تُبْطِلُ السَّعْيَ وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ يُكْرَهُ فَإِنِ اتَّصَلَتِ الصُّفُوفُ صَحَّ اعْتِبَارًا بِحَجْرِ أَزْوَاجِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْحُجَرَ كُنَّ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ جَرِيدٍ وَمُسُوحِ الشَّعْرِ وَلَمْ يَفُتِ الشَّرْطُ أَوْ بِأَنَّهَا كَانَتْ تُدْخَلُ بِغَيْرِ إِذْنٍ وَقَالَ مَالِكٌ لَيْسَتْ مِنَ الْمَسْجِدِ بَلْ أَبْوَابُهَا شَارِعَةٌ فِي الْمَسْجِدِ وَكَانَ الْمَسْجِدُ يَضِيقُ عَلَى أَهْلِهِ فَيَتَّسِعُ النَّاسُ بِهَا وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَتَّجِهُ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ فِي الْمَسْجِدِ لَامْتَنَعَ الْوَطْءُ وَاللُّبْثُ فِي زمن الْحيض والجنابة.
الثَّانِي:
فِي الْجُلَّابِ لَا يُصَلَّى فِي بَيْتِ الْقَنَادِيلِ وَلَا عَلَى سَطْحِ الْمَسْجِدِ وَفِي الْكِتَابِ يُعِيد بعد الْوَقْت أَرْبعا قَالَ سَنَد وروى مطرف وَعبد الْملك الْجَوَاز وَقَالَهُ اشهب واصبغ لِأَنَّهُ أَوْلَى مِنَ الْأَفْنِيَةِ فَإِنَّ أَهْوِيَةَ الْأَوْقَافِ أَوْقَافٌ سُؤَالٌ قَدْ حَنَّثَهُ مَالِكٌ إِذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ فَصَعِدَ السَّطْحَ جَوَابُهُ أَنَّهُ احْتِيَاطٌ فِي الصُّورَتَيْنِ وَالْحِنْثُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الصَّلَاةِ بِدَلِيلِ التَّحْنِيثِ بِأَكْلِ اللُّبَابَةِ مِنَ الرَّغِيفِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَهِيَ لَيْسَتْ رَغِيفًا عُرْفًا وَلَا لُغَة.
الثَّالِثُ:
جُوِّزَ فِي الْكِتَابِ الصَّلَاةَ فِي الْأَفْنِيَةِ الْمُبَاحَةِ وَإِنْ لَمْ تَتَّصِلْ بِهَا الصُّفُوفُ إِذَا ضَاقَ الْمَسْجِدُ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ لَمَّا تَعَذَّرَ لَمْ يُعْتَبَرِ الصَّفُّ وَفِي الطُّرُقِ ذَاتِ الْأَرْوَاثِ إِذَا ضَاقَ الْمَسْجِدُ وَحَكَى اللَّخْمِيُّ عَنْ سَحْنُونٍ مَنْعَهُ:
الْقِسْمُ الثَّانِي:
شُرُوطُ الْوُجُوبِ دُونَ الصِّحَّةِ وَهِيَ سِتَّةٌ: الشَّرْطُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي وَالثَّالِثُ وَالرَّابِعُ فِي الْجَوَاهِرِ الْبُلُوغُ وَالْإِقَامَةُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالذُّكُورِيَّةُ.
وَنَقَلَ ابْن شعْبَان عَن مَالك الْوُجُوب فِي الْعَبْدِ لَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي أَبِي دَاوُدَ الْجُمُعَةُ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فِي جمَاعَة الا أَرْبَعَة عبد مَمْلُوك وَامْرَأَة أَو صبي أَو مَرِيض وَأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ مُسَافِرًا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَلَمْ يُصَلِّ الْجُمُعَةَ قَالَ سَنَدٌ وَفِي الْكِتَابِ يَغْتَسِلُ مَنْ حَضَرَ مِنْهُمْ وَيُكْرَهُ لِلشَّابَّةِ الْحُضُورُ وَيُسْتَحَبُّ لِلْعَبْدِ إِنْ أَذِنَ لَهُ السَّيِّدُ وَفِي الْجُلَّابِ يُسْتَحَبُّ لِلْمُكَاتَبِ بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ.
تَمْهِيدٌ:
الْوَاجِبُ عَلَيْهِمْ إِحْدَى الصَّلَاتَيْنِ إِمَّا الظُّهْرُ أَوِ الْجُمُعَةُ فَمُتَعَلِّقُ الْوُجُوبِ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ الَّذِي هُوَ مَفْهُومُ إِحْدَاهُمَا وَلَا تَخْيِيرَ فِيهِ وَالْخُصُوصُ مُتَعَلِّقُ التَّخْيِيرِ وَلَا إِيجَابَ فِيهِمَا كَمَا قُلْنَا فِي خِصَالِ الْكَفَّارَةِ فَكَمَا يَتَّصِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ خِصَالِ الْكَفَّارَةِ بِالْوُجُوبِ وَتَبْرَأُ الذِّمَّةُ بِهِ فَكَذَلِكَ هَهُنَا وَلَيْسَت ذَلِكَ مِنْ بَابِ إِجْزَاءِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَنِ الْوَاجِبِ وَكَذَلِكَ الْمُسَافِرُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَحَدُ الشَّهْرَيْنِ رَمَضَانُ أَوْ شَهْرُ الْقَضَاءِ وَإِحْدَى الصَّلَاتَيْنِ الْقَصْرُ أَوِ الْإِتْمَامُ.
الشَّرْطُ الْخَامِسُ الِاسْتِيطَانُ:
قَالَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ الْأَظْهَرُ أَنَّهُ شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ دُونَ الصِّحَّةِ وَفِي الْكِتَابِ يُجْمَعُ فِي الْقَرْيَةِ ذَاتِ الْأَسْوَاقِ كَانَ لَهَا وَالٍ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَمَرَّةً لَمْ يَذْكُرِ الْأَسْوَاقَ لَنَا أَنَّ قَبَائِلَ الْعَرَبِ كَانَتْ حَوْلَ الْمَدِينَةِ وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِإِقَامَتِهَا وَاشْتَرَطَ ح أَنْ يَكُونَ مِصْرًا وَفِيهِ مَنْ يُنَفِّذُ الْأَحْكَامَ مُحْتَجًّا بِمَا يُرْوَى أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لَا جُمُعَة وَلَا تشريف إِلَّا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ وَجَوَابُهُ مَنْعُ الصِّحَّةِ وَفِي أَبِي دَاوُدَ أَوَّلُ جُمُعَةٍ جُمِعَتْ فِي الْإِسْلَامِ بَعْدَ جُمُعَةٍ جُمِعَتْ فِي مَسْجِدِهِ عَلَيْهِ السَّلَام لجمعة جُمِعَتْ بِجُوَاثَاءَ قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى الْبَحْرَيْنِ قَالَ سَنَدٌ مُقْتَضَى الْمَذْهَبِ اشْتِرَاطُ السُّوقِ فِي الْقَرْيَةِ لِتَوَقُّفِ الِاسْتِيطَانِ عَلَيْهِ عَادَةً قَالَ فَلَوْ مَرَّتْ جَمَاعَةٌ بَقَرْيَةٍ خَالِيَةٍ يَنْزِلُونَهَا شَهْرَيْنِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إِنْ أَقَامُوا سِتَّةَ أَشْهُرٍ جَمَعُوا وَإِلَّا فَلَا قَالَ الْبَاجِيُّ إِنْ عَلَّلْنَا بِالِاسْتِيطَانِ لَمْ يجمعوا أَو بالاقامة جمعُوا وَالْأول الْأَظْهر فان أهل العمود مقيمون وَلَا يَجْمَعُونَ قَالَ فِي الْكِتَابِ يَجْمَعُ أَهْلُ الْأَخْصَاصِ وَمَنَعَ فِي غَيْرِ الْكِتَابِ وَرَأَى أَنَّ الْبُنْيَانَ مِنْ شِعَارِ الْأَمْصَارِ وَإِذَا جَوَّزْنَا فِي الْأَخْصَاصِ فَقَدْ مَنَعَ مَالِكٌ فِي الْخِيَمِ وَجَوَّزَهُ ابْنُ وَهْبٍ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا عَلَى الْمَذْهَبِ أَنَّ الْخُصَّ أَشْبَهُ بِالْبُنْيَانِ وَكَانَ مَسْجِدُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَرِيشًا كَالْخُصِّ وَالْخِيَامُ أَشْبَهُ بِالسُّفُنِ لِانْتِقَالِهَا وَفِي الْكِتَابِ إِذَا مَرَّ الْأَمِيرُ مُسَافِرًا بِقَرْيَةٍ مِنْ قُرَى عَمَلِهِ تُجْمَعُ فِي مِثْلِهَا الْجُمُعَةُ جَمَعَ بِهِمْ وَإِنْ كَانَتْ لَا تُجْمَعُ فِي مثلهَا أعادوا هم وَهُوَ اما الأولى فَلِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جَمَعَ بِأَهْلِ مَكَّةَ وَهُوَ مُسَافِرٌ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَكَانَ إِجْمَاعًا وَلِأَنَّهَا كَانَتْ تَجِبُ عَلَى نَائِبِهِ فِي الْمَكَانِ وَتَصِحُّ مِنْهُ فَإِذَا حَضَرَ الْأَصْلُ فَهُوَ أوفق بِذَلِكَ أَوْ تَقْدِيمًا لِمَصْلَحَةِ حُرْمَةِ الْإِمَامَةِ بَعْدَ تقدم الْغَيْرِ كَمَا قُلْنَا فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ مَعَ الْأَعْلَمِ مِنْهُ وَمَعَ الْأَبْلَغِ دُعَاءً مِنَ الْقَرَابَةِ فِي الْجَنَائِز وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تُجْزِئُ عَنِ الظُّهْرِ قَالَ سَنَدٌ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ تجزيء الإِمَام والمسافرين لَان ظهْرهمْ رَكْعَتَانِ والجهر وَقع مِنْهُ بِالتَّأْوِيلِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ إِذَا شَهِدَا الْجُمُعَةَ أَنَّهَا تَصِحُّ مَعَ فِقْدَانِ بَعْضِ الشُّرُوطِ فِي حَقِّ هَذَا وَهُوَ الْمَكَانُ الَّذِي يَسْتَوْطِنُ فِيهِ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ مِنَ الْمُسَافِرين أَنهم اذا استخلفوا لَا تجزيهم ان فِعْلَهُ يَجْرِي مَجْرَى حُكْمِ الْحَاكِمِ فِي إِسْقَاطِ الشُّرُوطِ بِخِلَافِهِمْ الشَّرْطُ السَّادِسُ الْكَوْنُ فِي مَسَافَةِ سَمَاعِ النِّدَاءِ فِي الْكِتَابِ يَشْهَدُهَا مَنْ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ أَوْ أَزْيَدَ يَسِيرًا مِنَ الْمَدِينَةِ لِأَنَّهُ الَّذِي يُسْمَعُ مِنْهُ النِّدَاءُ غَالِبًا مَعَ انْتِفَاءِ الْمَوَانِعِ وَقَالَهُ ابْنُ حَنْبَلٍ وَقَالَ ش الِاعْتِبَارُ بِسَمَاعِ النِّدَاءِ وَقَالَ ح لَا تَجِبُ عَلَى الْخَارِجِ عَنِ الْمَدِينَةِ أَلْبَتَّةَ مُحْتَجًّا بِأَنَّ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَذِنَ يَوْمَ الْعِيدِ لَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ لِأَهْلِ الْعَوَالِي أَنْ يَنْصَرِفُوا لَنَا قَوْله تَعَالَى {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ من يَوْم الْجُمُعَة فَاسْعَوْا} مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصٍ وَفِي أَبِي دَاوُدَ الْجُمُعَةُ عَلَى مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ وَفِي التِّرْمِذِيِّ أَمَرَهُمْ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ يَشْهَدُوا الْجُمُعَةَ مِنْ قُبَاءٍ قَالَ سَنَد وأجمعت الامة على الْوُجُوب على من حواه الْمِصْرِ سَوَاءً سَمِعَ أَوْ لَمْ يَسْمَعْ.
وَاعْتَبَرَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ الثَّلَاثَةَ الْأَمْيَالِ مِنْ خَارِجِ الْمِصْرِ وَالْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ مِنَ الْجَامِعِ لِئَلَّا تَجِبَ مِنْ خَمْسَةِ أَمْيَالٍ فَأَكْثَرَ وَفِي الْجَوَاهِرِ الْمُرَاعَى فِي ذَلِكَ مَكَانُهُ وَقْتَ وُجُوبِ السَّعْي عَلَيْهِ دون مَكَانِ مَنْزِلِهِ وَلَيْسَ لِمَنْ هُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ اميال إِقَامَتهَا لوُجُوب السَّعْي عَلَيْهِم وَقَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَقَالَ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ لَا يُقِيمُونَهَا إِلَّا بَعْدَ سِتَّةَ أَمْيَالٍ لِأَنَّ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ يُوجِبُ السَّعْيَ عَلَى مَنْ دُونَهُمْ اليهم وَالِي الْمَدِينَة فَيلْزم عصيانهم بِأَحَدِهِمَا فيمنعون لنفي التَّشْوِيشِ عَنِ الْمُتَوَسِّطِينَ وَقَالَ الْبَاجِيُّ يُقِيمُونَهَا بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ فَمَنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ السَّعْيُ يجب عَلَيْهِ اقامتها وَلَا يُقِيمُونَهَا إِلَّا بَعْدَ بَرِيدٍ لِتَعَلُّقِهِمْ بِالْمَدِينَةِ فِي سوقها ومشاهدة بيدائها قَالَ سَنَدٌ فَلَوْ صَلَّى أَهْلُ الْقَرْيَةِ الْقَرِيبَةِ فِي جَامِعِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الْبَعِيدَةِ الظَّاهِرُ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ لِأَنَّ جُمُعَتَهُمْ بِالْمِصْرِ بِالْجَامِعِ الْعَتِيقِ وَيُحْتَمَلُ الْإِجْزَاءُ لِصَلَاتِهِمْ خَلْفَ مَنْ صَحَّتْ جُمُعَتُهُ وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ الْعَتِيقُ فِي حَقِّ أَهْلِ الْمِصْرِ.
الْقِسْمُ الثَّالِثُ:
شَرْطُ الصِّحَّةِ فَقَطْ قَالَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ وَهُوَ الْخُطْبَةُ وَفِيهِ فُرُوعٌ تِسْعَةٌ:
الْأَوَّلُ:
فِي الْكِتَابِ الْخُطَبُ كُلُّهَا سَوَاءٌ فِي الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا لَا يُسَلِّمُ عَلَى النَّاسِ إِذَا صَعِدَ وَيَجْلِسُ فِي خُطْبَةِ الْعِيدَيْنِ قَبْلَهَا وَفِي الْجُمُعَةِ حَتَّى يُؤَذِّنَ الْمُؤَذِّنُ وَفِي الْجَمِيعِ يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ يَجْلِسُ بَيْنَهُمَا لِمَا فِي أَبِي دَاوُدَ كَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ وَكَانَ يَجْلِسُ إِذَا صَعِدَ عَلَى الْمِنْبَرِ حَتَّى يَفْرَغَ الْمُؤَذِّنُ ثُمَّ يَقُومُ فَيَخْطُبُ ثُمَّ يَجْلِسُ فَلَا يَتَكَلَّمُ حَتَّى يَقُومَ فَيَخْطُبُ قَالَ سَنَد.
قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ الْجَلْسَةُ لَيْسَتْ وَاجِبَةً وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ وُجُوبُهَا وَمِقْدَارُهَا جَلْسَةٌ بَين السَّجْدَتَيْنِ وَأما عدم السَّلَام فلمالك وح خلافًا ش مُحْتَجًّا بِمَا يُرْوَى عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ إِذَا دَنَا مِنْ مِنْبَرِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ سَلَّمَ عَلَى مَنْ عِنْدَ مِنْبَرِهِ مِنَ الْجُلُوسِ واذا صعد اسْتقْبل بِوَجْهِهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إِنْ كَانَ مَعَهُمْ لَا يُسَلِّمُ وَإِنْ خَرَجَ عَلَيْهِمْ سَلَّمَ إِذَا صَعِدَ وَاسْتَقْبَلَهُمْ لَنَا عَمَلُ الْمَدِينَةِ قَالَ اللَّخْمِيُّ إِذَا خَرَجَ سَلَّمَ عَلَى مَنْ خَرَجَ عَلَيْهِمْ وَحَكَى الْخِلَافَ فِيمَا عَدَا حَالَةَ الْخُرُوجِ قَالَ سَنَدٌ فَإِذَا فَرَغَ الْمُؤَذِّنُ وَثَمَّ مَنْ تَنْعَقِدُ بِهِمُ الْجُمُعَةُ خَطَبَ وَإِلَّا فَلَا وَالْقِيَامُ مِنْ سُنَّتِهَا وَقَالَ ش شَرْطٌ وَقَالَ ح وَابْنُ حَنْبَلٍ يَجُوزُ أَنْ يَخْطُبَ قَاعِدًا لَنَا أَنَّهَا السّنة وأبلغ فِي الاسماع وَلَنَا عَلَى ش الْقِيَاسُ عَلَى تَرْكِ الْمِنْبَرِ.
الثَّانِي:
فِي الْكِتَابِ يَجُوزُ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ لِلْخَطِيبِ وَلَا يَكُونُ لَاغِيًا بِذَلِكَ وَلَا مَنْ يُجَاوِبُهُ لِمَا فِي الْمُوَطَّأِ قَالَ دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَوْمَ الْجُمُعَة وَعمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنْهُم يَخْطُبُ فَقَالَ عُمَرُ أَيَّةُ سَاعَةٍ هَذِهِ؟ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ انْقَلَبْتُ مِنَ السُّوقِ فَسَمِعْتُ النِّدَاءَ فَمَا زِدْتُ عَلَى أَنْ تَوَضَّأْتُ فَقَالَ عمر الْوضُوء أَيْضا؟ وَقيل الرجل عُثْمَان.
الثَّالِثُ:
فِي الْكِتَابِ يُسْتَحَبُّ لِإِمَامِ الْمِنْبَرِ الِاتِّكَاءُ عَلَى الْعَصَا لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يَتَوَكَّأُ عَلَى الْعَصَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ قَالَ سَنَدٌ وَحِكْمَتُهَا مَنْعُ الْيَدِ مِنَ الْعَبَثِ وَمَسْكِ اللِّحْيَةِ وَغَيْرُ ذَلِكَ وَالْقَوْسُ عِنْدَ مَالِكٍ مِثْلُ الْعَصَا وَرُوِيَ عَنْهُ لَا يَتَوَكَّأُ عَلَى قَوْسٍ إِلَّا فِي السَّفَرِ لِأَنَّ الْعَصَا السُّنَّةُ وَلَيْسَ لَهُ سُنَّةٌ فِيمَا يَصْنَعُ بِيَدَيْهِ يُرْسِلُهُمَا أَوْ يقبض الْيُسْرَى باليمنى وَاسْتحبَّ بَين تَحْرِيكُ جَسَدِهِ وَيَدَيْهِ وَلَمْ يُحَدِّدْ ذَلِكَ مَالِكٌ وَفِي الْجَوَاهِر يَبْدَأُ بِالْحَمْدِ وَيَخْتِمُ بِقَوْلِهِ يَغْفِرُ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فَإِنْ قَالَ اذْكُرُوا اللَّهَ يَذْكُرْكُمْ فَحَسَنٌ وَيُؤْمَرُ بِالطَّهَارَةِ فِي الْخُطْبَةِ وَهَلْ ذَلِكَ عَلَى النَّدْبِ أَوْ عَلَى الْوُجُوبِ؟ عِنْدَ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ قَوْلَانِ وَيُؤْمَرُ بِرَفْعِ الصَّوْتِ وَلِذَلِكَ اتُّخِذَ الْمِنْبَر.
الرَّابِعُ:
فِي الْكِتَابِ إِذَا أَحْدَثَ فِي الْخُطْبَةِ اسْتَخْلَفَ مَنْ يُتِمُّ بِهِمُ الْخُطْبَةَ وَالصَّلَاةَ وَكَذَلِكَ إِذَا أَحْدَثَ بَعْدَ الْخُطْبَةِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَخْلِفْ قَالَ سَنَدٌ أَجَازَ ابْنُ الْقَاسِمِ الْوُضُوءَ فِي صَحْنِ الْجَامِعِ وَكَرِهَهُ مَالِكٌ وَلَوْ فِي طَسْتٍ فَإِذَا تَوَضَّأَ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ يَبْتَدِئُ الْخُطْبَةَ وَقَالَ أَشْهَبُ يَبْنِي إِنْ قَرُبَ فَإِنْ عَادَ بَعْدَ الِاسْتِخْلَافِ فَالْخَلِيفَةُ أَوْلَى بِالْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ لِثُبُوتِ حُكْمِ الْإِمَامَةِ لَهُ وَلَوْ تَقَدَّمَ الْأَوَّلُ لَجَازَ وَيَخْتَلِفُ إِذَا أَخْرَجَهُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِك فِي الِاسْتِخْلَاف وَكره فِي الْكِتَابِ أَنْ يَسْتَخْلِفَ عَلَى الصَّلَاةِ مَنْ لَمْ يَشْهَدِ الْخُطْبَةَ فَإِنْ فَعَلَ جَازَ خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ وَإِذَا صَحَّحْنَا فَالْأَحْسَنُ أَنْ يُعِيدَ الْخُطْبَةَ فَلَوِ اسْتَمَرَّ عَلَى الْخُطْبَةِ بَعْدَ الْحَدَثِ فَكَرِهَهُ فِي الْكِتَابِ وَالْمَذْهَبُ أَنَّ الطَّهَارَةَ لَيْسَتْ شَرْطًا فِي الْخُطْبَةِ وَقَالَ سَحْنُونٌ إِنْ خَطَبَ جُنُبًا أَعَادَ الصَّلَاةَ أَبَدًا وَالْمُدْرَكُ أَنَّهُ ذِكْرٌ فِي الصَّلَاةِ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالتَّكْبِيرِ فَإِنِ اسْتَخْلَفَ من لم يدْرك الاحرام مَعَه بَلْ أَحْرَمَ بَعْدُ مِنْ خَلْفِهِ وَكَانَ قَدْ دَخَلَ مَعَهُ طَائِفَةٌ فَلِلْأَصْحَابِ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ لِلْجَمِيعِ لَان احرام الْأَوَّلين قبل إمَامهمْ وَصَلَاة الآخرين بِغَيْر خطْبَة والإجزاء أَيْضًا وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَلَوِ اسْتَخْلَفَ مَنْ دَخَلَ خَلْفَهُ فَشَكَّ بَعْدَ الصَّلَاةِ فِي الْإِحْرَامِ أَعَادُوا كُلُّهُمُ الْجُمُعَةَ وَفِي الْجُلَّابِ إِذَا أَحْدَثَ الْإِمَامُ اسْتَخْلَفَ عَلَيْهِمْ فَإِنْ لَمْ يَسْتَخْلِفِ اسْتَخْلَفُوا فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا وَصَلَّوْا أَفْذَاذًا ظُهْرًا أَرْبَعًا أَجْزَأَهُمْ قَالَ سَنَدٌ قَوْلُهُ أَجْزَأَهُمْ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ فَرْضَ الْوَقْتِ الْجُمُعَةُ فَلَا يُجْزِيهِمُ الظُّهْرُ مَا أمكنهم الْجُمُعَة.
الْخَامِسُ:
فِي الْكِتَابِ إِذَا قَدِمَ وَالٍ بَعْدَ الْخُطْبَةِ يَبْتَدِئُهَا لِأَنَّ الْجُمُعَةَ مِنَ الْأَحْكَامِ الِاجْتِهَادِيَّةِ لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ هَلْ تَفْتَقِرُ لِلسُّلْطَانِ أَمْ لَا؟ فَإِذَا وَلِيَهَا السُّلْطَانُ فَقَدِ ارْتَفَعَ الْخِلَافُ كَحُكْمِ الْحَاكِمِ إِذَا اتَّصَلَ بِالْقَضَايَا فَلَا تَصِحُّ إِلَّا مِنْهُ ويليه وَكِيلُهُ وَالْوَكِيلُ إِذَا عُزِلَ فِي أَثْنَاءِ تَصَرُّفِهِ الْمُرْتَبِطِ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ سَقَطَ اعْتِبَارُ مَا مَضَى مِنْهُ قَالَ سَنَدٌ فَإِنْ صَلَّى بِخُطْبَةِ الْأَوَّلِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَسَحْنُونٌ لَا تُجْزِيهِمْ خِلَافًا لِابْنِ حَبِيبٍ لِأَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ قَدِمَ عَلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ فَعَزَلَهُ وَهُوَ يَخْطُبُ فَلَمَّا فَرَغَ صَلَّى أَبُو عُبَيْدَةَ وَكَمَا لَوْ أَحْدَثَ فَتَقَدَّمَ غَيْرُهُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ وَلَوْ تَمَادَى الْأَوَّلُ بَعْدَ عِلْمِهِ بِالثَّانِي حَتَّى صَلَّى فَرَضِيَ بِذَلِكَ الثَّانِي قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُعِيدُونَ أَبَدًا فَلَوْ أَذِنَ الثَّانِي لِلْأَوَّلِ أَجْزَأَتْهُمْ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ إِنْ أَعَادُوا الْخُطْبَةَ لِأَنَّهُ اسْتِخْلَافٌ مِنَ الثَّانِي فِيمَا كَانَ يَفْعَلُهُ فَلَوْ قَدِمَ الثَّانِي بَعْدَ رَكْعَة قَالَ ابْن الْمَوَّاز يُعِيدُونَ الْخُطْبَةَ وَالصَّلَاةَ فَإِنْ قَدِمَ بَعْدَ الصَّلَاةِ فِي الْوَقْت قَالَ بعض الْقرَوِيين يعيدون وَهَذَا يَتَخَرَّجُ عَلَى أَنَّ الْعِلْمَ بِالْعَزْلِ لَيْسَ بِشَرْط وعَلى القَوْل بشرطيته لَا يعيدون.
السَّادِسُ:
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْكِتَابِ إِذَا خطب بِمَالِه بَالٌ أَجْزَأَ وَإِلَّا أَعَادُوا الْخُطْبَةَ وَالصَّلَاةَ قَالَ سَنَدٌ وَقَالَ مَالِكٌ إِذَا سَبَّحَ أَوْ هَلَّلَ وَلم يخْطب أعادوا مَا لم يصل فاذا صَلَّى فَلَا وَقَالَ مُطَرِّفٌ يَكْفِي أَدْنَى شَيْءٍ وَقَالَ ح يَكْفِي تَسْبِيحَةٌ أَوْ تَهْلِيلَةٌ وَوَافَقَ ش ابْنَ الْقَاسِمِ مُرَاعَاةً لِلِاسْمِ وَالْعَمَلِ وَجْهُ قَول مُطَرِّفٍ قَوْله تَعَالَى {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ قَالَ وَاتَّفَقَ الْجَمِيعُ عَلَى اسْتِحْسَانِ قِصَرِ الْخُطْبَةِ وَفِي مُسْلِمٍ طُولُ صَلَاةِ الرَّجُلِ وَقِصَرُ خُطْبَتِهِ مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِهِ فَأَطِيلُوا الصَّلَاة وأقصروا الْخطْبَة قَالَ غَيره وَالثَّانيَِة أَقْصَرُ مِنَ الْأُولَى قَالَ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ فِي الْخُطْبَةِ وَلَا يَجِبُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ مُحْتَجِّينَ بِقِيَاسِ الْخُطْبَتَيْنِ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَكَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَا يَتْرُكُ فِي خُطْبَتِهِ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قولا سديدا إِلَى قَوْله عَظِيما} قَالَ وَيَنْبَغِي أَنْ يَقْرَأَ فِي الْخُطْبَةِ الْأُولَى سُورَةً تَامَّةً مِنْ قِصَارِ الْمُفَصَّلِ وَكَانَ عُمَرُ ابْن عبد الْعَزِيز يقْرَأ ب {أَلْهَاكُم التكاثر} وَتَارَةً بِالْعَصْرِ فَاسْتِحْبَابُ الْإِكْمَالِ قِيَاسًا عَلَى الصَّلَاةِ وَالْقِصَرِ لِاسْتِحْبَابِ قِصَرِ الْخُطْبَةِ قَالَ مَالِكٌ وَلَا يَقْرَأُ بِسُورَةٍ فِيهَا سَجْدَةٌ فَإِنْ فَعَلَ فَلَا يَنْزِلُ لِلسَّجْدَةِ وَفِي الْمُوَطَّأِ أَنَّ عُمَرَ رَضِي الله عَنهُ قَرَأَ سَجْدَة عَلَى الْمِنْبَرِ فَنَزَلَ فَسَجَدَ قَالَ مَالِكٌ وَلَيْسَ الْعَمَل على النُّزُول خلافًا لاشهب وح وش لِأَنَّ عُمَرَ إِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِلتَّعْلِيمِ فَإِنِ ارْتَجَّ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يُفْتَحُ عَلَيْهِ فِي الْقِرَاءَة دُونَ الْخُطْبَةِ لِإِرْشَادِ بَعْضِ الْقِرَاءَةِ لِبَعْضِهَا بِخِلَافِ الْخُطْبَةِ قَالَ سَنَدٌ إِلَّا أَنْ تَكُونَ الْخُطْبَةُ وَاحِدَةً يُكَرِّرُهَا كُلَّ جُمُعَةٍ وَتُسْتَحَبُّ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَأَوْجَبَهَا ش وَالْحَمْدُ وَالْوَصِيَّةُ بالتقوى.
السَّابِعُ:
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْكِتَابِ إِذَا جَهِلَ فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ يُعِيدُ الصَّلَاةَ وَتُجْزِئُ الْخُطْبَةُ لِأَنَّ الشَّرْطَ يَتَقَدَّمُ الْمَشْرُوطَ.
قَالَ سَنَدٌ فَلَوْ خَرَجَ الْوَقْتُ صَلَّوْا أَرْبَعًا الا عِنْد عبد الْملك لعدم ايجابه الْخطْبَة.
الثَّامِنُ:
فِي الْكِتَابِ مَنْ خَرَجَ عَلَيْهِ الْإِمَامُ فِي صَلَاةٍ أَتَمَّهَا وَلَا يَبْتَدِئُ صَلَاةً بَعْدَ خُرُوجِهِ وَقَالَهُ ح وَقَالَ ش وَابْنُ حَنْبَلٍ يُحَيِّي الْمَسْجِدَ بَعْدَ خُرُوجِهِ مُحْتَجِّينَ بِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ قَالَ جَابر بَيْنَمَا النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَصَلَّيْتَ يَا فُلَانُ؟ قَالَ لَا قَالَ قُمْ فَارْكَعْ وَيُرْوَى إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ وَلْيَتَجَوَّزْ فِيهِمَا وَجَوَابُهُ أَنَّهَا قَضِيَّةُ عَيْنٍ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ تَرَكَ الْخَطَابَةَ حِينَ الصَّلَاةِ أَوْ كَانَ ذَا فَاقَةٍ فَقَصَدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ يُشَاهِدَهُ النَّاسُ أَوْ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِمَا يُرْوَى مِنَ النَّهْيِ عَنِ الصَّلَاةِ حِينَئِذٍ وَيُعَضِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ أَنْصِتْ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَقَدْ لَغَوْتَ فَنَهَى عَنِ النَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ الَّذِي هُوَ وَاجِبٌ فَأَوْلَى الْمَنْدُوبُ قَالَ سَنَدٌ وَلِهَذَا تَرَكَ الْخُطَبَاءُ الرُّكُوعَ إِذَا خَرَجُوا اشْتِغَالًا بِالْخُطْبَةِ الَّتِي هِيَ أهم قَالَ وَقَالَ مَالك أَيْضا لَهُ التنقل بَعْدَ الْخُرُوجِ حَتَّى يَرْقَى الْمِنْبَرَ فَإِنْ أَحْرَمَ بَعْدَ الْجُلُوسِ عِنْدَ الْأَذَانِ فَلِمَالِكٍ يَقْطَعُ لِعَدَمِ الْمَشْرُوعِيَّةِ وَلَا يَقْطَعُ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَوِّتْ وَاجِبًا وَلَوْ دَخَلَ فَأَحْرَمَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَقَوْلَانِ إِذْ لَا فرق بَين المسئلتين قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ هَذَا الْخِلَافُ فِي الدَّاخِلِ أَمَّا الْجَالِسُ فِي الْمَسْجِدِ فَيَقْطَعُ قَوْلًا وَاحِدًا اذ لَا خلاف فِيهِ.
التَّاسِعُ:
فِي الْكِتَابِ لَا يَذْكُرُ إِلَّا الشَّيْءَ الْخَفِيفَ فِي نَفْسِهِ وَيُنْصِتُ مِنْ بُعْدٍ كَمِنْ قُرْبٍ خِلَافًا لِابْنِ حَنْبَلٍ لِأَنَّ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ إِذَا خَطَبَ يَقُولُ إِذَا قَامَ الْإِمَامُ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَاسْتَمِعُوا وَأَنْصِتُوا فان للمنصت الَّذِي لَا يسمع من الْحَظ مِثْلَ مَا لِلْمُنْصِتِ السَّامِعِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَكَانَ إِجْمَاعًا قَالَ سَنَدٌ قَالَ مَالِكٌ وَلَا يُشَمِّتُ الْعَاطِسَ سِرًّا وَلَا جَهْرًا وَلَا يَرُدُّ سَلَامًا وَلَا يَشْرَبُ الْمَاءَ لِوُجُوبِ الْإِنْصَاتِ وَيُسْكِتُ النَّاسَ بِالتَّسْبِيحِ لِأَنَّهُ أُبِيحَ فِي الصَّلَاةِ وَبِالْإِشَارَةِ وَلَا يَحْصِبُهُمْ لِمَا فِي مُسْلِمٍ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَنْ حَرَّكَ الْحَصْبَاءَ لَغَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَالْأَمْرُ فِي التَّحْصِيبِ وَاسِعٌ فَفِي الْمُوَطَّأِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا رَأَى مُتَحَدِّثَيْنِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَحَصَبَهُمَا إِلَى أَنْ صَمَتَا قَالَ الْمَازِرِيُّ وَيَجِبُ الْإِنْصَاتُ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ قَالَ وَمُقْتَضى تَعْلِيل الْمَذْهَب إِيقَاع الصُّبْحِ الْمَنْسِيَّةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ وَقَدْ قَالَهُ بَعْضُ الْبَغْدَادِيِّينَ لِأَنَّهُ يَتْرُكُ الْوَاجِبَ لِمَا هُوَ أَوْجَبُ مِنْهُ قَالَ سَنَدٌ فَلَوْ لَغَا الْإِمَامُ بِلَغْوِ أَحَدٍ قَالَ مَالِكٌ يُنْصِتُونَ وَلَا يَتَكَلَّمُونَ لِاحْتِمَالِ عَوْدِهِ إِلَى الْخُطْبَةِ قَالَ أَشْهَبُ وَلَا يَقْطَعُ ذَلِكَ خُطْبَتَهُ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا يُنْصِتُونَ وَلَا يَتَحَوَّلُونَ عَنْهُ فَلَوِ اشْتَغَلَ بِقِرَاءَةِ كِتَابٍ وَنَحْوِهِ قَالَ مَالِكٌ لَيْسَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُنْصِتُوا وَفِي الْكِتَابِ إِذَا أَخَذَ فِي الْخُطْبَةِ اسْتَقْبَلَهُ النَّاسُ لِأَنَّ الِاسْتِمَاعَ بِالْأُذُنِ وَالْقَلْبِ وَالْعَيْنِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَدِّثِ النَّاسَ مَا حَدَّثُوكَ بِأَبْصَارِهِمْ قَالَ سَنَدٌ وَهُوَ مَنْدُوبٌ وَسَوَّى ابْنُ حَبِيبٍ فِيهِ بَيْنَ السَّامِعِ وَغَيْرِهِ.