فصل: السُّنَّةُ الرَّابِعَةُ: فِي الْجَوَاهِرِ مَسْحُ الْأُذُنَيْنِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الذخيرة (نسخة منقحة)



.السُّنَّةُ الرَّابِعَةُ: فِي الْجَوَاهِرِ مَسْحُ الْأُذُنَيْنِ:

بِمَاءٍ جَدِيدٍ لَهُمَا ظَاهِرِهِمَا وَبَاطِنِهِمَا خِلَافًا ش فِي غَسْلِ ظَاهِرِهِمَا وَبَاطِنِهِمَا قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ فَأَمَّا مَا قَرُبَ مِنَ الصِّمَاخَيْنِ مِمَّا لَا يُمْكِنُ غَسْلُهُ وَلَا صَبُّ الْمَاءِ عَلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْمَضَرَّةِ فَلَيْسَ بِمَشْرُوعٍ وَلَعَلَّ هَذَا الْقَوْلَ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِ ابْنِ الْجلاب وَيدخل أصبعيه فِي صماخيه من ظَاهِرُ الْأُذُنَيْنِ مِمَّا يَلِي الرَّأْسَ قَالَ ابْنُ شَاسٍ وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَقِيلَ مِمَّا يَلِي الْوَجْهَ وَيُقَالُ إِنَّ الْأُذُنَ فِي ابْتِدَاءِ خَلْقِهَا تَكُونُ مُغْلَقَةً كَزِرِّ الْوَرْدِ فَإِذَا كَمُلَ خَلْقُهَا انْفَتَحَتْ عَلَى الرَّأْسِ فَالظَّاهِرُ لِلْحِسِّ الْآنَ كَانَ بَاطِنًا أَوَّلًا وَالْبَاطِنُ كَانَ ظَاهِرًا فَيَبْقَى النَّظَرُ هَلْ يُعْتَبَرُ حَالُ الِانْتِهَاءِ لِأَنَّهُ الْوَاقِعُ حَالَ وُرُودِ الْخِطَابِ أَوْ يُعْتَبَرُ الِابْتِدَاءُ عَمَلًا بِالِاسْتِصْحَابِ.

.السُّنَّةُ الْخَامِسَةُ قَالَ رَدُّ الْيَدَيْنِ مِنْ مُؤَخَّرِ الرَّأْسِ إِلَى مُقَدَّمِهِ وَأَنْ يَبْدَأَ بِهِ:

وَفِي الْمُوَطَّأِ عَن عمر بن يحي الْمَازِرِيِّ أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُرِيَنِي كَيْفَ كَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ يَتَوَضَّأُ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ نَعَمْ فَدَعَا بِوَضُوئِهِ فَأَفْرَغَ عَلَى يَدِهِ فَغَسَلَ يَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلَاثًا ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ غَسَلَ يَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ ثُمَّ ذَهَبَ بِهِمَا إِلَى قَفَاهُ ثُمَّ رَدَّهُمَا حَتَّى رَجَعَا إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي قَوْلِهِ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ فَقِيلَ الْوَاوُ لَا تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ إِذِ الْوَاقِعُ أَنَّهُ أَدْبَرَ بِهِمَا وَأَقْبَلَ وَقِيلَ أَقْبَلَ بِهِمَا عَلَى قَفَاهُ وَأَدْبَرَ بِهِمَا عَنْ قَفَاهُ فَإِنَّ الْإِقْبَالَ وَالْإِدْبَارَ مِنَ الْأُمُورِ النِّسْبِيَّةِ وَقِيلَ بَدَأَ مِنْ وَسَطِ الرَّأْسِ وَأَقْبَلَ بِيَدَيْهِ عَلَى وَجْهِهِ ثُمَّ أَدْبَرَ بِهِمَا عَلَى قَفَاهُ ثُمَّ رَدَّهُمَا إِلَى مَوْضِعِ ابْتِدَائِهِ وَيَمْنَعُ هَذَا قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ مِنْ مُقَدَّمِ رَأْسِهِ وَأَنَّ أَعْضَاءَ الْوُضُوءِ كُلَّهَا تُبْتَدَأُ مِنْ أَطْرَافِهَا لَا مِنْ أَوْسَاطِهَا.
وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ الْجَلَّابِ يَبْدَأُ مِنْ مُقَدَّمِ رَأْسِهِ إِلَى قَفَاهُ وَاضِعا أَصَابِعه عَلَى وَسَطِ رَأْسِهِ رَافِعًا رَاحَتَيْهِ عَنْ فَوْدَيْهِ ثُمَّ يُقْبِلُ بِهِمَا لَاصِقًا رَاحَتَيْهِ بِفَوْدَيْهِ مُفَرِّقًا أَصَابِعَ يَدَيْهِ فَهَذِهِ الصِّفَةُ لَمْ تُعْلَمْ لِغَيْرِهِ قَصَدَ بِهَا عَلَى زَعْمِهِ عَدَمَ التَّكْرَارِ وَخَالَفَ السُّنَّةَ إِذِ التَّكْرَارُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَرْكِ مَا قَالَهُ لِأَنَّ التَّكْرَارَ إِنَّمَا يَكُونُ بِتَجْدِيدِ الْمَاءِ بِدَلِيلِ أَنَّ دَلْكَ الْيَدِ مِرَارًا بِمَاءٍ وَاحِدٍ لَا يُعَدُّ إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً فَكَذَلِكَ هَهُنَا.

.السُّنَّةُ السَّادِسَةُ فِي الْجَوَاهِرِ التَّرْتِيبُ:

وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ بِوُجُوبِهِ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ بِاسْتِحْبَابِهِ.
وَجْهُ الْأَوَّلِ: أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَدَلَ عَنْ حُرُوفِ التَّرْتِيبِ وَهِيَ الْفَاءُ وَثُمَّ إِلَى الْوَاوِ الَّتِي لَا تَقْتَضِي إِلَّا مُطْلَقَ الْجَمْعِ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهِ وَقَوْلُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا أُبَالِي إِذَا أَتْمَمْتُ وُضُوئِي بِأَيِّ أَعْضَائِي بَدَأْتُ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لَا بَأْسَ بِالْبِدَايَةِ بِالرِّجْلَيْنِ قَبْلَ الْيَدَيْنِ خَرَّجَ الْأَثَرَيْنِ الدَّارَقُطْنِيُّ مَعَ صُحْبَةِ عَلِيٍّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طُولَ عُمُرِهِ فَلَوْلَا اطِّلَاعُهُ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ لَمَا قَالَ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَالْقِيَاسُ عَلَى الْعُضْوِ الْوَاحِدِ بِجَامِعِ أَنَّ الْآيَةَ إِذَا دَلَّتْ عَلَى حُصُولِ الطَّهَارَةِ فِي الْعُضْوِ الْوَاحِدِ فِي الْجُمْلَةِ فَعَدَمُ وُجُوبِ التَّرْتِيبِ فِي الْأَعْضَاءِ أَوْلَى لِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَ فِي الْأَعْضَاءِ بِصِيغَةِ إِلَى الدَّالَّةِ عَلَى الْبِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَمْ يَجِبْ ذَلِكَ فَأَوْلَى أَلَّا يَجِبَ مَا لَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ.
وَأَمَّا اسْتِدْلَالُ الْأَصْحَابِ بِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَا نُبَالِي بَدَأْنَا بِأَيْمَانِنَا أَوْ بِأَيْسَارِنَا فَلَا حُجَّةَ فِيهِ على الشَّافِعِي لِأَنَّهُ لَا يَقُولُ بِوُجُوبِهِ بَيْنَ الْيَمِينِ وَالْيَسَارِ.
حُجَّةُ الْوُجُوبِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَّقَ بَيْنَ الْمُتَنَاسِبَاتِ فِي الْغَسْلِ وَهِيَ الرِّجْلَانِ وَمَا قَبْلَ الرَّأْسِ بِالرَّأْسِ وَالْأَصْلُ ضَمُّ الشَّيْءِ إِلَى مُنَاسِبِهِ وَمَا خُولِفَ الْأَصْلُ إِلَّا لِغَرَضِ التَّرْتِيبِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ غَيْرِهِ. وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «هَذَا وُضُوءٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ الصَّلَاةَ إِلَّا بِهِ» وَكَانَ مُرَتَّبًا وَإِلَّا كَانَ التَّنْكِيسُ وَاجِبًا وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ. وَالْقِيَاسُ عَلَى الصَّلَاةِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُشْتَمِلٌ عَلَى قُرُبَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ. فَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ أَنَّ الرِّجْلَيْنِ أَيْضًا مَمْسُوحَتَانِ بِدَلِيلِ قِرَاءَةِ الْخَفْضِ وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ حَالَةَ لُبْسِ الْخُفَّيْنِ فَإِنَّ الْمَاسِحَ عَلَى خُفَّيْهِ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَاسِحُ رِجْلَيْهِ كَمَا يَصْدُقُ عَلَى الْمَسْحِ بِالذِّرَاعِ إِنْ كَانَ مِنْ فَوْقِ الثَّوْبِ فَلَا يَحْصُلُ التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْمُتَنَاسِبَاتِ بَلِ الْجَمْعُ بَيْنَهَا. وَعَنِ الثَّانِي أَنَّ الْإِشَارَةَ فِي الْحَدِيثِ إِلَى غَسْلِ الْمَرَّةِ لَا إِلَى الْجَمِيعِ وَإِلَّا يَلْزَمُ التَّخْصِيصُ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَهُوَ خِلَافُ الأَصْل أم تَجِبُ هَذِهِ الْقُيُودُ وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ. وَعَنِ الثَّالِثِ بِالْفَرْقِ مِنْ وُجُوهٍ أَحَدُهَا أَنَّ الصَّلَاةَ مَقْصِدٌ وَالطَّهَارَةَ وَسِيلَةٌ وَالْمَقَاصِدُ أَعْلَى رُتْبَةً مِنَ الْوَسَائِلِ فَلَا يَلْزَمُ الْإِلْحَاقُ. وَثَانِيهَا أَنَّ الْمُصَلِّيَ يُنَاجِي رَبَّهُ فَيُشَبَّهُ بِقَارِعِ بَابٍ عَلَى رَبِّهِ لمناجاته فَكَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يَقِفَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَا يَسْتَفْتِحَ أَمْرَهُ بِالْجُلُوسِ وَيُثَنِّيَ بِالرُّكُوعِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إِلَى حَالَةِ الْقِيَامِ ثُمَّ إِذَا تَقَرَّبَ إِلَى رَبِّهِ بِالثَّنَاءِ عَلَى جَلَالِهِ وَالتَّذَلُّلِ بِرُكُوعِهِ لِعَظِيمِ عَلَائِهِ حَسُنَ مِنْهُ حِينَئِذٍ هَيْئَةُ الْجُلُوسِ.
وَأَمَّا الْوُضُوءُ فَالْمَقْصُودُ مِنْهُ طَرَفٌ وَاحِدٌ وَهُوَ رَفْعُ الْحَدَثِ وَذَلِكَ حَاصِلٌ بِاسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فِي الْأَعْضَاءِ.
وَثَالِثُهَا أَنَّ الصَّلَاةَ لَوْ لَمْ تَكُنْ مُرَتَّبَةً لَبَطَلَتِ الْإِمَامَةُ لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى لِلْإِمَامِ عِنْدَ الْمَأْمُومِ ضَابِطٌ يَسْتَدِلُّ بِهِ عَلَى أَيِّ رُكْنٍ شَرَعَ فِيهِ الْإِمَامُ فَتَبْطُلُ مَصَالِحُ الْإِمَامَةِ بِخِلَافِ الْوُضُوءِ. فَإِنْ فَرَّعْنَا عَلَى الْوُجُوبِ فَأَخَلَّ بِهِ ابْتَدَأَ عبد ابْن زِيَادٍ وَقِيلَ لَا يُعِيدُ لِأَنَّا إِنْ قُلْنَا بِوُجُوبِهِ فَلَيْسَ شَرْطًا فِي الصِّحَّةِ. وَإِنْ فَرَّعْنَا عَلَى أَنَّهُ سُنَّةٌ فَتَرْكُهُ عَمْدًا فَهُوَ كَالنِّسْيَانِ وَقِيلَ يُعِيدُ عَلَى الْخِلَافِ فِي تَعَمُّدِ تَرْكِ السُّنَنِ هَلْ يُبْطِلُ أَمْ لَا وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ فَضِيلَةٌ وَاسْتِحْبَابٌ فَلَا إِعَادَةَ وَحَيْثُ قُلْنَا يَبْدَأُ فَإِنْ كَانَ بِحَضْرَةِ الْمَاءِ ابْتَدَأَ لِلْيَسَارَةِ وَإِنْ بَعُدَ وَجَفَّ وُضُوؤُهُ فَقَوْلَانِ بِالْبِنَاءِ وَالِابْتِدَاءِ.
تَفْرِيعٌ:
قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ إِذَا بَدَأَ بِيَدَيْهِ ثُمَّ بِوَجْهِهِ ثُمَّ بِرَأْسِهِ ثُمَّ بِرِجْلَيْهِ أَعَادَ وُضُوءَهُ إِنْ كَانَ عَامِدًا أَوْ جَاهِلًا وَإِنْ كَانَ نَاسِيًا قَالَ مَالِكٌ أَخَّرَ مَا قَدَّمَ مِنْ غَسْلِ ذِرَاعَيْهِ وَلَا يُعِيدُ مَا بَعْدَهُ كَمَا لَوْ تَرَكَ غَسْلَهُمَا حَتَّى طَالَ أَعَادَهُمَا فَقَطْ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يُؤَخِّرُ مَا قَدَّمَ ثُمَّ يَغْسِلُ مَا يَلِيهِ طَالَ أَوْ لَمْ يَطُلْ لِتَحْصِيلِ حَقِيقَةِ التَّرْتِيبِ فَإِنَّهُ إِذَا لَمْ يُعِدْ غَسْلَ رِجْلَيْهِ وَقَعَ غَسْلُ ذِرَاعَيْهِ آخِرًا فَلَوْ بَدَأَ بِوَجْهِهِ ثُمَّ رَأْسِهِ ثُمَّ ذِرَاعَيْهِ ثُمَّ رِجْلَيْهِ أَعَادَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ رَأْسَهُ فَقَطْ فَيَرْتَفِعُ الْخَلَلُ حَيْثُ قَدَّمَهُ عَلَى مَحَلِّهِ وَعِنْدَ غَيْرِهِ يَمْسَحُ رَأْسَهُ ثُمَّ يَغْسِلُ رِجْلَيْهِ لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يُعِدْ مَسْحَ رَأْسَهُ فَكَأَنَّهُ أَسْقَطَهُ فَوَقَعَ غَسْلُ يَدَيْهِ بَعْدَ وَجْهِهِ وَلَوْ غَسَلَ رِجْلَيْهِ قَبْلَ ذِرَاعَيْهِ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَعِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ يُعِيدُ مَسْحَ رَأْسِهِ لِأَنَّهُ مَا وَقَعَ بَعْدَ يَدَيْهِ وَيُعِيدُ غَسْلَ رِجْلَيْهِ لهَذِهِ الْعلَّة ويتفق ابْن الْقَاسِم وَغَيره هَهُنَا وَإِذَا قُلْنَا يُعِيدُ مَسْحَ رَأْسِهِ وَغَسْلَ رِجْلَيْهِ فَبَدَأَ بِرِجْلَيْهِ فَيَحْتَمِلُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ الْإِجْزَاءَ لِأَنَّ مَسْحَ الرَّأْسِ يُعْتَدُّ بِهِ فِي رَفْعِ الْحَدَثِ وَوَقَعَ غَسْلُ رِجْلَيْهِ بَعْدَ مَسْحِ رَأْسِهِ فَلَا خَلَلَ فِيهِ فَإِذَا أَعَادَ غَسْلَ رِجْلَيْهِ فَقَطْ وَقَعَ بَعْدَ ذِرَاعَيْهِ وَبَعْدَ الرَّأْسِ أَعْنِي فِي الطَّهَارَةِ الْأُولَى فَيَحْصُلُ التَّرْتِيبُ بِمَجْمُوعِهِمَا وَأَعَادَ رَأْسَهُ لِيَقَعَ بَعْدَ الْيَدَيْنِ وَعِنْدَ غَيْرِهِ إِذَا مَسَحَ رَأْسَهُ أَعَادَ رِجْلَيْهِ لِيَكُونَ آخِرَ فِعْلِهِ. فَإِنْ غَسَلَ وَجْهَهُ ثُمَّ رِجْلَيْهِ ثُمَّ رَأْسِهِ ثُمَّ ذِرَاعَيْهِ فَالِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّهُ يُعِيدُ رَأْسَهُ ثُمَّ رِجْلَيْهِ لِأَنَّهُ قَدَّمَهُمَا وَرَأْسَهُ عَلَى يَدَيْهِ فَيُؤَخِّرُ مَا قُدِّمَ فَيَمْسَحُ رَأْسَهُ لِيَقَعَ ذَلِكَ بَعْدَ يَدَيْهِ ثُمَّ يَغْسِلُ رِجْلَيْهِ. فَلَوْ أَنَّهُ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا بَدَأَ بِرِجْلَيْهِ ثُمَّ بِرَأْسِهِ فَيَحْتَمِلُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنْ يُجْزِئَهُ لِأَنَّ مَسْحَهُ رَأْسَهُ الْأَوَّلَ قَدْ وَقَعَ بَعْدَ الرِّجْلَيْنِ أَوَّلًا وَإِنَّمَا مَسَحَ رَأْسَهُ الْآنَ لِيَقَعَ بَعْدَ ذِرَاعَيْهِ وَعِنْدَ غَيْرِهِ يُعِيدُ رِجْلَيْهِ بَعْدَ رَأسه ليَكُون آخر فعله. فول بَدَأَ بِوَجْهِهِ ثُمَّ رِجْلَيْهِ ثُمَّ ذِرَاعَيْهِ ثُمَّ رَأْسِهِ أَعَادَ رِجْلَيْهِ فَقَطِ اتِّفَاقًا لِأَنَّ يَدَيْهِ غُسِلَتْ بَعْدَ وَجْهِهِ وَمَسَحَ رَأْسَهُ بَعْدَ يَدَيْهِ فَيَغْسِلُ رِجْلَيْهِ بَعْدَ رَأْسِهِ وَقَدْ ذَهَبَ الْخَلَلُ. وَالْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ عِنْدَ ابْنِ حَبِيبٍ وَعِنْدَ عَبْدِ الْمَلِكِ أَنَّ الْمُقَدَّمَ عَلَى الْوَجْهِ يُلْغَى وَالْمُقَدَّمَ عَلَى الْيَدَيْنِ بَعْدَ الْوَجْهِ يُلْغَى وَالْمُؤَخَّرَ بَعْدَ الْيَدَيْنِ مِنْ قَبْلِ الرَّأْسِ يُلْغَى وَالْمُؤَخَّرَ بَعْدَ الرَّأْسِ قَبْلَ الرِّجْلَيْنِ يُلْغَى. وَعِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ الْمُقَدَّمُ فِي حُكْمِ الْمُلْغَى عَلَى مَا قَدَّمَهُ عَلَيْهِ وَمَا وَقَعَ بَعْدَ الْمُقَدَّمِ مِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يَتَأَخَّرَ عَنْهُ فَهُوَ مُرَتَّبٌ عَلَيْهِ فَيَكُونُ الْمُقَدَّمُ مُلْغًى فِي حَقِّ مَا تَقَدَّمَ عَلَيْهِ ثَابِتًا فِي حَقِّ مَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ فَالَّذِي بَدَأَ بِذِرَاعَيْهِ ثُمَّ وَجْهِهِ ثُمَّ رَأْسِهِ ثُمَّ رِجْلَيْهِ عِنْدَ عَبْدِ الْمَلِكِ لَمَّا بَدَأَ بِذِرَاعَيْهِ قَبْلَ وَجْهِهِ كَانَ غَسْلُ ذِرَاعَيْهِ مُلْغًى وَيُعِيدُ وَجْهَهُ لِأَنَّهُ لَوِ اسْتَفْتَى حِينَئِذٍ عَالِمًا لَقَالَ لَهُ اغْسِلْ وَجْهَكَ وَيَكُونُ غَسْلُ وَجْهِهِ أَوَّلًا غَيْرَ مُعْتَدٍّ بِهِ ثُمَّ كَانَ شَأْنُهُ بَعْدَ وَجْهِهِ أَنْ يَغْسِلَ يَدَيْهِ فَمَسْحُهُ رَأسه بعد وَجهه ملغى للوقوعه قَبْلَ مَوْقِعِهِ وَلَوِ اسْتَفْتَى حِينَئِذٍ لَقِيلَ لَهُ اغْسِلْ ذِرَاعَيْكَ وَإِذَا أُلْغِيَ مَسْحُ رَأْسِهِ كَانَ الصَّوَابُ أَنْ يَغْسِلَ ذِرَاعَيْهِ فَغَسْلُ رِجْلَيْهِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ مُلْغًى لِوُقُوعِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا الْوَجْهُ فَيُعِيدُ مِنْ ذَلِكَ إِلَى آخِرِ وُضُوئِهِ وَعِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ لَمَّا قَدَّمَ يَدَيْهِ عَلَى الْوَجْهِ كَانَ ذَلِكَ مُلْغًى فِي حَقِّ الْوَجْهِ فَيَقَعُ مَسْحُ رَأْسِهِ بَعْدَ الْيَدَيْنِ وَالْوَجْهِ وَذَلِكَ مَوْضِعُهُ فَرَتَّبَ الرَّأْسَ عَلَى سَبْقِ الْيَدَيْنِ لَهُ وَالرِّجْلَيْنِ عَلَى الرَّأْسِ وَيَبْقَى الْخَلَلُ بَيْنَ الْيَدَيْنِ وَالْوَجْهِ فَقَطْ فَإِذَا أَعَادَ غَسْلَ يَدَيْهِ انْجَبَرَ الْخَلَلُ. وَإِذَا بَدَأَ بِذِرَاعَيْهِ ثُمَّ رَأْسِهِ ثُمَّ وَجْهِهِ ثُمَّ رِجْلَيْهِ فَعِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَعَ الْيَدَانِ مُقَدَّمَتَيْنِ عَلَى الْوَجْهِ وَكَذَلِكَ الرَّأْس وَالرجلَانِ مُؤَخَّرَتَيْنِ عَنِ الْجَمِيعِ وَهُوَ الصَّوَابُ فَيُعِيدُ يَدَيْهِ وَرَأْسَهُ فَقَطْ وَعِنْدَ الْغَيْرِ يُعِيدُ يَدَيْهِ وَرَأْسَهُ وَرِجْلَيْهِ. فَإِنْ بَدَأَ بِالرَّأْسِ ثُمَّ الْوَجْهِ ثُمَّ الْيَدَيْنِ ثُمَّ الرِّجْلَيْنِ فَعِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ يُعِيدُ رَأْسَهُ لِيَتَأَخَّرَ عَنْ يَدَيْهِ وَلَا يُعِيدُ رِجْلَيْهِ لِيُوقِعَهُ بَعْدَ رَأْسِهِ وَعِنْدَ الْغَيْرِ يَمْسَحُ رَأْسَهُ ثُمَّ وَجْهَهُ فَإِنْ بَدَأَ بِرَأْسِهِ ثُمَّ رِجْلَيْهِ ثُمَّ وَجْهِهِ ثُمَّ يَدَيْهِ أَعَادَ رَأْسَهُ ثُمَّ رِجْلَيْهِ اتِّفَاقًا. وَلَوْ بَدَأَ بِرِجْلَيْهِ ثُمَّ وَجْهِهِ ثُمَّ يَدَيْهِ ثُمَّ رَأْسِهِ أَعَادَ رِجْلَيْهِ وِفَاقًا. وَلَوْ بَدَأَ بِرِجْلَيْهِ ثُمَّ يَدَيْهِ ثُمَّ وَجْهِهِ ثُمَّ رَأْسِهِ فَعِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ يُعِيدُ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فَقَطْ لِأَنَّ رِجْلَيْهِ مُقَدَّمَتَانِ عَلَى مَا حَقُّهُمَا أَنْ تَتَأَخَّرَا عَنْهُ وَكَذَلِكَ يَدَاهُ تَقَدَّمَتْ عَلَى الْوَجْهِ وَحُكْمُهُمَا التَّأْخِيرُ وَمَسْحُ الرَّأْسِ لَمْ يَقَعْ مُقَدَّمًا عَلَى مَا يَتَقَدَّمُهُ وَعِنْدَ الْغَيْرِ يُعِيدُ يَدَيْهِ ثُمَّ رَأْسَهُ لِيَقَعَ بَعْدَ الْيَدَيْنِ ثُمَّ رِجْلَيْهِ وَلَوْ بَدَأَ بِرِجْلَيْهِ ثُمَّ رَأْسِهِ ثُمَّ وَجْهِهِ ثُمَّ يَدَيْهِ لَأَعَادَ رَأْسَهُ وَرِجْلَيْهِ وفَاقا وَلَو قلت هَهُنَا بِيَدَيْهِ ثُمَّ بِالْوَجْهِ أَعَادَ يَدَيْهِ إِلَى آخِرِ وُضُوئِهِ وِفَاقًا.
فُرُوعٌ خَمْسَةٌ:
الْأَوَّلُ:
فِي الْجَوَاهِرِ يُسْتَحَبُّ الِابْتِدَاءُ بِالْيَمِينِ مِنَ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِمَيَامِنِهِ» رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ وَأَدْخَلَهُ سَحْنُونُ فِي الْكِتَابِ وَلِأَنَّهُ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
الثَّانِي:
قَالَ الْمَازِرِيُّ إِذَا أَمَرَ الْمُتَوَضِّئُ أَرْبَعَةَ رِجَالٍ أَنْ يُطَهِّرُوا أَعْضَاءَهُ مَعًا فَقَالَ بَعْضُ مَنْ أَوْجَبَ التَّرْتِيبَ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُنَكِّسِ لِأَنَّهُ لَمْ يُقَدِّمْ مَا وَجَبَ تَقْدِيمُهُ.
الثَّالِثُ:
فِي الطَّرَّازِ الْقَوْلُ بِالْوُجُوبِ مُخْتَصٌّ بِالْوَاجِبِ دون الْمسنون وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِأَنَّ مَا لَا يَجِبُ أَصْلُهُ كَيْفَ يَجِبُ وَصْفُهُ.
الرَّابِعُ:
لَوْ تَرَكَ التَّرْتِيبَ حَتَّى صَلَّى قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ يُعِيدُ مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ فِي وُجُوبِهِ قَالَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَالْفَرْقُ بَيْنَ إِعَادَةِ الْوُضُوءِ لِأَجْلِهِ وَإِعَادَةِ الصَّلَاةِ أَنَّ إِعَادَةَ الْوُضُوءِ مُرَغَّبٌ فِيهِ بِدَلِيلِ الْأَمْرِ بِالتَّجْدِيدِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ «لَا تُصَلُّوا فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ».
الْخَامِسُ:
إِذَا نَكَّسَ مَسْنُونُ وُضُوئِهِ فَبَدَأَ بِالْوَجْهِ قَبْلَهُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ إِنْ كَانَ سَاهِيًا لم يعد وَجهه قَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا أَوْ عَامِدًا فَظَاهِرُ الْمُوَطَّأِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يَبْتَدِئُ الْوُضُوءَ وَسَوَّى بَيْنَ الْمَفْرُوضِ وَالْمَسْنُونِ.
سُؤَالٌ:
نَدَبَ الشَّرْعُ لِتَقْدِيمِ الْيُمْنَى مِنَ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ وَالْجَنْبَيْنِ فِي الْغَسْلِ وَالْوُضُوءِ وَلَمْ يَنْدُبْ لِتَقْدِيمِ الْيُمْنَى مِنَ الْأُذُنَيْنِ أَوِ الْفَوْدَيْنِ أَوِ الْخَدَّيْنِ أَوِ الصُّدْغَيْنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَمَا الْفَرْقُ؟
جَوَابُهُ:
أَنَّ أُولَئِكَ الْأَعْضَاءَ الْمُقَدَّمَةَ اشْتَمَلَتْ عَلَى مَنَافِعَ تَقْتَضِي شَرَفَهَا فَقَدَّمَهَا الشَّرْعُ لِذَلِكَ. بَيَانُهُ الْيَدُ الْيُمْنَى فِيهَا مِنَ الْحَرَارَةِ الْغَرِيزِيَّةِ وَالْقُوَّةِ وَوُفُورِ الْخَلْقِ وَالصَّلَاحِيَّةِ لِلْأَعْمَالِ مَا لَيْسَ فِي الْيَسَارِ وَذَلِكَ أَنَّ الْخَاتَمَ يَضِيقُ فِي الْيُمْنَى وَيَتَّسِعُ فِي الْيَسَارِ وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الرِّجْلَيْنِ وَمَنِ اعْتَبَرَ ذَلِكَ وَجَدَهُ مُقْتَضَى الْخِلْقَةِ الْأُولَى مَا لَمْ تُعَارِضْهُ عَادَةٌ فَاسِدَةٌ عَنِ الْخَلْقِ الْأَصْلِيِّ. وَأَمَّا الْأُذُنَانِ وَنَحْوُهُمَا فَمُسْتَوِيَانِ فِي الْمَنَافِعِ وَصِفَاتِ الشَّرَفِ فَلَمْ يُقَدِّمِ الشَّرْعُ يَمِينَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عَلَى يَسَارِهِ وَقَدَّمَ الْجَنْبَ الْأَيْمَنَ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْأَعْضَاءِ الشَّرِيفَةِ الْمَذْكُورَةِ. تَذْيِيلٌ يَبْدَأُ بِالْأَعَالِي فِي الطَّهَارَةِ لِشَرَفِهَا لِمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ الْوَجْهُ مِنَ الْحَوَاسِّ وَالنُّطْقِ وَيُثَنِّي بِالْيَدَيْنِ لِكَثْرَةِ دُخُولِهِمَا فِي الطَّاعَةِ وَغَيْرِهَا وَيُقَدِّمُ الرَّأْسَ عَلَى الرِّجْلَيْنِ لِشَرَفِهِ لِمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنَ الْقُوَى الْمُدْرِكَةِ وَالْحِكْمَةِ وَقُدِّمَ الْفَمُ عَلَى الْأَنْفِ لِشَرَفِهِ بِالذَّوْقِ وَالنُّطْقِ وَقُدِّمَ الْفَرْجَانِ مُحَافَظَةً عَلَى الطَّهَارَةِ مِنَ النَّقْضِ.