فصل: السَّبَبُ الثَّالِثُ فِي الْجَوَاهِرِ: الشَّكُّ فِي تَحَقُّقِ الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ وَالْإِنْزَالِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الذخيرة (نسخة منقحة)



.السَّبَبُ الثَّالِثُ فِي الْجَوَاهِرِ: الشَّكُّ فِي تَحَقُّقِ الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ وَالْإِنْزَالِ:

فَإِنْ وَجَدَ بَلَلًا وَلَا يَدْرِي أَهْوَ مَذْيٌ أَوْ مَنِيٌّ وَأَيْقَنَ أَنَّهُ لَيْسَ بِعَرَقٍ قَالَ مَالِكٌ لَا أَدْرِي مَا هَذَا قَالَ ابْنُ نَافِعٍ يَغْتَسِلُ وَقَالَ ابْنُ زِيَادٍ لَا يَلْزَمُهُ إِلَّا الْوُضُوءُ مَعَ غَسْلِ الذَّكَرِ وَقَالَ ابْنُ سَابِقٍ هَذَا يَنْبَنِي عَلَى أَصْلِ مَالِكٍ فِي تَيَقُّنِ الطَّهَارَةِ وَالشَّكِّ فِي الْحَدَثِ.

.السَّبَبُ الرَّابِعُ: تَجَدُّدُ الْإِسْلَامِ:

قَالَ مَالِكٌ فِي الْكِتَابِ عَلَيْهِ الْغُسْلُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ يَكْفِيهِ الْوُضُوءُ وَفَرَّقَ ابْنُ الْقَاسِمِ بَيْنَ مَنْ أَجْنَبَ فَيَغْتَسِلُ وَبَيْنَ مَنْ لَمْ يُجْنِبْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ إِلَّا الْوضُوء. قَالَ ابْن شاش وَالْمَشْهُور اخْتِصَاص الْوُجُوب بِالْجِنَايَةِ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ فَأَمَّا الْوُجُوبُ عَلَى مَنْ أَجْنَبَ وَمَنْ لَمْ يُجْنِبْ فَمُشْكِلٌ وَأَمَّا التَّفْرِقَةُ فَقَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ هُوَ مَأْمُورٌ بِالْوُضُوءِ إِجْمَاعًا وَإِذَا لَمْ يُسْقِطِ الْإِسْلَامُ الْحَدَثَ الْأَصْغَرَ فَأَوْلَى أَلَّا يُسْقِطَ الْأَكْبَرَ وَلِأَنَّ الْحَائِضَ إِذَا أَسْلَمَتْ بَعْدَ طُهْرِهَا لَا تَتَوَضَّأُ حَتَّى تَغْتَسِلَ وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ الَّتِي هُوَ مُسْتَقْبِلُهَا مِنْ شَرْطِهَا الطَّهَارَةُ مِنَ الْحَدَثَيْنِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ تَحْصِيلُ الشَّرْطِ لَا أَنَّهُ مُؤَاخَذٌ بِأَمْرِ تَقَدُّمِ الْإِسْلَامِ فَيَسْقُطُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «الْإِسْلَامُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ» بَلْ هَذَا الْأَمْرُ أَوْجَبَهُ الْإِسْلَامُ لِأَنَّ الصَّلَاةَ وَالطَّهَارَةَ مِنْ آثَارِ الْإِسْلَامِ فَلَا يُسْقِطُهُمَا الْإِسْلَامُ وَأَمَّا الِاسْتِحْبَابُ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَكَمَا قَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ لَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِالْغُسْلِ وَأَكْثَرُ مَنْ أَسْلَمَ مُحْتَلِمٌ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْجَنَابَةِ وَالْحَدَثِ الْأَصْغَرِ أَنَّ الْجَنَابَةَ صَدَرَتْ فِي وَقْتٍ لَمْ يُخَاطِبْ فِيهَا أَحْكَامَ الْفُرُوعِ وَإِذَا سَقَطَ الْخِطَابُ بِالْحُكْمِ سَقَطَ الْخِطَابُ بِأَسْبَابِهِ وَشُرُوطِهِ وَمَوَانِعِهِ لِأَنَّ الْخِطَابَ بِهَا لِأَجْلِهِ وَأَمَّا الْحَدَثُ الْأَصْغَرُ الصَّادِرُ فِي الْكُفْرِ فَيَلْزَمُ هَذَا التَّقْرِيرَ سُقُوطُهُ أَيْضًا لَكِنْ يَجِبُ الْوُضُوءُ لِلصَّلَاةِ لَا لِلْحَدَثِ السَّابِقِ بَلْ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ شَرْطٌ فِي الصَّلَاةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِذَا قُمْتُم إِلَى الصَّلَاة فَاغْسِلُوا} الْآيَةَ فَدَلَّتْ عَلَى إِيجَابِ الْوُضُوءِ دُونَ الْغُسْلِ. فَإِنْ قُلْتَ فَقَدْ قَالَ تَعَالَى {حَتَّى تَغْتَسِلُوا} فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْغُسْلَ شَرْطٌ. قُلْتُ يُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى جَنَابَةِ الْإِسْلَامِ جَمْعًا بَيْنَ الْآيَةِ وَعَدَمِ أَمْرِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِمَنْ أَسْلَمَ بِالِاغْتِسَالِ. وَيُسْتَحَبُّ لَهُ الْغُسْلُ لِأَنَّهُ مُسْتَقْبِلٌ أَعْظَمَ الْقُرَبِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَطَهَّرَ لَهَا كَمَا يَتَطَهَّرُ للْإِحْرَام وَدخُول مَكَّة وشهود الْجُمُعَة وَهَهُنَا أَوْلَى. وَأَمَّا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام أَمر قبس بْنَ عَاصِمٍ أَنْ يَغْتَسِلَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْوُجُوبِ لِظَاهِرِ الْأَمْرِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ بِهِ النَّظَافَةُ لَا الْعِبَادَةُ بِدَلِيلِ أَمْرِهِ بِالسِّدْرِ وَالسِّدْرُ إِنَّمَا يُقْصَدُ لِلنَّظَافَةِ وَلَعَلَّهُ رَآهُ مُشَوَّهًا بِالدَّرَنِ.
فُرُوعٌ سِتَّةٌ:
الْأَوَّلُ:
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْكِتَابِ إِذَا اغْتَسَلَ قَبْلَ إِسْلَامِهِ وَهُوَ عَازِمٌ عَلَيْهِ أَجْزَأَهُ لِمَا فِي مُسْلِمٍ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بَعَثَ خَيْلًا قِبَلَ نَجْدٍ فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ ثُمَامَةُ بْنُ أَثَالٍ سَيِّدُ أَهْلِ الْيَمَامَةِ فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ وَسَاقَ الْحَدِيثَ إِلَى أَنْ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «أَطْلِقُوهُ إِلَى تَمَامِهِ» فَانْطَلَقَ إِلَى جَبَلٍ قَرِيبٍ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَأَسْلَمَ وَلِأَنَّ الْكُفْرَ يَحْصُلُ بِالِاعْتِقَادِ إِجْمَاعًا.
وَاخْتَلَفُوا هَلْ يَحْصُلُ الْإِيمَانُ بِمُجَرَّدِ الِاعْتِقَادِ لِأَنَّهُ ضِدَّهُ فَإِذَا ارْتَفَعَ أَحَدُ الضِّدَّيْنِ تَعَيَّنَ الْآخَرُ وَلِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَبِلَ إِسْلَامَ الْجَارِيَةِ وَلَمْ يَصْدُرْ مِنْهَا إِلَّا إِشَارَتُهَا إِلَى السَّمَاءِ أَوْ لَا يَحْصُلُ الْإِيمَانُ إِلَّا بِالْإِقْرَارِ؟ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ مِنَ الْأُصُولِيِّينَ بِشَرْطِ إِمْكَانِ التَّلَفُّظِ وَآيُ الْقُرْآنِ تَشْهَدُ لَهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَيْثُ ذَكَرَ الْإِيمَانَ فِي كِتَابِهِ ذَكَرَهُ مَقْرُونًا بِالْبَاءِ كَقَوْلِهِ {وَمن لم يُؤمن بِاللَّه وَرَسُوله} وَآمَنَ يَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ قَالَ أَرْبَابُ عِلْمِ الْبَيَانِ إِنَّمَا دَخَلَتْ هَذِهِ الْبَاءُ لِأَنَّ الْفِعْلَ مُضَمَّنٌ مَعْنَى أَقَرَّ وَالْإِقْرَارُ يَتَعَدَّى بِالْبَاءِ فَيَكُونُ الْمَعْنَى وَمَنْ لَمْ يُصَدِّقْ بِقَلْبِهِ وَيُقِرَّ بِلِسَانِهِ وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْآيَاتِ كَمَا قَالَ الْفَرَزْدَقُ:
كَيْفَ تَرَانِي قَالِبًا مِجَنِّي ** قَدْ قَتَلَ اللَّهُ زِيَادًا عَنِّي

أَيْ صَرْفَهُ بِالْقَتْلِ فَضُمِّنَ قَتَلَ مَعْنَى صَرَفَ فَعَدَّاهُ بِعْنَ كَمَا يَتَعَدَّى صَرَفَ وَهُوَ مِنْ أَسْرَارِ كَلَامِ الْعَرَبِ وَجَوَامِعِ كَلِمِهَا لِتَعْبِيرِهَا عَنِ الْجُمْلَتَيْنِ بِجُمْلَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ صَرَفَهُ فَقَتَلَهُ فَقَالَ قَتَلَهُ عَنِّي فَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ تَظْهَرُ صِحَّةُ الْغُسْلِ وَعَلَى الثَّانِي يُشْكِلُ لِأَنَّ الْإِيمَانَ إِذَا لَمْ يُقْبَلْ فَأَوْلَى الْغُسْلُ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ التَّلَفُّظَ اللَّاحِقَ لَمَّا صَحَّحَ التَّصْدِيقَ السَّابِقَ صَحَّحَ الْغُسْلَ السَّابِقَ أَيْضًا فَيَكُونُ الْإِيمَانُ الْقَلْبِيُّ وَالْغُسْلُ مَوْقُوفَيْنِ عَلَى التَّلَفُّظِ فَإِذَا تَلَفَّظَ صَحَّا جَمِيعًا وَيَصِحُّ الْغُسْلُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى لِأَنَّ الْأَدْنَى يَتْبَعُ الْأَعْلَى.
الثَّانِي:
لَوْ كَانَ الْكَافِرُ يَعْتَقِدُ دِينًا يَقْتَضِي الْغُسْلَ مِنَ الْجَنَابَةِ فَاغْتَسَلَ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ الظَّاهِرُ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ وَهُوَ مُخْتَلَفٌ وَقَدْ خَرَّجَهُ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى غُسْلِ الذِّمِّيَّةِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهَا لَا تَحْتَاجُ إِلَى إِعَادَتِهِ بَعْدَهُ بِاعْتِبَارِ إِبَاحَةِ الْوَطْءِ بِهِ.
الثَّالِثُ:
قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ يَنْوِي بِغُسْلِهِ الْجَنَابَةَ فَإِنْ نَوَى الْإِسْلَامَ أَجْزَأَهُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ لِأَنَّهُ نَوَى بِذَلِكَ الطُّهْرَ عَلَى وَجْهِ اللُّزُومِ كَمَا أَنَّ الْوُضُوءَ إِذَا نَوَى بِهِ الصَّلَاةَ ارْتَفَعَ الْحَدَثُ عَلَى وَجْهِ اللُّزُومِ.
الرَّابِعُ:
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إِذَا لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ يَتَيَمَّمُ فَإِنْ أَدْرَكَ الْمَاءَ اغْتَسَلَ وَيَنْوِي بِتَيَمُّمِهِ الْجَنَابَةَ عِنْدَ فِعْلِ الصَّلَاةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ تَيَمُّمُهُ عِنْدَ فِعْلِ الصَّلَاةِ وَأَحْكَامُهُ أَحْكَامُ الْمُتَيَمِّمِ قَالَ أَبُو الطَّاهِرِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إِنْ تَعَذَّرَ الْغُسْلُ فَلَا يَتَيَمَّمُ.
الْخَامِسُ:
قَالَ ابْنُ شَاسٍ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ غُسْلُ الْكَافِرِ إِذَا أَسْلَمَ تَعَبُّدٌ وَعَلَى الْمَشْهُورِ مُعَلَّلٌ بِالْجَنَابَةِ وَيَتَخَرَّجُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ غُسْلُ مَنْ لَمْ يُجْنِبْ.
السَّادِسُ:
قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ يُؤْمَرُ مَنْ أَسْلَمَ أَنْ يَغْتَسِلَ وَيَحْلِقُ رَأْسَهُ إِنْ كَانَ قَزَعًا وَنَحْوه وَاسْتحبَّ الشَّافِعِي حَلْقَهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ لِمَا فِي أَبِي دَاوُدَ عَن عثيم بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ قَالَ لَمَّا أَسْلَمْتُ قَالَ لِي عَلَيْهِ السَّلَامُ: «أَلْقِ عَنْكَ شَعْرَ الْكُفْرِ» وَمَعْنَاهُ الَّذِي هُوَ زِيُّ الْكُفْرِ وَإِلَّا فَقَدَ كَانَ النَّاسُ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا بِغَيْرِ حَلْقٍ.

.السَّبَبُ الْخَامِسُ: إِلْقَاءُ الْوَلَدِ جَافًّا:

قَالَ الْقَاضِي فِي التَّلْقِينِ يُوجِبُ الْغُسْلَ وَرَوَاهُ أَشْهَبُ وَغَيْرُهُ عَنْ مَالِكٍ وَقَالَ اللَّخْمِيُّ لَا غُسْلَ عَلَيْهَا وَمَعْنَى الْأَوَّلِ أَنَّهُ يَجِبُ الْغُسْلُ عَلَيْهَا بِخُرُوجِ مَائِهَا وَالْوَلَدُ مُشْتَمِلٌ عَلَى مَائِهَا لِأَنَّهُ مِنْهُ خُلِقَ فَيَجِبُ عَلَيْهَا بِخُرُوجِهِ وَوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ مَاءَهَا قَدِ اسْتَحَالَ عَنْ هَيْئَتِهِ الَّتِي مِنْهَا الْغُسْلُ فَأَشْبَهَ حَالَةَ السَّلَسِ بَلْ هَذَا أَشَدُّ بُعْدًا.

.الْفَصْلُ الثَّانِي: فِي كَيْفِيَّةِ الْغُسْلِ:

وَصِفَةُ سَائِرِ الْأَغْسَالِ وَاحِدَةٌ وَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى فُرُوضٍ وَسُنَنٍ وَفَضَائِلَ:

.فَفُرُوضُهُ خَمْسَةٌ:

.الْأَوَّلُ: الْمَاءُ الطَّهُورُ:

وَقَدْ تَقَدَّمَ تَحْرِيرُهُ لَكِنْ كَرِهَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْكِتَابِ الِاغْتِسَالَ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَالْقَصْرِيَّةِ وَالْبِئْرِ الْقَلِيلَةِ الْمَاءِ إِذَا وَجَدَ مِنْ ذَلِكَ بدا وَفِي مُسلم قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: «لايغتسل أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَهُوَ جُنُبٌ» وَهُوَ يُفْسِدُهُ إِمَّا لِنَجَاسَتِهِ عَلَى رَأْيِ الْحَنَفِيَّةِ وَإِمَّا لِأَنَّ النُّفُوسَ تَعَافُهُ لِلطَّعَامِ وَالشَّرَابِ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ طَهُورًا وَفِي الْكِتَابِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ سَأَلْتُ مَالِكًا عَنِ الْبِئْرِ الْقَلِيلَةِ الْمَاءِ يَأْتِيهَا الْجُنُبُ وَلَيْسَ مَعَهُ مَا يَغْرِفُ بِهِ وَفِي يَده قذره قَالَ يَحْتَالُ حَتَّى يَغْسِلَ يَدَهُ. قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَجْهُ الْحِيلَةِ أَنْ يَرْفَعَ الْمَاءَ بِفِيهِ وَيَغْسِلَ يَدَيْهِ بِهِ أَعْلَى الْبِئْرِ مِرَارًا إِنْ أَمْكَنَ الصُّعُودُ أَوْ يَسْكُبَ عَلَى يَدِهِ مِنْ فَمه ويغسلها عِنْد الْحَائِط الْبِئْرِ إِنْ تَعَذَّرَ الصُّعُودُ حَتَّى لَا يَبْقَى فِي يَدِهِ مَا يَظْهَرُ لَهُ أَثَرٌ فِي إِفْسَادِ الْمَاءِ.

.الْفَرْضُ الثَّانِي: النِّيَّةُ:

وَقَدْ تَقَدَّمَتْ مَبَاحِثُهَا فِي الْوُضُوءِ فَلْنَكْتَفِ بِمَا هُنَاكَ وَنَذْكُرْ مَا يَخْتَصُّ بِهَذَا الْبَابِ وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ إِذَا اغْتَسَلَ لِلْجُمُعَةِ أَوْ لِلتَّبَرُّدِ وَلَمْ يَنْوِ الْجَنَابَةَ لَا يُجْزِئُهُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى».
قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ: رَوَى أَشْهَبُ وَابْنُ نَافِعٍ وَابْنُ كِنَانَةَ عَنْ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْإِجْزَاءَ وَأَفْتَوْا بِهِ قِيَاسًا عَلَى مَنْ تَوَضَّأَ لِنَافِلَةٍ فَإِنَّهُ يُجْزِئُ لِلْفَرِيضَةِ. وَلِأَنَّ غُسْلَ الْجُمُعَةِ إِنَّمَا شُرِعَ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ إِذْ لَا يُؤْمَرُ بِهِ مَنْ لَا يُصَلِّيهَا فَالْغُسْلُ لَهَا يَتَضَمَّنُ رَفْعَ مَا يَمْنَعُ مِنْهَا كَالْوُضُوءِ لِلنَّافِلَةِ.
وَالْفَرْقُ لِلْمَشْهُورِ أَنَّ النَّافِلَةَ تَتَضَمَّنُ رَفْعَ الْحَدَثِ لِتَحْرِيمِ فِعْلِهَا بِالْحَدَثِ فَإِذَا نَوَاهَا فَقَدْ نَوَى لَازِمَهَا عَلَى وَجْهِ الِالْتِزَامِ بِخِلَافِ غُسْلِ الْجُمُعَةِ فَلَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ رَفْعُ الْحَدَثِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إِنَّهُ لَا يَصِحُّ إِلَّا بَعْدَ رَفْعِ الْحَدَثِ فَيَتَضَمَّنُ الْقِيَاسَ السَّابِقَ بَلْ يُؤَكِّدُ ذَلِكَ وَنَقُولُ كُلُّ سَبَبَيْنِ بَيْنَهُمَا تَلَازُمٌ شَرْعِيٌّ فَإِنَّ الْقَصْدَ إِلَى أَحَدِهِمَا قَصْدٌ لِلْآخَرِ كَالصَّلَاةِ مَعَ رَفْعِ الْحَدَثِ وَالْعِبَادَةِ مَعَ أَجْزَائِهَا. فَإِنِ اغْتَسَلَ لِجَنَابَةٍ نَاسِيًا لِجُمُعَتِهِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا يَخْتَلِفُ أَصْحَابُ مَالِكٍ فِي عَدَمِ الْإِجْزَاءِ خِلَافًا ش ح وَقَالَ ابْنُ عبد الْحَكِيم وَأَشْهَبُ وَابْنُ أَبِي سَلَمَةَ يُجْزِئُهُ قَالَ وَهَذَا لَا يَقْتَضِي الْعَكْسَ لِأَنَّ ابْنَ عَبْدِ الْحَكَمِ قَالَ لَا تُجْزِئُ الْجُمُعَةُ عَنِ الْجَنَابَةِ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ تُجْزِئُ الْجُمُعَةُ عَنِ الْجَنَابَةِ وَلَا تُجْزِئُ الْجَنَابَةُ عَنِ الْجُمُعَةِ.
أَمَّا ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ فَرَأَى أَنَّ غُسْلَ الْجُمُعَةِ لَا يَتَضَمَّنُ رَفْعَ الْحَدَثِ وَالْجَنَابَةُ تَتَضَمَّنُ النَّظَافَةَ فَيَحْصُلُ الْمَقْصُودَانِ وَأَمَّا عَبْدُ الْمَلِكِ فَرَأَى أَنَّ غُسْلَ الْجُمُعَةِ لَا يَصِحُّ مِنَ الْجُنُبِ وَإِنَّمَا شُرِعَ فِي حق الطَّاهِر فالقصد إِلَيْهَا قصد للزمها كَمَا تَقَدَّمَ.
فَرْقٌ:
يُجْزِئُ غُسْلُ الْجَنَابَةِ عَنِ الْوُضُوءِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْوِيَهُ وَلَا يُجْزِئُهُ عَنْ غُسْلِ الْجُمُعَةِ حَتَّى يَنْوِيَهُ مَعَ أَنَّهُ سُنَّةٌ وَأَخْفَضُ رُتْبَةً وَإِذَا أَجْزَأَ عَنِ الْأَعْلَى فَأَوْلَى أَنْ يُجْزِئَ عَنِ الْأَدْنَى وَالْفَرْقُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْوُضُوءَ بَعْضُ أَجْزَاءِ الْجَنَابَةِ وَالْأَقَلُّ تَابِعٌ لِلْأَكْثَرِ وَغُسْلُ الْجُمُعَةِ فِي كُلِّ أَعْضَاء الْجَنَابَة.
وَثَانِيهمَا أَن الْوضُوء وَاجِب مِنَ الْجِنْسِ فَضَمُّ الشَّيْءِ إِلَى جِنْسِهِ أَقْرَبُ مِنْ ضَمِّهِ إِلَى غَيْرِ جِنْسِهِ. وَلَوِ اغْتَسَلَ لِجُمُعَتِهِ وَجَنَابَتِهِ وَنَوَاهُمَا مَعًا فَالْإِجْزَاءُ فِي الْكِتَابِ لِأَن الْمَقْصُود مِنَ الْجَنَابَةِ رَفْعُ الْحَدَثِ وَمِنْ غُسْلِ الْجُمُعَةِ النَّظَافَةُ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْمَقْصُودَيْنِ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِم يَنْفِي الْإِجْزَاءِ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِغُسْلِ جُمْلَةِ جَسَدِهِ لِلْجَنَابَةِ فَلَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ بَلْ جَعَلَ الْجُمُعَةَ مُشْتَرَكَةً فَلَا يَكُونُ آتِيًا بِمَا أُمِرَ بِهِ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَلَا يُجْزِئُهُ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. قَالَ ابْنُ الْجَلَّابِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُجْزِئَهُ عَنْ جُمُعَتِهِ دُونَ جَنَابَتِهِ لِضَعْفِ الْغُسْلِ بِالتَّشْرِيكِ وَهُوَ أَضْعَفُ الْغُسْلَيْنِ وَتَوَهَّمَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهَا مُخَرَّجَةٌ عَلَى مَنْ مَشَى فِي حَجَّةٍ وَاحِدَةٍ لِنَذْرِهِ وَفَرْضِهِ فَإِنَّ فِيهَا اخْتِلَافًا وَقَالَ مَالِكٌ أَحَقُّهُمَا بِالْقَضَاءِ أَوْجَبُهُمَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَيْسَ كَمَا تَوَهَّمَهُ بَلِ الْمَسْأَلَةُ مَذْكُورَةٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ كَمَا تَرَى. وَقَالَ فِي الْكِتَابِ إِذَا حَاضَتْ أَخَّرَتْ غُسْلَهَا حَتَّى تَطْهُرَ قَالَ ابْنُ يُونُسَ يَنْبَغِي إِذَا طَهُرَتْ مِنَ الْحَيْضِ وَلَمْ تَغْتَسِلْ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهَا حُكْمَ الْجُنُبِ فِي الْقِرَاءَةِ وَالْوُضُوءِ قَبْلَ النَّوْمِ لِتَمَكُّنِهَا مِنَ الْغُسْلِ حِينَئِذٍ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يُجْزِئُهَا غُسْلٌ وَاحِدٌ لَهُمَا وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ إِنْ نَسِيَتِ الْجَنَابَةَ أَجْزَأَهَا لِأَنَّ الْحَيْضَ أَشَدُّهُمَا مَنْعًا وَقَالَ سَحْنُونُ إِنْ نَسِيَتِ الْحَيْضَ لَمْ يُجْزِئْهَا لِاخْتِصَاصِ الْحَيْضِ بِالْمَنْعِ مِنَ الْوَطْءِ وَلِأَنَّهُ النَّاسِخُ لِحُكْمِ الْجَنَابَةِ وَالْحُكْمُ لِلنَّاسِخِ لِبُطْلَانِ الْمَنْسُوخِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ يُجْزِئُهَا قِيَاسًا عَلَى أَسْبَابِ الْأَحْدَاثِ فِي الطَّهَارَةِ الصُّغْرَى قَالَ ابْنُ يُونُسَ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَة فِي الشَّجَّة إِذا كَانَت مَوْضِعَ الْوُضُوءِ إِنْ غَسَلَهَا بِنِيَّةِ الْوُضُوءِ يُجْزِئُ عَنِ الْجَنَابَةِ وَقَالَ اللَّخْمِيُّ تُجْزِئُ نِيَّةُ الْوُضُوءِ عَنِ الْغُسْلِ وَيَبْنِي عَلَى الْمَغْسُولِ وَنِيَّةُ الْغُسْلِ عَنِ الْوُضُوءِ لِأَنَّ كِلَيْهِمَا فَرْضُ طَهَارَةٍ.

.الْفَرْضُ الثَّالِثُ تَعْمِيمُ الْجَسَدِ بِالْغُسْلِ:

لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ كُنْتُم جنبا فاطهروا} وَقَوله تَعَالَى {حَتَّى تغتسلوا} وَاللَّفْظُ ظَاهِرٌ فِي الِاسْتِغْرَاقِ.

.الْفَرْضُ الرَّابِعُ التَّدْلِيكُ:

قَالَ فِي الْكِتَابِ فِي الْجُنُبِ وَالْمُتَوَضِّئِ يَأْتِي النَّهْرَ يَنْغَمِسُ فِيهِ نَاوِيًا الطُّهْرَ لَا يُجْزِئُهُ إِلَّا أَنْ يَتَدَلَّكَ خِلَافًا ش ح. قَالَ فِي الرِّسَالَةِ وَمَا شَكَّ فِيهِ عَاوَدَهُ بِالْمَاءِ وَالدَّلْكِ وَيُتَابِعُ عُمْقَ سُرَّتِهِ وَتَحْتَ حَلْقِهِ وَحَاجِبَيْهِ وَبَاطِنَ رُكْبَتَيْهِ وَرُفْغَيْهِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَبُو الْفَرَجِ إِذَا وَالَى الصَّبَّ بِالْمَاءِ أَوْ أَطَالَ الْمُكْثَ تَحْتَ الْمَاءِ حَتَّى عَلِمَ وُصُولَهُ لِلْبَشَرَةِ أَجْزَأَهُ فَرَأَى أَنَّ الدَّلْكَ لَا يَجِبُ لِنَفْسِهِ وَإِنَّمَا يَجِبُ لِلْإِيصَالِ. وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ هَلْ حَقِيقَةُ الْغُسْلِ لُغَةً الْإِيصَالُ مَعَ الدَّلْكِ فَيَجِبُ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَلِذَلِكَ تُفَرِّقُ الْعَرَبُ بَيْنَ الْغَسْلِ وَالْغَمْسِ لِأَجْلِ التَّدْلِيكِ فَتَقُولُ غَمَسْتُ اللُّقْمَةَ فِي الْمَرَقِ وَلَا تَقُولُ غَسَلْتُهَا أَوْ نَقُولُ حَقِيقَتُهُ الْإِيصَالُ فَقَطْ لِقَوْلِ الْعَرَبِ غَسَلَتِ السَّمَاءُ الْأَرْضَ إِذَا أَمْطَرَتْهَا وَاعْتَبَرَ أَصْحَابُنَا التَّدْلِيكَ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَمَسْحِ الرَّأْسِ وَالتَّيَمُّمِ وَالْخُفَّيْنِ لِأَنَّهَا طَهَارَاتٌ فَتُسَوَّى فِي ذَلِكَ.
وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ لَوْ أَلْقَتِ الرِّيحُ التُّرَابَ عَلَى وَجْهِهِ وَيَدَيْهِ أَوْ تَلَقَّى الْمَطَرَ بِرَأْسِهِ أَجْزَأَهُ. حُجَّتُنَا أَنَّ الْمُحْدِثَ مَمْنُوعٌ مِنَ الْعِبَادَاتِ وِفَاقًا وَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ عَلَى ذَلِكَ فِي صُورَةِ النِّزَاعِ وَأَمَّا مَا فِي مُسْلِمٍ مِنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِأُمِّ سَلَمَةَ: «إِنَّمَا يَكْفِيكِ أَنْ تُحْثِي الْمَاءَ عَلَى رَأْسِكِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ ثُمَّ تُفِيضِي الْمَاءَ عَلَيْكِ فَتَطْهُرِينَ» وَفِي أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ وُضُوءُ الْمُسْلِمِ وَلَوْ لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ عَشْرَ سِنِينَ» فَهِيَ مُطْلَقَةٌ فِي كَيْفِيَّةِ الِاسْتِعْمَالِ فَتُحْمَلُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ وَلِأَنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ فَيَكُونُ أَرْجَحَ مِمَّا ذَكَرَهُ الْخَصْمُ.
فَرْعٌ:
إِنْ عَجَزَ عَنْ تَدْلِيكِ بَعْضِ جَسَدِهِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ قَالَ سَحْنُونُ يُعِدُّ لَهُ خِرْقَةً وَقَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ يَسْقُطُ كَمَا يَسْقُطُ فَرْضُ الْقِرَاءَةِ عَن الْأَخْرَسِ وَلِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنَ السَّلَفِ اتِّخَاذُ خِرْقَةٍ وَنَحْوِهَا فَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَشَاعَ مِنْ فِعْلِهِمْ وَفَرَّقَ أَيْضًا بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكثير.

.الْفَرْض الْخَامِس الْفَوْر:

قَالَه ابْنُ يُونُسَ وَدَلِيلُهُ مَا تَقَدَّمَ فِي الْوُضُوءِ.

.وَأَمَّا سُنَنُهُ:

قَالَ الْقَاضِي ثَلَاثٌ الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ وَتَخْلِيلُ اللِّحْيَةِ عَلَى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى الْوُجُوب وَزَاد ابْن يُونُس رَابِعَة دَاخِلِ الْأُذُنَيْنِ.

.وَأَمَّا فَضَائِلُهُ:

فَفِي التَّلْقِينِ خَمْسٌ: الْبَدَاءَةُ بِغَسْلِ الْيَدَيْنِ ثُمَّ بِإِزَالَةِ الْأَذَى ثُمَّ الْوُضُوءُ ثُمَّ تَخْلِيلُ أُصُولِ شَعْرِهِ ثُمَّ يَغْرِفُ عَلَيْهِ ثَلَاثًا لِمَا فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ إِذَا اغْتَسَلَ مِنَ الْجَنَابَةِ بَدَأَ بِغَسْلِ يَدَيْهِ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ كَمَا يَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ ثُمَّ يُدْخِلُ أَصَابِعَهُ فِي الْمَاءِ فَيُخَلِّلُ بِهَا أُصُولَ شَعْرِهِ ثُمَّ يَصُبُّ الْمَاءَ عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثَ غُرُفَاتٍ بِيَدِهِ ثُمَّ يُفِيضُ الْمَاءَ عَلَى جلده كُله فَغسل الْيَدَيْنِ هَهُنَا إِنْ كَانَ مِنْ نَجَاسَةٍ فَهُوَ وَاجِبٌ وَإِنْ كَانَ مِنْ نَوْمٍ فَهُوَ مُسْتَحَبٌّ وَأَمَّا الْوُضُوءُ فَقدم لكَون أَعْضَاء الْوضُوء أشرف الْجَسَدِ وَمَحَلَّ الْعِبَادَةِ.
قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ: اتَّفَقَ أئئمة الْفِقْهِ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ سَوَاءٌ طَرَأَتِ الْجَنَابَة على الْحَدث أَو الطَّهَارَة إِلَّا الشَّافِعِي فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ إِنْ كَانَ مُحْدِثًا قَبْلَ الْجَنَابَةِ.
وَاحْتَجَّ عَلَيْهِ الْقَاضِي بِدُخُولِهِ مَعَهُ إِذَا اجْتمعَا أَو سبقت الْجَنَابَة فَكَذَلِك هَهُنَا وَلِأَنَّ الْكُبْرَى تَدْخُلُ فِي الْكُبْرَى فَالصُّغْرَى أَوْلَى. فَإِنِ اغْتَسَلَ مِنْ غَيْرِ وُضُوءٍ قَالَ صَاحِبُ الِاسْتِذْكَارِ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْوُضُوءَ بَعْدَ الْغُسْلِ لَا وَجْهَ لَهُ وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ قَبْلَهُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِالْوُضُوءِ بَعْدَ الْغُسْلِ قَالَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَاءٌ يُسْبِغُ الْوُضُوءَ وَالْغُسْلَ غَسَلَ أَعْضَاءَ وُضُوئِهِ أَوَّلًا بِنِيَّةِ الْجَنَابَةِ ثُمَّ غَسَلَ مَا بَقِيَ مِنْ جَسَدِهِ وَحْدَهُ وَقَدْ فَعَلَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ خَرَّجَهُ الْبُخَارِيُّ.
تَمْهِيدٌ:
يَقَعُ التَّدَاخُلُ فِي الشَّرِيعَةِ فِي سِتَّةِ مَوَاضِعَ:
الْأَوَّلُ:
الطَّهَارَاتُ كَالْوُضُوءِ إِذَا تَعَدَّدَتْ أَسْبَابُهُ أَوْ تَكَرَّرَ السَّبَبُ الْوَاحِدُ وَالْغُسْلُ إِذَا اخْتَلَفَتْ أَسْبَابُهُ أَوْ تَكَرَّرَ السَّبَبُ الْوَاحِدُ وَالْوُضُوءُ مَعَ الْجَنَابَةِ وَفِي تَدَاخُلِ طَهَارَةِ الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ خِلَافٌ.
الثاني: الْعِبَادَاتُ كَسُجُودِ السَّهْوِ إِذَا تَعَدَّدَتْ أَسْبَابُهُ وَتَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ مَعَ الْفَرْضِ وَالْعُمْرَةُ مَعَ الْحَجِّ.
الثَّالِثُ: الْكَفَّارَاتُ كَمَا لَوْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ فِي الْيَوْمِ الْوَاحِدِ مِرَارًا بِخِلَافِ الْيَوْمَيْنِ أَوِ الْأَكْثَرِ خِلَافًا ح فِي إِيجَابِهِ كَفَارَّةً وَاحِدَةً فِي جُمْلَةِ رَمَضَانَ وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي الرَّمَضَانَيْنِ.
الرَّابِعُ: الْحُدُودُ إِذَا تَمَاثَلَتْ وَهِيَ أَوْلَى بِالتَّدَاخُلِ مِنْ غَيْرِهَا لِكَوْنِهَا أَسْبَابًا مُهْلِكَةً وَحُصُولُ الزَّجْرِ بِوَاحِدٍ مِنْهَا أَلَا تَرَى أَنَّ الْإِيلَاجَ سَبَبُ الْحَدِّ وَالْغَالِبُ تَكَرُّرُ الْإِيلَاجَاتِ فَلَوْلَا تَدَاخُلُ الْحُدُودِ هَلَكَ الزَّانِي وَإِنَّمَا يَجِبُ تَكَرُّرُهَا إِذَا تَخَلَّلَتْ بَيْنَ أَسْبَابِهَا لِأَنَّ الْأَوَّلَ مِنْهَا مُوجِبٌ لِسَبَبِهِ السَّابِقِ فَلَوِ اكْتَفَيْنَا بِهِ لَأَهْمَلْنَا الْجَنَابَةَ فَيَكْثُرُ الْفَسَادُ وَلِأَنَّا عَلِمْنَا أَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يَفِ بِزَجْرِهِ فَحَسُنَ الثَّانِي.
الْخَامِسُ: الْعَدَدُ يَقَعُ التَّدَاخُلُ فِيهَا عَلَى تَفْصِيلٍ نَذْكُرُهُ فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
السَّادِسُ: الْأَمْوَالُ كَدِيَةِ الْأَطْرَافِ مَعَ النَّفْسِ إِذَا سَرَتِ الْجِرَاحَةُ وَالصَّدَقَاتُ فِي وَطْءِ الشُّبْهَاتِ وَيَدْخُلُ الْمُتَقَدِّمُ فِي الْمُتَأَخِّرِ وَالْمُتَأَخِّرُ فِي الْمُتَقَدِّمِ وَالطَّرَفَانِ فِي الْوَسَطِ وَالْقَلِيلُ فِي الْكَثِيرِ وَالْكَثِيرُ فِي الْقَلِيلِ.
فَالْأَوَّلُ نَحْوَ الْأَطْرَافِ مَعَ النَّفْسِ إِذَا سَرَتِ الْجِرَاحَةُ وَالْجَنَابَةِ مَعَ الْحَيْضِ وَالْوُضُوءِ مَعَ الْغُسْلِ وَالصَّدَاقِ الْمُتَقَدِّمِ مَعَ الْمُتَأَخِّرِ إِنِ اتَّحَدَتِ الشُّبْهَةُ مَعَ أَنَّ الظَّاهِرَ مِنَ الْمَذْهَبِ اعْتِبَارُ الْحَالَةِ الْأُولَى كَيْفَ كَانَتْ لِأَنَّ الْوُجُوبَ حَصَلَ عِنْدَهَا فَلَا يَنْتَقِلُ عَنْهَا وَالِانْتِقَالُ مَذْهَب الشَّافِعِي. وَالثَّانِي نَحْوَ الْحَيْضِ فِي الْجَنَابَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَلَيْهِ وَالْحُدُودِ الْمُتَأَخِّرَةِ مَعَ الْمُتَقَدِّمِ عَلَيْهَا مِنْ جِنْسِهَا عددا وَالْكَفَّارَات.
وَالثَّالِثُ نَحْوَ الْمَوْطُوءَةِ بِالشُّبْهَةِ وَكَانَتْ حَالُهَا الْوُسْطَى أَعْظَمَ صَدَاقًا. وَالرَّابِعُ كَالْأُصْبُعِ مَعَ النَّفْسِ إِذَا سَرَتِ الْجِرَاحَةُ وَالصَّدَاقِ الْمُتَقَدِّمِ وَالْمُتَأَخِّرِ إِذَا كَانَ أَقَلَّ وَالْعُمْرَةِ مَعَ الْحَجِّ وَالْوُضُوءِ مَعَ الْغُسْلِ. وَالْخَامِسُ كَالْأَطْرَافِ إِذَا اجْتَمَعَتْ مَعَ النَّفْسِ وَالْحُدُودِ مَعَ الْحَدِّ الْأَوَّلِ وَالْكَفَّارَاتِ وَالِاغْتِسَالَاتِ وَالْوُضُوءَاتِ إِذَا تَعَدَّدَتْ أَسْبَابُهَا أَوِ اخْتَلَفَتْ. فَرْعٌ جَوَّزَ فِي الْكِتَابِ أَنْ يُؤَخِّرَ غَسْلَ رِجْلَيْهِ مِنْ وُضُوئِهِ حَتَّى يَفْرُغَ الْغُسْلُ فَيَغْسِلَهُمَا فِي مَكَانٍ طَاهِرٍ لما فِي البُخَارِيّ من مَيْمُونَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَدْنَيْتُ لَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ غُسْلَهُ مِنَ الْجَنَابَةِ فَغَسَلَ كَفَّيْهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ ثُمَّ أَفْرَغَ بِهِمَا عَلَى فَرْجِهِ وَغَسَلَهُ بِشِمَالِهِ ثُمَّ أَفْضَى بِيَدِهِ إِلَى الْأَرْضِ فَدَلَكَهَا دَلْكًا شَدِيدًا ثُمَّ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ ثُمَّ أَفْرَغَ عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ مَلْءَ كَفَّيْهِ ثُمَّ غَسَلَ سَائِرَ جَسَدِهِ ثُمَّ تَنَحَّى عَنْ مَقَامِهِ ذَلِكَ فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ ثُمَّ أَتَيْتُهُ بِالْمِنْدِيلِ فَرَدَّهُ وَلِأَنَّ الْبَدَاءَةَ لَمَّا كَانَتْ بِأَعْضَاءِ الْوُضُوءِ لِشَرَفِهَا كَانَ الْخَتْمُ بِهَا شَرَفًا وَفَضْلًا.
قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَعَنْهُ فِي الْمَبْسُوطِ لَيْسَ الْعَمَلُ عَلَى تَأْخِيرِ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ فَعَلَى هَذَا إِذَا أَخَّرَهُمَا أَعَادَ الْوُضُوءَ وَرَاعَى فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ الْمُوَالَاةَ وَرَاعَى فِي الْأُولَى تَبَعِيَّةَ الْوُضُوءِ لِلْغُسْلِ وَأَنَّ الْجَمِيعَ عِبَادَةٌ وَاحِدَةٌ فَلَا تَفْرِيقَ. وَإِذَا قُلْنَا يُؤَخِّرُ غَسْلَهُمَا فَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ يَمْسَحُ عَلَى رَأْسِهِ وَقَالَ الْبَاجِيُّ لَا يَمْسَحُ بَلْ إِذَا غَسَلَ ذِرَاعَيْهِ غَرَفَ عَلَى رَأْسِهِ.
وَفِي الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ غَسَلَ فَرْجَهُ ثُمَّ تَمَضْمَضَ واستنشق وَغسل وَجهه وَيَديه ثمَّ صب عَلَى رَأْسِهِ وَجَسَدِهِ وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَبِأَيِّ نِيَّةٍ يَغْسِلُهُمَا قَالَ صَاحِبُ الرِّسَالَةِ يَنْوِي بِذَلِكَ الْوُضُوءَ وَالْغُسْلَ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَعِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يَحْتَاجُ إِلَى أَنْ يَنْوِيَ الْوُضُوءَ.
وَاتَّفَقَ الْجَمِيعُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ أَنْ يَنْوِيَ بِهِ تَمَامَ الْوُضُوءِ دُونَ غُسْلِهِ لِأَنَّ الْمُسْتَحَبَّ لَا يُجْزِئُ عَنِ الْوَاجِبِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ: «يُدْخِلُ أَصَابِعَهُ فِي الْمَاءِ فَيُخَلِّلُ بِهَا أُصُولَ شَعْرِهِ» فَقَالَ صَاحِبُ الْمُنْتَقَى فِيهِ مَصَالِحُ:
إِحْدَاهَا تَسْهِيلُ إِيصَالِ الْمَاءِ إِلَى الْبَشَرَةِ وَأُصُولِ الشَّعْرِ وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي الْمُخْتَصَرِ وَالْوَاضِحَةِ.
وَثَانِيهمَا مُبَاشَرَةُ الشَّعْرِ بِالْيَدِ عَلَى حَسَبِ الْإِمْكَانِ وَقَدْ أَشَارَ إِلَيْهِ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْمَجْمُوعَة.
وَثَالِثهَا تَأْنِيسُ الْجَسَدِ بِالْمَاءِ لِئَلَّا يَقْشَعِرَّ فَيَمْرَضَ. قَالَ الْبَاجِيُّ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لَيْسَ عَلَيْهِ تَخْلِيلُ لِحْيَتِهِ لِأَنَّ الْفَرْضَ قَدِ انْتَقَلَ إِلَى الشَّعْرِ فَيَسْقُطُ إِيصَالُ الْمَاءِ إِلَى الْبَشَرَةِ وَرِوَايَةُ أَشْهَبَ أَنَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ لِقَوْلِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي الْحَدِيثِ: ثُمَّ يُدْخِلُ أَصَابِعَهُ فِي الْمَاءِ فَيُخَلِّلُ بِهَا أُصُولَ شَعْرِهِ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ الْبَشَرَةُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْجَنَابَةِ وَالْوُضُوءِ عَلَى رِوَايَةِ أَشْهَبَ أَنَّ الطَّهَارَةَ الصُّغْرَى أَقْرَبُ لِلتَّخْفِيفِ لِجَوَازِ الْبَدَلِ فِيهَا عَنِ الْغُسْلِ بِالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ بِخِلَافِ الْغُسْلِ.
فُرُوعٌ ثَمَانِيَةٌ:
الْأَوَّلُ:
قَالَ فِي الْكِتَابِ الْحَائِضُ وَالْجُنُبُ لَا تَنْقُضُ شَعْرَهَا فِي غُسْلِهَا وَلَكِنْ تَضْغَثُهُ خِلَافًا لِابْنِ حَنْبَلٍ فِي الْحَائِضِ وَاللَّخْمِيِّ فِيهِمَا لِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا سَأَلَتْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي حَلِّ ضَفْرِ شَعْرِ رَأْسِهَا فِي الْجَنَابَةِ فَقَالَ إِنَّمَا يَكْفِيكِ أَنْ تُحْثِي عَلَى رَأْسِكَ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ ثُمَّ تُفِيضِي عَلَيْكِ الْمَاءَ فَتَطْهُرِينَ.
الثاني:
إِذَا كَانَ عَلَى ذَكَرِ الْجُنُبِ نَجَاسَةٌ فَغَسَلَهُ بِنِيَّةِ الْجَنَابَةِ وَإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ الْأَظْهَرُ الْإِجْزَاءُ وَقِيلَ لَا يُجْزِئُ حَتَّى يَغْسِلَهُ بِنِيَّةِ الْجَنَابَةِ فَقَطْ.
الثَّالِثُ:
فِي الْجِلَابِ الْجُنُبُ طَاهِرُ الْجَسَدِ وَالْعَرَقِ لِمَا فِي مُسْلِمٍ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَقِيَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ فِي طَرِيقٍ مِنْ طُرُقِ الْمَدِينَةِ وَهُوَ جُنُبٌ فَانْسَلَّ فَذَهَبَ فَاغْتَسَلَ فَتَفَقَّدَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَلَمَّا جَاءَ قَالَ: «أَيْنَ كُنْتَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقِيتَنِي وَأَنَا جُنُبٌ فَكَرِهْتُ أَنْ أُجَالِسَكَ حَتَّى أَغْتَسِلَ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: سُبْحَانَ اللَّهِ إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَنْجُسُ».
الرَّابِعُ:
قَالَ فِي الْكِتَابِ لَا يَجُوزُ عُبُورُهُ وَلُبْثُهُ فِي الْمَسْجِد خلافًا لداود والمزني فيهمَا وَالشَّافِعِيّ فِي الْعُبُورِ لِمَا فِي أَبِي دَاوُدَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: «وَجِّهُوا هَذِهِ الْبُيُوتَ عَنِ الْمَسْجِدِ فَإِنِّي لَا أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لِجُنُبٍ وَلَا حَائِض».
حجَّة الشَّافِعِي قَوْله تَعَالَى {وَلا جُنُبًا إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ} فاستثناء السَّبِيلِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ بِقَاعٌ فَيَكُونُ تَقْدِيرُ الْآيَةِ لَا تَقْرَبُوا مَوَاضِعَ الصَّلَاةِ.
جَوَابُهُ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِضْمَارِ بَلِ الْمُرَادُ الصَّلَاةُ نَفْسُهَا نُهِينَا عَنْ قُرْبَانِهَا سُكَارَى وَجُنُبًا إِلَّا فِي السَّفَرِ فَإِنَّا نَقْرَبُهَا جُنُبًا بِالتَّيَمُّمِ وَخُصَّ السَّفَرُ بِالذِّكْرِ لِعَدَمِ الْمَاءِ فِيهِ غَالِبًا وَهَذَا تَفْسِيرُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَالْأَوَّلُ لِزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.
حُجَّةُ الثَّالِثِ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَنْجُسُ» وَنَحْنُ نَقُولُ بِمُوجَبِهِ وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ عَدَمِ تَنَجُّسِهِ وَمَنْعِهِ مِنَ الْمَسْجِدِ كَالْقِرَاءَةِ. إِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَسْجِدِ بَيْتِ الْإِنْسَانِ وَغَيْرِهِ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْوَاضِحَةِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُؤَجِّرِ وَالْمُسْتَأْجِرِ وَإِنْ كَانَ يَرْجِعُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْإِجَارَةِ حَانُوتًا.
الْخَامِسُ:
قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَهُوَ مُرَتَّبٌ إِذَا احْتَاجَ لِيَنَامَ فِي الْمَسْجِدِ لِعَدَمِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَكَذَلِكَ كَلُّ مَا يُمْنَعُ مِنْهُ الْجُنُبُ يُبَاحُ لَهُ بِالتَّيَمُّمِ إِذَا عُدِمَ الْمَاءُ وَإِذَا احْتَلَمَ فِي الْمَسْجِدِ قَالَ يَخْرُجُ مِنْ غَيْرِ تَيَمُّمٍ وَفِي النَّوَادِرِ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ يَنْبَغِي أَنْ يَتَيَمَّمَ حُجَّتُنَا أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ذَكَرَ أَنَّهُ جُنُبٌ فَخَرَجَ مِنْ غَيْرِ تَيَمُّمٍ وَلِأَنَّ اشْتِغَالَهُ بِالتَّيَمُّمِ لُبْثٌ مَعَ الْجَنَابَةِ.
السَّادِسُ:
قَالَ مَالِكٌ لَا يَدْخُلُ الْكَافِرُ الْمَسْجِدَ خِلَافًا ش ح زَادَ فِي الْجَوَاهِرِ وَإِن أذن لَهُ الْمُسلم وَمنعه الشَّافِعِي فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَيَشْتَرِطُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِذْنَ الْمُسْلِمِ فِي دُخُولِهِ. حُجَّتُنَا قَوْله تَعَالَى {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ} {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ} وَبِالْقِيَاسِ عَلَى الْجُنُبِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَأَمَّا رَبْطُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ثُمَامَةَ بْنَ أَثَالٍ فِي الْمَسْجِدِ فَذَلِكَ كَانَ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ مَنْسُوخٌ بِمَا ذَكَرْنَاهُ.
السَّابِعُ:
قَالَ فِي الْكِتَابِ إِذَا صَلَّى نَاسِيًا لِلْجَنَابَةِ ثُمَّ ذَكَرَهَا بَعْدَ خُرُوجِهِ إِلَى السُّوقِ يَرْجِعُ وَلَا يَتَمَادَى لِغَرَضِهِ وَيَغْتَسِلُ وَيُصَلِّي قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى ضِيقِ وَقْتِ الصَّلَاةِ أَوْ عَلَى قَضَائِهَا فَإِنَّ الْقَضَاءَ وَاجِبٌ عِنْدَ الذِّكْرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَقِمِ الصَّلَاة لذكري}. الثَّامِنُ:
فِي الطَّرَّازِ يُفَارِقُ الْجُنُبُ الْحَائِضَ فِي جَوَازِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ ظَاهِرًا وَمَسِّ الْمُصْحَفِ لِلْقِرَاءَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ فِي الْحَائِضِ لِحَاجَةِ التَّعْلِيمِ وَخَوْفِ النِّسْيَانِ. قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ يَقْرَأُ الْآيَةَ وَنَحْوَهَا عَلَى وَجْهِ التَّعَوُّذِ وَلَا يُعَدُّ قَارِئًا وَلَا لَهُ ثَوَابُ الْقِرَاءَةِ.
تَنْبِيهٌ:
حَمْلُ الْقُرْآنِ عَلَى قسمَيْنِ أَحدهمَا لَا يَذْكُرُ إِلَّا قُرْآنًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {كذبت قوم لوط الْمُرْسلين} فَيَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ قِرَاءَتُهُ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي الْقُرْآنِ وَلَا تَعَوُّذَ فِيهِ وَثَانِيهِمَا هُوَ تَعَوُّذٌ كَالْمُعَوِّذَتَيْنِ فَتَجُوزُ قِرَاءَتُهُمَا لِضَرُورَةِ دَفْعِ مَفْسَدَةِ الْمُتَعَوَّذِ مِنْهُ. وَالْأَصْلُ فِي الْمَنْعِ حَدِيثُ التِّرْمِذِيِّ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «لَا تَقْرَأُ الْحَائِضُ وَلَا الْجُنُبُ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ» وَالْمُتَعَوِّذُ لَا يُعَدُّ قَارِئًا وَكَذَلِكَ الْمُبَسْمِلُ وَالْحَامِدُ فَبَقِيَ مَا عَدَا هَذِهِ الصُّوَرِ عَلَى الْمَنْعِ.