فصل: الشَّرْطُ الْخَامِسُ اسْتِقْبَالُ الْكَعْبَةِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الذخيرة (نسخة منقحة)



.الشَّرْطُ الْخَامِسُ اسْتِقْبَالُ الْكَعْبَةِ:

وَالنَّظَرُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ إِلَيْهِ وَالْمُسْتَقْبَلِ فِيهِ وَالْمُسْتَقْبِلِ نَفْسِهِ فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَطْرَافٍ:

.الطَّرَفُ الْأَوَّلُ الْمُسْتَقْبَلُ إِلَيْهِ وَهُوَ الْكَعْبَة:

قَالَ الله تَعَالَى {وحيثما كُنْتُم فَوَلوا وُجُوهكُم شطره} وَالشَّطْرُ فِي اللُّغَةِ النِّصْفُ وَهُوَ أَيْضًا الْجِهَةُ وَهُوَ المُرَاد هَهُنَا فَيجب على الْعَالم أَنْ يَكُونُوا مُسْتَقْبِلِيهَا بِوُجُوهِهِمْ كَالدَّائِرَةِ لِمَرْكَزِهَا فَأَمَّا دَاخِلُهَا فَقَالَ فِي الْكِتَابِ لَا تُصَلَّى فِيهِ وَلَا فِي الْحِجْرِ فَرِيضَةٌ وَلَا رَكْعَتَا الطَّوَافِ الْوَاجِبَتَانِ وَلَا الْوِتْرُ وَلَا رَكْعَتَا الْفَجْرِ وَغَيْرُ ذَلِكَ لَا بَأْسَ بِهِ فَإِنْ صَلَّى مَكْتُوبَةً أَعَادَ فِي الْوَقْتِ كَمَنْ صَلَّى إِلَى غَيْرِ الْقبْلَة وَأَجَازَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ الْمَكْتُوبَةَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وطهر بَيْتِي للطائفين والقائمين والركع السُّجُود} قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَلَا مَوْضِعَ أَطْهَرُ مِنْهُ وَوَافَقَنَا ابْنُ حَنْبَلٍ وَمَنَعَ ابْنُ جَرِيرٍ الْجَمِيعَ لِمَا فِي مُسْلِمٍ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا دخل الْبَيْت كبر فِي نواحيه وَلم يصل فِيهِ حَتَّى خَرَجَ رَكَعَ فِي قِبَلِ الْبَيْتِ رَكْعَتَيْنِ وَقَالَ هَذِهِ الْقِبْلَةُ لَنَا الْآيَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ وَالْمُصَلِّي دَاخِلُهُ لَمْ يَسْتَقْبِلْهُ بَلْ بَعْضَهُ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ عَنْ أَحَدٍ مِنَ السَّلَفِ أَنَّهُ صَلَّى فِي الْبَيْتِ وَكَيْفَ تَغْفُلُ الْأُمَّةُ عَنِ الْفَضِيلَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الشَّافِعِيُّ مَعَ اجْتِهَادِ سَلَفِهَا وَخَلَفِهَا فِي تَحْصِيلِ الْفَضَائِلِ وَلِأَنَّ الِاسْتِقْبَالَ مَأْمُورٌ بِهِ وَكُلُّ مَأْمُورٌ بِهِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُمْكِنُ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ حَالَةَ التَّكْلِيفِ وَالْمُصَلِّي دَاخِلُ الْبَيْتِ يَسْتَحِيلُ أَلَّا يَكُونَ مُسْتَقْبِلًا لِبَعْضِهِ فَيَسْقُطُ التَّكْلِيفُ وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ وَالْجَوَابُ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ مَوْضِعَ الطَّوَافِ خَارِجُ الْبَيْتِ إِجْمَاعًا فَيَكُونُ مَوْضِعُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ كَذَلِكَ وَأَمَّا جَوَازُ النَّافِلَةِ فَلِمَا فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ دَخَلَ الْكَعْبَةَ هُوَ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَة الحَجبي وبلال فأغلقها عَلَيْهِ وَمَكَثَ فِيهَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ فَسَأَلَتُ بِلَالًا حِين خرج مَاذَا صَنَعَ عَلَيْهِ السَّلَامُ؟ فَقَالَ جَعَلَ عَمُودًا عَنْ يَسَارِهِ وَعَمُودَيْنِ عَنْ يَمِينِهِ وَثَلَاثَةُ أَعْمِدَةٍ وَرَاءَهُ وَكَانَ الْبَيْتُ يَوْمَئِذٍ عَلَى سِتَّةِ أَعْمِدَةٍ ثُمَّ صَلَّى زَادَ أَبُو دَاوُدَ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَهَذَا الْحَرْفُ يَدْفَعُ تَأْوِيلَ ابْنُ جَرِيرٍ أَنَّ صلَاته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ دُعَاءً لِأَنَّ النَّافِلَةَ يَجُوزُ تَرْكُ الِاسْتِقْبَالِ فِيهَا مُطْلَقًا فِي السَّفَرِ وَتَرْكُ الْقِيَامِ مَعَ الْقُدْرَةِ وَالْإِيمَاءِ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ عِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَفِي إِعَادَةِ الْمَكْتُوبَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ فَفِي الْكِتَابِ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ كَالْمُصَلِّي بِالِاجْتِهَادِ لوُقُوع الْخلاف فِي المسئلة وَعِنْدَ ابْنِ حَبِيبٍ وَأَصْبَغَ يُعِيدُ أَبَدًا تَرْجِيحًا لوُجُوب اسْتِقْبَال جَمِيع الْبَيْتِ وَعِنْدَ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ لَا يُعِيدُ مُطلقًا نظرا لمدرك الشَّافِعِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ قَالَ فَلَوْ صَلَّى فَوْقَ ظَهْرِ الْبَيْتِ فَثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ لِمَالِكٍ يُعِيدُ أَبَدًا وَعِنْدَ أَشْهَبَ فِي الْوَقْتِ وَعِنْدَ ابْنِ عبد الحكم لَا يُعِيد مُطلقًا وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِنْ لَمْ يَبْقَ بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ السَّطْحِ شَيْء لم يجزه وَإِلَّا أَجْزَأَهُ وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ أَشْهَبَ وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يجْزِيه إِلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ مَا يَسْتُرُهُ مِنَ الْبِنَاءِ وَقَالَ أَصْحَابُهُ يَكْفِيهِ مِنْ ذَلِكَ غَرْزُ خَشَبَةٍ أَوْ عَصَا قَالَ صَاحِبُ الْجُلَّابِ يُكْرَهُ أَنْ تُصَلَّى الْمَكْتُوبَةُ فِي الْكَعْبَةِ وَالْحِجْرِ وَعَلَى ظَهْرِهَا وَمَنْ فَعَلَ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ وَلَا بَأْسَ بِصَلَاةِ النَّافِلَةِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَلَوْ جَوَّزْنَا الصَّلَاةَ فِي الْكَعْبَةِ وَعَلَى ظَهْرِهَا لَمْ نُجِزْهَا فِي سِرْبٍ تَحْتَهَا أَوْ مَطْمُورَةٍ لِأَنَّ الْبُيُوتَ شَأْنُهَا أَنْ تَرْتَفِعَ وَلَيْسَ شَأْنُهَا أَنْ تَنْزِلَ وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الْمَسَاجِدِ إِنَّ أَسَطِحَتَهَا لَهَا أَحْكَامُ الْمَسَاجِدِ بِخِلَافِ مَا لَوْ حَفَرَ تَحْتَهَا بَيْتًا يَجُوزُ أَنْ يدْخلهُ الْجنب وَالْحَائِض إِلَّا أَن ذَلِكَ لَا يُفْعَلُ إِلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ هَلِ الْمَقْصُودُ بِالِاسْتِقْبَالِ بَعْضُ هَوَائِهَا أَوْ بعض بنائها أَو جملَة بنائها وهوائها؟ وَالْأول مَذْهَب أبي حنيفَة وَسوى بَين دَاخل الْبَيْت وظهره لوُجُود بعض الْهَوَاء وَالثَّانِي مَذْهَب الشَّافِعِي فَسَوَّى بَيْنَ جُزْءِ الْبِنَاءِ دَاخِلَ الْبَيْتِ وَعَلَى ظَهره وَالثَّالِث مَذْهَبنَا وَهُوَ مُقْتَضى ظواهر النُّصُوصِ فَإِنَّ جُزْءَ الْبِنَاءِ لَا يُسَمَّى بَيْتًا وَلَا كَعْبَةً وَأَبْعَدُ مِنْ ذَلِكَ جُزْءُ الْهَوَاءِ الْعَارِي عَنِ الْبِنَاءِ فَإِنَّ الْكَعْبَةَ فِي اللُّغَةِ هِيَ الْمُرْتَفِعَةُ وَمِنْهُ الْمَرْأَةُ الْكَاعِبُ إِذَا ارْتَفَعَ ثَدْيُهَا وَكَعَبَ الرَّجُلُ وَالْبَيْتُ هُوَ ذُو السَّقْفِ وَالْحِيطَانِ وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يَتَحَقَّقُ إِلَّا فِي جُمْلَةِ الْبَيْتِ بِبُنْيَانِهِ وَهَوَائِهِ وَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ عَلَى الْمَشْهُورِ بَيْنَ دَاخِلِهِ وَظَهْرِهِ فَإِنَّ دَاخِلَهُ ارْتِفَاعٌ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ وَظَهْرُهُ فَرَاغٌ مَحْضٌ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الصَّلَاةِ عَلَى ظَهْرِهَا وَعَلَى أَبِي قُبَيْسٍ أَنَّ الْمُصَلِّيَ عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ مُسْتَقْبِلٌ بِوَجْهِهِ جُمْلَةَ الْبِنَاءِ وَالْهَوَاءِ بِخِلَافِ ظَهْرِهَا وَلِأَنَّ السّنة فرقت بَينهمَا فَنهى عَلَيْهِ السَّلَام عَنِ الصَّلَاةِ عَلَى ظَهْرِهَا.
فُرُوعٌ ثَلَاثَةٌ:
الْأَوَّلُ:
فِي الْجَوَاهِرِ لَوِ امْتَدَّ صَفٌّ طَوِيلٌ قَرِيبُ الْبَيْتِ فَالْخَارِجُ عَنْ سَمْتِ الْبَيْتِ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَمِثْلُ هَذَا الصَّفِّ فِي الْآفَاق تصح وَكَذَلِكَ الصَّلَاةُ فِي بَلَدَيْنِ مُتَقَارِبَيْنِ لِسَمْتٍ وَاحِدٍ تَصِحُّ إِجْمَاعًا وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى قَاعِدَتَيْنِ:
إِحْدَاهُمَا: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِنَّمَا أَوْجَبَ الِاسْتِقْبَالَ الْعَادِيَّ دُونَ الْحَقِيقِيِّ فَلَوِ اسْتَقْبَلَ صَفٌّ طَوِيلٌ حَيَوَانًا بَعِيدًا فِي بَرِّيَّةٍ صَدَقَ فِي الْعَادَةِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قُبَالَتُهُ فِي رَأْيِ الْعَيْنِ وَلَوْ قَرُبَ مِنْهُمْ بَطَلَ ذَلِكَ فَكَذَلِكَ الْكَعْبَةُ طُولُهَا أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ ذِرَاعًا وَعَرْضُهَا عِشْرُونَ ذِرَاعًا فَالصَّفُّ الْبَعِيدُ مِنْهَا يُعَدُّ فِي الْعَادَةِ مُسْتَقْبِلًا لَهَا بِخِلَافِ الْقَرِيبِ.
الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ الْخَلَائِقَ يَسْتَقْبِلُونَ الْكَعْبَةَ شَرَّفَهَا اللَّهُ كَاسْتِقْبَالِ أَجْزَاءِ مُحِيطِ الدَّائِرَةِ لِمَرْكَزِهَا فَإِذَا تَخَيَّلْنَا الْكَعْبَةَ مَرْكَزًا فَقَدْ خَرَجَ مِنْهُ خُطُوطٌ مُجْتَمِعَةُ الْأَطْرَافِ فِي الْمَرْكَزِ وَكُلَّمَا بَعُدَتِ اتَّسَعَتْ مِثْلُ قَصَبَتَيْ شَبَكَةِ الصَّيَّادِينَ فَمِنَ الْمَعْلُومِ حِينَئِذٍ أَنَّ كُلَّمَا بَعُدَ خَطَّانِ مِنْ هَذِهِ الْخُطُوطِ وَسِعَ طَرَفَاهُمَا أَكْثَرُ مِمَّا إِذا قربا فَلذَلِك كَانَ الصَّفُّ الطَّوِيلُ فِي الْبُعْدِ مُسْتَقْبِلًا وَفِي الْقُرْبِ لَيْسَ مُسْتَقْبِلًا.
الثَّانِي:
فِي الْجَوَاهِرِ الْوَاقِفُ بِمَكَّةَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ يَسْتَقْبِلُ بِنَاءَ الْكَعْبَةِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرِ اسْتَدَلَّ فَإِنْ كَانَ الِاسْتِدْلَالُ بِمَشَقَّةٍ فَلِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي جَوَازِ الِاجْتِهَادِ تَرَدُّدٌ.
الثَّالِثُ:
الْوَاقِفُ بِالْمَدِينَةِ يَتَنَزَّلُ مِحْرَابُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي حَقِّهِ مَنْزِلَةَ الْكَعْبَةِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الِاجْتِهَادُ بالتيامن والتياسر لِأَنَّهُ مَنْصُوبٌ بِالْوَحْيِ وَمُبَاشَرَةِ الْمَعْصُومِينَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ وَهِيَ مَعْصُومَةٌ أَيْضًا فَيَقْطَعُ بِصِحَّتِهِ وَخَطَأِ مُخَالِفِهِ فَلَا مَعْنَى لِلِاجْتِهَادِ.

.الطَّرَفُ الثَّانِي الَّذِي يَسْتَقْبِلُ فِيهِ:

وَفِي الْجَوَاهِرِ يَجِبُ الِاسْتِقْبَالُ إِلَّا فِي الْقِتَالِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فرجالا أَو ركبانا} وَلَا تُصَلَّى فَرِيضَةٌ وَلَا صَلَاةُ جَنَازَةٍ عَلَى رَاحِلَة فَإِنْ فَعَلَتْ مِثْلَ فِعْلِهَا فِي الْأَرْضِ فَفِي جَوَازِ ذَلِكَ وَكَرَاهِيَتِهِ قَوْلَانِ نَظَرًا لِصُورَةِ الْأَدَاءِ وَإِلَى أَنَّ الْأَرْضَ يَتَأَتَّى فِيهَا مِنَ التَّوَاضُعِ وَالتَّذَلُّلِ بِمُبَاشَرَةِ التُّرَابِ وَالتَّمَكُّنِ مِنَ الْخُشُوعِ مَا لَيْسَ فِي الرَّوَاحِلِ وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ الْكِتَابِ فَقَالَ فِي مَرِيضٍ لَا يَسْتَطِيعُ الْجُلُوسَ لَا يُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ فِي مَحْمَلِهِ بَلْ عَلَى الْأَرْضِ وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَفِي أَبِي دَاوُدَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا سُئِلَتْ هَلْ رَخَّصَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِلنِّسَاءِ أَنْ يُصَلِّينَ عَلَى الدَّوَابِّ؟ قَالَتْ لَمْ يُرَخِّصْ فِي ذَلِكَ فِي شِدَّةٍ وَلَا رَخَاءٍ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ فَإِنْ فَعَلَ قَالَ سَحْنُونٌ يُعِيدُ أَبَدًا وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ إِذَا اسْتَوَتْ حَالَتَا الْأَرْضِ وَالْمَحْمَلِ فِي الْإِيمَاءِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.
فُرُوعٌ أَرْبَعَةٌ:
الْأَوَّلُ:
قَالَ اللَّخْمِيُّ إِذَا كَانَ الْمَرِيضُ لَا يَجِدُ مَنْ يُحَوِّلُهُ إِلَى الْقِبْلَةِ وَلَا يَرْجُوهُ صَلَّى أَوَّلَ الْوَقْتِ وَإِنْ كَانَ رَاجِيًا صَلَّى آخِرَ الْوَقْت وَإِن شكّ فوسط الْوَقْت.
الثَّانِي:
قَالَ فِي الْكِتَابِ مَنْ خَافَ السِّبَاعَ أَوْ غَيْرَهَا صَلَّى عَلَى دَابَّتِهِ إِيمَاءً حَيْثُمَا تَوَجَّهَتْ بِهِ فَإِنْ أَمِنَ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالا أَوْ ركبانا} وَفِي التِّرْمِذِيّ أَنهم كَانُوا مَعَه عَلَيْهِم السَّلَامُ فِي مَسِيرَةٍ فَانْتَهَوْا إِلَى مَضِيقٍ فَمُطِرُوا وَالسَّمَاءُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَالْبِلَّةُ مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَذَّنَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَأَقَامَ أَوْ أُقِيمَ فَتَقَدَّمَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى رَاحِلَتِهِ فَصَلَّى بِهِمْ يُومِئُونَ إِيمَاءَ السُّجُودِ أَخْفَضَ مِنَ الرُّكُوعِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ قَوْلُهُ حَيْثُمَا تَوَجَّهَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ مَعْنَاهُ إِذَا لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَتَوَجَّهَ بِهَا إِلَى الْقِبْلَةِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَالْمُسَايَفَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحدهمَا أَن الْعذر هَهُنَا قَدْ يَكُونُ مَوْهُومًا وَالْمُسَايَفَةُ مُحَقَّقَةٌ وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْجُلَّابِ إِذَا كَانَ عُذْرُهُ مُشْكَلًا غَيْرَ مُحَقَّقٍ أَعَادَ الثَّانِي فَضِيلَةُ الْجِهَادِ وَسَوَّى الْغَيْرُ بَيْنَهُمَا فِي الْإِعَادَةِ فِي الْوَقْتِ فَلَوْ خَافَ مِنَ السِّبَاعِ أَوِ اللُّصُوصِ وَهُوَ مَاشٍ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَالشَّافِعِيُّ يُصَلِّي إِيمَاءً كَالْمُسَايَفَةِ وَلَوْ كَانَ جَالِسًا وَخَافَ مِنْ عَدُوِّهِ قَالَ أَشْهَبُ وَغَيْرُهُ يُصَلِّي جَالِسًا وَيَسْجُدُ إِلَّا أَنْ يَخَافَ فَيُومِئُ.
الثَّالِثُ:
قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ لَوْ غَشِيَهُ السَّيْلُ فِي وَادٍ لَا مَفَرَّ لَهُ إِلَّا بطول وَخَافَ فَوَاتَ الْوَقْتِ وَلَمْ يُمْكِنْهُ الْوُقُوفُ صَلَّى فِي غدوه وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَكَذَلِكَ خَوْفُ الْحَيَّاتِ وَقَالَ الْمُزَنِيُّ الْحَيَّاتُ عذر نَادِر والنَّادِرٌ لَا يُسْقِطُ الْقَضَاءَ وَهَذِهِ الْفُرُوعُ كُلُّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى قَاعِدَةِ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهَا وَهِيَ تَعَارُضُ الْمَقَاصِدِ وَالْوَسَائِلِ فَإِنَّهُ يَجِبُ تَقْدِيمُ الْمَقَاصِدِ لِكَوْنِهَا أَهَمَّ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ وَالْأَرْكَانُ مَقَاصِدُ وَالِاسْتِقْبَالُ شَرْطٌ وَوَسِيلَةٌ فَلَا تُتْرَكُ الْمَقَاصِدُ لِأَجْلِ تَعَذُّرِهِ.
الرَّابِعُ:
قَالَ فِي الْكِتَابِ لَا يُصَلِّي عل دَابَّته التَّطَوُّع إِلَّا فِي سفر تقصر فِيهِ الصَّلَاة قَالَ صَاحب الطّراز إِن كَانَ مُسْتَقْبل الْقِبْلَةَ فِي السَّفَرِ الْقَصِيرِ فَيَخْتَلِفُ فِيهِ الْمَذْهَبُ عَلَى رَأْيِ مَنْ جَوَّزَ الْإِيمَاءَ لِلْمُتَنَفِّلِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَقْبِلًا فَقَدْ جَوَّزَهُ الشَّافِعِيُّ فِي كُلِّ سَفَرٍ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ الْفَرْسَخَيْنِ وَالْأَوْزَاعِيُّ لِكُلِّ مَنْ خَرَجَ مِنْ بَلَدٍ فِي حَاجَة رَاكِبًا أَو مَاشِيا الْأَدِلَّةُ الدَّالَّةُ عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالِاسْتِقْبَالِ وَجَوَّزَ فِي الْكِتَابِ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ وَالْوِتْرَ عَلَى الرَّاحِلَةِ خِلَافًا لِ (ح) فِي الْوِتْرِ لَنَا مَا فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يُسَبِّحُ عَلَى الرَّاحِلَةِ وَيُرْسِلُهَا غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي عَلَيْهَا الْمَكْتُوبَة والتنفل على الدَّابَّة من حَيْثُ الْجُمْلَةِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْمَاشِي فَمَنَعَهُ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَجَوَّزَهُ الشَّافِعِيُّ حُجَّتُنَا عَمَلُ السَّلَفِ وَلَيْسَ لِلْمُخَالِفِ مُدْرَكٌ إِلَّا الْقِيَاسُ عَلَى الرَّاكِبِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الرَّاكِبَ بِمَنْزِلَةِ الْجَالِسِ الْمُتَنَفِّلِ وَحَرَكَةُ الْمَاشِي تُنَافِي هَيْئَةَ الصَّلَاةِ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي الْكِتَابِ يُصَلِّي عَلَى دَابَّتِهِ فِي السَّفَرِ حَيْثُمَا تَوَجَّهَتْ بِهِ عَدَمُ اعْتِبَارِ الْقِبْلَةِ وَقْتَ الْإِحْرَامِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إِنْ كَانَتْ دَابَّتُهُ غَيْرَ مَقْطُورَةٍ وَاقِفَةً افْتَتَحَهَا إِلَى الْقِبْلَةِ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ إِذَا كَانَتْ وَاقِفَةً لَا يُصَلِّي إِلَّا إِلَى الْقِبْلَةِ وَاتَّفَقُوا فِي الْمَقْطُورَةِ أَنَّهُ يُصَلِّي حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ وَإِنْ كَانَتْ وَاقِفَةً وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُفْرَدَةِ الَّتِي لَا تَصْعُبُ إِدَارَتُهَا فَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ يَلْزَمُهُ إِدَارَتُهَا وَيُحْرِمُ إِلَى الْقِبْلَةِ كَالْمَاشِي عِنْدَهُمْ وَمَنَعَ بَعْضُهُمْ لُزُومَ ذَلِكَ حُجَّتُهُمْ مَا فِي أَبِي دَاوُدَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ إِذَا سَافَرَ فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَتَطَوَّعَ اسْتَقْبَلَ بِنَاقَتِهِ الْقِبْلَةَ وَكَبَّرَ ثُمَّ صَلَّى حَيْثُ وَجه ركابه وَإِذا أحرم إِلَى جِهَة مسيره فَلَا يَنْحَرِفُ بِوَجْهِهِ إِلَى غَيْرِهَا قَالَ مَالِكٌ إِذَا مَالَ مَحْمَلَهُ فَحَوَّلَ وَجْهَهُ إِلَى دُبُرِ الْبَعِيرِ لَمْ أُحِبَّهُ وَلْيُصَلِّ إِلَى سَيْرِ الْبَعِيرِ وَلَوْ صلى فِي الْمحمل مشرقا أَو مغربا لَا يَنْحَرِفُ إِلَى الْقِبْلَةِ وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا وَلْيُصَلِّ قِبَلَ وَجْهِهِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ فَعَلَى هَذَا إِذا انحرف بَعْدَ الْإِحْرَامِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَلَا سَهْوٍ فَإِن كَانَت الْقبْلَة فَلَا شَيْء عَلَيْهِ فَإِنَّهَا الْأَصْلُ وَإِنْ كَانَتْ غَيْرُهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَأَمَّا إِذَا ظَنَّ أَنَّ تِلْكَ طَرِيقُهُ أَوْ غَلَبَتْهُ دَابَّتُهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ فَلَوْ وَصَلَ مَنْزِلًا وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ نَزَلَ وَأَتَمَّ بِالْأَرْضِ رَاكِعًا وَسَاجِدًا إِلَّا قَوْلِ مَنْ يُجَوِّزُ الْإِيمَاءَ فِي النَّافِلَةِ لِلصَّحِيحِ فَإِنَّهُ يُتِمُّ صَلَاتَهُ عَلَى دَابَّتِهِ إِلَى الْقِبْلَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَنْزِلَ إِقَامَةٍ خَفَّفَ قِرَاءَتَهُ وَأَتَمَّ صَلَاتَهُ عَلَى الدَّابَّةِ لِأَنَّهُ يَسِيرُ وَلَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِي صَلَاتِهِ مَا لَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ مِنْ مَسْكِ الْعِنَانِ وَالضَّرْبِ بِالسَّوْطِ وَتَحْرِيكِ الرِّجْلِ إِلَّا أَنَّهُ لَا يَتَكَلَّمُ وَلَا يَلْتَفِتُ وَلَا يَسْجُدُ عَلَى قَرْبُوسِ سِرْجِهِ وَلَكِنْ يُومِئُ قَالَ فِي الْكتاب قيام الْمصلى فِي الْمحمل مُتَرَبِّعًا وَإِذَا رَكَعَ رَكَعَ مُتَرَبِّعًا وَوَضَعَ يَدَيْهِ على رُكْبَتَيْهِ فَإِذا رفع رَأسه من رُكُوعه رَفَعَ يَدَيْهِ عَنْ رُكْبَتَيْهِ فَإِذَا أَهْوَى إِلَى السَّجْدَة بَين رجلَيْهِ وَسجد إِلَّا أَنْ يَقْدِرَ أَنْ يَثْنِيَ رِجْلَيْهِ فَيُومِئَ متربعا وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَقَالَ فِي الْعُتْبِيَّة إِذا أعيا فِي تَرَبُّعِهِ فَمَدَّ رِجْلَيْهِ أَرْجُو أَنْ يَكُونَ خَفِيفًا قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ لَوْ صَلَّى عَلَى دَابَّتِهِ فِي قِبْلَتِهِ قَائِمًا رَاكِعًا وَسَاجِدًا مِنْ غَيْرِ نَقْصٍ أَجَزَأَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَعَلَى قَوْلِ سَحْنُون لَا يجْزِيه لدُخُوله على الْغَرَرِ وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ.
تَمْهِيدٌ:
أَقَامَ الشَّرْعُ جِهَةَ السَّفَرِ بَدَلًا مِنْ جِهَةِ الْكَعْبَةِ فِي حَقِّ الْمُتَنَفِّلِ لِأَنَّ تَحْصِيلَ مَقَاصِدِ الصَّلَاةِ أَوْلَى مِنْ رِعَايَةِ شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِهَا وَلَوْ مَنَعَ الشَّرْعُ التَّنَفُّل فِي الْأَسْفَار لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ لَامْتَنَعَ أَكْثَرُ النَّاسِ مِنَ التَّنَفُّلِ فِي السَّفَرِ وَلَامْتَنَعَ الْأَبْرَارُ مِنَ الْأَسْفَارِ حِرْصًا عَلَى النَّوَافِلِ وَكَذَلِكَ لَا تُتْرَكُ مَقَاصِدُ الصَّلَاةِ مِنَ الْأَرْكَانِ لِتَعَذُّرِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ فَإِنَّ الْقَاعِدَةَ تَقْدِيمُ الْمَقَاصِدِ عَلَى الْوَسَائِلِ.

.الطَّرَفُ الثَّالِثُ الْمُسْتَقْبِلُ:

فَفِي الْجَوَاهِر أَحْوَاله سِتّ لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ فِي أَحَدِ الْحَرَمَيْنِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْيَقِينُ وَحَرُمَ الِاجْتِهَادُ وَإِنْ كَانَ غَائِبًا عَالِمًا بِأَدِلَّةِ الْكَعْبَةِ وَجَبَ عَلَيْهِ الِاجْتِهَادُ وَحَرُمَ التَّقْلِيد وَإِن لم يكن عَالما وَأمكنهُ التَّعْلِيم وَجب التَّعْلِيم وَحَرُمَ التَّقْلِيدُ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ وَقَدْ سَمِعَ أَقْوَالَ الْعُلَمَاءِ بِالْأَدِلَّةِ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي تِلْكَ الْأَقْوَالِ وَحَرُمَ التَّقْلِيدُ فَإِنْ لَمْ يسمع جَازَ لَهُ التَّقْلِيد لقَوْله تَعَالَى {فاسئلوا أهل الذّكر إِن كُنْتُم لَا تعلمُونَ} وَيَلْحَقُ بِهِ الْأَعْمَى وَحَيْثُ قُلْنَا بِالتَّقْلِيدِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمُقَلِّدُ مُكَلَّفًا مُسْلِمًا عَارِفًا بِأَدِلَّةِ الْقِبْلَةِ فَإِنْ عَدِمَ مَنْ يُقَلِّدُهُ وَيَلْحَقُ بِهِ الْمُجْتَهِدُ إِذَا خَفِيَتْ عَلَيْهِ الْأَدِلَّةُ فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ يُصَلِّي إِلَى أَيِّ جِهَةٍ شَاءَ وَلَوْ صَلَّى أَرْبَعَ صَلَوَاتٍ لِأَرْبَعِ جِهَاتٍ لَكَانَ مَذْهَبًا وَفِي الْمُجْتَهِدِ الْمُتَحَيِّرِ قَوْلٌ ثَالِثٌ أَنَّهُ يُقَلِّدُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ فَلَوْ رَجَعَ لِلْأَعْمَى بَصَرُهُ فِي الصَّلَاةِ فَشَكَّ تَحَرَّى وَبَنَى وَلَمْ يَقْطَعْ كَمَا لَوْ شَكَّ فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ قَالَ فَلَوْ تَرَكَ الْأَعْمَى التَّقْلِيدَ مَعَ إِمْكَانِهِ وَصَلَّى بِرَأْيِ نَفْسِهِ أَوِ الْجَاهِلِ قَالَ بعض الشفعوية صَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ قَالَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ وَجَدَ مِنْهُ الْقَصْدَ إِلَى الْجِهَةِ وَهَذَا مُشْكِلٌ مِنْ صَاحب الطّراز فَإِن الْجَاهِل ترك مَا يجب عَلَيْهِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ تَرَكَ الْمُجْتَهِدُ الِاجْتِهَادَ فَإِنَّ صَلَاتَهُ بَاطِلَةٌ وَلَوْ أَخْبَرَ الْأَعْمَى رَجُلٌ أَن الَّذِي قَلّدهُ يُخطئ فَفِي الْجَوَاهِرِ فَإِنْ صَدَّقَهُ انْحَرَفَ إِلَى الْجِهَةِ الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا وَبَنَى لِأَنَّهُ اجْتَهَدَ لَهُ مُجْتَهِدٌ قَالَ سَحْنُونٌ هَذَا هُوَ الْحَقُّ إِنْ كَانَ الْمُخْبِرُ أَخْبَرَ بِاجْتِهَادٍ فَإِنْ كَانَ عَنْ مُعَايَنَةٍ بَطَلَ مَا مَضَى وَلَمْ يَبْنِ قَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ فِي تَعْلِيقِهِ الْبَلَدُ الْخَرَابُ الَّذِي لَا أحد فِيهِ لَا يُقَلّد الْمُجْتَهد محاربيه فَإِنْ خَفِيَتْ عَلَيْهِ الْأَدِلَّةُ أَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ قَلَّدَهَا وَالْبَلَدُ الْعَامِرُ الَّذِي تَتَكَرَّرُ الصَّلَوَاتُ فِيهِ وَيَعْلَمُ أَنَّ إِمَامَ الْمُسْلِمِينَ نَصَبَ مِحْرَابَهُ أَوِ اجْتَمَعَ أَهْلُ الْبَلَدِ عَلَى نَصْبِهِ فَإِنَّ الْعَالِمَ وَالْعَامِّيَّ يُقَلِّدُونَهُ قَالَ لِأَنَّهُ قَدْ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَبْنِ إِلَّا بَعْدَ اجْتِهَادِ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ قَالَ وَأَمَّا الْمَسَاجِدُ الَّتِي لَا تجْرِي هَذَا الْمَجْرَى فَإِنَّ الْعَالِمَ بِالْأَدِلَّةِ يَجْتَهِدُ وَلَا يُقَلِّدُ فَإِنْ خَفِيَتْ عَلَيْهِ الْأَدِلَّةُ قَلَّدَ مَحَارِيبَهَا وَأَمَّا الْعَامِّيُّ فَيُصَلِّي فِي سَائِرِ الْمَسَاجِدِ وَقَالَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ مَنْ غَابَ عَنِ الْكَعْبَةِ فَفَرْضُهُ الِاجْتِهَادُ فَإِنْ صَلَّى بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ وَإِن وَقعت إِلَى الْكَعْبَة وَلم يفصل وَهَهُنَا قَوَاعِد خمس تَتَعَيَّنُ الْإِحَاطَةُ بِهَا الْقَاعِدَةُ الْأُولَى لَيْسَ الِاجْتِهَادُ بَذْلُ الْجُهْدِ كَيْفَ كَانَ بَلْ يُشْتَرَطُ فِيهِ مَعْرِفَةُ الْأَدِلَّةِ الْمَنْصُوبَةِ عَلَى الْكَعْبَةِ فَمَنِ اجْتَهَدَ فِي غَيْرِهَا فَلَيْسَ بِمُجْتَهِدٍ كَمَا أَنَّ الْمُجْتَهِدَ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ بِغَيْرِ أَدِلَّتِهَا الْمَنْصُوبَةِ عَلَيْهَا لَيْسَ بمجتهد وأصول الْأَدِلَّة على الْكَعْبَةِ سِتَّةٌ الْعُرُوضُ وَالْأَطْوَالُ مَعَ الدَّائِرَةِ الْهَنْدَسِيَّةِ أَوْ غَيْرِهَا مِنَ الْأَشْكَالِ الْهَنْدَسِيَّةِ عَلَى مَا بُسِطَ فِي عِلْمِ الْمَوَاقِيتِ وَالْقُطْبُ وَالْكَوَاكِبُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالرِّيَاحُ وَهِيَ أَضْعَفُهَا كَمَا أَنَّ أَقْوَاهَا الْعرُوض والأطوال ثُمَّ الْقُطْبُ وَيَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ هَذِهِ الْأَدِلَّةِ قَوْله تَعَالَى {وبالنجم هم يَهْتَدُونَ} فِي سِيَاقِ الِامْتِنَانِ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى الْمَشْرُوعِيَّةِ وقَوْله تَعَالَى {لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْر} وَالْهِدَايَةُ إِنَّمَا تَكُونُ لِلْمَقَاصِدِ وَالصَّلَاةُ مِنْ أَهَمِّ الْمَقَاصِدِ وقَوْله تَعَالَى {وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عدد السنين والحساب} وَهَذَا كُلُّهُ تَنْبِيهٌ عَلَى وُجُوهِ تَحْصِيلِ الْمَصَالِحِ مِنَ الْكَوَاكِبِ وَمِنْ أَهَمِّ الْمَصَالِحِ إِقَامَةُ الصَّلَاةِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ وَلِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ كُلَّ مَا أَفْضَى إِلَى الْمَطْلُوبِ فَهُوَ مَطْلُوبٌ وَهَذِهِ الْأُمُورُ مُفْضِيَةٌ إِلَى إِقَامَةِ الصَّلَوَاتِ الْمَطْلُوبَةِ فَتَكُونُ مَطْلُوبَةً الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ حَيْثُ قُلْنَا بِتَقْلِيدِ الْمَحَارِيبِ فَيشْتَرط فِيهَا أَن لَا تَكُونَ مُخْتَلِفَةً وَلَا مَطْعُونًا عَلَيْهَا مِنْ أَهْلِ الْعلم فمهما فقد أَحَدُ الشَّرْطَيْنِ لَا يَجُوزُ تَقْلِيدُهَا إِجْمَاعًا فَإِنَّ الْأَصْلَ فِي التَّكَالِيفِ الْعِلْمُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تقف مَا لَيْسَ لَك بِهِ علم} وَقَدْ أَقَامَ الشَّرْعُ الظَّنَّ مَقَامَهُ لِتَعَذُّرِهِ فِي كَثِيرٍ مِنَ الصُّوَرِ وَغَلَبَةِ صِدْقِ الظُّنُونِ وَنُدْرَةِ كَذِبِهَا وَالْمَصْلَحَةُ الْغَالِبَةُ لَا تُتْرَكُ لِلْمَفْسَدَةِ النَّادِرَةِ وَنفي الشَّك مُلْغًى بِالْإِجْمَاعِ وَمَعَ الِاخْتِلَافِ أَوِ الطَّعْنِ مِنْ أهل الْعلم لَا عِلْمَ وَلَا ظَنَّ بَلْ نَقْطَعُ مَعَ الِاخْتِلَافِ بِالْخَطَأِ وَنَظُنُّهُ مَعَ الطَّعْنِ وَهَذَا هُوَ شَأْنُ مَحَارِيبِ الْقُرَى بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ فَإِنَّهَا مُخْتَلِفَةٌ جِدًّا وَمَطْعُونٌ عَلَيْهَا جِدًّا وَقَدْ صَنَّفَ الزَّيْنُ الدُّمْيَاطِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ تَصَانِيفَ فِيهَا وَنَبَّهَ عَلَى كَثْرَةِ فَسَادِهَا وَاخْتِلَافِهَا وَلَيْسَ بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ بَلَدٌ نُقَلِّدُ مَحَارِيبَهَا الْمَشْهُورَةَ حَيْثُ قُلْنَا بِالتَّقْلِيدِ إِلَّا مصر والقاهرة والاسكندرية وَبَعض دمياط أَو بعض محاريب قوص وَأما الْمحلة ومنية بني خَصِيبٍ وَالْفَيُّومُ فَإِنَّ جَوَامِعَهَا فِي غَايَةِ الْفَسَادِ فَإِنَّهَا مُسْتَقْبِلَةٌ بِلَادَ السُّودَانِ وَلَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ جِهَةِ الْكَعْبَةِ مُلَابَسَةٌ الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ فِي مَعْرِفَةِ الِاسْتِدْلَالِ بِالْأَدِلَّةِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَمَّا الْعُرُوضُ وَالْأَطْوَالُ فَلَا يَلِيق ذكرهَا هَهُنَا لِطُولِ أَمْرِهَا بَلْ نُحِيلُهَا عَلَى كُتُبِهَا الْمَوْضُوعَةِ لَهَا وَأَمَّا الْقُطْبُ فَهُوَ نُقْطَةٌ مُقَدَّرَةٌ مَا بَين الفرقدين والجدي وَهُوَ أقرب إِلَى الجدي وَالْجَدْيُ وَالْفَرْقَدَانِ مَعَ نُجُومٍ صِغَارٍ بَيْنَهُمَا صُورَتُهَا صُورَة سفينة أَو سَمَكَة وَهِي تَدور أبدا على الدَّهْرِ لَيْلًا وَنَهَارًا مَعَ بَنَاتِ نَعْشٍ فَالْجَدْيُ يَلِي النَّعْشَ وَالْفَرْقَدَانِ يَلِيَانِ الْبَنَاتَ وَهَذَا الْقُطْبُ هُوَ وَسَطُ السَّمَاءِ فَمَنْ جَعَلَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ فَقَدْ صَارَ الْجَنُوبُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ وَمَشْرِقُ الِاعْتِدَالِ عَلَى يَمِينِهِ وَمَغْرِبُ الِاعْتِدَالِ عَلَى يَسَارِهِ وَتَنْقَسِمُ لَهُ دَائِرَةُ الْأُفُقِ أَرْبَعَةَ أَرْبَاعٍ وَيُسْتَعَانُ عَلَى ذَلِكَ بِمَنْ هُوَ عَالِمٌ بِهِ فَإِذَا عَرَفْتَ الْقُطْبَ فَهُوَ يُجْعَلُ بِمِصْرَ وَمَا قَارَبَهَا خَلْفَ الْكَتِفِ الْأَيْسَرِ لَا بَيْنَ الْكَتِفَيْنِ وَلَا قُبَالَةَ صَفْحَةِ الْخَدِّ الْأَيْسَرِ بِحَيْثُ يَكُونُ مَطْلِعُ الْعَقْرَبِ وَمَشْرِقُ الشِّتَاءِ بَيْنَ الْعَيْنَيْنِ وَكُلَّمَا صَعَّدْتَ فِي الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ مِلْتَ إِلَى الْمَشْرِقِ وَكُلَّمَا انْحَدَرْتَ إِلَى الشِّمَالِ مِلْتَ إِلَى الْجَنُوبِ فَأَنْتَ أَبَدًا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْجَنُوبِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَحْدُودِ لَكَ وَلَا يَحْصُلُ التَّغَيُّرُ فِي أَقَلِّ مِنْ مَسِيرَةِ يَوْمَيْنِ شَرْقًا أَوْ غَرْبًا شَمَالًا أَوْ جَنُوبًا وَفِي إِفْرِيقِيَّةَ مِنْ أَرْضِ الْمَغْرِبِ يميلون إِلَى الشرق أَكْثَرَ مِنْ مِصْرَ وَأَهْلُ الْمَغْرِبِ الدَّاخِلِ يَزِيدُونَ عَلَى ذَلِكَ وَيُقَرِّبُونَ الْجَدْيَ مِنْ صَفْحَةِ الْخَدِّ الْأَيْسَرِ أَكْثَرَ وَفِي الْأَنْدَلُسِ يُبْعِدُونَهُ عَنْ صَفْحَةِ الخد ويقربون إِلَى الْجنُوب أَكثر من مِصْرَ وَأَهْلُ الْيَمَنِ يَجْعَلُونَهُ بَيْنَ أَعْيُنِهِمْ وَأَهْلُ الْعِرَاقِ وَالْمُوصِلِ وَبِلَادُ الرُّومِ وَالصَّقَالِبَةُ يَجْعَلُونَهُ بَيْنَ أَكْتَافِهِمْ وَأَهْلُ الشَّامِ يَمِيلُونَ عَنْ ذَلِكَ إِلَى جِهَةِ الْمَشْرِقِ يَسِيرًا وَبِلَادُ الْعَجَمِ يَجْعَلُونَهُ عَلَى جَنْبِ الْكَتِفِ الْأَيْمَنِ لَا بَيْنَ الْكَتِفَيْنِ وَلَا على صفحة الخد وبلاد الْهِنْد والسند يَجْعَلُونَهُ عَلَى صَفْحَةِ الْخَدِّ وَيَسْتَقْبِلُونَ وَسَطَ الْمَغْرِبِ وَأَوَائِلُ بِلَادِ التَّكْرُورِ وَالنُّوبَةُ وَالْبَجَّةُ يَجْعَلُونَهُ عَلَى صَفْحَةِ الْخَدِّ الْأَيْسَرِ وَيَسْتَقْبِلُونَ وَسَطَ الْمَشْرِقِ وَأَوَاخِرُ بِلَادِ التَّكْرُورِ وَالزَّيْلَعُ وَالْحَبَشَةُ يُقَرِّبُونَهُ مِنْ بَيْنِ الْعَيْنَيْنِ مِنْ جِهَةِ الْخَدِّ الْأَيْسَرِ وَهَذَا بَيَانُ هَذِهِ الْجِهَاتِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ فَإِنَّ ذِكْرَهَا عَلَى التَّفْصِيلِ لَا يَسَعُهُ هَذَا الْمَكَانُ وَعَلَى الْمُجْتَهِدِ تَحْرِيرُ ذَلِكَ فِي مَوَاضِعِهِ بِالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ بِحَسْبِ الْقُرْبِ وَالْبُعْدِ وَأَمَّا الِاسْتِدْلَالُ بِالشَّمْسِ فَطُلُوعُهَا يُعَيِّنُ الْمَشْرِقَ وَالْمَغْرِبَ وَكَذَلِكَ غُرُوبُهَا وَزَوَالُهَا يُعَيِّنُ الشَّمَالَ وَالْجَنُوبَ فَإِنَّهَا لَا تَزُولُ أَبَدًا إِلَّا قُبَالَةَ الْقُطْبِ فَمُسْتَقْبِلُهَا حِينَئِذٍ بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ وَالشَّامِيَّةِ يَكُونُ الْجَنُوبُ أَمَامَهُ وَالشَّمَالُ خَلْفَهُ وَالْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ عَنْ يَسَارِهِ وَيَمِينِهِ فَإِذَا انْقَسَمَتْ لَكَ الْجِهَاتُ الْأَرْبَعُ فِي بَلَدِكَ وَأَنْتَ تَعْلَمُ الْكَعْبَةَ فِي أَيِّ جِهَةٍ مِنْ جِهَاتِ بَلَدِكَ اسْتَقْبِلْهَا كَمَا تَقول فِي الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ الْكَعْبَةُ مِنْهَا مَا بَيْنَ الشرق وَالْجَنُوبِ وَهِيَ أَقْرَبُ إِلَى الْمَشْرِقِ وَأَمَّا الِاسْتِدْلَالُ بِالْقَمَرِ فَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ الْقَمَرَ لَا يَزَالُ قوسا إِلَّا فِي منتصف الشَّهْر فَفِي أَوَّلِ الشَّهْرِ يَكُونُ مُحَدَّبَ الْقَوْسِ أبدا إِلَى جِهَة الْمغرب ومقعده إِلَى الشرق وَفِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنَ الشَّهْرِ يَكُونُ عَلَى الْعَكْس محدبه إِلَى الْمشرق ومقعده إِلَى الْمَغْرِبِ فَمَتَى نَظَرْتَ إِلَيْهِ فِي أَيِّ وَقْتٍ شِئْتَ بِاللَّيْلِ أَوْ بِالنَّهَارِ خَرَجَتْ لَكَ الْجِهَاتُ الْأَرْبَعُ وَفَعَلْتَ فِيهِ مَا فَعَلْتَهُ فِي الشَّمْسِ وَأَمَّا مُنْتَصَفُ الشَّهْرِ حَيْثُ لَا تَحْدِيبَ وَلَا تَقْعِيرَ فَإِنْ كُنْتَ فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ فَاعْلَمْ أَنَّ الْجِهَةَ الْقَرِيبَةَ مِنْهُ هِيَ الْمَشْرِقُ والبعيدة الْمَغْرِبُ فَتَخْرُجُ لَكَ الْجِهَاتُ الْأَرْبَعُ فَتَتَعَيَّنُ لَكَ جِهَةُ الْقِبْلَةِ وَإِنْ كُنْتَ فِي آخِرِ اللَّيْلِ فالجهة الْقَرِيبَة مِنْهُ الْمغرب والبعيدة الْمَشْرِقُ فَتَخْرُجُ لَكَ الْجِهَاتُ الْأَرْبَعُ فَاصْنَعْ حِينَئِذٍ مَا تَصْنَعُهُ مَعَ الشَّمْسِ وَأَمَّا الرِّيَاحُ فَاعْلَمْ أَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تَنْصِبُ بُيُوتَهَا إِلَى جِهَةِ الْمَشْرِقِ وَالْبَيْتُ إِنَّمَا يُمَالُ إِلَيْهِ مِنْ جِهَةِ بَابه والميل الصِّبَا وَمِنْه سميت الصابئة صبئبة لِأَنَّهَا مَالَتْ إِلَى عِبَادَةِ النُّجُومِ فَسُمِّيَتِ الرِّيحُ الْآتِيَةُ مِنْ وَسَطِ الْمَشْرِقِ صَبَا وَلَمَّا كَانَ بَابُ الْبَيْتِ يَتَنَزَّلُ مِنْهُ مَنْزِلَةَ الْوَجْهِ مِنَ الْإِنْسَانِ كَانَ ظَهْرُ الْبَيْتِ دُبُرَهُ فَالرِّيحُ الْغَرْبِيَّةُ تُسَمَّى دَبُورًا وَمِنْهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ نُصِرْتُ بِالصَّبَا وَأُهْلِكَتْ عَادٌ بِالدَّبُورِ وَيَتَعَيَّنُ حِينَئِذٍ أَنْ تكون جِهَة القطب شِمَاله وضدها يَمِينه فَسُمِّيَتِ الرِّيحُ مِنْ جِهَةِ الْقُطْبِ شَمَالًا وَالْبِلَادُ الَّتِي فِي تِلْكَ الْجِهَةِ مِنَ الْحِجَازِ شَامًا وَهِي الَّتِي تُسَمَّى بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ بَحَرِيَّةً لِكَوْنِ الْبَحْرِ الْملح فِي تِلْكَ الْجِهَةِ فِي الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ وَعَكْسُهَا تُسَمَّى جَنُوبِيَّةً لِكَوْنِهَا مِنْ جَنْبِ الْبَيْتِ وَالْبِلَادُ الَّتِي فِي تِلْكَ الْجِهَةِ مِنَ الْحِجَازِ تُسَمَّى يَمَنًا وَتُسَمَّى بِمِصْرَ مَرِيسِيَّةَ لِأَجْلِ بَلَدٍ فِي هَذِه الْجِهَة تسمى مريسية وَكُلُّ رِيحٍ بَيْنَ رِيحَيْنِ مِنْ هَذِهِ تُسَمَّى نكباء لتنكيبها عَن كل وَاحِد مِنْهُمَا فَالرِّيَاحُ حِينَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ أَرْبَعَةُ أُصُولٍ وَأَرْبَعَةُ نَوَاكِبَ فَإِذَا عَلِمْتَ رِيحًا مِنْ هَذِهِ الرِّيَاحِ تَعَيَّنَتْ لَكَ الْجِهَاتُ الْأَرْبَعُ وَفَعَلْتَ مَا تَقَدَّمَ فِي الشَّمْسِ فَهَذِهِ أُصُولُ الْأَدِلَّةِ وَفُرُوعُهَا كَثِيرَةٌ مِنَ الْأَنْهَارِ كَالنِّيلِ اعْلَمْ أَنَّهُ يَجْرِي مِنَ الْجَنُوبِ إِلَى الشَّمَالِ فَتَخْرُجُ بِهِ الْجِهَاتُ الْأَرْبَعُ وَكَذَلِكَ غَيْرُهُ مِنَ الْأَنْهَارِ وَالْجِبَالِ وَالْبِلَادِ وَغَيْرُ ذَلِكَ فَهَذِهِ الْأَدِلَّةُ تَتَعَيَّنُ عَلَى الْفَقِيهِ أَنْ يَعْلَمَهَا أَوْ بَعْضَهَا لِيَخْرُجَ مِنْ عُهْدَةِ ذَلِكَ الْوَاجِبِ فِي الْكَعْبَةِ.
تَنْبِيهٌ:
إِذَا قُلْنَا إِنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ لَا يُمكن القَوْل بِهِ هَهُنَا لِأَنَّ أَدِلَّةَ الْأَحْكَامِ يُعَارِضُ بَعْضُهَا بَعْضًا وَفِيهَا الْعَامُّ وَالْمُخَصَّصُ وَالْمُطْلَقُ وَالْمُقَيَّدُ وَالنَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ فَقَدْ يَطَّلِعُ أَحَدُ الْمُجْتَهِدِينَ عَلَى الْعَامِّ دُونَ الْمُخَصَّصِ وَيَطَّلِعُ الْآخَرُ عَلَى الْمُخَصَّصِ فَيَخْتَلِفَانِ وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي سَائِرِ الْأَقْسَامِ وَأَمَّا أَدِلَّةُ الْقِبْلَةِ فَلَا تَعَارُضَ بَيْنَهَا فَمَنْ عَلِمَ جُمْلَتَهَا كَمَنْ عَلِمَ وَاحِدًا مِنْهَا فِي الْهِدَايَةِ فَلَا يَقَعُ الْخِلَافُ فِيهَا إِلَّا بَيْنَ جَاهِلٍ وَعَالِمٍ وَلَا يَقَعُ بَيْنَ عَالِمَيْنِ أَبَدًا لِأَنَّهَا أُمُورٌ مَحْسُوسَةٌ فَالْمُصِيبُ فِيهَا وَاحِدٌ لَيْسَ إِلَّا الْقَاعِدَةُ الرَّابِعَةُ أَنَّ أَرْبَابَ الْمَذَاهِبِ يَنْقُلُونَ الْخِلَافَ فِي الْوَاجِبِ فِي الْكَعْبَةِ فِي حَقِّ الْغَائِبِ عَنْهَا هَلْ هُوَ الْعَيْنُ أَوِ الْجِهَةُ وَهُوَ مُشْكِلٌ فَإِنَّ الْمُعَايِنَ لَا خِلَافَ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ الْعَيْنُ بِلَا خلاف هَهُنَا وَالْغَائِبُ عَنْهَا إِمَّا وَاحِدٌ وَقَدِ اتَّفَقَتِ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتْبَعَ جِهَةً يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ عَيْنَ الْكَعْبَةِ وَرَاءَهَا إِمَّا بِالِاجْتِهَادِ أَوْ بِالتَّقْلِيدِ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْعُدُولُ عَنْ تِلْكَ الْجِهَة وَلِأَن اللَّهَ تَعَالَى كَلَّفَهُ بِرُؤْيَةِ الْعَيْنِ مَعَ الْغَيْبَةِ فَلَا خلاف هَهُنَا أَيْضا وَأما الْكثير فَقَدِ اتَّفَقُوا عَلَى وُجُوبِ الصَّلَاةِ فِي الْمَدِينَتَيْنِ الْمُتَقَارِبَتَيْنِ إِلَى جِهَةٍ وَاحِدَةٍ وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْكَعْبَة لَا يَكْفِي طولهَا بذلك وَأَنْ بَعْضَهُمْ خَارِجٌ عَنْهَا بِالضَّرُورَةِ وَالصَّفُّ الطَّوِيلُ بِمَنْزِلَة المدينتين وَقد انْعَقَد الْإِجْمَاع هَهُنَا عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِالْجِهَةِ الَّتِي يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ الْكَعْبَةَ وَرَاءَهَا وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إِنَّ صَلَاةَ بَعْضِهِمْ بَاطِلَةٌ وَلَا سَبِيلَ إِلَى الْقَوْلِ بِذَلِكَ إِذْ لَيْسَ الْبَعْضُ أَوْلَى مِنَ الْبَعْضِ فَيَبْقَى مَحَلُّ الْخِلَافِ غَيْرُ مَعْلُومٍ وَالْجَوَابُ أَنَّ الْأَحْكَامَ عَلَى قِسْمَيْنِ مَقَاصِدُ وَوَسَائِلُ فَالْمَقَاصِدُ كَالْحَجِّ وَالسَّفَرُ إِلَيْهِ وَسِيلَةٌ وَإِعْزَازُ الدِّينِ وَنَصْرُ الْكَلِمَةِ مَقْصِدٌ وَالْجِهَادُ وَسِيلَةٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنَ الْوَاجِبَاتِ وَالْمُحَرَّمَاتِ وَالْمَنْدُوبَاتِ وَالْمَكْرُوهَاتِ وَالْمُبَاحَاتِ فَتَحْرِيمُ الزِّنَا مَقْصِدٌ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى مَفْسَدَةِ اخْتِلَاطِ الْأَنْسَابِ وَتَحْرِيمُ الْخَلْوَةِ وَالنَّظَرِ وَسِيلَةٌ وَصَلَاةُ الْعِيدَيْنِ مَقْصِدٌ مَنْدُوبٌ وَالْمَشْيُ إِلَيْهَا وَسِيلَةٌ وَرَطَانَةُ الْأَعَاجِمِ مَكْرُوهَةٌ وَمُخَالَطَتُهُمْ وَسِيلَةٌ إِلَيْهِ وَأَكْلُ الطَّيِّبَاتِ مَقْصِدٌ مُبَاحٌ وَالِاكْتِسَابُ لَهُ وَسِيلَةٌ مُبَاحَةٌ وَحُكْمُ كُلِّ وَسِيلَةٍ حُكْمُ مَقْصِدِهَا فِي اقْتِضَاءِ الْفِعْلِ أَوِ التَّرْكِ وَإِنْ كَانَتْ أَخْفَضَ مِنْهُ فِي ذَلِكَ الْبَابِ إِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَالِاجْتِهَادُ قَدْ يَكُونُ فِي تَعْيِينِ الْمَقَاصِدِ كتميز الْأُخْت من الْأَجْنَبِيَّة وَقد تقع فِي الْوَسَائِلِ كَالِاجْتِهَادِ فِي أَوْصَافِ الْمِيَاهِ وَمَقَادِيرِهَا عِنْدَ مَنْ يَعْتَبِرُ الْمِقْدَارَ وَالْمَقْصِدُ هُوَ الطَّهُورِيَّةُ وَالْقَاعِدَةُ أَنَّهُ مَهْمَا تَبَيَّنَ عَدَمُ إِفْضَاءِ الْوَسِيلَةِ إِلَى الْمَقْصِدِ بِطَلَ اعْتِبَارُهَا كَمَا إِذَا تَيَقَّنَّا أَن المَاء الَّذِي اجتهدنا فِي أَوْصَافِهِ مَاءُ وَرْدٍ مُنْقَطِعٌ فَإِنَّهُ يَجِبُ إِعَادَةُ الصَّلَاةِ بِطَهَارَةٍ أُخْرَى فَعَيْنُ الْكَعْبَةِ مَعَ الْجِهَاتِ كَطَهُورِيَّةِ الْمَاءِ مَعَ الْأَوْصَافِ فَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْوَاجِبِ وُجُوبَ الْمَقَاصِدِ فِي الْكَعْبَةِ هَلْ هُوَ الْعَيْنُ وَتَكُونُ الْجِهَاتُ وَسَائِلَ فَإِذَا تَبَيَّنَ خَطَؤُهَا بَطَلَتِ الصَّلَاةُ كَالْمِيَاهِ وَهُوَ مَشْهُورُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ الأَصْل فَإِن الْمَقْصُود الَّذِي دلّ النَّص عَلَيْهِ إِنَّمَا هُوَ الْبَيْتُ أَوِ الْوَاجِبُ وُجُوبَ الْمَقَاصِدِ هُوَ الْجِهَةُ وَلَا عِبْرَةَ بِالْعَيْنِ أَلْبَتَّةَ لِأَنَّ الْعَيْنَ لَمَّا اسْتَحَالَ تَيَقُّنُهَا عَادَةً أَسْقَطَ الشَّرْعُ اعْتِبَارَهَا وَأَقَامَ مَظِنَّتَهَا الَّتِي هِيَ الْجِهَةُ مَقَامَهَا كَإِقَامَةِ السَّفَرِ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ مِيلًا مَقَامَ الْمَشَقَّةِ وَإِقَامَةِ صِيَغِ الْعُقُودِ مَقَامَ الرِّضَا وَالرِّضَا هُوَ الأَصْل لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَامُ لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا عَنْ طيب نَفسه مِنْهُ لَكِنْ لَمَّا تَعَذَّرَتْ مَعْرِفَتُهُ لِخَفَائِهِ أُقِيمَتْ مَظِنَّتُهُ مَقَامَهُ وَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ حَتَّى لَوْ رَضِيَ بِانْتِقَالِ الْمِلْكِ وَلَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ قَوْلٌ وَلَا فعل لم ينتفل الْمِلْكُ فَكَذَلِكَ عَيْنُ الْكَعْبَةِ سَقَطَ اعْتِبَارُهَا لِخَفَائِهَا وَأُقِيمَتِ الْجِهَةُ مَقَامَهَا فَصَارَتْ هِيَ الْوَاجِبَةُ وُجُوبَ الْمَقَاصِد وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُور عندنَا وَمذهب أبي حنيفَة وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَ وَسِيلَةِ الطَّهُورِيَّةِ وَوَسِيلَةِ الْكَعْبَةِ فَإِنَّ الْوُصُولَ إِلَى الطَّهُورِيَّةِ مُمْكِنٌ وَلَوْ فِي الْبَحْرِ بِخِلَافِ عَيْنِ الْكَعْبَةِ فَظَهَرَ أَنَّ الْجِهَةَ وَاجِبَةٌ إِجْمَاعًا إِمَّا وُجُوبَ الْمَقَاصِدِ أَو وُجُوبَ الْوَسَائِلِ وَالْعَيْنُ وَاجِبَةٌ وُجُوبَ الْمَقَاصِدِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَلَيْسَتْ وَاجِبَةً عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ مُطلقًا لَا مقصد وَلَا وَسِيلَة وَيظْهر حِينَئِذٍ إِمْكَان الْخلاف فِي المسئلة وَيَتَخَرَّجُ وُجُوبُ الْإِعَادَةِ عَلَيْهِ فِي حَقِّ مَنْ أَخْطَأَ فَإِنْ قُلْنَا الْجِهَةُ هِيَ الْمَقْصِدُ وَقَدْ حَصَلَتْ فَلَا إِعَادَةَ وَإِنْ قُلْنَا إِنَّهَا وَسِيلَةٌ وَالْوَسِيلَةُ إِذَا لَمْ تُفِضْ إِلَى الْمَقْصِدِ سَقَطَ اعْتِبَارُهَا كَالْأَوْصَافِ مَعَ الْمِيَاهِ فَتَجِبُ الْإِعَادَةُ لِتَحْصِيلِ الْمَقْصِدِ الَّذِي لَمْ يَحْصُلْ بَعْدُ الْقَاعِدَةُ الْخَامِسَةُ هِيَ أَنَّ جِهَةَ الْكَعْبَةِ تَكُونُ شَرْقًا فِي قطر وغربا فِي قطر وكل نقطة تفرض بَين الْمشرق وَالْمغْرب من جِهَةِ الشَّمَالِ أَوِ الْجَنُوبِ فَهِيَ جِهَةُ الْكَعْبَةِ لقوم وعَلى ثَلَاثمِائَة وَسِتِّينَ نُقْطَةٍ وَتَحْرِيرُ ذَلِكَ يَحْصُلُ بِالطُّرُقِ الْمُتَقَدِّمَةِ مِنَ الِاسْتِدْلَالِ وَلَا يَجِبُ اتِّبَاعُ الْإِسْطِرْلَابِ وَلَا الطُّرُقِ الهندسية بل إِن حصلت فَهِيَ حسن لِأَنَّهَا مُؤَكدَة للحق لَا مبطلة لَهُ وَعَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَام مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَذكره مَالك عَن عمر فِي الْمُوَطَّأِ خَاصًّا بِبَعْضِ الْأَقْطَارِ فَإِنَّ اتِّبَاعَ ظَاهِرِهِ يُوجِبُ كَوْنَ الْجَنُوبِ وَالشَّمَالِ قِبْلَةً لِكُلِّ أحد وَهُوَ خلاف الْإِجْمَاع وَبِأَن الْمَشْرِقَ وَالْمَغْرِبَ لَيْسَا قِبْلَةً لِأَحَدٍ وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ بَلْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَدِينَةِ وَالشَّامِ وَنَحْوِهِمَا فِي جِهَةِ الْجَنُوبِ وَعَلَى الْيَمَنِ وَنَحْوِهِ فِي جِهَة الشمَال فَإِن هَذِه الأقطار الْبَيْتُ مِنْهُمْ فِي هَاتَيْنِ الْجِهَتَيْنِ وَأَمَّا مَنْ عَدَاهُمْ فَلَا يُرَادُ بِالْحَدِيثِ وَلِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ فِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ إِذَا تَوَجَّهَ قِبَلَ الْبَيْتِ وَعَلَيْهِ الْأَمْرُ عِنْدَنَا يَعْنِي بِالْمَدِينَةِ فَاشْتَرَطَ فِي اسْتِعْمَالِ الْحَدِيثِ مُصَادَفَةَ جِهَةَ الْكَعْبَةِ وَمِثْلُ هَذَا الْحَدِيثِ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَام لَا تستقبلوا الْقبْلَة لبول أَوْ غَائِطٍ وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا مَحْمُولٌ عَلَى مَا حُمِلَ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ عَلَيْهِ فَإِنَّ التَّشْرِيقَ وَالتَّغْرِيبَ قَدْ يَكُونُ جِهَةَ الْكَعْبَةِ فَيَنْعَكِسُ الحكم.

فُرُوعٌ ثَمَانِيَةٌ:
الْأَوَّلُ:
قَالَ فِي الْكِتَابِ إِذَا عَلِمَ فِي الصَّلَاةِ أَنَّهُ إِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ ابْتَدَأَ الصَّلَاة مَنْ أَوَّلِهَا بِإِقَامَةٍ وَوَافَقَهُ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ قَالَ صَاحب الطّراز وَيتَخَرَّج فِيهَا قَول باستدارة وَالتَّمَادِي عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِيمَنْ ذَكَرَ النَّجَاسَةَ فِي صَلَاتِهِ فَإِنَّهُ يَطْرَحُهَا وَيَتَمَادَى وَمَنْ صَلَّى عُرْيَانًا ثُمَّ وَجَدَ السُّتْرَةَ وَالْفَرْقُ عَلَى الْمَشْهُورِ أَنَّ التَّوَجُّهَ مُتَّفَقٌ عَلَى شَرْطِيَّتِهِ بِخِلَافِ طَهَارَةِ الْخَبَثِ وَالسُّتْرَةِ فَيَكُونُ آكَدُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ ظُهُورِ الْخَطَأِ بَعْدَ الصَّلَاةِ وَفِي أَثْنَائِهَا أَنَّ ظُهُورَهُ فِي أَثْنَائِهَا كَظُهُورِ الْخَطَأِ فِي الدَّلِيلِ قَبْلَ بَتِّ الْحُكْمَ فَإِنَّهُ يَجِبُ الِاسْتِئْنَافُ إِجْمَاعًا وَبَعْدَهَا كَظُهُورِ الْخَطَأِ بَعْدَ بَتِّ الْحُكْمِ وَتَنْفِيذِهِ فَلَا يُؤثر سُؤال قد استدارت الصَّحَابَةُ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ لما أخبروا بتحول الْجِهَة من الْبَيْت الْمُقَدّس وَلم يبتدئوا جَوَابه أَنَّ الْمَاضِيَ مِنْ صَلَاتِهِمْ لَمْ يَكُنْ خَطَأً بَلْ هُوَ صَحِيحٌ وَالطَّارِئُ نَسَخَ فَبَنَوُا الصَّحِيحَ عَلَى الصَّحِيحِ بِخِلَافِ هَذَا الْمُصَلِّي.
الثَّانِي:
قَالَ فِي الْكِتَابِ إِذَا تَبَيَّنَ الْخَطَأُ بَعْدَ الْفَرَاغِ فِي الْبَيَانِ نَاسِيًا أَوْ مُجْتَهِدًا يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ وَفِي الْجَوَاهِرِ لِسَحْنُونٍ يُعِيدُ مُطْلَقًا وَكَالْأَسِيرِ يجْتَهد فيصوم شعْبَان وَحكي التَّفْصِيل عَن الشَّافِعِي قَالَ وَذُكِرَ عَنِ ابْنِ الْقَابِسِيِّ يُعِيدُ النَّاسِي أَبَدًا بِخِلَافِ الْمُجْتَهِدِ قَالَ فَلَوْ صَلَّى بِغَيْرِ الْقِبْلَةِ مُتَعَمِّدًا أَوْ جَاهِلًا بِوُجُوبِ الِاسْتِقْبَالِ فَلَا خِلَافَ فِي إِعَادَتِهِ أَبَدًا وَلِمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ وَالْمُغِيرَةِ إِنْ شَرَّقَ أَوْ غَرَّبَ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ وَإِنِ اسْتَدْبَرَ الْقِبْلَةَ أَعَادَ مُطْلَقًا حُجَّةٌ الْمَشْهُورُ مَا تَقَدَّمَ فِي الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ وقَوْله تَعَالَى {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فثم وَجه الله} خَصَّ مِنْهُ الْجِهَةَ الْمَعْلُومَةَ الْخَطَأِ فَتَكُونُ حُجَّةً فِيمَا عَدَا ذَلِكَ وَفِي التِّرْمِذِيِّ كُنَّا مَعَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ فَلَمْ نَدْرِ أَيْنَ الْقِبْلَةُ فَصَلَّى كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا عَلَى حَاله فَلَمَّا أَصْبَحْنَا ذكرنَا ذَلِك للنَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام فَنزل قَوْله {فأينما توَلّوا فثم وَجه الله} وَقَوْلُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي التَّنَفُّلِ عَلَى الرَّوَاحِلِ لَا يُنَافِي ذَلِكَ لِاحْتِمَالِ الْجَمْعِ فِي الْإِرَادَةِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ أَمَّا مَنْ لَا تَلْتَبِسُ عَلَيْهِ الْكَعْبَةُ وَإِنَّمَا سَهَا فَتَوَجَّهَ إِلَى غَيْرِهَا أَعَادَ أَبَدًا.
الثَّالِثُ:
قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ لَوْ شَكَّ الْمُجْتَهِدُ بَعْدَ إِحْرَامِهِ وَلَمْ تَتَعَيَّنْ لَهُ جِهَةٌ تَمَادَى لِأَنَّهُ دخل بِالِاجْتِهَادِ وَلَمْ يَتَبَيَّنْ خَطَؤُهُ.
الرَّابِعُ:
قَالَ لَوْ صَلَّى بِاجْتِهَاد وَحضر صَلَاةٌ أُخْرَى فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَإِنْ كَانَ الْوَقْتَانِ تَخْتَلِفُ فِيهِمَا الْأَدِلَّةُ اجْتَهَدَ ثَانِيًا وَإِلَّا فَلَا وَفِي الْجَوَاهِرِ يُعِيدُ الِاجْتِهَادَ مُطْلَقًا.
الْخَامِسُ:
قَالَ إِذَا أَدَّاهُ الِاجْتِهَادُ إِلَى جِهَةٍ فَصَلَّى إِلَى غَيْرِهَا ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ صَلَّى إِلَى الْكَعْبَةِ فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيُّ وَأَبِي حَنِيفَةَ لِتَرْكِهِ الْوَاجِبَ قَالَ كَمَا لَوْ صَلَّى ظَانًّا أَنَّهُ مُحْدِثٌ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مُتَطَهِّر.
السَّادِسُ:
قَالَ فِي الْكِتَابِ إِذَا عَلِمَ فِي صَلَاتِهِ أَنَّهُ انْحَرَفَ عَنِ الْقِبْلَةِ وَلَمْ يُشَرِّقْ وَلَمْ يُغَرِّبِ اسْتَقَامَ إِلَى الْقِبْلَةِ وَبَنَى وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيُّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ تَبْطُلُ لِأَنَّ الصَّلَاةَ الْوَاحِدَةَ لَا تَكُونُ إِلَى جِهَتَيْنِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَهَذَا إِذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ قَالَ وَأَمَّا لَوِ اعْتَقَدَ الْمَأْمُومُ أَنَّ الْإِمَامَ انْحَرَفَ انْحِرَافًا بَيِّنًا فَارَقَهُ وَأَتَمَّ لِنَفْسِهِ وَلَوْ كَانُوا فِي بَيْتٍ مُظْلِمٍ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُمْ صَلَّوْا لِجِهَاتٍ شَتَّى فَإِن كَانَ الإِمَام إِلَى غير الْقِبْلَةِ أَعَادُوا كُلُّهُمْ تَبَعًا لِلْإِمَامِ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ أَعَادَ دُونَ الْإِمَامِ.
السَّابِعُ:
قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ الْكَافَّةُ عَلَى أَنَّ مَنْ يُحْسِنُ الِاسْتِدْلَالَ وَلَا وَجَدَ دَلِيلًا أَنَّهُ يَتَحَرَّى جِهَةً تَرْكَنُ إِلَيْهَا نَفْسُهُ يُصَلِّي إِلَيْهَا صَلَاةً وَاحِدَةً وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ يُصَلِّي أَرْبَعَ صَلَوَاتٍ إِلَى أَرْبَعِ جِهَاتٍ وَهُوَ مَذْهَبُهُ فِي الْأَوَانِي يُصَلِّي بعددها وزائد إِحْدَى صلوَات وَكَذَلِكَ فِي الثِّيَابِ النَّجِسَةِ وَوَجْهُ قَوْلِ الْجَمَاعَةِ قَوْله تَعَالَى {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} وَأَنَّ الْيَقِينَ لَا يَحْصُلُ بِأَرْبَعِ جِهَاتٍ لِاحْتِمَالِ أَن تكون الْكَعْبَة فِي جِهَة بَين اثْنَتَيْنِ مِنْهَا بَلْ لَا يَحْصُلُ الْيَقِينُ حَتَّى يُصَلِّيَ ثَلَاثَمِائَةٍ وَسِتِّينَ صَلَاةً وَهَذَا لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ ففارقت هَذِه المسئلة مسئلة الْأَوَانِي.
الثَّامِنُ:
قَالَ لَوْ أَخْبَرَ مُجْتَهِدٌ مُجْتَهِدًا وَهُوَ ثِقَة خَبِير عَنْ جِهَةِ الْبَلَدِ رَجَعَ إِلَيْهِ فَإِنَّ قِبْلَةَ الْبَلَدِ لَا بُدَّ فِيهَا مِنِ اجْتِهَادَاتٍ فَهِيَ أَقْرَبُ لِلصَّوَابِ مِنِ اجْتِهَادٍ وَاحِدٍ وَإِنْ أَخْبَرَهُ عَنِ اجْتِهَادِ نَفْسِهِ سَأَلَهُ عَنْ وَجْهِ الِاجْتِهَادِ فَإِن تَبَيَّنَ لِأَحَدِهِمَا صَوَابُ الْآخَرِ اتَّبَعَهُ وَإِلَّا فَلَا فَإِنْ فَعَلَ فَصَلَاةُ الْمَأْمُومِ مِنْهُمَا بَاطِلَةٌ فَإِنْ طَلَعَ الْغَيْمُ وَنَسِيَ أَحَدُهُمَا وَجْهَ اجْتِهَادِهِ سَأَلَ صَاحِبَهُ فَإِنْ تَبَيَّنَ لَهُ صَوَابُهُ اتَّبَعَهُ وَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنِ انْتَظَرَ زَوَالَ الْغَيْمِ فَإِنْ خَافَ فَوَاتَ الْوَقْتِ قَلَّدَ صَاحِبَهُ كَالْأَعْمَى.