فصل: السُّنَّةُ الثَّانِيَةُ التَّجَرُّدُ مِنَ الْمَخِيطِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الذخيرة (نسخة منقحة)



.السُّنَّةُ الثَّانِيَةُ التَّجَرُّدُ مِنَ الْمَخِيطِ:

فِي إِزَارٍ وَرِدَاءٍ وَنَعْلَيْنِ لما فِي الصِّحَاح أَن رجلا سَأَلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يلبس الْمحرم من الثِّيَاب فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يلبس الْقَمِيص وَلَا الْعِمَامَة وَلَا السَّرَاوِيلَاتِ وَلَا الْبَرَانِسَ وَلَا الْخِفَافَ إِلَّا أَحَدٌ لَا يَجِدُ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ وَلَا تَلْبَسُوا مِنَ الثِّيَابِ شَيْئًا مَسَّهُ الزَّعْفَرَانُ وَلَا الْوَرْسُ قَالَ سَنَدٌ فَنَبَّهَ بِالْقَمِيصِ عَنِ الْجُبَّةِ وَنَحْوِهَا وَبِالسَّرَاوِيلَاتِ عَنِ التُّبَّانِ وَنَحْوِهِ وَبِالْبَرَانِسِ عَنِ الْقَلَنْسُوَةِ وَنَحْوِهَا وَبِالْخُفَّيْنِ على الْقُفَّازَيْنِ وَالسَّاعِدَيْنِ وَنَحْوِهِمَا وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ يَحْرُمُ الْمَخِيطُ أَوِ الْمُحِيطُ كَمَا لَوْ سَلَخَ عِجْلًا عَلَى هَيْئَتِهِ فَلَبِسَ رَقَبَتَهُ فِي رَقَبَتِهِ وَيَدَيْهِ فِي يَدَيْهِ وَجَسَدَهُ فِي جَسَدِهِ مِنْ غَيْرِ خِيَاطَةٍ وَفِي الْكِتَابِ لَيْسَ فِي الثَّوْبِ الدَّنِسِ بَأْسٌ مِنْ غَيْرِ غَسْلٍ قَالَ سَنَدٌ إِنْ كَانَ نَجِسًا غَسَلَ وَقَالَ ش الْجَدِيدُ أَفْضَلُ لَنَا إِنْ كَانَ خَلِقًا قَدْ يَكُونُ أَفْضَلَ مِنْ جَدِيدٍ فَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ طِيبٌ فَأَزَالَهُ بِبَوْلِهِ صَحَّ إِحْرَامُهُ وَالْبَيَاض افضل لقَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خير ثيابكم الْبيَاض فَأَلْبِسُوهَا أَحْيَاءَكُمْ وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ وَالْمَصْبُوغُ بِغَيْرِ طِيبٍ يُكْرَهُ لِمَنْ يَقْتَدِى بِهِ وَجَائِزٌ لِلْعَامَّةِ لِمَا فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَأَى عَلَى طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ ثَوْبًا مَصْبُوغًا وَهُوَ مُحْرِمٌ فَقَالَ عُمَرُ مَا هَذَا الثَّوْبُ الْمَصْبُوغُ يَا طَلْحَةُ فَقَالَ إِنَّمَا هُوَ مَدَرٌ فَقَالَ عُمَرُ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الرَّهْطُ أَئِمَّةٌ يَقْتَدِي بِكُمُ النَّاسُ فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا جَاهِلًا رَأَى هَذَا الثَّوْبَ لَقَالَ إِنَّ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ قَدْ كَانَ يَلْبَسُ الثِّيَابَ الْمُصَبَّغَةَ فِي الْإِحْرَامِ فَلَا تَلْبَسُوا أَيُّهَا الرَّهْطُ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الثِّيَابِ الْمُصَبَّغَةِ وَالْمَمْنُوعُ اتِّفَاقًا مَا صُبِغَ بِطِيبٍ كَالزَّعْفَرَانِ وَوَرْسٍ وَمَنَعَ مَالِكٌ وح مَا يَنْفُضُ وَجَوَّزَهُ ش وَابْنُ حَنْبَلٍ وَلَمْ يَرَهُ مِنَ الطِّيبِ لِمَا فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كَانَتْ تَلْبَسُ الْمُعَصْفَرَاتِ وَهِيَ مُحْرِمَةٌ وَلِأَنَّ الْحَدِيثَ الْمُقدم نَصَّ عَلَى الزَّعْفَرَانِ وَالْوَرْسِ وَمَفْهُومُهُ جَوَازُ مَا عَدَاهُمَا وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي كَوْنِهِ مُحَرَّمًا أَوْ مَكْرُوهًا فَقَالَ أَشْهَبُ لَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ وَقِيلَ فِيهِ الْفِدْيَةُ لِأَنَّهُ كَالطِّيبِ أَمَّا مَا لَمْ يَنْفُضْ فَلَيْسَ بِمَكْرُوهٍ لِلنِّسَاءِ دُونَ الرِّجَالِ فَإِنْ كَانَ فِي ثَوْبِهِ لَمْعَةُ زَعْفَرَانٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَيَغْسِلُهُ إِذَا ذَكَرَ فَلَوْ لَبِسَ ثَوْبًا فِيهِ رِيحُ الطِّيبِ دُونَ جِرْمِهِ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ ش لِحُصُولِ التَّطَيُّبِ وَقَالَ ح لَا فِدْيَةَ لِأَنَّهُ لَمْ يُسْتَعْمَلِ الطِّيبُ كَمَا لَوْ جَلَسَ فِي الْعَطَّارِينَ وَالْفَرْقُ أَنَّهُ يُعَدُّ مُسْتَعْمِلًا لِلطِّيبِ عُرْفًا بِخِلَافِ الْجَالِسِ وَفِي الْكِتَابِ إِذَا وَجَدَ ثَمَنَ النَّعْلَيْنِ فَلَا يَقْطَعُ الْخُفَّيْنِ أَسْفَل من الْكَعْبَة كَوَاجِدِ ثَمَنِ الْمَاءِ فِي التَّيَمُّمِ أَوْ ثَمَنَ الرَّقَبَةِ فِي الظِّهَارِ قَالَ سَنَدٌ وَقَدْ وَهِمَ البرادعي فِي هَذَا فِي هَذَا الْفَرْعِ فَقَالَ إِذَا لَمْ يَجِدِ الْمُحْرِمُ نَعْلَيْنِ وَهُوَ مَلِيءٌ جَازَ لَهُ لُبْسُ الْخُفَّيْنِ إِذَا قَطَعَهُمَا وَلَعَلَّ الْوَهْمَ مِنَ النُّسَّاخِ وَوَافَقَ مَالِكًا ش وح فِي مَنْعِ الْخُفَّيْنِ وَأَجَازَ ابْنُ حَنْبَلٍ لُبْسَهُمَا غير مقطوعين لقَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّرَاوِيلُ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ إِزَارًا وَالْخُفُّ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ وَهُوَ غَيْرُ مُقَيَّدٍ أَوْ هَذَا مُطلق والمقيد مقدم مُطلق على الْمُطلق فَإِن وجد نَعْلَيْنِ لم يجد لبسهما مقطوعين والشمشكين وَعَلِيهِ الْفِدْيَة خلافًا لبَعض الشَّافِعِيَّة لاشتراطه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فُقْدَانَ النَّعْلَيْنِ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إِنَّمَا رَخَّصَ فِي قَطْعِ الْخُفَّيْنِ قَدِيمًا لِقِلَّةِ النِّعَالِ أَمَّا الْيَوْمَ فَلَا وَمَنْ فَعَلَهُ افْتَدَى فَإِنْ وَجَدَ النَّعْلَيْنِ غَالِيَيْنِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إِنْ كَانَ ذَلِكَ قَلِيلًا اغْتُفِرَ وَإِلَّا فَلَا وَفِي الْكِتَابِ إِحْرَامُ الرَّجُلِ فِي رَأْسِهِ وَالْمَرْأَةِ فِي وَجْهِهَا ويديها وَيكرهُ الْمحرم تَغْطِيَةُ مَا فَوْقَ ذَقْنِهِ فَإِنْ فَعَلَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِمَا جَاءَ عَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَنَدٌ يَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ كشف رَأسه عِنْد مَالك وَالْأَئِمَّة لنَهْيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْعَمَائِمِ وَالْبَرَانِسِ وَلَا تَكْشِفُهُ الْمَرْأَةُ عِنْدَهُمْ لِأَنَّهُ عَوْرَةٌ مِنْهَا وَيَكْشِفُ الرَّجُلُ وَجْهَهُ عِنْدَ مَالِكٍ وَقَالَ ش يُغَطِّيهِ لِمَا فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّ عُمَيْرٌ الْحَنَفِيُّ رَأَى عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِالْعَرَجِ يُغَطِّي وَجْهَهُ وَهُوَ محرم لنا قَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُحْرِمِ الَّذِي وَقَصَتْ بِهِ نَاقَتُهُ: «لَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ وَلَا وَجْهَهُ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَة ملبيا» وَلقَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الْمحرم أَشْعَثُ أَغْبَرُ» وَأَكْثَرُ ظُهُورِ الشَّعَثِ وَالْغَبَرَةِ فِي الْوَجْهِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى حَاجِبِهِ مِنَ الشَّمْسِ إِذْ كَانَ نَائِمًا وَلَمْ يَشْعُرْ أَوْ وَارَى وَجْهَهُ بِثَوْبٍ وَلَمْ يُلْصِقْهُ أَوْ فَعَلَهُ لِضَرُورَةٍ وَمِنْ وجهة النّظر لَو جَازَ ذَلِك للرجل لَجَازَ لِلْمَرْأَةِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى فَإِنْ سَتَرَ وَجْهَهُ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ لَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ وَقَالَ الْبَاجِيُّ إِذَا قُلْنَا بِتَحْرِيمِ التَّغْطِيَةِ فَغَطَّاهُ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ وَإِنْ قُلْنَا بِالْكَرَاهَةِ فَلَا وَإِحْرَامُ الْمَرْأَة فِي وَجههَا اتِّفَاقًا لقَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَنْتَقِبُ الْمَرْأَةُ فَائِدَةٌ إِنَّمَا مُنِعُ النَّاسُ مِنَ الْمَخِيطِ وَغَيْرِهِ فِي الْإِحْرَامِ لِيَخْرُجُوا عَنْ عَادَتِهِمْ وَإِلْفِهِمْ فَيَكُونُ ذَلِكَ مُذَكِّرًا لَهُمْ بِمَا هُمْ فِيهِ مِنْ طَاعَةِ رَبِّهِمْ فَيُقْبِلُونَ عَلَيْهَا وبالآخرة بمفارقة العوائد فِي لبس الْمخيط والإندارج فِي الأكفان وَانْقِطَاع المألوف عَن الْأَوْطَانِ وَاللَّذَّاتِ.

.السُّنَّةُ الثَّالِثَةُ فِي الْجَوَاهِرِ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يُلَبِّي نَاوِيًا:

فَالرَّاكِبُ يَبْتَدِئُ إِذَا رَكِبَ وَأَرَادَ الْأَخْذَ فِي السَّيْرِ وَالْمَاشِي إِذَا أَخَذَ فِي الْمَشْيِ وَالْأَفْضَلُ اخْتِصَاصُ الصَّلَاةِ بِالْإِحْرَامِ فَإِنْ أَحْرَمَ عَقِيبَ الْفَرْضِ جَازَ وَفِي الْمُوَطَّأِ أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي مَسْجِدِ ذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ فَإِذَا أستوت بِهِ رَاحِلَته أهل فَلَو أَتَى لميقاة فِي وَقت نهي انْتظر خُرُوجه إِلَى الْخَائِفُ الْمُرَاهِقُ قَالَ قَالَ مَالِكٌ إِنْ أَتَى وَقت مكتوبه لَا يتَنَفَّل قبلهَا تنفل بعْدهَا فَإِنْ نَسِيَ حَتَّى أَحْرَمَ فَخَرَجَ عَلَى نِسْيَانِ الْغُسْلِ قَالَ مَالِكٌ يُحْرِمُ فِي فِنَاءِ الْمَسْجِدِ إِذَا رَكِبَ وَلَا يَنْتَظِرُ سَيْرَ دَابَّتِهِ وَقَالَ الْأَئِمَّةُ فِي الْمَسْجِدِ عَقِيبَ سَلَامِهِ لِمَا فِي أَبِي دَاوُدَ قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ قُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَجِبْتُ مِنِ اخْتِلَافِ أَصْحَاب النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِهْلَالِهِ حِينَ أَوْجَبَ فَقَالَ إِنِّي لَأَعْلَمُ النَّاسِ بِذَلِكَ إِنَّمَا كَانَت مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حجَّة وَاحِدَة فَمن هُنَاكَ اخْتلفُوا خرج صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاجًّا فَلَمَّا صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ أَوْجَبَهُ فِي مَجْلِسِهِ فَأَهَلَّ بِالْحَجِّ حِينَ فَرَغَ مِنْ رَكْعَتَيْهِ وَسَمِعَ ذَلِكَ مِنْهُ أَقْوَامٌ فَحَفِظُوهُ عَنْهُ ثُمَّ رَكِبَ فَلَمَّا اسْتَقَلَّتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ أَهَلَّ وَرَأَى ذَلِكَ مِنْهُ أَقْوَامٌ فَقَالُوا إِنَّمَا أَهَلَّ حِينَئِذٍ فَلَمَّا عَلَا شَرَفَ الْبَيْدَاءِ إِلَخْ لَنَا الْحَدِيثُ السَّابِقُ وَهُوَ مَقْصُودٌ بِالْعَمَلِ مِنْ عُمَرَ وَغَيْرِهِ مِنَ السَّلَفِ.

.السُّنَّةُ الرَّابِعَةُ فِي الْجَوَاهِرِ مِنْ سُنَنِ الْإِحْرَامِ تَجْدِيدُ التَّلْبِيَةِ:

عِنْدَ كُلِّ صُعُودٍ وَهُبُوطٍ وَحُدُوثِ حَادِثٍ وَخَلْفَ الصَّلَوَاتِ وَإِذَا سَمِعَ مَنْ يُلَبِّي وَصِفَةُ تَلْبِيَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ قَالَ أَشْهَبُ إِنِ اقْتَصَرَ عَلَيْهَا فَحَسَنٌ وَلَا بَأْسَ بِالزِّيَادَةِ فَقَدْ زَادَ عُمَرُ لَبَّيْكَ ذَا النَّعْمَاءِ وَالْفَضْلِ الْحَسَنِ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ مَرْهُوبًا مِنْكَ وَمَرْغُوبًا إِلَيْكَ وَزَادَهُ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ بِيَدَيْكَ وَالرَّغْبَاءُ إِلَيْكَ وَالْعَمَلُ فَوَائِدُ فِي الصِّحَاحِ أَلَّبَ بِالْمَكَانِ إِذَا قَامَ بِهِ وَفِي لُغَةٍ لَبَّ وَلَبَّيْكَ مَصْدَرٌ أَيْ إِقَامَةً عَلَى طَاعَتِكِ كَقَوْلِكَ حَمْدًا لِلَّهِ وَشُكْرًا لَهُ فَكَانَ الْأَصْلُ أَنْ يُقَالَ لَبًّا لَكَ وَإِلْبَابًا لَكَ وَهِيَ تَدُلُّ عَلَى التَّكْرَارِ الدَّائِمِ أَيْ إِقَامَةً بَعْدَ إِقَامَةٍ عَلَى طَاعَتِكَ أَبَدًا كَمَا قَالَ تَعَالَى {فَارْجِع الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ} الْملك 4 أَيِ ارْجِعْهُ دَائِمًا فَلَا تَرَى فِي السَّمَاءِ شُقُوقًا و{أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ} ق 24 أَيْ إِلْقَاءً بَعْدَ إِلْقَاءٍ لِأَنَّ التَّثْنِيَةَ أَوَّلُ مَرَاتِبِ التَّكْرَارِ فَدَلَّ بِهَا عَلَيْهِ وَنَظِيرُهُ حَنَانَيْكَ أَيْ هَبْ لَنَا رَحْمَةً بَعْدَ رَحْمَةٍ أَوْ مَعَ رَحْمَةٍ وَدَوَالَيْكَ أَيْ لَكَ دَوْلَةٌ بَعْدَ دَوْلَةٍ وَقَالَ الْخَلِيلُ بَلْ مَعْنَاهُ من قَوْلهم دَار فلَان تلت دَارِي أَيْ تُحَاذِيهَا أَيْ أَنَا مُوَاجِهٌ لِمَا تُحِبُّ إِجَابَةً لَكَ وَزَادَ صَاحِبُ التَّنْبِيهَاتِ قِيلَ مَعْنَاهَا الْإِجَابَةُ أَيْ إِجَابَةً بَعْدَ إِجَابَةٍ وَقِيلَ مَعْنَاهَا الْمَحَبَّةُ مِنْ قَوْلِهِمْ امْرَأَةٌ لَبَّةٌ إِذَا كَانَتْ تُحِبُّ وَلَدَهَا زَادَ الْمَازِرِيُّ فِي الْمُعَلِّمِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ الْإِخْلَاصُ أَيْ إِخْلَاصًا لَكَ وَنَسَبٌ لُبَابٌ إِذا كَانَ خَالِصا ولب الطَّعَام ولبا بِهِ قَالَ وَمَذْهَبُ يُونُسَ أَنَّهُ اسْمٌ مُفْرَدٌ قُلِبَتْ أَلِفُهُ يَاءً نَحْوَ عَلَيْكَ وَلِدِيكَ وَمَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ وَالْجَمَاعَةِ أَنَّهُ تَثْنِيَةٌ قَالَ سَنَدٌ وَيُرْوَى أَنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ عَلَى تَقْدِيرِ نَفْعَلُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْحَمْدَ لَكَ وَبِكَسْرِهَا عَلَى مَعْنَى الْإِخْبَارِ بِثُبُوتِ الْمَحَامِدِ لِلَّهِ وَاسْتَحَبَّهُ مُحَمَّدُ بن الْحسن لِأَنَّهُ ثَنَاء وَالْأول تَعْلِيل والرغب الْمَسْأَلَةُ يُقَالُ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَمَعَ الْمَدِّ وَبِضَمِّهَا مَعَ الْقَصْرِ كَالْعَلْيَاءِ وَالْعُلْيَا وَالنَّعْمَاءِ وَالنُّعْمَا.
تَنْبِيهٌ:
التَّلْبِيَةُ خَبَرٌ وَمَعْنَاهُ الْوَعْدُ لِلَّهِ تَعَالَى بِالْإِقَامَةِ عَلَى طَاعَتِهِ أَوْ بِالْإِجَابَةِ لَهُ وَالْوَعْدُ إِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُسْتَقْبَلِ وَمُقْتَضَى هَذَا أَنْ يَسْتَمِرَّ إِلَى آخِرِ الْمَنَاسِكِ فِي كُلِّ حَالَةٍ تَبْقَى بَعْدَهَا قُرْبَةٌ مِنَ الْمَنَاسِكِ وَكُلُّ مَنْ قَالَ بِاسْتِصْحَابِهَا إِلَى آخِرِ الْمَنَاسِكِ كَانَ أَكْثَرَ إِعْمَالًا لِمَقْصُودِهَا وَإِذَا قُلْنَا مَعْنَاهَا الْإِجَابَةُ فَقِيلَ هِيَ إِجَابَةُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَيْثُ قِيلَ لَهُ {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا} الْحَج 27 وَقَالَ سَنَد ويلبي الأعجمي بلغته سُنَنِهَا الْمُوَالَاةُ قَالَ مَالِكٌ وَلَا يَرُدُّ سَلَامًا حَتَّى يَفْرُغَ وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ يَرُدُّ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ وَهِيَ سُنَّةٌ وَيَبْطُلُ عَلَيْهِمْ بِالْأَذَانِ ثُمَّ الْوَاجِبُ إِنَّمَا يقدم إِذا تعذر الْجمع وَهُوَ هَا هُنَا مُمْكِنٌ بِالرَّدِّ بَعْدَ الْفَرَاغِ وَلَيْسَ فِيهَا دُعَاءٌ وَلَا الصَّلَاةُ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ لم ينْقل عَن تلبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمَنَاسِكِ اتْبَاعٌ وَقَالَ ش يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} الشَّرْح 4 أَيْ تذكر حِين أُذْكَرُ كَالْأَذَانِ وَيَدْعُو لِمَا رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذا فرغ منن التَّلْبِيَة فِي حج أَو فِي عُمْرَةٍ سَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى رِضْوَانَهُ وَالْجَنَّةَ وَاسْتَعَاذَ بِرَحْمَتِهِ مِنَ النَّارِ وَجَوَابُهُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ عِنْد قطع التَّلْبِيَة فِي الْحَج وَدخُول الْمَسْجِدِ فِي الْعُمْرَةِ وَهِيَ حَالَةُ الدُّعَاءِ غَيْرُ مُرْتَبِط بِالتَّلْبِيَةِ وَيسْتَحب رفع الصَّوْت فِي التَّلْبِيَة للرِّجَال قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: «أَتَانِي جِبْرِيلُ فَأَمَرَنِي أَنْ آمُرَ أَصْحَابِي أَوْ مَنْ مَعِي أَنْ يَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّلْبِيَةِ أَوْ باهلال» وَرُوِيَ أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ أَيُّ الْحَجِّ أَفْضَلُ قَالَ «الثَّجُّ وَالْعَجُّ» وَمعنى الثج إِرَاقَة الدِّمَاء وَالْعج رَفْعُ الصَّوْتِ قَالَ مَالِكٌ وَيُلَبِّي خَلْفَ النَّافِلَةِ وَفِي الْفَرِيضَةِ وَفِي الْمَنَازِلِ وَالطُّرُقِ وَحِينَ يَلْقَى النَّاسَ وَبَطْنَ كُلِّ وَادٍ رَاكِبًا وَمَاشِيًا وَنَازِلًا عِنْد الْيَقَظَة وَعند النَّوْمِ لِأَنَّ ذَلِكَ عَادَةُ السَّلَفِ وَهَذَا إِذَا كَانَ ذَاهِبًا فِي إِحْرَامِهِ أَمَّا لَوْ نَسِيَ حَاجَة وَرجع إِلَيْهَا قَالَ مَالك لَا يُلَبِّي أَن هَذَا السَّعْيَ لَيْسَ مِنْ سَعْيِ الْإِحْرَامِ وَلَا تكره التَّلْبِيَة للْجنب وَالْحَائِض لقَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعَائِشَة رَضِي الله عهنا حِين حَاضَت افعلي منا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ وَقِيَاسًا عَلَى التَّسْبِيحِ وَفِي الْكِتَابِ يَرْفَعُ وَلَا يسرف وَلَا يرفع فِي الْمَسْجِد وَلَا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَمَسْجِدَ مِنًى وَتَرْفَعُ الْمَرْأَةُ صَوْتَهَا قَدْرَ إِسْمَاعِ نَفْسِهَا قَالَ سَنَدٌ وَرُوِيَ عَنْهُ يَرْفَعُ فِي الْمَسَاجِدِ الَّتِي بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَقَالَ ش فِي مَسْجِدِ مَكَّةَ وَمَسْجِدِ مِنًى وَمَسْجِدِ عَرَفَةَ وَاخْتُلِفَ فِي عِلَّةِ الْمَنْعِ فَقَالَ أَشْهَبُ لِأَنَّهَا تَكْثُرُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ مِنًى فَلَا يُشْتَهَرُ الْمُلَبِّي وَقِيلَ لِأَنَّ الْمَسَاجِدَ لَمْ تُوضَع لتلبية وَهَذَانِ الْمَسْجِدَانِ لَهُمَا تَعَلُّقٌ بِالْحَجِّ فَلَهُمَا تَعَلُّقٌ بِالتَّلْبِيَةِ وَإِذا قُلْنَا يرفع صَوته وَيسمع نَفْسَهُ وَمَنْ يَلِيهِ وَلِمَالِكٍ فِي زَمَنِ قَطْعِ التَّلْبِيَةِ فِي الْحَجِّ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْكِتَابِ ثَلَاثَةً إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ وَرَاحَ يُرِيدُ الصَّلَاةَ بِعَرَفَةَ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ لِمَا فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ وَبَعْدَ الزَّوَالِ وَالرَّوَاحِ إِلَى الصَّلَاةِ بِمَسْجِدِ عَرَفَةَ لِأَنَّ التَّلْبِيَةَ إِجَابَةٌ وَقد أجَاب لقَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الْحَجُّ عَرَفَةُ» فَقَدْ أَخَذَ فِي الصَّلَاةِ وَالْخُطْبَةِ وَتَكْمِلَةِ الْوُقُوفِ وَنَظِيرُهُ الْمُعْتَمِرُ يَدْخُلُ الْحَرَمَ وَيَأْخُذُ فِي أَسْبَابِ الطَّوَافِ فَإِنَّهُ يَتْرُكُ التَّلْبِيَةَ وَإِذَا فَرَغَ مِنَ الصَّلَاةِ عِنْدَ الرَّوَاحِ لِمَا فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كَانَتْ تَفْعَلُ ذَلِكَ وَبَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ لِتُكْمِلَ الْإِجَابَةَ وَبعد جَمْرَة الْعقبَة وَقَالَ ش وح وَجُمْهُور الْعلمَاء لما فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ التَّلْبِيَةَ وَعْدٌ وَأَنَّ الْأَفْضَلَ اسْتِمْرَارُهَا إِلَى آخِرِ الطَّاعَاتِ وَفَرَّقَ ابْنُ الْجُلَّابِ بَيْنَ مَنْ يَأْتِي عَرَفَةَ مُحْرِمًا فَيَقْطَعُ يَوْمَ عَرَفَةَ وَبَيْنَ مَنْ يُحْرِمُ بِعَرَفَةَ فَيُلَبِّي حَتَّى يَرْمِيَ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَفِي الْكِتَابِ إِذَا قَطَعَ التَّلْبِيَةَ فَلَا بَأْسَ بِالتَّكْبِيرِ وَيُكْرَهُ أَنْ يَكَبِّرَ وَلَا يُرِيدُ الْحَجَّ وَمَنِ اعْتَمَرَ مِنْ مِيقَاتِهِ قَطَعَ التَّلْبِيَةَ إِذَا دَخَلَ الْحَرَمَ وَلَا يُعَاوِدُهَا وَكَذَلِكَ مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ وَقَالَ ش لَا يَقْطَعُ حَتَّى يَفْتَتِحَ الطَّوَافَ لِمَا فِي التِّرْمِذِيِّ أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ فِي الْعُمْرَةِ حَتَّى يَسْتَلِمَ الْحَجَرَ وَفِي الْبُخَارِيِّ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ إِذَا دَخَلَ الْحَرَمَ وَإِنْ أَحْرَمَ مِنَ الْجُعْرَانَةِ أَوِ التَّنْعِيمِ قَطَعَ إِذَا دَخَلَ بُيُوتَ مَكَّةَ أَوْ قُرْبَ الْمَسْجِدِ لِقُرْبِ الْمَسَافَةِ قَالَ سَنَدٌ وَفَرَّقَ فِي الْمُخْتَصَرِ بَيْنَ مَنْ أَحْرَمَ مِنَ التَّنْعِيمِ فَقَطَعَ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْبَيْتِ أَوْ مِنَ الْجُعْرَانَةِ إِذَا جَاءَ مَكَّةَ وَهَذَا كُلُّهُ اسْتِحْسَانٌ وَالْوَاجِبُ التَّلْبِيَةُ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ وَفِي الْكِتَابِ وَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ مُفْرِدًا بِالْحَجِّ أَوْ قَارِنًا فَلَا يُلَبِّي حَتَّى يَبْتَدِئَ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ إِلَى الْفَرَاغِ مِنَ السَّعْيِ فَإِنْ أَبَى فَوَاسِعٌ فَإِذَا فَرَغَ عَادَ إِلَيْهَا قَالَ سَنَدٌ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ أَفْسَدَ حَجَّهُ لِجِمَاعٍ وَمَنْ لَمْ يُفْسِدْهُ وَبَيْنَ أَهْلِ مَكَّةَ وَغَيْرِهِمْ فِي قِطَعِ التَّلْبِيَةِ وَرُوِيَ عَنْهُ يَقْطَعُهَا إِذَا وَصَلَ أَوَائِلَ الْحَرَمِ وَيُعَاوِدُهَا بَعْدَ الطَّوَافِ لِأَنَّهُ وَصَلَ إِلَى مَقْصُودِهِ وَهُوَ فِعْلُ ابْنِ عُمَرَ وَرُوِيَ عَنْهُ إِذَا دَخَلَ مَكَّة لِأَنَّهُ يَأْخُذُ فِي عَمَلِ الطَّوَافِ مِنَ الِاغْتِسَالِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ وَسِيلَةُ الْعُذْرِ الْمَانِعِ مِنْهَا وَقَالَ ش وَابْنُ حَنْبَلٍ يُلَبِّي وَهُوَ يَطُوفُ لَنَا عَمَلُ الْمَدِينَة أَكثر السَّلَفِ وَالْقِيَاسُ عَلَى طَوَافِ الْعُمْرَةِ وَرَوَى أَشْهَبُ يُعَاوِدُهَا بَعْدَ الطَّوَافِ قَبْلَ السَّعْيِ لِأَنَّ السَّعْيَ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْبَيْتِ وَقَالَ صَاحِبُ النُّكَتِ قَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ إِذَا تَوَجَّهَ نَاسِيًا لِلتَّلْبِيَةِ وَتَطَاوَلَ ذَلِكَ أَوْ نَسِيَهُ حَتَّى يَفْرُغَ مِنَ الْحَجِّ عَلَيْهِ دَمٌ وَإِنْ رَجَعَ مَعَ الطَّوْلِ وَلَا يُسْقِطُهُ الرُّجُوعُ بِخِلَافِ مَنْ لَبَّى أَوَّلَ إِحْرَامِهِ ثُمَّ يَتْرُكُ نَاسِيًا أَوْ عَامِدًا لَا دَمَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَتَى بِالتَّلْبِيَةِ أَوَّلًا حِينَ خُوطِبَ بِهَا وَلَيْسَتْ مَحْصُورَةً بَعْدَ ذَلِكَ فَاسْتَحَقَّتْ الْمَقْصِدُ الثَّانِي دُخُولُ مَكَّةَ وَفِي الْجَوَاهِرِ يَغْتَسِلُ بِذِي طوى ويدخلها من ثَنِيَّةِ كَدَاءٍ بِفَتْحِ الْكَافِ وَالْمَدِّ وَهِيَ الصُّغْرَى الَّتِي بأعلى مَكَّة وَيَهْبِطُ مِنْهَا عَلَى الْأَبْطَحِ وَالْمَقْبَرَةُ فِيهَا عَلَى يَسَارِكَ وَأَنْتَ نَازِلٌ مِنْهَا وَيَخْرُجُ مِنْ ثَنِيَّةِ كُدَيٍّ بِضَمِّ الْكَافِ وَفَتْحِ الدَّالِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ عَلَى التَّصْغِيرِ وَهِيَ الْوُسْطَى الَّتِي بِأَسْفَلِ مَكَّةَ لِمَا فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْخُلُ مَكَّةَ مِنَ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا وَيَخْرُجُ مِنَ الثَّنِيَّةِ السُّفْلَى وَرُوِيَ الْفَتْحُ فِي كَافِ الِاثْنَيْنِ والسر فِي هَذَا الدُّخُول أَن نِسْبَة بَاب الْبَيْت إِلَيْهِ كنبسة وَجْهِ الْإِنْسَانِ إِلَيْهِ وَأَمَاثِلُ النَّاسِ إِنَّمَا يُقْصَدُونَ من جِهَة وُجُوههم لَا من ظُهُورِهِمْ وَمَنْ أَتَى مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ لَمْ يَأْتِ مِنْ قُبَالَةِ الْبَابِ ثُمَّ يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ لِأَنَّهُ قُبَالَةُ الْبَيْتِ فَيَأْتِي الرُّكْنَ الْأَسْوَدَ لِأَنَّ جَنْبَيِ الْبَابِ كَيَمِينِ الْإِنْسَانِ وَيَسَارِهِ فَالَّذِي يُقَابِلُ يَمِينَ الْمُسْتَقْبل للبيت يسَار الْبَيْت وَيَمِين الْبَيْت قبالة يسَار الْمُسْتَقْبل لَهُ وَفِي هَذَا الْموضع الْحجر فَجعل الْبِدَايَة باليَمِينُ لفضله أَوْ لِفَضِيلَةِ الْحَجَرِ فِي نَفْسِهِ فَيَبْتَدِئُ بِطَوَافِ الْقُدُومِ لِأَنَّ الْقُدُومَ عَلَى الْأَمَاثِلِ يُوجِبُ التَّحِيَّةَ عَلَيْهِمْ وَبَيْتُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ كَبَيْتِ الْمَلِكِ فِي دَوْلَتِهِ فَشَرَعَ اللَّهُ تَعَالَى طَوَافَ الْقُدُومِ إِظْهَارًا لِاحْتِرَامِ الْعَبْدِ لِبَيْتِ الرَّبِّ وتميزا لَهُ عَنْ غَيْرِهِ كَمَا شَرَعَ الصَّلَاةَ فِي دُخُولِ الْمَسَاجِدِ لِذَلِكَ وَكَذَلِكَ شَرَعَ طَوَافَ الْوَدَاعِ لِأَنَّ الْقَادِمَ يَنْبَغِي لَهُ السَّلَامُ إِذَا فَارَقَ وَلَمَّا كَانَ السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مُحَالًا لِكَوْنِهِ سَالِمًا لِذَاتِهِ فَلَا يُدْعَى لَهُ بِالسَّلَامَةِ جُعِلَتِ الصَّلَاةُ وَالطَّوَافُ بَدَلًا مِنْهُ لِتَمْيِيزِ جَنَابِ الرُّبُوبِيَّةِ عَنْ غَيْرِهَا وَفِي الْكِتَابِ يُسْتَحَبُّ دُخُولُهَا نَهَارًا لِمَا فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ إِذَا دَنَا مِنْ مَكَّةَ بَاتَ بِذِي طُوًى بَيْنَ الثَّنِيَّتَيْنِ حَتَّى يُصْبِحَ ثُمَّ يُصَلِّيَ الصُّبْحَ ثُمَّ يَدْخُلَ مِنَ التَّثْنِيَة الَّتِي بأعلى مَكَّةَ وَلَا يَدْخُلُ إِذَا خَرَجَ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا حَتَّى يَغْتَسِلَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ إِذَا دنا مَكَّة بِذِي طُوًى وَيَأْمُرُ مَنْ مَعَهُ فَيَغْتَسِلُونَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلُوا وَلِمَا فِيهِ مِنَ التَّمَكُّنِ مِنْ آدَابِ الدُّخُولِ وَذُو طُوًى رَبَضٌ مِنْ أَرْبَاضِ مَكَّةَ فِي طَرَفِهَا فَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ اسْتَلَمَ الْحَجَرَ الْأسود بِفِيهِ إِن قدر وَإِلَّا فليمسه بِيَدِهِ ويضعها على فِيهِ من غير تَقْبِيل وَإِذَا لَمْ يُصَلِّ كَبَّرَ إِذَا حَاذَاهُ وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ جَمِيعَ ذَلِكَ وَلَا يُقَبِّلُ بِفِيهِ الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ وَلَكِنْ يَلْمِسُهُ بِيَدِهِ ويضعها على فِيهِ من غير تَقْبِيل وَإِن لم يَسْتَطِيع كَبَّرَ وَمَضَى وَكُلَّمَا مَرَّ بِهِ فِي طَوَافٍ وَاجِبٍ أَوْ تَطَوُّعٍ إِنْ شَاءَ اسْتَلَمَ أَوْ تَرَكَ وَلَا يَدَعُ التَّكْبِيرَ كُلَّمَا حَاذَاهُ فِي طَوَافٍ وَاجِبٍ أَوْ تَطَوُّعٍ وَلَا يَسْتَلِمُ الرُّكْنَيْنِ اللَّذَيْنِ يَلِيَانِ الْحَجَرَ وَلَا يُقَبَّلَانِ وَلَا يُكَبِّرُ إِذَا حَاذَاهُمَا وَأَنْكَرَ مَالِكٌ قَوْلَ النَّاسِ إِذَا حَاذُوا الرُّكْنَ الْأَسْوَدَ إِيمَانًا بِكَ وَتَصْدِيقًا بِكِتَابِكَ وَوَضْعَ الْخَدَّيْنِ وَالْجَبْهَةِ عَلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ لِأَنَّهُ بِدْعَةٌ وَيَسْتَلِمُهُ غَيْرُ الطَّائِفِ وَبَعْدَ رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ قَبْلَ الْخُرُوجِ إِلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ إِنْ شَاءَ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ مِنَ السَّعْيِ لِيَسْتَلِمَهُ قَبْلَ الرَّوَاحِ لِمَنْزِلِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ قَالَ سَنَدٌ قَالَ مَالِكٌ وَيَغْتَسِلُ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ لِدُخُولِ مَكَّةَ بِذِي طُوًى قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَيَغْسِلُ جَسَدَهُ دُونَ رَأْسِهِ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لَا يَغْسِلُ رَأْسَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ إِلَّا لِجَنَابَةٍ وَالْمَعْرُوفُ مِنَ الْمَذْهَبِ غُسْلُ الْجَسَدِ وَالرَّأْسِ مَعَ الرِّفْقِ فِي صَبِّ الْمَاءِ قَالَ مَالك زلا تَغْتَسِلُ النُّفَسَاءُ وَلَا الْحَائِضُ وَقَالَ ش يَغْتَسِلَانِ لقَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لَمَّا حَاضَتْ افْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ وَلِأَنَّ مَقْصُودَهُ التَّطَيُّبُ قَالَ مُحَمَّدٌ إِنْ قَدِمَ بَعْدَ الْعَصْرِ أَقَامَ بِذِي طُوًى حَتَّى يُمْسِيَ لِيَصِلَ بَيْنَ طَوَافِهِ وَرُكُوعِهِ وَسَعْيِهِ فَإِنْ دَخَلَ فَلَا بَأْسَ بِتَأْخِيرِ الطَّوَافِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَيَرْكَعُ وَيَسْعَى إِنْ كَانَ بِطُهْرٍ وَاحِدٍ فَإِن انْتقصَ وضؤه أَعَادَ الطَّوَافَ وَالسَّعْيَ وَيُقَدِّمُ الْمَغْرِبَ عَلَى رَكْعَتَيِ الطّواف فَإِن دخل قبل طُلُوع الشَّمْس فالمذاهب أَنَّهُ لَا يَطُوفُ فَإِنْ طَافَ فَلَا يَرْكَعُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَجَوَّزَ مُطَرِّفٌ الرُّكُوعَ فَعَلَى قَوْلِهِ يَدْخُلُ فَيَطُوفُ وَاسْتَحَبَّ مَالِكٌ لِلْمَرْأَةِ إِذَا قَدِمَتْ نَهَارًا أَنْ تُؤَخِّرَ الطَّوَافَ إِلَى اللَّيْلِ قَالَ مَالِكٌ وَمَا سَمِعْتُ رَفْعَ الْيَدَيْنِ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْبَيْتِ أَوْ عِنْدَ الرُّكْنِ واستحبه ابْن حبيب لِمَا رُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا رَأَى الْبَيْتَ رَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ اللَّهُمَّ زِدْ هَذَا الْبَيْتَ تَشْرِيفًا وَتَعْظِيمًا وَمَهَابَةً وَزِدْ مَنْ شَرَّفَهُ وَكَرَّمَهُ مِمَّنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ تَشْرِيفًا وَتَعْظِيمًا وَقَالَهُ ش وَابْن حَنْبَل قَالَ مَالِكٌ وَلَا يُبْدَأُ فِي الْمَسْجِدِ بِالرُّكُوعِ وَلَكِن باستلام الرُّكْن وَالطّواف لفعله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ طَوَافَ الْقُدُومِ وَاجِبٌ فَيُقَدَّمُ عَلَى الرُّكُوعِ إِلَّا أَنْ يَجِدَ الْإِمَامَ فِي فَرْضٍ فَيُصَلِّيَ مَعَهُ ثُمَّ يَطُوفَ أَوْ يَخَافَ فَوَاتَ الْمَكْتُوبَةِ وَرَوِيَ عَنْ مَالِكٍ وش تَقْبِيلُ يَدِهِ كَمَا يُقَبَّلُ الْحَجَرُ وَحُجَّةُ الْمَشْهُورِ أَنَّ التَّقْبِيلَ فِي الْحَجَرِ تَعَبُّدٌ وَلَيْسَتِ الْيَدُ بِالْحجرِ حجَّة ش أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَافَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ عَلَى بَعِيرٍ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنٍ وَيُقَبِّلُ الْمِحْجَنَ جَوَابُهُ أَنَّهُ كَانَ يُرَى يُلْصِقُ الْمِحْجَنَ عَلَى فِيهِ فَاعْتُقِدَ تَقْبِيلُهُ والمحجن عود معقوف الرَّأْس ويروى عَنهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ الْحَجَرُ وَالْمَقَامُ يَاقُوتَتَانِ مِنْ يَوَاقِيتِ الْجَنَّةِ فَلَوْلَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى طَمَسَ نُورَهُمَا لاضاآ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَأَنَّ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَهُ عَيْنَانِ وَلِسَانٌ يَشْهَدُ لِمَنِ اسْتَلَمَهُ بِحَقٍّ وَفِي التِّرْمِذِيِّ أَنَّهُ مِنَ الْجنَّة وَكَانَ أَشد بَيَاضًا ماللبن فَسَوَّدَتْهُ خَطَايَا بَنِي آدَمَ وَرُوِيَ أَنَّهُ يَمِينُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ عَهْدُ اللَّهِ الَّذِي مَنِ الْتَمَسَهُ كَانَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ وَلَمَّا كَانَتِ الْعُهُودُ عِنْدَ الْعَرَبِ بِوَضْعِ الْيَمِينِ فِي الْيَمِينِ مِنَ الْمُتَعَاهِدِينَ سُمِّيَ الْعَهْدُ يَمِينًا أَوْ ضُرِبَ مَثَلًا لِلْقُرْبِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا جَاءَ الْمُصَلِّي يَسْجُدُ عَلَى قَدَمِ الرحمان فَمَنْ وَصَلَ إِلَى قَدَمِ الْمَلِكِ فَقَدْ قَرُبَ مِنْهُ أَوْ لِأَنَّهُ يَمِينُ الْبَيْتِ وَهُوَ بَيْتُ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْ أُقِيمَ الطَّوَافُ بِهِ مَقَامَ السَّلَامِ عَلَيْهِ فَلَمَّا أُقِيمَ الْبَيْتُ مَقَامَ رَبِّهِ أُقِيمَ نِسْبَةَ يَمِينِهِ إِلَيْهِ وَاخْتُلِفَ فِي الِاسْتِلَامِ فَقِيلَ مِنَ السَّلَامِ بِكَسْرِ السِّينِ الَّتِي هِيَ الْحِجَارَةُ وَلَمَّا كَانَ لَمْسًا لِلْحَجَرِ قِيلَ لَهُ اسْتِلَامًا وَقِيلَ مِنَ السَّلَامِ بِفَتْحِ السِّينِ فَإِنَّ ذَلِكَ الْفِعْلَ سَلَامٌ عَلَى الْحَجَرِ وَقِيلَ أَصْلُهُ مَهْمُوز استلأم من الملائمة الَّتِي هِيَ الْمُوَافَقَةُ كَأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِتَعْظِيمِ الْحَجَرِ أَوِ الشَّرْعِ فِي تَعْظِيمِهِ.