فصل: الباب الْأَوَّلُ فِي حُكْمِهِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الذخيرة (نسخة منقحة)



.الباب الْأَوَّلُ فِي حُكْمِهِ:

وَفِي التَّلْقِينِ هُوَ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ لَا يَجُوزُ تَرْكُهُ إِلَّا لِعُذْرٍ وَلَا يُكَفُّ عَنْهُمْ إِلَّا أَنْ يَدْخُلُوا فِي دِينِنَا أَوْ يُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ فِي بَلَدِنَا قَالَ الْمَازِرِيُّ قَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ وَغَيْرُهُ هُوَ فَرْضٌ عَلَى الْأَعْيَانِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} التَّوْبَة 36 وَجَوَابُهُ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} التَّوْبَة 122 وَقَوْلِهِ {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أولي الضَّرَر وَالْمُجَاهِدُونَ} ثُمَّ قَالَ {وَكُلا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} النِّسَاء 95 وَلَوْ أَنَّهُ عَلَى الْأَعْيَانِ لَمَا وَعَدَ الْقَاعِدَ الْحسنى وَلم تزل الْأمة بعده صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْفِرُ بَعْضٌ دُونِ بَعْضٍ وَقَالَ سَحْنُونٌ لَيْسَ بِوَاجِبٍ بَعْدَ الْفَتْحِ أَلْبَتَّةَ إِلَّا أَنْ يَأْمُرَ الإِمَام فَيجب الِامْتِثَال لقَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا» فَعَلَّقَ الْوُجُوبَ عَلَى الِاسْتِنْفَارِ وَجَوَابُهُ أَنَّ تَعْلِيقَهُ لَا يَتَأَتَّى وُجُوبُهُ بِدُونِهِ بِدَلِيل مُنْفَصِل وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {قَاتلُوا الْمُشْركين} وَغَيْرُهُ مِنَ النُّصُوصِ وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ هُوَ فَرْضٌ عَلَى مَنْ يَلِي الْكُفَّارَ بَعْدَ الْفَتْحِ دُونَ غَيْرِهِ قَالَ وَيُمْكِنُ حَمْلُ قَوْلِ سَحْنُونٍ عَلَى مَنْ بَعُدَتْ دَارُهُ وَقَوْلِ الدَّاوُدِيِّ عَلَى أَنَّ الَّذِي يَلِيهِمْ يَقُومُ بِهِمْ وَلَا يُظُنُّ أَنَّ أَحَدًا يَقُولُ لَا يَجِبُ مَعَ إِفْضَاءِ تَرَكِهِ إِلَى اسْتِبَاحَةِ دَمِ الْمُسْلِمِينَ وَلَكِنْ مَعَ الْأَمْنِ قد يظنّ الْخلاف وَيُؤَيّد مَا قُلْنَا أَنَّ الْكُفْرَ مِنَ الْمُنْكَرَاتِ وَأَقَلُّ الْمُنْكِرَاتِ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ فَالْكُفْرُ أَوْلَى بِذَلِكَ وَإِذَا قُلْنَا بِفَرْضِيَّتِهِ فَفِي سَائِرِ الْفِرَقِ وَاخْتُلِفَ فِي الْحَبَشَةِ وَالتُّرْكِ فَلِمَالِكٍ فِي الْحَبَشَةِ قَوْلَانِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِم يغزى التّرْك ويروى عَنهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتْرُكُوا الْحَبَشَةَ مَا تَرَكُوكُمْ وَاتْرُكُوا التُّرْكَ مَا تَرَكُوكُمْ فَكَانَ الرَّأْيُ أَنْ لَا يُهَاجِرُوا لِتَوَقُّعِ شَرِّهِمْ آخِرَ الزَّمَانِ مِنْ خُرُوجِ التُّرْكِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَمِنْهُمُ التَّتَرُ وَذُو السَّوِيقَةِ مِنَ الْحَبَشَةِ هُوَ الَّذِي يَهْدِمُ الْكَعْبَةَ قَالَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ إِذَا حُمِيَتْ أَطْرَافُ الْبِلَادِ وَسُدَّتِ الثُّغُورُ سَقَطَ فَرْضُ الْجِهَادِ عَنْ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَبَقِيَ نَافِلَةً إِلَّا أَنْ يَنْزِلَ الْعَدُوُّ بِبَعْضِ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ فَيَجِبُ عَلَى الْجَمِيعِ إِعَانَتُهُمْ بِطَاعَةِ الْإِمَامِ فِي النَّفِيرِ إِلَيْهِمْ وَفِي الْجَوَاهِرِ قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ الْقِيَامُ بِفَرْضِ الْجِهَادِ حِرَاسَةُ الثُّغُورِ وَعِمَارَتُهَا بِالْمَنَعَةِ وَلَا تَجُوزُ الْمُهَادَنَةُ إِلَّا لِضَرُورَةٍ تَدْعُو إِلَيْهَا وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ إِغْزَاءُ طَائِفَةٍ إِلَى الْعَدُوِّ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً تَخْرُجُ مَعَهُ أَوْ مَعَ نَائِبِهِ يَدْعُوهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَيَكُفُّ أَذَاهُمْ وَيُظْهِرُ دِينَ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَيُقَاتِلُهُمْ حَتَّى يَدْخُلُوا فِي الْإِسْلَامِ أَوْ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ وَيَعْدِلُ الْإِمَامُ بَيْنَ النَّاسِ فِي الْخُرُوجِ بالنوبة.

.الباب الثَّانِي فِي أَسْبَابِهِ:

وَهِيَ أَرْبَعَةٌ:

.السَّبَبُ الْأَوَّلُ:

وَهُوَ مُعْتَبَرٌ فِي أَصْلِ وُجُوبِهِ وَيَتَّجِهُ أَنْ يَكُونَ إِزَالَةَ مُنْكَرِ الْكُفْرِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ الْمُنْكَرَات وَمن علم مُنْكرا وَقدر عَلَى إِزَالَتِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ إِزَالَتُهُ وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا قَوْله تَعَالَى {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فتْنَة وَيكون الدّين لله} الْبَقَرَة 193 الْفِتْنَة هِيَ الْكُفْرُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ} الْبَقَرَة 121 وَيَرُدُّ عَلَيْهِ لَوْ كَانَ سَبَبًا لَا تنقض بِالنِّسْوَانِ وَالرُّهْبَانِ وَالْفَلَّاحِينَ وَالزَّمْنَى وَنَحْوِهِمْ فَإِنَّا لَا نَقْتُلُهُمْ مَعَ تَحَقُّقِ السَّبَبِ وَيَتَّجِهُ أَنْ يَكُونَ هُوَ حِرَاسَةَ الْمُسْلِمِينَ وَصَوْنَ الدِّينِ عَنِ اسْتِيلَاءِ الْمُبْطِلِينَ وَيُعَضِّدُهُ أَنَّ مَنْ أُمِنَ شَرُّهُ مِنَ النسوان وَمن ذكر أَن لَا يُقْتَلَ وَكَذَلِكَ مَنْ أَذْعَنَ بِإِعْطَاءِ الْجِزْيَةِ وَهُوَ الَّذِي يَنْبَنِي عَلَيْهِ قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ وَعبد الْوَهَّاب وَيرد عَلَيْهِ أَن ظَاهر النُّصُوصِ تَقْتَضِي تَرْتِيبَ الْقِتَالِ عَلَى الْكُفْرِ وَالشِّرْكِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} التَّوْبَة 73 و{قَاتلُوا الْمُشْركين كَافَّة} التَّوْبَة 36 وَقَوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ» وَتَرْتِيبُ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ يَدُلُّ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْوَصْفُ لِذَلِكَ الْحُكْمِ وَعَدَمُ عِلِّيَّةِ غَيْرِهِ ثُمَّ الْقِتَالُ قَدْ يَجِبُ مَعَ تَأْثِيمِ الْمُقَاتِلِ كَقِتَالِ الْحَرْبِيِّ وَمَعَ عَدَمِ تَأْثِيمِهِ بَلْ لِدَفْعِ مَفْسَدَةِ افْتِرَاقِ الْكَلِمَةِ كَقِتَالِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَنْ خَالَفَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ أَوْ لِدَفْعِ مَفْسَدَةٍ يَعْتَقِدُهَا الْمُقَاتِلُ بِتَأْوِيلِهِ كَقِتَالِ الصَّحَابَةِ لَهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ فَهَذَا سَبَبُ فَرْضِهِ عَلَى الْكِفَايَةِ.
قَاعِدَةٌ:
حِكْمَةُ مَا وَجَبَ عَلَى الْأَعْيَانِ أَوْ عَلَى الْكِفَايَةِ أَنَّ الْأَفْعَالَ عَلَى قِسْمَيْنِ مِنْهَا مَا تَتَكَرَّرُ مَصْلَحَتُهُ الشَّرْعِيَّةُ بِتَكَرُّرِهِ فَيَجِبُ عَلَى الْأَعْيَانِ كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فَإِنَّ مَصْلَحَتَهَا تَعْظِيمُ الرَّبِّ تَعَالَى وَإِجْلَالُهُ وَالْخُشُوعُ لَهُ وَالْخُضُوعُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَهَذَا يَتَكَرَّرُ تَكَرُّرَ الْفِعْلِ وَمِنْهَا مَا لَا تَتَكَرَّرُ مَصْلَحَتُهُ الشَّرْعِيَّةُ بِتَكَرُّرِهِ كَإِنْقَاذِ الْغَرِيقِ فَإِنَّهُ إِذَا سُئِلَ مِنَ الْبَحْرِ حَصَلَتِ الْمَصْلَحَةُ فَالنَّازِلُ بَعْدَهُ لَا يُحَصِّلُ مُصْلَحَةً لِتَعَذُّرِ الْمَصْلَحَةِ بَعْدَ ذَلِكَ سُؤَالٌ يُشْكِلُ بِالصَّلَاةِ عَلَى الْجَنَائِزِ فَإِنَّ مَصْلَحَتَهَا إِعْفَاءُ الْمَيِّتِ مِنَ الْعُقُوبَةِ بِقَبُولِ الشَّفَاعَةِ وَهَذَا غَيْرُ مَعْلُومٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَكَرَّرَ وَأَنْ يَجِبَ عَلَى الْأَعْيَانِ جَوَابُهُ أَنَّ الْمَطْلُوبَ مِنَ الْعِبَادِ إِنَّمَا هُوَ فِعْلُ صُورَةِ الشَّفَاعَةِ وَهَذَا عُلِمَ حُصُولُهُ وَأَمَّا الْمَغْفِرَةُ فَأَمْرٌ مُغَيَّبٌ سَقَطَ اعْتِبَارُهُ فِي حَقِّنَا وَأُقِيمَتْ مَظِنَّتُهُ مَقَامَهُ كَالرِّضَا فِي الْبَيْعِ هُوَ الْأَصْلُ وَلَمَّا كَانَ خَفِيًّا أُقِيمَتِ الصِّيَغُ وَالْأَفْعَالُ مَقَامَهُ وَأُلْغِيَ اعْتِبَارُهُ حَتَّى لَوْ رَضِيَ بِانْتِقَالِ مِلْكِهِ مِنْ غَيْرِ قَوْلٍ وَلَا فِعْلٍ لَمْ يَنْتَقِلِ الْمِلْكُ.
فَائِدَةٌ:
الْكِفَايَةُ وَالْأَعْيَانُ كَمَا يُتَصَوَّرَانِ فِي الْوَاجِبَاتِ يُتَصَوَّرَانِ فِي الْمَنْدُوبَاتِ كَالْوِتْرِ وَالْفَجْرِ وَقِيَامِ اللَّيْلِ عَلَى الْأَعْيَانِ وَالْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ عَلَى الْكِفَايَةِ.

.السَّبَبُ الثَّانِي:

وَهُوَ مُعْتَبَرٌ فِي تَعْيِينِهِ وَفِي الْجَوَاهِرِ يَتَعَيَّنُ بِتَعْيِينِ الْإِمَامِ فَمَنْ عَيَّنَهُ تَعَيَّنَ امْتِثَالًا لِلطَّاعَةِ.

السَّبَبُ الثَّالِثُ:
وَهُوَ مُعْتَبَرٌ فِي تَعْيِينِهِ مُفَاجَأَةَ الْعَدُوِّ وَمَنْ يَقْدِرُ عَلَى دَفْعِهِ فَفِي الْجَوَاهِرِ إِنْ لَمْ يَسْتَقِلُّوا بِدَفْعِهِ وَجَبَ عَلَى مَنْ يَقْرُبُ مُسَاعَدَتُهُمْ فَإِنْ لَمْ يَسْتَقِلَّ الْجَمِيعُ وَجَبَ عَلَى مَنْ عَلِمَ بِضَعْفِهِمْ وَطَمِعَ فِي إِدْرَاكِهِمْ وَمُعَاوَنَتِهِمُ الْمَصِيرُ إِلَيْهِمْ.

.السَّبَبُ الرَّابِعُ:

قَالَ اللَّخْمِيُّ اسْتِنْقَاذُ الْأَسْرَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا لكم لَا تقتلون فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا} النِّسَاء 75 يُرِيدُ تَعَالَى مَنْ فِي مَكَّةَ مِنَ الْأَسْرَى وَالْعَجْزَى فَإِنْ عَجَزُوا عَنِ الْقِتَالِ وَجَبَ عَلَيْهِمُ الْفِدَاءُ بِأَمْوَالِهِمْ إِنْ كَانَ لَهُمْ مَالٌ فَإِنِ اجْتَمَعَ الْقُدْرَةُ وَالْمَالُ وَجَبَ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ فَكُّ الْأَسْرَى مِنْ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ فَمَا نَقَصَ عَنْ بَيْتِ الْمَالِ تَعَيَّنَ فِي أَمْوَالِ جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى مَقَادِيرِهَا وَيَجِبُ عَلَى الْأَسِيرِ الْغَنِيِّ فِدَاءُ نَفْسِهِ بِمَالِهِ وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ مَنْ فَدَى أَسِيرًا بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَلَهُ مَالٌ يُرْجَعُ عَلَيْهِ وَقَالَ ابْنُ سِيرِين وَغَيره لَا يرجع لقَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فُكُّوا الْعَانِيَ وَجَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ فَكَّهُ أَعَمُّ مَنْ كَوْنِهِ مَجَّانًا وَثَانِيهِمَا أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ لَيْسَ لَهُ مَالٌ وَمَنْ لَهُ مَالٌ لَا يُفَكُّ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ كَالْجَائِزَةِ لَهُ وَمَنْ فَدَى فَقِيرًا فَالصَّحِيحُ عَدَمُ الْإِتْبَاعِ لِتَعَيُّنِ ذَلِكَ عَلَى الْإِمَامِ وَالْمُسْلِمِينَ وَظَاهِرُ الرِّوَايَاتِ خِلَافُهُ وَهُوَ بَعِيدٌ قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ يَرْجِعُ عَلَى الْمُفْدَى وَإِنْ كَانَ أَضْعَافَ قِيمَتِهِ وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى دَيْنِ الْمُفْدَى كَالْقُوتِ وَفِدَاءِ مَالِهِ مِنَ اللُّصُوصِ وَدَابَّتِهِ مِنْ مُلْتَقِطِهَا وَالْكِرَاءِ عَلَى مَتَاعه فَذَلِك كُله يقدم عَلَى الْغُرَمَاءِ قَالَ مُحَمَّدٌ وَهَذَا فِي مَالِهِ الَّذِي أَحْرَزَهُ الْعَدُوُّ مَعَهُ لِأَنَّهُ فَدَى ذَلِكَ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ إِنَّمَا قُدِّمَ عَلَى الْغُرَمَاءِ لِأَنَّهُ يدْخل فِي ذمَّته كرها وَهُوَ أَقْوَى وَلَوِ اشْتَرَاهُ مِنَ الْمَغْنَمِ بِسَهْمِهِ فَلَا شَيْءَ لَهُ عِنْدَ مَالِكٍ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُفْدَى مِنْ دَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّهُ فَدَاهُ بِيَسِيرٍ أَوْ بِغَيْرِ شَيْءٍ مَعَ يَمِينِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إِذَا نُودِيَ عَلَى الْحُرِّ فِي الْمَغْنَمِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ مُشْتَرِيهِ وَإِنْ كَانَ سَاكِتًا عَمْدًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ إِنْ تَفَرَّقَ الْجَيْشُ لِعَدَمِ مَنْ يَرْجِعُ عَلَيْهِ وَقِيلَ يَرْجِعُ عَلَى الْجَاهِلِ الظَّان أَن ذَلِك يرقه وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَالْحُرُّ يُمَكِّنُ نَفْسَهُ مِمَّنْ يَبِيعُهُ وَيتبع وَقَالَ غَيْرُهُ لَا يَتَّبِعُ وَإِنْ كَانَ عَالِمًا قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إِذَا فَدَى أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ صَاحبه فَلَا رُجُوعَ إِلَّا أَنْ يَفْدِيَهُ بِأَمْرِهِ أَوْ غَيْرَ عَالِمٍ بِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَكَذَلِكَ إِنْ فَدَى قَرِيبَهُ عَارِفًا بِهِ لِأَنَّهَا قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى التَّبَرُّعِ كَانَ مِمَّنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ أَمْ لَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ بِأَمْرِهِ كَانَ يَعْتِقُ عَلَيْهِ أَمْ لَا وَغَيْرُ عَالِمٍ بِهِ رَجَعَ إِنْ كَانَ لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا قَالَ سَحْنُونٌ مَنِ اشْتَرَى ذَوِي رَحِمِهِ أَوْ فَدَاهُ رَجَعَ عَلَى مَنْ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِثَوْب الْهِبَةِ إِنْ كَانَ عَالِمًا وَإِلَّا رَجَعَ مُطْلَقًا وَكَذَلِكَ فِي الْأَبَوَيْنِ وَالْوَلَدِ لِأَنَّهُ لَا يُمْلَكُ بِالْفِدَاءِ وَلَا يُفْسَحُ نِكَاحُ الزَّوْجَةِ إِذَا فَدَاهَا زَوْجُهَا قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَلَوْ قَالَتْ لِزَوْجِهَا افدني وَلَك كَذَا أَو مهري فَلَيْسَ إِلَّا مَا ودي قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إِنْ وَفَتْ لَهُ الْفِدَاءَ سَقَطَ الْمَهْرُ وَقَالَ مَالِكٌ لَا شَيْءَ لَهُ مِنَ الْمَهْرِ إِلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهَا امْرَأَتُهُ وَقَالَ أَشْهَبُ إِنْ طَلَبَ الْعَدُوُّ الْفِدَاءَ بِالْخَيْلِ وَالسِّلَاحِ دَفَعَ بِخِلَافِ الْخَمْرِ وَمَنْ فَدَى بِخَمْرٍ وَنَحْوِهِ لَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمُفْدِي وَلَا بِقِيمَتِه وَمن فدى أُسَارَى بِأَلف رَجَعَ مَعَ الْمُوسِرِ وَالْمُعْسِرِ بِالسَّوِيَّةِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْعَدُوُّ عَلِمَ الْمُوسِرَ وَتَشَاحَّ فِيهِ وَكَذَلِكَ يَسْتَوِي الْأَحْرَارُ وَالْعَبِيدُ وَيُخَيَّرُ السَّيِّدُ بَيْنَ الْإِسْلَامِ وَالْفِدَاءِ قَالَ الْمَازِرِيُّ وَإِنِ اخْتَلَفَ الْفَادِي وَالْمَفْدِيُّ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَفْدِيِّ فِي إِنْكَارِهِ أَصْلَ الْفِدَاءِ وَمِقْدَارَهُ وَلَوِ ادَّعَى مَا لَا يُشْبِهُ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ إِنْكَارِ أَصْلِهِ وَقِيلَ الْقَوْلُ قَوْلُ الْفَادِي إِنْ وَافَقَهُ الْمَفْدِيُّ عَلَى أَصْلِ الْفِدَاءِ وَيُقَدَّمُ عَلَى الْغُرَمَاءِ فِيمَا مَعَهُ بِبِلَادِ الْحَرْبِ وَعِنْدَ عَبْدِ الْمَلِكِ فِيمَا بِبَلَدِ الْإِسْلَامِ وَسَوَّى بَيْنِهِمَا مُحَمَّدٌ وَفِي الْكِتَابِ إِذَا قَالَ كُنْتُ قَادِرًا عَلَى التَّحَيُّلِ وَالْخُرُوجِ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَظَهَرَ صِدْقُهُ لَمْ يُتْبَعْ إِنِ افْتَدَاهُ بِغَيْرِ عِلْمِهِ وَإِنْ قَالَ كُنْتُ أفدى بِدُونِ هَذَا وَتَبَيَّنَ صِدْقُهُ سَقَطَ الزَّائِدُ وَمَتَى كَانَ عَالما بإفدائه وَلَمْ يُنْكِرِ اتَّبَعَهُ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْخُرُوجِ بِغَيْرِ شَيْءٍ أَوْ بِدُونِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِذَلِكَ.
فُرُوعٌ سِتَّةٌ:
الْأَوَّلُ:
فِي الْكِتَابِ قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ إِذَا اؤْتُمِنَ الْأَسِيرُ عَلَى شَيْء فِي أَمَانَتَهُ وَلَهُ أَخْذُ مَا لَمْ يُؤْتَمَنْ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَلَا يُخَمَّسُ مَا يَهْرُبُ بِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَفْ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ خَرَجَ إِلَى دَارِ الْحَرْبِ فَأُسِرَ خُمِّسَ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ إِلَّا بِالْإِيجَافِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ وَطْءُ الْجَارِيَةِ حَتَّى يَسْتَقِرَّ مِلْكُهُ بِدُخُولِهِ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَإِن كَانَت لَا تخمس وَلَا يعاملهم بالربا قَالَ الْأَشْهب إِذا دفعُوا إِلَيْهِ ثوبا ليخطه فَلَا يَخُونُ فِيهِ لِأَنَّهُ اؤْتُمِنَ عَلَيْهِ قَالَ مُحَمَّدٌ إِذَا خَانَ أَوْ رَابَى ثُمَّ تَخَلَّصَ تَصَدَّقَ بِقَدْرِ مَا رَابَى وَخَانَ لِتَعَذُّرِ وُصُولِهِ إِلَى رَبِّهِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي السَّرِقَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ فِي الزِّنَا سَوَاءٌ زَنَى بِحُرَّةٍ أَوْ بِمَمْلُوكَةٍ خِلَافًا لِعَبْدِ الْمَلِكِ:
الثَّانِي فِي الْكِتَابِ إِذَا فَدَى ذِمِّيَّةً لَا يَجُوزُ لَهُ وَطْؤُهَا وَلَهُ عَلَيْهَا فَدَاؤُهَا وَترجع ذِمِّيَّة على حَالهَا:
الثَّالِث فِي الْجَوَاهِر إِذَا وُلِدَتِ الْأَسِيرَةُ الْمُسْلِمَةُ عِنْدَهُمْ ثُمَّ غَنِمْنَاهَا فالصغار بمنزلتها والكبار إِذا بلغُوا وقاتلوا فَيْء وَقَالَ فِي ثَمَانِيَة ابْنِ أَبِي زَيْدٍ الْوَلَدُ تَبَعٌ فِي الْحُرِّيَّةِ وَالْإِسْلَامِ وَمَنِ امْتَنَعَ مِنْهُ بَعْدَ بُلُوغِهِ فَهُوَ مُرْتَدٌّ وَقَالَ أَشْهَبُ حَمْلُهَا وَوَلَدُهَا الْكَبِيرُ فَيْءٌ تَغْلِيبًا لِحُكْمِ الدَّارِ وَلَوْ كَانَتْ أَمَةً قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ كَبِيرُ وَلَدِهَا وَصَغِيرُهُمْ لِسَيِّدِهَا وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ الْكَبِيرُ وَالصَّغِيرُ فَيْءٌ نَظَرًا لِلدَّارِ وشبهة ملك الْكفَّار بالجور وَقَالَ أَشْهَبُ هُمْ فَيْءٌ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تزوجت فلسيدها لوُجُود أبوة مُعْتَبرَة تستتبع أما الذِّمِّيَّةُ فَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ هِيَ مَرْدُودَةٌ إِلَى دِينِهَا وَصِغَارُ وَلَدِهَا الْمُطِيقُ لِلْقِتَالِ مِنْهُمْ فَيْءٌ:
الرَّابِعُ قَالَ الْمَازِرِيُّ إِذَا اشْتَرَى مِنْ بِلَادِ الْحَرْبَ سِلَعًا تُتَمَلَّكُ فَلِصَاحِبِهَا أَخْذُهَا بِالثَّمَنِ وَالْمَوْهُوبُ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَإِنِ اشْتَرَى مِنَ الْحَرْبِيِّ بِبَلَدِنَا فَفِي الْكِتَابِ لَا يَأْخُذُهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَأْخُذُهُ بِالثَّمَنِ.
الْخَامِسُ:
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إِذَا كَانَ مَعَ الْأَسِيرِ امْرَأَتُهُ أَوْ أَمَتُهُ جَازَ وَطْؤُهُمَا إِنْ تَيَقَّنَ سَلَامَتَهُمَا مِنْ وَطْءِ الْعَدُوِّ وَأَكْرَهُهُ لِبَقَاءِ ذُرِّيَّتِهِ بِأَرْضِ الْحَرْبِ وَتَرْكُ الْأَمَةِ أَحَبُّ إِلَيَّ لِأَنَّ الْحَرْبِيَّ أَن أَسْلَمَ عَلَّهَا كَانَتْ مِلْكًا لَهُ قَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ أَمَّا الْحُرَّةُ فَكَمَا قَالَ وَأَمَّا الْأَمَةُ فَعَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ لَهُ أَخْذُ مَالِهِ بَعْدَ الْقَسْمِ بِغَيْرِ ثَمَنٍ وَإِنَّ الْكُفَّارَ لَا شُبْهَةَ لَهُمْ يَجُوزُ وَطْؤُهَا وَيَحْرُمُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُم يملكُونَ وَأَنه لَا يَأْخُذ بَعْدَ الْقَسْمِ وَيُكْرَهُ عَلَى الْمَشْهُورِ:
السَّادِسُ فِي الْجُلَّابِ إِذَا خَرَجَ الْأَسِيرُ إِلَيْنَا وَتَرَكَ مَالَهُ فِي أَيْدِيهِمْ ثُمَّ غَزَا مَعَ الْمُسْلِمِينَ فَغَنِمُوا مَالَهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ قَبْلَ الْقَسْمِ بِغَيْرِ ثَمَنٍ وَبَعْدَ الْقَسْمِ بِالثَّمَنِ.

.الباب الثَّالِث فِي شُرُوطه:

وَفِي الْمُقدمَات هَي سِتَّةٌ:
الْإِسْلَامُ:
فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَأْتِ بِخِطَابٍ يَتَنَاوَلُ غَيْرَ الْمُسْلِمِينَ وَبِهَذَا يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَين الْجِهَاد وَالصَّوْم وَالزَّكَاة وَغَيرهمَا.
وَالْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ وَالْحُرِّيَّةُ:
لِأَنَّ حُقُوقَ السَّادَاتِ فَرْضُ عَيْنٍ فَيُقَدَّمُ عَلَى فَرْضِ الْكِفَايَةِ وَقِيَاسًا عَلَى الْحَجِّ وَالذُّكُورَةِ لِضَعْفِ أَبْنِيَةِ النِّسْوَانِ عَنْ مُكَافَحَةِ الْأَقْرَانِ وَلِاحْتِيَاجِهِنَّ إِلَى كَشْفِ الْعَوْرَاتِ.
وَالِاسْتِطَاعَةُ بِالْبَدَنِ وَالْمَالِ وَفِي الْجَوَاهِرِ الْقُدْرَةُ بِسَلَامَةِ الْأَعْضَاءِ وَالْقُدْرَةُ عَلَى السِّلَاحِ وَوَقَعَ لِلشَّافِعِيَّةِ تَرَدُّدٌ فِي الْقِتَالِ بِالْحِجَارَةِ وَاخْتَارُوا عَدَمَ اعْتِبَارِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ نَقْلِ الْجَوَاهِرِ وَالرُّكُوبُ عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ وَنَفَقَاتُ الذَّهَابِ وَالْإِيَابِ فَإِنْ صَدَمَ الْعَدُوُّ الْإِسْلَامَ وَجَبَ عَلَى الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ لِتَعَيُّنِ الْمُدَافَعَةِ عَنِ النَّفْسِ وَالْبُضْعِ.

.الباب الرَّابِعُ فِي مَوَانِعِهِ:

وَهِيَ اثْنَانِ: