فصل: الرُّكْنُ الثَّالِثُ فِي بَيَانِ شُرُوطِ حَمْلِ الْعَاقِلَةِ للدية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الذخيرة (نسخة منقحة)



.الرُّكْنُ الثَّالِثُ فِي بَيَانِ شُرُوطِ حَمْلِ الْعَاقِلَةِ للدية:

وَهِيَ خَمْسَةُ شُرُوطٍ:

.الشَّرْطُ الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ الْمَحْمُولُ الثُّلُثَ فَأَكْثَرَ:

وَقَالَهُ أَحْمَدُ وَقَالَ (ش) تَحْمِلُ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ وَقَالَ (ح) تَحْمِلُ السِّنَّ وَالْمُوَضِّحَةَ وَمَا فَوْقَهَا لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ إِلَّا مَا أَجْمَعْنَا عَلَيْهِ وقَوْله تَعَالَى {وَلا تزر وَازِرَة وزر أُخْرَى} وَعَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ «لَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ عَمْدًا وَلَا عَبْدًا وَلَا اعْتِرَافًا وَلَا صُلْحًا وَلَا مَا دُونَ الْمُوَضِّحَةِ» وَعَنْهُ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَاقَلَ بَيْنَ قُرَيْشٍ وَالْأَنْصَارِ فَجَعَلَ عَلَى الْعَاقِلَةِ ثُلُثَ الدِّيَةِ وَعَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ «تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ الثُّلُثَ فَصَاعِدًا» وَقَالَ (ح) لَيْسَ بِبَدَلٍ عَنِ النَّفْسِ وَلَا عُضْوِ دِيَتُهُ كَالنَّفْسِ فَلَا تَحْمِلُهُ كَالْأَمْوَالِ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ اخْتِصَاصُ الْجَانِي بالغرم الْعَمْدِ فَإِذَا أَسْقَطَ الشَّرْعُ عَنِ الْجَانِي الْغُرْمَ لِعُذْرِ الْخَطَأِ فَغَيْرُهُ أَوْلَى بِالْإِسْقَاطِ وَلِأَنَّهُ إِنَّمَا جعلت على الْعَاقِلَة لَيْلًا يَسْتَوْعِبَ الْجَانِي وَقَدْ يَعْجِزُ عَنْهُ فَتَضِيعُ الْجِنَايَةُ فَجَعَلَ عَلَى الْعَاقِلَةِ الَّذِي يُتَوَقَّعُ فِيهِ ذَلِكَ فَبَقِيَ مَا عَدَاهُ عَلَى الْأَصْلِ وَلِأَنَّ الْحَمْلَ مُوَاسَاةٌ عَلَى قَاعِدَةِ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَلَا ضَرُورَةَ لِلْمُوَاسَاةِ فِي الْقَلِيلِ احْتَجُّوا بِمَا فِي الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ غُرَّةَ الْجَنِينِ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَاحْتَجَّ (ح) بِمَا ثَبَتَ فِي الْجَنِينِ وَهُوَ نِصْفُ عُشْرٍ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ أَصْلًا وَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْحَمْلَ خِلَافُ الْأُصُولِ وَالْقِيَاسُ عَلَى خِلَافِ الْأُصُولِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ عَلَى الْخِلَافِ كَمَا لَا تُقَاسُ الْعِمَامَةُ عَلَى الْخُفِّ وَلَا يَسِيرُ الدَّمِ عَلَى الطِّحَالِ وَالْجَرَادِ وَلِأَنَّهُ جِنَايَةٌ عَلَى جُزْءٍ خَطَأٍ فَتُحْمَلُ قِيَاسًا عَلَى الثُّلُثِ وَقِيَاسًا عَلَى الْأَمْوَال والجوال عَنِ الْأَوَّلِ أَنَّ غُرَّةَ الْجَنِينِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ لِنَفْسٍ فَأَشْبَهَتْ مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ وَعَنِ الثَّانِي الْفَرْقُ بِكَثْرَةِ الثُّلُثِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ «الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ» فِي الْوَصِيَّةِ وَعَنِ الثَّالِثِ أَنَّ الْأَمْوَالَ تَنْدُرُ الْكَثْرَةُ فِيهَا فَلِذَلِكَ سَوَّى الشَّرْعُ بَيْنَ قَلِيلِهَا وَكَثِيرِهَا وَالْغَالِبُ فِي الدِّمَاءِ الْكَثْرَةُ لِخَطَرِهَا فَلِذَلِكَ حَقَّقَ الشَّرْعُ فِيهَا ثُمَّ الْقِيَاسُ مُنْعَكِسٌ عَلَيْكُمْ فَنَقُولُ فَلَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ الْقَلِيلَ كَالْأَمْوَالِ.

.الشَّرْطُ الثَّانِي أَنْ تَكُونَ عَنْ دَمٍ حُرٍّ:

احْتِرَازًا مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ لَا تَحْمِلُهَا الْعَاقِلَةُ وَقَالَهُ أَحْمَدُ وَقَالَ (ح) تَحْمِلُهُ وَعِنْدَ (ش) الْقَوْلَانِ وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْقِيمَةَ هَلْ هِيَ بَدَلٌ عَنْ مَالِيَّةِ الْعَبْدِ أَوْ عَنْ نَفْسِهِ لَنَا الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُ مُخَالِفٌ فَكَانَ إِجْمَاعًا وَالْأَحْوُلُ الْبَاقِيَةُ لِشَغْلِ الذِّمَّةِ مَعَ النُّصُوصِ فِي ذَلِكَ وَقِيَاسًا عَلَى أَطْرَافِهِ وَوَافَقَ (ح) فِيهَا لِأَنَّ الطَّرَفَ وَالنَّفْسَ فِي غَيْرِ صُورَةِ النِّزَاعِ فَيَسْتَوِيَانِ فِي الْآدَمِيِّ الْحُرِّ وَالْحَيَوَانِ الْبَهِيمِ فِي الْحَمْلِ وَالثَّانِي فِي عَدَمِ الْحَمْلِ احْتَجُّوا بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ «الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ» وَهُوَ عَامٌّ فِي الْحُرِّ وَالْعَبْدِ وَقِيَاسًا عَلَى الْحُرِّ بِجَامِعِ النَّفْسِ أَوْ بِجَامِعِ اللَّفْظِ وَالْمُوَاسَاةِ وَالْجَوَابُ عَنِ الأول الدِّيَةُ ظَاهِرَةٌ فِي الْحُرِّ فَلَا تُحْمَلُ عَلَى غَيره سلمنَا عدم الظُّهُور لَكِن حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ يُخَصِّصُهُ وَعَنِ الثَّانِي الْفَرْقُ بِتَغْلِيبِ شَائِبَةِ الْمَالِيَّةِ فِي الْعَبْدِ وَلِذَلِكَ اخْتَلَفَتِ الْقِيمَةُ فِيهِ كَالْمَالِ وَعَنِ الثَّالِثِ الْفَرْقُ بِأَنَّ قِيمَةَ الْعَبْدِ غَالِبًا لَا تَعْظُمُ بِخِلَافِ الْحُرِّ.

.الشَّرْطُ الثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ عَنْ خَطَأٍ:

فَلَا تَحْمِلُ الْعَمْدَ وَقَالَهُ الْأَئِمَّةُ لِلْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ.

.الشَّرْطُ الرَّابِعُ أَنْ يَثْبُتَ بِغَيْرِ اعْتِرَافٍ:

وَمِنْهُ الصُّلْحُ وَقَالَهُ الْأَئِمَّةُ.

.الشَّرْطُ الْخَامِسُ لَا تَكُونُ عَنْ قَتْلِ الْإِنْسَانِ لِنَفْسِهِ:

لِأَنَّهَا وَجَبَتْ عَلَيْهِمْ تَخْفِيفًا عَنهُ فِيمَا لم يَقْصِدهُ وَهَذَا قَاصد تَفْرِيغ فِي الْكِتَابِ أَقَلُّ مِنَ الثُّلُثِ فِي مَالِ الْجَانِي وَإِنْ جَنَى مُسْلِمٌ عَلَى مَجُوسِيَّةٍ مَا يَبْلُغُ ثُلُثَ دِيَتِهَا أَوْ ثُلُثَ دِيَتِهِ حَمَلَتْهُ الْعَاقِلَةُ أَوْ عَلَى مُسْلِمَةٍ مَا يَبْلُغُ ثُلُثَ دِيَتِهَا حَمَلَتْهُ عَاقِلَتُهَا وَالْأَصْلُ أَنَّ الْجِنَايَةَ مَتَى بَلَغَتْ ثُلُثَ دِيَةِ الْجَانِي أَوِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ حَمَلَتْهُ عَوَاقِلُهُمْ قَالَ اللَّخْمِيُّ عَنْ مَالِكٍ الْمُرَاعَى ثُلُثُ دِيَةِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ خَاصَّةً وَعَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ دِيَةُ الرَّجُلِ كَانَ الْجَانِيَ أَوِ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ وَقِيلَ لَا تحمل الْعَاقِلَة أُصْبُعِي الْمَرْأَة لِأَنَّهَا لمتأخذ ذَلِكَ عَلَى عَقْلِ نَفْسِهَا بَلْ عَلَى مُسَاوَاةِ الرَّجُلِ لِأَنَّهَا تَأْخُذُ عِشْرِينَ وَلِذَلِكَ إِنْ قُلِعَ لَهَا أَرْبَعَةُ أَسْنَانٍ يَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ وَإِنْ قَطَعَتِ امْرَأَةٌ أُصْبُعَيِ امْرَأَةٍ أَوْ أَرْبَعَةَ أَسْنَانٍ جَرَتْ عَلَى الْخِلَافِ لِأَنَّهَا إِنَّمَا تَأْخُذُ عَلَى عَقْلِ الرَّجُلِ قَالَ وَمُرَاعَاةُ دِيَةِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَحْسَنُ لِأَنَّ الْأَصْلَ حَمْلُ الْعَاقِلَةِ الدِّيَةَ كَامِلَةً.
فرع:
فِي الْكِتَابِ مَنْ جَنَى مِنْ أَهْلِ الْإِبِلِ مَا لَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ فَفِي مَالِهِ من الْإِبِل فَإِن قطع أصبعا فابنا مخاص وَابْنَا لَبُونٍ وَحِقَّتَانِ وَجَذَعَتَانِ وَكَذَلِكَ إِنْ جَنَى مَا هُوَ أَقَلَّ مِنْ بَعِيرٍ وَإِنْ جَرَحَ الْمُسْلِمُ كَافِرًا أَوْ قَطَعَ يَدَهُ أَوْ رِجْلَهُ أَوْ قَتَلَهُ عَمْدًا فَفِي مَالِهِ وَلَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ مِنْ عَمْدِ الْمُسْلِمِ فِي جِنَايَتِهِ عَلَى الذِّمِّيِّ الْمَأْمُومَةَ وَالْجَائِفَةَ وَإِنَّمَا اسْتَحْسَنَ مَالِكٌ حَمْلَ الْمَأْمُومَةِ وَالْجَائِفَةِ وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ بِالْبَيِّنِ وَلَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ الْعَمْدَ مُطْلَقًا.
فرع:
فِي النَّوَادِرِ كُلُّ جُرْحٍ يَتَعَذَّرُ الْقَوَدُ فِيهِ لِخَطَرِهِ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الْجَانِي حَمَلَتْهُ الْعَاقِلَةُ إِنْ بَلَغَ الثُّلُثَ وَخَالَفَنَا الْأَئِمَّةُ لَنَا أَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ الْقِصَاصُ أَشْبَهَ الْخَطَأَ وَعَنْ مَالِكٍ فِي عَمْدِ الْجَائِفَةِ وَالْمُنَقِّلَةِ وَالْمَأْمُومَةِ قَوْلَانِ يَبْدَأُ بِمَالِ الْجَانِي وَالْبَاقِي عَلَى الْعَاقِلَةِ وَرَجَعَ إِلَى أَنَّ الْجَمِيعَ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَعَلَيْهِ أَصْحَابُهُ وَتَحْمِلُ جِنَايَةَ الصَّبِيِّ وَالصَّبِيَّةِ وَالْمَجْنُونِ فِي حَالِ جُنُونِهِ وَالْمَعْتُوهِ فِي الْعَمْدِ لِأَنَّهُ كَالْخَطَأِ إِنْ بَلَغَ الثُّلُثَ وَإِنْ جُنَّ الْقَاتِلُ انْتُظِرَ إِنْ أَفَاقَ قُتِلَ وَإِنْ إيس مِنْهُ فَالدِّيَة فِي مَاله والنائم كالمخطىء وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يَحْمِلُ مَا جَنَاهُ الْعَبِيدُ عَلَى الْحُرِّ أَوْ عَلَى الْعَبْدِ وَلَا حُرَّ عَلَى عَبْدٍ وَإِنَّمَا تَحْمِلُ جِنَايَةَ الْحُرِّ عَلَى الْحُرِّ وَلَا تَحْمِلُ عَاقِلَةُ الْمُسْلِمِ جِنَايَتَهُ عَلَى يَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ أَوْ مَجُوسِيٍّ وَإِنْ بَلَغَ النَّفْسَ لِأَنَّهُمْ كَالْعَبِيدِ إِلَّا أَنَّ السُّنَّةَ مَضَتْ بِدِيَاتِهِمْ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَعَنْهُ تَحْمِلُ إِذَا بَلَغَ الثُّلُثُ دِيَةَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَإِنْ رَمَى رَجُلٌ بِحَجَرٍ فَأَصَابَ جَمَاعَةً مَوَاضِحَ أَوْ مِلْطَاةً أَوْ شِجَاجًا وَجَمِيعُهَا يبلغ الثُّلُث حمله لِاتِّحَادِ الضَّرْبَةِ وَكَذَلِكَ لَوْ فَعَلَ بِرَجُلٍ ذَلِكَ قَالَهُ مَالِكٌ أَوْ ضَرَبَهُ فَأَذْهَبَ كُلَّ وَاحِدَةٍ بِمَا يَلِيقُ بِهَا وَإِنْ قَتَلَ عَشَرَةٌ رَجُلًا فَعَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ عُشْرُ الدِّيَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْأَصْلِ دِيَةٌ وَإِنْ جَنَوْا قَدْرَ ثُلُثِ الدِّيَةِ حَمَلَتْهُ عَوَاقِلُهُمْ وَعَن مَالك إِن أقرّ بِالْقَتْلِ وَلم يُتَّهَمْ عَلَى وَلَدِهِ وَهُوَ ثِقَةٌ لَا يُتَّهَمُ فَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ بِقَسَامَةٍ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فَإِنْ لَمْ يُقْسِمُوا فَلَا شَيْءَ فِي مَالِ الْمُقِرِّ وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ الْإِقْرَارُ فِي مَالِهِ وَلَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ خَطَأً اعْتِرَافًا وَالِاعْتِرَافُ بِالْجِرَاحِ الْخَطَأِ لَا تَحْمِلُهَا لِعَدَمِ الْقَسَامَةِ فِيهَا فَيَتَخَلَّصُ أَنَّ الْمَشْهُورَ حَمْلُ الِاعْتِرَافِ عِنْدَ عَدَمِ التُّهْمَةِ وَإِنَّ الْعَمْدَ يُحْمَلُ فِي ثَلَاثِ صُوَرٍ الصَّبِيِّ وَمَنْ مَعَهُ وَالْجَائِفَةِ وَمَا مَعَهَا وَمَا لَا يُقَادُ مِنْهُ وَلَهُ نَظِيرٌ يُوجَدُ فِي الْجَانِي.

.الرُّكْنُ الرَّابِعُ فِي صِفَةِ مَنْ يَحْمِلُهَا:

وَفِي الْجَوَاهِرِ فِي الرُّكْنِ بَحْثَانِ مَنْ يَحْمِلُ وَصِفَتُهُ.

.الْبَحْثُ الْأَوَّلُ مَنْ يَحْمِلُ:

وَهُوَ ثَلَاثَةٌ:
الْأَوَّلُ الْعَصَبَةُ وَالْوَلَاءُ وَبَيْتُ الْمَالِ دُونَ الْمُوَالَاةِ وَالْمُخَالِفِ أَمَّا الْعَصَبَةُ فَكُلُّ عَصَبَةٍ يَدْخُلُ فِيهَا الْأَبُ وَالِابْنُ وَفِي دُخُولِ الْجَانِي رِوَايَتَانِ وَيُلْحَقُ بِالْقَرَابَةِ الدِّيوَانُ لِعِلَّةِ التَّنَاصُرِ فَإِنْ كَانَ المعا مِنْ أَهْلِ دِيوَانٍ مَعَ غَيْرِ قَوْمِهِ حَمَلُوا عَنْهُ دُونَ قَوْمِهِ لأَنهم ناصروه رَحل عَنْهُمْ وَإِنِ احْتَاجَ أَهْلُ دِيوَانٍ إِلَى مَعُونَةِ قَوْمِهِمْ لِقِلَّتِهِمْ أَوْ لِانْقِطَاعِ دِيوَانِهِمْ أَعَانُوهُمْ وَقَالَ أَشْهَبُ إِنَّمَا يَحْمِلُ عَنْهُ أَهْلُ الدِّيوَانِ إِذَا كَانَ الْعَطَاءُ قَائِمًا وَإِلَّا فَقَوْمُهُ وَالْجِهَةُ الثَّانِيَةُ الْوَلَاءُ إِذَا عُدِمَتِ الْعَصَبَةُ فَعَلَى مُعْتِقِ الْجَانِي وَهُوَ الْمُعَتَقُ الْأَعْلَى وَفِي الْأَسْفَلِ قَوْلَانِ الثَّالِثُ بَيْتُ الْمَالِ عِنْدَ عَدَمِ الْعَصَبَةِ وَالْوَلَاءِ يُأْخَذُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ إِنْ كَانَ الْجَانِي مُسْلِمًا وَإِنْ كَانَ ذِمِّيًّا رَجَعْنَا عَلَى الَّذِينَ يُؤَدُّونَ مَعَهُ الْجِزْيَةَ أَهْلِ إِقْلِيمِهِ الَّذِينَ يَجْمَعُهُ وَإِيَّاهُمْ أَدَاءُ الْجِزْيَةِ فَإِذَا لَمْ يَسْتَقِلُّوا ضُمَّ إِلَيْهِمْ أَقْرَبُ الْقُرَى مِنْهُمْ.

.الْبَحْثُ الثَّانِي فِي صِفَاتِهِمْ:

وَهِيَ التَّكْلِيفُ وَالذُّكُورَةُ وَالْمُوَافَقَةُ فِي الدَّيْنِ وَالدَّارِ فَلَا يُضْرَبُ عَلَى عَبْدٍ وَلَا صَبِيٍّ وَلَا امْرَأَةٍ وَلَا مُخَالِفٍ فِي الدَّيْنِ وَلَا فَقِيرٍ وَإِن كَانَ يعْمل وَلَا حد فغناهم فِي الْحمل وَلَا بِمَا يُؤْخَذُ وَقِيلَ يُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ مائَة دِرْهَم وَنصف وَكَذَلِكَ كَانَ يُؤْخَذ من اعطيات النَّاس تَفْرِيغ عَلَى الْبَحْثَيْنِ فِي الْكِتَابِ إِنْ قَتَلَ ذِمِّيٌّ مُسْلِمًا خَطَأً حَمَلَتْهُ عَاقِلَتُهُ وَإِنْ أَصَابَ أَهْلَ الذِّمَّةِ بَعْضَهُمْ بَعْضًَا حَمَلَ ذَلِكَ عَوَاقِلُهُمْ وَإِنَّمَا الْعَقْلُ فِي الْقَبَائِلِ كَانُوا أَهْلَ دِيوَانٍ أَمْ لَا وَمِصْرُ وَالشَّامُ أَجْنَادُ كُلِّ جُنْدٍ عَلَيْهِمْ جَرَايِرُهُمْ فَلَا يَعْقِلُ أَهْلُ مِصْرَ مَعَ الشَّامِ وَلَا الشَّامُ مَعَ مِصْرَ وَلَا الْحَضَرُ مَعَ الْبَدْوِ وَلَا الْبَدْوُ مَعَ الْحَضَرِ لِعَدَمِ التَّنَاصُرِ وَلَا يَكُونُ فِي دِيَةٍ وَاحِدَةٍ إِبِلٌ وَذَهَبٌ أَوْ ذَهَبٌ وَدَرَاهِمُ وَإِنِ انْقَطَعَ بَدَوِيٌّ فَسَكَنَ الْحَضَرَ عَقَلَ مَعَهُمْ كَالشَّامِيِّ يَسْتَوْطِنُ مِصْرَ ثُمَّ إِنْ جَنَى وَقَوْمُهُ بِالشَّامِ وَلَيْسَ بِمِصْرَ مِنْ قَوْمِهِ مَنْ يَحْمِلُ لِقِلَّتِهِمْ ضُمَّ إِلَيْهِ أَقْرَبُ الْقَبَائِل لَهَا إِلَى قَوْمِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِمِصْرَ أَحَدٌ حَتَّى يَقُودَ إِذْ لَا يَعْقِلُ أَهْلُ الشَّامِ مَعَ مِصْرَ وَيَحْمِلُ الْغَنِيُّ بِقَدْرِهِ وَمَنْ دُونَهُ بِقَدْرِهِ عَلَى قَدْرِ يُسْرِهِمْ وَفِي التَّنْبِيهَاتِ قَوْلُهُ إِذا لم يكن فَمن قومه من يحمل لقتلهم ضُمَّ إِلَيْهِمْ أَقْرَبُ الْقَبَائِلِ يُرِيدُ فِي النَّسَبِ لَا فِي الْجِوَارِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ حَمْلُ الْعَاقِلَةِ الدِّيَةَ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَقَرَّهُ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَلَا عَقْلَ عَلَى مِدْيَانٍ لِأَنَّهُ كَالْفَقِيرِ وَكَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يَبْعَثَ السُّلْطَانُ فِي الدِّيَةِ مَنْ يَأْخُذُهَا مِنَ الْعَاقِلَةِ فَيَدْخُلُ فِيهَا فَسَادٌ كَبِيرٌ وَقَالَ سَحْنُونٌ وَيُضَمُّ أَهْلُ إِفْرِيقِيَّةَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ مِنْ طَرَابُلْسَ إِلَى طُبْنَةَ فِي الْعَقْلِ وَتُعْتَبَرُ صِفَاتُ الْعَاقِلَةِ وَشُرُوطُ حَمْلِهَا يَوْمَ يُقَسِّمُ عَلَيْهِمُ الدِّيَةَ لِأَنَّهُ يَوْمُ الطَّلَبِ لَا يَوْمُ مَاتَ الْمَقْتُولُ وَلَا يَوْمُ جرح وَلَا يَوْم ثَبت الدن وَلَا يَزُولُ عَمَّنْ مَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ أُعْدِمَ لِأَنَّهُ حُكْمٌ لَا يُنْقَضُ وَلَا يَدْخُلُ مَنْ بَلَغَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنَ الصِّبْيَانِ أَوْ غَائِبٍ قَدِمَ أَوْ مُنْقَطِعُ الْغَيْبَةِ وَلَا يُزَادُ عَلَى مَنْ أَيْسَرَ قَالَ سَحْنُونٌ وَمَنِ اسْتَحَقَّ بِمِلْكٍ رَجَعَ مَا عَلَيْهِ عَلَى بَقِيَّةِ الْعَاقِلَةِ لِتَبَيُّنِ الْغَلَطِ فِي الْحُكْمِ وَلَا يُزَادُ فِي التوظيف على بني عَمه دِيَته وَعم وَغَيْرُهُمْ سَوَاءٌ قَالَ أَصْبَغُ وَلَا يَدْخُلُ مَعَ الْعَاقِلَةِ صَبِيٌّ وَلَا مَجْنُونٌ وَيَدْخُلُ السَّفِيهُ الْبَالِغُ فَيُؤْخَذُ مِنْ مَالِهِ كَمَا يُوضَعُ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ وَقَالَ اللَّخْمِيُّ يَخْتَلِفُ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ هَلْ يَعْقِلُ أَهْلُ الدِّيوَانِ دُونَ الْقَاتِلِ وَهَلْ يُرَاعَى الْكُورَةُ أَوْ يَكْفِي الْمِصْرُ الْكَبِيرُ وَفِي اجْتِمَاعِ الْبَدْوِ مَعَ الْحَضَرِ وَمَنْ لَا عَاقِلَةَ لَهُ هَلْ تَسْقُطُ جِنَايَتُهُ أَوْ فِي مَالِهِ أَوْ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَمُرَادُ ابْنِ الْقَاسِمِ بِمِصْرَ مِنْ أَسْوَانَ إِلَى الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ وَمِصْرُ اسْمُ الْجَمِيعِ وَهِيَ الْكُورَةُ وَعَنْ أَشْهَبَ يُقْتَصَرُ عَلَى الْفُسْطَاطِ دُونَ بَقِيَّةِ الْكُورَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي قَتِيلٍ مَحْمَلٌ ضُمَّ إِلَيْهِ أَقْرَبُ الْقَبَائِلِ مِنَ الْفُسْطَاطِ خَاصَّةً وَعَنْ أَشْهَبَ إِذَا اجْتَمَعَتِ الْبَادِيَةُ وَالْقُرَى فِي حَمْلِ وَاحِدٍ أُخْرِجَ كُلُّ مَا يَلْزَمُهُ إِبِلًا أَوْ غَيْرَهُ وَإِنْ كَانَ الْقَاتِلُ مِنْ غَيْرِهِمْ وَتُؤْخَذُ الْإِبِلُ بِقِيمَتِهَا وَفِي النَّوَادِرِ مَنْ ظَعَنَ فِرَارًا مِنَ الدِّيَةِ لَحِقَهُ حُكْمُهَا حَيْثُ كَانَ بِخِلَافِ الْغَائِبِ لِغَيْرِ ذَلِكَ وَالْغُرَمَاءُ مُقْدِمُونَ عَلَى طَالِبِ الدِّيَةِ لِأَنَّهَا مُوَاسَاةٌ وَمَنْ مَاتَ فَمَا وُظِّفَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ كَالدَّيْنِ وَعَنْ سَحْنُونٍ يُحَاصِصْ بِهَا لِأَنَّهَا دَيْنٌ وَعَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ مَنْ مَاتَ لَا شَيْءَ فِي مَالِهِ وَلَا عَلَى وَارِثِهِ وَيَرْجِعُ عَلَى بَقِيَّةِ الْعَاقِلَةِ وَأَنْكَرَهُ سَحْنُونٌ وَمَنْ أَسْلَمَ مِنَ الْبَرْبَرِ وَلَمْ يُسْبَوْا فَإِنَّهُمْ يَتَعَاقَلُونَ كَالْعَرَبِ وَمَنْ سُبِيَ وَعُتِقَ فَعَقْلُهُ عَلَى مَوَالِيهِ وَمَتَى اجْتَمَعَ فِي الْعَاقِلَةِ أَهْلُ إِبِلٍ وَأَهْلُ ذَهَبٍ قَالَ أَشْهَبُ يَتْبَعُ الْأَقَلُّ الْأَكْثَرَ فَإِنِ اسْتَوَيَا حمل كل فريق من هم أَهله وَقَالَ مَالِكٌ وَهُوَ خِلَافٌ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَإِذَا جَنَى بِمِصْرَ وَلَمْ يَقُمْ عَلَيْهِ حَتَّى أُوْطِنَ الْعِرَاقَ فَجِنَايَتُهُ عَلَى مِصْرَ وَإِذَا جَنَى السَّاكِنُ بِمِصْرَ وَلَيْسَ بِهَا مِنْ قَوْمِهِ أَحَدٌ حَمَلَ جِنَايَتَهُ أَقْرَبُ الْقَبَائِلِ إِلَيْهِ مِمَّنْ بِمِصْرَ وَلَا يَعْقِلُ عَنِ الْمَرْأَةِ أَبُوهَا وَلَا زَوْجُهَا وَلَا إِخْوَتُهَا لِأُمِّهَا إِنْ لَمْ يَكُونُوا مِنْ قَبِيلَتِهَا لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا عَصَبَةً وَإِذَا قَدِمَ حَرْبِيٌّ بِأَمَانٍ فَقَتَلَ مُسْلِمًا خَطَأً قَالَ مَالِكٌ يُحْبَسُ وَيُرْسَلُ إِلَى أَهْلِ مَوْضِعِهِ وَكُورَتِهِ إِلَى قَوْمِهِ مِنْهَا يُخْبِرُونَهُمْ مَا يَلْزَمُهُمْ فِي حُكْمِنَا فَإِنْ وَدَوْا عَنْهُ لم يلْزمه إِلَّا مَا كَانَ يُؤَدِّيه مَعَهُمْ وَعَنْهُ إِنَّ الدِّيَةَ فِي مَالِهِ وَلَيْسَ عَلَى بَلَدِهِ مِنْهَا شَيْءٌ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ دِيَتُهُ عَلَى أَهْلِ دِينِهِ الْحَرْبِيِّينَ وَأَهْلُ الصُّلْحِ يتعاقلون وَإِن اخْتلفت قبائلهم قَالَ الْغيرَة إِنْ كَانُوا أَهْلَ جِزْيَةٍ وَلَهُمْ مَعْقَلَةٌ يَتَعَاقَلُونَ عَلَيْهَا وَيَحْمِلُهَا بَعْضٌ عَنْ بَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ حَمْلَتُهُمْ عَلَيْهَا وَإِلَّا فَفِي مَالِ الْجَانِي قَالَ سَحْنُونٌ إِذَا لَزِمَتْ دِيَةُ الْقَيْرَوَانَ دَخَلَ فِيهَا مَنْ بِإِفْرِيقِيَّةَ مِنَ الْيَهُودِ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ مَعَهُ الْخَرَاجَ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرُوا أَسْلَفَهُمُ الْإِمَامُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَلَا يَشُقُّ عَلَيْهِمْ.
فرع:
فِي النَّوَادِرِ إِنْ حَمَلَتِ الْعَاقِلَةُ شَيْئًا نَظَرَ أَنَّهُ هَلْ يَلْزَمُهَا ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا فَلَهُمُ الرُّجُوعُ مَا لَمْ يَطُلِ الْأَمْرُ بَعْدَ الدّفع سِنِين كَثِيرَة الَّتِي يرى فِيهَا أَنَّهُمْ عَلِمُوا ذَلِكَ فِيهَا وَانْقَرَضُوا عَنْهُ.
تَنْبِيهٌ:
وَافَقَنَا (ح) فِي دُخُولِ الْجَانِي وَمَنْعَهُ (ش) لَنَا مَا رُوِيَ أَنَّ نُعَيْمَ بْنَ أَبِي مَسْلَمَةَ رَأَى رَجُلًا يَرْمِي الْكُفَّارَ فَطَعَنَهُ فَقَتَلَهُ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ فَقَضَى عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِدِيَتِهِ عَلَيْهِ وَعَلَى عَاقِلَتِهِ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّهُ يُحْمَلُ وَحْدَهُ لِأَنَّهُ الْجَانِي وَلِأَنَّ التَّحَمُّلَ لِلنُّصْرَةِ وَالْمُوَاسَاةِ وَهُوَ أَحَقُّ بِنُصْرَةِ نَفْسِهِ وَمُوَاسَاتِهَا احْتَجُّوا بِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَضَى بِالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَالدِّيَةُ اسْمٌ لِلْجَمِيعِ وَلِأَنَّ كُلَّ غُرْمٍ وَجَبَ بِالْقَتْلِ اسْتَوَى قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ فِي التَّحَمُّل طردا وعكسا لِأَنَّ دِيَةَ الْعَمْدِ لَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ قَلِيلَهَا وَلَا كَثِيرَهَا فِدْيَةُ الْخَطَأِ وَجَبَ أَنْ تَحْمِلَهَا كلهَا كالجاني فِي الْعمد وَلِأَن أَن الْقَتْل تَارَة يمْنَع العتم كَالْعَمْدِ فِي الْمِيرَاثِ وَتَارَةً يَمْنَعُ الْغُرْمَ كَدِيَةِ الْخَطَأِ وَالْأَوَّلُ يُمْنَعُ مُطْلَقًا فَالثَّانِي كَذَلِكَ وَالْقِيَاسُ عَلَى الْقَاضِي إِذَا قَتَلَ بِالْحُكْمِ خَطَأً وَكَوَكِيلِ الإِمَام إِذا قتل خطأ وَالْجَوَاب عَن الول الْقَوْلُ بِالْمُوجَبِ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْعَاقِلَةِ وَعَنِ الثَّانِي الْفَرْقُ أَنَّ الْعَمْدَ صَادَفَ الْأَصْلَ وَهُوَ أَنَّ الْجَانِيَ غَرِمَ وَالْخَطَأُ خَالَفَ الْأَصْلَ غَرِمَ غَيْرُ الْجَانِي فَلَا يُخْرَجُ الْجَانِي مِنْهُ تَعْلَيْلًا بِمُخَالَفَةِ الْأَصْلِ وَعَنِ الثَّالِثِ أَنَّ مَنْعَ الْغُرْمِ تَخْفِيفٌ وَرَحْمَةٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى فَنَاسَبَ أَنْ يوزع على الْجَمِيع والعتم عُقُوبَةٌ لَهُ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ فَتَوْزِيعُ الْمِيرَاثِ مُتَعَذِّرٌ وَتَوْزِيعُ الدِّيَةِ غَيْرُ مُتَعَذِّرٍ وَعَنِ الرَّابِعِ الْفَرْقُ أَنَّ وُلَاةَ الْأُمُورِ لَوْ غَرِمُوا مَعَ تَصَدِّيهِمْ للْأَحْكَام لَأَدَّى ذَلِك لزهادة فِي الْوِلَايَاتِ فَتَتَعَطَّلُ الْمَصَالِحُ بِخِلَافِ الْجَانِي كَذَلِكَ وَكيل الإِمَام وانفق الْعُلَمَاءُ أَنَّ إِخْوَةَ الْأُمِّ وَسَائِرَ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَالزَّوْجَ وَكُلَّ مَنْ عَدَا الْعَصَبَةَ لَيْسُوا مِنَ الْعَاقِلَةِ وَلَا الْأُمُّ وَلَا آبَاؤُهَا وَلَا أَجْدَادُهَا إِلَّا أَن يَكُونُوا عصبَة للْقَاتِل وَإِنْ كَانَ الْقَاتِلُ امْرَأَةً فَإِنْ كَانَ بَنُوهَا وبنوا بَنِيهَا وَإِنْ سَفُلُوا بَنِي عَمِّهَا لِأَنَّ زَوْجَهَا مِنْ بَنِي عَمِّهَا فَعَاقِلَتُهَا وَإِلَّا فَلَا وَقِيلَ عَاقِلَتُهَا وَافَقَنَا (ح) عَلَى أَنَّ الْآبَاءَ وَالْأَبْنَاءَ وَالْحَفَدَةَ يَتَحَمَّلُونَ كَغَيْرِهِمْ وَقَالَ (ش) لَا يَتَحَمَّلُ هَؤُلَاءِ شَيْئًا بَلِ الْعَصَبَاتُ الَّذِينَ هُمْ جَوَانِبُ النَّسَبِ كَالْإِخْوَةِ وَبَنِي الْإِخْوَةِ وَالْأَعْمَامِ وَبَنِيهِمْ وَعَنْ أَحْمَدَ الْقَوْلَانِ لَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالدِّيَةِ عَلَى عَصَبَةِ الْعَاقِلَةِ وَزَوْجِهَا وَبَنِيهَا وَالْقِيَاسُ عَلَى الْأَخِ بِطَرِيقِ الْأَقَلِّ لِأَنَّ الْأَبَ وَالِابْنَ أَعْظَمُ نُصْرَةً وَأَبْلَغُ مِيرَاثًا فَيَجِبُ كَالْأَخِ وَكَيْفَ يَكُونُ الْعَمُّ أَكْثَرَ تَعْصِيبًا مِنَ الْأَبِ والإبن بل الْمُرَتّب عَلَى النَّسَبِ إِمَّا أَنْ يَخْتَصَّ بِالْأَبِ وَالْجَدِّ كَوِلَايَةِ الْمَالِ وَالْبِضْعِ وَالْعِتْقِ بِالْمِلْكِ وَالنَّفَقَةِ أَوْ يَثْبُتُ الْجَمِيعُ كَوِلَايَةِ النِّكَاحِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ أَمَّا لغير الْأُصُول والفصول وَالرحم فَلَمْ يَقَعْ فِي الشَّرْعِ احْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ لَا يُؤْخَذُ الرَّجُلُ بِجَرِيرَةِ ابْنِهِ وَلَا ابْنٌ بِجَرِيرَةِ أَبِيهِ وَلِأَنَّهُ نسلب يُوجِبُ التَّوَارُثَ مِنْ غَيْرِ حَجْبِ إِسْقَاطٍ فَلَا يُحْمَلُ كَالزَّوْجَةِ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى ابْنِ الْمَرْأَةِ وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَدِيثِ مَا كَانَتِ الْجَاهِلِيَّةُ تَفْعَلُهُ يَأْخُذُونَ الْأَبَ بِالِابْنِ وَالِابْنَ بِالْأَبِ وَعَنِ الثَّانِي الْفَرْقُ عَدَمُ التَّنَاصُرِ وَالْعُصُوبَةُ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجَةِ بِخِلَافِ الِابْنِ وَالْأَبِ وَعَنِ الثَّالِثِ بِمَنْعِهِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَنُسَلِّمُهُ وَيُفَرَّقُ بِأَنَّكُمْ لَيْسَ مَنْ عَصَبَتِهَا فَإِنَّهُ عِنْدَهُمْ لَا يَلِي تَزْوِيجَهَا ثُمَّ الرَّضَاعُ حُجَّةٌ عَلَيْكُمُ اسْتَوَى فِيهِ الْجَمِيعُ وَكَذَلِكَ تَحْرِيمُ الْمُصَاهَرَةِ وَوَافَقَنَا (ح) عَلَى أَنَّ الدِّيوَانَ يَعْقِلُ مَعَ أَنَّ صَاحِبَ الزَّاهِي حَكَى فِيهِ قَوْلَيْنِ وَقَالَ أَشْهَبُ إِنَّمَا يَعْقِلُ الدِّيوَانُ إِذَا كَانَ الْعَطَاءُ وَإِلَّا فَقَوْمُهُ وَقَالَ (ش) وَأَحْمَدُ لَا يَعْقِلُ الدِّيوَانُ لَنَا أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَوَّلُ مَنْ دَوَّنَ الدَّوَاوِينَ وَجَعَلَ أَهْلَ كُلِّ دِيوَانٍ يَحْمِلُونَ جِنَايَةَ مَنْ مَعَهُمْ فِي الدِّيوَانِ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ فَكَانَ إِجْمَاعًا وَنُكْتَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ التَّعَاقُلَ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّنَاصُرِ وَلِذَلِكَ اخْتَصَّ الْعَاقِلَةَ الْعَصَبَةَ وَسَقَطت عَن النِّسَاء وَالصبيان والمجانين بِعَدَمِ النُّصْرَةِ مَعَ وُجُودِ الْقَرَابَةِ فِيهِمْ فَقَدْ دَارَ الْعَقْلُ مَعَ النُّصْرَةِ وُجُودًا وَعَدَمًا وَأَهْلُ دِيوَانِهِ يَنْصُرُونَهُ أَشَدَّ مِنَ الْعَصَبَةِ وَالدِّيوَانُ أَخَصُّ مِنَ النَّسَبِ لِأَنَّهُ يَجْمَعُ أَهْلَهُ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ وَعَطَاء وَاحِد وَتَكون مَوَدَّتهمْ منسجمة وحميتهم لِبَعْضِهِمْ مُتَوَفِّرَةً احْتَجُّوا بِقَضَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَإِذَا اسْتَقَرَّ حُكْمٌ فِي زَمَانِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَا يَبْطُلُ بَعْدَهُ لِتَعَذُّرِ النَّسْخِ وَلِأَنَّهُ حُكْمٌ يَتَعَلَّقُ بِالْعَصَبَةِ عِنْدَ عَدَمِ الدِّيوَانِ فَيَتَعَلَّقُ عِنْدَ وُجُودِهِ كَالْمِيرَاثِ وَلِأَنَّهُ حُكْمٌ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بَيْنَ الْمُتَوَالِيَيْنِ فِي الدِّينِ فَلَا يَثْبُتُ بِالدِّيوَانِ كَوِلَايَةِ النِّكَاحِ وَلِأَنَّ مُطْلَقَ التَّنَاصُرِ لَا يَكْفِي لِأَنَّ أَهْلَ السِّكَّةِ الْوَاحِدَةِ وَالْبَلْدَةِ الْوَاحِدَةِ فِي أَرْضِ الْغُرْبَةِ يَنْصُرُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَالصُّدَقَاءُ وَالشُّرَكَاءُ وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ أَنَّ تَجَدُّدَ الْأَحْكَامِ لِتَعَدُّدِ عِلَلِهَا فِي الْمَحَالِّ بَعْدَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَيْسَ نَسْخًا وَإِنَّمَا النَّسْخُ تَجْدِيدُ حُكْمٍ مُطلقًا لا ترتبه عَلَى عِلَّةٍ لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً فِي زَمَانِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهُوَ مُبْتَكَرٌ رَتَّبْنَا عَلَيْهِ التَّحْرِيمَ وَلَمْ يَكُنْ نَسْخًا وَكَذَلِكَ لَوْ أَحْدَثُوا آلَةً مُطْرِبَةً أَوْ نَوْعًا مِنَ الْكُفْرِ لَمْ يُعْلَمْ أَنْكَرْنَا وَقَاتَلْنَا وَلَيْسَ نَسْخًا وَعَنِ الثَّانِي لَا يَسْتَقِيمُ تَرْتِيبُهُ عَلَى الْمِيرَاثِ بِدَلِيلِ النِّسْوَانِ وَالصِّبْيَانِ بَلْ عَلَى النُّصْرَةِ وَهِيَ مُشْتَرَكَةٌ بَلْ أَقْوَى كَمَا تَقَدَّمَ وَعَنِ الثَّالِثِ أَنَّ وِلَايَةَ النِّكَاحِ أَعْظَمُ رُتْبَةً لِدَرْءِ الْعَارِ عَنِ الْمُوَلِّيَةِ وَلِذَلِكَ قُدِّمَ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ وَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ فِي الْعَاقِلَةِ اتِّفَاقًا وَعَنِ الرَّابِعِ أَنَّ أَهْلَ الْمَحَلَّةِ بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةُ ثُمَّ إِنَّ تِلْكَ الْأَسْبَابَ لَيْسَ التَّنَاصُرُ لَازِمًا لَهَا قَدْ يَقَعُ وَقَدْ لَا يَقَعُ وَأَمَّا الدِّيوَانُ فَمُعَدٌّ لِلنُّصْرَةِ وَالْقِتَالِ عَنْ بَعْضِهِمْ.
فَائِدَةٌ:
الدِّيوَانُ قِيلَ إِن كسْرَى أنو شرْوَان اطلع على أهل حسابه فَقَالَ هَؤُلَاءِ ديواناه بِالْهَاءِ ثمَّ إِلَهًا لِطُولِ الِاسْتِعْمَالِ وَمَعْنَاهُ بِالْفَارِسِيَّةِ مَجَانِينُ وَقِيلَ شَيَاطِينُ وَالْعَقْلُ قِيلَ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ تَعْقِلُ لِسَانَ الطَّالِبِ وَقيل تعقل بِسَبَب الغرامة الْجِنَايَة وَقِيلَ لِأَنَّ غَالِبَهُ وَأَصْلَهُ الْإِبِلُ وَهِيَ يُؤْتَى بهَا معقولة فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ مَعَانٍ وَأَصْلُهُ الْمَنْعُ وَمِنْهُ الْعَقْلُ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الْعَاقِلَ مِنَ الْوُقُوعِ فِي الرَّذَائِلِ.