فصل: وَأَمَّا كَيْفِيَّةُ الْمَسْحِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الذخيرة (نسخة منقحة)



.وَأَمَّا كَيْفِيَّةُ الْمَسْحِ:

فَقَالَ فِي الْكِتَابِ يَمْسَحُ ظُهُورَ الْخُفَّيْنِ وَبُطُونَهُمَا وَلَا يَتَتَبَّعُ غُصُونَهُمَا وَهِيَ كَسْرُوهُمَا وَيَنْتَهِي إِلَى الْكَعْبَيْنِ مَارًّا عَلَى الْعَقِبَيْنِ من أَسْفَل وَمن فَوق وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يَمْسَحُ أَسْفَلَهُمَا وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالرَّأْيِ لَكَانَ أَسْفَلُ الْخُفِّ أَوْلَى مِنْ أَعْلَاهُ وَلَكِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ ظَهْرَ خُفَّيْهِ وَرُوِيَ أَيْضًا أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ يَمْسَحُ أَعْلَى الْخُفِّ وَأَسْفَلَهُ وَضَعَّفَهُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَخَالَفَ ابْنُ شَعْبَانَ فِي غُضُونِ الْخُفَّيْنِ وَالْجَبْهَةِ فِي التَّيَمُّمِ. حُجَّةُ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْغُضُونَ فِي حُكْمِ الْبَاطِنِ وَالْبَاطِنُ لَيْسَ مَحَلًّا لِلطَّهَارَةِ لِأَنَّ الْمَسْحَ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّخْفِيفِ.
فُرُوعٌ اثْنَا عَشَرَ:
الْأَوَّلُ:
قَالَ سَحْنُونُ فِي الْعُتْبِيَّةِ يَمْسَحُ عَلَى الْمَهَامِيزِ قَالَ الْبَاجِيُّ قَالَ ابْنُ مَسْلَمَةَ وَجَمَاعَةُ أَصْحَابِهِ لَا يَجِبُ الْإِيعَاب وَالْوَاجِب عِنْد الشَّافِعِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَقَلُّ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْم وَعند أبي حنيفَة ثَلَاثَةُ أَصَابِعَ وَعِنْدَ ابْنِ حَنْبَلٍ مَسْحُ أَكْثَرِهِ. حُجَّتُنَا أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ صَحَّ فِيهِ الْفِعْلُ وَجب إِذْ لوانتفى الْوُجُوبُ لَمَا صَحَّ أَصْلُهُ السَّاقُ وَإِذَا كَانَ الْوُجُوبُ مُتَقَرِّرًا فِي آخِرِ الْعُضْوِ وَجَبَ إِيعَابُهُ كَسَائِرِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ.
الثاني: صِفَةُ الْمَسْحِ فِي الْكِتَابِ وَضْعُ الْيَدِ الْيُمْنَى عَلَى أَطْرَافِ أَصَابِعِ الرِّجْلِ مِنْ ظَهْرِهَا وَالْيُسْرَى تَحْتَ أَصَابِعِهَا مَارًّا بِهِمَا إِلَى مَوْضِعِ الْوُضُوءِ قِيَاسًا عَلَى الْوُضُوءِ لِأَنَّهُ بَدَلُهُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَقِيلَ عَكْسُهُ وَعِنْدَ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ الْيُمْنَى عَلَى حَالَتِهَا وَالْيُسْرَى يَبْدَأُ بِهَا مِنَ الْعَقِبِ إِلَى الْأَصَابِعِ لِيَسْلَمَ مِنْ آثَارِ الْعَقِبِ وَهُوَ قَول الشَّافِعِي قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ قَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ ظَاهِرُ الْكِتَابِ يَقْتَضِي جَعْلَ الْيُمْنَى عَلَى أَعْلَى الْيُسْرَى وَيَفْعَلُ فِي الْيُسْرَى كَذَلِكَ وَهُوَ وَهْمٌ فَإِنَّ الْإِشَارَةَ إِلَى الْبِدَايَةِ فَقَطْ لِقَوْلِ مَالِكٍ فِي الْوَاضِحَةِ يَجْعَلُ الْيُمْنَى تَحْتَ الْيُسْرَى وَالْيُسْرَى مِنْ فَوْقِهَا لِأَنَّهُ أَمْكَنُ فِي مَسْحِهَا.
الثَّالِثُ:
قَالَ فِي الْكِتَابِ لَا يُجْزِئُ مَسْحُ الْبَاطِنِ عَنِ الظَّاهِرِ وَلَا الْعَكْسُ لَكِنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى الظَّاهِرِ يُوجِبُ الْإِعَادَةَ فِي الْوَقْتِ وَقَالَ سَحْنُونُ لَا يُعِيدُ مُطْلَقًا.
قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ: وَقَوْلُهُ لَا يُجْزِئُ يُحْتَمَلُ فِي الْفِعْلِ وَفِي الْحُكْمِ وَهُوَ قَول ابْن نَافِع وَيُعِيد عِنْد أَبَدًا وَهُوَ أَقْعَدُ بِأَصْلِ مَالِكٍ لِأَنَّ الْخُفَّ بَدَلٌ فَيَثْبُتُ لَهُ حُكْمُ مُبْدَلِهِ وَلِأَنَّهُ لَوِ انْخَرَقَ بَاطِنُهُ خَرْقًا فَاحِشًا لَا يَمْسَحُ عَلَيْهِ.
وَالْمَذْهَبُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ انْتَقَلَ إِلَى الْخُفِّ مِنْ حَيْثُ هُوَ خُفٌّ كَالتَّيَمُّمِ لَا يُرَاعَى فِيهِ مَوَاضِعُ الْوُضُوءِ وَلَا الْغُسْلُ فَلَوِ اقْتَصَرَ عَلَى الْأَسْفَلِ قَالَ لَا يُجْزِئُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقَالَ أَشْهَبُ يُجْزِئُهُ.
فَرْعٌ مُرَتَّبٌ:
قَالَ إِذَا قُلْنَا يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ قَالَ ابْنُ أبي زيد يُعِيد الْوضُوء لعدم المولاة وَيَتَخَرَّجُ فِيهِ قَوْلٌ بِإِعَادَةِ أَسْفَلِهِ وَحْدَهُ.
الرَّابِعُ:
قَالَ فِي الْكِتَابِ يُزِيلُ الطِّينَ مِنْ أَسْفَلِ الْخُفِّ لِيُصَادِفَهُ الْمَسْحُ فَلَوْ مَسَحَ الطِّينَ أَوْ غَسَلَهُ لِيَمْسَحَ الْخُفَّ ثُمَّ نَسِيَ لَمْ يُجْزِهِ وَيُعِيدُ الصَّلَاةَ لِعَدَمِ نِيَّةِ الطَّهَارَةِ قَالَهُ صَاحِبُ الطَّرَّازِ فَلَوْ غَسَلَ بِنِيَّةِ الْوُضُوءِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يُجْزِئُهُ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ الْإِعَادَةُ لِيَأْتِيَ بِالْمَشْرُوعِ غَيْرَ تَابِعٍ.
الْخَامِسُ:
قَالَ فِي الْكِتَابِ إِذَا لَبِسَ خُفَّيْنِ عَلَى خُفَّيْنِ مَسَحَ الْأَعْلَى وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ الْمَنْعَ. حُجَّةُ الْأَوَّلِ أَنَّ الْأَحَادِيثَ وَرَدَتْ مِنْ غَيْرِ اسْتِفْصَالٍ وَلِأَنَّ الضَّرُورَةَ كَمَا تَدْعُو الْخُف الْوَاحِد تَدْعُو الْخُفَّيْنِ.
قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَالْخِلَافُ إِنَّمَا هُوَ فِي لبسهما عقيب غَسْلٍ أَمَّا لَوْ لَبِسَ الْأَوَّلَ عُقَيْبَ غَسْلٍ وَالثَّانِيَ بَعْدَ مَسْحٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ قَوْلًا وَاحِدًا قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ يَنْبَغِي الْعَكْسُ وَحُجَّةُ الْمَنْعِ أَنَّ الْخُفَّ الْأَعْلَى إِنْ كَانَ بَدَلًا مِنَ الْأَسْفَلِ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ لِلْبَدَلِ بَدَلٌ وَهُوَ غَيْرُ مَعْهُودٍ أَوْ مِنَ الرَّجُلِ فَيَلْزَمُ أَلَّا يُعِيدَ الْمَسْحَ عَلَى الْأَسْفَلِ إِذَا نَزَعَ الْأَعْلَى.
السَّادِسُ:
قَالَ فِي الْكِتَابِ إِذَا مَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ ثُمَّ لَبِسَ أُخْرَى بَعْدَ الْمَسْحِ مَسَحَ عَلَى الْأُخْرَى لِقِيَامِ مَسْحِ الْخُفِّ مَقَامَ غَسْلِ الرِّجْلِ فِي رَفْعِ الْحَدَثِ وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ لَا يَمْسَحُ لِأَنَّ الْمَسْحَ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ لِوُجُوبِ الْغَسْلِ عِنْدَ النَّزْعِ فَلَا يَقُومُ مَقَامَ الْغَسْلِ كَالتَّيَمُّمِ وَفَرَّقَ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلُبْسِهِمَا بَعْدَ الْغَسْلِ لِأَنَّ الْغَسْلَ يَرْفَعُ الْحَدَثَ.
السَّابِعُ:
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْكِتَابِ إِذَا مَسَحَ الْأَعْلَى ثُمَّ نَزَعَهُ مَسَحَ الْأَسْفَلَ وَأَجْزَأَهُ خِلَافًا ح فَإِنْ أَخَّرَ ذَلِكَ أَعَادَ الْوُضُوءَ كَالَّذِي يفرق وضوءه وَرَأى أَبُو حنيفَة أَنَّ الْخُفَّيْنِ شَيْءٌ وَاحِدٌ بَدَلٌ مِنَ الرِّجْلِ فَإِذَا لَمْ تَظْهَرْ بَقِيَ حُكْمُ الْمَسْحِ وَفَرَّقَ بَيْنَ الْخُفَّيْنِ وَالْجُرْمُوقَيْنِ وَقَالَ يَمْسَحُ الْخُفَّ إِذَا نَزَعَ الْجُرْمُوقَ الْأَعْلَى لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَيُؤَيِّدُ قَوْلَهُ مَنْ مَسَحَ رَأْسَهُ ثُمَّ حَلَقَ شَعْرَهُ لَا يُعِيدُ مَسْحًا حُجَّتُنَا الْقِيَاسُ عَلَى مَنْ نَزَعَ الْخُفَّ عَنِ الرِّجْلِ وَعَلَى الْجَبَائِرِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَأَمَّا نَزْعُ خُفِّهِ بَعْدَ الْمَسْحِ فَثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ الْغَسْلُ لِمَالِكٍ وَالْوُضُوءُ لَهُ أَيْضًا وَلَا يَتَوَضَّأُ وَلَا يَغْسِلُ لِلْحُسْنِ حُجَّةُ الْمَشْهُورِ انْتِقَالُ حُكْمِ الْمَسْحِ لِلرِّجْلِ وَالرِّجْلُ لَا تُمْسَحُ فَتُغْسَلُ وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «إِذَا أَدْخَلْتَ رِجْلَيْكَ فِي الْخُفِّ وَهُمَا طَاهِرَتَانِ فَامْسَحْ عَلَيْهِمَا مَا شِئْتَ وَمَا بَدَا لَكَ مَا لَمْ تَخْلَعْهُمَا أَوْ تُصِيبَكَ جَنَابَةٌ» فَاشْتَرَطَ عَدَمَ النَّزْعِ وَالْقِيَاسُ عَلَى نزع العصائب.
حُجَّةُ الْوُضُوءِ أَنَّ الْمَسْحَ رَفْعُ الْحَدَثِ فَإِذَا نُزِعَ تَجَدَّدَ الْحَدَثُ وَهُوَ لَا يَتَبَعَّضُ لِأَنَّا لَا نَجِدُ شَيْئًا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ فِي عُضْوٍ دُونَ غَيْرِهِ فَيَعُمَّ فَيَجِبُ الْوُضُوءُ وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ النَّزْعَ لَيْسَ بِحَدَثٍ بَلِ الْحَدَثُ هُوَ مَا سَلَفَ وَقَدْ عُمِلَ بِمُوجَبِهِ إِلَّا غَسْلَ الرِّجْلِ أُبْدِلَ بِالْمَسْحِ فَإِذَا ذَهَبَ الْمَسْحُ أُكْمِلَتِ الطَّهَارَةُ بِالْغَسْلِ.
حُجَّةُ الثَّالِثِ الْقِيَاسُ عَلَى حَلْقِ الرَّأْسِ فَإِذَا قُلْنَا يَمْسَحُ عَلَى الْأَسْفَلِ فَنَزَعَ فَردا من الأعلين.
قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَمْسَحُ تِلْكَ الرِّجْلَ عَلَى الْأَسْفَلِ وَقَالَ سَحْنُونُ وَابْنُ حَبِيبٍ يَنْزِعُ الْأُخْرَى وَيَمْسَحُ الْأَسْفَلَيْنِ حُجَّةُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْمَلْبُوسَ بَاقٍ عَلَى حُكْمِ الْبِدَايَةِ وَالْقِيَاسُ عَلَى مَا إِذَا لَبِسَ ابْتِدَاءً عَلَى إِحْدَى رِجْلَيْهِ خُفَّيْنِ وَعَلَى رِجْلٍ خُفًّا وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ خَلْعِ أَحَدِ الْخُفَّيْنِ الْمُنْفَرِدَيْنِ أَنَّ الْخُفَّ بَاقٍ عَلَى الْبَدَلِيَّةِ وَهُنَاكَ بِالْخَلْعِ بَطَلَتِ الْبَدَلِيَّةُ بِسَبَبِ الْغَسْلِ فِي إِحْدَى الرِّجْلَيْنِ إِذْ لَا يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا.
حُجَّةُ سَحْنُونَ أَنَّ الطَّهَارَةَ لَا تَتَبَعَّضُ فِي الِانْتِقَاضِ وَالْخِفَافُ كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ فَيَبْطُلُ فِيهِمَا كَمَا لَوْ كَانَا عَلَى الرِّجْلَيْنِ وَإِذَا قُلْنَا يَمْسَحُ مَا تَحْتَ الْمَنْزُوعِ فَمَسَحَ ثُمَّ لَبِسَ الْمَنْزُوعَ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فِي العتيبة يُمْسَحُ عَلَيْهِ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى الرِّجْلِ الْأُخْرَى خُفًّا آخَرَ فَإِنَّ الْبَدَلِيَّةَ قَدْ حَصَلَتْ بِسَتْرِ الرِّجْلَيْنِ بِجِنْسِ الْخُفِّ.
الثَّامِنُ فِي الْجِلَابِ:
إِذَا كَانَ عَلَى كُلِّ رِجْلٍ خُفٌّ فَنَزَعَ إِحْدَى الرِّجْلَيْنِ نَزَعَ الْأُخْرَى وَغَسَلَ لِئَلَّا يَجْمَعَ الْبَدَلَ وَالْمُبْدَلَ وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْإِشْرَافِ عَنْ أَصْبَغَ يَمْسَحُ اللَّابِسَةَ وَيَغْسِلُ الْمَنْزُوعَةَ.
التَّاسِعُ:
لَوْ تَعَسَّرَ نَزْعُ الْخُفِّ الْبَاقِي قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ عَنْ بَعْضِ الشُّيُوخِ إِنَّهُ يَغْسِلُ الْمَنْزُوعَةَ وَيَمْسَحُ الْأُخْرَى عَلَى ذَلِكَ الْخُفِّ حِفْظًا لِمَالِيَّةِ الْخُفِّ وَقِيَاسًا عَلَى الْجَبِيرَةِ وَنُقِلَ عَنْ بَعْضِ الْبَغْدَادِيِّينَ مَنْعُ الْإِجْزَاءِ لِتَعَذُّرِ الْمَشْيِ عَلَى هَذِهِ الْهَيْئَة.
قَالَ ابْنُ شَاسٍ وَيَنْتَقِلُ إِلَى التَّيَمُّمِ وَاسْتَحْسَنَهُ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَقِيلَ يُمَزِّقُ الْخُفَّ تَرْجِيحًا لِجَانِبِ الْعِبَادَةِ عَلَى الْمَالِيَّةِ.
الْعَاشِرُ:
قَالَ فِي الْكِتَابِ كَانَ مَالِكٌ يَقُولُ يَمْسَحُ عَلَى الْجُرْمُوقَيْنِ أَسْفَلَهُمَا جِلْدٌ يَبْلُغُ مَوْضِعَ الْوُضُوءِ مَخْرُوزٌ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ.
قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَالْجُرْمُوقَانِ عَلَى ظَاهِرِ الْكِتَابِ الْجَوْرَبَانِ الْمُجَلَّدَانِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ هُمَا الْخُفَّانِ الْغَلِيظَانِ لَا سَاقَ لَهُمَا وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ هُوَ الْمَعْرُوفُ وَنَقَلَ ابْنُ بَشِيرٍ هُمَا خُفٌّ عَلَى خُفٍّ فَيَكُونُ فِيهِمَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ حُجَّةُ الْجَوَازِ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى الْجُرْمُوقَيْنِ وَالنَّعْلَيْنِ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ وَوُجْهَةُ الثَّانِي أَنَّ الْقُرْآنَ اقْتَضَى الْغَسْلَ فَلَا يُخْرَجُ عَنْهُ إِلَّا بِمُتَوَاتِرٍ مِثْلِهِ وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ لَمْ يُخَرِّجْهَا أَحَدٌ مِمَّنِ اشْتَرَطَ الصِّحَّةَ وَقَدْ ضَعَّفَهَا أَبُو دَاوُدَ بِخِلَافِ أَحَادِيثِ الْخُفَّيْنِ فَإِنَّهَا مُتَوَاتِرَةٌ وَلِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ اللفائف والفائف لَا يُمْسَحُ عَلَيْهَا وَأَمَّا مَا يُرْوَى عَنِ السَّلَفِ فَمَحْمُولٌ عَلَى الْمُجَلَّدَيْنِ وَيَتَخَرَّجُ هَذَا الْخِلَافُ أَيْضًا فِي الْقَاعِدَةِ الْأُصُولِيَّةِ وَهِيَ أَنَّ الرُّخَصَ إِذَا وَقَعَتْ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ هَلْ يُلْحَقُ بِهَا مَا فِي مَعْنَاهَا لِلْعِلَّةِ الْجَامِعَةِ بَيْنَهُمَا أَو يغلب بِالدَّلِيلِ الثَّانِي لِلْمُتَرَخِّصِ قَوْلَانِ. الْحَادِي عَشَرَ:
قَالَ فِي الْكِتَابِ إِذَا تَزَحْزَحَتْ رِجْلَاهُ إِلَى سَاقِ الْخُفِّ نَزَعَهُمَا وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ وَإِنْ خَرَجَ الْعَقِبَانِ إِلَى السَّاقِ قَلِيلًا وَالْقَدَمُ عَلَى حَالِهَا فَرَدَّهُمَا مَسَحَ لِأَنَّ الْأَوَّلَ يُعَدُّ خَلْعًا لَهُمَا بِخِلَافِ الثَّانِي قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ إِنْ كَانَ بِقَصْدِهِ أَخْرَجَ عَقِبَهُ خُرِّجَ عَلَى رَفْضِ الطَّهَارَةِ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ قَصْدِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.
الثَّانِي عَشَرَ فِي الْجَوَاهِرِ:
يُكَرَهُ التَّكْرَارُ وَالْغَسْلُ فِيهِمَا وَيُجْزِئُ إِن فعل.
وَقَدْ تَقَدَّمَ خِلَافُ ابْنِ حَبِيبٍ فِي الْغَسْلِ وَسَبَبُ الْكَرَاهَةِ فِي التَّكْرَارِ أَنَّ الْغَسْلَ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّخْفِيفِ وَالتَّكْرَارُ يُنَافِيهِ وَلِأَنَّ الْعَمَلَ فِي السُّنَّةِ عَلَى خِلَافِهِ وَأَمَّا الْغَسْلُ فَلِأَنَّ الْمَسْحَ أَوَّلُ مَرَاتِبِ الْغَسْلِ فَيَقَعُ الْمَأْمُورُ بِهِ تَبَعًا وَالْأَصْلُ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودًا.

.الْبَابُ الْخَامِسُ: فِي بَدَلِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَهُوَ التَّيَمُّمُ:

وَهُوَ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ لُطْفًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى بِهَا وَإِحْسَانًا إِلَيْهَا وَلِيَجْمَعَ لَهَا فِي عِبَادَتِهَا بَيْنَ التُّرَابِ الَّذِي هُوَ مَبْدَأُ إِيجَادِهَا وَالْمَاءِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ اسْتِمْرَارِ حَيَاتِهَا إِشْعَارًا بِأَنَّ هَذِهِ الْعِبَادَةَ سَبَبُ الْحَيَاةِ الْأَبَدِيَّةِ وَالسَّعَادَةِ السَّرْمَدِيَّةِ جَعَلَنَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْ أَهْلِهَا مِنْ غَيْرِ مِحْنَةٍ وَهُوَ فِي اللُّغَةِ مِنَ الْأَمِّ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَهُوَ الْقَصْدُ يُقَالُ أَمَّهُ وَأَمَمَهُ وَتَأَمَّمَهُ إِذَا قَصَدَهُ وَأَمَّهُ أَيْضًا شَجَّهُ فِي وَسَطِ رَأْسِهِ وَمِنَ الْأَوَّلِ قَوْله تَعَالَى {وَلَا تيمموا الْخَبيث مِنْهُ تنفقون} أَيْ لَا تَقْصِدُوهُ ثُمَّ نُقِلَ فِي الشَّرْعِ لِلْفِعْلِ الْمَخْصُوصِ وَأَوْجَبَهُ لِتَحْصِيلِ مَصَالِحِ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ قبل خواتها وَلَوْلَا ذَلِكَ لَأُمِرَ عَادِمُ الْمَاءِ بِتَأْخِيرِ الصَّلَاةِ حَتَّى يَجِدَ الْمَاءَ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اهْتِمَامَ الشَّرْعِ بِمَصَالِحِ الْأَوْقَاتِ أَعْظَمُ مِنَ اهْتِمَامِهِ بِمَصَالِحِ الطَّهَارَةِ فَإِنْ قُلْتَ فَأَيُّ مَصْلَحَةٍ فِي إِيقَاعِ الصَّلَاةِ فِي وَقْتِهَا دُونَ مَا قَبْلَهُ وَبعده مَعَ جَزْمِ الْعَقْلِ بِاسْتِوَاءِ أَفْرَادِ الْأَزْمَانِ قُلْتُ اعْتَمَدَ الْعُلَمَاءُ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ وَهُوَ أَنَّا اسْتَقْرَأْنَا عَادَةَ اللَّهِ تَعَالَى فِي شَرْعِهِ فَوَجَدْنَاهُ جَالِبًا لِلْمَصَالِحِ وَدَارِئًا لِلْمَفَاسِدِ وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إِذَا سَمِعْتَ نِدَاءَ اللَّهِ تَعَالَى فَارْفَعْ رَأْسَكَ فَتَجِدُهُ إِمَّا يَدْعُوكَ لِخَيْرٍ أَوْ لِيَصْرِفَكَ عَنْ شَرٍّ فَمِنْ ذَلِكَ إِيجَابُ الزَّكَوَاتِ وَالنَّفَقَاتِ لِسَدِّ الْخَلَّاتِ وأروش الْجِنَايَات جبرا للملتفات وَتَحْرِيمُ الْقَتْلِ وَالزِّنَا وَالْمُسْكِرِ وَالسَّرِقَةِ وَالْقَذْفِ صَوْنًا لِلنُّفُوسِ وَالْأَنْسَابِ وَالْعُقُولِ وَالْأَمْوَالِ وَإِعْرَاضًا عَنِ الْمُفْسِدَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَصَالِحِ الدُّنْيَوِيَّاتِ وَالْأُخْرَوِيَّاتِ وَنَحْنُ نَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ الْمَلِكَ إِذَا كَانَ مِنْ عَادَتِهِ إِكْرَامُ الْعُلَمَاءِ وَإِهَانَةُ الْجُهَلَاءِ ثُمَّ رَأَيْنَاهُ خَصَّصَ شَخْصًا بِالْإِكْرَامِ وَنَحْنُ لَا نَعْرِفُ حَالَهُ فَإِنَّهُ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّنَا أَنَّهُ عَالِمٌ عَلَى جَرَيَانِ الْعَادَةِ وَكَذَلِكَ مَا تُسَمِّيهِ الْفُقَهَاءُ بِالتَّعَبُّدِ مَعْنَاهُ أَنَا لَا نَطَّلِعُ عَلَى حِكْمَتِهِ وَإِنْ كُنَّا نَعْتَقِدُ أَنَّ لَهُ حِكْمَةً وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا حِكْمَةَ لَهُ وَلِأَجْلِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ أَمَرَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ فِي الْوَقْتِ لِتَرْكِ السُّنَنِ لِأَنَّ الْإِعَادَةَ حِينَئِذٍ تُحَصِّلُ مَصْلَحَةَ الْوَقْتِ وَالسُّنَّةِ وَمَجْمُوعُهُمَا مُهِمٌّ بِخِلَافِ خَارِجِ الْوَقْتِ لِذَهَابِ مَصْلَحَةِ الْوَقْتِ وَلَا يَلْزَمُ مِنَ الِاهْتِمَامِ بِمَجْمُوعِ مَصْلَحَتَيْنِ الِاهْتِمَامُ بِإِحْدَاهُمَا ثُمَّ يَبْحَثُ الْفُقَهَاءُ فِي هَذَا الْبَابِ فِي أَسْبَابِهِ وَالَّذِي يُؤْمَرُ بِالتَّيَمُّمِ مَنْ هُوَ وَالَّذِي يُتَيَمَّمُ بِهِ وَصِفَةِ التَّيَمُّمِ وَالْمُتَيَمَّمِ لَهُ وَوَقْتِ التَّيَمُّمِ وَالْأَحْكَامِ التَّابِعَةِ لِلتَّيَمُّمِ فَهَذِهِ فُصُولٌ سَبْعَةٌ:

.الْفَصْلُ الْأَوَّلُ: فِي أَسْبَابِهِ:

وَهِيَ سِتَّةٌ:

.الْأُولَى: عَدَمُ الْوِجْدَانِ لِلْمَاءِ:

وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ عِنْدَ بَذْلِ الْجُهْدِ فِي الطَّلَبِ فِي حَقِّ مَنْ يُمْكِنُهُ اسْتِعْمَالُهُ وَيَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الطَّلَبِ إِلَى حِينِ الصَّلَاةِ أَنَّ الْوُضُوءَ وَاجِبٌ إِجْمَاعًا فَيَجِبُ طَلَبُ الْمَاءِ لِأَنَّ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ الْمُطْلَقُ إِلَّا بِهِ وَهُوَ مَقْدُورٌ لِلْمُكَلَّفِ فَهُوَ وَاجِبٌ فَيَكُونُ طَلَبُ الْمَاءِ وَاجِبًا حَتَّى يَتَبَيَّنَ الْعَجْزُ فَيَتَيَمَّمُ حِينَئِذٍ وَلِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ قَوْله تَعَالَى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاء} أَيْ بَعْدَ الطَّلَبِ.
قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ: الطَّلَبُ الْوَاجِبُ عَلَى قَدْرِ الْوُسْعِ وَالْحَالَةِ الْمَوْجُودَة فقد روى ابْن الْقَاسِم فِي العتيبة لَا بَأْسَ بِسُؤَالِ الْمُسَافِرِ أَصْحَابَهُ الْمَاءَ فِي مَوضِع يكثر فِيهِ أما مَوضِع يعْدم فَلَا وَرَوَى أَشْهَبُ إِنَّمَا يَطْلُبُهُ مِمَّنْ يَلِيهِ ويرجوه فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَن يطْلب أَرْبَعِينَ رَجُلًا وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ وَأَصْبَغُ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ يَطْلُبُ فِي الرُّفْقَةِ الْعَظِيمَةِ مِمَّنْ حَوْلَهُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَقَدْ أَسَاءَ وَلَا يُعِيدُ وَإِنْ كَانَتِ الرُّفْقَةُ يَسِيرَةً وَلَمْ يَطْلُبْهُ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ وَالرَّجُلَانِ وَشِبْهُهُمَا وَهُمْ مُتَقَارِبُونَ فَلْيُعِدْ أَبَدًا لِكَثْرَةِ الرَّجَاءِ وَقَالُوا الْمَرْأَةُ الَّتِي لَا تَخْرُجُ تُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ إِلَى آخِرِ الْوَقْتِ ثُمَّ تَخْرُجُ فَتَطْلُبُ إِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَفِي الْجَوَاهِرِ أَرْبَعُ حَالَاتٍ:
إِحْدَاهُمَا تَحَقُّقُ الْعَدَمِ حَوْلَهُ فَيَتَيَمَّمُ مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ.
الثَّانِيَةُ: أَنْ يَتَوَهَّمَهُ حَوْلَهُ فَلْيَفْحَصْ فَحْصًا لَا مَشَقَّةَ فِيهِ وَهَذَا يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْقَوِيِّ وَالضَّعِيفِ وَالرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ.
الثَّالِثَةُ: أَنْ يَعْتَقِدَ قُرْبَهُ فَيَلْزَمُهُ السَّعْيُ لَهُ وَحَدُّ الْقُرْبِ عَدَمُ الْمَشَقَّةِ وَفَوَاتِ الرُّفْقَةِ وَرُوِيَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمَوَّازِ مَنْ شَقَّ عَلَيْهِ نِصْفُ الْمِيلِ فَقَالَ سَحْنُونُ لَا يَعْدِلُ لِلْمِيلَيْنِ وَإِنْ كَانَ آمِنًا لِأَنَّ الْبُعْدَ يُؤَدِّي إِلَى خُرُوجِ وَقْتِ الصَّلَاةِ وَقَالَ فِي الْكِتَابِ إِذَا غَابَتِ الشَّمْسُ وَقَدْ خَرَجَ مِنْ قَرْيَةٍ يُرِيدُ قَرْيَةً أُخْرَى وَهُوَ غَيْرُ مُسَافِرٍ إِنْ طَمِعَ فِي الْمَاءِ قَبْلَ مَغِيبِ الشَّفَقِ مَضَى إِلَيْهِ وَإِلَّا تَيَمَّمَ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ وَقْتَ الْمَغْرِبِ الِاخْتِيَارِيَّ إِلَى مَغِيبِ الشَّفَقِ وَهُوَ مَذْهَبُهُ فِي الْمُوَطَّأِ فَإِنَّ التَّيَمُّمَ لَا يُؤَخِّرُ عَنْ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ وَلَوْ جَازَ ذَلِكَ لَجَازَ بَعْدَ الشَّفَقِ فَعَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ امْتِدَادِهِ لَا يُؤَخِّرُ تَيَمُّمَهُ إِلَى الشَّفَقِ قَالَ التُّونِسِيُّ وَيَتَخَرَّجُ فِيهَا قَوْلٌ آخَرُ بِالتَّأْخِيرِ إِلَى مَا بَعْدَ الشَّفَقِ لِقَوْلِهِ: فِي الْحَضَرِ، بِخِلَافِ إِنْ رَفَعَ الْمَاءَ مِنَ الْبِئْرِ أَوْ ذَهَبَ إِلَى النَّهْرِ أَنَّهُ لَا يَتَيَمَّمُ وَكَذَلِكَ خَرَّجَهُ ابْنُ حَبِيبٍ أَيْضًا قَالَ وَهُوَ عِنْدِي لَا يَصِحُّ لِغَلَبَةِ الْمَاءِ فِي الْحَضَرِ بِخِلَافِ الصَّحْرَاءِ مَا بَيْنَ الْقَرْيَتَيْنِ.
حُجَّةُ الْمَذْهَبِ قَوْله تَعَالَى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} وَهُوَ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ وِجْدَانُهُ وَرَوَى مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ قَالَ أَقْبَلْتُ أَنَا وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ مِنَ الْجُرُفِ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْمِرْبَدِ تَيَمَّمَ فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ ثُمَّ صَلَّى وَالْمِرْبَدُ مِنَ الْمَدِينَةِ عَلَى مِيلَيْنِ.
قَالَ الْقَاضِي فِي التَّنْبِيهَاتِ: الْجُرُفُ بِضَمِّ الْجِيمِ وَالرَّاءِ وَالْمِرْبَدُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَالْبَاءِ بِوَاحِدَةٍ مِنْ تَحْتِهَا وَلِأَنَّ التَّيَمُّمَ إِنَّمَا يُشْرَعُ لِتَحْصِيلِ مَصْلَحَةِ الْوَقْتِ قَالَ سَحْنُونُ لَا يَعْدِلُ الْخَارِجُ مِنَ الْقرْيَة إِلَى ميل وَكَذَلِكَ الْمُسَافِر يُرِيد لَا يَخْرُجُ عَنْ مَقْصِدِهِ وَهُوَ لَا يُخَالِفُ قَوْلَ مَالِكٍ فَإِنَّ قَوْلَ مَالِكٍ مَحْمُولٌ عَلَى الَّذِي يَكُونُ ذَلِكَ قَصْدُهُ.
الرَّابِعَةُ: أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ حَاضِرًا لَكِنْ لَيْسَ لَهُ آلَةٌ تُوصِلُ إِلَيْهِ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ لِأَنَّهُ فَاقِدٌ وَلَوْ وَجَدَهُ لَكِنْ إِنِ اشْتَغَلَ بِالنَّزْعِ خَرَجَ الْوَقْتُ قَالَ فِي الْكِتَابِ يُعَالِجُهُ عِنْدَ الْمَغَارِبَةِ وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ وَيَتَيَمَّمُ عِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ وَلَوْ كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ لَكِنْ لَوِ اسْتَعْمَلَهُ خَرَجَ الْوَقْتُ.
قَالَ ابْنُ شَاسٍ: يَسْتَعْمِلُهُ عِنْدَ الْمَغَارِبَةِ لِأَنَّهُ وَاجِدٌ وَيَتَيَمَّمُ عِنْدَ الْقَاضِي أَبِي مُحَمَّدٍ وَحَكَاهُ الْأَبْهَرِيُّ رِوَايَةً.
قَالَ ابْنُ يُونُسَ: وَلَا فَرْقَ عِنْدِي بَيْنَ تَشَاغُلِهِ بِاسْتِعْمَالِهِ أَوْ بِاسْتِخْرَاجِهِ مِنَ الْبِئْرِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ الصَّلَاةُ فِي الْوَقْتِ قَالَ وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ وَالْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ وَفَرَّقَ ابْنُ الْقَصَّارِ أَيْضًا فَقَالَ فِي الْجُمُعَةِ يَتَوَضَّأُ وَلَوْ خَافَ فَوَاتَهَا لِأَنَّ الظُّهْرَ هِيَ الْأَصْلُ وَوَقْتُهَا بَاقٍ وَسَوَّى بَيْنَهُمَا بَعْضُ الْأَصْحَابِ بِجَامِعِ الْفَرِيضَةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَتَيَمَّمُ وَيُعِيدُ الصَّلَاةَ احْتِيَاطًا قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي النُّكَتِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ النَّزْعِ مِنَ الْبِئْرِ وَالِاسْتِعْمَالِ أَنَّ الْمُسْتَعْمِلَ وَاجِدٌ وَالنَّازِحَ فَاقِدٌ وَإِنَّمَا هُوَ يَتَسَبَّبُ لِيَجِدَ.
فَرْعَانِ:
الْأَوَّلُ:
لَوْ كَانَ مَعَ ثَلَاثَةِ نَفَرٍ قدر كِفَايَة أحدهم مَاء وأحدهم جنب وَالْآخَرُ مُحْدِثٌ وَالثَّالِثُ مَيِّتٌ.
قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ الْحَيُّ أَوْلَى وَيُيَمَّمُ الْمَيِّتُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ لِلْمَيِّتِ لِأَنَّ الْحَيَّ يُصَلِّي بِطَهَارَتِهِ عَلَى الْمَيِّتِ وَغَيْرِهَا مِنَ الصَّلَوَاتِ وَالْمَيِّتِ يُصَلَّى عَلَيْهِ بِهَا فَقَطْ وَلِأَنَّ حَالَةَ طَهَارَةِ الْحَيِّ تَعُودُ عَلَى الْمَيِّتِ وَحَالَ طَهَارَةِ الْمَيِّتِ لَا تَعُودُ عَلَى الْحَيِّ فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ لِلْمَيِّتِ وَاحْتَاجَ إِلَيْهِ الْحَيُّ لِيَشْرَبَهُ أَخَذَهُ وَيُقَوَّمُ بِثَمَنِهِ لِلْوَارِثِ وَلَيْسَ لَهُ دَفْعُ مِثْلِهِ إِذَا رَجَعَ إِلَى بَلَدِهِ وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ بَيْنَهُمَا فَالْحَيُّ أَوْلَى بِهِ وَقَالَ الْقَاضِي الْمَيِّتُ أَوْلَى بِهِ فَعَلَى الْبَحْثِ الْأَوَّلِ إِذَا كَانَ مَعَ رَجُلٍ مَا يَغْتَسِلُ بِهِ وَوَجَدَ جُنُبًا وَمَيِّتًا يَكُونُ الْحَيُّ أَوْلَى بِهِبَتِهِ مِنَ الْمَيِّتِ خِلَافًا ش فِي قَوْلِهِ إِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ طَهَارَةِ الْمَيِّتِ النَّظَافَةُ وَلَا تَحْصُلُ إِلَّا بِالْمَاءِ وَطَهَارَةُ الْحَيِّ الْمَقْصُودُ مِنْهَا الْإِبَاحَةُ وَالتَّيَمُّمُ كَافٍ فِي ذَلِكَ وَلِأَنَّهُ آخِرُ عَهْدِهِ مِنَ الدُّنْيَا بِالطَّهَارَةِ وَالْحَيُّ يَتَطَهَّرُ بَعْدَ ذَلِكَ وَجَوَابُ الْأَوَّلِ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِطَهَارَةِ الْمَيِّتِ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَالنَّظَافَةُ تَبَعٌ وَلِهَذَا إِذَا لَمْ يُوجَدِ الْمَاءُ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ حَتَّى يُيَمَّمَ وَكَذَلِكَ الشَّهِيدُ لَمَّا لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ لَمْ يُغَسَّلْ وَعَنِ الثَّانِي أَنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ آخِرُ عَهْدِهِ مِنَ الصَّلَوَاتِ فَيَنْبَغِي أَنْ تَكْمُلَ وَالْجُنُبُ أَوْلَى مِنَ الْمُحْدِثِ لِعُمُومِ مَنْعِ الْجَنَابَةِ وَلِأَنَّ الْجُنُبَ مُسْتَعْمِلٌ جُمْلَةَ الْمَاءِ وَالْمُحْدِثَ يَتْرُكُ بَعْضَهُ بِلَا انْتِفَاعٍ وَعَلَى هَذَا لَوِ اجْتَمَعَ جُنُبٌ وَحَائِضٌ هَلْ تَكُونُ الْحَائِضُ أَوْلَى لِكَوْنِهَا تَسْتَفِيدُ بِالْغُسْلِ أَكْثَرَ مِنَ الْجُنُبِ أَوْ يَسْتَوِيَانِ؟ وَهُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّ الْغُسْلَ وَاحِدٌ بِخِلَافِ الْوُضُوءِ فَإِنَّهُ بَعْضُ الْغُسْلِ لِلْجَنَابَةِ.
الثَّانِي:
قَالَ فِي الْكِتَابِ إِذَا كَانَ مَعَهُ مَا يَكْفِيهِ لِلْوُضُوءِ وَهُوَ جُنُبٌ تَيَمَّمَ وَلَا يَتَوَضَّأُ فِي أَوَّلِ تَيَمُّمِهِ وَلَا ثَانِيهِ وَيَغْسِلُ بِذَلِكَ الْمَاءِ النَّجَاسَةَ خِلَافًا ش فِي أَمْرِهِ بِالْوُضُوءِ حَتَّى يَصِيرَ فَاقِدًا لِلْمَاءِ لَنَا أَنَّهُ بَدَلٌ وَالْبَدَلُ هُوَ الَّذِي شَأْنُهُ أَنْ يَحِلَّ مَحَلَّ الْمُبْدَلِ وَلَا يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا وَالْفَرْقُ بَيْنَ صُورَةِ النِّزَاعِ وَالْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ فِي كَوْنِهِ يَجْمَعُ بَيْنَ مَسْحِهِ وَغَسْلِ غَيْرِهِ أَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ لَا عَنِ الْمَغْسُولِ وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ النَّجَاسَةِ أَنَّ الْمَاءَ يُطَهِّرُ مِنَ الْخَبَثِ كُلَّ مَوْضِعٍ غُسِلَ بِهِ وَلَوْ قَلَّ بِخِلَافِ الْمُحْدِثِ لَا تَحْصُلُ طَهَارَتُهُ إِلَّا بِجُمْلَةِ الْغُسْلِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْغُسْلِ لِلْجَنَابَةِ وَالتَّيَمُّمِ لِلْجَنَابَةِ فِي كَوْنِ الْوُضُوءِ شُرِّعَ مَعَ الْغُسْلِ دُونَ التَّيَمُّمِ أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْوُضُوءَ مِنْ جِنْسِ الْغُسْلِ شُرِّعَ بَيْنَ يَدَيْهِ أُهْبَةً لَهُ كَالْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ قَبْلَ الْوُضُوءِ وَالْإِقَامَةِ بَيْنَ يَدَيِ الصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ بَيْنَ يَدَيِ النَّجْوَى وَهُوَ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ التَّيَمُّمِ فَلَا يُشْرَعُ تَهَيُّؤًا لَهُ وَثَانِيهِمَا أَنَّ أَعْضَاءَ الْوُضُوءِ أَشْرَفُ الْجَسَدِ لِكَوْنِهَا مَوْضِعَ التَّقَرُّبِ إِلَى اللَّهِ فَكَانَتِ الْبَدَاءَةُ بِهِ أَوْلَى وَالتَّيَمُّمُ شُرِعَ فِي عُضْوَيْنِ مِنْهَا فَالْوُضُوءُ يَأْتِي عَلَيْهِمَا وَعَلَى غَيْرِهِمَا فَلَا مَعْنَى لِلْبِدَايَةِ بِالْوُضُوءِ.