فصل: الباب الثَّانِي فِي شُرُوطِهِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الذخيرة (نسخة منقحة)



.الباب الثَّانِي فِي شُرُوطِهِ:

وَهِيَ تِسْعَةٌ وَهِيَ كُلُّهَا لِلْوُجُوبِ إِلَّا النِّيَّةَ:

.الشَّرْطُ الْأَوَّلُ الْبُلُوغُ:

وَسَيَأْتِي صَوْمُ الصِّبْيَانِ فِي بَابِ التَّطَوُّعِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

.الشَّرْطُ الثَّانِي الْعَقْلُ:

وَفِي الْجَوَاهِرِ الْجُنُونُ يَمْنَعُ الصِّحَّةَ بِخِلَافِ اسْتِتَارِهِ بِالنَّوْمِ مُطْلَقًا أَوْ بِالْإِغْمَاءِ عَلَى تَفْصِيلٍ يَأْتِي وَفِي الْكِتَابِ إِنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ جُمْلَةَ النَّهَارِ أَوْ أَكْثَرَهُ لَمْ يُجْزِهِ صَوْمُهُ وَإِنْ مَضَى أَكْثَرُهُ قَبْلَ الْإِغْمَاءِ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْفَجْرِ إِلَى نِصْفِهِ أَوْ نَامَ جَمِيعَهُ أَجْزَأَهُ قَالَ سَنَدٌ إِنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْفَجْرِ حَتَّى طلع فَالْمَشْهُورُ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَلَا يَلْزَمُهُ الْكَفُّ وَقَالَ أَشْهَبُ يُجْزِئُهُ وَقَالَ (ح) يُجْزِئُهُ مُطْلَقًا وَلَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ جُمْلَةَ الشَّهْرِ لِأَنَّ مَا لَا يُبْطِلُ الصَّوْمَ قَلِيلُهُ لَا يُبْطِلُهُ كَثِيرُهُ كَالسَّفَرِ وَالنَّوْمُ عَكْسُهُ الْحَيْضُ وَقَالَ الْقَاضِي إِسْمَاعِيلُ يَسِيرُهُ يُفْسِدُهُ وَلَوْ فِي وَسَطِ النَّهَارِ كَالْحَيْضِ وَقَالَ (ش) وَابْنُ حَنْبَلٍ تَكْفِي إِفَاقَتُهُ فِي جُزْءٍ مِنَ النَّهَارِ لِتَحْصُلَ النِّيَّةُ.
تَمْهِيدٌ:
الْإِغْمَاءُ يُشْبِهُ النَّوْمَ مِنْ جِهَةِ عَدَمِ الْعَقْلِ وَيُشْبِهُ الْحَيْضَ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُنَافٍ لِلصَّلَاةِ فَمَنْ غَلَّبَ شَبَهَ النَّوْمِ لَمْ يُبْطِلْ مُطْلَقًا أَوْ شَبَهَ الْحَيْضِ أَبْطَلَ مُطْلَقًا وَمَنْ سَوَّى رَجَّحَ بِأَمْرٍ خَارِجٍ وَهُوَ أكثرية النَّهَار وَأَن لَا يُصَادِفَ أَوَّلَ أَجْزَاءِ الْعِبَادَةِ فَإِنَّ عَدَمَهُ شَرْطٌ وَشَأْنُ الشَّرْطِ التَّقَدُّمُ عَلَى أَوَّلِ الْأَجْزَاءِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَاحَظَ وُجُودَ النِّيَّةِ فَقَطْ مَعَ تَجْوِيزِ إِيقَاعِهَا عِنْدَهُ فِي النَّهَارِ قَالَ اللَّخْمِيُّ وَالْحُكْمُ فِي الْجُنُونِ قَبْلَ الْفَجْرِ أَوْ بَعْدَهُ أَيْسَرَ النَّهَارِ أَوْ أَكْثَرَهُ مِثْلُ الْإِغْمَاءِ وِفَاقًا وَخِلَافًا وَهَذَا خِلَافُ مَا فِي الْجَوَاهِرِ وَالْجُلَّابِ وَالتَّنْبِيهِ لِأَبِي الطَّاهِرِ فَإِنَّهُمْ قَسَّمُوا الْإِغْمَاءَ وَلَمْ يُقَسِّمُوا الْجُنُونَ وَوَافَقَهُمَا صَاحِبُ التَّلْقِينِ فَقَالَ الْجُنُونُ وَالْإِغْمَاءُ يَمْنَعَانِ مِنَ ابْتِدَاءِ الصَّوْمِ وَقَدْ يَمْنَعَانِ مِنَ اسْتِصْحَابِهِ عَلَى وَجْهِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يُعْتَبَرُ فِي الْإِغْمَاءِ الْمَرَضُ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ إِنْ كَانَ مَرَضٌ أَجْزَأَهُ وَلَوْ طَلَعَ الْفَجْرُ عَلَيْهِ كَذَلِكَ قَالَ اللَّخْمِيُّ وَلَوْ طَلَعَ الْفَجْرُ عَلَى مَنْ أَذْهَبَ عَقْلَهُ السُّكْرُ لَمْ يُجْزِهِ صَوْمُ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ فِطْرُ بَقِيَّتِهِ وَفِي الْكِتَابِ لَوْ بَلَغَ مُطَبِّقًا سِنِينَ قَضَى الصَّوْمَ دُونَ الصَّلَاةِ وَلَا يَقْضِي عِنْدَ (ح وش) كَالصِّبَا لَنَا أَنَّهُ مَرَضٌ فَيَنْدَرِجُ فِي قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سفر فَعدَّة من أَيَّام أخر} قَالَ سَنَدٌ وَكَذَلِكَ لَوْ بَلَغَ عَاقِلًا ثُمَّ جُنَّ وَفِي الْجُلَّابِ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ فِيمَا أَظُنُّهُ إِنْ بَلَغَ مَجْنُونًا فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ لِاسْتِقْرَارِ عَدَمِ التَّكْلِيفِ عَلَيْهِ وَإِذَا قُلْنَا بِالْقَضَاءِ قَالَ مَالِكٌ إِنَّمَا يَقْضِي مِثْلَ الْخَمْسِ سِنِينَ فَأَمَّا الْعَشَرَةُ فَلَا لِكَثْرَةِ الْمَشَقَّةِ قَالَ أَبُو الطَّاهِرِ إِنْ بَلَغَ غَيْرَ مُطْبِقٍ وَقَلَّتِ السُّنُونُ وَجَبَ الْقَضَاءُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَثُرَتِ السُّنُونُ فَفِي الْمَذْهَبِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ الْقَضَاءُ مُطْلَقًا وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَنَفْيُهُ مُطْلَقًا وَنَفْيُهُ مَعَ كَثْرَةِ السِّنِينَ نَحْوَ الْعَشَرَةِ.

.الشَّرْطُ الثَّالِثُ:

الْإِسْلَامُ وَكَوْنُهُ شَرْطًا فِي الْوُجُوبِ يَتَخَرَّجُ عَلَى كَوْنِهِمْ مُخَاطَبِينَ بِالْفُرُوعِ وَفِي الْكِتَابِ مَنْ أَسْلَمَ فِي رَمَضَانَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا مَضَى مِنْهُ وَالْأَحْسَنُ قَضَاءُ يَوْمِ إِسْلَامِهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم -: «الْإِسْلَامُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ».

.الشَّرْطُ الرَّابِعُ:

الطَّهَارَةُ مِنَ الْحَيْضِ بِخِلَافِ الْجَنَابَةِ لقَوْله تَعَالَى {فَالْآن باشروهن} إِلَى قَوْله تَعَالَى {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَض من الْخَيط الْأسود من الْفجْر} وَلَوْلَا ذَلِكَ لَوَجَبَ الْإِمْسَاكُ قَبْلَ الْفَجْرِ لِلْغُسْلِ وَفِي الْمُوَطَّأِ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ جِمَاعٍ غَيْرِ احْتِلَامٍ فِي رَمَضَانَ ثُمَّ يَصُومُ وَفِي الْكِتَابِ إِنْ رَأَتِ الطُّهْرَ قَبْلَ الْفَجْرِ اغْتَسَلَتْ بَعْدَهُ وَأَجْزَأَهَا الصَّوْمُ وَإِلَّا أَكَلَتْ ذَلِكَ الْيَوْمَ قَالَ سَنَدٌ قَالَ ابْنُ مَسْلَمَةَ إِنْ أَخَّرَتْهُ بِتَفْرِيطٍ لَمْ يُجْزِهَا وَقِيلَ لَا يُجْزِيهَا بِحَالٍ تَسْوِيَةً بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَقَالَ مَالِكٌ أَيْضًا إِنْ أَمْكَنَهَا الْغُسْلُ فَلم تفعل وَإِن كَانَ الْوَقْتُ ضَيِّقًا لَا يَسَعُ فَلَا لِأَنَّ التَّمَكُّنَ مِنَ الطِّهَارَةِ شَرْطٌ فِي الصَّلَاةِ فَيَكُونُ شَرْطًا فِي الصَّوْمِ وَقِيلَ تَصُومُ وَتَقْضِي احْتِيَاطًا وَفِي الْكِتَابِ إِنْ شَكَّتْ فِي تَقَدُّمِ الطُّهْرِ قَبْلَ الْفَجْرِ صَامَتْ وَقَضَتْ قَالَ قَالَ الْبَاجِيُّ من الْأَصْحَابِ مَنْ قَالَ هَذِهِ رِوَايَةٌ بِأَنَّ الْحُيَّضَ لَا تَقْطَعُ النِّيَّةَ السَّابِقَةَ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بَلْ رِوَايَةٌ فِي جَوَازِ الصَّوْمِ بِنِيَّةٍ مِنَ النَّهَارِ قَالَ سَنَدٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ مَالِكًا لَمْ يُعَيِّنْ ذَلِكَ وَسَطَ الشَّهْرِ فَيَصِحُّ الْأَوَّلُ وَلَا قَالَ يُجْزِيهَا الصَّوْمُ فَيَصِحُّ الثَّانِي بَلْ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِالصَّوْمِ الْإِمْسَاكَ فَلَمْ يُخَالِفْ أَصْلَهُ.

.الشَّرْطُ الْخَامِسُ الْقُدْرَةُ:

قَالَ اللَّخْمِيُّ الْمَرَضُ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ خَفِيفٌ لَا يَشُقُّ مَعَهُ الصَّوْمُ وَشَاقٌّ لَا يَتَزَيَّدُ بِالصَّوْمِ وَشَاقٌّ يَتَزَيَّدُ أَوْ تَنْزِلُ عِلَّةٌ أُخْرَى وَشَاقٌّ يُخْشَى طُولُهُ بِالصَّوْمِ فَحُكْمُ الْأَوَّلِ كَالصَّحِيحِ وَالثَّانِي التَّخْيِيرُ بَيْنَ الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ وَالثَّالِثُ وَالرَّابِعُ لَيْسَ لَهُمَا الصَّوْمُ فَإِنْ صَامَا أَجْزَأَهُمَا وَالضَّعِيفُ الْبِنْيَةِ إِنْ لَمْ يُجْهِدْهُ الصَّوْمُ لَزِمَهُ وَإِنْ أَجْهَدَهُ فَقَطْ كَانَ مُخَيَّرًا أَوْ خَافَ حُدُوثَ عِلَّةٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ الصَّوْمُ وَلَا قَضَاءَ إِنْ أَفْطَرَ مَا دَامَ كَذَلِكَ فَإِنْ تَغَيَّرَتْ حَالَتُهُ قَضَى وَكَذَلِكَ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ قَالَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ إِنْ قَدَرَ عَلَى الصِّيَامِ مِنْ غَيْرِ جُهْدٍ إِلَّا أَنَّهُ يَخْشَى التَّزَيُّدَ بِالصَّوْمِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الصَّوْمِ قَالَ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ.

.الشَّرْطُ السَّادِسُ الزَّمَنُ الْقَابِلُ لِلصَّوْمِ:

قَالَ اللَّخْمِيُّ الْأَيَّامُ الْمَنْهِيُّ عَنْ صِيَامِهَا ثَمَانِيَةٌ الْفِطْرُ وَالنَّحْرُ وَأَيَّامُ مِنًى وَأَيَّامُ الشَّكِّ وَالْجُمُعَةُ وَالسَّبْتُ أَنْ يَخُصَّ أَحَدَهُمَا بِصِيَامٍ أَمَّا الْعِيدَانِ فَبِالْإِجْمَاعِ وَأَمَّا أَيَّامُ مِنًى فَيُجَوِّزُ مَالِكٌ صِيَامَهَا لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ نَهَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صِيَامِ يَوْمِ الْفِطَرِ وَالْأَضْحَى وَمَفْهُومُهُ جَوَازُ مَا عَدَاهُمَا وَلِإِجْمَاعِ الْمَذْهَبِ عَلَى صَوْمِهِمَا لِلْمُتَمَتِّعِ بِخِلَافِ يَوْمِ الْعِيدِ وَأَجَازَ فِي الْمُدَوَّنَةِ الرَّابِعَ فَقَط لِأَن للمتعجل أَن يسْقطهُ وَقَالَ أَشهب يفْطر جَمِيعهَا وَإِن وَفِي التِّرْمِذِيِّ: «لَا تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ إِلَّا فِيمَا افْتُرِضَ عَلَيْكُمْ» وَفِي الصَّحِيحِ النَّهْيُ عَنْ تَخْصِيصِ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ.
تَنْبِيهٌ:
الصَّوْمُ يَوْمَ الْعِيدِ لَا يَنْعَقِدُ قُرْبَةً وَالصَّلَاةُ تَنْعَقِدُ قُرْبَةً فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ وَالْجَمِيعُ مُحَرَّمٌ وَمَنْهِيٌّ عَنْهُ فَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ تَارَةً تَكُونُ الْعِبَادَةَ الْمَوْصُوفَةَ بِكَوْنِهَا فِي الْمَكَانِ أَوِ الزَّمَانِ أَوْ فِي حَالَةٍ مِنَ الْحَالَاتِ فَيَفْسُدُ لِأَنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي فَسَادَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَتَارَةً يَكُونُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ هُوَ الصِّفَةَ الْمُقَارِنَةَ لِلْعِبَادَةِ فَلَا يَفْسُدُ وَالْعِبَادَةِ يَتَعَلَّقُ النَّهْيُ بِوَصْفٍ خَارِجٍ عَنِ الْعِبَادَةِ وَالْمُبَاشَرُ بِالنَّهْيِ فِي صَوْمِ الْعِيدِ هُوَ الصَّوْمُ الْمَوْصُوفُ بِكَوْنِهِ فِي الْيَوْمِ وَلَفْظُ الْحَدِيثِ يَشْهَدُ لِذَلِكَ وَالْمُبَاشَرُ لِلنَّهْيِ فِي الصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ إِنَّمَا هُوَ الْغَاصِبُ وَلَمْ يَرِدْ نَهْيٌ فِي الصَّلَاةِ الْمُقَارِنَةِ لِلْوَصْفِ بَلْ فِي الْغَصْبِ فَقَطْ وَالْقَضَاءُ عَلَى الصِّفَةِ لَا يَنْتَقِلُ لِلْمَوْصُوفِ وَلَا بِالْعَكْسِ كَمَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ شُرْبُ الْخَمْرِ مَفْسَدَةٌ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ شَارِبُ الْخَمْرِ مفْسدَة كَمَا لَا يَصح أَن يُقَال شَارِب الْخَمْرِ سَاقِطُ الْعَدَالَةِ فَظَهَرَ أَنَّ أَحْكَامَ الصِّفَاتِ لَا تَنْتَقِلُ إِلَى الْمَوْصُوفَاتِ وَظَهَرَ أَنَّ النَّهْيَ فِي الصَّوْمِ عَنِ الْمَوْصُوفِ وَفِي الصَّلَاةِ عَنِ الصِّفَةِ وَظَهَرَ الْفَرْقُ وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ يَتَّجِهُ بِهَا كثير مِنَ الْفُرُوعِ فِي أَبْوَابِ الْفِقْهِ وَمَوَارِدِ الشَّرْعِ الشَّرْطُ السَّابِعُ النِّيَّةُ وَفِي الْجَوَاهِرِ يُشْتَرَطُ فِيهَا أَنْ تَكُونَ مُعَيَّنَةً لِخُصُوصِ الصَّوْمِ الَّذِي شُرِعَ فِيهِ مُبَيَّتَةً مِنَ اللَّيْلِ جَازِمَةً مِنْ غَيْرِ تَرَدُّدٍ وَفِي هَذِهِ الْقُيُودِ.
فُرُوعٌ سِتَّةٌ:
الْأَوَّلُ:
فِي الْكِتَابِ إِنِ اعْتَقَدَ أَوَّلَ رَمَضَانَ مِنْ شَعْبَانَ يَكُفُّ وَيَقْضِي وَإِنْ أَكَلَ بَعْدَ عِلْمِهِ لَمْ يُكَفِّرْ إِلَّا أَنْ يَفْعَلَهُ مُنْتَهِكًا وَهُوَ يَعْلَمُ مَا يَلْزَمُ الْمُنْتَهِكَ أَمَّا الْإِمْسَاكُ فَلِقَوْلِهِ {فَمن شهد مِنْكُم الشَّهْر فليصمه} فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْإِمْسَاكِ صَوْمًا شَرْعِيًّا وَلَمَّا بَطَلَ كَوْنُهُ شَرْعِيًّا أَيْضًا بَقِيَ الْأَصْلُ الْإِمْسَاكُ وَفِي أَبِي دَاوُدَ أَنَّ أَسْلَمَ أَتَوْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «أَصُمْتُمْ يَوْمَكُمْ هَذَا فَقَالُوا لَا فَقَالَ أَتِمُّوا بَقِيَّةَ يَوْمِكُمْ وَاقْضُوا» وَأَمَّا الْقَضَاءُ فَعَلَيْهِ إِنْ أَكَلَ أَوْ لَمْ يَأْكُلْ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ فِي الْمَبْسُوطِ وَ (ح) يَكُفُّ وَيُجْزِئُهُ لِأَنَّ شُهُودَ الْهِلَالِ سَبَبُ الصَّوْمِ الْوَاجِبِ وَلَمْ يَتَأَتَّ لَهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ تَوْقِيتًا بِالسَّبَبِ.
الثَّانِي:
أَنَّ النِّيَّةَ وَاجِبَةٌ لِرَمَضَانَ وَيَمْنَعُ إِذَا تَعَيَّنَ الصَّوْمُ وَكَانَ مُقِيمًا صَحِيحًا لَنَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّسَائِيِّ: «لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتِ الصِّيَامَ مِنَ اللَّيْلِ» وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: «الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» الْمُسَافِرُ وَالْمَرِيضُ وَالْقَاضِي قَالَ سَنَدٌ وَلَا تَصِحُّ عِنْدَ مَالِكٍ وَ (ش) إِلَّا مِنْ لَيْلَتِهِ لَا قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا وَقَالَ (ح) تجزيء قَبْلَ الزَّوَالِ فِي كُلِّ مُعَيَّنٍ كَرَمَضَانَ وَالنَّذْرِ وَشِبْهِهِ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَابْنُ... إِذَا لَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَشْرَبْ بَعْدَ الصَّبَاحِ ثُمَّ تَحَقَّقَ رَمَضَانُ أَمْسَكَ وَأَجْزَأَهُ وَلَا يَقْضِي لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ إِلَى أَهْلِ الْعَوَالِي يَوْمَ عَاشُورَاءَ أَنَّ مَنْ أَكَلَ مِنْكُمْ فَيُمْسِكُ بَقِيَّةَ نَهَارِهِ وَمَنْ لَمْ يَأْكُلْ فَلْيَصُمْ وَجَوَابُهُ مَنْعُ وُجُوبِ الْيَوْمِ وَلَيْسَ فِيهِ عَدَمُ تَقَدُّمِ النِّيَّةِ لَنَا أَنَّ النِّيَّةَ شَرْطٌ لِمَا تَقَدَّمَ وَتَقَدُّمُ بَعْضِ الْمَشْرُوطِ عَلَى الشَّرْطِ مُحَالٌ وَقَالَ (ح) يَكْفِي مُطْلَقُ النِّيَّةِ فِي رَمَضَانَ فِي الْحَضَرِ وَفِي كُلِّ صَوْمٍ مُعَيَّنٍ حَتَّى لَوْ نَوَى التَّطَوُّعَ وَقَعَ فَرْضًا لِحُصُولِ التَّعْيِينِ بِالزَّمَنِ وَقِيَاسًا عَلَى طَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَجَوَابُهُ أَنَّ الْحَجَّ صَعْبٌ صَحَّ فِيهِ وَلِذَلِكَ لَمْ يُشْرَعْ فِي الْعُمْرِ إِلَّا مَرَّةً وَالْمُعَارَضَةُ بِالْقِيَاسِ عَلَى الصَّلَاةِ.
تَمْهِيدٌ:
قَدْ تَقَدَّمَتْ فِي الطَّهَارَةِ مَبَاحِثُ وَأَنَّهَا إِنَّمَا شُرِعَتْ لِتَمْيِيزِ الْعِبَادَاتِ عَنِ الْعَادَاتِ أَوْ لِتَمَيُّزِ مَرَاتِبِ الْعِبَادَاتِ فِي نَفْسِهَا فَمَتَى حَصَلَ التَّمْيِيزُ اسْتُغْنِيَ عَنْهَا وَهَذَا الشَّرْطُ هُوَ الَّذِي لَاحَظَ التَّمْيِيز حَاصِلٌ لِهَذِهِ الْعِبَادَةِ بِزَمَانِهَا وَلَا تَقَعُ إِلَّا عَلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ يَتَعَيَّنُ زَمَانُهُ فَلِذَلِكَ حَصَلَ الِاتِّفَاقُ عَلَى تَعْيِينِ النِّيَّةِ وَالْأَظْهَرُ اسْتِمْرَارُ إِبْقَاءِ زَمَانِهَا إِلَى الْفَجْرِ لِأَنَّ الْأَصْلَ مُقَارَنَةُ النِّيَّةِ لِأَوَّلِ أَجْزَاءِ الْمَنْوِيِّ وَقِيلَ تَتَقَدَّمُ قَبْلَ الْفَجْرِ وتجزئ لقَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتِ الصِّيَامَ مِنَ اللَّيْلِ» وَلَا تُعَادُ بِالنَّوْمِ وَالْأَكْلِ بَعْدَهَا خِلَافًا لِبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ من الْفجْر} وَيَكْفِي فِي رَمَضَانَ نِيَّةٌ وَاحِدَةٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَابْن حَنْبَل خلافًا ل (ح وش) لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فليصمه} يَقْتَضِي صَوْمَهُ لَيْلًا وَنَهَارًا وَأَنَّهُ عِبَادَةٌ وَاحِدَةٌ تُجْزِي بِنِيَّةٍ وَاحِدَةٍ خُصِّصَ اللَّيْلُ وَبَقِيَ مَا عداهُ على الأَصْل وَلقَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتِ الصِّيَامَ مِنَ اللَّيْلِ» وَمُقْتَضَاهُ إِجْزَاءُ رَمَضَانَ بِنِيَّةٍ وَاحِدَةٍ لِعُمُومِ الْأَلِفِ وَاللَّامِ خُصِّصَ مَا عَدَا الشَّهْرَ بِالْإِجْمَاعِ فَيبقى الشَّهْر.
تَمْهِيدٌ:
الْمَنَوِيُّ ثَلَاثَةٌ عِبَادَةٌ مُتَّحِدَةٌ لَا يَتَخَلَّلُهَا شَيْءٌ تَكْفِي فِيهَا نِيَّةٌ وَاحِدَةٌ إِجْمَاعًا وَعِبَادَةٌ يُمْكِنُ أَنْ يَتَخَلَّلَهَا غَيْرُهَا مِنْ جِنْسِهَا وَغَيْرِ جِنْسِهَا فَتَتَعَدَّدُ نِيَّاتُهَا اتِّفَاقًا وَعِبَادَةٌ يُمْكِنُ أَنْ يَتَخَلَّلَهَا غَيْرُ جِنْسِهَا فَقَطْ كَأَيَّامِ رَمَضَانَ فَإِنَّهُ يَتَخَلَّلُهَا الصَّلَاةُ وَالذِّكْرُ دُونَ الصَّوْمِ فَأَشْبَهَتِ الْعِبَادَةَ الْوَاحِدَةَ مِنْ جِهَةِ عَدَمِ تَخَلُّلِ الْجِنْسِ وَالْعِبَادَاتِ مِنْ جِهَةِ تَخَلُّلِ غَيْرِ الْجِنْسِ فَالشَّبَهَانِ مَنْشَأُ الْخِلَافِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَأَلْحَقَ مَالِكٌ الصَّوْمَ الْمُتَتَابِعَ بِرَمَضَانَ بِجَامِعِ التَّتَابُعِ وَفِي الْجَوَاهِرِ وَكَذَلِكَ مِنْ شَأْنِهِ سَرْدُ الصَّوْمِ قَالَ الْأَبْهَرِيُّ ذَلِكَ اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ التَّجْدِيدُ وَقَالَ اللَّخْمِيُّ فِيمَا لَا تَجِبُ مُتَابَعَتُهُ كَصَوْمِ الْمُسَافِرِ وَمَا لَا تَجِبُ مُتَابَعَتُهُ كَصَوْم الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيس ثَلَاثَة أَقْوَال ثَالِثهَا يجزيء فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي قَالَ سَنَدٌ وَإِذَا سَافَرَ فِي رَمَضَانَ فَفِي احْتِيَاجِهِ لِتَبْيِيتِ النِّيَّةِ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ قَوْلَانِ وَفِي التَّلْقِينِ لَا تَنْقَطِعُ نِيَّتُهُ بِطُرُوِّ السَّفَرِ لِأَنَّهَا وَقَعَتْ وَقْتَ التَّحَتُّمِ وَتَنْقَطِعُ إِذَا وَقَعَتْ فِي السَّفَرِ وَطَرَأَتِ الْإِقَامَةُ لِوُقُوعِهَا حَالَةَ عَدَمِ التَّحَتُّمِ وَإِذَا سَهَا عَنِ الصَّوْمِ الْمُتَتَابِعِ وَأَصْبَحَ يَنْوِي الْفِطْرَ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ صَحَّ وَقَالَ أَشْهَبُ لَا تُجْزِيهِ كَمَنْ خَرَجَ مِنْ فَرْضِ الصَّلَاةِ إِلَى نَفْلِهَا وَالْحَيْضُ يُوجِبُ تَجْدِيدَ النِّيَّةِ لِأَنَّهَا تُبْطِلُ الْفِعْلِيَّةَ فَأولى الْحِكْمِيَّةَ.
الثَّالِثُ:
فِي الْكِتَابِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إِذَا نَوَى بِرَمَضَانَ أَدَاءَ الْحَاضِرِ وَقَضَاءَ الْخَارِجِ أَجزَأَهُ وَعَلِيهِ قَضَاء الآخر وَقَالَهُ (ح وش) وَلَوْ نَوَى بِحَجَّتِهِ نَذْرَهُ وَفَرْضَهُ أَجْزَأَهُ لِنَذْرِهِ وَقَضَاءِ فَرْضِهِ لِأَنَّهُ أَوْجَبَهَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ صَاحِبُ النُّكَتِ اخْتُلِفَ فِي كَسْرِ الْخَاءِ مِنَ الْآخَرِ وَفَتْحِهَا وَالْفَتْحُ الصَّوَابُ وَالْفَرْقُ أَنَّ رَمَضَانَ شَهْرٌ وَقَدْ عَيَّنَهُ الشَّرْعُ لِلْحَاضِرِ فَيَكُونُ الْقَصْدُ لِلْآخَرِ قَصْدًا لِلْمُحَالِ الْمُسْتَحِيلِ وَالْحَجُّ عَلَى التَّرَاخِي وَيَكُونُ عَلَيْهِ الْإِطْعَامُ لِتَأْخِيرِ الْقَضَاءِ وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ لَا إِطْعَامَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَحُلْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَضَاءِ صَوْمٌ وَإِذَا صَامَ رَمَضَانَ وَشَعْبَانَ عَنْ ظِهَارِهِ لَا يُجْزِئُهُ رَمَضَانُ لِفَرْضِهِ وَلَا لِظِهَارِهِ وَالْفَرْقُ أَنَّهُ ههُنَا صَامَهُ عَنْ جِنْسِهِ وَأَجْزَأَهُ لِتَقَارُبِهِمَا بِخِلَافِ الظِّهَارِ قَالَ سَنَدٌ حُجَّةُ الْإِجْزَاءِ عَنِ الْخَارِجِ أَنَّ الصَّوْمَيْنِ فِي الذِّمَّةِ وَالْمُكَلَّفُ هُوَ الْمُعَيَّنُ كَالدُّيُونِ إِلَّا أَنَّ أَحَدَهُمَا عُيِّنَ لَهُ الزَّمَانُ وَمَعَ ذَلِكَ فَهُوَ قَابِلٌ لَهُمَا كَوَقْتِ الصَّلَاةِ إِذَا ضَاقَ فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ لَهَا وَيَصِحُّ فِيهِ غَيْرُهَا مِنَ الصَّلَاةِ وَإِذَا قَبِلَهُمَا فأولاهما بِالْقضَاءِ أوجبهما وَقَالَ اشهب لَا يجزيء عَن وَاحِد مِنْهَا لِأَنَّهُ لَا يجزيء عَلَيْهِمَا إِجْمَاعًا وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنَ الْآخَرِ فَقِيَاسًا عَلَى مَا إِذَا أَحْرَمَ لِحَاضِرَةٍ وَفَائِتَةٍ عَنْ نَذْرِهِ وَفَرْضِهِ لَمْ يُجْزِهِ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَن رمضاان لَا يُقْبَلُ غَيْرُهُ وَهُوَ لَمْ يَبْقَ وَقَالَهُ (ش) وَحَيْثُ قُلْنَا لَا يُجْزِيهِ عَنْ فَرْضِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ فِي فَرْضِهِ وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ يُكَفِّرُ كَفَّارَةَ الْمُتَعَمِّدِ.
الرَّابِعُ:
قَالَ صَاحِبُ النُّكَتِ مَنْ رَفَضَ صِيَامَهُ أَوْ صَلَاتَهُ كَانَ رَافِضًا بِخِلَافِ رَفْضِ الْإِحْرَامِ وَالْوُضُوءِ بَعْدَ كَمَالِهِ أَوْ فِي خِلَالِهِ وَالْفَرْقُ أَنَّ النِّيَّةَ مُرَادَةٌ لِلتَّمْيِيزِ وَالْحَجُّ وَالْوُضُوءُ مُمَيَّزَانِ بِمَكَانَيْهِمَا الْمُتَعَبَّدِ بِهِمَا وَالصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ لَمْ يُعَيَّنْ لَهُمَا مَكَانٌ فَكَانَ احْتِيَاجُهُمَا إِلَى النِّيَّةِ أَقْوَى وَأَثَّرُ الرَّفْضُ فِيهِمَا.
الْخَامِسُ:
فِي الْكِتَابِ النَّهْيُ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ أَوَّلَ رَمَضَانَ وَقَالَهُ (ح وش) خِلَافًا لِابْنِ حَنْبَلٍ لِلتَّرَدُّدِ فِي النِّيَّةِ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَصُومُهُ احْتِيَاطًا، لَنَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا» إِشْكَالَانِ:
الْأَوَّلُ: مَنْ شَكَّ فِي الْفَجْرِ لَا يَأْكُلُ وَمَنْ شَكَّ فِي رَمَضَانَ لَا يَصُومُ فَمَا الْفَرْقُ؟
الثَّانِي: أَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الْفِعْلَ إِذَا دَارَ بَيْنَ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ فُعِلَ كَمَا أَنه إِذا دَارَ بَيْنَ التَّحْرِيمِ وَالْكَرَاهَةِ تُرِكَ وَهَذَا دَارَ بَيْنَ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ مِنْ رَمَضَانَ فَوَاجِبٌ أَوْ إِنْ كَانَ مِنْ شَعْبَانَ فَمَنْدُوبٌ.
وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ أَنَّ رَمَضَانَ عِبَادَةٌ وَاحِدَةٌ وَإِنَّمَا الْأَكْلُ بِاللَّيْلِ رُخْصَةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {من شهد مِنْكُم الشَّهْر فليصمه} وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى الْجَمِيعِ وَالْأَصْلُ فِي اللَّيْلِ الصَّوْمُ وَفِي شَعْبَانَ الْفِطْرُ وَعَنِ الثَّانِي أَنَّهُ دَائِرٌ بَيْنَ التَّحْرِيمِ وَالنَّدْبِ فَيَتَعَيَّنُ التَّرْكُ إِجْمَاعًا لِأَن النِّيَّة الجازمة شَرط وَهِي هَهُنَا مُتَعَذِّرَةٌ وَكُلُّ قُرْبَةٍ بِدُونِ شَرْطِهَا فَفِعْلُهَا حَرَامٌ فَإِنْ كَانَ صَوْمُهُ مِنْ رَمَضَانَ فَهُوَ حَرَامٌ لِعَدَمِ شَرْطِهِ أَوْ مِنْ شَعْبَانَ فَهُوَ مَنْدُوبٌ قَالَ سَنَدٌ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ الْأَكْلُ فِيهِ وَكَرِهَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ مَعَ الْغَيْمِ وَإِنْ صَامَهُ احْتِيَاطًا وَوَافَقَ رَمَضَانَ لَمْ يُجْزِهِ عِنْدَ مَالِكٍ لِعَدَمِ تَعْيِينِ النِّيَّةِ خِلَافًا لِ ح عَلَى أَصْلِهِ فِي النِّيَّةِ وَلَا يُكْرَهُ صَوْمُهُ إِذَا وَافَقَ عَادَتَهُ خِلَافًا لِبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ابي دَاوُود لَا تُقَدِّمُوا شَهْرَ رَمَضَانَ بِيَوْمٍ وَلَا بِيَوْمَيْنِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ صَوْمًا يَصُومُهُ رَجُلٌ فَلْيَصُمْ ذَلِكَ وَلَا يُكْرَهُ صَوْمُهُ تَطَوُّعًا خِلَافًا لِمُحَمَّدِ ابْن مَسْلَمَةَ لِجَزْمِ النِّيَّةِ وَالنَّهْيُ إِنَّمَا وَرَدَ أَنْ يَكُونَ مِنْ رَمَضَانَ لِعَدَمِ الْجَزْمِ وَقَالَ أَبُو الطَّاهِرِ صَوْمُهُ تَطَوُّعًا مَكْرُوهٌ لِمُوَافَقَةِ أَهْلِ الْبِدَعِ وَصَوْمُهُ احْتِيَاطًا مَنْهِيٌّ عَنْهُ عَلَى نُصُوصِ الْمَذْهَبِ وَاسْتَقْرَأَ اللَّخْمِيُّ وَجُوبَهُ مِنْ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي وُجُوبِ الْإِمْسَاكِ عَلَى مَنْ شَكَّ فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ وَفِي أَحَدِ الْأَقْوَالِ فِي الْحَائِضِ تَتَجَاوَزُ عَادَتَهَا تَصُومُ وَتَقْضِي قَالَ وَفِيهِ نَظَرٌ.
السَّادِسُ:
فِي الْكِتَابِ إِذَا الْتَبَسَتِ الشُّهُورُ عَلَى الْأَسِيرِ فَصَامَ شَهْرًا يَظُنُّهُ رَمَضَانَ إِنْ صَادَفَ قَبْلَهُ لَمْ يُجْزِهِ لِكَوْنِهِ قَبْلَ سَبَبِ الْوُجُوبِ كَالظُّهْرِ قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ بَعْدَهُ أَجْزَأَهُ لِكَوْنِهِ قَضَاءً كَالظُّهْرِ بَعْدَ الْغُرُوبِ قَالَ سَنَدٌ قَالَ الْبَاجِيُّ يَتَخَرَّجُ الصَّوْمُ بَعْدَهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي إِجْزَاءِ الْأَدَاءِ عَنِ الْقَضَاءِ كَمَا لَوْ مَضَتْ لَهُ شُهُورٌ فَكَانَ صَوْمُهُ فِي شَعْبَانَ قَالَ سَحْنُونٌ يَقْضِي شَهْرًا وَاحِدًا وَقِيلَ الشُّهُورُ كُلُّهَا لِاخْتِلَافِ الْأَئِمَّةِ قَالَ وَالتَّخْرِيجُ بَاطِلٌ وَلَا يُعْرَفُ خِلَافٌ فِي إِجْزَاءِ الْأَدَاءِ عَنِ الْقَضَاءِ وَإِنَّمَا مَنَعَ الْإِجْزَاءَ أَنَّهُ لَمْ يَنْوِ بِالثَّانِي قَضَاءَ الْأَوَّلِ وَلَا أَدَاءَهُ فَلَمْ تَرْتَبِطْ بِهِ النِّيَّة فَلَا يجزيء كَمَا لَوْ صَلَّى الْأَعْمَى الظُّهْرَ قَبْلَ الزَّوَالِ أَيَّامًا لَمْ يَكُنِ الثَّانِي قَضَاءً عَنِ الْأَوَّلِ لِعَدَمِ ارْتِبَاطِهِ بِهِ قَضَاءً وَلَا أَدَاءً وَإِنَّمَا قِيلَ لِمَشَقَّةِ الصَّوْمِ وَفِي الْجَوَاهِرِ لَوِ اسْتَمَرَّ الْأَسِيرُ سِنِينَ مُتَوَالِيَةً يَصُومُ قَبْلُ قَضَى الْجَمِيعَ عَلَى الْمَشْهُورِ قَالَ سَنَدٌ فَلَوْ صَادَفَ شَوَّالًا أَوْ ذَا الْحِجَّةِ فَإِنْ كَانَ رَمَضَانُ ثَلَاثِينَ وَشَوَّالٌ ثَلَاثِينَ قَضَى يَوْمًا أَوْ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ قَضَى يَوْمَيْنِ وَإِنْ كَانَ رَمَضَانُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ وَشَوَّالٌ ثَلَاثِينَ لَمْ يَقْضِ شَيْئًا وَلَا يُعِيدُ فِي النَّحْرِ لِيَوْمِ النَّحْرِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَيَعْمَلُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَأَلْزَمَهُ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ قَضَاءَ يَوْمَيْنِ مِنْ شَوَّالٍ إِنْ كَانَ قَضَاءً أَوْ يَوْمًا إِنْ كَانَ أَدَاءً وَلَمْ يَعْتَبِرْ رَمَضَانَ وَكَذَلِكَ فِي النَّحْرِ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ مَنْ أَفْطَرَ رَمَضَانَ كُلَّهُ لِعُذْرٍ قَضَى شَهْرًا تَامًّا وَالشَّهْرُ الْأَوَّلُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أخر} بِخِلَافِ مَنْ عَلَيْهِ نَذْرٌ مُطْلَقٌ تَنَاوَلَ لَفْظَ الشَّهْرِ مِنَ الْهِلَالِ إِلَى الْهِلَالِ وَلَوْ لَمْ يَتَرَجَّحْ عِنْدَ الْأَسِيرِ شَيْءٌ قِيلَ يَصُومُ السَّنَةَ كمن نذر يَوْمًا ونسيه فَقيل يَصُومُ الْجُمُعَةَ وَقِيلَ وَمَنْ خَفِيَ عَلَيْهِ جِهَةُ الْقِبْلَةِ صَلَّى أَرْبَعَ صَلَوَاتٍ وَالْحَقُّ أَلَّا يَلْزَمَهُ شَيْءٌ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ السَّبَبِ وَالْفَرْقُ أَنَّ رَمَضَانَ يَجُوزُ فِطْرُهُ لِلْعُذْرِ وَهَذَا مَعْذُورٌ حَتَّى يَطَّلِعَ وَالنَّذْرُ لَا يَجُوزُ فِطْرُهُ مَعَ الْقُدْرَةِ وَكَذَلِكَ التَّوَجُّهُ لِلْبَيْتِ وَلَوْ تَحَرَّى شَهْرًا فَلَمَّا قَدِمَ نَسِيَهُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُعِيدُ كُلَّ حَتَّى يَتَيَقَّنَ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ.