فصل: (الْقَاعِدَةُ السَّادِسَة وَالسَّبْعُونَ): الشَّرِيكَانِ فِي عَيْنِ مَالٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ إذَا كَانَا مُحْتَاجَيْنِ إلَى رَفْعِ مَضَرَّةٍ أَوْ إبْقَاءِ مَنْفَعَةٍ أُجْبِرَ أَحَدُهُمَا عَلَى مُوَافَقَةِ الْآخَرِ فِي الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: القواعد الفقهية ***


‏(‏الْقَاعِدَةُ السَّادِسَة وَالسَّبْعُونَ‏)‏‏:‏ الشَّرِيكَانِ فِي عَيْنِ مَالٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ إذَا كَانَا مُحْتَاجَيْنِ إلَى رَفْعِ مَضَرَّةٍ أَوْ إبْقَاءِ مَنْفَعَةٍ أُجْبِرَ أَحَدُهُمَا عَلَى مُوَافَقَةِ الْآخَرِ فِي الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ

وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى إنْ أَمْكَنَ أَحَدُهُمَا أَنْ يَسْتَقِلَّ بِدَفْعِ الضَّرَرِ فَعَلَهُ وَلَمْ يُجْبِرْ الْآخَرُ مَعَهُ لَكِنْ إنْ أَرَادَ الْآخَرُ الِانْتِفَاعَ بِمَا فَعَلَهُ شَرِيكُهُ فَلَهُ مَنْعُهُ حَتَّى يُعْطِيَهُ حِصَّةَ مِلْكِهِ مِنْ النَّفَقَةِ فَإِنْ احْتَاجَا إلَى تَجْدِيدِ مَنْفَعَةٍ فَلَا إجْبَارَ‏.‏

وَيَنْدَرِجُ تَحْتَ ذَلِكَ صُوَرٌ‏:‏ مِنْهَا‏:‏ إذَا انْهَدَمَ الْحَائِطُ الْمُشْتَرَكُ فَالْمَذْهَبُ إجْبَارُ الْمُمْتَنِعُ مِنْهُمَا بِالْبِنَاءِ مَعَ الْآخَرِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةٍ جَمَاعَةٌ فَإِنَّ الْإِجْبَارَ هُنَا مِنْ جِنْسِ الْمُعَاوَضَةِ فِي الْأَمْوَالِ الْمُشْتَرَكَةِ وَاجِبَةٌ لِدَفْعِ الضَّرَرِ بِالِانْتِزَاعِ بِالشُّفْعَةِ وَبَيْعِ مَا لَا يُمْكِنُ قِسْمَتُهُ وَالْمُغْنِي فِيهِ أَنَّ الْمَالِكَ مُسْتَحِقٌّ الِانْتِفَاعَ بِمِلْكِهِ وَيَجِبُ عَلَى شَرِيكِهِ تَمْكِينُهُ مِنْهُ فَإِذَا دَار الْأَمْرُ بَيْنَ تَعْطِيلِ الْحَقِّ بِالْكُلِّيَّةِ وَبَيْنَ الْمُعَاوَضَةِ عَلَيْهِ فَالْمُعَاوَضَةُ عَلَيْهِ أَوْلَى لِأَنَّهُ يَرْجِعُ فِيهَا إلَى الِانْتِفَاعِ بِالْبَدَلِ بِخِلَافِ التَّعْطِيلِ وَأَمَّا الرِّوَايَةُ الثَّابِتَةُ بِعَدَمِ الْإِجْبَارِ فَهِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ نَصِّ أَحْمَدَ عَلَى عَدَمِ الْإِجْبَارِ فِي بِنَاءِ حِيطَانِ السُّفْلِ إذَا كَانَ الْعُلُوُّ لِآخَرَ وَانْهَدَمَ الْكُلُّ أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ صَاحِبُ الْعُلُوِّ عَلَى الْبِنَاءِ مَعَ صَاحِبِ السُّفْلِ فِي السُّفْلِ وَالْفَرْقُ وَاضِحٌ لِأَنَّ السُّفْلَ مِلْكُهُ مُخْتَصٌّ بِصَاحِبِهِ بِخِلَافِ الْحَائِطِ الْمُشْتَرَكِ وَلِذَلِكَ عَقَدَ الْخَلَّالُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَابًا وَذَكَرَ النَّصَّ بِالْإِجْبَارِ فِي الْحَائِطِ وَالنَّصَّ بِانْتِفَائِهِ بِالصُّورَةِ الْأُخْرَى وَعَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ فِي الْحَائِطِ فَلِلشَّرِيكِ الِاسْتِبْدَادُ بِبِنَائِهِ مِنْ مَالِهِ بِغَيْرِ إذْنِ حَاكِمٍ وَصَرَّحَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ وَاعْتَبَرَ فِي الْمُجَرَّدِ اسْتِئْذَانَ الْحَاكِمِ وَنَصَّ أَحْمَدُ عَلَى أَنَّهُ يُشْهِدُ عَلَى ذَلِكَ، وَلَهُ مَنْعُ الشَّرِيكِ الْآخَرُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ مِنْ الْحُقُوقِ إنْ أَعَادَهُ بِآلَةٍ جَدِيدَةٍ مِنْ مَالِهِ وَإِنْ أَعَادَهُ بِآلَتِهِ الْأُولَى فَفِيهِ وَجْهَانِ‏:‏ أَحَدُهُمَا‏:‏ لَيْسَ لَهُ الْمَنْعُ لِأَنَّهُ عَيْنُ مِلْكِهِمَا الْمُشْتَرَكِ وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَابْنِ عَقِيلٍ وَالْأَكْثَرِينَ‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ لَهُ الْمَنْعُ حَتَّى يَأْخُذَ نِصْفَ قِيمَةِ التَّالِفِ لِأَنَّهُ مُتَقَوِّمٌ حَيْثُ وَقَعَ مَأْذُونًا فِيهِ شَرْعًا وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ أَبِي مُوسَى وَالْقَاضِي فِي خِلَافِهِ وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَافْتِتَاحُ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ عَنْ بَعْضِ مُتَأَخِّرِي الْأَصْحَابِ وَإِذَا أَعَادَهُ بِآلَةٍ جَدِيدَةٍ وَاتَّفَقَا عَلَى دَفْعِ الْقِيمَةِ جَازَ، لَكِنْ هَلْ الْمَدْفُوعُ نِصْفُ قِيمَةِ الْبِنَاءِ أَوْ نِصْفُ مَا أُنْفِقَ عَلَيْهِ‏؟‏ ذَكَرَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ مَأْخَذُهُمَا هَلْ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الرُّجُوعِ بِمَا أَنْفَقَ عَلَى مِلْكِهِ بِإِذْنٍ مُعْتَبَرٍ أَوْ هُوَ مُعَاوَضَةٌ عَنْ مِلْكِ الثَّانِي كَضَمَانِ سِرَايَةِ الْعِتْقِ وَالِاسْتِيلَادِ، وَإِنْ امْتَنَعَ الثَّانِي مِنْ الْقَوْلِ وَطَلَبَ رَفْعَ الْبِنَاءِ مِنْ أَصْلِهِ لِيُعِيدَاهُ مِنْ مَالِهِمَا فَقَدْ يَتَخَرَّجُ عَلَى هَذَا الْبِنَاءِ فَإِنْ قُلْنَا هُوَ رُجُوعٌ بِمَا أَنْفَقَ عَلَى مِلْكِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الِامْتِنَاعُ وَإِنْ قُلْنَا هُوَ مُعَاوَضَةٌ فَلَهُ ذَلِكَ وَفِي الْمُجَرَّدِ وَالْفُصُولِ الْبِنَاءُ عَلَى الْإِجْبَارِ ابْتِدَاءً وَعَدَمُهُ فَإِنْ قُلْنَا يُجْبَرُ أُجْبِرَ هُنَا عَلَى التَّبْقِيَةِ وَإِلَّا فَلَا وَقَدْ يُقَالُ هُوَ مُعَاوَضَةٌ سَوَاءٌ كَانَ بِالْقِيمَةِ أَوْ بِالنَّفَقَةِ كَمَا أَنَّ زَرْعَ الْغَاصِبِ يُعَاوَضُ عَنْهُ بِالْقِيمَةِ عَلَى رِوَايَةٍ وَبِالنَّفَقَةِ عَلَى أُخْرَى وَالْإِجْبَارُ عَلَى الْمُعَاوَضَاتِ لِإِزَالَةِ الضَّرَرِ غَيْرُ مُسْتَبْعَدٍ فَإِنْ قِيلَ فَعِنْدَكُمْ لَا يَجُوزُ لِلْجَارِ مَنْعُ جَارِهِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِوَضْعِ خَشَبَةٍ عَلَى جِدَارِهِ فَكَيْفَ مَنَعْتُمْ هَاهُنَا‏؟‏ قُلْنَا إنَّمَا مَنَعْنَاهَا هُنَا مِنْ عَوْدِ الْحَقِّ الْقَدِيمِ الْمُتَضَمِّنِ مِلْكَ الِانْتِفَاعِ قَهْرًا سَوَاءٌ كَانَ مُحْتَاجًا إلَيْهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَأَمَّا التَّمْكِينُ مِنْ الْوَضْعِ لِلِارْتِفَاقِ فَتِلْكَ مَسْأَلَةٌ أُخْرَى وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ يَشْتَرِطُونَ فِيهَا الْحَاجَةَ وَالْتَزَمَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْمُفْرَدَاتِ تَخْرِيجَ رِوَايَةٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَنَعَ الْجَارَ مِنْ وَضْعِ الْخَشَبِ مُطْلَقًا ثُمَّ اعْتَذَرَ بِأَنَّ حَقَّ الْوَضْعِ هُنَا سَقَطَ عُقُوبَةً لِامْتِنَاعِهِ مِنْ النَّفَقَةِ الْوَاجِبَةِ وَحَمَلَ حَدِيثَ الزُّبَيْرِ وَشَرِيكِهِ فِي شِرَاجِ الْحُرَّةِ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ‏.‏

وَمِنْهَا‏:‏ إذَا انْهَدَمَ السَّقْفُ الَّذِي بَيْنَ سُفْلِ أَحَدِهِمَا وَعُلُوِّ الْآخَرِ فَذَكَرَ الْأَصْحَابُ فِي الْإِجْبَارِ الرِّوَايَتَيْنِ وَالْمَنْصُوصُ هَاهُنَا أَنَّهُ إنْ انْكَسَرَ خَشَبُهُ فِيهِ فَبِنَاؤُهُمَا بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَهُمَا جَمِيعًا وَظَاهِرُهُ الْإِجْبَارُ وَإِنْ انْهَدَمَ السَّقْفُ وَالْحِيطَانُ لَمْ يُجْبَرْ صَاحِبُ الْعُلُوِّ عَلَى بِنَاءِ الْحِيطَانِ لِأَنَّهَا خَاصٌّ مِلْكُ صَاحِبِ السُّفْلِ وَلَكِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى أَنْ يَبْنِيَ مَعَهُ السَّقْفَ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَشْهَدَ عَلَيْهِ وَمَنَعَهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ حَتَّى يُعْطِيَهُ حَقَّهُ وَيُجْبَرُ صَاحِبُ السُّفْلِ عَلَى بِنَائِهِ لِأَنَّهُ سُتْرَةٌ لَهُ نَقَلَ ذَلِكَ عَنْهُ أَبُو طَالِبٍ، وَنَقَلَ عَنْهُ ابْنُ الْحَكَمِ أَنَّ صَاحِبَ السُّفْلِ لَا يُجْبَرُ عَلَى بِنَاءٍ لِأَجْلِ صَاحِبِ الْعُلُوِّ لَكِنَّ صَاحِبَ الْعُلُوِّ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ الْحِيطَانَ مُ عَلَيْهَا وَيَمْنَعَ صَاحِبَ السُّفْلِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ حَتَّى يُعْطِيَهُ مَا بَنَى بِهِ السُّفْلَ وَيَكُونُ لَهُمَا جَمِيعًا وَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُعْطِيَهُ مَا بَنَى بِهِ الْحِيطَانَ فَيَصِيرُ الْبَيْتُ كَمَا كَانَ لِأَحَدِهِمَا سُفْلُهُ وَلِلْآخَرِ عُلُوُّهُ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُعْطِيَهُ نِصْفَ قِيمَةِ بِنَاءِ السُّفْلِ وَتَكُونَ الْحِيطَانُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمَا وَلِذَلِكَ حَكَى الْأَصْحَابُ رِوَايَتَيْنِ فِي مُشَارَكَةِ صَاحِبِ الْعُلُوِّ لِصَاحِبِ السُّفْلِ فِي بِنَاءِ الْحِيطَانِ حَتَّى أَخَذَ الْقَاضِي مِنْهُمَا رِوَايَةً بِعَدَمِ الْإِجْبَارِ فِي الْحَائِطِ الْمُشْتَرَكِ وَهُوَ بَعِيدٌ لِأَنَّ هَذَا الْمَعْنَى لَوْ كَانَ صَحِيحًا لَكَانَ الِاشْتِرَاكُ حَادِثًا بَعْدَ الْبِنَاءِ، فَلَا يَلْحَقُ بِهِ الْمِلْكُ الْمُشْتَرَكِ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَحَكَى الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ فِي إجْبَارِ صَاحِبِ السُّفْلِ عَلَى بِنَاءِ حَائِطِهِ لِحَقِّ صَاحِبِ الْعُلُوِّ ثَلَاثَ رِوَايَاتٍ أَحَدُهَا إجْبَارُهُ مُنْفَرِدًا بِنَفَقَتِهِ وَأَخَذَهَا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ أَحْمَدَ عَلَّلَ بِأَنَّهُ سُتْرَةٌ لَهُ فَعَلِمَ أَنَّ إجْبَارَهُ لِحَقِّ جَارِهِ لَا لِحَقِّ صَاحِبِ الْعُلُوِّ وَلَكِنْ قَدْ يُقَالُ إنَّ تَضَرُّرَ صَاحِبِ الْعُلُوِّ بِتَرْكِ بِنَاءِ السُّفْلِ أَشَدُّ مِنْ تَضَرُّرِ الْجَارِ بِتَرْكِ السُّتْرَةِ لِأَنَّ هَذَا يَمْنَعُهُ حَقَّهُ بِالْكُلِّيَّةِ بِخِلَافِ تَرْكِ السُّتْرَةِ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ هِيَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ ابْنِ أَبِي مُوسَى‏.‏

وَالثَّانِيَة‏:‏ يُجْبَرُ عَلَى الِاتِّفَاقِ عَلَى وَجْهِ الِاشْتِرَاك نَقَلَهَا يَعْقُوبُ بْنُ بُخْتَانَ فَقَالَ يَشْتَرِكُونَ عَلَى السُّفْلِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ‏.‏

الثَّالِثَةُ لَا يُجْبَرُ وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ الْحَكَمِ وَحَكَى فِي الْمُجَرَّدِ إجْبَارَ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى أَنْ يَبْنِيَ مَعَ الْآخَرِ الْحِيطَانَ رِوَايَتَانِ وَكَذَا فِي الْإِجْبَارِ عَلَى بِنَاءِ السَّقْفِ الَّذِي يَخْتَصُّ بِمِلْكِ صَاحِبِ الْعُلُوِّ وَحَاصِلُ هَذَا يَرْجِعُ إلَى أَنَّهُ هَلْ يَلْزَمُ الْإِنْسَانُ بِنَاءَ مِلْكِهِ الْخَاصِّ بِهِ إذَا كَانَ انْتِفَاعُ غَيْرِهِ بِهِ مُسْتَحَقًّا كَمَا يَلْزَمُهُ دَفْعُ الضَّرَرِ عَنْهُ بِبِنَاءِ السُّتْرَةِ وَهَلْ يَلْزَمُ الشَّرِيكَ فِي الِانْتِفَاعِ الْبِنَاءُ مَعَ الْمَالِكِ كَالشَّرِيكِ فِي الْمِلْكِ وَعَلَى هَذَا يُخَرَّجُ إذَا كَانَ لَهُ عَلَى حَائِطِ جَارٍ لَهُ يُحَاذِيهِ سَابَاطٌ بِحَقٍّ فَانْهَدَمَ الْحَائِطُ هَلْ يُجْبَرُ الْمَالِكُ عَلَى بِنَائِهِ‏؟‏ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ إجْبَارُهُ أَنْ يَبْنِيَهُ مُنْفَرِدًا بِهِ بِغَيْرِ خِلَافٍ وَلَعَلَّ هَذَا فِيمَا إذَا كَانَ بِحَقِّ مُعَاوَضَةٍ وَمِثْلُهُ ذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي فُنُونِهِ فِي مَنْ لَهُ حَقُّ إجْرَاءِ مَائِهِ عَلَى سَطْحِ غَيْرِهِ فَعَابَ السَّطْحَ وَلَوْ بِجَرَيَانِ مَائِهِ عَلَيْهِ لَمْ يَلْزَمْ صَاحِبَ الْمَاءِ الْمُشَارَكَةُ فِي الْإِصْلَاحِ وَكَذَا لَوْ كَانَ مَاءُ تِلْكَ الدَّارِ يَجْرِي إلَى بِئْرٍ بِحَقٍّ فَعَابَتْ فَعَابَتْ الْبِئْرُ لَمْ يَلْزَمْ صَاحِبَ الْمَاءِ الْمُشَارَكَةُ فِي إصْلَاحِهَا وَيُخَرَّجُ ذَلِكَ كُلُّهُ عَلَى الْخِلَافِ فِي السُّفْلِ الَّذِي عُلُوُّهُ لِمَالِكٍ ‏[‏آخَرَ‏]‏ يَتَوَجَّهُ وَيَرْجِعُ إلَى أَنَّ الشَّرِكَةَ فِي الِانْتِفَاعِ هَلْ هِيَ كَالشَّرِكَةِ فِي الْمِلْكِ‏.‏

‏(‏وَمِنْهَا‏)‏ الْقَنَاةُ الْمُشْتَرَكَةُ إذَا تَهَدَّمَتْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى الْإِجْبَارِ عَلَى الْعِمَارَةِ كَمَا سَبَقَ وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ أَبِي مُوسَى فِيهِ خِلَافًا وَإِنَّمَا ذَكَرَ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْحَائِطِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْحَائِطَ يُمْكِنُ قِسْمَتُهُ بِخِلَافِ الْقَنَاةِ وَالْبِئْرِ وَطَرَدَ الْقَاضِي وَالْأَكْثَرُونَ فِيهِ الرِّوَايَتَيْنِ وَإِذَا لَمْ نَقُلْ بِالْإِجْبَارِ فَعَمَّرَ أَحَدُهُمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْعُ الْآخَرِ مِنْ الْمَاءِ‏.‏

ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَابْنُ عَقِيلٍ وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَالْمُغْنِي لِأَنَّ الْمَاءَ بَاقٍ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْمِلْكِ وَالْإِبَاحَةِ وَإِنَّمَا أَزَالَ الضَّرَرَ عَنْ طَرِيقِهِ وَلَا يَقَعُ الِاشْتِغَالُ عَلَى مِلْكِ الْآلَاتِ الْمَعْمُورِ بِهَا، وَفِي الْخِلَافِ الْكَبِيرِ وَالتَّمَامِ لِأَبِي الْحُسَيْنِ لَهُ الْمَنْعُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالْقَنَاةِ وَيَشْهَدُ لَهُ نَصَّ عَلَيْهِ بِالْمَنْعِ مِنْ سُكْنَى السُّفْلِ إذَا بَنَاهُ صَاحِبُ الْعُلُوِّ وَمَنَعَ الشَّرِيكَ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالْحَائِطِ إذَا أُعِيدَ بِآلَاتِهِ الْعَتِيقَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ انْتِفَاعٌ بِمَا بَذَلَ فِيهِ الشَّرِيكُ مَالَهُ فَيُمْنَعُ مِنْهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَلِأَنَّ إنْفَاقَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَشَرِيكِهِ جَائِزٌ فَيَسْتَحِقُّ الرُّجُوعَ وَلَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا‏.‏

وَمِنْهَا‏:‏ أَنَّ مَا يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ مِنْ الْأَعْيَانِ إذَا طَلَبَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ قِسْمَتَهُ أُجْبِرَ الْآخَرُ عَلَيْهَا وَعَلَى الْتِزَامِ كُلَفِهَا وَمُؤَنِهَا لِتَكْمِيلِ نَفْعِ الشَّرِيكِ، فَأَمَّا مَا لَا يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ أَحَدُهُمَا عَلَى بَيْعِهِ إذَا طَلَبَ الْآخَرُ بَيْعَهُ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ فَقَالَ إذَا اخْتَلَفُوا فِي الْقِسْمَةِ فَلَيْسَ لِلْمُضَارِّ شَيْءٌ إذَا كَانَ يَدْخُلُهُ نُقْصَانُ ثَمَنِهِ بِيعَ وَأُعْطُوا الثَّمَنَ وَكَذَا نَقَلَ حَنْبَلٌ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ كُلُّ قِسْمَةٍ مِنْهَا ضَرَرٌ لَا أَرَى أَنْ يُقْسَمَ‏.‏

مِثْلُ عَبْدٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَأَرْضٌ فِي قِسْمَتِهَا ضَرَرٌ وَيُقَالُ لِصَاحِبِهَا إمَّا أَنْ تَشْتَرِيَ وَإِمَّا أَنْ تَتْرُكَهُ إذَا كَانَ ضَرَرًا وَصَرَّحَ بِذَلِكَ ابْنُ أَبِي مُوسَى وَالْقَاضِي وَالْحَلْوَانِيُّ وَالشِّيرَازِيُّ وَابْنُ عَقِيلٍ وَالسَّامِرِيُّ وَصَاحِبُ التَّرْغِيبِ، وَصَرَّحَ بِمِثْلِهِ فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ إذَا لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى الْمُهَايَأَةِ أَوْ تَشَاحَّا، وَكَذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي انْتِصَارِهِ، وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ يُبَاعُ عِنْدَ طَلَبِ الْقِسْمَةِ وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْ الْبَيْعَ‏.‏

وَلِهَذَا مَأْخَذَانِ‏:‏ أَحَدُهُمَا‏:‏ أَنَّهُ إذَا تَعَذَّرَ قِسْمَةُ الْعَيْنِ عُدِلَ إلَى قِسْمَةِ بَدَلِهَا وَهُوَ الْقِيمَةُ، وَهَذَا مَأْخَذٌ مَنْ قَالَ يُبَاعُ بِمُجَرَّدِ طَلَبِ الْقِسْمَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ أَنَّ حَقَّ الشَّرِيكِ فِي نِصْفِ الْقِيمَةِ مِثْلًا لَا فِي قِيمَةِ النِّصْفِ فَلَوْ بَاعَ نَصِيبَهُ مُفْرَدًا لَنَقَصَ حَقُّهُ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ حَقَّهُ فِي نِصْفِ الْقِيمَةِ أَنَّ الشَّرْعَ أَمَرَ فِي السِّرَايَة أَنْ يُقَوَّمَ الْعَبْدُ كُلُّهُ ثُمَّ يُعْطَى الشُّرَكَاءُ قِيمَةَ حِصَصِهِمْ، وَقَدْ نَصَّ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّ لِلْوَلِيِّ بَيْعَ التَّرِكَةِ عَلَى الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ إذَا كَانَ فِي تَبْعِيضِهَا ضَرَرٌ وَاحْتِيجَ إلَى الْبَيْعِ، وَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ بَعْضِهِمْ مِنْ امْتِنَاعِ الْبَيْعِ عَلَى الْكِبَارِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ قَدْ يَكُونُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ ضَرَرَ مَا نَقَصَ لَيْسَ بِمَانِعٍ مِنْ قِسْمَةِ الْإِجْبَارِ كَقَوْلِ الْخِرَقِيِّ، وَإِنَّمَا الْمَانِعُ مِنْهُمَا أَنْ لَا يَنْتَفِعَ بِالْمَقْسُومِ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ عَدَمُ الْإِجْبَارِ عَلَى الْبَيْعِ فِي حَالَةِ نَقْصِ الْقِيمَةِ مَبْنِيًّا عَلَى أَنَّ الْقِسْمَةَ مُمْكِنَةٌ وَمَعَ الْإِجْبَارِ عَلَيْهَا لَا يَقَعُ الْإِجْبَارُ عَلَى الْبَيْعِ ثُمَّ وَجَدْتُ فِي مَسَائِلِ ابْنِ مَنْصُورٍ عَنْ أَحْمَدَ فِي عَبْدٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَرَادَ أَحَدُهُمَا أَنْ يَبِيعَ وَأَبَى الْآخَرُ، قَالَ أَحْمَدُ يَبِيعُ كُلٌّ مِنْهُمَا حِصَّتَهُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا إجْبَارَ عَلَى الْبَيْعِ مَعَ الشَّرِيك، وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْمُشَاعِ الْمُشْتَرَك، فَأَمَّا الْمُتَمَيِّزُ كَمَنْ فِي أَرْضِهِ غَرْسٌ لِغَيْرِهِ أَوْ فِي ثَوْبِهِ صَبْغٌ لِغَيْرِهِ إذَا طَلَبَ أَحَدُهُمَا أَنْ يَبِيعَ الْآخَرُ مَعَهُ فَفِي إجْبَارِهِ وَجْهَانِ، أَوْرَدَهُمَا صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ فِي غِرَاسِ الْمُسْتَعِيرِ لِأَنَّهُ يُسْتَدَامُ فِي الْأَرْضِ فَلَا يَتَخَلَّصُ أَحَدُهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ بِدُونِ الْبَيْعِ، بِخِلَافِ غَرْسِ الْغَاصِبِ فَإِنَّهُ يَتَخَلَّصُ مِنْهُ بِالْقَلْعِ، فَأَمَّا الْبَيْعُ فَفِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ فِي بَيْعِ الْغَاصِبِ إنْ طَلَبَ مَالِكُ الثَّوْبِ أَنْ يَبِيعَ مَعَهُ لَزِمَهُ وَفِي الْعَكْسِ وَجْهَانِ وَجَزَمَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ بِالْإِجْبَارِ عَلَى الْبَيْعِ بِطَلَبِ الْغَاصِبِ، وَأَمَّا صَبْغُ الْمُشْتَرِي إذَا أَفْلَسَ وَأَخَذَ الْبَائِعُ ثَوْبَهُ وَطَلَبَ أَحَدُهُمَا الْبَيْعَ أُجْبِرَ الْآخَرُ عَلَيْهِ، وَهَذَا لِأَنَّ الصَّبْغَ يُسْتَدَامُ فِي الثَّوْبِ فَلَا يَتَخَلَّصُ مِنْ الشَّرِكَةِ فِيهِ بِدُونِ الْبَيْع، وَإِنَّمَا فَرَّقْنَا بَيْن طَلَبِ الْغَاصِبِ وَغَيْرِهِ عَلَى وَجْهٍ لِئَلَّا يَتَسَلَّطَ الْغَاصِبُ بِعُدْوَانِهِ عَلَى إخْرَاجِ مِلْكِ غَيْرِهِ عَنْهُ قَهْرًا‏.‏

وَمِنْهَا‏:‏ قِسْمَةُ الْمَنَافِعِ بِالْمُهَايَأَةِ هَلْ تَجِبُ الْإِجَابَةُ إلَيْهَا أَمْ لَا‏؟‏ الْمَشْهُورُ عَدَمُ الْوُجُوبِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ فِي الْمَذْهَبِ سِوَاهُ وَفَرَّقُوا بَيْنَ الْمُهَايَأَةِ وَالْقِسْمَةِ بِأَنَّ الْقِسْمَةَ إفْرَازُ أَحَدِ الْمِلْكَيْنِ مِنْ الْآخَرِ وَالْمُهَايَأَةُ مُعَاوَضَةٌ حَيْثُ كَانَتْ اسْتِيفَاءً لِلْمَنْفَعَةِ مِنْ مِثْلِهَا فِي زَمَنٍ آخَرَ، وَفِيهَا تَأْخِيرُ أَحَدِهِمَا عَنْ اسْتِيفَاءِ حَقِّهِ فَلَا يَلْزَمُ بِخِلَافِ قِسْمَةِ الْأَعْيَانِ، وَنَصَّ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ وَحَنْبَلٍ وَأَبِي طَالِبٍ فِي الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ إذَا أَعْتَقَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نِصْفَهُ أَوْ كَاتَبَهُ فَإِنَّهُ يَكُونُ يَوْمًا لِنَفْسِهِ وَيَوْمًا لِسَيِّدِهِ الْبَاقِي، وَتَأَوَّلَهُ الْقَاضِي عَلَى التَّرَاضِي وَهُوَ بَعِيدٌ، وَحَكَى أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ، إحْدَاهُمَا‏:‏ يَكُونُ يَوْمًا لِنَفْسِهِ وَيَوْمًا لِسَيِّدِهِ، وَالْأُخْرَى أَنَّ كَسْبَهُ بَيْنَهُمَا وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى وُقُوعِ الْمُهَايَأَةِ حُكْمًا مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ وَفِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهٌ آخَرُ أَنَّهُ تَجِبُ الْمُهَايَأَةُ بِالْمَكَانِ دُونَ الزَّمَانِ لِانْتِفَاءِ تَأَخُّرِ اسْتِيفَاءِ أَحَدِهِمَا لِحَقِّهِ فِي الْمُهَايَأَةِ بِالْأَمْكِنَةِ فَهُوَ كَقِسْمَةِ الْأَعْيَانِ وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِانْتِفَاءِ الْوُجُوبِ مُطْلَقًا فَيَجُوزُ بِالتَّرَاضِي، وَهَلْ تَقَعُ لَازِمَةً إذَا كَانَتْ مُدَّتُهَا مَعْلُومَةً أَوْ جَائِزَةً‏؟‏ عَلَى وَجْهَيْنِ‏.‏

وَالْمَجْزُومُ فِي التَّرْغِيبِ الْجَوَازُ، وَاخْتَارَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ اللُّزُومَ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِالْجَوَازِ لَوْ رَجَعَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ اسْتِيفَاءِ نَوْبَتِهِ فَلَهُ ذَلِكَ وَإِنْ رَجَعَ بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ غَرِمَ مَا انْفَرَدَ بِهِ وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ لَا يَنْفَسِخُ حَتَّى يَنْقَضِيَ الدَّوْرُ وَيَسْتَوْفِيَ كُلٌّ مِنْهُمَا حَقَّهُ مِنْهُ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُؤْخَذَ ذَلِكَ مِنْ مَسْأَلَةِ الْقَسْمِ وَهِيَ أَنَّ مَنْ لَهُ زَوْجَتَانِ فَقَسَمَ لِإِحْدَاهُمَا ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَ الْأُخْرَى لَمْ يَجُزْ لَهُ حَتَّى يُوَفِّيَهَا حَقّهَا مِنْ الْقَسْمِ لِئَلَّا يَفُوتَ حَقُّهَا بِالطَّلَاقِ، وَلَا يُقَالُ هَذِهِ الْقِسْمَةُ لَازِمَةٌ بِخِلَافِ الْمُهَايَأَةِ لِأَنَّهَا إنَّمَا لَزِمَتْ لِأَجْلِ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَ الزَّوْجِيَّةِ، وَلِهَذَا قَالَ الْقَاضِي وَمَنْ اتَّبَعَهُ أَنَّ قَسْمَ الِابْتِدَاءِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَلَوْ اسْتَوْفَى أَحَدُهُمَا شُرَطَتِهِ ثُمَّ تَلِفَتْ الْمَنَافِعُ فِي الذَّكَرِ الْآخَرِ قَبْلَ تَمَكُّنِهِ مِنْ الْقَبْضِ، فَأَفْتَى الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ بِأَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْأَوَّلِ بِبَدَلِ حِصَّتِهِ مِنْ تِلْكَ الْمُدَّةِ الَّتِي اسْتَوْفَاهَا مَا لَمْ يَكُنْ قَدْ رَضِيَ بِمَنْفَعَةِ الزَّمَنِ الْمُتَأَخِّرِ عَلَى أَيِّ حَالٍ كَانَ جَعْلًا لِلتَّالِفِ قَبْلَ الْقَبْضِ كَالتَّالِفِ فِي الْإِجَارَةِ قَالَ وَسَوَاءٌ قُلْنَا الْقِسْمَةُ إفْرَازٌ أَوْ بَيْعٌ فَإِنَّ الْمُعَادَلَةَ مُعْتَبَرَةٌ فِيهَا عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَلِهَذَا ثَبَتَ فِيهَا خِيَارُ الْعَيْبِ وَالتَّدْلِيسِ انْتَهَى‏.‏

وَهَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِالْجَوَازِ ظَاهِرٌ، وَلَكِنَّ الشَّيْخَ رَجَّحَ اللُّزُومَ‏.‏

وَيَتَخَرَّجُ فِي الرُّجُوعِ حِينَئِذٍ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِيمَا إذَا تَقَاسَمَ الشَّرِيكَانِ الدَّيْنَ فِي ذِمَمِ الْغُرَمَاءِ ثُمَّ تَلِفَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ هَلْ يَسْتَحِقُّ صَاحِبُهُ الرُّجُوعَ عَلَى الْآخَرِ فِيمَا قَبَضَهُ أَمْ لَا‏؟‏ عَلَى رِوَايَتَيْنِ نَقَلَهُمَا مَعًا ابْنُ مَنْصُورٍ فِي مَسَائِلِهِ عَنْ أَحْمَدَ، وَرِوَايَةُ الرُّجُوعِ حَمَلَهَا الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّ الْقِسْمَةَ لَمْ تَصِحَّ، لَكِنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِمْ لَمْ تَصِحَّ أَنَّهَا غَيْرُ لَازِمَةٍ لِأَنَّ الْقَبْضَ بِهَا مُحَرَّمٌ بَاطِلٌ، وَلِهَذَا قَالُوا لَوْ قَبَضَ شَيْئًا بِإِذْنِ شَرِيكِهِ لَانْفَرَدَ بِهِ عَلَى الصَّحِيحِ فَيَكُونُ حِينَئِذٍ شَبَّهَهُ بِالْمُهَايَأَةِ‏.‏

وَمِنْهَا‏:‏ الزَّرْعُ وَالشَّجَرُ الْمُشْتَرَكُ إذَا طَلَبَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ سَقْيَهُ وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى ذَلِكَ أُجْبِرَ الْآخَرُ عَلَيْهِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَحَكَاهُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ فِيمَا إذَا أَوْصَى لِأَحَدِهِمَا بِزَرْعٍ وَلِلْآخِرِ بِتِبْنِهِ وَأَخَذَهُ مِنْ مَسْأَلَةِ الْجِدَارِ وَهُوَ أَوْلَى بِالْوُجُوبِ لِأَنَّ السَّقْيَ مِنْ بَابِ حِفْظِ الْأَصْلِ وَإِبْقَائِهِ فَهُوَ شُرَطَةٍ السَّقْفِ إذَا انْكَسَرَ بَعْضُ خَشَبِهِ وَالْحَائِطُ الْمَائِلُ، وَذَلِكَ أَوْلَى بِالْوُجُوبِ مِنْ بِنَاءِ السَّاقِطِ لِأَنَّ إعَادَةَ الْحَائِطِ بَعْدَ زَوَالِهِ شَبِيهٌ بِإِحْدَاثِ الْمَنْفَعَةِ لَكِنْ لَمَّا كَانَ رَدًّا لَهُ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ أُلْحِقَ بِاسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ، وَأَلْحَق الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بِهَذَا كُلَّ مَا فِيهِ حِفْظُ الْأَصْلِ إذَا اُحْتِيجَ إلَيْهِ مِثْلُ الْحَارِسِ وَالنَّاظِرِ وَالدَّلِيلِ عَلَى الطَّرِيقِ وَالرِّشْوَةِ الَّتِي يُحْتَاجُ إلَيْهَا لِدَفْعِ الظُّلْمِ عَنْ الْمَالِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي أَيْضًا فِيمَنْ اشْتَرَى شَجَرًا وَعَلَيْهِ ثَمَرٌ لِلْبَائِعِ أَنَّ أَحَدَهُمَا إذَا طَلَب السَّقْيَ لِحَاجَةِ مِلْكِهِ إلَيْهِ أُجْبِرَ الْآخَرُ عَلَى التَّمْكِينِ لِدُخُولِهِ عَلَى ذَلِكَ وَتَكُونُ الْأُجْرَةُ عَلَى الطَّلَبِ لِاخْتِصَاصِهِ بِالطَّلَبِ دُونَ صَاحِبِهِ، وَهَذَا يَشْمَلُ مَا إذَا كَانَ ‏[‏نَفْعُ‏]‏ السَّقْيِ رَاجِعًا إلَيْهِمَا، وَعَلَّلَ ذَلِكَ فِي الْمُغْنِي بِأَنَّ السَّقْيَ لِحَاجَتِهِ وَظَاهِرُهُ اخْتِصَاصُهُ بِحَالَةِ عَدَمِ حَاجَةِ الْآخَرِ فَإِنَّ النَّفْعَ إذَا كَانَ لَهُمَا فَالْمَئُونَةُ عَلَيْهِمَا كَبِنَاءِ الْجِدَارِ وَإِنْ عَطِشَ الْأَصْلُ وَخِيفَ عَلَيْهِ الضَّرَرُ فَفِي الْإِجْبَارِ عَلَى الْقَطْعِ وَجْهَانِ ذَكَرَهُمَا فِي الْمُغْنِي وَعَلَّلَ لِلْإِجْبَارِ بِأَنَّ الضَّرَرَ لَاحِقٌ لِلثَّمَنِ لَا مَحَالَةَ مَعَ الْقَطْعِ وَالتَّبْقِيَةِ وَالْأَصْلُ يَنْحَفِظُ بِالْقَطْعِ فَمُرَاعَاتُهُ أَوْلَى، وَذَكَرَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ فِيمَا لَوْ وَصَّى بِثَمَرِ شَجَرٍ لِرَجُلٍ وَبِرَقَبَتِهِ لِآخَرَ أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ أَحَدُهُمَا عَلَى السَّقْيِ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَمْ يَدْخُلْ عَلَى حِفْظِ مَالِ الْآخَرِ بِخِلَافِ الثَّمَرِ الْمُشْتَرَى فِي رُءُوسِ النَّخْلِ، وَهَذَا فِي سَقْيِ أَحَدِهِمَا بِخَالِصِ حَقِّ الْآخَرِ بِخِلَافِ مَا سَبَقَ فِي الْوَصِيَّةِ بِالزَّرْعِ وَالتِّبْنِ‏.‏

‏(‏الْقَاعِدَةُ السَّابِعَة وَالسَّبْعُونَ‏)‏‏:‏ مَنْ اتَّصَلَ مِلْكُهُ بِمِلْكِ غَيْرِهِ مُتَمَيِّزًا عَنْهُ وَهُوَ تَابِعٌ لَهُ وَلَمْ يُمْكِنْ فَصْلُهُ مِنْهُ بِدُونِ ضَرَرٍ يَلْحَقُهُ وَفِي إبْقَائِهِ عَلَى الشَّرِكَةِ ضَرَرٌ لَمْ يَفْصِلْهُ مَالِكُهُ فَلِمَالِك الْأَصْلِ أَنْ يَتَمَلَّكَهُ بِالْقِيمَةِ مِنْ مَالِكِهِ وَيُجْبَرَ الْمَالِكُ عَلَى الْقَبُولِ

وَإِنْ كَانَ يُمْكِنُ فَصْلُهُ بِدُونِ ضَرَرٍ يَلْحَقُ مَالِكَ الْأَصْلِ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ تَمَلُّكُهُ قَهْرًا لِزَوَالِ ضَرَرِهِ بِالْفَصْلِ وَيَتَخَرَّجُ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ‏:‏ مِنْهَا غِرَاسُ الْمُسْتَأْجِرِ وَبِنَاؤُهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ إذَا لَمْ يَقْلَعْهُ الْمَالِكُ فَلِلْمُؤَجِّرِ تَمَلُّكُهُ بِالْقِيمَةِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ قَلْعَهُ بِدُونِ ضَمَانِ نَقْصِهِ، وَفِيهِ ضَرَرٌ عَلَيْهِ ذَكَرَ ذَلِكَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَالْأَكْثَرُونَ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ أَبُو الْخَطَّابِ أَنْ لَا يَقْلَعَهُ الْمَالِكُ فَلَعَلَّهُ جَعَلَ الْخِيَرَةَ لِمَالِكِ الْأَرْضِ دُونَ مَالِكِ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ‏.‏

وَمِنْهَا‏:‏ غِرَاسُ الْمُسْتَعِيرِ وَبِنَاؤُهُ إذَا رَجَعَ الْمُعِيرُ أَوْ انْقَضَتْ مُدَّةُ الْإِعَارَةِ وَقُلْنَا يَلْزَمُ بِالتَّوْقِيتِ فَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَتَمَلَّكُ بِالْقِيمَةِ نَقَلَهُ عَنْهُ مُهَنَّا وَابْنُ مَنْصُورٍ، وَكَذَلِكَ نَقَلَ عَنْهُ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ لَكِنْ قَالَ فِي رِوَايَةٍ يَتَمَلَّكُ بِالنَّفَقَةِ وَلِمَالِكِهِ الْقَلْعُ ابْتِدَاءً بِغَيْرِ خِلَافٍ، وَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ إذَا كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ فَتَرَدَّدَ فِيهِ كَلَامُ الْأَصْحَابِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا يُقْلَعُ بِدُونِ شَرْطٍ‏.‏

وَمِنْهَا‏:‏ غِرَاسُ الْمُشْتَرِي فِي الْأَرْضِ الْمَشْفُوعَةِ وَبِنَاؤُهُ حَيْثُ يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ إذَا انْتَزَعَ الشَّفِيعُ فَإِنَّهُ يَأْخُذُهُ مَعَ الْأَرْضِ بِقِيمَتِهِ نَصَّ عَلَيْهِ وَلِمَالِكِهِ أَنْ يَقْلَعَهُ أَيْضًا وَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَضْمَنَ لَهُ النَّقْصَ‏.‏

وَمِنْهَا‏:‏ غِرَاسُ الْمُفْلِسِ وَبِنَاؤُهُ إذَا رَجَعَ صَاحِبُ الْأَرْضِ فَلِلْمُفْلِسِ وَالْغُرَمَاءِ الْقَلْعُ فَإِنْ أَبَوْهُ وَطَلَبَ الْبَائِعُ التَّمَلُّكَ بِالْقِيمَةِ مَلَّكَهُ، وَكَذَلِكَ إذَا طَلَبَ الْقَلْعَ مَضْمُونًا‏.‏

وَمِنْهَا‏:‏ إذَا أَصْدَقهَا أَرْضًا فَغَرَسَتْ فِيهَا أَوْ بَنَتْ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَطَلَبَ الرُّجُوعَ فِي نِصْفِهَا وَبَذْلَ نِصْفِ قِيمَةِ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ قَالَ الْخِرَقِيِّ يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ‏.‏

وَقَالَ الْقَاضِي يَسْقُطُ حَقُّهُ إلَى الْقِيمَةِ عَلَى قَوْلِهِ فَلَيْسَتْ الْمَسْأَلَةُ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ فَإِنْ قِيلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا يَتَمَلَّكُ فِيهِمَا الْغِرَاسَ وَالْبِنَاءَ مَعَ الْأَرْضِ فَلَا يَكُونَانِ مِنْ صُوَرِ مَسَائِلِ الْقَاعِدَةِ‏.‏

قِيلَ بَلْ هُمَا مِنْهَا فَإِنَّ الشَّفِيعَ إنَّمَا اسْتَحَقَّ انْتِزَاعَ بِنَاءِ الْمُشْتَرِي وَغِرَاسِهِ لِأَنَّهُ أَحْدَثَهُ فِي حَالِ تَعَلُّقِ حَقِّهِ بِهِ، فَكَأَنَّهُ قَدْ أَحْدَثَهُ فِي مِلْكِهِ، وَكَذَلِكَ الزَّوْجَةُ لِأَنَّهَا قَبْلَ الدُّخُولِ لَمْ يَسْتَقِرَّ لَهَا الْمِلْكُ عَلَى النِّصْفِ لِتَعَرُّضِهِ لِعَوْدِهِ إلَى الزَّوْجِ بِاخْتِيَارِهِ تَارَةً وَبِغَيْرِهِ أُخْرَى، وَفِي انْتِقَالِ مِلْكِ النِّصْفِ إلَيْهَا خِلَافٌ مَشْهُورٌ فَكَذَلِكَ ‏[‏يَسْتَحِقُّ‏]‏ الزَّوْجُ تَمَلُّكَهُ‏.‏

وَمِنْهَا‏:‏ الْقَابِضُ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ مِنْ الْمَالِكِ إذَا غَرَسَ وَبَنَى فَلِلْمَالِكِ تَمَلُّكُهُ بِالْقِيمَةِ كَغِرَاسِ الْمُسْتَعِيرِ وَلَا يَقْلَعُ إلَّا مَضْمُونًا بِالِاسْتِنَادِ إلَى الْإِذْنِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ‏.‏

وَمِنْهَا‏:‏ غَرْسُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِالْحَالِ، وَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَتَمَلَّكُ بِالْقِيمَةِ وَلَا يَقْلَعُ مَجَّانًا نَقَلَهُ عَنْهُ حَرْبٌ وَيَعْقُوبُ بْنُ بُخْتَانَ فِي رَجُلٍ بَاعَ أَرْضًا مِنْ رَجُلٍ فَعَمِلَ فِيهَا وَغَرَسَ ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا آخَرُ قَالَ يَرُدُّ عَلَيْهِ قِيمَةَ الْغِرَاسِ أَوْ نَفَقَتَهُ لَيْسَ هَذَا مِثْلَ مَنْ غَرَسَ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ نَقَلَ عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حَرْبٍ الْجُرْجَانِيُّ عَنْ أَحْمَدَ فِيمَنْ اشْتَرَى أَرْضًا فَغَرَسَ فِيهَا وَعَمِلَ ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا آخَرُ أَنَّهُ يَرُدُّ عَلَيْهِ قِيمَةَ الْغِرَاسِ يَوْمَ يَسْتَحِقُّ لَيْسَ هَذَا مِثْلَ الْغِرَاسِ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ فَيَقْلَعُ غَرْسَهُ، وَحَمَلَ الْقَاضِي هَذِهِ النُّصُوصَ عَلَى أَنَّ لَهُ الْقِيمَةَ عَلَى مَنْ غَرَّهُ كَمَا فِي الْغُرُورِ بِنِكَاحِ أَمَةٍ، قَالَ فَأَمَّا الْمُسْتَحِقُّ الْأَرْضَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ إذْنٌ فِي ذَلِكَ، وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَدْلُولِ هَذِهِ النُّصُوصِ عَلَى مَا لَا يَخْفَى وَكَوْنُهُ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ إذْنٌ لَا يَنْفِي كَوْنَ الْغِرَاسِ مُحَرَّمًا كَمَا نَقُولُ فِيمَنْ حَمَلَ السَّيْلُ إلَى أَرْضِهِ نَوًى فَنَبَتَ شَجَرًا أَنَّهُ كَغِرَاسِ الْمُسْتَعِيرِ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ لَا يُقْلَعُ مَجَّانًا لِعَدَمِ التَّعَدِّي فِي غَرْسِهِ وَهُوَ اخْتِيَارُهُ أَعْنِي الْقَاضِي، وَأَقَرَّهَا الْبَاقِي فِي مَوْضِعٍ مِنْ خِلَافِهِ رِوَايَةً، وَكَذَلِكَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ، وَلَكِنَّ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى وَالْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَتَبِعَهُ عَلَيْهِ الْمُتَأَخِّرُونَ أَنَّ لِلْمَالِكِ قَلْعَهُ مَجَّانًا وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِالنَّقْصِ عَلَى مَنْ غَرَّهُ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَلَا يَثْبُتُ عَنْ أَحْمَدَ سِوَاهُ، وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ وَمَالِكٍ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَبِهِ قَضَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، لَكِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ خَيَّرَ صَاحِبَ الْأَرْضِ بَيْنَ أَنْ يُعْطِيَ الْغَارِسَ قِيمَةَ غَرْسِهِ وَبَيْنَ أَنْ يَدْفَعَ الْغَارِسُ إلَيْهِ قِيمَةَ أَرْضِهِ، وَكَذَلِكَ قَضَى عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، لَكِنَّهُ إنَّمَا قَضَى بِدَفْعِ قِيمَةِ الْأَرْضِ إلَى الْمَالِكِ عِنْدَ عَجْزِهِ عَنْ دَفْعِ قِيمَةِ الْغِرَاسِ وَقَدْ ذَكَرَ هَذِهِ الْآثَارَ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ، وَالْخَلَّالُ فِي كِتَابِ الْقُرْعَةِ مِنْ الْجَامِعِ‏.‏

وَمِنْهَا‏:‏ غِرَاسُ الْغَاصِبِ وَبِنَاؤُهُ وَالْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ لِلْمَالِكِ قَلْعَهُ مَجَّانًا وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَانِيَةٌ لَا يَقْلَعُ بَلْ يَتَمَلَّكُ بِالْقِيمَةِ أَيْضًا وَمِمَّنْ حَكَاهَا الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ فِي كِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ لَهُمَا وَخَرَّجَاهَا فِي خِلَافَيْهِمَا مِنْ مَسْأَلَةِ الصَّبْغِ، وَنَصَّ عَلَيْهَا أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ فِيمَنْ غَصَبَ أَرْضًا أَوْ دَارًا وَبَنَى فِيهَا قَالَ يُعْجِبُنِي أَنْ يَغْرَمَ الْبِنَاءَ وَيُغَطَّى لِأَنَّهُ إنْ أَخَذَ الْغَاصِبُ بِنَاءً أَضَرّ بِرَبِّ الْأَرْضِ فِي الْخَرَابِ وَالْهَدْمِ وَيَكُونُ أَيْضًا ذَهَاب مَالِ الْغَاصِبِ فِي الْآجُرِّ وَالْجِصِّ وَكُلِّ شَيْءٍ وَفِي مَسَائِلِ ابْنِ هَانِئٍ عَنْ أَحْمَدَ فِي رَجُلٍ اكْتَرَى أَرْضًا فَغَرَسَ فِيهَا أَشْجَارًا وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِ رَبُّ الْأَرْضِ أَنْ لَا يَغْرِسَ فِيهَا غَيْرَهُ فَغَرَسَ فِيهَا شَجَرًا يَعْنِي غَيْرَ مَا اشْتَرَطَهُ وَأَثْمَرَ الشَّجَرُ وَأَرَادَ أَنْ يَقْلَعَ الْغِرَاسَ قَالَ لَا يَقْلَعُ الشَّجَرَ مِنْ الْأَرْضِ ‏[‏لِئَلَّا‏]‏ يَضُرَّ بِهِمَا جَمِيعًا، وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَلَا يَقْلَعُ إلَّا مَضْمُونًا لِغَرْسِ الْمُسْتَعِيرِ كَذَلِكَ حَكَاهَا الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ فَلِذَلِكَ يَمْلِكُ بِالْقِيمَةِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ الْقَلْعُ بِدُونِ ضَرَرٍ‏.‏

وَمِنْهَا‏:‏ إذَا بَنَى الْوَارِثُ فِي الْأَرْضِ الْمُوصَى بِهَا قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى إنْ كَانَ غَيْرَ عَالَمٍ بِالْوَصِيَّةِ فَهُوَ مُحْتَرِمٌ يَتَمَلَّكُ بِقِيمَتِهِ غَيْرَ مَقْلُوعٍ وَجْهًا وَاحِدًا، وَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِالْوَصِيَّةِ فَكَذَلِكَ وَيَتَوَجَّهُ أَنْ يَقْلَعَ بِنَاءَهُ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ مَا قَبْلَ الْقَبُولِ وَبَعْدَهُ فَإِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ تُمْلَكُ بِالْمَوْتِ مِنْ غَيْرِ قَبُولٍ فَإِنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ مَنْ أَوْصَى لِمَنْ لَا يَعْرِفُ حُمِلَتْ وَصِيَّتُهُ إلَى الْحَاكِمِ لِيُفَرِّقَهَا فِي أَبْوَابِ الْبِرِّ وَنَصَّ أَحْمَدُ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا وَلَكِنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ الْوَارِثَ إذَا بَنَى وَهُوَ عَالِمٌ بِالْوَصِيَّةِ أَنَّ بِنَاءَهُ لَا يُقْلَعُ يُشْكِلُ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَكُونُ كَبِنَاءِ الْغَاصِبِ، وَأَمَّا غَيْرُ الْعَالِمِ فَبِنَاؤُهُ كَبِنَاءِ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ عَلَى مَا سَبَقَ، وَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ أَنَّ الْبِنَاءَ لِلْوَرَثَةِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِتَمَلُّكِهِ عَلَيْهِمْ وَلَا لِقَلْعِهِ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ مُحْتَرِمٌ وَذَلِكَ يَرْجِعُ إلَى أَنَّ الْمُوصَى لَهُ يَمْلِكُهُ مِنْ حِينِ الْقَبُولِ، أَمَّا إنْ قِيلَ يَمْلِكُهُ بِالْمَوْتِ أَوْ يَتَبَيَّنُ بِقَبُولِهِ مِلْكَهُ بِالْمَوْتِ فَالْبِنَاءُ فِي الْأَرْضِ مَعَ الْعِلْمِ بِالْحَالِ تَفْرِيطٌ وَعُدْوَانٌ‏.‏

وَمِنْهَا‏:‏ مَنْ كَانَ فِي أَرْضِهِ نَخْلَةٌ لِغَيْرِهِ فَلَحِقَ صَاحِبَ الْأَرْضِ ضَرَرٌ بِدُخُولِهِ قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ ذَكَرَ لَهُ الْحَدِيثَ الَّذِي وَرَدَ فِي ذَلِكَ وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ صَاحِبَهَا أَنْ يَبِيعَ فَأَبَى فَأَمَرَهُ أَنْ يُنَاقِلَ فَأَبَى فَأَمَرَهُ أَنْ يَهَبَ فَأَبَى فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «أَنْتَ مُضَارٌّ، اذْهَبْ فَاقْلَعْ نَخْلَهُ»‏.‏ قَالَ أَحْمَد كُلَّمَا كَانَ عَلَى هَذِهِ الْجِهَةِ وَفِيهِ ضَرَرٌ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ فَإِنْ أَجَابَ وَإِلَّا جَبَرَهُ السُّلْطَانُ، وَلَا يَضُرُّ بِأَخِيهِ إذَا كَانَ ذَلِكَ فِيهِ مِرْفَقٌ لَهُ وَالْحَدِيثُ الْمُشَارُ إلَيْهِ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي السُّنَنِ وَأَوْرَدَهُ الْخَلَّالُ فِي الْجَامِعِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَلَا يُقَالُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِضَمَانِ النَّقْصِ فَيَكُونُ كَغَرْسِ الْغَاصِبِ فَكَيْفَ يَتَمَلَّكُ لِأَنَّا قَدَّمْنَا الْخِلَافَ فِي غَرْسِ ‏[‏الْغَاصِبِ‏]‏ وَأَيْضًا فَالْأَمْرُ بِالْقَلْعِ هُنَا إنَّمَا كَانَ عِنْدَ الْإِصْرَارِ عَلَى الْمُضَارَّةِ وَالِامْتِنَاعِ مِنْ قَبُولِ مَا يَدْفَعُ ضَرَرَ الْمَالِكِ وَلِهَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا فِي الْمُسْتَعِيرِ إذَا امْتَنَعَ الْمُعِيرُ مِنْ الضَّمَانِ مُطْلَقًا فَطَلَبَ قِيمَةَ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ أُجِيبَ إلَى ذَلِكَ وَإِنْ طَلَبَ الْقَلْعَ وَضَمَانَ النَّقْصِ لَمْ يُجَبْ‏.‏

وَمِنْ ذَلِكَ إذَا اشْتَرَى حَيَوَانًا يُؤْكَلُ وَاسْتَثْنَى رَأْسَهُ أَوْ أَطْرَافَهُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ، فَإِذَا امْتَنَعَ الْمُشْتَرِي مِنْ الذَّبْحِ لَمْ يَجِبْ وَكَانَ لَهُ قِيمَةُ الْمُسْتَثْنَى نَصَّ عَلَيْهِ‏.‏

وَمِنْ ذَلِكَ مَنْ مَلَكَ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ ثُمَّ زَالَ عَنْهُ مِلْكُهُ بِفَسْخٍ هَلْ يَمْلِكُ مَنْ عَادَ إلَيْهِ الْمِلْكُ وَيَمْلِكُ الصَّبْغَ بِالْقِيمَةِ أَمْ لَا قَالَ الْأَصْحَابُ فِي بَائِعِ الْمُفْلِسِ إذَا دَفَعَ إلَيْهِ الثَّوْبَ وَفِيهِ صِبْغٌ أَنَّ لَهُ تَمَلُّكَهُ بِالْقِيمَةِ لِأَنَّهُ مُعَدٌّ لِلْبَيْعِ وَلَا بُدَّ فَيَكُونُ الْبَائِعُ أَوْلَى مِنْهُ لِاتِّصَالِهِ بِمِلْكِهِ، وَأَمَّا إنْ رَجَعَ إلَيْهِ بِفَسْخٍ بِعَيْبٍ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ تَمَلُّكَهُ قَهْرًا، وَخَرَّجَ ابْنُ عَقِيلٍ وَجْهًا آخَر أَنَّهُ يَتَمَلَّكُهُ بِالْقِيمَةِ مِنْ مَسْأَلَةِ الْخِرَقِيِّ فِي الصَّدَاقِ حَيْثُ قَالَ لَهُ تَمَلُّكُ الصَّبْغِ بِقِيمَتِهِ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَرُدُّ الْمَبِيعَ عَلَى الْبَائِعِ وَيَأْخُذُ مِنْهُ قِيمَةَ الصَّبْغِ وَهَذَا يُشْعِرُ بِإِجْبَارِ الْبَائِعِ عَلَى دَفْعِ قِيمَتِهِ، وَأَمَّا الْغَاصِبُ إذَا صَبَغَ الثَّوْبَ فَهَلْ لِلْمَالِكِ تَمَلُّكُ الصَّبْغِ بِقِيمَتِهِ قَهْرًا أَمْ لَا‏؟‏ فِيهِ وَجْهَانِ وَاخْتَارَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ عَدَمَهُ وَصَحَّحَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ خِلَافَهُ لِأَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ قَلْعَهُ وَيَمْلِكُهُ عَلَى وَجْهٍ مَضْمُونًا بِخِلَافِ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ فَلَا يَتَخَلَّصُ مِنْ الضَّرَرِ بِدُونِ تَمَلُّكِهِ فَأَمَّا الْآثَارُ الَّتِي يَقَعُ بِهَا الشَّرِكَةُ كَضَرْبِ الْحَدِيدِ مَسَامِيرَ وَنَجْرِ الْخَشَبِ أَبْوَابًا فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ الْغَاصِبِ فَنَصَّ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَكَمِ عَلَى أَنَّ الْمَالِكَ يَدْفَعُ إلَيْهِ قِيمَةَ الزِّيَادَةِ وَيَتَمَلَّكُهُ عَلَيْهِ وَكَذَا قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى وَالشِّيرَازِيُّ لَكِنَّهُمَا جَعَلَا الْمَرْدُودَ نَفَقَةَ الْعَمَلِ دُونَ الْقِيمَةِ‏.‏

‏(‏الْقَاعِدَةُ الثَّامِنَةُ وَالسَّبْعُونَ‏)‏‏:‏ مَنْ أَدْخَلَ النَّقْصَ عَلَى مِلْكِ غَيْرِهِ لِاسْتِصْلَاحِ تَمَلُّكِهِ وَتَخَلُّصِهِ مِنْ مِلْكِ غَيْرِهِ

فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ دَخَلَ النَّقْصُ عَلَيْهِ بِتَفْرِيطٍ بِاشْتِغَالِ مِلْكِهِ بِمِلْكِ غَيْرِهِ فَالضَّمَانُ عَلَى مَنْ أَدْخَلَ النَّقْصَ، وَإِنْ كَانَ مِنْهُ تَفْرِيطٌ فَلَا ضَمَانَ عَلَى مَنْ أَدْخَلَ النَّقْصَ وَكَذَا إنْ وُجِدَ مِمَّنْ دَخَلَ النَّقْصُ عَلَيْهِ إذْنٌ فِي تَفْرِيغِ مِلْكِهِ مِنْ مِلْكِ غَيْرِهِ حَيْثُ لَا يُجْبَرُ الْآخَرُ عَلَى التَّفْرِيغِ وَإِنْ وُجِدَ مِنْهُ إذْنٌ فِي إشْغَالِ مِلْكِهِ بِمَالِ غَيْرِهِ حَيْثُ لَا يُجْبَرُ الْآخَرُ عَلَى التَّفْرِيغِ فَوَجْهَانِ، وَيُفَرَّعُ عَلَى ذَلِكَ مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا‏:‏ لَوْ بَاعَ دَارًا فِيهَا نَاقَةٌ لَمْ تَخْرُجْ مِنْ الْبَابِ إلَّا بِهَدْمِهِ فَإِنَّهُ يَهْدِمُ وَيَضْمَنُ لِلْمُشْتَرِي النَّقْصَ‏.‏

وَمِنْهَا‏:‏ لَوْ اشْتَرَى أَرْضًا فِيهَا زَرْعٌ لِلْبَائِعِ فَحَصَدَهُ فَإِنْ لَمْ يَبْقَ لَهُ عُرُوقٌ أَوْ كَانَتْ لَا تَضُرُّ فَلَيْسَ عَلَيْهِ نَقْلُهَا، وَإِنْ كَانَتْ تَضُرُّ عُرُوقُهُ بِالْأَرْضِ كَالْقُطْنِ وَالذُّرَةِ فَعَلَيْهِ النَّقْلُ وَتَسْوِيَةُ الْحَفْرِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ‏.‏

وَمِنْهَا‏:‏ لَوْ دَخَلَ حَيَوَانُ غَيْرِهِ دَارِهِ وَتَعَذَّرَ إخْرَاجُهُ بِدُونِ هَدْمِ بَعْضِهَا أَوْ أَدْخَلَتْ بَهِيمَةُ غَيْرِهِ رَأْسَهَا فِي قِدْرِهِ أَوْ وَقَعَ دِينَارُ غَيْرِهِ فِي مِحْبَرَتِهِ وَتَعَذَّرَ إخْرَاجُهُ بِدُونِ الْكَسْرِ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِتَفْرِيطِ أَحَدٍ فَهُدِمَتْ الدَّارُ وَكُسِرَتْ الْقِدْرُ أَوْ الْمَحْبَرَةُ فَالضَّمَانُ عَلَى صَاحِبِ الْحَيَوَانِ وَالدِّينَارِ‏.‏

وَمِنْهَا‏:‏ لَوْ حَمَلَ السَّيْلُ إلَى أَرْضِهِ غَرْسَ غَيْرِهِ فَنَبَتَ فِيهَا فَقَلَعَهُ مَالِكُهُ فَعَلَيْهِ تَسْوِيَةُ حُفَرِهِ‏.‏

وَمِنْهَا‏:‏ لَوْ اشْتَرَى أَرْضًا فَغَرَسَهَا ثُمَّ أَفْلَسَ وَرَجَعَ فِيهَا الْبَائِعُ وَاخْتَارَ الْمُفْلِسُ وَالْغُرَمَاءُ الْقَلْعَ فَعَلَيْهِمْ تَسْوِيَةُ الْحُفَرِ وَضَمَانُ أَرْشِ النَّقْصِ لِأَنَّهُ نَقْصٌ حَصَلَ بِفُعْلِهِمْ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ لِيُخَلِّصَ مِلْكَهُمْ مِنْهُ‏.‏

وَمِنْهَا‏:‏ لَوْ غَصَبَ فَصِيلًا وَأَدْخَلَهُ دَارِهِ وَكَبِرَ وَتَعَذَّرَ إخْرَاجُهُ بِدُونِ هَدْمِهَا فَإِنَّهَا تُهْدَمُ مِنْ غَيْرِ ضَمَانٍ لِتَفْرِيطِهِ، وَكَذَلِكَ إذَا غَصَبَ غِرَاسًا وَغَرَسَهُ فِي أَرْضِهِ فَإِنَّهُ يَقْلَعُ وَلَا يَضْمَنُ حُفَرَهُ‏.‏

وَمِنْهَا‏:‏ لَوْ غَصَبَ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ ثُمَّ طَلَبَ قَلْعَ صِبْغِهِ وَقُلْنَا يَمْلِكُهُ فَعَلَيْهِ نَقْصُ الثَّوْبِ بِذَلِكَ كَمَا لَوْ غَرَسَ الْأَرْضَ الَّتِي غَصَبَهَا ثُمَّ قَلَعَ غَرْسَهُ‏.‏

وَمِنْهَا‏:‏ لَوْ أَعَارَهُ أَرْضًا لِلْغِرَاسِ ثُمَّ أَخَذَ غَرْسَهُ فَإِنْ كَانَ قَدْ شَرَطَ عَلَيْهِ الْقَلْعَ فَلَا يَلْزَمُهُ ضَمَانُ النَّقْصِ بِذَلِكَ وَلَا تَسْوِيَةُ الْحُفَرِ لِأَنَّ الْمَالِكَ رَضِيَ بِذَلِكَ بِاشْتِرَاطِهِ ‏[‏لَهُ‏]‏ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ عَلَيْهِ الْقَلْعَ فَوَجْهَانِ‏:‏ أَحَدُهُمَا‏:‏ لَا يَلْزَمُهُ أَيْضًا قَالَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ لِأَنَّ الْإِعَارَةَ مَعَ الْعِلْمِ بِجَوَازِ الْقَلْعِ رِضَاءٌ بِمَا يَنْشَأُ عَنْهُ مِنْ الْحَفْرِ‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ وَبِهِ جَزَمَ صَاحِبُ الْكَافِي لِأَنَّهُ قَلَعَ بِاخْتِيَارِهِ حَيْثُ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ فَقَدْ أَدْخَلَ النَّقْصَ عَلَى مِلْكِ غَيْرِهِ لِاسْتِصْلَاحِ مَالِهِ وَعَلَى هَذَا فَلَوْ طَلَبَ مِنْهُ الْمَالِكُ الْقَلْعَ وَبَذْلَ أَرْشِ النَّقْصِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُلْزِمَهُ التَّسْوِيَةَ لِأَنَّ الْقَلْعَ بِأَمْرِ الْمَالِكِ مَعَ أَنَّ كَلَامَ ابْنِ عَقِيلٍ وَغَيْرِهِ يُشْعِرُ بِخِلَافِ ذَلِكَ فَأَمَّا الْإِعَارَةُ لِلزَّرْعِ إذَا كَانَ عُرُوقُهُ الثَّابِتَةُ تَضُرُّ بِالْأَرْضِ فَقَدْ يُقَالُ يَجِبُ نَقْلُهَا وَتَسْوِيَةُ الْحُفَرِ لِأَنَّ الزَّرْعَ يُجْبَرُ عَلَى تَفْرِيغِ الْأَرْضِ مِنْهُ بِخِلَافِ الْغَرْسِ وَقَدْ يُقَالُ لَا يَجِبُ لِأَنَّ الْإِذْنَ فِيهِ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ لَا يُبْقِي رِضًا بِمَا يَنْشَأُ مِنْ قَلْعِهِ الْمُعْتَادِ‏.‏

وَمِنْهَا‏:‏ إذَا أَجَّرَهُ أَرْضًا لِلْغِرَاسِ وَانْقَضَتْ الْمُدَّةُ كَانَ الْقَلْعُ مَشْرُوطًا عِنْدَ انْقِضَائِهَا فَلَا ضَمَانَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَشْرُوطًا فَفِيهِ الْوَجْهَانِ أَيْضًا وَلَمْ يَحْكِ صَاحِبُ الْكَافِي فِي الضَّمَانِ خِلَافًا وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَعَلَّلَ بِأَنَّهُ قَلَعَ غَرْسَهُ مِنْ أَرْضِ غَيْرِهِ الَّتِي لَا يَدُلُّهُ عَلَيْهَا بِغَيْرِ أَمْرِهِ، وَجَزَمَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ بِعَدَمِ الضَّمَانِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ خِلَافًا وَعَلَّلَ بِأَنَّ الْمَالِكَ دَخَلَ عَلَى ذَلِكَ‏.‏

وَمِنْهَا‏:‏ إذَا غَرَسَ الْمُشْتَرِي فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْتَزَعَهَا الشَّفِيعُ فَقَلَعَ الْمُشْتَرِي غَرْسَهُ فَفِيهِ وَجْهَانِ‏:‏ أَحَدُهُمَا‏:‏ عَلَيْهِ تَسْوِيَةُ الْحَفْرِ وَضَمَانُ النَّقْصِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ لِأَنَّ قَلْعَهُ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ لِتَخْلِيصِ مِلْكِهِ‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَبِهِ جَزَمَ فِي الْكَافِي مُعَلِّلًا بِانْتِفَاءِ عُدْوَانِهِ مَعَ أَنَّهُ جَزَمَ فِي بَابِ الْعَارِيَّةِ بِخِلَافِهِ وَالْقَاضِي إنَّمَا عَلَّلَهُ بِأَنَّهُ مِلْكُ نَفْسِهِ مِنْ مِلْكِ نَفْسِهِ وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ إذَا قَلَعَ قَبْلَ تَمَلُّكِ الشَّفِيعِ لَا بَعْدَهُ‏.‏

‏(‏الْقَاعِدَةُ التَّاسِعَة وَالسَّبْعُونَ‏)‏‏:‏ الزَّرْعُ النَّابِتُ فِي أَرْضِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنٍ صَحِيحٍ أَقْسَامٌ

الْقِسْمُ الْأَوَّلُ‏:‏ أَنْ يَزْرَعَ عُدْوَانًا مَحْضًا غَيْرَ مُسْتَنِدٍ إلَى إذْنٍ بِالْكُلِّيَّةِ، وَهُوَ زَرْعُ الْغَاصِبِ فَالْمَذْهَبُ أَنَّ الْمَالِكَ إنْ أَدْرَكَهُ نَابِتًا فِي الْأَرْضِ فَلَهُ تَمَلُّكُهُ بِنَفَقَتِهِ أَوْ بِقِيمَتِهِ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ، وَإِنْ أَدْرَكَهُ قَدْ حَصَدَ فَلَا حَقَّ لَهُ فِيهِ، وَنَقَلَ حَرْبٌ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ لَهُ تَمَلُّكَهُ أَيْضًا، وَوَهِمَ أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ نَاقِلُهَا عَلَى أَنَّ مِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ رَجَّحَهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الزَّرْعَ نَبَتَ عَلَى مِلْكِ مَالِكِ الْأَرْضِ ابْتِدَاءً وَالْمَعْرُوفُ فِي الْمَذْهَبِ خِلَافُهُ وَالْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ فِي الْمَسْأَلَةِ هُوَ حَدِيثُ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، وَقَدْ احْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ تَارَةً، وَقَالَ تَارَةً مَا أَرَاهُ مَحْفُوظًا وَذَكَرَ فِيهِ حَدِيثًا آخَرَ مُرْسَلًا مِنْ مَرَاسِيلِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ، وَقَالَ هُوَ شَيْءٌ لَا يُوَافِقُ الْقِيَاسَ وَفَرَّقَ بَيْنَ زَرْعِ الْغَاصِبِ وَغَرْسِهِ حَيْثُ يَقْلَعُ غَرْسَهُ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ «لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» فَإِنَّ الزَّرْعَ يَتْلَفُ بِالْقَلْعِ فَقَلْعُهُ فَسَادٌ بِخِلَافِ الْغَرْسِ وَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ قَرَّرَ مُوَافَقَتَهُ لِلْقِيَاسِ بِأَنَّ الْمُتَوَلِّدَ بَيْنَ أَبَوَيْنِ مَمْلُوكَيْنِ مِنْ الْآدَمِيِّينَ يَكُونُ مِلْكًا لِمَالِكِ الْأُمِّ دُونَ مَالِكِ الْأَبِ بِالِاتِّفَاقِ مَعَ كَوْنِهِ مَخْلُوقًا مِنْ مَائِهِمَا وَبُطُونُ الْأُمَّهَاتِ بِمَنْزِلَةِ الْأَرْضِ وَمَاءُ الْفُحُولِ بِمَنْزِلَةِ الْبَذْرِ، وَلِهَذَا سَمَّى النِّسَاءَ حَرْثًا، وَلَعَنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ سَقَى مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ، فَجَعَلَ الْوَلَدَ زَرْعًا وَهُوَ لِمَالِكِ أُمِّهِ وَسِرُّ ذَلِكَ أَنَّ الْحَيَوَانَ يَنْعَقِدُ مِنْ الْمَاءَيْنِ ثُمَّ وَأُدْخِلْنِي مِنْ دَمِ الْمَرْأَةِ فَأَكْثَرُ أَجْزَائِهِ مَخْلُوقَةٌ مِنْ الْأُمِّ كَذَلِكَ الْبَذْرُ يَنْحَلُّ فِي الْأَرْضِ وَيَنْعَقِدُ الزَّرْعُ مِنْ التُّرْبَةِ وَالْحَبَّةِ ثُمَّ يَتَغَذَّى مِنْ الْأَرْضِ وَمَائِهَا وَهَوَائِهَا فَتَصِيرُ أَكْثَرَ أَجْزَائِهِ مِنْ الْأَرْضِ وَإِنَّمَا خُيِّرَ مَالِكُ الْأَرْضِ بَيْنَ تَمَلُّكِهِ وَبَيْنَ أَخْذِ الْأُجْرَةِ لِأَنَّهُ قَابِلٌ لِاسْتِيفَائِهِ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ بِخِلَافِ الْإِيلَادِ وَجَبْرِ حَقِّ صَاحِبِ الْبَذْرِ بِإِعْطَائِهِ قِيمَةَ بَذْرِهِ وَنَفَقَةَ عَمَلِهِ حَيْثُ كَانَ مُتَقَوِّمًا بِخِلَافِ مَا يُخْلَقُ مِنْهُ الْوَلَدُ فَإِنَّهُ لَا قِيمَةَ لَهُ فَلِذَلِكَ لَمْ يَجِبْ لِأَحَدِ الْأَبَوَيْنِ شَيْءٌ وَهَذَا مُطَّرِدٌ فِي جَمِيعِ الْمُتَوَلِّدَاتِ بَيْنَ شَيْئَيْنِ فِي الْحَيَوَانِ وَالنَّبَاتِ وَالْمَعْدِنِ حَتَّى لَوْ أَلْقَى رَجُلٌ فِي أَرْضِ رَجُلٍ شَيْئًا مِمَّا تُنْبِتُ الْمَعَادِنَ لَكَانَ الْخَارِجُ مِنْهُ لِرَبِّ الْأَرْضِ كَالنِّتَاجِ وَالزَّرْعِ وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ سَلَكَهَا الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ وَابْنُ عَقِيلٍ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَهَذَا مُلَخَّصٌ مِنْ كَلَامِهِ‏.‏

الْقِسْمُ الثَّانِي‏:‏ أَنْ يُؤْذَنَ لَهُ فِي زَرْعِ شَيْءٍ فَيَزْرَعُ مَا ضَرَرُهُ أَعْظَمُ مِنْهُ كَمَنْ اسْتَأْجَرَ لِزَرْعِ شَعِيرٍ فَزَرَعَ ذُرَةً أَوْ دُخْنًا فَحُكْمُهُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ حُكْمُ الْغَاصِبِ لِتَعَدِّيهِ بِزَرْعِهِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُسْتَنِدٍ إلَى إذْنٍ وَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَلَيْهِ ضَمَانَ أُجْرَةِ الْمِثْلِ لِلزِّيَادَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ تَمَلُّكًا فَإِنَّ هَذَا الزَّرْعَ بَعْضُهُ مَأْذُونٌ فِيهِ وَهُوَ قَدْرُ ضَرَرِ الْمُسْتَأْجِرِ لَهُ وَالزِّيَادَةُ عَلَيْهِ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهَا، وَهِيَ غَيْرُ مُتَمَيِّزَةٍ فَكَيْفَ يَتَمَلَّكُ الْمُؤَجِّرُ الزَّرْعَ كُلَّهُ‏.‏

وَقَدْ يَنْبَنِي ذَلِكَ عَلَى اخْتِلَافِ الْوَجْهَيْنِ فِي قَدْرِ الْوَاجِبِ مِنْ الْأُجْرَةِ هَلْ هُوَ الْأُجْرَةُ الْمُسَمَّاةُ مَعَ تَفَاوُتِ مَا بَيْنَ الْأُجْرَتَيْنِ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ أَمْ الْوَاجِبُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِلْجَمِيعِ حَيْثُ تَمَحَّضَ عُدْوَانٌ‏؟‏ وَالْمَنْصُوصُ الْأَوَّل وَهُوَ قَوْلُ الْخِرَقِيِّ، وَالْقَاضِي‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ اخْتِيَارُ ابْنِ عَقِيلٍ وَافْتِتَاحُ الْقَاضِي عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَكَلَامُهُ فِي التَّنْبِيهِ مُوَافِقٌ الْوَجْهَ الْأَوَّلَ لَا يَتَوَجَّهُ أَنْ يَتَمَلَّكَ الْمُؤَجِّرُ الزَّرْعَ كُلَّهُ وَعَلَى الثَّانِي يَتَوَجَّهُ ذَلِكَ فَكَيْفَ جَزَمَ الْقَاضِي بِتَمَلُّكِهِ مَعَ اخْتِيَارِهِ لِلْوَجْهِ الْأَوَّلِ فِي الضَّمَانِ‏.‏

وَلَوْ اسْتَأْجَرَ لِلزَّرْعِ مُدَّةً مُعَيَّنَةً فَزَرَعَ فِيهَا مَا لَا تَتَنَاهَى فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ ثُمَّ انْقَضَتْ فَقَالَ الْأَصْحَابُ حُكْمُهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ حُكْمُ زَرْعِ الْغَاصِبِ لِلْعُدْوَانِ، ثُمَّ إنَّ الْقَاضِيَ وَابْنَ عَقِيلٍ قَالَا عَلَيْهِ تَفْرِيغُ الْأَرْضِ بَعْدَ الْمُدَّةِ وَلَيْسَ بِجَارٍ عَلَى قَوَاعِدِ الْمَذْهَبِ فَإِنَّمَا الْمَالِكُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ تَمَلُّكِهِ وَتَرْكِهِ بِالْأُجْرَةِ فَأَمَّا الْقَلْعُ فَلَا‏.‏

الْقِسْمُ الثَّالِثُ‏:‏ أَنْ يَزْرَعَ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ مِمَّنْ لَهُ وِلَايَةُ الْعَقْدِ كَالْمَالِكِ ‏[‏وَالْوَكِيلِ‏]‏ وَالْوَصِيِّ وَالنَّاظِرِ إمَّا بِمُزَارَعَةٍ فَاسِدَةٍ أَوْ بِإِجَارَةٍ فَاسِدَةٍ‏.‏

فَقَالَ الْأَصْحَابُ الزَّرْعُ لِمَنْ زَرَعَهُ وَعَلَيْهِ لِرَبِّ الْأَرْضِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ‏.‏

وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ أَنَّ أَحْمَدَ نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَإِنَّمَا رِوَايَةُ حَرْبٍ فِي الْغَرْسِ‏.‏

وَذَكَرَهُ الْخِرَقِيِّ أَيْضًا فِي الْمُزَارَعَةِ الْفَاسِدَةِ لِأَنَّ الزَّرْعَ هُنَا اسْتَنَدَ إلَى إذْنِ مَنْ لَهُ الْإِذْنُ فَلَا يَكُونُ عُدْوَانًا وَيُحْتَمَلُ أَنَّ هَذَا التَّفْرِيقَ بَيْنَ إذْنِ الْمَالِكِ وَمَنْ يَتَصَرَّفُ لِغَيْرِهِ بِطَرِيقِ الْمَصْلَحَةِ كَالْوَصِيِّ فَلَا يُعْتَبَرُ إذْنُهُ لِانْتِفَاءِ الْمَصْلَحَةِ فِي الْعَقْدِ الْفَاسِدِ وَيُحْتَمَلُ أَيْضًا التَّفْرِيقُ بَيْنَ عُقُودِ الْمِلْكِ كَالْبَيْعِ وَعُقُودِ التَّصَرُّفِ بِالْإِذْنِ كَالْمُزَارَعَةِ لِأَنَّ عُقُودَ الْمِلْكِ وَقَعَ الْعَقْدُ فِيهَا عَلَى الْمِلْكِ دُونَ الْإِذْنِ وَلِهَذَا لَمْ يَصِحَّ تَصَرُّفُ الْمُشْتَرِي فِي الْعَقْدِ الْفَاسِدِ بِخِلَافِ عُقُودِ التَّصَرُّفِ فَإِنَّ الْإِذْنَ مَوْجُودٌ فِي صَحِيحِهَا وَفَاسِدِهَا وَلِذَلِكَ صَحَّحْنَا التَّصَرُّفَ فِي فَاسِدِهَا وَقَدْ وَرَدَ فِي ذَلِكَ حَدِيثٌ مُرْسَلٌ مِنْ طَرِيقِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ وَاصِلِ بْنِ أَبِي جَمِيلٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَرْبَعَةٍ اشْتَرَكُوا فِي زَرْعٍ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَحَدُهُمْ قِبَلِي الْأَرْضُ، وَقَالَ الْآخَرُ قِبَلِي الْفَدَنُ، وَقَالَ الْآخَرُ قِبَلِي الْبَذْرُ، وَقَالَ الْآخَرُ عَلَيَّ الْعَمَلُ‏.‏

فَلَمَّا اُسْتُحْصِدَ الزَّرْعُ تَفَاتَوْا فِيهِ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلَ الزَّرْعَ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ وَأَلْغَى صَاحِبَ الْأَرْضِ وَجَعَلَ لِصَاحِبِ الْعَمَلِ دِرْهَمًا كُلَّ يَوْمٍ، وَجَعَلَ لِصَاحِبِ الْفَدَّانِ شَيْئًا مَعْلُومًا، وَقَدْ أَنْكَرَ أَحْمَدُ هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يَصِحُّ وَالْعَمَلُ عَلَى غَيْرِهِ‏.‏

وَقَالَ أَبُو دَاوُد سَمِعْتُ أَحْمَدَ ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ قَالَ هُوَ مُنْكَرٌ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ الزَّرْعَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ، وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ جَعَلَ الزَّرْعَ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ، وَهَذَا الْكَلَامُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَمَلَ عِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ عَلَى أَنْ يَكُونَ الزَّرْعُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ وَالْمُزَارَعَةِ الْفَاسِدَةِ‏.‏

وَقَالَ فِي رِوَايَةِ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ الْحَدِيثُ حَدِيثُ أَبِي جَعْفَرٍ الْخِطْمِيَّ يُشِيرُ إلَى مَا رَوَاهُ أَبُو جَعْفَرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ‏.‏

قَالَ قَالَ كَانَ ابْنُ عُمَرَ لَا يَرَى بِهَا يَعْنِي الْمُزَارَعَةَ بَأْسًا حَتَّى بَلَغَهُ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ حَدِيثٌ فَلَقِيَهُ فَقَالَ رَافِعٌ أَتَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنِي حَارِثَةَ فَرَأَى زَرْعًا فَقَالَ‏:‏ مَا أَحْسَنَ زَرْعَ ظُهَيْرٍ، أَلَيْسَ أَرْضُ ظُهَيْرٍ‏؟‏ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّهُ أَزْرَعَهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «خُذُوا زَرْعَكُمْ وَرُدُّوا عَلَيْهِ نَفَقَتَهُ»‏.‏ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَلِأَبِي دَاوُد مَعْنَاهُ فِي حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي أَنْعَمَ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ وَالدَّارَقُطْنِيّ نَحْوَهُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَلِابْنِ عَدِيٍّ مَعْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَفِيهِمَا ضَعْفٌ، وَكُلُّ هَذِهِ وَارِدَةٌ فِي الْمُزَارَعَةِ الْفَاسِدَةِ لَا فِي الْغَصْبِ وَقَدْ رَجَّحَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَدِيثَ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَى حَدِيثِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ فِيمَنْ زَرَعَ فِي أَرْضِ قَوْمٍ بِغَيْرِ قَزَحٌ، وَقَالَ الْحَدِيثُ حَدِيثُ أَبِي جَعْفَرٍ وَقَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد أَبُو إِسْحَاقَ زَادَ فِيهِ زَرَعَ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَلَيْسَ غَيْرُهُ يَذْكُرُ هَذَا الْحَرْفَ فَقَدْ بَيَّنَ أَنَّ التَّمَلُّكَ بِالنَّفَقَةِ إنَّمَا يَثْبُتُ عِنْدَهُ فِي الْمُزَارَعَةِ الْفَاسِدَةِ أَنْ يَتَمَلَّكَ الزَّرْعَ فِيهَا مَعَ ثُبُوتِ الْحَدِيثِ فِيهَا بِخُصُوصِيَّتِهَا دُونَ الْغَصْبِ لَاسِيَّمَا وَقَدْ أَنْكَرَ حَدِيثَ جَعْلِ الزَّرْعِ لِرَبِّ الْبَذْرِ وَصَرَّحَ بِأَنَّ الْعَمَلَ عَلَى غَيْرِهِ‏.‏

وَقَدْ خَرَّجَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَجْهًا فِي الْمُزَارَعَةِ الْفَاسِدَةِ أَنَّهَا تُتَمَلَّكُ بِالنَّفَقَةِ مِنْ زَرْعِ الْغَاصِبِ وَقَدْ رَأَيْت أَنَّ كَلَامَ أَحْمَدَ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ لَا عَلَى خِلَافِهِ‏.‏

الْقِسْمُ الرَّابِعُ‏:‏ أَنْ يَزْرَعَ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ بِعَقْدٍ مِمَّنْ يَظُنُّ أَنَّ لَهُ وِلَايَةَ الْعَقْدِ ثُمَّ تَبَيَّنَ بِخِلَافِهِ مِثْلُ أَنْ تَتَبَيَّنَ الْأَرْضُ مُسْتَحَقَّةً لِلْغَيْرِ فَالْمَنْصُوصُ أَنَّ لِمَالِكِ الْأَرْضِ تَمَلُّكَهُ بِالنَّفَقَةِ أَيْضًا نَقَلَهُ عَنْهُ الْأَثْرَمُ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَارِثِ‏.‏

وَمِنْهَا‏:‏ وَهَذَا مُتَوَجِّهٌ عَلَى قَوْلِ الْقَاضِي وَمَنْ وَافَقَهُ أَنَّ غَرْسَهُ وَبِنَاءَهُ كَغَرْسِ الْغَاصِبِ وَبِنَائِهِ، وَأَمَّا عَلَى الْمَنْصُوصِ هُنَاكَ أَنَّ غَرْسَهُ وَبِنَاءَهُ مُحْتَرَمٌ كَغَرْسِ الْمُسْتَعِيرِ وَالْمُسْتَأْجِرِ وَبِنَائِهِمَا فَيَتَوَجَّهُ عَلَى هَذَا أَنْ يَكُونَ الزَّرْعُ لِمَالِكِهِ وَعَلَيْهِ الْأُجْرَةُ وَيَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْغَاصِبِ لِتَقْدِيرِهِ، وَبِمِثْلِ ذَلِكَ أَفْتَى الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ لَكِنَّهُ جَعَلَ الزَّرْعَ بَيْنَ الْمَالِكِ وَالْمُزَارِعِ نِصْفَيْنِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِي إيجَارِ الْغَاصِبِ بِالْمَالِ أَنَّ الرِّبْحَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَالِكِ وَطَرْدُهُ أَنْ يَكُونَ زَرْعُ الْغَاصِبِ كَذَلِكَ وَلَكِنْ لَا نَعْلَمُ بِهِ قَائِلًا، ثُمَّ وَجَدْنَا ابْنَ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ بِذَلِكَ فِي زَرْعِ الْغَاصِبِ‏.‏

وَفِي أُجْرَةِ مَا بَنَاهُ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ وَقَدْ وَافَقَهُ أَحْمَدُ عَلَى أُجْرَةِ الْبِنَاءِ خَاصَّةً‏.‏

وَيَشْهَدُ لِهَذَا الْوَجْهِ أَنَّ الزَّرْعَ النَّابِتُ فِي أَرْضِ الْغَيْرِ مِمَّا حَمَلَهُ السَّيْلُ لِمَالِكِهِ مُبْقَى هُنَا بِالْأُجْرَةِ لِحُصُولِهِ مِنْ غَيْرِ عُدْوَانٍ وَلَا تَفْرِيطٍ، وَإِنْ كَانَ الْإِذْنُ مُنْتَفِيًا وَهَاهُنَا مِثْلُهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَتَمَلَّكَهُ مَالِكُ الْأَرْضِ أَيْضًا كَالْمَزْرُوعِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ أَحْمَدَ وَلَيْسَ الِامْتِنَاعُ مِنْ قَلْعِ الْغَرْسِ مَجَّانًا مُنَافِيًا لِتَمَلُّكِ الزَّرْعِ فَإِنَّ الْمَانِعَ مِنْ الْقَلْعِ إدْخَالُ الضَّرَرِ عَلَى مَالِكِ الْغِرَاسِ بِالنَّقْصِ وَهُوَ مَعْذُورٌ لِغَرَرِهِ وَهُوَ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ عَلَى الْغَاصِبِ وَالْمُقْتَضِي لِتَمَلُّكِ الزَّرْعِ هُوَ انْتِفَاءُ الْإِذْنِ الصَّحِيحِ وَهُوَ مَوْجُودٌ هُنَا وَلِهَذَا يَتَمَلَّكُ غِرَاسَهُ وَإِنْ قِيلَ بِاحْتِرَامِهِ‏.‏

الْقِسْمُ الْخَامِسُ‏:‏ أَنْ يَزْرَعَ فِي أَرْضٍ بِمِلْكِهِ لَهَا أَوْ بِإِذْنِ مَالِكِهَا ثُمَّ يَنْتَقِلُ مِلْكُهَا إلَى غَيْرِهِ وَالزَّرْعُ قَائِمٌ فِيهَا، وَهُوَ نَوْعَانِ‏:‏ أَحَدُهُمَا‏:‏ أَنْ يَنْتَقِلَ مِلْكُ الْأَرْضِ دُونَ مَنْفَعَتِهَا الْمَشْغُولَةِ بِالزَّرْعِ فِي بَقِيَّةِ مُدَّتِهِ فَالزَّرْعُ لِمَالِكِهِ وَلَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ بِسَبَبِ تَجَدُّدِ الْمِلْكِ بِغَيْرِ إشْكَالٍ‏.‏

وَيَدْخُلُ تَحْتَ هَذَا مَنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا مِنْ مَالِكِهَا وَزَرَعَهَا ثُمَّ مَاتَ الْمُؤَجِّرُ وَانْتَقَلَتْ إلَى وَرَثَتِهِ‏.‏

وَمَنْ اشْتَرَى أَرْضًا فَزَرَعَهَا ثُمَّ أَفْلَسَ فَإِنَّ لِلْبَائِعِ الرُّجُوعَ فِي الْأَرْضِ وَالزَّرْعُ لِلْمُفْلِسِ‏.‏

وَمَنْ أَصْدَقَ امْرَأَتَهُ أَرْضًا فَزَرَعَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَالزَّرْعُ قَائِمٌ وَقُلْنَا لَهُ الرُّجُوعُ فَإِنَّ الزَّرْعَ مُبْقَى بِغَيْرِ أُجْرَةٍ إلَى أَوَانِ أَخْذِهِ وَكَذَلِكَ حُكْمُ مَنْ زَرَعَ فِي أَرْضٍ يَمْلِكُهَا ثُمَّ انْتَقَلَتْ إلَى غَيْرِهِ بِبَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ يَكُونُ الزَّرْعُ بِغَيْرِ أُجْرَةٍ مُبْقَى فِيهَا إلَى أَوَانِ أَخْذِهِ‏.‏

وَالنَّوْعُ الثَّانِي‏:‏ أَنْ تَنْتَقِلَ الْأَرْضُ بِجَمِيعِ مَنَافِعِهَا عَنْ مِلْكِ الْأَوَّلِ إلَى غَيْرِهِ‏.‏

وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ الْوَقْفُ إذَا زَرَعَ فِيهِ أَهْلُ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ أَوْ مَنْ أَجْرَوْهُ ثُمَّ انْتَقَلَ إلَى الْبَطْنِ الثَّانِي وَالزَّرْعُ قَائِمٌ، فَإِنْ قِيلَ إنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَنْفَسِخُ وَلِلْبَطْنِ الثَّانِي حِصَّتُهُمْ مِنْ الْأُجْرَةِ فَالزَّرْعُ مُبْقَى لِمَالِكِهِ بِالْأُجْرَةِ السَّابِقَةِ، وَإِنْ قِيلَ بِالِانْفِسَاخِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ فَهُوَ كَزَرْعِ الْمُسْتَأْجِرِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ إذَا كَانَ بَقَاؤُهُ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ فَتَبْقَى بِالْأُجْرَةِ إلَى أَوَانِ أَخْذِهِ‏.‏

وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا فِي مَسْأَلَةِ الْإِجَارَةِ الْمُنْقَضِيَةِ وَأَفْتَى بِهِ فِي الْوَقْفِ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَأَفْتَى مَرَّةً أُخْرَى بِأَنَّهُ يُجْعَلُ مُزَارَعَةً بَيْنَ الْمُزَارِعِ وَرَبِّ الْأَرْضِ لِنُمُوِّهِ مِنْ أَرْضِ أَحَدِهِمَا وَبَذْرِ الْآخَرِ، وَكَذَلِكَ أَفْتَى فِي الْأَقْطَاعِ الْمَزْرُوعَةِ إذَا انْتَقَلَتْ إلَى مَقْطَعٍ آخَرَ وَالزَّرْعُ قَائِمٌ فِيهَا‏.‏

وَمِنْهَا‏:‏ الشَّفِيعُ إذَا انْتَزَعَ الْأَرْضَ وَفِيهَا زَرْعٌ لِلْمُشْتَرِي فَهُوَ مُحْتَرَمٌ وَهَلْ يَسْتَحِقُّ أُجْرَةَ الْمِثْلِ عَلَى الْمُشْتَرِي‏؟‏ عَلَى وَجْهَيْنِ‏:‏ أَحَدُهُمَا‏:‏ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْمُغْنِي وَالتَّلْخِيصِ وَقَالَ أَبُو الْبَرَكَاتِ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى الْهِدَايَةِ هُوَ أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِنَا إلْحَاقًا لَهُ بِبَيْعِ الْأَرْضِ الْمَزْرُوعَةِ فَإِنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ نَوْعُ بَيْعٍ قَهْرِيٍّ‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ لَهُ الْأُجْرَةُ مِنْ حِينِ أَخْذِهِ ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي انْتِصَارِهِ، وَهُوَ أَظْهَرُ لِأَنَّ حَقَّ الشَّفِيعِ فِي الْعَيْنِ وَالْمَنْفَعَةِ جَمِيعًا لِوُقُوعِ الْعَقْدِ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا وَفِي تَرْكِ الزَّرْعِ مَجَّانًا تَفْوِيتٌ لِحَقِّهِ مِنْ الْمَنْفَعَةِ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَلَا يَجُوزُ‏.‏

الْقِسْمُ السَّادِسُ حَمَلَ السَّيْلُ بَذْرَ إنْسَانٍ إلَى أَرْضِ غَيْرِهِ فَنَبَتَ فِيهَا فَهَلْ يَلْحَقُ بِزَرْعِ الْغَاصِبِ لِانْتِفَاءِ الْإِذْنِ مِنْ الْمَالِكِ فَيَمْلِكُ بِقِيمَتِهِ أَوْ بِزَرْعِ الْمُسْتَعِيرِ أَوْ الْمُسْتَأْجِرِ مِنْ بَعْدِ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ لِانْتِفَاءِ الْعُدْوَانِ مِنْ صَاحِبِ الْبَذْرِ‏؟‏ عَلَى وَجْهَيْنِ، أَشْهَرُهُمَا أَنَّهُ كَزَرْعِ الْمُسْتَعِيرِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي وَابْنِهِ أَبِي الْحُسَيْنِ وَابْنِ عَقِيلٍ وَذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ عَنْ أَحْمَدَ لَكِنْ هَلْ يُتْرَكُ فِي الْأَرْضِ مَجَّانًا أَمْ بِأُجْرَةٍ‏؟‏ عَلَى وَجْهَيْنِ‏:‏ أَحَدُهُمَا‏:‏ أَنَّهُ يُتْرَكُ مَجَّانًا قَالَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ لِأَنَّهُ وَإِنْ انْتَفَى عَنْهُ إذْنُ الْمِلْكِ فَقَدْ انْتَفَى عَنْهُ فِعْلُ الزَّارِعِ فَيَتَقَابَلَانِ وَلِأَنَّهُ حَصَلَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ فَهُوَ كَالْقَائِمِ فِي الْأَرْضِ الْمَبِيعَةِ‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ لَهُ الْأُجْرَةُ ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ عَنْ أَحْمَدَ لِأَنَّهُ زَرْعٌ حَصَلَ ابْتِدَاؤُهُ فِي أَرْضِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنٍ فَأَوْجَبَ الْأُجْرَةَ عَلَى الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ‏.‏

الْقِسْمُ السَّابِعُ مَنْ زَرَعَ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ بِإِذْنٍ غَيْرِ لَازِمٍ كَالْإِعَارَةِ ثُمَّ رَجَعَ الْمَالِكُ فَالزَّرْعُ مُبْقَى لِمَنْ زَرَعَهُ إلَى أَوَانِ حَصَادِهِ بِغَيْرِ خِلَافٍ لَكِنْ هَلْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْأُجْرَةُ مِنْ حِينِ الرُّجُوعِ أَمْ لَا‏؟‏ عَلَى وَجْهَيْنِ أَشْهَرُهُمَا الْوُجُوبُ وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي وَأَصْحَابِهِ‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ انْتِفَاءٌ لِأَنَّهُ دَخَلَ عَلَى الِانْتِفَاعِ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَهُوَ اخْتِيَارُ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ يَشْهَدُ لَهُ‏.‏

الْقِسْمُ الثَّامِنُ‏:‏ مَنْ زَرَعَ فِي مِلْكِهِ الَّذِي مُنِعَ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ لِحَقِّ غَيْرِهِ كَالرَّاهِنِ وَالْمُؤَجِّرِ وَكَانَ ذَلِكَ يَضُرُّ بِالْمُسْتَأْجِرِ وَبِالْمُرْتَهِنِ لِتَنْقِيصِهِ قِيمَةَ الْأَرْضِ عِنْدَ حُلُولِ الدَّيْنِ فَهُوَ كَزَرْعِ الْغَاصِبِ‏:‏ وَكَذَلِكَ غِرَاسُهُ وَبِنَاؤُهُ فَيَقْلَعُ الْجَمِيعَ ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ وَإِنَّمَا قُلِعَ الزَّرْعُ مِنْهُ لِأَنَّ مَالِكَ الْأَرْضِ هُنَا هُوَ الزَّارِعُ وَالْمُتَعَلِّقُ حَقُّهُ بِهَا لَا يُمْكِنُهُ تَمَلُّكُهُ لِعَدَمِ مِلْكِهِ فَيَتَعَيَّنُ الْقَلْعُ وَفِيهِ نَظَرٌ أَمَّا فِي الرَّهْنِ فَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ نَقْصَ الْأَرْضِ يَنْجَبِرُ وَإِزَالَةُ الزَّرْعِ فَإِنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ نَمَاءِ الْأَرْضِ فَلَا يَجُوزُ قَلْعُهُ كَذَلِكَ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ إتْلَافِ مَالِ الرَّاهِنِ، وَقَدْ صَرَّحَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ بِأَنَّ الْغِرَاسَ الْحَادِثَ فِي الْأَرْضِ الْمَرْهُونَةِ بِنَفْسِهِ أَوْ بِفِعْلِ الرَّاهِنِ يَكُونُ رَهْنًا لِأَنَّهُ مِنْ نَمَائِهَا وَالزَّرْعُ مِثْلُهُ وَلَوْ قِيلَ إنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي الرَّهْنِ فَيَجُوزُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ الرَّاهِنِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ أَوْ مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَةِ الْأَرْضِ بِسَبَبِهِ وَيُجْعَلُ رَهْنًا وَقَدْ وَقَعَ فِي كَلَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ وَكَلَامِ ابْنِ أَبِي مُوسَى مَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ انْتِفَاعِ الرَّاهِنِ بِالرَّهْنِ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ وَتُؤْخَذُ مِنْهُ الْأُجْرَةُ وَتُجْعَلُ رَهْنًا وَهَذَا فِي مَعْنَاهُ وَأَمَّا الْمُسْتَأْجِرُ وَلَاسِيَّمَا إنْ كَانَ اسْتَأْجَرَ لِزَرْعٍ فَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لَهُ يَمْلِكُ الزَّرْعَ بِنَفَقَتِهِ إذْ هُوَ مَالِكُ الْمَنْفَعَةِ قَدْ يُقَالُ مِثْلُهُ فِي الزَّرْعِ فِي أَرْضِ الْوَقْفِ إنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ يَتَمَلَّكُهُ بِالنَّفَقَةِ تَمَلُّكَهُ مَنْفَعَةَ الْأَرْضِ وَيُحْمَلُ تَخْرِيجُ ذَلِكَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي تَمَلُّكِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ لِلشُّفْعَةِ بِشَرِكَةِ الْوَقْفِ عَلَى طَرِيقِ مَنْ عَلَّلَ ثُبُوتَ الشُّفْعَةِ بِكَوْنِهِ مَالِكًا وَانْتِفَاءَهَا بِتَصَوُّرِ مِلْكِهِ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا، وَكَذَا الْقَوْلُ فِي تَمَلُّكِهِ لِلْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ وَعَلَى هَذَا يَتَخَرَّجُ مَا لَوْ غَصَبَ الْأَرْضَ ‏[‏الْمُوصَى بِمَنَافِعِهَا‏]‏ أَوْ الْمُسْتَأْجَرَةَ وَزَرَعَ فِيهَا فَهَلْ يَتَمَلَّكُ الزَّرْعَ مَالِكُ الرَّقَبَةِ أَوْ مَالِكُ الْمَنْفَعَةِ‏؟‏

‏(‏الْقَاعِدَةُ الثَّمَانُونَ‏)‏‏:‏ مَا تَكَرَّرَ حَمْلُهُ مِنْ أُصُولِ الْبُقُولِ وَالْخَضْرَاوَاتِ هَلْ هُوَ مُلْحَقٌ بِالزَّرْعِ أَوْ بِالشَّجَرِ‏؟‏

فِيهِ وَجْهَانِ وَيَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ مَسَائِلُ‏:‏ مِنْهَا هَلْ يَجُوزُ بَيْعُ هَذِهِ الْأُصُولِ مُفْرَدَةً أَمْ لَا إنْ أَلْحَقْنَاهَا بِالشَّجَرِ لِتَكَرُّرِ حَمْلِهَا جَازَ فِيهِ صَرَّحَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ فِي مَوْضِعٍ وَفَرَّقَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بَيْنَ مَا يَتَبَاقَى مِنْهَا سِنِينَ كَالْقُطْنِ الْحِجَازِيِّ فَيَجُوزُ بَيْعُ أُصُولِهِ، وَمَا لَا يَتَبَاقَى إلَّا سَنَةً وَنَحْوَهَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ إلَّا أَنْ تُبَاعَ مَعَهُ الْأَرْضُ كَالزَّرْعِ وَرَجَّحَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ أَنَّ الْمَقَاثِيَ وَنَحْوَهَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ فَإِنَّهَا مَعَ أُصُولِهَا مُعَرَّضَةٌ لِلْآفَاتِ كَالزَّرْعِ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَابْنِ أَبِي مُوسَى‏.‏

وَمِنْهَا‏:‏ إذَا بَاعَ الْأَرْضَ وَفِيهَا هَذِهِ الْأُصُولُ فَإِنْ قُلْنَا هِيَ كَالشَّجَرِ انْبَنَى عَلَى أَنَّ الشَّجَرَ هَلْ يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ مَعَ الْإِطْلَاقِ أَمْ لَا‏؟‏ وَفِيهِ وَجْهَانِ‏.‏

وَإِنْ قُلْنَا هِيَ كَالزَّرْعِ لَمْ تَدْخُلْ فِي الْبَيْعِ وَجْهًا وَاحِدًا وَلِلْأَصْحَابِ فِي الْمَسْأَلَةِ أَيْضًا طَرِيقَانِ‏:‏ إحْدَاهُمَا أَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الشَّجَرِ فِي تَبْقِيَةِ الْأَرْضِ وَهِيَ طَرِيقَةُ ابْنِ عَقِيلٍ وَصَاحِبِ الْمُحَرَّرِ‏.‏

وَالثَّانِيَة‏:‏ أَنَّهَا تَتْبَعُ وَجْهًا وَاحِدًا بِخِلَافِ الشَّجَرِ لِأَنَّ تَبْقِيَتِهَا فِي الْأَرْضِ مُعْتَادٌ وَلَا يَقْصِدُ نَقْلَهَا وَتَحْوِيلَهَا فَهِيَ كَالْمَنْبُوذَاتِ وَهِيَ طَرِيقَةُ أَبِي الْخَطَّابِ وَصَاحِبِ الْمُغْنِي وَعَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ أَوَّلًا يُخَرَّجُ فِيهَا طَرِيقَةٌ ثَالِثَةٌ أَنَّهَا لَا تَتْبَعُ وَجْهًا وَاحِدًا كَالزَّرْعِ‏.‏

وَمِنْهَا‏:‏ إذَا غَصَبَ أَرْضًا فَزَرَعَ فِيهَا مَا يَتَكَرَّرُ حَمْلُهُ فَإِنْ قِيلَ هُوَ كَالشَّجَرِ فَلِلْمَالِكِ قَلْعُهُ مَجَّانًا وَإِنْ قِيلَ هُوَ كَالزَّرْعِ فَلِلْمَالِكِ تَمَلُّكُهُ بِالْقِيمَةِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهَانِ مَذْكُورَانِ فِي الْمُغْنِي‏.‏

وَمِنْهَا‏:‏ لَوْ اشْتَرَى لُقَطَةٌ ظَاهِرَةً مِنْ هَذِهِ الْأُصُولِ فَتَلِفَتْ بِجَائِحَةٍ قَبْلَ الْقَطْعِ فَإِنْ قِيلَ حُكْمُهَا حُكْمُ ثَمَرِ الشَّجَرِ تَلِفَتْ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ، وَإِنْ قِيلَ هِيَ كَالزَّرْعِ خُرِّجَتْ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي إجَاحَةِ الزُّرُوعِ‏.‏

وَمِنْهَا‏:‏ لَوْ سَاقَى عَلَى هَذِهِ الْأُصُولِ فَإِنْ قِيلَ هِيَ كَالشَّجَرِ صَحَّتْ الْمُسَاقَاةُ وَإِنْ قِيلَ هِيَ كَالزَّرْعِ فَهِيَ مُزَارَعَةٌ‏.‏

‏(‏الْقَاعِدَةُ الْحَادِيَة وَالثَّمَانُونَ‏)‏‏:‏ النَّمَاءُ الْمُتَّصِلُ فِي الْأَعْيَانِ الْمَمْلُوكَةِ الْعَائِدَةِ إلَى مَنْ انْتَقَلَ الْمِلْكُ عَنْهُ بِالْمَفْسُوخِ تَتْبَعُ الْأَعْيَانَ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا

وَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا يَتْبَعُ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الشِّيرَازِيُّ فِي الْمُبْهِجِ، وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ عَقِيلٍ صَرَّحَ بِهِ فِي كِتَابِ الصَّدَاقِ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَيَتْبَعُ الْأَصْلَ فِي التَّوْثِقَةِ وَالضَّمَانِ عَلَى الْمَشْهُورِ‏.‏

وَيَتَخَرَّجُ عَلَى ذَلِكَ مَسَائِلُ‏:‏ مِنْهَا‏:‏ الْمَرْدُودُ بِالْعَيْبِ إذَا كَانَ قَدْ زَادَ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً كَالسِّمَنِ وَتَعَلُّمِ صِنَاعَةٍ فَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ أَنَّ الزِّيَادَةَ لِلْبَائِعِ تَبَعًا لِأَصْلِهَا وَلَا يَسْتَحِقُّ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ شَيْئًا وَخَرَّجَ ابْنُ عَقِيلٍ بِأَنَّ الزِّيَادَةَ لِلْمُشْتَرِي وَكَذَلِكَ قَالَ الشِّيرَازِيُّ وَزَادَ أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِقِيمَةِ النَّمَاءِ وَكَذَلِكَ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ إبْهَامِهِ مِنْ عُمُومِ كَلَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ إذَا اشْتَرَى غَنَمًا فَنَمَتْ ثُمَّ اسْتَحَقَّتْ فَالنَّمَاءُ لَهُ قَالَ وَهَذَا يَعُمُّ الْمُنْفَصِلَ وَالْمُتَّصِلَ قُلْت وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى الرُّجُوعِ بِقِيمَةِ النَّمَاءِ الْمُتَّصِلِ صَرِيحًا كَمَا قَالَ الشِّيرَازِيُّ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ فِيمَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً فَنَمَتْ عِنْدَهُ وَكَانَ بِهَا دَاءٌ فَإِنْ شَاءَ الْمُشْتَرِي حَبَسَهَا وَرَجَعَ بِقَدْرِ الدَّوَاءِ وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا وَرَجَعَ عَلَيْهِ بِقَدْرِ النَّمَاءِ وَتَأَوَّلَهَا الْقَاضِي عَلَى أَنَّ النَّمَاءَ الْمُتَّصِلَ يَرُدُّهُ مَعَهَا وَهُوَ ظَاهِرُ الْفَسَادِ لِأَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ رَجَعَ يَعُودُ إلَى الْمُشْتَرِي وَفِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ يَعُودُ إلَى الْبَائِعِ وَإِنَّمَا يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى ‏[‏الْبَائِعِ بِقِيمَةِ‏]‏ النَّمَاءِ الْمُنْفَصِلِ، وَوَجْهُ الْإِجْبَارِ هُنَا عَلَى دَفْعِ الْقِيمَةِ أَنَّ الْبَائِعَ قَدْ أُجْبِرَ عَلَى أَخْذِ سِلْعَتِهِ وَرَدِّ ثَمَنِهَا فَكَذَلِكَ نَمَاؤُهَا الْمُتَّصِل بِهَا يَتْبَعُهَا فِي حُكْمِهَا وَإِنْ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ الْعَقْدُ وَالْمَرْدُودُ بِالْإِقَالَةِ وَالْخِيَارِ يَتَوَجَّهُ فِيهِ مِثْلُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْفَسْخُ لِلْخِيَارِ وَقَعَ لِلْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ بِخِلَافِ الْعَيْبِ وَالْإِقَالَةِ وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ فِي خِلَافِهِمَا وَفِيهِ بُعْدٌ‏.‏

وَمِنْهَا الْمَبِيعُ إذَا أَفْلَسَ مُشْتَرِيهِ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ وَوَجَدَهُ الْبَائِعُ قَدْ نَمَا نَمَاءً مُتَّصِلًا قَالَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ يَرْجِعُ بِهِ وَلَا شَيْءَ لِلْمُفْلِسِ وَكَذَلِكَ ابْنُ أَبِي مُوسَى ذَكَرَ الرُّجُوعَ وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِمَّا رَوَى الْمَيْمُونِيُّ وَإِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ عَنْ أَحْمَدَ إذَا زَادَتْ الْعَيْنُ أَوْ نَقَصَتْ يَرْجِعُ فِي الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ، وَلَفْظُ رِوَايَةِ إِسْحَاقَ قِيلَ لَهُ فَإِنْ كَانَ زَادَ أَوْ نَقَصَ يَوْمَ اشْتَرَاهُ قَالَ هُوَ أَحَقُّ بِهِ زَادَ أَوْ نَقَصَ، وَهَذَا يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ زِيَادَةُ السِّعْرِ وَنُقْصَانُهُ وَإِنْ اُسْتُبْعِدَ ذَلِكَ فَلَيْسَ فِي اسْتِحْقَاقِ الرُّجُوعِ مَا يُنَافِي مُطَالَبَتَهُ بِقِيمَةِ الزِّيَادَةِ كَمَا لَوْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ صِبْغًا فِي الثَّوْبِ‏.‏

وَقَالَ الْخِرَقِيِّ لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي كِتَابِ الْهِبَةِ مِنْ خِلَافِهِ أَنَّهُ مَنْصُوصٌ عَنْ أَحْمَدَ فَيَكُونُ أُسْوَةً بِالْغُرَمَاءِ كَمَا لَوْ طَلَّقَ الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَقَدْ زَادَ الصَّدَاقُ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً وَفَارَقَ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ عِنْدَ مَنْ سَلَّمَهُ لِأَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ قَدْ رَضِيَ الْمُشْتَرِي بِرَدِّهِ بِزِيَادَتِهِ بِخِلَافِ الْمُفْلِسِ‏.‏

وَلِأَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ اسْتَنَدَ إلَى سَبَبٍ مُقَارِنٍ لِلْعَقْدِ وَالْفَسْخُ هُنَا اسْتَنَدَ إلَى سَبَبٍ حَادِثٍ وَهُوَ حُكْمُ الْحَاكِمِ وَهُوَ شَبِيهٌ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَيُنْتَقَضُ الْأَوَّلُ بِمَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا بِثَوْبٍ فَوَجَدَ صَاحِبُ الثَّوْبِ بِهِ عَيْبًا فَإِنَّهُ يَرُدُّهُ وَيَأْخُذُ الْعَبْدَ وَإِنْ كَانَ قَدْ سَمِنَ‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ بِمَا لَوْ بَاعَهُ عَيْنًا بَعْدَ إفْلَاسِهِ وَقَبْلَ حَجْرِ الْحَاكِمِ فَإِنَّ حَجْرَهُ إنَّمَا هُوَ مُعْتَبَرٌ لِثُبُوتِ الْمُفْلِسِ وَظُهُورِهِ‏.‏

وَقَدْ سَبَقَ نَصَّ أَحْمَدَ بِذَلِكَ وَأَيْضًا فَلَوْ بَاعَهُ بَعْدَ الْحَجْرِ وَلَمْ يَعْلَمْ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِهَا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ‏.‏

وَفَرَّقَ الْأَوَّلُونَ بَيْنَ رُجُوعِ الْبَائِعِ هَاهُنَا وَبَيْنَ الصَّدَاقِ بِأَنَّ الصَّدَاقَ يُمْكِن لِلزَّوْجِ الرُّجُوعُ إلَى بَدَلِهِ تَامًّا بِخِلَافِ الْبَائِعِ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الدُّخُولُ إلَى حَقِّهِ تَامًّا إلَّا بِالرُّجُوعِ، هَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّ انْدِفَاعَ الضَّرَرِ عَنْهُ بِالْبَدَلِ لَا يُسْقِطُ حَقَّهُ مِنْ الْعَيْنِ وَلَوْ كَانَ ثَابِتًا ثُمَّ يَبْطُلُ بِمَا لَوْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ مُفْلِسَةً فَإِنَّ حَقَّهُ لَا يَثْبُتُ فِي الْعَيْنِ فَبَطَلَ الْفَرْقُ وَيَتَخَرَّجُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ أَنْ يَرْجِعَ الْبَائِعُ هَاهُنَا وَيَرُدُّ قِيمَةَ الزِّيَادَةِ كَمَا لَوْ صَبَغَ الْمُفْلِسُ الثَّوْبَ‏.‏

وَمِنْهَا‏:‏ مَا وَهَبَ الْأَبُ لِوَلَدِهِ إذَا زَادَ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً فَهَلْ يَمْنَعُ رُجُوعَ الْأَبِ أَمْ لَا‏؟‏ عَلَى رِوَايَتَيْنِ مَعْرُوفَتَيْنِ‏.‏

وَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ امْتِنَاعُ الرُّجُوعِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِهِ فَلَا شَيْء‏]‏ عَلَى الْأَبِ لِلزِّيَادَةِ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِمَا يُبَاحُ لَهُ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ فَهُوَ بِالرُّجُوعِ وَالْقَبْضِ يَتَمَلَّكُ لَهَا‏.‏

وَمِنْهَا‏:‏ إذَا أَصْدَقَهَا شَيْئًا فَزَادَ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ فِي نِصْفِهِ وَسَقَطَ حَقُّهُ مِنْهُ إلَى قِيمَةِ النِّصْفِ ذَكَرَهُ الْخِرَقِيِّ وَلَمْ نَعْلَمْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْأَصْحَابِ خِلَافَهُ حَتَّى جَعَلَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ رِوَايَةً وَاحِدَةً وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَائِعِ الْمُفْلِسِ بِأَنَّ فَسْخَ الْبَائِعِ رَفْعٌ لِلْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ وَالطَّلَاقُ قَاطِعٌ لِلنِّكَاحِ مِنْ حِينِهِ فَلَا يَكُونُ لِلزَّوْجِ حَقٌّ فِي الزِّيَادَةِ وَهَذَا مَمْنُوعٌ فَإِنَّ الْفَسْخَ بِالْفَلَسِ رَفْعٌ لِلْعَقْدِ مِنْ حِينِهِ أَيْضًا فَهُوَ كَالطَّلَاقِ، وَخَرَّجَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ الرُّجُوعَ فِي النِّصْفِ بِزِيَادَةٍ مُتَّصِلَةٍ مِنْ الرِّوَايَةِ الْمَحْكِيَّةِ عَنْ أَحْمَدَ فِي الرُّجُوعِ فِي نِصْفِ الزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ وَأَوْلَى‏.‏

وَسَنَذْكُرُ أَصْلَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ فِيمَا بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَيَتَخَرَّجُ فِيهِ وَجْهٌ آخَرُ بِالرُّجُوعِ فِي النِّصْفِ بِزِيَادَتِهِ وَبِرَدِّ قِيمَةِ الزِّيَادَةِ كَمَا فِي الْفَسْخِ بِالْعَيْبِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ‏.‏

وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْعَيْنُ يُمْكِنُ فَصْلُهَا وَقِسْمَتُهَا‏.‏

وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَهُوَ شَرِيكٌ بِقِيمَةِ النِّصْفِ يَوْمَ الْإِصْدَاقِ‏.‏

وَمِنْهَا‏:‏ إذَا اشْتَرَى قَصِيلًا بِشَرْطِ الْقَطْعِ فَتَرَكَهُ حَتَّى سَنْبَلَ وَاشْتَدَّ أَوْ ثَمَرًا وَلَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ بِشَرْطِ الْقَطْعِ فَتَرَكَهُ حَتَّى بَدَأَ صَلَاحُهُ فَهَلْ يَبْطُلُ الْبَيْعُ بِذَلِكَ أَمْ لَا‏؟‏ فِيهِ رِوَايَتَانِ‏:‏ أَشْهَرُهُمَا أَنَّهُ يَبْطُلُ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ وَأَبِي بَكْرٍ وَابْنِ أَبِي مُوسَى وَالْقَاضِي وَالْأَكْثَرِينَ وَلِلْبُطْلَانِ مَأْخَذَانِ‏:‏ أَحَدُهُمَا‏:‏ أَنَّ تَأْخِيرَهُ مُحَرَّمٌ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَأَبْطَلَ الْبَيْعَ كَتَأْخِيرِ الْقَبْضِ فِي الرِّبَوِيَّات وَلِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَى شِرَاءِ الثَّمَرَةِ وَبَيْعِهَا قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا وَهُوَ مُحَرَّمٌ، وَوَسَائِلُ الْمُحَرَّمِ مَمْنُوعَةٌ وَبِهَذَا عَلَّلَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ‏.‏

وَالْمَأْخَذُ الثَّانِي‏:‏ أَنَّ مَالَ الْمُشْتَرِي اخْتَلَطَ بِمَالِ الْبَائِعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَمَيَّزُ مِنْهُ فَبَطَلَ بِهِ الْبَيْعُ كَمَا لَوْ تَلِفَ فَإِنَّ تَلَفَهُ فِي هَذِهِ الْحَالِ يُبْطِلُ الْبَيْعَ لِضَمَانِهِ عَلَى الْبَائِعِ فَعَلَى الْمَأْخَذِ الْأَوَّلِ لَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ إلَّا بِالتَّأْخِيرِ إلَى بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَاشْتِدَادِ الْحَبِّ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ وَظَاهِرُ كَلَام الْخِرَقِيِّ، وَيَكُونُ تَأَخُّرُهُ إلَى مَا قَبْلَ ذَلِكَ جَائِزًا وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ بْنِ بَوَّابٍ عَلَى أَنَّهُ إذَا أَخَّرَهُ حَتَّى تَلِفَ بِعَاهَةٍ قَبْلَ صَلَاحِهِ أَنَّهُ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ مُعَلِّلَا بِأَنَّ هَذَا نَشَأَ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ وَنَخْلِهِ فَلَمَّا عَلَّلَ بِانْفِصَالِهِ لِمِلْكِ الْبَائِعِ عَلِمَ أَنَّ الْبَيْعَ لَمْ يَكُنْ مُنْفَسِخًا قَبْلَ تَلَفِهِ وَكَانَ التَّأْخِيرُ تَفْرِيطًا وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرَى رَطْبَةً أَوْ مَا أَشْبَهَهَا مِنْ النَّعْنَاعِ وَالْهِنْدَبَا أَوْ صُوفًا عَلَى ظَهْرٍ فَتَرَكَهَا حَتَّى طَالَتْ لَمْ يَنْفَسِخْ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ لَا نَهْيَ فِي بَيْعِ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ‏.‏

وَعَلَى الْمَأْخَذِ الثَّانِي يَبْطُلُ الْبَيْعُ بِمُجَرَّدِ الزِّيَادَةِ وَاخْتِلَاطِ الْمَالَيْنِ إلَّا أَنَّهُ يُعْفَى عَنْ الزِّيَادَةِ الْيَسِيرَةِ كَالْيَوْمِ وَالْيَوْمَيْنِ وَنَصَّ عَلَى ذَلِكَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ بْنِ سَعِيدٍ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الثَّمَرِ وَالزَّرْعِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الرَّطْبَةِ وَالْبُقُولِ وَالصُّوفَةِ وَهِيَ طَرِيقَةُ أَبِي بَكْرٍ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالْقَاضِي فِي خِلَافِهِ وَصَاحِبِ الْمُغْنِي وَبِمِثْلِ ذَلِكَ أَجَابَ أَبُو الْحَسَنِ الْجَزَرِيُّ فِيمَنْ اشْتَرَى خَشَبًا لِيَقْطَعَهُ فَتَرَكَهُ حَتَّى اشْتَدَّ وَغَلُظَ أَنَّ الْبَيْعَ يَنْفَسِخُ وَمَتَى تَلِفَ بِجَائِحَةٍ بَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْ قَطْعِهِ فَهُوَ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي وَهُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الْمُجَرَّدِ وَالْمُغْنِي وَتَكُونُ الزَّكَاةُ عَلَى الْبَائِعِ عَلَى هَذَا الْمَأْخَذِ بِغَيْرِ إشْكَالٍ وَإِمَّا عَلَى الْأَوَّلِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْمُشْتَرِي لِأَنَّ مِلْكَهُ إنَّمَا يَنْفَسِخُ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَفِي تِلْكَ الْحَالِ تَجِبُ الزَّكَاةُ فَلَا تَسْقُطُ بِمُقَارَنَتِهِ الْفَسْخَ عَلَى رَأْيِ مَنْ يَرَى جَوَازَ اقْتِرَانِ الْحُكْمِ وَمَانِعِهِ كَمَا سَبَقَ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْبَائِعِ ثُمَّ يَذْكُرُ الْأَصْحَابُ فِيهِ خِلَافًا لِأَنَّ الْفَسْخَ بِبُدُوِّ الصَّلَاحِ اسْتَنَدَ إلَى سَبَبٍ سَابِقٍ عَلَيْهِ وَهُوَ تَأْخِيرُ الْقَطْعِ وَقَدْ يُقَالُ يَبْدُو الصَّلَاحُ بِتَعَيُّنِ انْفِسَاخِ الْعَقْدِ مِنْ حِينِ التَّأْخِيرِ وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ عَنْ أَحْمَدَ فِيمَا إذَا تَرَكَهُ حَتَّى صَارَ شَعِيرًا إنْ أَرَادَ حِيلَةً فَسَدَ الْبَيْعُ فَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ جَعَلَ هَذِهِ رِوَايَةً ثَالِثَةً بِالْبُطْلَانِ مَعَ قَصْدِ التَّحَيُّلِ عَلَى شِرَاءِ الزَّرْعِ قَبْلَ اسْتِنَادِهِ لِلتَّبْقِيَةِ كَابْنِ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بَلْ مَتَى تَعَمَّدَ الْحِيلَةَ فَسَدَ الْبَيْعُ مِنْ أَصْلِهِ وَلَمْ يَنْعَقِدْ بِغَيْرِ خِلَافٍ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا لَمْ يَقْصِدْ الْحِيلَةَ ثُمَّ تَرَكَهُ حَتَّى بَدَا صَلَاحُهُ كَصَاحِبِ الْمُغْنِي‏.‏

وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ قَصْدُ الْحِيلَةِ إنَّمَا يُؤَثِّرُ فِي الْإِثْمِ لَا فِي الْفَسَادِ وَعَدَمِهِ وَهِيَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي، وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَالزِّيَادَةُ إنَّمَا تُعْلَمُ بِاخْتِلَافِ الْقِيمَةِ لِعَدَمِ تَمْيِيزِهَا فِي نَفْسِهَا وَهِيَ تَفَاوُتُ مَا بَيْنَ الْقِيمَةِ يَوْمَ الشِّرَاءِ وَبَعْدَ الزِّيَادَةِ الْحَادِثَةِ ‏[‏بَعْدَهُ‏]‏، كَذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ عَلَى مَا سَيَأْتِي، وَهُوَ مُتَمَشٍّ عَلَى الْمَأْخَذِ الثَّانِي فِي الِانْفِسَاخِ بِمُجَرَّدِ الزِّيَادَةِ بَعْدَ الْعَقْدِ‏.‏

وَأَمَّا عَلَى الْمَأْخَذِ الْأَوَّلِ فَالزِّيَادَةُ هِيَ تَفَاوُتُ مَا بَيْنَ الْقِيمَةِ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَبَعْدَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَزُلْ عَنْهُ مِلْكُ الْمُشْتَرِي وَقْتَ ظُهُورِ الصَّلَاحِ، وَبِذَلِكَ جَزَمَ فِي الْكَافِي وَحَكَاهُ فِي الْمُغْنِي احْتِمَالًا عَنْ الْقَاضِي، وَبَقِيُّ الْكَلَامُ فِي حُكْمِ الزِّيَادَةِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ‏.‏

أَمَّا رِوَايَةُ الِانْفِسَاخِ فَفِيهَا رِوَايَتَانِ‏:‏ إحْدَاهُمَا أَنَّهَا لِلْبَائِعِ وَهِيَ اخْتِيَارُ ابْنِ أَبِي مُوسَى وَالْقَاضِي وَنَقَلَهَا أَبُو طَالِبٍ وَغَيْرُهُ عَنْ أَحْمَدَ لِأَنَّ الْبَيْعَ مَتَى انْفَسَخَ يَعُودُ إلَى بَائِعِهِ بِنَمَائِهِ الْمُنْفَصِلِ كَسِمَنِ الْعَبْدِ وَنَحْوِهِ بَلْ هُنَا أَوْلَى لِأَنَّهُ نَمَاءٌ مِنْ تَيَقُّنِهِ فِي مِلْكِهِ فَحَقُّهُ فِيهِ أَقْوَى‏.‏

وَالثَّانِيَة‏:‏ يَتَصَدَّقَانِ بِهَا مَعَ فَسَادِ الْبَيْعِ‏.‏

قَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَالرِّوَايَتَيْنِ نَقَلَهَا حَنْبَلٌ قَالَ وَهِيَ مَحْمُولَةٌ عِنْدِي عَلَى الِاسْتِحْبَابِ بِوُقُوعِ الْخِلَافِ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ وَفَسَادِهِ وَمُسْتَحَقِّ النَّمَاءِ فَأَسْتَحِبُّ الصَّدَقَةَ بِهِ وَأَنْكَرَ الشَّيْخُ مَجْدُ الدِّينِ ثُبُوتَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَقَالَ هِيَ سَهْوٌ مِنْ الْقَاضِي، قَالَ وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ مُسْتَدِلًّا بِهَا عَلَى الصِّحَّةِ فَأَمَّا مَعَ الْفَسَادِ فَلَا وَجْهَ لِهَذَا الْقَوْلِ، وَأَمَّا ابْنُ أَبِي مُوسَى فَقَالَ وَعَنْهُ يَتَصَدَّقُ الْبَائِعُ بِالْفَضْلِ لِأَنَّهُ نَمَاءٌ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ، وَهَذَا التَّعْلِيلُ يَرُدُّ عَلَيْهِ الزِّيَادَةَ فِي الْمَرْدُودِ بِالْعَيْبِ وَنَحْوِهِ، لَكِنَّ الْمُرَادَ أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ عَادَتْ إلَيْهِ لِانْفِسَاخِ الْعَقْدِ عَلَى وَجْهٍ مَنْهِيٍّ عَنْهُ فِي الشَّرْعِ بِخِلَافِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ‏.‏

ثُمَّ حَكَى رِوَايَةً ثَالِثَةً بِاشْتِرَاكِ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي فِي الزِّيَادَةِ، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تَرْجِعُ إلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الزِّيَادَةَ الْمُتَّصِلَةَ لَا تُتَّبَعُ فِي الْفَسْخِ بَلْ تَبْقَى عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي، وَإِنَّمَا شَارَكَهُ الْبَائِعُ فِيهَا لِأَنَّهَا نَمَتْ مِنْ مِلْكِهِ وَمِلْكِ الْمُشْتَرِي وَلَوْلَا ذَلِكَ لَانْفَرَدَ بِهَا الْمُشْتَرِي وَخَصَّ ابْنُ أَبِي مُوسَى هَذَا الْخِلَافَ بِالثِّمَارِ، فَأَمَّا الزَّرْعُ فَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ خِلَافًا ‏[‏إلَّا‏]‏ أَنَّ الزِّيَادَةَ لِلْبَائِعِ، وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ الصِّحَّةِ فَفِي حُكْمِ الزِّيَادَةِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ إحْدَاهُنَّ إنَّمَا يَشْتَرِكَانِ بَيْنَهُمَا ‏[‏فِيهَا‏]‏، نَقَلَهَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ لِحُدُوثِهَا عَلَى مِلْكَيْهِمَا كَمَا سَبَقَ وَحَمَلَهَا الْقَاضِي عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَلَا يَصِحُّ، وَبِالِاشْتِرَاكِ أَجَابَ أَبُو حَفْصٍ الْبَرْمَكِيُّ فِيمَنْ اشْتَرَى ‏[‏خَشَبًا‏]‏ لِلْقَطْعِ فَتَرَكَهُ حَتَّى اشْتَدَّ وَغَلُظَ‏.‏

وَالثَّانِيَةُ‏:‏ يَتَصَدَّقَانِ بِهَا وَأَخَذَهَا الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ مِنْ رِوَايَةِ حَنْبَلٍ وَتِلْكَ قَدْ صَرَّحَ فِيهَا أَحْمَدُ بِفَسَادِ الْبَيْعِ عَلَى مَا حَكَاهُ الْقَاضِي أَيْضًا فِي الْمُجَرَّدِ وَ ‏[‏كِتَابِ‏]‏ الرِّوَايَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا عِنْدِي عَلَى الِاسْتِحْبَابِ الْمُنْهِي عَنْ رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ وَهَذَا لَمْ يُضْمَنْ عَلَى الْمُشْتَرِي فَكُرِهَ لَهُ رِبْحُهُ وَكُرِهَ لِلْبَائِعِ لِحُدُوثِهِ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي، وَكَذَلِكَ مَالَ صَاحِبُ الْمُغْنِي إلَى حَمْلِهَا عَلَى الِاسْتِحْبَابِ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ بِالشُّبُهَاتِ مُسْتَحَبٌّ وَهَذِهِ شُبْهَةٌ لِاشْتِبَاهِ الْأَمْرِ فِي مُسْتَحَقِّهَا، وَلِحُدُوثِهَا بِجِهَةٍ مَحْظُورَةٍ وَيُشْبِهُ هَذِهِ الرِّوَايَةَ مَا نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِبْحِ مَالِ الْمُضَارَبَةِ إذَا خَالَفَ فِيهِ الْمُضَارِبُ أَنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِهِ وَفِيمَنْ أَجَّرَ مَا اسْتَأْجَرَهُ بِرِبْحٍ أَنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِهِ لِدُخُولِهِ فِي رِبْحِ مَا لَمْ يَضْمَنْ‏.‏

وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ أَنَّ الزِّيَادَةَ كُلَّهَا لِلْبَائِعِ نَقَلَهَا الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ فِي مَسْأَلَةِ زَرْعِ الْغَاصِبِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ فِيمَنْ اشْتَرَى قَصِيلًا فَتَرَكَهُ حَتَّى سَنْبَلَ يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي مِنْهُ بِقَدْرِ مَا اشْتَرَى يَوْمَ اشْتَرَى فَإِنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ كَانَ لِلْبَائِعِ صَاحِبِ الْأَرْضِ قِيلَ لَهُ وَكَذَلِكَ النَّخْلُ إذَا اشْتَرَاهُ لِيَقْلَعَهُ فَطَلَعَ‏؟‏ قَالَ كَذَلِكَ فِي النَّخْلِ فَإِنْ كَانَ فِيهِ زِيَادَةٌ فَهُوَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ الْبَائِعِ، وَوَجَّهَهُ الْقَاضِي بِأَنَّ الزِّيَادَةَ مِنْ ‏[‏نَمَاءِ‏]‏ مِلْكِ الْبَائِعِ فَهِيَ كَالرِّبْحِ فِي الْمَالِ الْمَغْصُوبِ فَإِنَّهُ يَكُونُ لِصَاحِبِ الْمَالِ دُونَ الْغَاصِبِ وَيُلْغَى تَصَرُّفُهُ فِيهِ لِكَوْنِهِ مَحْظُورًا كَذَلِكَ هَاهُنَا وَيُمْكِنُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ تَصَرُّفِ الْغَاصِبِ بِأَنَّ الْغَاصِبَ إنَّمَا لَهُ آثَارُ عَمَلٍ فَأُلْغِيَتْ وَهُنَا لِلْمُشْتَرِي عَيْنُ مَالٍ نَمَتْ فَكَيْفَ يَسْقُطُ حَقُّهُ مِنْ نَمَائِهَا، وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ بِالْعَقْدِ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ مِنْ الثَّمَرَةِ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَلَا حَقَّ فِيهِ وَهَذَا الْبَيْعُ لَمْ يَتِمَّ قَبْضُهُ فِيهِ وَلَا وُجِدَ فِي ضَمَانِهِ فَلَا يَسْتَحِقُّ أَنْ يَقْبِضَ غَيْرَ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْبَيْعُ بِمُقْتَضَى عَقْدِهِ‏.‏

وَحَمَلَ الْقَاضِي قَوْلَ أَحْمَدَ هَاهُنَا وَكَذَلِكَ النَّخْلُ إذَا اشْتَرَاهُ لِيَقْلَعَهُ عَلَى أَنَّهُ اشْتَرَى جُذُوعَهُ لِيَقْطَعَهَا‏.‏

وَقَالَ الشَّيْخُ مَجْدُ الدِّينِ وَيَحْتَمِلُ عِنْدِي أَنْ يُقَالَ بِأَنَّ زِيَادَةَ الثَّمَرَةِ فِي صِفَتِهَا لِلْمُشْتَرِي وَمَا طَالَ مِنْ الْجِزَّةِ لِلْبَائِعِ لِأَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ لَوْ فَرَضْنَا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ كَانَ قَدْ جَزّ مَا اشْتَرَاهُ لَأَمْكَنَ وُجُودُهَا وَيَكُونُ لِلْبَائِعِ، فَكَذَلِكَ إذَا لَمْ تُجَزَّ انْتَهَى‏.‏

وَاخْتَارَ الْقَاضِي خِلَافَ هَذَا كُلِّهِ وَأَنَّ الزِّيَادَةَ كُلَّهَا لِلْمُشْتَرِي مَعَ صِحَّةِ الْعَقْدِ وَلِلْبَائِعِ مَعَ فَسَادِهِ وَلَمْ يُثْبِتْ فِي كِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْمَذْهَبِ فِي هَذَا خِلَافًا، وَمَا قَالَهُ مِنْ انْفِرَادِ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَرَةِ بِزِيَادَتِهَا مُخَالِفٌ لِمَنْصُوصِ أَحْمَدَ وَقِيَاسِهِ كَذَلِكَ عَلَى سِمَنِ الْعَبْدِ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ نَمَتْ مِنْ أَصْلِ الْبَائِعِ مَعَ اسْتِحْقَاقِ إزَالَتِهَا عَنْهُ بِخِلَافِ سِمَنِ الْعَبْدِ وَطُولِهِ وَلَوْ قَالَ مَعَ ذَلِكَ بِوُجُوبِ الْأُجْرَةِ لِلْبَائِعِ إلَى حِينِ الْقَطْعِ لَكَانَ أَقْرَبَ كَمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ بَطَّةَ فِيمَنْ اشْتَرَى خَشَبًا لِلْقَطْعِ فَتَرَكَهُ فِي أَرْضِ الْبَائِعِ حَتَّى غَلُظَ وَاشْتَدَّ أَنَّهُ يَكُونُ بِزِيَادَتِهِ لِلْمُشْتَرِي وَعَلَيْهِ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ أُجْرَةُ أَرْضِهِ لِلْمُدَّةِ الَّتِي تَرَكَهَا فِيهِ وَأَخَذَهُ مِنْ غَرْسِ الْغَاصِبِ وَلَكِنَّ تَبْقِيَةَ الشَّجَرِ فِي الْأَرْضِ لَهُ أُجْرَةٌ مُعْتَبَرَةٍ وَلِلْمَالِكِ الزَّرْعُ فَأَمَّا تَبْقِيَةُ الثَّمَرِ عَلَى رُءُوسِ الشَّجَرِ فَلَا يَسْتَحِقُّ لَهُ أُجْرَةً بِحَالٍ ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي التَّفْلِيسِ وَحُكْمُ الْعَرَايَا إذَا تُرِكَتْ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ ‏[‏حَتَّى أَثْمَرَتْ‏]‏ حُكْمُ الثَّمَرِ إذَا تُرِكَ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهُ عِنْدَ الْقَاضِي وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ؛ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَحْكِ خِلَافًا فِي الْبُطْلَانِ فِي الْعَرِيَّةِ بِخِلَافِ الثَّمَرِ وَالزَّرْعِ كَالْحَلْوَانِيِّ وَابْنِهِ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنْ بَيْعَ الْعَرَايَا رُخْصَةٌ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ الْمُزَابَنَةِ الْمُحَرَّمَةِ شُرِعَتْ لِلْحَاجَةِ إلَى أَكْلِ الرُّطَبِ وَشِرَائِهِ بِالثَّمَنِ فَإِذَا تُرِكَ حَتَّى صَارَ تَمْرًا فَقَدْ زَالَ الْمَعْنَى الَّذِي شُرِعَتْ لِأَجْلِهِ الرُّخْصَةُ وَصَارَ بَيْعَ تَمْرٍ بِتَمْرٍ فَلَمْ يَصِحَّ إلَّا بِتَعْيِينِ الْمُسَاوَاةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

وَأَمَّا الْعُقُودُ فَيُتَّبَعُ فِيهَا النَّمَاءُ الْمَوْجُودُ حِينَ ثُبُوتِ الْمِلْكِ بِالْقَبُولِ أَوْ غَيْرِهِ فَلَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا حِينَ الْإِيجَابِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ فَمِنْ ذَلِكَ الْمُوصَى بِهِ إذَا نُمِّيَ نَمَاءً مُنْفَصِلًا بَعْدَ الْمَوْتِ وَقَبْلَ الْقَبُولِ فَإِنَّهُ يَتْبَعُ الْعَيْنَ إذَا احْتَمَلَهُ الثُّلُثُ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُغْنِي‏.‏

وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ إنْ قُلْنَا لَا يَنْتَقِلُ الْمِلْكُ إلَّا مِنْ حِينِ الْقَبُولِ فَالزِّيَادَةُ مَحْسُوبَةٌ كَذَلِكَ عَلَيْهِ مِنْ الثُّلُثِ، وَإِنْ قُلْنَا ثَبَتَتْ مِنْ حِينِ الْمَوْتِ فَالزِّيَادَةُ لَهُ غَيْرُ مَحْسُوبَةٍ عَلَيْهِ مِنْ التَّرِكَةِ لِأَنَّهَا نَمَاءُ مِلْكِهِ وَمِنْهُ الشِّقْصُ الْمَشْفُوعُ إذَا كَانَ فِيهِ شَجَرٌ فَنَمَا قَبْلَ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ فَإِنَّهُ يَأْخُذُهُ بِنَمَائِهِ بِالثَّمَنِ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الزِّيَادَةِ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ فِيهِ ثَمَرٌ أَوْ زَرْعٌ فَنَمَا وَقُلْنَا يَتْبَعُ فِي الشُّفْعَةِ كَمَا هُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ فِيهِمَا وَلَوْ تَأَبَّرَ الطَّلْعُ الْمَشْمُولِ بِالْبَيْعِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي ثُمَّ أَخَذَهُ الشَّفِيعُ فَفِي تَبَعِيَّتِهِ وَجْهَانِ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِالطَّلْعِ وَنَمَائِهِ‏.‏

‏(‏وَمِنْهُ‏)‏ لَوْ اشْتَرَى رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ مَا اسْتَوْلَوْا عَلَيْهِ مِنْ مَالِ مُسْلِمٍ ثُمَّ نَمَا عِنْدَ الْمُشْتَرِي نَمَاءً مُنْفَصِلًا حَتَّى زَادَتْ قِيمَتُهُ فَإِنَّهُ يَأْخُذُهُ بِالثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِلزِّيَادَةِ فَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا، وَأَمَّا تَبَعِيَّةُ النَّمَاءِ فِي عُقُودِ التَّوَثُّقِ فَإِنَّهُ يَتْبَعُ فِي الرَّهْنِ وَأَمْوَالِ الزَّكَاةِ وَالْجَانِي فِي التَّرِكَةِ الْمُتَعَلَّقِ بِهَا حُقُوقُ الْغُرَمَاءِ، وَإِنْ قِيلَ بِانْتِقَالِهَا إلَى الْوَرَثَةِ لِأَنَّ التَّعَلُّقَ فِيهَا إمَّا تَعَلُّقُ رَهْنٍ أَوْ جِنَايَةٍ وَالنَّمَاءُ الْمُتَّصِلُ تَابِعٌ فِيهِمَا صَرَّحَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ بِذَلِكَ كُلِّهِ مُتَفَرِّقًا فِي كَلَامِهِمَا، وَأَمَّا عُقُودُ الضَّمَانِ فَتُتَّبَعُ فِي الْغَصْبِ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَحَكَى ابْنُ أَبِي مُوسَى فِيهِ رِوَايَةً أُخْرَى أَنَّهُ لَا يَتْبَعُ وَلَا يَكُونُ النَّمَاءُ الْمُتَّصِلُ الْحَادِثُ فِي يَدِ الْغَاصِبِ مَضْمُونًا إذَا رَدَّ الْأَصْلَ كَمَا قَبَضَهُ وَقِيَاسُهُ الْعَارِيَّةُ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ حَاصِلٌ بِهِ فَيَصِيرُ حُكْمُهُ حُكْمَ الْأَصْلِ كَنَمَاءِ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ وَتُتْبَعُ أَيْضًا فِي الصَّيْدِ الَّذِي فِي يَدِ الْمُحْرِمِ، وَفِي نَمَاءِ الْمَقْبُوضِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ وَجْهَانِ مَعْرُوفَانِ‏.‏

‏(‏الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَة وَالثَّمَانُونَ‏)‏‏:‏ وَالنَّمَاءُ الْمُنْفَصِلُ تَارَةً يَكُونُ مُتَوَلِّدًا مِنْ عَيْنِ الذَّاتِ كَالْوَلَدِ وَالطَّلْعِ وَالصُّوفِ وَاللَّبَنِ وَالْبَيْضِ وَتَارَةً يَكُونُ مُتَوَلِّدًا مِنْ غَيْرِهَا وَاسْتُحِقَّ بِسَبَبِ الْعَيْنِ كَالْمَهْرِ وَالْأَرْشِ

وَالْحُقُوقُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْأَعْيَانِ ثَلَاثَةٌ‏:‏ عُقُودٌ وَسَبَّابَتِهِ وَحُقُوقٌ يَتَعَلَّقُ بِغَيْرِ فَسْخٍ وَلَا عَقْدٍ فَأَمَّا الْعُقُودُ فَلَهَا حَالَتَانِ إحْدَاهُمَا ‏[‏أَنْ تُرَدَّ‏]‏ عَلَى الْأَعْيَانِ بَعْدَ وُجُودِ نَمَائِهَا الْمُنْفَصِلِ فَلَا يَتْبَعُهَا النَّمَاءُ وَسَوَاءٌ كَانَ مِنْ الْعَيْنِ أَوْ غَيْرِهَا إلَّا مَا كَانَ مُتَوَلِّدًا مِنْ الْعَيْنِ فِي حَالِ اتِّصَالِهِ بِهَا وَاسْتِتَارِهِ وَتَعَيُّبِهِ فِيهَا بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ تَبَعًا كَالْوَلَدِ وَاللَّبَنِ وَالْبَيْضِ وَالطَّلْعِ غَيْرِ الْمُؤَبَّرِ أَوْ كَانَ مُلَازِمًا لِلْعَيْنِ لَا يُفَارِقُهَا عَادَةً كَالشَّعَرِ وَالصُّوفِ فَإِنَّهَا تَلْحَقُ بِالْمُتَّصِلِ فِي اسْتِتْبَاعِ الْعَيْنِ وَفِي الْمُجَرَّدِ وَالْفُصُولِ وَجْهٌ فِي الرَّهْنِ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِيهِ صُوفُ الْحَيَوَانِ وَلَبَنُهُ وَلَا وَرَقُ الشَّجَرِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ بَعِيدٌ، أَمَّا الْمُنْفَصِلُ الْبَائِنُ فَلَا يَتْبَعُ بِغَيْرِ خِلَافٍ إلَّا فِي التَّدْبِيرِ فَإِنَّ فِي اسْتِتْبَاعِ الْأَوْلَادِ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ‏.‏

وَالْحَالَةُ الثَّانِيَة‏:‏ أَنْ يَحْدُثَ النَّمَاءُ بَعْدَ وُرُودِ الْعَقْدِ عَلَى الْعَيْنِ فَيَنْقَسِمُ الْعَقْدُ إلَى تَمَلُّكٍ ‏[‏وَغَيْرِهِ‏]‏‏.‏

وَأَمَّا عُقُودُ التَّمْلِيكَاتِ الْمُنَجَّزَةِ فَمَا وَرَدَ مِنْهَا عَلَى عَيْنٍ وَالْمَنْفَعَةُ بِعِوَضٍ أَوْ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَسْتَلْزِمُ اسْتِتْبَاعَ النَّمَاءِ الْمُنْفَصِلِ مِنْ الْعَيْنِ وَغَيْرِهِ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالْعِتْقِ وَعِوَضِهِ وَعِوَضِ الْخُلْعِ وَالْكِتَابَةِ وَالْإِجَارَةِ وَالصَّدَاقِ وَغَيْرِهَا وَمَا وَرَدَ مِنْهَا عَلَى الْعَيْنِ الْمُجَرَّدَةِ مِنْ غَيْرِ مَنْفَعَةٍ كَالْوَصِيَّةِ بِالرَّقَبَةِ دُونَ الْمَنَافِعِ وَالْمُشْتَرِي لَهَا مِنْ مُسْتَحِقِّهَا عَلَى الْقَوْلِ بِصِحَّةِ الْمَبِيعِ فَلَا يُتْبَعُ فِيهِ النَّمَاءُ مِنْ غَيْرِ الْعَيْنِ، وَفِي اسْتِتْبَاعِ الْأَوْلَادِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوَلَدَ جُزْءٌ أَوْ كَسْبٍ وَمَا وَرَدَ فِيهَا عَلَى الْمَنْفَعَةِ الْمُجَرَّدَةِ فَإِنْ عَمَّ الْمَنَافِعَ كَالْوَقْفِ وَالْوَصِيَّةِ بِالْمَنْفَعَةِ تُتْبَعُ فِيهِ النَّمَاءَ الْحَادِثَ مِنْ الْعَيْنَ وَغَيْرِهَا إلَّا الْوَلَدَ فَإِنَّ فِيهِ وَجْهَيْنِ مُصَرَّحًا بِهِمَا فِي الْوَقْف وَمُخَرَّجَيْنِ فِي غَيْرِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ جُزْءٌ أَوْ كَسْبٌ وَفِي أَرْشِ الْجِنَايَةِ عَلَى الطَّرَفِ بِالْإِتْلَافِ احْتِمَالَانِ مَذْكُورَانِ فِي التَّرْغِيبِ هَلْ هُوَ لِلْمُوقَفِ عَلَيْهِ كَالْفَوَائِدِ أَوْ يُشْتَرَى بِهِ شِقْصٌ يَكُونُ وَقْفًا كَبَدَلِ الْجُمْلَةِ فَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ بِغَيْرِ إتْلَافٍ فَالْأَرْشُ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ وَجْهًا وَاحِدًا وَإِنْ كَانَ الْعَقْدُ عَلَى مَنْفَعَةٍ خَاصَّةٍ لَا تَتَأَبَّدُ كَالْإِجَارَةِ فَلَا تَتْبَعُ فِيهِ شَيْئًا مِنْ النَّمَاءِ الْمُنْفَصِلِ بِغَيْرِ خِلَافٍ وَأَمَّا عُقُودُ غَيْرِ التَّمْلِيكَاتِ الْمُنَجَّزَةِ فَنَوْعَانِ‏:‏ أَحَدُهُمَا‏:‏ ‏[‏مَا‏]‏ يَئُولُ إلَى التَّمْلِيكِ فَمَا كَانَ مِنْهُ لَازِمًا لَا يَسْتَقِلُّ الْعَاقِدُ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ بِإِبْطَالِهِ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ فَإِنَّهُ يَتْبَعُ فِيهِ النَّمَاءَ الْمُنْفَصِلَ مِنْ الْعَيْنِ وَغَيْرِهَا وَيَنْدَرِجُ فِي ذَلِكَ صُوَرٌ‏.‏

مِنْهَا‏:‏ الْمُكَاتَبَةُ فَيَمْلِكُ اكْتِسَابَهَا وَيَتْبَعُهَا أَوْلَادُهَا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ‏.‏

وَمِنْهَا‏:‏ الْمُكَاتَبُ يَمْلِكُ اكْتِسَابَهُ وَيَتْبَعُهُ أَوْلَادُهُ مِنْ أَمَتِهِ كَمَا يَتْبَعُ الْحُرَّ وَلَدُهُ مِنْ أَمَتِهِ وَلَا يَتْبَعُهُ وَلَدُهُ مِنْ أَمَةٍ لِغَيْرِهِ‏.‏

وَمِنْهَا‏:‏ الْمُوصَى بِعِتْقِهِ إذَا كَتَسَبٍّ بَعْدَ الْمَوْتِ وَقَبْلَ إعْتَاقِ الْوَرَثَةِ فَإِنَّ كَسْبَهُ لَهُ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ لِأَنَّ إعْتَاقَهُ وَاجِبٌ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَبُولٍ فَهُوَ كَالْمُعْتَقِ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ لِمُعَيَّنٍ وَقَالَ صَاحِبُ الْمُغْنِي فِي آخِرِ بَابِ الْعِتْقِ كَسْبُهُ لِلْوَرَثَةِ كَأُمِّ الْوَلَدِ وَلَكِنْ يُمْكِنُ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ مَمْلُوكَةٌ لِسَيِّدِهَا وَالْمُوصَى بِعِتْقِهِ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لِلْوَرَثَةِ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَمْنَعُ انْتِقَالَهُ إلَيْهِمْ، وَإِذَا قِيلَ هُوَ عَلَى مِلْكِ الْمَيِّتِ فَهُوَ مِلْكٌ تَقْدِيرِيٌّ لَا يَمْنَعُ مِنْ اسْتِحْقَاقِ الْكَسْبِ فَلَوْ كَانَ أَمَةً فَوَلَدَتْ قَبْلَ الْعِتْقِ وَبَعْدَ الْمَوْتِ تَبِعَهَا الْوَلَدُ كَأُمِّ الْوَلَدِ هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ‏.‏

وَقَالَ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ لَا يَعْتِقُ‏.‏

وَمِنْهَا‏:‏ الْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ بِوَقْتٍ أَوْ صِفَةٍ بَعْدَ الْمَوْتِ كَمَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ مِتُّ ثُمَّ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ أَوْ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِسَنَةٍ وَصَحَّحْنَا ذَلِكَ فَكَسْبُهُ بَيْنَ الْمَوْتِ وَوُجُودِ شَرْطِ الْعِتْقِ لِلْوَرَثَةِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَصَاحِبُ الْمُغْنِي كَأُمِّ الْوَلَدِ بِخِلَافِ الْمُوصَى بِعِتْقِهِ‏.‏

لِأَنَّ ذَلِكَ أَوْجَبَ عِتْقَهُ فِي الْحَالِ وَهَذَا يَتَرَدَّدُ فِي وُجُودِ شَرْطِ عِتْقِهِ فَإِنَّهُ قَدْ يَجِيءُ الْوَقْتُ الْمُعَيَّنُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَلَا تُوجَدُ الصِّفَةُ حَتَّى ذَكَرَ فِي الْمُغْنِي فِي مَنْعِ الْوَارِثِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ قَبْلَ الصِّفَةِ احْتِمَالَيْنِ وَصَرَّحَ صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ بِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْمَيِّتِ لَا يَنْتَقِلُ إلَى الْوَرَثَةِ كَالْمُوصَى بِعِتْقِهِ‏.‏

وَعَلَى هَذَا فَيَتَوَجَّهُ أَنَّ كَسْبَهُ لَهُ وَمَا قِيلَ مِنْ احْتِمَالِ مَوْتِهِ قَبْلَ الصِّفَةِ مُعَارَضٌ بِاحْتِمَالِ مَوْتِ الْمُوصَى بِعِتْقِهِ قَبْلَ الْعِتْقِ، وَأَمَّا إنْ كَانَتْ أَمَةً وَوَلَدَتْ بَعْدَ الْمَوْتِ فَهُوَ تَابِعٌ لَهَا كَأُمِّ الْوَلَدِ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَهُوَ مُتَوَجَّهٌ سَوَاءٌ قِيلَ إنَّ هَذَا الْعَقْدَ تَدْبِيرٌ كَقَوْلِ ابْنِ أَبِي مُوسَى وَالْقَاضِي فِي خِلَافِهِ أَوْ قِيلَ إنَّهُ تَعْلِيقٌ كَقَوْلِ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَابْنِ عَقِيلٍ فَإِنَّهُ تَعْلِيقٌ لَازِمٌ مُسْتَقِرٌّ لَا يُمْكِنُ إبْطَالُهُ فَهُوَ كَالْكِتَابَةِ، وَهَذَا يَشْهَدُ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ تَبَعِيَّةِ الْوَلَدِ فِي الَّتِي قَبْلَهَا‏.‏

وَمِنْهَا‏:‏ الْمُوصَى بِوَقْفِهِ إذَا نَمَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَقَبْلَ إيقَافِهِ فَأَفْتَى الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّهُ يُصْرَفُ مُنْصَرَفَ الْوَقْفِ لِأَنَّ نَمَاءَهُ قَبْلَ الْوَقْفِ كَنَمَائِهِ بَعْدَهُ‏.‏

‏(‏وَمِنْهَا‏)‏ مَا نَقَلَ يَعْقُوبُ بْنُ بُخْتَانَ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ هَانِئٍ عَنْ أَحْمَدَ فِيمَنْ جَعَلَ مَالًا فِي وُجُوهِ الْبِرِّ فَاتَّجَرَ بِهِ الْوَصِيُّ قَالَ إنْ رَبِحَ جَعَلَ رِبْحَهُ مَعَ الْمَالِ فِيمَا أَوْصَى بِهِ وَإِنْ خَسِرَ كَانَ ضَمَانًا، فَهَذَا إنْ كَانَ مُرَادُهُ إذَا وَصَّى بِتَفْرِقَةِ عَيْنِ الْمَالِ فَوَاضِحٌ وَإِنْ كَانَ وَصَّى أَنْ يَشْتَرِيَ فِيمَا يَنْمُو وَيُوقَفَ أَوْ يُتَصَدَّقَ بِنَمَائِهِ كَانَ مُخَالِفًا لِمَا أَفْتَى بِهِ الشَّيْخُ‏.‏

وَمِنْهَا‏:‏ الْمُوصَى بِهِ لِمُعَيَّنٍ يَقِفُ عَلَى قَبُولِهِ إذَا نَمَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَقَبْلَ الْقَبُولِ نَمَاءً مُنْفَصِلًا فَيَنْبَنِي عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ قَبْلَ الْقَبُولِ هَلْ هُوَ لِلْوَارِثِ أَوْ لِلْمَيِّتِ أَوْ لِلْمُوصَى لَهُ، وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ فَإِنْ قِيلَ إنَّهُ لِلْوَارِثِ فَهُوَ مُخْتَصٌّ بِنَمَائِهِ وَإِنْ قِيلَ هُوَ عَلَى مِلْكِ الْمَيِّتِ فَنَمَاؤُهُ مِنْ التَّرِكَةِ وَإِنْ قِيلَ إنَّهُ لِلْمُوصَى لَهُ بِمَعْنَى أَنَّا نَتَبَيَّنُ بِقَبُولِهِ مِلْكَهُ بِالْمَوْتِ أَوْ قِيلَ إنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ مِلْكُهُ عَلَى قَبُولٍ فَنَمَاؤُهُ كُلُّهُ لِلْمُوصَى لَهُ‏.‏

وَمِنْهَا‏:‏ النَّذْرُ وَالصَّدَقَةُ وَالْوَقْفُ إذَا لَزِمَتْ فِي عَيْنٍ لَمْ يَجُزْ لِمَنْ أَخْرَجَهَا عَنْ مِلْكِهِ أَنَّهُ يَشْتَرِي شَيْئًا مِنْ نِتَاجِهَا نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي الصَّدَقَةِ وَالْوَقْفِ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ‏.‏

وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ ثُمَّ بَانَ بِهِ عَيْبٌ فَأَخَذَ أَرْشَهُ فَهَلْ يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ أَوْ يَجِبُ عَلَيْهِ صَرْفُهُ فِي الرِّقَابِ عَلَى رِوَايَتَيْنِ وَخَصَّ الْقَاضِي الرِّوَايَتَيْنِ بِالْعِتْقِ عَنْ الْوَاجِبِ إذَا كَانَ الْعَيْبُ يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ إلْحَاقًا لِلْأَرْشِ بِالْوَلَاءِ‏.‏

وَلَوْ اشْتَرَى شَاةً فَأَوْجَبَهَا أُضْحِيَّةً ثُمَّ أَصَابَ بِهَا عَيْبًا فَأَخَذَ أَرْشَهُ اشْتَرَى بِهِ أُضْحِيَّةً فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ تَصَدَّقَ بِهِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعِتْقِ بِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ الْعِتْقِ تَكْمِيلُ أَحْكَامِ الْعَبْدِ وَقَدْ حَصَلَ وَالْقَصْدُ مِنْ الْأُضْحِيَّةِ إيصَالُ لَحْمِهَا إلَى الْمَسَاكِينِ فَإِذَا كَانَ فِيهِ عَيْبٌ دَخَلَ الضَّرَرُ عَلَيْهِمْ فَوَجَبَ أَرْشُهُ عَلَيْهِمْ جَبْرًا ‏[‏وَتَكْمِيلًا‏]‏ لِحَقِّهِمْ وَفِي الْكَافِي احْتِمَالٌ آخَرُ أَنَّ الْأَرْشَ لَهُ كَمَا فِي الْعِتْقِ وَأَمَّا الْهَدْيُ وَالْأَضَاحِيّ إذَا تَعَيَّنَ فَإِنْ قِيلَ إنَّ مِلْكَهُ لَا يَزُولُ بِالتَّعْيِينِ كَقَوْلِ الْقَاضِي وَالْأَكْثَرِينَ فَهُوَ مِنْ هَذَا النَّوْعِ وَإِنْ جَازَ إبْدَالُهُ لِأَنَّ إبْدَالَهُ نَقْلٌ لِلْحَقِّ لَا إسْقَاطٌ لَهُ كَالْوَقْفِ وَيَتْبَعُهُ نَمَاؤُهُ مِنْهُ كَالْوَلَدِ فَإِذَا وَلَدَتْ الْأُضْحِيَّةُ ذَبَحَ مَعَهَا وَلَدَهَا وَهَلْ يَكُونُ أُضْحِيَّةً بِطَرِيقِ التَّبَعِ أَمْ لَا‏؟‏ فِيهِ وَجْهَانِ‏:‏ أَحَدُهُمَا‏:‏ هُوَ أُضْحِيَّةٌ قَالَهُ فِي الْمُغْنِي فَيَجُوزُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ كَأُمِّهِ‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ لَيْسَ بِأُضْحِيَّةٍ قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ قَالَ وَإِنْ تَصَدَّقَ بِهِ صَحِيحًا فَهَلْ يُجْزِئُ‏؟‏ فِيهِ احْتِمَالَانِ لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ الصَّدَقَةِ الْمُطْلَقَةِ وَبَيْنَ أَنْ يَحْذِيَ بِهِ حَذْوَ الْأُمِّ وَالْأَشْبَهُ بِكَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ أُضْحِيَّةٌ فَإِنَّهُ قَالَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مشيش يَذْبَحُهَا وَوَلَدَهَا عَنْ سَبْعَةٍ وَقَالَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ يَبْدَأُ بِأَيِّهِمَا شَاءَ فِي الذَّبْحِ وَأَنْكَرَ قَوْلَ مَنْ قَالَ لَا يَبْدَأُ إلَّا بِالْأُمِّ وَعَلَى هَذَا فَهَلْ يَصِيرُ الْوَلَدُ تَابِعًا لِأُمِّهِ أَوْ مُسْتَقِلًّا بِنَفْسِهِ حَتَّى لَوْ بَاعَ أُمَّهُ أَوْ عَابَتْ وَقُلْنَا يُرَدّ إلَى مِلْكِهِ فَهَلْ يَرْجِعُ وَلَدُهَا مَعَهَا‏؟‏ عَلَى وَجْهَيْنِ ذَكَرَهُمَا فِي الْمُغْنِي وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُعَيِّنَ ابْتِدَاءً أَوْ عَنْ وَاجِبٍ فِي الذِّمَّةِ عَلَى صَحِيحٍ وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ أَنَّ الْمُعَيَّنَةَ عَمَّا فِي الذِّمَّةِ لَا يَتْبَعُهَا وَلَدُهَا لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي الذِّمَّةِ وَاحِدٌ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهَا بِالتَّعْيِينِ صَارَتْ كَالْمُعَيَّنَةِ ابْتِدَاءً وَأَمَّا اللَّبَنُ فَيَجُوزُ شُرْبُهُ مَا لَمْ يُعْجِفْهَا لِلنَّصِّ وَلِأَنَّ الْأَكْلَ مِنْ لَحْمِهَا جَائِزٌ فَيَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِغَيْرِهِ مِنْ مَنَافِعِهَا وَمِنْ دَرِّهَا وَظَهْرِهَا فَأَمَّا الصُّوفُ فَنَصَّ أَحْمَدُ عَلَى كَرَاهَةِ جَزِّهِ إلَّا أَنْ يَطُولَ وَيَكُونَ جَزُّهُ نَفْعًا لَهَا، قَالَ الْأَصْحَابُ وَيَتَصَدَّقُ بِهِ وَفَرَّقُوا بَيْنَ الصُّوفِ وَاللَّبَنِ بِأَنَّ الصُّوفَ كَانَ مَوْجُودًا حَالَ إيجَابِهَا فَوَرَدَ الْإِيجَابُ عَلَيْهِ وَاللَّبَنُ يَتَجَدَّدُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ فَهُوَ كَمَنْفَعَةِ ظَهْرِهَا‏.‏

وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ الصَّدَقَةُ بِالشَّعْرِ وَلَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ وَذَكَرَ ابْنُ الزاغوني أَنَّ اللَّبَنَ وَالصُّوفَ لَا يَدْخُلَانِ فِي الْإِيجَابِ وَلَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِمَا إذَا لَمْ يَضُرَّ بِالْهَدْيِ وَكَذَلِكَ قَالَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ فِي اللَّبَنِ‏.‏

وَلَوْ فَقَأَ رَجُلٌ عَيْنَ الْهَدْيِ الْمُعَيَّنِ ابْتِدَاءً أُخِذَ مِنْهُ أَرْشُهُ وَتُصُدِّقَ بِهِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ وَإِنْ قِيلَ بِزَوَالِ مِلْكِهِ بِالتَّعْيِينِ كَقَوْلِ أَبِي الْخَطَّابِ فَهُوَ مِنْ قِسْمِ التَّمْلِيكَاتِ الْمُنْجَزَةِ كَالْعِتْقِ وَالْوَقْفِ وَإِنْ جَازَ الِانْتِفَاعُ بِبَعْضِ مَنَافِعِهِ كَمَنْ وَقَفَ مَسْجِدًا فَإِنَّهُ يَنْتَفِعُ بِهِ مَعَ جُمْلَةِ الْمُسْلِمِينَ‏.‏

وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْهَا غَيْرَ لَازِمٍ وَهُوَ ‏[‏مَا‏]‏ يَمْلِكُ الْعَاقِدُ إبْطَالَهُ إمَّا بِالْقَوْلِ أَوْ تُمْنَعُ نُفُوذُ الْحَقِّ الْمُتَعَلِّقِ بِهِ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ مِنْ غَيْرِ وُجُوبِ إبْدَالٍ فَلَا يُتْبَعُ فِيهِ النَّمَاءُ مِنْ غَيْرِ عَيْنِهِ، وَفِي اسْتِتْبَاعِ الْوَلَدِ خِلَافٌ، وَيَنْدَرِجُ تَحْتَ ذَلِكَ صُوَرٌ‏:‏ مِنْهَا‏:‏ الْمُدَبَّرَةُ فَإِنَّهُ يَتْبَعُهَا وَلَدُهَا عَلَى الْمَذْهَبِ الْمَشْهُورِ وَعَنْهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى لَا يَتْبَعُهَا وَزَعَمَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي انْتِصَارِهِ أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ نَزَلَ عَلَى أَنَّ التَّدْبِيرَ هَلْ هُوَ لَازِمٌ أَمْ لَا‏.‏

فَإِنْ قِيلَ بِلُزُومِهِ تَبِعَ الْوَلَدُ وَإِلَّا لَمْ يَتْبَعْ وَأَبَى أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ ذَلِكَ وَعَلَى الْقَوْلِ بِالتَّبَعِيَّةِ قَالَ الْأَكْثَرُونَ يَكُونُ مُدَبِّرًا بِنَفْسِهِ لَا بِطَرِيقِ التَّبَعِ بِخِلَافِ وَلَدِ الْمُكَاتَبَةِ وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ عَلَى أَنَّ الْأُمَّ لَوْ عَتَقَتْ فِي حَيَاةِ السَّيِّدِ لَمْ يَعْتِقْ الْوَلَدُ حَتَّى يَمُوتَ وَعَلَى هَذَا لَوْ رَجَعَ فِي تَدْبِيرِ الْأُمِّ وَقُلْنَا لَهُ ذَلِكَ بَقِيَ الْوَلَدُ مُدَبَّرًا هَذَا قَوْلُ الْقَاضِي وَابْنِ عَقِيلٍ‏.‏

وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ بَلْ هُوَ تَابِعٌ مَحْضٌ لَهَا إنْ عَتَقَتْ عَتَقَ وَإِنْ رَقَّتْ رَقَّ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ أَبِي مُوسَى أَيْضًا‏.‏

وَمِنْهَا‏:‏ الْمُعَلَّقُ عِتْقُهَا بِصِفَةٍ إذَا حَمَلَتْ وَوَلَدَتْ بَيْنَ التَّعْلِيقِ وَوُجُودِ الصِّفَةِ فَفِي عِتْقِهِ مَعَهَا وَجْهَانِ مَعْرُوفَانِ وَلَوْ لَمْ تُوجَدْ الصِّفَةُ فِي الْأُمِّ لَمْ يُعْتَقْ وَلَوْ وُجِدَتْ فِيهِ الصِّفَةُ لِأَنَّهُ تَابِعٌ مَحْضٌ‏.‏

وَمِنْهَا‏:‏ الْمُوصَى بِعِتْقِهَا أَوْ وَقْفِهَا إذَا وَلَدَتْ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصَى لَمْ يَتْبَعْهَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْمُوصَى بِعِتْقِهَا وَقِيَاسُهُ الْأُخْرَى وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَتْبَعَ فِي الْوَصِيَّةِ بِالْوَقْفِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُغَلَّبَ فِيهِ شَوْبُ التَّحْرِيرِ دُونَ التَّمْلِيكِ‏.‏

وَمِنْهَا‏:‏ الْمُعَلَّقُ وَقْفُهَا بِالْمَوْتِ إنْ قُلْنَا هُوَ لَازِمٌ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ مِنْ رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ ‏[‏صَارَتْ كَالْمُسْتَوْلَدَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتْبَعَهَا وَلَدُهَا وَإِنْ قُلْنَا لَيْسَ بِلَازِمٍ وَكَلَامُ أَحْمَدَ فِي آخِرِ رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ‏]‏ يُشْعِرُ بِهِ حَيْثُ قَالَ إنْ كَانَ تَنَاوَلَ وَشَبَّهَهُ بِالْمُدَبَّرِ يَعْنِي أَنَّهُ يَتْبَعُهُ فَهَلْ يَتْبَعُهَا الْوَلَدُ كَالْمُدَبَّرِ أَوْ لَا يَتْبَعُ لِأَنَّ الْوَقْفَ تُغَلَّبُ فِيهِ شَائِبَةُ التَّمْلِيكِ فَهُوَ كَالْمُوصَى بِهِ وَيَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ‏.‏

النَّوْعُ الثَّانِي عُقُودٌ مَوْضُوعَةٌ لِغَيْرِ تَمْلِيكِ الْعَيْنِ فَلَا يُمْلَكُ بِهَا النَّمَاءُ بِغَيْرِ إشْكَالٍ إذْ الْأَصْلُ لَا يُمْلَكُ فَالْفَرْعُ أَوْلَى وَلَكِنْ هَلْ يَكُونُ النَّمَاءُ تَابِعًا لِأَصْلِهِ فِي وُرُودِ الْعَقْدِ عَلَيْهِ وَفِي كَوْنِهِ مَضْمُونًا أَمْ غَيْرَ مَضْمُونٍ فَإِنْ كَانَ الْعَقْدُ وَارِدًا عَلَى الْعَيْنِ وَهُوَ لَازِمٌ فَحُكْمُ النَّمَاءِ حُكْمُ الْأَصْلِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ لَازِمٍ أَوْ لَازِمًا لَكِنَّهُ مَعْقُودٌ عَلَى الْمَنْفَعَةِ مِنْ غَيْرِ تَأْيِيدٍ أَوْ عَلَى مَا فِي الذِّمَّةِ فَلَا يَكُونُ النَّمَاءُ دَاخِلًا فِي الْعَقْدِ وَهَلْ يَكُونُ تَابِعًا لِلْأَصْلِ فِي الضَّمَانِ وَعَدَمِهِ فِيهِ وَجْهَانِ‏:‏ أَحَدُهُمَا‏:‏ أَنَّهُ تَابِعٌ لَهُ فِيهِمَا‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ إنْ شَارَكَ الْأَصْلَ فِي الْمَعْنَى الَّذِي أَوْجَبَ الضَّمَانَ أَوْ الِائْتِمَانَ تَبِعَهُ وَإِلَّا فَلَا وَيَنْدَرِجُ تَحْتَ ذَلِكَ صُوَرٌ‏:‏‏.‏

‏(‏مِنْهَا‏)‏ الْمَرْهُونُ فَنَمَاؤُهُ الْمُنْفَصِلُ كُلُّهُ رَهْنٌ مَعَهُ سَوَاءٌ كَانَ مُتَوَلِّدًا مِنْ عَيْنِهِ كَالثَّمَرَةِ وَالْوَلَدِ أَوْ مِنْ كَسْبِهِ كَالْأُجْرَةِ أَوْ بَدَلًا عَنْهُ كَالْأَرْشِ وَهُوَ دَاخِلٌ مَعَهُ فِي عَقْدِ الرَّهْنِ فَيَمْلِكُ الْوَكِيلُ فِي بَيْعِ الرَّهْنِ بَيْعَهُ مَعَهُ وَإِنْ كَانَ حَادِثًا بَعْدَ الْعَقْدِ وَالتَّوْكِيلِ‏.‏

وَمِنْهَا‏:‏ الْأَجِيرُ كَالرَّاعِي وَغَيْرِهِ فَيَكُونُ النَّمَاءُ فِي يَدِهِ أَمَانَةً كَأَصْلِهِ وَلَا يَلْزَمُهُ رَعْيُ سِخَالِ الْغَنَمِ الْمُعَيَّنَةِ فِي عَقْدِ الرَّعْيِ لِأَنَّهَا غَيْرُ دَاخِلَةٍ فِيهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى رَعْيِ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ فَإِنَّ عَلَيْهِ رَعْيَ سِخَالِهَا لِأَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَرْعَى مَا جَرَى الْعُرْفُ بِهِ مَعَ الْإِطْلَاقِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ‏.‏

وَمِنْهَا‏:‏ الْمُسْتَأْجِرُ يَكُونُ النَّمَاءُ فِي يَدِهِ أَمَانَةً كَأَصْلِهِ وَلَيْسَ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي الْعَقْدِ وَهَلْ لَهُ إمْسَاكُهُ بِغَيْرِ اسْتِئْذَانِ مَالِكِهِ تَبَعًا لِأَصْلِهِ جَعْلًا لِلْإِذْنِ فِي إمْسَاكِ أَصْلِهِ إذْنًا فِي إمْسَاكِ نَمَائِهِ أَمْ لَا‏؟‏ كَمَنْ أَطَارَتْ الرِّيحُ إلَى دَارِهِ ثَوْبَ غَيْرِهِ خَرَّجَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ‏؟‏ عَلَى وَجْهَيْنِ‏.‏

وَمِنْهَا‏:‏ الْوَدِيعَةُ هَلْ يَكُونُ نَمَاؤُهَا وَدِيعَةً وَأَمَانَةً مَحْضَةً كَالثَّوْبِ الْمُطَارِ إلَى دَارِهِ‏؟‏ عَلَى وَجْهَيْنِ أَيْضًا‏.‏

‏(‏وَمِنْهَا‏)‏ الْعَارِيَّةُ لَا يُرَدُّ عَقْدُ الْإِعَارَةِ عَلَى وَلَدِهَا فَلَيْسَ لِلْمُسْتَعِيرِ الِانْتِفَاعُ بِهِ وَهَلْ هُوَ مَضْمُونٌ كَأَصْلِهِ أَمْ لَا‏؟‏ عَلَى وَجْهَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ فِي بَابِ الرَّهْنِ أَحَدُهُمَا هُوَ مَضْمُونٌ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِأَصْلِهِ‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ لَيْسَ بِمَضْمُونٍ لِأَنَّ أَصْلَهُ إنَّمَا ضُمِنَ لِإِمْسَاكِهِ لِلِانْتِفَاعِ بِهِ ‏[‏فِي بَابِ الرَّهْنِ‏]‏ وَالنَّمَاءُ مَمْسُوكٌ لِحِفْظِهِ عَلَى الْمَالِكِ فَيَكُونُ أَمَانَةً وَقَالَا فِي كِتَابِ الْغَصْبِ إنَّ فِي وَلَدِ الْعَارِيَّةِ وَجْهًا وَاحِدًا‏.‏

وَمِنْهَا‏:‏ الْمَقْبُوضَةُ عَلَى وَجْهِ السَّوْمِ إذَا وَلَدَتْ فِي يَدِ الْقَابِضِ قَالَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ حُكْمُهُ حُكْمُ أَصْلِهِ إنْ قُلْنَا هُوَ مَضْمُونٌ فَالْوَلَدُ مَضْمُونٌ وَإِلَّا فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُخَرَّجَ فِيهِ وَجْهٌ آخَرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَضْمُونٍ كَوَلَدِ الْعَارِيَّةِ لِأَنَّ أُمَّهُ إنَّمَا ضَمِنَتْ لِقَبْضِهَا بِسَبَبِ الضَّمَانِ وَالتَّمْلِيكِ وَالْوَلَدِ وَلَمْ يَحْصُلْ قَبْضُهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَهُوَ كَالثَّوْبِ الْمُطَارِ بِالرِّيحِ إلَى مِلْكِهِ‏.‏

وَمِنْهَا‏:‏ الْمَقْبُوضُ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ وَفِي ضَمَانِ زِيَادَتِهِ وَجْهَانِ وَوَجَّهَ الْقَاضِي سُقُوطَ الضَّمَانِ بِأَنَّهُ إنَّمَا دَخَلَ عَلَى ضَمَانِ الْعَيْنِ دُونَ نَمَائِهَا وَهُوَ مُنْتَقَضٌ بِتَضْمِينِهِ الْأُجْرَةَ‏.‏

وَمِنْهَا‏:‏ الشَّاهِدَةُ وَالضَّامِنَةُ وَالْكَفِيلَةُ لَا يَتَعَلَّقُ بِأَوْلَادِهِنَّ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَحْكَامِ لِأَنَّ هَذِهِ حُقُوقٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالذِّمَّةِ لَا بِالْعَيْنِ فَهِيَ كَسَائِرِ عُقُودِ الْمُدَايَنَاتِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَابْنُ عَقِيلٍ وَاخْتَارَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ أَنَّ وَلَدَ الضَّامِنَةِ يَتْبَعُهَا وَيُبَاعُ مَعَهَا كَوَلَدِ الْمَرْهُونَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ دَيْنَ الْمَأْذُونِ لَهُ يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ وَضَعَّفَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي نَظَرِيَّاتِهِ لِأَنَّ التَّعَلُّقَ بِالرَّقَبَةِ هُنَا كَتَعَلُّقِ الْجِنَايَةِ فَلَا يَسْرِي‏.‏

وَمِنْهَا‏:‏ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِمَّا اشْتَرَاهُ فُلَانٌ فَأَكَلَ مِنْ لَبَنِهِ أَوْ بَيْضِهِ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَتَعَلَّقْ ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ فَإِنَّ الْيَمِينَ لَيْسَتْ لَازِمَةً بَلْ يُخَيَّرُ الْحَالِفُ بَيْنَ الْتِزَامِهَا وَبَيْنَ الْحِنْثِ فِيهَا وَتَكْفِيرِهَا ‏[‏وَهَذَا‏]‏ بِخِلَافِ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ الشَّاةِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِأَكْلِ لَبَنِهَا لِأَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ مِنْهَا فِي الْحَيَاةِ عَادَةً إلَّا اللَّبَنُ فَأَمَّا نِتَاجُهَا فَفِيهِ نَظَرٌ‏.‏

‏(‏فَصْلٌ‏)‏ هَذَا حُكْمُ النَّمَاءِ فِي الْعُقُودِ وَأَمَّا فِي الْفُسُوخِ فَلَا تَتْبَعُ فِيهَا النَّمَاءَ الْحَاصِلُ مِنْ الْكَسْبِ بِغَيْرِ خِلَافٍ، وَأَمَّا الْمُتَوَلِّدُ مِنْ الْعَيْنِ فَفِي تَبَعِيَّتِهِ فِيهَا رِوَايَتَانِ فِي الْجُمْلَةِ تَرْجِعَانِ إلَى أَنَّ الْفَسْخَ هَلْ هُوَ رَفْعٌ لِلْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ أَوْ مِنْ حِينِهِ وَالْأَصَحُّ عَدَمُ الِاسْتِتْبَاعِ وَيَنْدَرِجُ تَحْتَ ذَلِكَ صُوَرٌ‏:‏ مِنْهَا‏:‏ إذَا عَجَّلَ الزَّكَاةَ ثُمَّ هَلَكَ الْمَالُ وَقُلْنَا لَهُ الرُّجُوعُ بِهَا فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِهَا وَهَلْ يَرْجِعُ بِزِيَادَتِهَا الْمُتَّصِلَةِ‏؟‏ عَلَى وَجْهَيْنِ أَظْهَرُهُمَا لَا يَرْجِعُ‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ يَرْجِعُ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ‏.‏

وَمِنْهَا‏:‏ الْمَبِيعُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ إذَا نَمَا نَمَاءً مُنْفَصِلًا ثُمَّ فُسِخَ الْبَيْعُ هَلْ يَرْجِعُ الْبَائِعُ أَمْ لَا‏؟‏ خَرَّجَهُ طَائِفَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ كَصَاحِبَيْ التَّلْخِيصِ وَالْمُسْتَوْعِبِ عَلَى وَجْهَيْنِ كَالْفَسْخِ بِالْعَيْبِ، وَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ وَابْنُ عَقِيلٍ فِي عُمَدِهِ أَنَّ الْفَسْخَ بِالْخِيَارِ فَسْخٌ لِلْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ فِيهِ بِلُزُومِ الْبَيْعِ بِخِلَافِ الْفَسْخِ بِالْعَيْبِ وَنَحْوِهِ فَعَلَى هَذَا يَرْجِعُ بِالنَّمَاءِ الْمُنْفَصِلِ فِي الْخِيَارِ بِخِلَافِ الْعَيْبِ‏.‏

وَمِنْهَا‏:‏ الْإِقَالَةُ إذَا قُلْنَا هِيَ فَسْخٌ فَالنَّمَاءُ لِلْمُشْتَرِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ، وَيَتَخَرَّجُ فِيهِ وَجْهٌ آخَرُ أَنَّهُ يَرُدُّهُ مَعَ أَصْلِهِ حَكَاهُ أَبُو الْبَرَكَاتِ فِي تَعْلِيقِهِ عَنْ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ أَيْضًا‏.‏

وَمِنْهَا‏:‏ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ وَفِي رَدِّ النَّمَاءِ فِيهِ رِوَايَتَانِ أَشْهَرُهُمَا أَنَّهُ لَا يُرَدُّ كَالْكَسْبِ وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ عَنْ أَحْمَدَ كَلَامًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّبَنَ وَحْدَهُ يُرَدُّ عِوَضُهُ لِحَدِيثِ الْمُصَرَّاةِ وَنَقَلَ عَنْهُ ابْنُ مَنْصُورٍ أَيْضًا أَنَّهُ ذَكَرَ لَهُ قَوْلَ سُفْيَانَ فِي رَجُلٍ بَاعَ مَاشِيَةً أَوْ شَاةً فَوَلَدَتْ أَوْ نَخْلًا لَهَا ثَمَرَةٌ فَوَجَدَ بِهَا عَيْبًا أَوْ اسْتَحَقَّ أُخِذَ مِنْهُ قِيمَةُ الثَّمَرَةِ وَقِيمَةُ الْوَلَدِ إنْ كَانَ أَحْدَثَ فِيهِمْ شَيْئًا أَوْ كَانَ بَاعَ أَوْ اسْتَهْلَكَ فَإِنْ كَانَ مَاتَ أَوْ ذَهَبَ بِهِ الرِّيحُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ قَالَ أَحْمَدُ كَمَا قَالَ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّمَاءَ الْمُنْفَصِلَ يَرُدُّهُ مَعَ وُجُودِهِ وَيَرُدُّ عِوَضَهُ مَعَ تَلَفِهِ إنْ كَانَ تَلِفَ بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي وَإِنْ كَانَ تَلِفَ بِفِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى لَمْ يَضْمَنْ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَمْ يَدْخُلْ عَلَى ضَمَانِهِ فَيَكُونُ كَالْأَمَانَةِ عِنْدَهُ وَأَمَّا إذَا مَا انْتَفَعَ بِهِ فَإِنَّهُ يَسْتَقِرُّ الضَّمَانُ عَلَيْهِ فَيَرُدُّ عِوَضَهُ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ الْمُصَرَّاةِ وَكَمَا نَقُولُ فِي الْمُتَّهَبِ مِنْ الْغَاصِبِ أَنَّهُ إذَا انْتَفَعَ بِالْمَوْهُوبِ فَأَتْلَفَهُ اسْتَقَرَّ الضَّمَانُ عَلَيْهِ وَحَمَلَ الْقَاضِي هَذِهِ الرِّوَايَةَ عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ كَانَ قَدْ دَلَّسَ الْعَيْبَ وَإِنْ كَانَ النَّمَاءُ مَوْجُودًا حَالَ الْعَقْدِ وَلَكِنَّ الْمَنْصُوصَ عَنْ أَحْمَدَ فِي الْمُدَلِّسِ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ وَإِنْ تَلِفَ الْمَبِيعُ إلَّا أَنَّ نَصَّهُ فِي صُورَةِ الْإِبَاقِ وَهُوَ تَلَفٌ بِغَيْرِ فِعْلِ الْمُشْتَرِي وَأَطْلَقَ الْأَكْثَرُونَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بَيْنَ أَنْ يَتْلَفَ بِفِعْلِهِ أَوْ بِفِعْلِ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ سَلَّطَهُ عَلَى إتْلَافِهِ بِتَغْرِيرِهِ فَلَا يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ الضَّمَانُ كَمَا يَرْجِعُ الْمَغْرُورُ فِي النِّكَاحِ بِالْمَهْرِ، وَحَكَى طَائِفَةٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ رِوَايَةً أُخْرَى أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ مَعَ التَّلَفِ بَلْ يَأْخُذُ الْأَرْشَ وَرَجَّحَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي انْتِصَارِهِ وَصَاحِبُ الْمُغْنِي وَهَذَا تَفْصِيلٌ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ التَّلَفُ بِانْتِفَاعِهِ أَوْ بِفِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا حَمَلَ الْقَاضِي عَلَيْهِ، رِوَايَةُ ابْنِ مَنْصُورٍ أَصَحُّ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي بَكْرٍ وَبِذَلِكَ أَجَابَ عَنْ حَدِيثِ الْمُصَرَّاةِ، وَكَذَلِكَ أَجَابَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ‏.‏

وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي النَّمَاءِ الْحَادِثِ إذَا رُدَّ بِعَيْبٍ عَلَى الْقَوْلِ بِرَدِّهِ كَمَا حَمَلْنَا عَلَيْهِ رِوَايَةَ ابْنِ مَنْصُورٍ أَوَّلًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

وَمِنْهَا‏:‏ فَسْخُ الْبَائِعِ لِإِفْلَاسِ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ هَلْ يَتْبَعُهُ النَّمَاءُ الْمُنْفَصِلُ‏؟‏ فِيهِ رِوَايَتَانِ‏:‏ إحْدَاهُمَا يَتْبَعُ وَهِيَ الْمُرَجَّحَةُ عِنْدَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ وَابْنِ عَقِيلٍ وَنَصَّ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ فِيمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً أَوْ دَابَّةً فَوَلَدَتْ ثُمَّ أَفْلَسَ الْمُشْتَرِي رَجَعَتْ إلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّهَا مَالُ الْبَائِعِ وَقَدْ اسْتَحَقَّهَا وَوَلَدَهَا وَهَكَذَا ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ لَفْظَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ أَحْمَدَ ذَكَرَ لَهُ قَوْلَ مَالِكٍ فِيمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً أَوْ دَابَّةً فَوَلَدَتْ ثُمَّ أَفْلَسَ الْمُشْتَرِي أَنَّ الْجَارِيَةَ وَالدَّابَّةَ وَوَلَدَهَا لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَرْغَبَ الْغُرَمَاءُ فِي ذَلِكَ فَيُعْطُوهُ حَقَّهُ كَامِلًا وَيُمْسِكُونَ ذَلِكَ فَقَالَ أَحْمَدُ تَرْجِعُ إلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّهَا مَالُهُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى غَيْرِ الرُّجُوعِ فِي الْجَارِيَةِ أَوْ الدَّابَّةِ‏.‏

وَإِنَّمَا الْقَائِلُ بِالرُّجُوعِ فِي الْوَلَدِ مَالِكٌ وَلَيْسَ فِي كَلَامِ أَحْمَدَ مُوَافَقَةٌ لَهُ وَأَبُو بَكْرٍ كَثِيرًا مَا يَنْقُلُ كَلَامَ أَحْمَدَ بِالْمَعْنَى الَّذِي يَفْهَمُهُ مِنْهُ فَيَقَعُ فِيهِ تَغْيِيرٌ شَدِيدٌ وَوَقَعَ لَهُ مِثْلُ هَذَا فِي كِتَابِ زَادِ الْمُسَافِرِ كَثِيرًا مَعَ أَنَّ ابْنَ أَبِي مُوسَى وَغَيْرَهُ تَأَوَّلُوا الرُّجُوعَ بِالْوَلَدِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا فِي عَقْدِ الْبَيْعِ حَمْلًا، وَاخْتَارَ هُوَ وَابْنُ حَامِدٍ أَنَّهَا لِلْمُفْلِسِ لِأَنَّهَا نَمَتْ فِي مِلْكِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَكَذَلِكَ صَحَّحَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ‏.‏

وَمِنْهَا‏:‏ اللُّقَطَةُ إذَا جَاءَ مَالِكُهَا وَقَدْ نَمَتْ نَمَاءً مُنْفَصِلًا فَهَلْ يَسْتَرِدُّهُ مَعَهَا‏؟‏ عَلَى وَجْهَيْنِ خَرَّجَهُمَا الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ مِنْ الْمُفْلِسِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا صَاحِبُ الْمُغْنِي وَيُحْتَمَلُ الرُّجُوعُ هُنَا بِالزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ وَجْهًا وَاحِدًا لِأَنَّ تَمَلُّكَهَا إنَّمَا كَانَ مُسْتَنِدًا إلَى فَقْدِ رَبِّهَا فِي الظَّاهِرِ وَقَدْ تَبَيَّنَ خِلَافُهُ فَانْفَسَخَ الْمِلْكُ مِنْ أَصْلِهِ لِظُهُورِ الْخَطَأِ فِي مُسْتَنَدِهِ وَوَجَبَ الرُّجُوعُ بِمَا وَجَدَهُ مِنْهَا قَائِمًا، وَهَذَا ‏[‏هُوَ‏]‏ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى وَذَكَرَ أَصْلًا مِنْ كَلَامِ أَحْمَدَ فِي طَيْرَةٍ فَرَّخَتْ عِنْدَ قَوْمٍ أَنَّهُمْ يَرُدُّونَ فِرَاخَهَا‏.‏

وَمِنْهَا رُجُوعُ الْأَبِ فِيمَا وَهَبَهُ لِوَلَدِهِ إذَا كَانَ قَدْ نَمَا نَمَاءً مُنْفَصِلًا هَلْ يَسْتَرِدُّهُ مَعَهُ أَمْ لَا‏؟‏ فِيهِ وَجْهَانِ‏.‏

وَمِنْهَا‏:‏ إذَا وَهَبَ الْمَرِيضُ جَمِيعَ مَالِهِ فِي مَرَضِهِ وَنَمَا نَمَاءً مُنْفَصِلًا ‏[‏وَمَاتَ‏]‏ وَلَمْ يُجِزْ الْوَرَثَةُ فَذَكَرَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ أَنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ يَمْلِكُهُ بِالْقَبْضِ وَجَازَ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ إجْمَاعًا وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لِلْوَرَثَةِ حَقُّ الْفَسْخِ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ وَإِذَا جَازَ وَأُسْقِطَ حَقُّهُمْ مِنْ الْفَسْخِ فَعَلَى هَذَا يَتَخَرَّجُ فِي اسْتِرْجَاعِ النَّمَاءِ وَجْهَانِ أَظْهَرُهُمَا أَنَّ النَّمَاءَ لِلْمُتَّهَبِ إلَى حِينِ الْفَسْخِ نَبَّهَ عَلَى هَذَا الشَّيْخُ مَجْدُ الدَّيْنِ وَالْمَعْرُوفُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ الْهِبَةَ تَقَعُ مُرَاعَاةً فَلَا يَتَبَيَّنُ مِلْكُهَا إلَّا حِينَ خُرُوجِهَا مِنْ الثُّلُثِ عِنْدَ الْمَوْتِ وَإِنْ خَرَجَ بَعْضُهَا فَلَهُ مِنْهَا مِقْدَارُ الثُّلُثِ وَيَتْبَعُهُ نَمَاؤُهُ وَالزَّائِدُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْإِجَازَةِ هَلْ هِيَ تَنْفِيذٌ أَوْ هِيَ عَطِيَّةٌ مُبْتَدَأَةٌ‏.‏

وَمِنْهَا‏:‏ إذَا عَادَ الصَّدَاقُ أَوْ نِصْفُهُ إلَى الزَّوْجِ قَبْلَ الدُّخُولِ بِطَلَاقٍ أَوْ فَسْخٍ وَقَدْ نَمَا عِنْدَ الزَّوْجَةِ نَمَاءً مُنْفَصِلًا فَهَلْ يَرْجِعُ بِنَمَائِهِ أَوْ نِصْفِهِ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ بِهِ وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَصَالِحٍ نَقَلَ عَنْهُ ابْنُ مَنْصُورٍ أَنَّهُ ذَكَرَ لَهُ قَوْلَ سُفْيَانَ فِي رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى خَادِمَةٍ ثُمَّ زَوَّجَهَا غُلَامًا فَوَلَدَتْ أَوْلَادًا، فَطَلَّقَ امْرَأَتَهُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَلَهَا نِصْفُ قِيمَتِهَا وَقِيمَةِ وَلَدِهَا قَالَ أَحْمَدُ جَيِّدٌ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي مَعْنَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَلَى طَرِيقَيْنِ‏:‏ أَحَدُهُمَا‏:‏ وَهُوَ مَسْلَكُ الْقَاضِي أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الزَّوْجَةَ إنَّمَا مَلَكَتْ بِالْعَقْدِ نِصْفَ الصَّدَاقِ فَيَكُونُ لَهَا نِصْفُ نَمَائِهِ وَجَعَلَ قَوْلَهُ وَقِيمَةِ وَلَدِهَا مَجْرُورًا بِالْعَطْفِ عَلَى قَوْلِهِ نِصْفُ قِيمَتِهَا أَيْ وَنِصْفُ قِيمَةِ وَلَدِهَا‏.‏

قَالَ وَذِكْرُ الْقِيمَةِ هَاهُنَا مَحْمُولٌ عَلَى التَّرَاضِي عَلَيْهَا أَوْ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ نِصْفُ الْأُمِّ وَنِصْفُ الْوَلَدِ وَلَمْ يُرِدْ الْقِيمَةَ وَهَذَا الْمَسْلَكُ ضَعِيفٌ جِدًّا أَوْ فِي تَمَامِ النِّصْفِ مَا يُبْطِلُهُ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ فَإِنْ أَعْتَقَهَا قَبْل أَنْ يَدْخُلَ بِهَا لَا يَجُوزُ عِتْقُهَا لِأَنَّهَا مِنْ حِينِ تَزَوَّجَهَا وَجَبَتْ لَهَا الْجَارِيَةُ وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّهَا مَلَكَتْ الْأَمَةَ كُلَّهَا بِالْعَقْدِ إذْ لَوْلَا ذَلِكَ لَعَتَقَ نِصْفُهَا بِالْمِلْكِ وَسَرَى عِتْقُهَا إلَى الْبَاقِي مَعَ الْيَسَارِ وَكَذَلِكَ سَلَكَ أَبُو بَكْرٍ فِي زَادِ الْمُسَافِرِ وَابْنُ أَبِي مُوسَى فِي تَخْرِيجِ هَذَا النَّصِّ وَبَنَيَاهُ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ لَمْ تَمْلِكْ بِالْعَقْدِ إلَّا النِّصْفَ ثُمَّ خَرَّجَ أَبُو بَكْرٍ لِأَحْمَدَ قَوْلًا آخَرَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى قَوْلِهِ تَمْلِكُ الصَّدَاقَ كُلَّهُ بِالْعَقْدِ أَنَّ الْأَوْلَادَ وَالنَّمَاءَ لَهَا وَيَرْجِعُ بِنِصْفِ قِيمَةِ الْأُمِّ دُونَ الْأَوْلَادِ يَعْنِي الزَّوْجَ قَالَ وَبِهِ أَقُولُ وَهُوَ اخْتِيَارُ صَاحِبِ الْمُغْنِي أَيْضًا فِرَارًا مِنْ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْأُمِّ وَوَلَدِهَا فِي بَعْضِ الزَّمَانِ وَأَمَّا ابْنُ أَبِي مُوسَى فَإِنَّهُ خَرَّجَ وَجْهًا عَلَى الْقَوْلِ بِمِلْكِ الصَّدَاقِ كُلِّهِ بِالْعَقْدِ أَنَّ الْوَلَدَ لِلْمَرْأَةِ لِحُدُوثِهِ فِي مِلْكِهَا وَلَهَا نِصْفُ قِيمَةِ الْأُمِّ فَجَعَلَ لِلزَّوْجَةِ الْقِيمَةَ كَمَا فِي نَصِّ أَحْمَدَ وَهَذَا الْوَجْهُ ضَعِيفٌ جِدًّا حَيْثُ تَضَمَّنَ التَّفْرِيقَ بَيْنَ الْأُمِّ وَوَلَدِهَا بِغَيْرِ الْعِتْقِ وَمَنَعَ الزَّوْجَةَ مِنْ أَخْذِ نِصْفِ الْأَمَةِ وَهُوَ أَقْرَبُ إلَى عَدَمِ التَّفْرِيقِ مِنْ أَخْذِ نِصْف الْقِيمَةِ، وَعِنْدَ الْقَاضِي إذَا قِيلَ إنَّ الْوَلَدَ كُلَّهُ لَهُ فَلِلزَّوْجِ نِصْفُ قِيمَةِ الْأُمِّ صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُجَرَّدِ، وَقَالَ فِي الْخِلَافِ يَرْجِعُ بِنِصْفِ الْأَمَةِ‏.‏

وَالطَّرِيقُ الثَّانِي‏:‏ فِي مَعْنَى الرِّوَايَةِ أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّمَاءَ الْمُنْفَصِلَ يَرْجِعُ بِهِ الزَّوْجُ بِالْفُرْقَةِ تَبَعًا لِلْأَصْلِ، وَهَذَا مَسْلَكُ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ لَكِنَّهُ اسْتَشْكَلَ إيجَابَ الْقِيمَةِ دُونَ الْمُعَيَّنِ وَقَالَ لَا أَدْرِي هَلْ هُوَ لِنَقْصِ الْوِلَادَةِ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّ أَحْمَدَ جَعَلَ لِلْمَرْأَةِ نِصْفَ قِيمَةِ الْأَمَةِ وَنِصْفَ قِيمَةِ الْوَلَدِ لِأَجْلِ حَقِّ الزَّوْجِ فَبَطَلَ فِي نِصْفِ الْأَمَةِ وَوَلَدِهَا وَلَيْسَ ذَلِكَ بِأَوْلَى مِنْ الْعَكْسِ‏.‏

وَقَدْ يُجَابُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ بِالطَّلَاقِ يَرْجِعُ بِهِ نِصْفُ الْأَمَةِ إلَى الزَّوْجِ قَهْرًا كَالْمِيرَاثِ لِأَنَّهُ بَاقٍ بِعَيْنِهِ لَاسِيَّمَا وَالْأَمْلَاكُ الْقَهْرِيَّةُ يُمْلَكُ بِهَا مَا لَا يُمْلَكُ بِالْعُقُودِ الِاخْتِيَارِيَّةِ فَلَا يُجْبَرُ الزَّوْجُ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى أَخْذِ قِيمَتِهِ بَلْ يَتَعَيَّنُ تَكْمِيلُ الْمِلْكِ لَهُ فِي الْأُمِّ وَالْوَلَدِ حَذَرًا مِنْ التَّفْرِيقِ الْمُحَرَّمِ‏.‏

وَيُشْبِهُ هَذَا مَا قَالَهُ الْخِرَقِيِّ فِيمَا إذَا كَانَ الصَّدَاقُ أَرْضًا فَنَبَتَ فِيهِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ أَنَّ الزَّوْجَ يَرْجِعُ بِنِصْفِ الْأَرْضِ وَيَتَمَلَّكُ عَلَيْهَا الْبِنَاءَ الَّذِي فِيهِ بِالْقِيمَةِ لَكِنَّ أَحْمَدَ فِي تَمَامِ هَذَا النَّصِّ بِعَيْنِهِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ ذَكَرَ مَسْأَلَةَ الْبِنَاءِ وَصَبْغَ الثَّوْبِ وَقَالَ لِلزَّوْجِ نِصْفُ الْقِيمَةِ لِأَنَّهُ اسْتِهْلَاكٌ فَفَرَّقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَرْأَةُ وَصَلَتْ الصَّدَاقَ بِمَالِهَا عَلَى وَجْهٍ لَا يَنْفَصِلُ عَنْهُ إلَّا بِضَرَرٍ عَلَيْهَا وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ بَاقِيًا بِعَيْنِهِ فَفِي الْأَوَّلِ يَتَعَيَّنُ لِلزَّوْجِ نِصْفُ الْقِيمَةِ لِاخْتِلَاطِ الْمَالَيْنِ وَفِي الثَّانِي يَرْجِعُ بِنِصْفِ الْعَيْنِ لِبَقَائِهَا بِحَالِهَا وَإِنَّمَا جَاءَ الْإِجْبَارُ عَلَى تَكْمِيلِ الْمِلْكِ ‏[‏لِلْمَانِعِ‏]‏ الشَّرْعِيّ مِنْ التَّفْرِيقِ وَيُحْتَمَلُ عِنْدِي فِي مَعْنَى رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ طَرِيقٌ ثَالِثٌ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ ‏[‏أَحْمَدُ‏]‏ أَنْ لِلزَّوْجَةِ نِصْفَ قِيمَةِ الْأَمَةِ وَلَهَا قِيمَةُ وَلَدِهَا كَامِلَةً لِأَنَّ الْوَلَدَ نَمَاءٌ تَخْتَصُّ بِهِ الزَّوْجَةُ وَقَدْ عَادَ إلَى الزَّوْجِ نِصْفُ الْأُمِّ فَيُجْبَرُ الزَّوْجُ عَلَى أَخْذِ نِصْفِ قِيمَةِ الْأُمِّ وَقِيمَةِ الْوَلَدِ بِكَمَالِهَا حَذَرًا مِنْ التَّفْرِيقِ، وَلَعَلَّ هَذَا أَظْهَرُ مِمَّا قَبْلَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

وَمِنْهَا‏:‏ مَنْ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ الَّذِي اسْتَوْلَى ‏[‏عَلَيْهِ‏]‏ الْكُفَّارُ مِنْ الْمَغْنَمِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَقَدْ نَمَا نَمَاءً مُنْفَصِلًا، فَإِنْ قُلْنَا لَمْ يَمْلِكْهُ الْكُفَّارُ بِالِاسْتِيلَاءِ فَهُوَ لَهُ بِنَمَائِهِ وَإِنْ قُلْنَا مَلَكُوهُ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ فِيهِ وَهَلْ يَرْجِعُ بِنَمَائِهِ‏؟‏ يَتَخَرَّجُ عَلَى وَجْهَيْنِ كَبَائِعِ الْمُفْلِسِ لِأَنَّ حُقُوقَ الْغَانِمِينَ مُتَعَلِّقَةٌ بِالنَّمَاءِ كَتَعَلُّقِ حُقُوقِ غُرَمَاءِ الْمُفْلِسِ بِأَحْوَالِهِ وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ أَمَةً فَوَطِئَهَا الْحَرْبِيُّ وَوَلَدَتْ مِنْهُ أَنَّ الْوَلَدَ غَنِيمَةٌ لَا يَرْجِعُ بِهِ الْمَالِكُ لِأَنَّهُ حَدَثَ فِي مِلْكِ الْحَرْبِيِّ الْوَاطِئ فَانْعَقَدَ حُرًّا لَكِنَّ هَذَا قَدْ يَخْتَصُّ بِاسْتِيلَادِ الْمَالِكِ لَهَا فَإِنَّ وَلَدَهُ يَنْعَقِدُ حُرًّا وَإِنَّمَا يَطْرَأُ عَلَيْهِ الرِّقُّ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا يَكُونُ مِنْ نَمَائِهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ زَوَّجَهَا فَوَلَدَتْ مِنْ الزَّوْجِ فَإِنَّهُ يَكُونُ مِنْ نَمَائِهَا لِانْعِقَادِهِ رَقِيقًا‏.‏

وَقَدْ سُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ الْمُسْلِم إذَا لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ رَجَعَ وَمَعَهُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَتَوَقَّفَ فِي مُسْتَحِقِّ الْمَالِ الَّذِي مَعَهُ، وَقَالَ مَرَّةً هُوَ لِلْمُسْلِمِينَ وَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ لِلسَّيِّدِ وَعَلَّلَ بِأَنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ لَهُ غَنِيمَةٌ‏.‏

قَالَ الْخَلَّالُ وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا غَنِيمَةَ لَهُ وَحَمَلَهُ الْقَاضِي عَلَى أَنَّ مَا يَأْخُذُهُ الْوَاحِدُ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ يَكُونُ فَيْئًا قَالَ‏:‏ وَأَمَّا إنْ قُلْنَا هُوَ لِآخِذِهِ فَهُوَ هُنَا لِلسَّيِّدِ‏.‏

فَصْلٌ وَأَمَّا الْحُقُوقُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْأَعْيَانِ مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ وَلَا فَسْخٍ فَإِنْ كَانَتْ مِلْكًا قَهْرِيًّا فَحُكْمُهُ حُكْمُ سَائِرِ التَّمَلُّكَاتِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِلْكًا فَإِنْ كَانَتْ حَقًّا لَازِمًا لَا يُمْكِنُ إبْطَالُهُ بِوَجْهٍ كَحَقِّ الِاسْتِيلَادِ وَسَرَى حُكْمُهُ إلَى الْأَوْلَادِ دُونَ الْأَكْسَابِ لِبَقَاءِ مِلْكِ مَالِكِهِ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ لَازِمٍ بَلْ يُمْكِنُ إبْطَالُهُ إمَّا بِاخْتِيَارِ الْمَالِكِ أَوْ بِرِضَى الْمُسْتَحِقِّ لَمْ يَتْبَعْ النَّمَاءُ فِيهِ الْأَصْلَ بِحَالٍ وَيَتَخَرَّجُ عَلَى ذَلِكَ مَسَائِلُ‏:‏ مِنْهَا‏:‏ الْأَمَةُ الْجَانِيَةُ لَا يَتَعَلَّقُ الْجِنَايَةُ بِأَوْلَادِهَا وَلَا أَكْسَابِهَا لِأَنَّ حَقَّ الْجِنَايَةِ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَلِهَذَا لَمْ يُمْنَعْ التَّصَرُّفُ عِنْدَنَا وَلِأَنَّ حَقَّ الْجِنَايَةِ تَعَلَّقَ بِالْجِنَايَةِ لِصُدُورِ الْجِنَايَةِ مِنْهَا وَهَذَا مَفْقُودٌ فِي وَلَدِهَا وَكَسْبُهَا مِلْكٌ لِلسَّيِّدِ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبَةِ‏.‏

وَمِنْهَا‏:‏ تَرَكَهُ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ إذَا تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ الْغُرَمَاءِ بِمَوْتِهِ فَإِنْ قِيلَ هِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْمَيِّتِ تَعَلَّقَ حَقُّ الْغُرَمَاءِ بِالنَّمَاءِ أَيْضًا كَالْمَرْهُونِ كَذَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ قُلْنَا إنَّ تَعَلُّقَ الدَّيْنِ بِالتَّرِكَةِ تَعَلُّقُ رَهْنٍ يُمْنَعُ التَّصَرُّفُ فِيهِ فَالْأَمْرُ كَذَلِكَ وَإِنْ قُلْنَا تَعَلُّقُ جِنَايَةٍ لَا يُمْنَعُ التَّصَرُّفُ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِالنَّمَاءِ، وَأَمَّا إنْ قُلْنَا لَا تَنْتَقِلُ التَّرِكَةُ إلَى الْوَرَثَةِ بِمُجَرَّدِ الْمَوْتِ لَمْ تَتَعَلَّقْ حُقُوقُ الْغُرَمَاءِ بِالنَّمَاءِ إذْ هُوَ تَعَلُّقٌ قَهْرِيٌّ كَالْجِنَايَةِ كَذَا ذَكَرَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ‏.‏

وَخَرَّجَ الْآمِدِيُّ وَصَاحِبُ الْمُغْنِي تَعَلُّقَ الْحَقِّ بِالنَّمَاءِ مَعَ الِانْتِقَالِ أَيْضًا كَتَعَلُّقِ الرَّهْنِ وَيَقْوَى هَذَا عَلَى قَوْلِنَا إنَّ التَّعَلُّقَ تَعَلُّقُ رَهْنٍ وَقَدْ يَنْبَنِي ذَلِكَ عَلَى أَصْلٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ الدَّيْنَ هَلْ هُوَ بَاقٍ فِي ذِمَّةِ الْمَيِّتِ أَوْ انْتَقَلَ إلَى ذِمَمِ الْوَرَثَةِ أَوْ هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِأَعْيَانِ التَّرِكَةِ لَا غَيْرُ، وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ الْأَوَّلُ قَوْلُ الْآمِدِيِّ وَابْنِ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ وَصَاحِبِ الْمُغْنِي وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ فِي مَسْأَلَةِ ضَمَانِ دَيْنِ الْمَيِّتِ‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ قَوْلُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ وَأَبِي الْخَطَّابِ فِي انْتِصَارِهِ وَابْنِ عَقِيلٍ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ ‏[‏كَذَلِكَ‏]‏ قَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ لَكِنَّهُ خَصَّهُ بِحَالَةِ تَأْجِيلِ الدَّيْنِ لِمُطَالَبَةِ الْوَرَثَةِ بِالتَّوْثِقَةِ وَالثَّالِثُ قَوْلُ ابْنِ أَبِي مُوسَى فَيَتَوَجَّهُ عَلَى قَوْلِهِ أَنْ لَا يَتَعَلَّقَ الْحُقُوقُ بِالنَّمَاءِ إذْ هُوَ لِتَعَلُّقِ الْجِنَايَةِ وَعَلَى الْأَوَّلَيْنِ يَتَوَجَّهُ تَعَلُّقُهَا بِالنَّمَاءِ كَالرَّهْنِ وَقَدْ يُقَالُ لَا يَتَعَلَّقُ حُقُوقُ الْغُرَمَاءِ بِالنَّمَاءِ إذَا قُلْنَا تَنْتَقِلُ التَّرِكَةُ إلَى الْوَرَثَةِ بِكُلِّ حَالٍ إلَّا أَنْ نَقُولَ إنَّ الدِّينَ فِي ذِمَمِهِمْ لِأَنَّ تَبَعِيَّةَ النَّمَاءِ فِي الرَّهْنِ إنَّمَا يُحْكَمُ بِهِ إذَا كَانَ النَّمَاءُ مِلْكًا لِمَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ فَأَمَّا إنْ كَانَ مِلْكًا لِغَيْرِهِ لَمْ يَتْبَعْ كَمَا لَوْ رَهَنَ الْمُكَاتَبَ سَيِّدُهُ فَإِنَّ كَسْبَهُ لَا يَكُونُ دَاخِلًا فِي الرَّهْنِ لِأَنَّهُ عَلَى مِلْكِ الْمُكَاتَبِ فَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فِيمَنْ تُجْزِيهِ شَيْئًا لِيَرْهَنَهُ فَرَهَنَهُ أَنَّ النَّمَاءَ لَا يَدْخُلُ فِي الرَّهْنِ لِذَلِكَ وَقَدْ يُقَالُ التَّرِكَةُ تُعَلِّقُ الْحَقَّ تَعَلُّقًا قَهْرِيًّا مَعَ انْتِقَالِ مِلْكِهَا إلَى الْوَرَثَةِ فَكَذَلِكَ نَمَاؤُهَا‏.‏

وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ التَّعَلُّقَ حَالَةَ الِانْتِقَالِ إنَّمَا ثَبَتَ بِضَعْفِ الْمَانِعِ مِنْهُ حَيْثُ اقْتِرَانُ التَّعَلُّقِ وَمَانِعُهُ وَهُوَ الِانْتِقَالُ، فَأَمَّا بَعْدَ الِانْتِقَالِ وَاسْتِقْرَارِ الْمِلْكِ فِيهِ فَلَا يَتَعَلَّقُ لِسَبْقِ الْمَانِعِ وَاسْتِقْرَارِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَم‏.‏

وَأَمَّا تَعَلُّقُ الضَّمَانِ بِالْأَعْيَانِ لِلتَّعَدِّي فَيَتْبَعُ فِيهِ النَّمَاءَ الْمُنْفَصِلَ إذَا كَانَ دَاخِلًا تَحْتَ الْيَدِ الْعُدْوَانِيَّةِ‏:‏ فَمِنْ ذَلِكَ الْغَصْبُ يُضْمَنُ فِيهِ النَّمَاءُ الْمُنْفَصِلُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَلَمْ يَحْكِ ابْنُ أَبِي مُوسَى فِي ضَمَانِهِ خِلَافًا مَعَ حِكَايَتِهِ الْخِلَافَ فِي الْمُتَّصِلِ وَلَا يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فَالتَّخْرِيجُ مُتَوَجِّهٌ بَلْ قَدْ يُقَالُ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ الَّتِي سُقْنَاهَا فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الضَّمَانِ حَيْثُ سَرَى بَيْنَ ظُهُورِ الْعَيْنِ وَبَيْنَ الِاسْتِحْقَاقِ‏.‏

‏(‏وَمِنْهُ‏)‏ الْأَمَانَاتُ إذَا تَعَدَّى فِيهَا ثُمَّ نَمَتْ فَإِنَّهُ يَتْبَعُهَا فِي الضَّمَانِ وَمِنْهُ صَيْدُ الْحَرَمِ وَالْإِحْرَامِ يُضْمَنُ نَمَاؤُهُ الْمُنْفَصِلُ إذَا دَخَلَ تَحْتَ الْيَدِ الْحِسِّيَّةِ وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ الْيَدِ لَكِنَّهُ هَلَكَ بِسَبَبِ إمْسَاكِ الْأُمِّ فَفِيهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ‏.‏

‏[‏تَنْبِيهٌ‏]‏ اضْطَرَبَ كَلَامُ الْأَصْحَابِ فِي الطَّلْعِ وَالْحَمْلِ هَلْ هُمَا زِيَادَةٌ مُنْفَصِلَةٌ أَوْ مُتَّصِلَةٌ‏؟‏ أَمَّا الطَّلْعُ فَلِلْأَصْحَابِ فِيهِ طُرُقٌ أَحَدُهَا أَنَّهُ زِيَادَةٌ مُتَّصِلَةٌ سَوَاءٌ أُبِّرَ أَوْ لَمْ يُؤَبَّرْ وَبِهِ جَزَمَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ فِي كِتَابِ الصَّدَاقِ وَأَنَّ الزَّوْجَ يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِهِ إذَا بَذَلَتْهَا الزَّوْجَةُ بِكُلِّ حَالٍ وَكَذَا ذَكَرَ صَاحِبُ الْكَافِي فِي كِتَابِ الصَّدَاقِ وَجَعَلَ كُلَّ ثَمَرَةٍ عَلَى شَجَرِهَا زِيَادَةً مُتَّصِلَةً وَصَرَّحَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ فِي بَابِ الْغَصْبِ بِأَنَّ الزِّيَادَةَ الْمُتَّصِلَةَ الَّتِي يُمْكِنُ إفْرَادُهَا كَصَبْغِ الثَّوْبِ وَتَزْوِيقِ الدَّارِ وَالْمَسَامِيرِ هَلْ يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِهَا‏؟‏ يُخَرَّجُ عَلَى وَجْهَيْنِ أَصَحُّهُمَا يُجْبَرُ وَهُوَ قَوْلُ الْخِرَقِيِّ فِي الصَّدَاقِ‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ أَنَّهُ زِيَادَةٌ مُنْفَصِلَةٌ بِكُلِّ حَالٍ أُبِّرَ أَوْ لَمْ يُؤَبَّرْ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ فَصْلُهُ وَإِفْرَادُهُ بِالْبَيْعِ كَذَا أَطْلَقَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ أَيْضًا فِي مَوْضِعٍ مِنْ التَّفْلِيسِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَصَرَّحَ صَاحِبُ الْمُغْنِي بِإِبْدَائِهِ احْتِمَالًا وَحَكَاهُ فِي الْكَافِي عَنْ ابْنِ حَامِدٍ‏.‏

الثَّالِثُ‏:‏ أَنَّ الْمُؤَبَّرَ زِيَادَةٌ مُنْفَصِلَةٌ وَغَيْرَ الْمُؤَبَّرِ زِيَادَةٌ مُتَّصِلَةٌ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ أَيْضًا فِي التَّفْلِيسِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَذَكَرَ أَنَّهُ مَنْصُوصٌ عَنْ أَحْمَدَ اعْتِبَارًا بِالتَّبَعِيَّةِ فِي الْبَيْعِ وَعَدَمِهَا‏.‏

الرَّابِعُ‏:‏ أَنَّ غَيْرَ الْمُؤَبَّرِ زِيَادَةٌ مُتَّصِلَةٌ بِغَيْرِ خِلَافٍ وَفِي الْمُؤَبَّرِ وَجْهَانِ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ صَاحِبِ التَّرْغِيبِ فِي الصَّدَاقِ‏.‏

وَالْخَامِسُ‏:‏ أَنَّ الْمُؤَبَّرَ زِيَادَةٌ مُنْفَصِلَةٌ وَجْهًا وَاحِدًا وَفِي غَيْرِ الْمُؤَبَّرِ وَجْهَانِ وَاخْتَارَ ابْنُ حَامِدٍ أَنَّهَا مُنْفَصِلَةٌ وَهِيَ طَرِيقَةُ الْكَافِي فِي التَّفْلِيس‏:‏ وَأَمَّا الْحَمْلُ فَقَالَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الصَّدَاقِ هُوَ زِيَادَةٌ طِيفَ قَالَ الْقَاضِي وَيُجْبَرُ الزَّوْجُ عَلَى قَبُولِهَا إذَا بَذَلَتْهَا الْمَرْأَةُ وَخَالَفَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْآدَمِيَّاتِ لِأَنَّ الْحَمْلَ فِيهِنَّ نَقْصٌ مِنْ جِهَةٍ وَزِيَادَةٌ مِنْ جِهَةٍ بِخِلَافِ الْبَهَائِمِ فَإِنَّهُ فِيهَا زِيَادَةٌ مَحْضَةٌ‏.‏

وَقَالَ الْقَاضِي فِي التَّفْلِيسِ يَنْبَنِي عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ هَلْ لَهُ حُكْمٌ أَمْ لَا‏؟‏ فَإِنْ قُلْنَا لَهُ حُكْمٌ فَهُوَ زِيَادَةٌ مُنْفَصِلَةٌ وَإِلَّا فَهُوَ زِيَادَةٌ مُتَّصِلَةٌ كَالسِّمَنِ وَفِي التَّلْخِيصِ الْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَتْبَعُ فِي الرُّجُوعِ كَمَا يَتْبَعُ فِي الْبَيْعِ وَالْحَبُّ إذَا صَارَ زَرْعًا وَالْبَيْضَةُ إذَا صَارَتْ فَرْخًا فَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّهَا دَاخِلَةٌ فِي النَّمَاءِ الْمُتَّصِلِ كَذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفَلَسِ وَالْغَصْبِ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُغْنِي وَجْهًا آخَرَ وَصَحَّحَهُ أَنَّهُ مِنْ بَابِ تَغَيُّرٍ بِمَا يُزِيلُ الِاسْمَ لِأَنَّ الْأَوَّلَ اسْتَحَالَ وَكَذَا ابْنُ عَقِيلٍ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَفِي الْمُجَرَّدِ‏.‏

‏:‏ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ بَيْضَةً فَصَارَتْ فَرُّوجًا أَوْ حَبًّا فَصَارَ سُنْبُلًا أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِهِ لِزَوَالِ الِاسْمِ، وَهَذَا إنَّمَا يَتَوَجَّهُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ عَقِيلٍ فِي مَسْأَلَةِ تَعَارُضِ الِاسْمِ وَالتَّعْيِينِ فَأَمَّا عَلَى الْمَشْهُورِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ وَبِهِ جَزَمَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ وَكَمَا أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا التَّمْرَ فَصَارَ دَبْسًا وَقَدْ تَفَرَّقَ فِي مَسْأَلَةِ الْبَيْضَةِ بِبَقَاءِ حَلَاوَةِ التَّمْرِ وَلَوْنِهِ فِي الدَّبْسِ بِخِلَافِ الْفَرُّوجِ‏.‏

وَلَوْ اشْتَرَى بَيْضَةً فَوَجَدَ فِيهَا فَرُّوجًا فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ، وَهُوَ يَشْهَدُ لِلْقَوْلِ بِأَنَّ الْبَيْضَ وَالْفَرُّوجَ عَيْنَانِ مُتَغَايِرَانِ كَمَا إذَا تَبَايَعَا دَابَّةً يَظُنَّانِ بِأَنَّهَا حِمَارٌ فَإِذَا هِيَ فَرَسٌ، وَالْقَصِيلُ إذَا صَارَ سُنْبُلًا فَهُوَ زِيَادَةٌ مُتَّصِلَةٌ وَإِذَا اشْتَدَّ الْحَبُّ فَلَيْسَ بَعْدَهُ زِيَادَةٌ لَا مُتَّصِلَةٌ وَلَا مُنْفَصِلَةٌ ذَكَرَهُ الْقَاضِي‏.‏