فصل: باب القصاص في جراح العمد وما لا قصاص فيه منهما

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكافي في فقه أهل المدينة المالكي ***


باب القصاص في جراح العمد وما لا قصاص فيه منهما

 كل ما يمكن فيه القصاص من الجراح ولم يكن مخوفا منه التلف فالقصاص فيه إذا تكافأت الدماء على ما قدمنا في الباب قبل هذا والمخوفات من الجراح التي لا قصاص فيها عند مالك الجائفة والمأمومة والمنقلة والموضحة والهاشمة واختلف عن مالك وأصحابه في القود في الموضحة والمنقلة والأشهر عنه أن القود في الموضحة ولا تكون الموضحة إلا في الرأس وفي آخر الفك الأعلى دون الأسفل وسنبين معاني الجراح في باب عقلها ان شاء الله وكسر الفخذ مخوف لاتصاله بالبطن وهو عند مالك في معنى الجائفة لا قود فيه وفيه نصف الدية وكذلك كسر اليد لاقصاص فيه وفيه نصف الدية وكذلك إذا بطل الفخذ أو بطلت اليد وكان محمد بن عمرو بن حزم يرى في كسر الفخذ القود ولا قود في الترقوة ولا وفي الضلع إذا كسرتا واختلف عنه في القود من قطع اللسان أو بعضه فقيل عنه فيه القود وقيل لا قود فيه لأنه لا يكاد يضبط ما يقطع منه وما لا يمنع من الكلام وما عدى ما ذكرنا فيه القود بعد افاقة المجروح واستقرار أمره على ما يستقر عليه ولا يستقاد من جرح قبل ذلك فإن آل الجرح الى نفس الجروح قتل الجارح وإن سرى ألم الجرح إلى ما هو أزيد منه ثم اندمل بعد ذلك قيد من الجارح بالجرح الأول فإن سرى الى مثل ما سرى إليه جرح المجروح كان به وإن زاد عليه كان هدرا وإن قصر عنه ضمن أرش الزيادة السارية وإن شجه موضحة عمدا فذهبت منها عيناه أو صارت منقلة أو قطع أصبعه فشلت منه يده ففيه القصاص فيما جنى والأرش فيما سرى ويجتمع عند مالك قود وعقل في عضو واحد وضربة واحدة ولا يقتص في الجراح للمسلم من الكافر ولا للحر من العبد ولا قود بينهم فيها لأنا لو أخذنا يد الكافر بيد المسلم أو يد العبد بيد الحر كنا كمن أخذ يدا معيبة بيد سالمة ولا يقتص لصحيح اليد من أشلها ولا لقائم العين من صحيحها فإن كان العيب يسيرا مثل ضعيف البصر أو كانت اليد تنقص أنملة أو أصبعا فالقصاص بينهما وما لا قصاص فيه من جراحات العمد ففيه العقل وفي مال الجاني على اختلاف من قول مالك في ذلك وهذا هو الصحيح وبه أقول‏.‏

ومن قطع يمنى غيره ولا يمين له لم تؤخذ شماله بيمين المقطوعة يمينه وكان عليه ديتها ولو فقأ أعور العين اليمنى يمنى عين غيره لم يقد من يسرى عينيه وكان عقل العين عليه وسواء رضيا بذلك أم لا يجبر كل واحد منهما على ما ذكرنا ومن وجب عليه قطع يده فعدا عاد عليه فقطع يده كانت يد المعتدي عليه للمقطوعة يده أو لا يقطعها إن شاء أو يصالحه عنها هذا ان كان الثاني في قطعها عامدا كما كان الأول وإن كان مخطئا فليس للمقطوعة يده أولا إلا الدية وليس له أن يأبى من قبولها لأنه قد كان استحقها وما فيها ومن وجب عليه قطع يمينه قصاصا فقطعت يسرى يديه في غير ذلك لم يسقط ذلك القصاص عنه وتقطع يمينه باليمنى التي قطع فان قطعت يمينه لسرقة لم يكن للمقطوعة يمينه أن يقتص وكانت السرقة أملك به ومن وجب عليه قصاص في جارحة أو رجل أو عين أو غير ذلك فذهبت منه تلك الجارحة بأمر من الله عزوجل وحده فقد زال القود ولا عقل عليه وإذا اقتص الجارح من نفسه في جراح العمد فليس عليه أكثر من ذلك ولا خيار للمجني عليه إلا أن الأعور إذا فقأ عين الصحيح ورضي منه بالدية أجبر على ذلك في رواية أهل المدينة عن مالك‏.‏

وقد روي عنه أنه لا يجبر وما وقع من جراح العمد مما ليس فيه عقل ولا في مثله قود أدب الجاني فيما أتاه من ذلك ولو جرح رجل فمات من جرحه وأبى ورثته أن يعقلوا اقتص من الجارح في العمد وأغرم عقل الخطأ وسبيل القصاص ان يعرف مساحة الجرح أو ما قطع من الاصبع فيؤخذ للمجني عليه بمثل تلك المساحة كرجل قطع أنملة رجل طويل الاصبع فيعرف ما قدر تلك الأنملة المقطوعة من اصبعها فان كان ثلثا قطع من اصبع الجاني ثلثها وهكذا أبدا مثل ذلك ويعتبر في الشجاج كلها عمقها ومساحتها وكذلك شق الجلود وكسر العظام التي فيها قصاص وهي عظام الجسد ما عدا الفخذ وشبهه والجراح كلها التي يقتص منها يؤخذ ذلك بيد متطبب محسن وأجرته على من أقيد له وليس عند مالك في نتف شعر الحاجبين ونتف شعر اللحية قود ولا دية وإنما في ذلك التعزيز والأدب الموجع وكذلك اللطمة والوكزة ولا قود عنده في ذلك وقد روي عنه انه في شعر الحاجبين والرأس واللحية حكومة وان الضربة بالسوط فيها القود وكذلك اللطمة ان لم تكن في العين وروي عنه في رجل يضرب آخر حتى أحدث أن عليه العقوبة المؤلمة‏.‏

باب قتل الخطأ وعلى من تجب فيه الدية والكفارة

 كل ما وقع من فاعله من غير قصد ولا ارادة فهو خطأ ووجوه الخطأ كثيرة جدا كالدفعة الخفيفة والمصارعة والضرب الذي لا يؤلم كثير ألم أو كالرجل يرمي غرضا فيصيب انسانا أو يرمي المشركين بمجنيق وغيره فيصيب مسلما وما كان من أدب الرجل امرأته أو من يعهد منه الأدب السالم في الأغلب وما جاء على اللعب ومن ذلك فعل المجنون والمعتوه والصبي الصغير حتى يحتلم وجناية الطبيب والختان إذا كانا معروفين بالاحسان وما يتولد من فعل النائم كامرأة انقلبت على ولدها فقتله وما كان مثل هذا كله فالدية فيه على عاقلة القاتل وهم عصبته وهو واحد منهم وعليه في خاصة نفسه عتق رقبة ان كان واجدا والا صيام شهرين متتابعين وليس زوج المرأة ولا ولدها ولا أخوتها لأمها من عصبتها ولا يحمل الدية من العاقلة الا حر ذكر بالغ دون النساء والصبيان ومن استعان صبيا حرا في شيء من الغرر والخطر فعطب به ضمن ديته وحملتها عنه عاقلته ولا تحمل العاقلة من جناية الخطأ إلا ما كان ثلث الدين فصاعدا يتجم ذلك عليهم في ثلاث سنين الثلثان في سنتين والثلث في سنة فان كان النصف أو ثلاثة أرباع ففيها قولان احدهما انه في سنتين والآخر ان ذلك مردود الى اجتهاد الحاكم ويؤخذ من كل واحد منهم قدر جدته ما لا يجحف به على قدر غناه وفقره من درهم الى مائة والى الف ولم يحد مالك في ذلك حدا وانما هو ما سهل عليه والشأن فيه التخفيف ويبدأ فيها بالأقرب فالأقرب من العصبة من بني ابيه ثم بني أبي جده ولا يؤدي غني عن فقير ولم يراع مالك الديوان ولا اعتبر به في المعاقلة وقال قد تعاقل الناس قبل الديوان والموالي بمنزلة العصبة والقرابة فإن لم يكن في فخذ الرجل وبطنه وقبيله من يحمل العاقلة ضم إليهم أقرب القبائل بهم ويعقل عمن لا عاقلة له من بيت مال المسلمين ولا تحمل العاقلة دية من قتل نفسه ولا عبدا لأنه مال ولا تحمل العاقلة جناية الأموال ولا تحمل من الدماء ما كان عمدا أو اعترافا على اختلاف من قول مالك في الاعتراف من قتل الخطأ وهذا هو الصحيح عندنا ان شاء الله ولمالك وأصحابه في المعترف بقتل الخطأ أربعة أقوال أحدها أنه لا شيء عليه ولا على عاقلته والآخر أنه يقسم ولاة المقتول مع قوم القاتل ويستحقون الدية على عاقلته والثالث ان الدية كلها واجبة عليه في ماله والرابع ان الدية تقضي عليه وعلى عاقلته فما أصابه غرمه وما أصاب العاقلة سقط عنها وتحمل العاقلة من جناية الكبير خطأ والصغير المميز ما لم يحتلم عمدا وخطأ ما كان ثلث الدية فصاعدا وما كان دون ذلك ففي مال الجاني ودية المقتول عمدا إذا قبلت في مال القاتل واختلف قول مالك في ما لا قصاص فيه من جراح العمد كالجائفة والمأمومة ونحوها فروي عنه ان ذلك على العاقلة‏.‏

وروي عنه ان ذلك في مال الجاني في المأمومة والجائفة يبدأ بماله فان عجز عن العقل كان الباقي على العاقلة وعاقلة الذمي أهل جزيته والكفارة في قتل الخطأ واجبة ولا كفارة في قتل عمد ولا في قتل كافر ولا عبد إلا أنه استحب مالك الكفارة في قتل العبد خطأ والكفارة عتق رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فمن لم يستطع انتظر القدرة وليس هاهنا اطعام ولا يجزئه إن أطعم وإذا قتل جماعة رجلا خطأ فعلى عواقلهم دية واحدة وعلى كل واحد منهم كفارة تامة‏.‏

باب الديات وميراثها

 الدية في قتل الخطأ وفي العمد ان قبلت من الذهب ألف دينار ومن الورق اثنا عشر ألف درهم والذين يؤدون الذهب فيها أهل مصر ومدن الحجاز والمغرب وحيث يكون النقد في الأغلب عندهم الذهب وأهل الورق أهل العراق وفارس وخراسان والأندلس وحيث كان الدراهم أغلب من نقد البلد وليس على أهل الابل وهم أهل البادية والاعراب في الدية الا الابل فإذا كانت الدية إبلا اختلفت حينئذ دية العمد المقبولة ودية الخطأ فدية العمد تكون أرباعا خمس وعشرون بنت مخاض وخمس وعشرون بنت لبون وخمس وعشرون حقة وخمس وعشرون جزعة وتكون دية الخطأ أخماسا عشرون جزعة وتكون دية الخطأ أخماسا عشرون بنت مخاض وعشرون بنت لبون وعشرون ابن لبون وعشرون حقة وعشرون جزعة والدية المغلظة تكون أثلاثا ثلاثون حقة وثلاثون جزعة وأربعون خلفة في بطونها أولادها غير محدودة أسنانها ولا تغلظ الدية عند مالك إلا على الابوين والجد لا غير في قتل تقارنه شبهة الأدب والأصل في ذلك ما قضى به عمر بن الخطاب رضي الله عنه على قتادة المدلجي إذ حذف ابنه بالسيف أدبا وغضها فنزى من جرحه فمات وتغلظ الدية عليهما من الذهب والورق فيؤخذ منهما فضل ما بين القيمتين الى أن تبلغ دية وثلثا ولا تزاد على ذلك وقد ذكر ابن عبد الحكم عن مالك انه لا تغلظ الدية إلا في الابل خاصة وكذلك اختلف قول مالك أيضا في كيفية تغليظها عنه على قولين أحدهما انه تقوم دية الخطأ ودية التغليظ وينظر ما بينهما من القيمة فيجعل ذلك جزءا زائدا على دية الذهب أو الورق والآخر انها تقوم الدية المغلظة من الابل فيلزم أهل الورق او الذهب قيمتها بالغا ما بلغت ما لم تنقص عن ألف دينار أو اثني عشر ألف درهم والدية المغلظة على القاتل خاصة في ماله وتغلظ الدية على الاب والجد في الجراح عند مالك كما تغلظ في النفس ولا يقبل في الديات من أهل الذهب ورق ولا من اهل الورق ذهب ولا إبل ولا يقبل من أهل الإبل إلا الإبل ولا تكون الدية غير الإبل والذهب الورق هذا كله قول مالك وأصحابه وجماعة من اهل المدينة وفي المدينة جماعة تخالفهم في ذلك وديات النساء الحرائر على النصف من ديات الرجال الاحرار الا أنهن يساوين الرجال في القود في النفس ولا يستوون في الديات ويستوون فيما دون الثلث من الجراح مثل المواضح والمنقلات والاسنان والاصابع ويستوون في المأمومات والجوائف وما دون ذلك وديات أهل الكتاب على النصف من ديات المسلمين في الذهب والورق والابل والتغليظ إذا تحاكموا إلينا وديات النساء على النصف من ديات رجالهم وديات المجوس ثمان مائة درهم وديات نسائهم أربع مائة درهم وديات جراح المرأة مثل ديات جراح الرجل سواء حتى تبلغ ثلث دية الرجل ثم تنصرف الى النصف من دية الرجل واصبعها كاصبعه وموضحتها كموضحته ومنقلتها كمنقلته حتى تبلغ ثلث دية الرجل مثال ذلك لو قطعت لامرأة ثلاث من الاصابع كان فيها ثلاثون من الابل عشر في كل اصبع كما في اصابع الرجل فان قطعت الاصبع الرابعة ففيها خمس من الابل الا أن يكون من الكف الاخرى ففيها عشر من الابل هذا قول مالك وقال عبدالملك بن عبدالعزيز من أي الكفين قطعت الاصبع الأخرى ففيها عشر من الابل لأنه قطع مبتدأ ويعاقل نساء أهل الكتاب في جراحهم برجالهم الى الثلث من دياتهم ثم هن فيما عدا ذلك على النصف من ديات رجالهم وإذا قبلت الدية في العمد وعفا عن القاتل عليها فيه موروثة على فرائض الله لجميع من يرث الميت من الرجال والنساء ويقضي منها ديته ولا تدخل فيها وصية وكذلك دية الخطأ يرثها الرجال والنساء ودية الخطأ على العاقلة ودية العمد على القاتل في ماله لا يرث عمدا شيئا من الدية ولا غيرها ولا يحجب أحدا وقاتل الخطأ يرث من المال ولا يرث من الدية ولا يحجب في الدية‏.‏

باب ما فيه من الاعضاء الدية كاملة وما لا يبلغها منها

 في ذهاب السمع الدية كاملة إذا ذهب من كلتا الاذنين اصطلمتا أو لم تصطلما وفي ذهابه من احدى الاذنين نصف الدية واختلف عن مالك في اشراق الاذنين وروي عنه فيما الدية‏.‏

وروي عنه انه ليس فيهما الا حكومة وقال ابن القاسم ليس فيهما الا دية واحدة وقال غيره قياس قول مالك ان تكون فيهما ديتان وفي ذهاب العقل الدية وفي الانف إذ استؤصل الدية وفي المارن الدية وفي الارنبة حكومة وفي اللسان الدية وفي الأسنان خمس من الابل في كل سن أو خمسون دينارا أو ستمائة درهم والأضراس كلها في ذلك سواء وقدم الفم ومؤخره سواء وفي الظهر يقصم بالكسر الدية كاملة وفي الصدر إذا هزم فلم يرجع الى ما كان عليه الدية كاملة وفي ذهاب الصوت الدية وفي الذكر الدية قطع قبل الانثيين أو بعد وفي قطع الحشفة الدية ثم ان قطع بعد ذلك باقية ففيه حكومة‏.‏

وان قطع الذكر والانثيان بضربة واحدة ففيهما ديتان وفي الانثيين الدية قطعتا قبل الذكر أو بعده وقال عبدالملك إن قطعتا بعد ففيهما حكومة وكذلك عنده الذكر حكومة ان قطعت الانثيان قبله وفي كل زوج من الاسنان الدية كاملة وفي احداهما نصف الدية وفي ذهاب النظر من العينين جميعا الدية كاملة وفي احداهما نصف الدية وفي ذهاب نظر العينين جميعا الدية كامة سواء طفيتا أو لم تطفيا وفي إحداهما نصف الدية وكذلك ان فقئتا جميعا ففيهما الدية وان فقئت احداهما نصف الدية وإذا ذهب بعض البصر ففيه بقدر ما نقص من الدية وفي أجفان العين حكومة وفي حجلج العين حكومة وفي عين الأعور الدية كاملة وان فقأ الأعور احدى عيني صحيح عمدا فعليه القود ان كانت مثل عين الأعور يمنى بيمنى أو يسرى بيسرى فان قبلت منه الدية صلحا أو عفا عنه عليها فعليه دية عين الأعور كاملة وان كان فقء الأعور لاحدى عيني الصحيح خطأ فإنما فيه دية احدى عيني صحيح وفي هذا اختلاف عن مالك وأصحابه وتحصيل مذهب مالك ما وصفت لك وإن فقأ أعور عيني صحيح ففقئت عينه باحداهما وغرم نصف الدية للأخرى وفي الشفتين الدية كاملة وفي كل واحد منهما نصف الدية وفي الأليتين الدية وفي احداهما نصف الدية وفي اليدين الدية وفي كل واحد منهما نصف الدية سواء قطعت من الكوع أو من المرفق أو من العضد وفي الرجلين الدية وفي كل واحدة منهما نصف الدية وسواء قطعت من الكعب أو من الفخذ وفي شلل اليدين والرجلين مثل ما في قطعهما وفي ثديي المرأة الدية وهي خمسمائة دينار ذهبا عيونا وفي كل واحدة نصف ديتها وإذا انقطع درها أو سلس لبنها فلم ينقطع ففي كلتيهما الدية وفي ذلك عندي نظر وكذلك في الحاجبين وقد روي عن مالك في اشراق الاذنين الدية وفي شعر اللحية حكومة وفي اصابع اليدين الدية وفي اصابع الرجلين الدية وفي كل اصبع من اصابع اليد أو اصابع الرجل مائة دينار وفي كل أنملة من اصابع اليد أو الرجل ثلاثة وثلاثون دينار وثلث دينار إلا أن الابهام من اليد ومن الرجل فيه مائة دينار وليس فيه إلا أنملتان في كل أنملة منه خمسون دينار‏.‏

باب عقل الجراح

ليس فيما دون الموضحة من الجراح عند مالك وأصحابه عقل مسمى ولا أرش معلوم والموضحة لا تكون إلا في الوجه والرأس وكذلك الشجاج كلها فيما ذكر أهل اللغة قالوا وما كان في الجسد من ذلك قيل لها جراح لا شجاج وأول الشجاج عندهم الحارصة وهي التي شقت الجلد شقا خفيفا ولم يجر منها دم ومنها قيل حرص القصار الثوب إذا شقه شقا خفيفا ثم الدامية وهي التي ظهر دمها ولم يسل ثم الدامعة وهي التي قطر دمها كما يقطر الدمع ثم الباضعة وهي ما أبضع اللحم ولم تصل الى العظم ولا بلغت الجلدة التي تبلغها السمحاق ثم السمحاق ويقال لها الملطاء بالمد والقصر وهي التي ليس بينها وبين العظم الا جلدة رقيقة وتلك الجلدة الرقيقة هي السمحاق وبها سميت الشجة فإذا جاوزت تلك الجلدة وخرقتها وأوضحت عن العظم فهي الموضحة‏.‏

وأما المتلاحمة فهي كل ما يلتحم بالدم من الجراح والشجاج وليس في شيء مما ذكرنا من الشجاج كلها إذا أصيب خطأ الا الاجتهاد والحكومة وذلك أن يقوم المجني عليه عبدا صحيحا ويقوم عبدا معيبا وينظر ما بين قيمتيه فيجعل ذلك جزءا من ديته على الجاني في ماله وكذلك جراح الجسد كلها غير الجائفة ليس فيها عند مالك وأصحابه عقل مسمى وإنما فيها اجتهاد الحاكم على قدر الشين والألم وهذا كله في جراح الخطأ فإن كانت عمدا وضبط فيه القود وعرف عمق ذلك وقدره عرضا وطولا أقيد منها إذا برأ الجرح ولا قود في جائفة ولا مأمومة ولا منقلة والجائفة ما وصل الى الجوف من مقدم الجوف أو من الظهر أو الجنب أو الخصر أو بإبرة فما زاد وفيها ثلث الدية بعد البرء والمأمومة وهي التي يسميها أهل العراق الأمة ولا تكون إلا في الرأس ومعناها ما وصل إلى الدماغ ولو بإبرة وفيها ثلث الدية بعد البرء وانما قيل لها امة ومأمومة وأميم فيما ذكر أهل اللغة لبلوغها أم الرأس وهو مجتمع الدماغ وصاحبها يصعق بصوت كصوت الرعد ورغاء الابل ولا يمكنه البروز الى الشمس وليس بعد المأمومة الا الدامغة وهي التي تكسر العظم ولا يعيش صاحبها والمنقلة هي التي تنتقل وتطير بالدماء فراشها وهي في الرأس خاصة واللحى الأسفل ليس حكمه حكم الرأس ولا الوجه‏.‏

وإنما حكمه حكم الجسد وفي المنقلة عشر الدية ونصف عشرها خمس عشرة فريضة أو مائة وخمسون دينارا والهاشمة وهي ما هشم العظم في الرأس وفيها عشر الدية مائة دينار فإن انتقل العظم فهي منقلة ولا تكون المأمومة ولا المنقلة ولا الهاشمة الا في الرأس خاصة والموضحة في الوجه والرأس ما أوضح عن العظم بإبرة فما فوقها في ذلك كله ولا موضحة في الأنف ولا في اللحى الاسفل ولا تكون الموضحة المقررة الأرش في الجسد فان كانت في الجسد موضحة فليس فيها الا حكومة وعقل الموضحة نصف عشر الدية خمسون ديناراوفيها القود في العمد فإن كانت الموضحة في الوجه وشانته زيد في عقلها حتى تنتهي الى خمس وسبعين دينارا وفي الترقوة إذا كسرت خطأ حكومة وكذلك الضلع فيها أيضا اجتهاد الحاكم وقد روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه إن في كل واحد منها جملا وذلك عند مالك على معنى الحكومة لا معنى المقدر الموقت وفي العين القائمة إذا فقئت حكومة في العمد والخطأ الا أن يفقأها عمدا من له مثلها وعلى هذا عندهم مجمل ما روي عن زيد بن ثابت في العين القائمة مائة دينار ولو ضربت العين فصارت قائمة ذهب نظرها وبقي جمالها ففيها عقلها تاما ولا قود وكذلك اليد إذا شلت ولم تبن واللسان إذا خرس ولم يقطع وفي الأسنان في كل سن خمس من الابل أو خمسون دينارا عيونا ومقدم الفم ومؤخره والأسنان والأضراس سواء وإن ضربت السن فاحمرت أو اصفرت ففيها خمسون دينارا ولا قود ولو ضربت بعد احمرارها فاسودت ففيها أيضا خمسون دينارا ثم لو ضربت فسقطت كان فيها مثل ذلك ومن أهل المدينة طائفة لا يرون فيها إلا الحكومة ما لم تسقط ومن قلع سن صبي ولم تنبت فعليه خمسون دينارا كما في سن الكبير التي لا تنبت ولكنه ينتظر بالصغير نباتها ولا ينتظر بالكبير‏.‏

باب القسامة

 لا تكون قسامة بدعوى صبي ولا عبد ولا ذمي ولا تجب القسامة عند مالك لمدعي الدم على القاتل عمدا كان قتله أو خطأ الا بأحد أمرين أما بأن يشهد شاهدان أو شاهد عدل على قول المقتول الحر البالغ المسلم قبل موته فلان قتلني أو فلان ضربني عمدا أو خطأ وكانت حاله مأمونة وقد قيل لا يثبت قول المقتول دمي عند فلان أو فلان قتلني الا بشاهدي عدل‏.‏

فأما الشاهد العدل فإنما توجب شهادته القسامة إذا شهد ان فلانا ضرب فلانا حتى قتله عمدا أو ضربه خطأ فمات من ضربه ولم يختلف قول مالك فيمن شهد له شاهدا عدل ان فلانا قتلني عمدا ثم مات ان قوله ذلك لوث يوجب القسامة لأوليائه ومرة قال لا يكون ذلك لوثا يوجب القسامة الا في العمد والأول تحصيل مذهبه فهذا وجه واحد من الوجهين للقسامة عند مالك والآخر أن يأتي أولياء المقتول إذا ادعوا على أحد قتله بلوث من بينة على رؤية القتل أو الضرب واللوث الشاهد الواحد العدل أو الجماعة التي ليست بقاطعة على اختلاف من قول مالك في الجماعة التي ليست بعدول وقد قيل ان الواحد وإن لم يكن عدلا لوث تجب به القسامة وهو قول ضعيف لا يعمل به ولا يعرج عليه وقد قيل ان الشاهد العدل على الجرح إذا أكل المجروح وشرب وعاش ولم يسأل أين دمه أنه ليس في ذلك قسامة والأشهر عن مالك ان القسامة في ذلك ولا يجوز في القسامة شهادة النساء ولا الصبيان وهو تحصيل مذهب مالك عند أكثر أصحابه وقد قيل ان شهادة النساء في ذلك لوث يوجب القسامة والأول أصح وإذا اعترف الرجل بقتل الخطأ أو كانا مأمونا غير متهم في اعترافه ذلك ففيه القسامة على أولياء المقتول فإن أبوا من القسامة فلا شيء لهم وقد روي عن مالك في الرجل يوجد مقتولا ويوجد بقربه رجل معه سيف أو في يده شي من آلة القتل وعليه أثر القتل أن ذلك لوث يوجب القسامة لولاة المقتول ان ادعوا على ذلك الرجل قتل وليهم ذكر هذه المسألة ابن الجلاب وهي غريبة عن مالك ومعروفة للشافعي ومن اتهم بالدم ممن تقع عليه التهمة وتلحقه الشبهة بكونه من أهل التهم ولم يتحقق عليه ما يوجب القسامة وجب حبسه حتى يتبين ما يدعى به عليه فإن لم يثبت عليه شيء وطال حبسه استحلف خمسين يمينا وخلي سبيله فإن كان أحد الوجوه المذكورة وجبت القسامة حينئذ لأولياء المقتول وهم عصبته فإن كان القتل عمدا وكان العصبة رجلين بالغين فصاعدا ولا يحلف فيه أقل من رجلين بدأوا باليمين وحلفوا خمسين يمينا على البت لا على العلم واستحقوا دم من اقسموا عليه اذا كان القتل عمدا ولا يقتل بالقسامة الا واحد‏.‏

وإذا ادعى أولياء المقتول دمه على جماعة أقسم أولياؤه من شاءوا منهم فيقتلونه وحده وضرب سائرهم مائة جلدة وحبسوا سنة فإن كان أولياء المقتول خمسين رجلا حلف كل واحد منهم يمينا وان كانوا رجلين حلف كل واحد منهم خمسا وعشرين يمينا بالله الذي لا إله الا هو لقد قتل فلان ابن فلان ولي فلان هذا إذا كانت القسامة بشهادة شاهد واحد عدل شهد بالقتل فان شهد عدلان على ضربه وعاش بعد ذلك ثم مات أقسموا بالله الذي لا إله الا هو لمات فلان من الضرب الذي ضربه فلان ولو كان شاهد واحد على الضرب أو الجرح حلفوا بالله الذي لا إله إلا هو لقد ضربه فلان ابن فلان فمات من ضربه ولا يقسم في العمد رجل واحد ولا امرأة ولا جماعة من النساء وان كان ولاة الدم أكثر من خمسين رجلا اقتصر منهم على خمسين رجلا فحلفوا خمسين يمينا وترك سائرهم وقد روي عن مالك أيضا أنهم يحلفون كلهم وان زاد عدد الإيمان على خمسين يمينا ثم يستحقون الدم فان ارادوا القصاص اقتصوا وإن أرادوا العفو كان ذلك لهم وان صالحوا القاتل على شيء فهو موروث بينهم ويضرب قاتل العمد مائة ويسجن سنة ولا يقسم في قتل العمد إلا على رجل واحد وإن كثر عدد المدعى عليهم ويضرب الباقون مائة مائة ويسجنون سنة كاملة فإن نكل المدعون الدم عن القسامة أو نكل بعضهم فقد اختلف عن مالك في ذلك فروي عنه أن لمن بقي أن يحلفوا ويستحقوا أنصباءهم من الدية‏.‏

وروي عنه أنه إذا نكل واحد منهم فذلك بمنزلة ما لو نكلوا كلهم وردت الايمان على المدعى عليهم ولم يكن لهم ولا لواحد منهم شيء من الدية وأصح شيء عنه في ذلك ما ذكره في موطئه انه متى ما نكل من ولاة الدم واحد مما يجوز عفوه لو عفا فلا سبيل الى الدم وترد الايمان على المدعى عليه فإن حلف خمسين يمينا سقطت عنه الدعوى وان نكل حبس حتى يحلف وان لم ينكل واحد منهم وأقسموا كلهم ووجب القود لهم ثم عفا بعضهم كان القول قول من أراد العفو ولم يكن لهم سبيل الى الدم ووجب لمن لم يعفوا أنصباءهم من الدية وهذا إذا كان الولاة للدم بنين أو بني بنين أو أخوة أو بني أخوة فإن كانوا عمومة أو بني عمومة فنكل واحد منهم عن أيمان القسامة ففيها لمالك وأصحابه قولان أحدهما أن لمن بقي أن يقسموا ويقتلوا نفسا منهم والآخر ان القود ساقط ثم هل للباقين أن يقسموا ويستحقوا أنصباءهم من الدية والآخر ان لا قود ولا دية وترد الايمان على المدعى عليهم فإن لم يكن للمقتول الا ولي واحد ممن يجوز له العفو عن الدم وله أولياء ليسوا في العدد مثله أقسم منهم من شاء معه إذا استيقن ما يحلف عليه وكان لهم القود فان أبى أن يحلف مع الولي الذي يجوز عفوه ولي لا يجوز عفوه ووجد من يحلف معه ممن هو أبعد نسبا منه حلف الابعد مع الاقرب الذي يجوز عفوه ولم ينظر الى الاوسط‏.‏

فأما إذا نكل أو عفا من يجوز عفوه فلا سبيل الى الدم وترد الأيمان على المدعي عليهم وكذلك إذا لم يكن مع الولي من يقسم معه ردت الايمان على المدعى عليه فإذا ردت الأيمان على المدعى عليهم حلف كل رجل ممن أدعى عليه عن نفسه خمسين يمينا وبرأ ولا يبرئه أقل من خمسين يمينا فإن نكلوا لم يبرئهم نكولهم وحبسوا حتى يحلفوا ويبرأون فان طال حبسهم تركوا وجلدوا مائة مائة وحبسوا سنة وهذه القسامة في الحر المسلم وسواء قتله حر مسلم أو عبد أو ذمي ولا قسامة إلا في الأحرار المسلمين رجالهم ونسائهم في أنفسهم دون جراحهم ولا قسامة في عبد ولا أمة ولا ذمي ولا كافر فان حلف ولاة المقتول الحر المسلم على العبد القاتل خمسين يمينا واختاروا استبقاءه كان ذلك لهم وان قالوا نستبقيه ونحلف يمينا واحدة لم يكن ذلك لهم لأنهم انما يستحقون دم صاحبهم وإن استبقوه وأراد ربه أخذه من أيديهم غرم دية الحر كاملة وكان له أخذه وإن أرادوا قتله بعد القسامة كانوا أولى بذلك من ربه وإن بذل ديته وإن اشترك جماعة في ضرب رجل وجرحوه وكان جرح بعضهم قد نفذ مقاتله وبعضهم لم يبلغ ذلك منه لم يكن لأوليائه أن يقسموا إلا على من خلص جرحه الى نفسه وأنفذ مقاتله دون غيره ممن لم توهنه جراحه ولا خلصت الى نفسه وليس لهم أن يقسموا الا على واحد وإذا اختلف ولاة الدم في الدعوى فقال بعضهم قتل عمدا وقال بعضهم قتل خطأ أقسم جميعهم على قتله ووجبت لهم الدية وبطل القود وان قال بعضهم قتل عمدا وقال بعضهم لا علم لنا بقتله لم يقسم واحد منهم وردت الأيمان على المدعى عليهم ولو قال بعضهم قتل خطأ وقال بعضهم لا علم لنا بقتله أقسم من ادعى قتله خطأ خمسين يمينا على البت لا على العلم واستحقوا أنصباءهم من الدية وليس لأحد من النساء في قتل العمد قسامة لا بنات ولا غيرهن ويقسم في الخطأ الرجل الواحد والمرأة الواحدة فأكثر تقسم عليهم الأيمان في قبل الخطأ على قدر مواريثهم من الميت فمن ورث ثمنا كان عليه ثمن الأيمان ومن ورث سدسا كان عليه سدس الأيمان وعلى هذا ابدا ومن كان في نصيبه جزء من يمين أكملت عليه فان كان المدعى عليهم جماعة قسمت الدية على عدد رؤوسهم وكان ما لزم كل واحد منهم على عاقلته وهم عشيرته الأقرب فالأقرب فان لم يكن فعلى بيت مال المسلمين وإن كان بعض ولاة المقتول خطأ غائبا وبعضهم حاضرا وأراد الحاضر أن يقوم بحقه في ذلك لم يجب له شيء حتى يحلف خمسين يمينا كان واحدا أو أكثر من ذلك ثم يأخذ نصيبه وكل من جاء بعده من شركائه في ميراث المقتول حلف بمقدار نصيبه من عدد الايمان نصفا كان أو ثلثا أو سدسا أو غير ذلك لأن الدم قد ثبت بالقسامة الأولى فان وقع عليه كسر من اليمين استتمت اليمين عليه الا أن يكون معه غيره فيجبر الكسر على من عليه أكثر من اليمين وقد قيل تجب على كل واحد منهم وليس لأحد من أهل الملل كلهم غير المسلمين قسامة ولا في شيء من الجراح قسامة إلا في ما آل إلى النفس وليس فيمن قتل في زحام أو وجد مقتولا في محلة أو على باب قوم قسامة ولا دية وإذا اقتتلت فئتان ثم افترقتا على قتيل ففيها لمالك قولان احدهما أنه لا قود فيه وفيه الدية على الفئة التي نازعته إذا كان من الفئة الأخرى وان لم يكن من واحدة منهما فديته عليهم جميعا والقول الآخر ان وجوده بينهما مقتولا لوث يوجب القسامة لولاته فيقسمون على من ادعوا قتله عليه ويقتلونه ويستجلب الذين تجب عليهم القسامة إلى المصر ليحلفوا في المسجد الجامع الأكبر إذا كانوا على العشرة الأميال ونحوها فان بعدوا عن المصر لم يستجلبوا وحلفوا في جوامعهم في دبر الصلوات وعلى رؤوس الناس عند المنبر إلا من كان من أعمال مكة والمدينة وبيت المقدس فانهم يجلبون إلى هذه الثلاثة المساجد من جميع أعمالها وان بعدت وبالله التوفيق‏.‏