فصل: باب فيمن فاته الحج بحصر مرض أو عدو أو خطأ في عدة أيام العشر

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكافي في فقه أهل المدينة المالكي ***


باب فيمن فاته الحج بحصر مرض أو عدو أو خطأ في عدة أيام العشر

 من أحصره المرض فإنه لا يحله إلا الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة والحلاق ولو أقام سنين فإذا وصل البيت بعد فوات الحج عمل عمل العمرة وقطع التلبية عند دخوله الحرم وكذلك الذي فاته الحج سواء بأي وجه فاته وعليهما جميعا حج قابل والهدي للفوات يسوق هديه مع حجة القضاء ولا يجزئ واحد منهما الهدي الذي ساقه معه حين أحصر بالمرض لو فاته الحج فإن لم يجد الهدي الذي ساقه معه حين أحصر بالمرض لو فاته الحج فإن لم يجد الهدي صام صوم المتمتع ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع تلك عشرة كاملة ولا ينبغس لمن فاته الحج لمرض أو عذر أو غير ذلك أن يعجل الهدي في عمرته التي يحل بها ولكن يؤخره إلى حجة القضاء إن كان ممن يرى على المحصر بعدو هديا فقد رآه بعض أصحاب مالك وجماعة من العلماء وإن عجله كرهه له مالك وأجزأ عنه ومن أصحابه من قال لا يجزئه ووجه قوله ضعيف وقول مالك أصح‏.‏

وأما من أحصر بعدو غالب من فتنة أو غيرها فلهم قتال العدو ولهم تركه والتربص فإن كشف الله ذلك عنهم ورجوا إدراك حجهم نهضوا وإن يئسوا من زوال العدو نحر منهم من كان معه هدي وحلق كل واحد منهم وحل وسواء كان ذلك في الحل أو الحرم ولا هدي على واحد منهم ولا قضاء بحج ولا عمرة إلا أن يكون ضرورة لم يكن حج فيكون عليه الحج على حسب وجوبه عليه وكذلك العمرة عند من أوجبها فرضا ومن أهل المدينة من يقول إن الهدي على المحصر بعدو واجب ولا يحل إلا بهدي أو شرك في دم أقله سبع بدنة أو بقرة ثم يحلق‏.‏

وأما مالك فلا هدي عنده على من حصره العدو إلا أن يكون ساقه فينحره والحلاق سنة ونسك يجب على الحاج المقيم على حجه وعلى من فاته الحج وعلى من أحصر في الحج وأقام على حجه إلى القابل فإنه بحج ولا هدي عليه وليس ذلك كمن فسد حجه لأنه لا يقام على حج فاسد وكل من فاته الحج تحلل بعمل عمرة وعليه الحج من قابل والهدي فإن لم يجد الهدي صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع والاحصار بمكة وغيرها سواء لمن صد عن البيت بعد أن أحرم وفوات الحج بفوت عرفة فمن وقف بعرفة على سنة الوقوف بها من بعد صلاة الظهر إلى طلوع الفجر أو أدرك الوقوف بها ليلا ولو أقل ساعة قبل طلوع الفجر فلم يفته الحج ومن لم يدرك شيئا من ذلك فقد فاته الحج وليس عليه عمل ما بقي من مناسك الحج وهو عند مالك بالخيار إن شاء أقام على إحرامه إلى قابل فأتم حجه وأجزأه ولا شئ عليه وإن شاء تحلل بعمرة ثم قضى قابلا وأهدى والاختيار أن يتحلل ولا يقيم على إحرامه إلى قابل وقد استحب مالك لمن أقام على إحرامه إلى قابل أن يهل أيضا احتياطا وإن أقام على إحرامه ولم يتحلل منه حتى دخلت شهور الحج من قابل لم يجز له التحلل ولزمه المقام حتى يحج ومن قدم مكة فطاف وسعى عند قدومه ثم مرض ففاته الوقوف بعرفة لم يجزه الطواف الأول وسعيه عن طواف تحلله وليطف وليسع مرة أخرى لتحلله وإذا أخطأت الجماعة هلال ذي الحجة فوقفوا قبل عرفة بيوم أو وقفوا يوم النحر أجزأهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أضحاكم حين تضحون وفطركم حين تفطرون أي باجتهادكم‏.‏ وروي عن ابن عباس والحسن البصري في قول الله عز وجل ما جعل عليكم في الدين من حرجالحج قالا هذا في تقديم الأهلة وتأخيرها في الفطر والأضحى والصوم‏.‏

باب الهدي

 تقلد الهدي وتشعر وكذلك البقر إن كان لها أسنمة وإلا قلدت ولم تشعر والغنم لا تقلد ولا تشعر فمن كان من أهل المدينة وساق هديا قلده وأشعره بذي الحليفة وكذلك سائر أهل الآفاق يقلدون ويشعرون حيث يحرمون والتقليد أن يجعل في عنقها حبل فيه نعل أو نعلان والأشعار الشق يشق في سنامها الأيسر عند مالك وعند غيره في الأيمن وكلاهما حسن وقد روي عن مالك في الأيمن والأول أشهر عنه وإذا قلد الهدي أو أشعره فقد وجب ولا يجوز بيعه ولا هبته وإن مات موهبه ولم يورث عنه ونفد لوجهه ولا يجوز في الهدايا والضحايا إلا الجذع من الضأن والثني مما سواه والدم في الحج على وجهين دم هدي ودم نسك فالهدي ما كان جزاء صيد أو دم متعة أو قران وما وجب لتجاوز الميقات أو ترك رمي الجمار والمبيت بمنى والمزدلفة وما أشبه ذلك من نقصان مناسك الحج‏.‏ وأما دم النسك فهو ما كان في تخير الفدية في الأذى مما يوجبه إلغاء التفث وطلب رفاهة النفس على ما قدمنا ذكره في باب ما يجتنبه المحرم والهدي هديان واجب وتطوع ويؤكل من الهدي كله واجبه وتطوعه إلا أربعة أشياء جزاء الصيد وفدية الأذى ونذر المساكين وهدي التطوع إذا عطب قبل محله‏.‏

وأما الهدي الواجب إذا عطب قبل محله فإنه يأكل منه صاحبه إن شاء لأن عليه بدله ولا بدل عليه في غير الواجب ان عطب قبل محله إلا أن يأكل منه ومن أكل من هدي لا يجوز الأكل منه ففيه قولان احدهما أنه يبدل الهدي كله والآخر أنه لا يبدل الا مقدار ما أكله منه والأول أشهر عن مالك والآخر اختيار عبد الملك بن عبد العزيز وهو قول الشافعي وقد روي عن مالك أنه أكل من نذر المساكين شيئا لم يكن عليه إلا مقدار ما أكل وان أكل من جزاء الصيد أو من فدية الأذى جزاه كله وأتى بفديته كاملة والهدي على من قرن أو تمتع أو فسد حجه أو ترك الرمي أو نحو ذلك بدنة فإن لم يجد فبقرة فإن لم يجد فشاة فإن لم يجد فصيام دون إطعام ولو أهدى شاة كره له مالك ذلك واجزأه وإذا حدث بالهدي عيب بعد التقليد أجزأ وقد قيل لا يجزأ والأول تحصيل مذهب مالك فإن قلده وبه عيب لا يجزئ مثله ولم يكن علم به رجع بأرشه على بائعه واستعان به في ثمن غيره وان كان الهدي تطوعا فقيل يصنع بالأرش ما شاء وقيل إنه يصرفه في هدي مثله ان بلغه والا تصدق به والسنة ان ينحر الهدي التطوع إذا عطب قبل محله ثم يضع قلادته في دمه ويخلي بين الناس وبينه يأكلونه ولا يأكل منه صاحبه ولا يطعم ولا يتصدق فإن أكل أو أطعم أو تصدق فالأشهر عن مالك أنه إن أكل منه شيئا ضمنه كله ولا ينحر هدي التطوع قبل يوم النحر فإن فعل لم يجزه عند مالك ومن ساق هديا واجبا فضل قبل الوقوف بعرفة ثم وجده بمنى ففيه عن مالك روايتان احداهما ينحره بمنى ثم يبدله بهدي آخر ينحره بمكة بعد خروجه أيام منى والآخر أنه يؤخره وينحره بمكة ويجزئه عن واحد وهذا أولى ومن ضل هديه ولم يجد غيره أخر الصيام إلى منى ثم صام ولو وجد من يسلفه كان حسنا أن يستلف منه‏.‏

وأن أخر الصيام حتى رجع إلى بلده فقدر على الهدي أهدى ولم يصم ولا تركب البدنة إلا من ضرورة وولا يشرب من لبنها إلا كذلك بعد ري فصيلها ولا يشترك القوم في الهدايا ولا الضحايا وقد روي عن مالك أنه يشترك في هدي المعتمرين وفي التطوع دون الواجب وعند غير مالك يشترك السبعة في البدنة والبقرة في الهدي والتطوع وفي الواجب ولا ينحر الهدي إلا بمنى ومكة ولا ينحر منه بمنى إلا ما وقف بعرفة وإن فاته أن يقف بعرفة ساقه من الحل فينحره بمكة بعد خروجه من منى وأن نحره بمكة في أيام منى اجزأه وإذا أخطأ رجلان حاجان هديهما فذبح كل واحد منهما هدي صحابه عن نفسه وكانا قد أوقفاهما بعرفة اجزأهما ولم يكن عليهما شيء ولو كانا معتمرين ضمن كل واحد منهما قيمة ما ذبح ولم يجز عن واحد منهما واستأنفا الهدي وليس وقف الباعة وقفا ولا بد أن يقفه هو بنفسه أو يأمر من يقفه فإن وقف بأمره فسواء البائع في ذلك حينئذ وغيره وينحر البدن قياما مقيدة ولا يعقلها إلا أن تصعب ولا تعرقب إلا أن يخاف أن يضعف عنا ولا يقوى عليها وتنحر باركه أفضل من أن تعرقب وتضجع البقر والغنم ولا ينحر أحد قبل الفجر يوم النحر فإذا طلع الفجر حل النحر بمنى وليس عليهم انتظار نحر إمامهم والمنحر منى لكل حاج ومكة لكل معتمر ولو نحر الحاج بمكة والمعتمر بمنى لم يخرج واحد منهما إن شاء الله‏.‏

باب ما لا يجبر بالدم دون الاتيان به

 قد تقدم في أول كتاب الحج بتعيين فرائضه وهي أربع أولها الإحرام ثم الوقوف بعرفة والطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة فمن لم ينو حجا ولا عمرة ولا أحرم بواحد منهما بنيته له وقصد إليه فلا حج له ومن لم يقف بعرفة أقل وقت ما بين غروب الشمس إلى طلوع الفجر من يوم النحر فلا حج له ومن لم يطف طواف الإفاضة رجع إليه من بلاده قال مالك في موطئه من نسي طواف الإفاضة حتى يخرج من مكة ويرجع إلى بلده كان عليه أن يرجع فيفيض وإن كان أصاب النساء رجع فأفاض ثم اعتمر وأهدى ولم يذكر مالك طوافه قبل ولا بعد ولا راعى شيئا من ذلك وهذا مذهب أهل المدينة من أصحابه وغيرهم أما أهل مصر والمغرب فجملة مذهب مالك عندهم في ذلك أن الطواف في حين دخول مكة وطواف الإفاضة كلاهما عنده واجب وكلاهما ينوب عن الآخر مع الهدي لمن نسي ذلك ولم يأت به حتى رجع إلى بلاده والتطوع أيضا في ذلك ينوب عنده عن الواجب وطواف الصدر أيضا كذلك على ما بينا عنه في صدر هذا الكتاب فمن لم يطف لدخوله مكة ناسيا أو تاركا أو طافه ولم يكمله سبعا أو طافه منكوسا أو على غير طهارة أو أحدث فيه فتوضأ وبنى ولم يستأنف أو طافه بغير نية لما قصده من حج أو عمرة أو لم يدخل الحجر في طوافه أو لم يكمله من الحجر إله لم يجزه في ذلك كله طوافه وان في حكم من لم يطف ولزمه الرجوع إليه قريبا كان أو بعيدا إلا أن يكون طاف بعده للإفاضة وسعى أو طاف تطوعا وسعى فإن كان طاف تطوعا ثم أبعد ولبس الثياب ووطئ النساء كان عليه دم وكان له طوافه تطوعا عما وجب عليه وكذلك لو عرض له مثل ذلك في طواف الإفاضة عاد إليه ولو من بلده لأنه فرض واجب فطافه إلا أن يكون طاف بعده تطوعا أو للوداع فيجزئه عند مالك من العودة وعليه دم ومن أخر طوافه الموصول بالسعي قارنا كان ومفردا ثم طاف للإفاضة وصدر فلم يودع البيت اجزأه طواف الإفاضة عن ذلك كله إن كان معه سعي ولم يختلف قول مالك في وجوب الدم على من ترك طواف القدوم عامدا لأنه عنده من مسنونات الحج المؤكدات واختلف قوله إذا تركه أو ترك شيئا من سنن الحج معذورا فقال مرة عليه دم وقال مرة لا دم عليه‏.‏

وأما طواف الوداع فهو عنده مستحب لا يجب على تاركه شيء لأنه لما كان عمله بعد استباحة وطء النساء والعبيد أشبه التطوع الذي لا شيء على تاركه وقد تقدم اختلاف لفظ ما في المدونة وما ذكره أبو الفرج وما رواه ابن عبد الحكم في مراعاة الطواف التطوع أو غيره قبل الإفاضة أو بعدها في أول باب من هذا الكتاب وقال ابن القاسم لو طاف بغير نية وسعى كان عليه أن يعود فيطوف بنية ويسعى فإن لم يفعل حتى رجع إلى بلاده أو تباعد اجزأه ذلك وكان عليه الهدي وهذا ما قدمت لك من أصلهم في عمل الحج أنه يجزأ فيه عندهم التطوع عن الواجب إلا في الإحرام خاصة ومن ترك من طوافه أو سعيه شوطا واحدا أو أكثر لم يجزه وكان عليه أن يأتي به بانيا أن كان قريبا أو مستأنفا أن تباعد فإن لم يذكره حتى رجع إلى بلاده عاد على بقية إحرامه فطاف وسعى وأهدى لتأخيره ذلك العمل عن وقته فإن وطئ أهله اعتمر وأهدى وكل من سعى بأثر طواف لم يتم سبعا أو بأثر طواف على غير طهارة كان كمن لم يسع لأن من شرط السعي عند مالك وأصحابه أن يكون بأثر طواف مجزئ متصل به وعلى هذا الذي وصفنا حاله الرجوع من بلده حتى يأتي الطواف والسعى‏.‏

فإن كان لم يطف للإفاضة كان حراما من النساء والطيب والصيد وكان عليه مع ذلك دم وقد خفف مالك مرة عنه الدم في ذلك وجعله كالمراهق وقد روي عن مالك فيمن طاف للإفاضة من غير سعي من غير سعي ولم يكن طاف معي ولا سعى قبل ذلك حتى خرج من مكة ان عليه عمرة وهديا ويجزئه من ذلك كله ومن ترك من السعي ذراعا لم يجزه حتى يسعى فيتم ما بين الصفا والمروة فإن صار إلى بلده وكان معتمرا كان حراما من كل شئ وان كان حاجا قد رمى الجمرة وحلق كان حراما من النساء والطيب والصيد عند مالك ثم يرجع فيبتدئ طوافه وسعيه ومن طاف لعمرته على غير وضوء فهو كمن لم يطف وعليه ان يرجع من بلده حراما حتى يطوف ويسعى ويهدي لتأخيره السعي عن زمانه وليس الهدي واجبا عليه ولو طاف المتمتع أو المكي قبل خروجه إلى منى وسعى كان عليه ان يطوف للإفاضة ويسعى بعد انصرافه من منى فإن طاف ولم يسع حتى أتى بلده أجزأه السعي الأول وعليه هدي ومن لم يسع بين الصفا والمروة حتى رمى الجمرة فقد حل له من الثياب وغيرها ما حل للذي طاف وسعى‏.‏

باب الاجازة على الحج والعمرة والوصية بذلك

 الاجارة على الحج جائزة عن الميت إذا أوصى بها فإن كان الموصي لم يحج عن نفسه لم يجز أن يستأجر عنه صبي ولا عبد ويجوز ذلك في التطوع ومن تطوع بالحج أو العمرة عن غيره بعد أن حج عن نفسه فحسن إذا كان عن الميت وإذا أوصى أن يحج عنه وارثه فذلك جائز وله إجارة مثله وما زاد على ذلك فهو وصية إن أجازه الورثة جاز والا رجع ميراثا ويكره أن يتطوع بالحج قبل أن يؤدي فرضه وان يؤاجر نفسه في ذلك فإن فعل شيئا من ذلك نفذ عند مالك وإذا أوصى بوصايا فأخذ الوصي الثلث وقاسم الورثة ثم دفع المال إلى من يحج فتلف المال أو تلف في يد الموصي فلا تبعة على الورثة والإجارة عند مالك في الحج على وجهين إجارة مضمونه وإجارة على البلاغ فالمضمونة تكون على حجة موصوفة من مكان معلوم بأجرة معلومة فيكون له الفضل من نفقته وعليه النقص وان مات قبل الفراغ من الحج كان له من الأجرة بحساب ما عمل وأخذ الباقي منه أو من ماله وأجرة البلاغ أن يدفع رجل إلى رجل آخر مالا ينفقه في الحج عن الميت فإن فضل شئ رده على من استأجره وان عجز المال عن نفقته وجب على مستأجره تمام نفقته وكذلك لو ضاع المال بعد الاحرام لزم من استأجره نفقته‏.‏

ولو ضاع قبل أن يحرم رجع ولم ينفذ لوجهه وهذا الوجه اكثر أهل العلم لا يجيزونه ومن أوصى أن يحج عنه رجل بعينه فأبى ذلك الرجل دفعت الحجة إلى غيره ان كان الموصى له لم يحج عن نفسه وان كان قد حج عن نفسه بطلت الوصية ورجع المال ميراثا ومن اوصى أن يحج عنه بمال معلوم فوجد من يحج عنه بأقل رد الباقي على ورثته إلا أن يوصى بذلك لرجل بعينه فيكون المال كله له ومن استأجر على أن يحج مفردا فحج قارنا فأكثر أصحاب مالك على أنه يجزئ عن الموصي وعلى المستأجر الدم وقال ابن القاسم لا يجزئ وعليه الاعادة ولو تمتع جاز على قول مالك وعلى قياس قول ابن القاسم لا يجزئه والصواب عندي أنه يجزئه وعليه الدم وليس للمستأجر في الحج أن يستأجر غيره إلا أن يجعل ذلك إليه أو يؤذن له فيه ولو استؤجر على الحج في عام بعينه فعاقه عائق وحج في العام الذي يليه اجزأه ويجوز الاستيجار على العمر كما يجوز على الحج‏.‏

باب رمي الجمار

 قد تقدم في باب العمل في الحج ذكر وقت رمي جمرة العقبة انه من طلوع الشمس إلى زوالها فمن نسي رمي جمرة لعقبة يومن الننحر حتى امسى فيستحب له الهدي وليس بواجب عليه ومن نسيها يوم النحر ورماها أيام التشريق نحر بدنه ومن نسي حصاة واحدة من جمرة حتى مضت أيام الرمي كان عليه شاة فإن نسي الجمرة كلها كان عليه بقرة أو بدنة ووقت الرمي في أيام منى من زوال الشمس إلى غروبها ومن نسي رمي يوم من أيام منى أو أخره إلى الليل رمى ليلا ولا شئ عليه هذا قوله في موطئه وقد روي عنه ان عليه دما وليس بشئ لأنه لم يختلف قوله أنه لو رماه من الغد لم يكن عليه شئ ومن ترك الرمي يوما ورمى يوما بعده ثم ذكر ذلك اليوم الثالث بعد رميه رمى لليوم الذي ترك الرمي فيه ثم يعيد رمي يومه ولا يعيد اليوم الأوسط ويرمي عن الصبي والمريض اللذين لا يطيقان الرمي ويستحب للذي يرمي عنهما أن لا يرمي عن أحدهما حتى يرمي عن نفسه ولا يجوز أن يكون رميه عنه وعن غيره واحدا ولو فعل لم يجزه عن نفسه ولا عن غيره وينبغي للمريض أن يتحرى وقت الرمي فيكبر وإذا صح المريض في أيام الرمي رمى عن نفسه وعليه مع ذلك دم عند مالك ومن ترك الرمي في يوم من أيام منى حتى انقضت فعليه دم وتجزئه شاة ولو ترك الرمي في الأيام الثلاثة كلها فعليه بدنة أو بقرة في الاختيار وتجزئه شاة ويجوز لرعاء الإبل إذا رموا جمرة العقبة يوم النحر أن يخرجوا عن منى لرعيهم ويقيمون فيه يوما وليلة ثم يأتون في الثالث من يوم النحر وهو النفر الأول فيرمون لليوم الذي مضى ولليوم الذي هم فيه ويتعجلون إن شاءوا أو يقيموا فإن اقاموا رموا في اليوم الرابع من يوم النحر ولأهل الآفاق أن يتعجلوا في اليوم الثالث من يوم النحر وهو الثاني من أيام التشريق يرمون بعد الزوال وينفرون نهارا ولا ينفرون ليلا ويكره لأهل مكة التعجيل في النفر الأول وكذلك الاختيار لامام الحاج ان يقيم إلى النفر الثاني ويكره له أن يكون نفره قبل ذلك‏.‏

باب الحج بالصبيان

 لا يجب على من لم يبلغ من الرجال والنساء الحج وأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم الحج بالصبيان الصغار وقد بينا في كتاب التمهيد من معاني الحج بالصبيان ما في كفاية وبيان فجائز أن يحج بالصبيان الصغار ذكورهم وإناثهم المراضع منهم وغير المرضع إلا أن المرضع ونحوه لا يجرد للاحرام ويجرد غيرهم من المتحركين بأنفسهم يجردون من الميقات وينوي أولياؤهم بذلك الإحرام ويجتنبون ما يجتنب الكبار ولا بأس أن يؤخر إحرام الصبي عن الميقات إلى الحرم أو إلى قربه وان تكلم الصبي لبى عن نفسه وان لم يتكلم لم يلب عنه وان احتاج إلى دواء فيه طيب أو احتاج إلى إماطة أذى فعله به وليه وفدى عنه واختلف قول مالك وأصحابه في جزاء الصيد يقتله الصبي فقال بعضهم هو كجنايتة يكون في ماله وقال بعضهم هو في مال الولي وهو الأشهر عن مالك ويطاف بالصبي ويسعى ويرمى عنه ان لم يستطع فعل ذلك بنفسه ولا يركع عنه وان قدر ركع عن نفسه ولا يطوف به إلا من طاف لنفسه وجائز أن يسعى عنه من لم يسع لنفسه ومن سعى بالصبي ينوي به السعي عن نفسه وعن الصبي أجزأهما ذلك عند مالك ويكره له أن يطوف به ينوي الطواف عنه وعن نفسه فإن فعل أعاد الطواف عن نفسه استحبابا ويجزئ عن الصبي وقد قيل إنه يعيد عن نفسه إيجابا وعن الصبي استحبابا والأول تحصيل المذهب والقول عندهم في الرمي عنه وعن نفسه كالقول في الطواف عنه وعن نفسه وإذا حج الولي بالصغير فما زاد على نفقته في الحضر فمن مال وليه إذا لم يخف عليه ضيعة في الحضر فإن خاف ذلك عليه فالنفقة كلها من مال الصبي وإذا بلغ الصبي في حجته مضى عليها حتى يتمها ولا تجزئه عن فرضه‏.‏

باب في حج العبد وذوات الزوج

 ان استأذن العبد سيده في الحج فحسن ان يأذن له فإن لم يفعل فليس ذلك عليه قال مالك فإن حج معه فلا نرى ان يمنعه ولا يحج العبد إلا بإذن السيد فإن أذن له فأحرم بالحج لم يكن له منعه وإن أحرم بغير اذن سيده فالسيد بالخيار في فسخ إحرامه أو تركه فإن فسخه فعليه القضاء إذا عتق ولو أذن له سيده في القضاء وهو رقيق اجزأه ولو عتق فحج به ينوي القضاء والفريضة أجزأه عن القضاء ولم يجزه عن الفريضة وحكم العبد إذا عتق بعد حجه أو بعد إحرامه بالحج كحكم الصبي يبلغ بعد حجه أو في حجه ولا يجزئه حجه ذلك عن حجة الإسلام وإذا أعتق العبد ليلة عرفة ولم يكن أحرم فأحرم ووقف بعرفة أجزأه عن فرضه فإن كان أحرم بالحج قبل ذلك تمادى في حجه وليس له رفض احرامه وتجديد احرام آخر للوقوف بعرفة وعليه التمادي في حجة حتى يتمه ولا يجزئه عن حجة الإسلام وكذلك الصبي يبلغ ليلة عرفة ولم يكن أحرم سواء في ذلك وليس على السيد جزاء ما قتل عبده المحرم من الصيد ولو نذر العبد حجا ثم عتق لزمه ما اعتقده من النذر في حال الرق ومن بلغ من الصبيان أو عتق من العبيد بعد ليلة النحر فلا خلاف بين العلماء أنه يتمادى في حجه فيتمه ولا يجزئه من حجة الإسلام وإذا أسلم الكافر وأدرك الوقوف بعرفة أجزأه عن حجة الإسلام وإذا تطوعت المرأة بالحج بغير اذن زوجها فحللها بعد إحرامها فعليها القضاء وقال سحنون لا قضاء على المرأة إذا طلقت ولا على العبد إذا عتق فيما حللا منه ومن أكره امرأته على الوطء وفسد حجها ثم فارقها وتزوجت لم يكن لزوجها منعها من أداء ما وجب عليها ومؤونتها على المطلق لها لأنه لما أكرهها كان عليه أن يحجها ومن أذن لامرأته في الحج ثم أكرهها على الوطء كان عليه أن يحجها ومن أذن لجاريته في الحج فأحرمت ثم باعها لم يكن للمشترى أن يحللها ولا أن يمنعها من المضي في إحرامها وذلك عيب ان شاء رضي المشتري به وإن شاء رده‏.‏

باب جامع الحج

 جائز عند مالك الطواف تطوعا وواجبا بعد العصر وبعد الصبح إلا أنه لا يكون إلا أسبوعا واحدا لأنه لا يلزم الطائف أن يصلي بأثر كل أسبوع ركعتين ولا تطوع عنده في هذين الوقتين وجائز أن يركع الركعتين إذا غربت الشمس قبل صلاة المغرب وجائز أيضا أن يؤخرهما حتى يصلي المغرب ثم يركعهما بعدها قبل أن يتنفل وتقديم المغرب على الركوع أولى وأحب إلينا ويكره مالك وأكثر الفقهاء أن أن يطوف المرء أسابيع ثم يجمع ركوعها ومن أفاض في يوم جمعة فليرجع إلى منى ويدع الجمعة وإذا لم تطف المرأة للإفاضة لحيض أو نفاس حبس عليها كريما أقصى ما يحبس الدم النساء في الحيض والنفاس ولا حجة للكرى بأن يقول لم أعلم أنها حامل وقال ابن المواز كيف يحبس عليها الكرى وحده يعرض ليقطع به في الطريق ويقصر الصلاة بعرفة عند مالك كل من شهدها من أهل مكة ومنى وسائر الآفاق إلا أهل عرفة وكذلك أهل متى لا يقصرون بمنى ويقصرون في غيرها من المشاهد كلها وكذلك أهل المزدلفة لا يقصرون بها ويقصرون بعرفة ومنى ويقصر أهل مكة بعرفة ومنى ويتمون بمكة هذا قول مالك وأصحابه‏.‏

وأما سائر أهل العلم فيقولون لا يقصر في شئ من تلك المشاهد إلا مسافر بينه وبين بلده مسافة يقصر في مثلها إذا كان سفره متصلا لم تنقضه إقامة ويستحب المقام بالمحصب عند الصدر من منى قبل دخوله مكة ويصلي به الأوقات إلى العشاء الأخيرة ثم يدخل مكة ليلا ومن ترك ذلك فلا شئ عليه ويستحب النزول بالمعرس لمن قفل إلى المدينة والصلاة فيه ولو قدمه في غير وقت صلاة اتنظر به الصلاة إلا أن يخاف فوت رفقته فان كان ذلك جاز له أن ينفر قبل أن يصلي ومن صدر من منى فطاف للإفاضة ونفر اجزأه ذلك عن إفاضته ووداعه ودخول البيت كلما قدر عليه حسن والصلاة فيه نافلة حسن ولا يدخله أحد بنعليه والمعتمر إذا انصرف بأثر سعيه وطوافه لم يكن عليه وداع ويستحب لمن بات بمكة بعد أن ودع أن يعيد الوداع حين خروجه ومن نسي طواف الإفاضة وقد ودع أجزأه وداعه عن إفاضته إذا بعد وإذا ارتد الرجل بعد أن حج ثم تاب عن ردته فعليه حجة أخرى وأجاز مالك حج الأغلف ولا بأس بأخذ إذخر الحرم والسناء للحلال والحرام وما جاز للحلال أن يفعله في شجر الحرم جاز للمحرم‏.‏

باب خطب الحج

 خطب الحج عند مالك وأصحابه ثلاث خطب كلها مسنونة أولها قبل يوم التروية بيوم وهو اليوم السابع من ذي الحجة يخطب فيه الإمام بمكة خطبة واحدة بعد الظهر ويعلمهم فيها المناسك والثانية يوم عرفة قبل الصلاة إذا سكت الموذن من الأذان بين يدي الإمام كما يفعل في الجمعة وهي خطبتان يفصل بينهما بجلوس وإن شاء أذن المؤذن حين يجلس الإمام من الخطبة الأولى فيها والثالثة بمنى يوم ثاني النحر وهو يوم القر يخطب بعد الظهر خطبة واحدة يعلمهم فيها بأن النفر الأول في اليوم الثاني من ذلك اليوم ولا خطبة عند مالك وأصحابه يوم النحر وعليه أكثر الناس‏.‏

وروي عن سعيد بن المسيب في خطبة الحج مثل قول مالك وكان الزهري يقول الخطبة الثالثة إنما كانت يوم النحر فأخرها الأمراء للشغل‏.‏

باب العمرة

 العمرة عند مالك وأصحابه غير مفترضة وهي عنده واجبة وجوب سنة لا يجوز لأحد قدر عليها تركها وهي أوكد من الوتر ومن أهل المدينة جماعة يرونها مفترضة كالحج وهو قول ابن عمر وابن عباس وجائز عملها قبل الحج ومعه وبعده في أشهر الحج وفي غيرها ومن كان حاجا مفردا لم يعتمر حتى يفرغ من حجه ولا يعتمر أحد من الحاج حتى تغرب الشمس من آخر أيام التشريق ولا بأس أن يهل أهل الآفاق في أيام التشريق بالعمرة‏.‏

وأما الحج فلا فإن رمى في آخر أيام التشريق وأحرم بعمرة بعد رميه وقبل غروب الشمس لزمه الإحرام لها ومضى فيها حتى يتمهى فإن اتمها قبل غروب الشمس لم تجزه فإن أحرم بها قبل رميه لم يلزمه عملها ولا قضاؤها عند مالك وكره مالك العمرة في السنة والواحدة مرارا وأجازها جماعة من علماء أهل المدينة وغيرهم وجائز عند مالك أن يعتمر في ذي الحجة وأخرى في المحرم وان قرب ما بينهما والعمرة من الميقات أفضل منها من الجعرانة والتنعيم ولا يجوز لمكي أن يحرم بعمرة حتى يخرج إلى الحل وعمل العمرة بعد الإحرام بها أن يلبي قاصدا إلى البيت فإذا أخذ في الطواف قطع التلبية وإن شاء قطعها إذا رأى البيت وإن شاء إذا دخل المسجد هذا كله لمن أحرم من التنعيم‏.‏

وأما من أحرم من الميقات أو الجعرانة فقد بينا وجوه ذلك فيما مضى من هذا الكتاب فإذا طاف سبعا وسعا سبعا على سنة الطواف والسعي على حسب ما قدمنا ذكره في الحج حلق رأسه وتمت عمرته وان قصر من شعره اجزأ ذلك عنه والحلاق أفضل وقد مضى من أحكام العمرة في باب وجوب الحج وباب التمتع ما فيه كفاية

كتاب الضحايا

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما‏.‏

باب وجوب الأضحية وعلى من تجب وما يجب فيها

 الأضحية عند مالك سنة تجب على كل من وجد سعة من الرجال والنساء الأحرار وهي من السنة المؤكدة التي يحمل الناس عليها ولا يسامحون في تركها كصلاة العيدين وشبهها وأهل الحاضرة والبادية والمقيم والمسافر في ذلك سواء إلا الحاج بمنى فإنهم لا ضحية عليهم وسنتهم الهدي وقال مالك الصدقة بثمن الضحية بمنى أحب إلي ويضحى عن اليتيم طفلا كان أو بالغا كما تخرج عنه زكاة الفطر ولا يضحى عن العبد ولا عليه أن يضحي عن نفسه ولا بأس أن يضحي الرجل عن أم ولده والضحية عند مالك مخالفة للهدي لأن الهدي يجب بالقول وبالتقليد وبالاشعار ولا تجب الضحية عنده إلا بالذبح خاصة إلا أن يوجبها بالقول قبل ذلك ومن مات يوم النحر قبل أن يضحي كانت ضحيته موروثة عنه كسائر ماله بخلاف الهدي ولو مات بعد ذبحها لم يرثها عنه ورثته وصنعوا بها من الأكل والصدقة ما كان له أن يصنع فيها ولا يقتسمون لحمها على سبيل الميراث وما أصاب الضحية قبل ذبحها من العيوب كان على صاحبها بدلها بخلاف الهدي أيضا ومن وجد بضحيته عيبا ردها واشترى بثمنها مثلها ولا يشتري بأقل من ذلك الثمن ولا بأس أن يبيع الرجل أضحيته ويشتري أفضل منها بأكثر من ثمنها ولا ينبغي أن ينقص منها شيئا هذا إذا لم يوجبها ومن أخرج ثمنا لأضحية وأوجبه لذلك فيستحب له أن لا يرد شيئا منه إلى ماله وان اخرجه بغير إيجاب وفضل منه فضل صنع به ما شاء ومن اشترى ضحية عجفاء فسمنت قبل الذبح اجزأت عنه ولو اشتراها سمينة فحدث بها عيب مفسد قبل أن يذبحها ولو بعد أن أضجعها للذبح لم تجز عنه وكان عليه بدلها أن قدر عليها وما عرض لها بعد تمام ذكاتها لم يضرها ومن ضاعت أضحيته فأبدلها ثم وجدها في أيام الذبح او بعدها فليس عليه ذبحها فإن ضاعت ولم يبدلها ووجدها في أيام الذبح ذبحها وان وجدها بعد ذلك فليس عليه ذبحها وهي ماله يصنع بها ما شاء ولا بأس أن يضحي الرجل عنه وعن أهل بيته بالشاة الواحدة وكذلك البقرة والبدنة وسواء كانوا عند مالك سبعة أو أكثر إذا كان هو منفردا بها ويشركهم في أجرها ولا يجوز عنده أن يشترك اثنان فما فوقهما في ضحية واحدة ولا في هدي واحد على أن يخرجوا الثمن من قبل أنفسهم ويقسموا اللحم على قدر ذلك وهذا الوجه الذي كرهه مالك أجازه أكثر العلماء من أهل المدينة وغيرهم إذا كانوا سبعة فما دونهم واشتركوا في بدنة أو بقرة وإن كانوا أكثر من سبعة لم يجز عن واحد منهم والشاة لا تجزي عندهم إلا عن واحد وإذا اشترى جماعة ضحايا فاختلطت فذبح كل واحد منهم أضحية جاز لهم أن يصطلحوا عليها ويقسموها ويضحي كل واحد منهم بالشاة التي تصير إليه وإن اختلطت فذبح كل واحد منهم ضحية غيره عن نفسه لم يجز ذلك عند مالك عن واحد منهم ويضمن كل واحد منهم ضحية صاحبه بقيمتها وكان على كل واحد منهم أن يضحى إن علم ذلك في أيام النحر‏.‏

باب سن الأضحية وأي الضحايا أفضل وما يتقى فيها من العيوب

 السن التي تجزأ في الضحايا الجذع من الضأن فما فوقه والثني فما فوقه من المعز والإبل والبقر والجذع من الضأن ابن عشرة أشهر إلى سنة ونحوها وأقل سن الجذع من الضأن ستة أشهر وما زاد عليها إلى العشر أبعد من الإشكال والثني من الضأن والمعز ما قد أثنى وهو ابن سنتين أو دخل في سنتين أو نحوها وكذلك البقر وقيل إذا دخل في السنة الثالثة فهو الثني من البقر وقيل إذا دخل في الرابعة والثني من الإبل ما قد ألقى ثنيته أيضا وهو ابن خمس سنين وقيل ست سنين وأفضل الضحايا عند مالك فحول الضأن ثم خصيانها ثم إناثها ثم فحول المعز ثم خصيانها ثم إناثها ثم البقر والإبل‏.‏

وأما في الهدايا فالإبل أفضل ثم البقر ثم المعز ثم الضان قال مالك الإبل في الهدايا أفضل ما تقرب به وعند غير مالك الهدايا والضحايا في ذلك سواء الإبل مقدمة في الفضل عندهم ثم البقر ثم الضأن ثم المعز والعفراء أفضل من السوداء إذا ساوتها في الثمن والسمن ولا خلاف أن الثني من الضأن أفضل من الجذع ويتقي في الضحايا من العيوب العوراء البين عورها والعرجاء البين عرجها وهي التي لا تلحق الغنم والمريضة البين مرضها والعجفاء التي لا تنقى وهي التي لا شحم لها ولا مخ في عظامها لهزالها والعيب اليسير في العين لا بأس به وجائز أن يضحى بالصغيرة الأذنين فإن كانت مخلوقة بغير أذنين لم تجز ولا بأس بالشق اليسير في الأذن وكذلك القطع اليسير كالميسم وشبهه والشق أهون من القطع فإن كان أكثر الأذن مقطوعا لم يجز والنصف عند أصحابه كثير ولا يحفظون عن مالك فيه حدا ويجيء على أصله أن ما زاد على ثلثه كثير ويخرج أيضا على أصله أن الثلث كثير وان حكم الثلث حكم ما فوقه ولا بأس عنده بالمثقوبة الأذن إذا كان ثقبا يسيرا وكذلك القطع والجدع إذا كان يسيرا ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يضحى بالشرقاء ولا بالخرقاء ولا بأعضب القرن والشرقاء المشقوقة الأذن كلها باثنين أو أكثر والخرقاء أن يكون في الأذن ثقب مستدير وفي الحديث النهي عن أن يضحى بالمقابلة والمدابرة وتلك نحو الشرقاء والخرقاء وقد قيل المقابلة أن يقطع من مقدم أذنها شيء ثم يترك معلقا لا يبين كأنها زنمة والمدابرة أن يصنع مثل ذلك يموخرة الأذن من الشاة والأعضب القرن إذا ذهب نصفه ولا بأس أن يضحى عند مالك بالشاة الهيماء إذا كان سقوط أسنانها من الكبر والهرم وكانت سمينة فإن كانت ساقطة الأسنان وهي فتية لم يجز أن يضحى بها لأنه عيب غير خفيف والنقصان كله مكروه إلا أنه لا بأس بالخصي الأجم وكره مالك المكسورة القرن إذا كان يدمى فإن لم يدم فهي مثل الجلحاء ولا بأس بها‏.‏

وأما الأبتر فإن كان مستأصل الذنب لم يجز أن يضحى به وإن كان القطع يسيرا كالطرف وشبهه فلا بأس به وإن قطع منه ثلثه أو أكثر لم يجز وقد قيل يجوز ما لم يكن لا ذنب له ولا تجوز الجرباء إذا كان لها مرضا لأنه يضر بلحمها ولا بأس بالبدنة المدبورة إذا كان خفيفا وإن كان دبرا بينا لم يجز ولا بأس أن يضحى بالشاة الثولاء إذا كانت سمينة والشاة الحمرة وهي التي بشمت من الأكل كالفرس إذا سنق من الشعير لا يجوز أن يصحى بها لأنه بين مرضها ومن وجد عيبا بضحيته بعد ذبحها كان عند البائع بها فإن كان عيبا يجوز معها أخذ أرشه وانتفع به وأجراه مجرى ضحيته ويستحب له أن يتصدق به فإن كان عيبا لا يجزئ معه صنع به ما شاء وأبدلها إن كان في أيام النحر‏.‏

باب وقت ذبح الضحايا

 أيام الذبح يوم النحر ويومان بعده وهي الأيام المعلومات وأولها أفضلها للذبائح فيه ضحيته ثم الثاني ثم الثالث ولا يضحى في اليوم الرابع عن مالك وأكثر أهل المدينة وقد روي عن بعضهم إجازة ذلك ولا يضحى بليل عند مالك وأصحابه فإن فعل لم تجزه عندهم ومن ذبح يوم النحر قبل الصلات لم تجزه وكذلك عند مالك إن ذبح بعد الصلاة قبل الإمام لم يجزه أيضا إلا أن يكون الإمام لم يذبح فيجزئه إن تحرى مقدرا ذبح الإمام ثم يذبح وإذا انصرفوا من المصلى جاز الذبح فيما قرب وبعد وأهل البوادي يتحرون أقرب القرى والمدن إليهم فيذبحون بعد ذبح الإمام الذي يليهم فإن تحروا فذبحوا قبل ذبح الإمام وبعد الصلاة فقد نجوا ولو كان ذلك قبل ذبح الإمام وبعد الصلاة أجزأهم وقد قيل عن مالك لا يجزئهم والأول تحصيل مذهبه‏.‏

باب العمل في الضحايا

 الأفضل في ذبح الضحية أن يباشر بالرجل ذبح ضحيته بيده ولا يأمر بذلك غيره فإن لم يفعل فلا حرج إذا ذبح له غيره بأمره وإذا كان له من يقوم بأمره كالابن والوكيل وذبح له بغير إذنه جاز ولو ذبح رجل ضحيته بغير إذنه ضمنها وغرم قيمتها ويبتاع بالقيمة ربها غيرها بدلا منها ولو غصبها رجل فذبحها عن نفسه ضمن قيمتها ولم تجز عنه ويستحب له إذا ولدت الضحية أن يذبح ولدها معها وليس ذلك بواجب عند مالك ولا يذبح الضحية ولا النسك كله إلا مسلم فإن ذبحها غير مسلم لم تجز وقد قيل تجزأ مع الكراهة وهو قول أشهب والأول تحصيل المذهب وبه أقول ويأكل الرجل من أضحيته ويطعم الفقراء والأغنياء إن شاء نيا ومطبوخا ولا يطعم منها إلا مسلما وليس لما يطعم منها ويتصدق به ولا لما يأكل حد عند مالك وقد بينا في كتاب التمهيد هذا المعنى عند قوله صل الله عليه وسلم كلوا وتصدقوا وادخروا ولا بأس بالانتفاع بجلود الضحايا ولا يباع شئ منها ولا يبادل لحمها بغيره ولا يعطى في دباغ جلدها شيء منها ولا يعطى الجازر شيئا من لحمها على ذبحها وسلخها فان باع الجلد تصدق بثمنه وينبغي أن يعلم الرأس بعلامة لئلا يختلط في الفرن فان اختلطا فليحلل كل واحد منهما صاحبه مما صار من فضل ذلك إليه ولا ضمان عله ولا بأس بشرب لبن الضحية ما لم يضر بها بعد ري ولدها ويستحب له أن لا يجز صوفها حتى يذبحها‏.‏

باب العقيقة

 العقيقة سنة مرغوب فيها ومعناه الذبح عن المولود يوم سابعه ما يجوز ضحية من الأزواج الثمانية ولا تكون من الوحش ولا من الطير وقد قيل عن مالك إنها لا تكون إلا من الغنم دون الإبل والبقر ويتصدق بلحمها ويؤكل منها كحكم الضحايا واختلف عن مالك أيهما أوكد في السنة الضحية أو العقيقة فروي عنه الضحية‏.‏

وروي عنه العقيقة أوكد وكلاهما عندي سواء لأنها من شرائع الإسلام فعلهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بهما وأقرهما‏.‏

وروى عنه معن بن عيسى فيمن كان سابع ابنه يوم النحر أنه أحب إليه أن يعق عنه ويترك الضحية وكان مالك لا يعتد باليوم الذي يولد فيه المولود في أيام أسبوعه إلا أن يولد قبل الفجر وإلا ألغى ذلك اليوم وكان يستحب أن يسمي الصبي يوم السابع قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الغلام مرتهن بعقيقته يذبح عنه يوم سابعه ويسمى وقد أوضحنا معاني هذا الباب في كتاب التمهيد والحمد لله ولا عقيقة بعد يوم السابع وهو الأشهر عن مالك وقد روى أنه يعق عنه في سابع ثان إذا عاق عن الأول عائق ويعق عن الغلام وعن الجارية بشاة شاة عن كل واحد منهما هما عند مالك في ذلك سواء ولو عق عن الغلام بشاتين وعن الجارية بشاة كان حسنا وسواء كانت الشاة ذكرا أو أنثى وحلق رأس المولود والصدقة يوزن شعره فضة أو ذهبا لمن لا يقدر على العقيقة حسن وليس يواجب ولا سنة وتذبح العقيقية في صدر النهار ومن ذبحها ليلا كان كمن ذبح ضحيتة ليلا عند ابن القاسم وغيره يكره ذلك ويجيزه ويتقى فيها من العيوب ما يتقى في الضحية ويوكل منها ويطعم ولا بأس بكسر عظمها ولا يلطخ الصبي بشئ من دمها والحكم فيها أن يهدي إلى الجيران منها نيا ومطبوخا وهذا أفضل من الني ولا يطعم منها ولا من الضحايا كافر ولو دعا الناس إليها من غير مباهاة لم يكن بذلك بأس

كتاب الذبائح

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى اله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما‏.‏

باب الذكاة وحكمها

 كل مقدور عليه يجوز ذبحه صنفان أحدهما حكمه الذبح والآخر حكمه النحر والذبح أن يقطع الحلقوم والودجان ولا يراعي مالك قطع المرئ وإن قطع الودجين وأكثر الحلقوم أجزأ عند أكثر أصحاب مالك ومن لم يجز على ذلك ورفع يده قبل تمام بلوغ الذكاة ثم رجع في الفور فأكمل الذكاة أجزأه وقيل لا يجزئه والأول أصح لأنه جرحها ثم ذكاها بعد وحياتها مستجمعة فيها وينبغي أن تكون القلصمة إلى الرأس فإن لم تكن فلا بأس والنحر والطعن في اللبة ولو ذبح ما السنة في ذكاته النحر أو نحر ما السنة في ذكاته الذبح من غير ضرورة لم يؤكل كراهية لا تحريما فإن كان من ضرورة فلا بأس به وقال عبد العزيز بن أبي سلمة وجماعة من أهل المدينة وغيرهم إن ذلك جائز من غير ضرورة ولا بأس أن تنحر البقر وأن تذبح من ضرورة وغير ضرورة والاختيار الذبح‏.‏

وأما الغنم فلا تنحر إلا على ما ذكرنا وكذلك الإبل لا تذبح إلا على ما وصفنا ومن نسي أن يسمي على الذبيحة لم يضره ذلك ولا بأس بأكلها وإن ترك التسمية عامدا لم تؤكل عند مالك ومن أهل المدينة وغيرهم من قال لا يضر المسلم ترك التسمية عامدا ولا ناسيا لأنه ذبح بملته ودينه إلا ترى أن المجوسي لو سمى لم ينفع ذلك شيئا ومن ذبح حيوانا من قفاه لم يؤكل وذكاة الذبيحة ذكاة لجنينها إذا لم يدرك حيا وكان قد نبت شعره وتم خلقه فإن لم يتم خلقه ولم ينبت شعره لم يؤكل إلا أن يدرك حيا فيذكى ومن استوحش من الإنسي لم يجز في ذكاته إلا ما يجوز في ذكاة الإنسي وكذلك المتردي في البئر لا تكون الذكاة فيه إلا فيمن بين الحلق واللبة على سنة الذكاة وقد خالف في هاتين المسألتين بعض أهل المدينة وغيرهم والصحيح في ذلك ما ذهب إليه مالك‏.‏

وأما المتردية والنطيحة والموقودة وأكيلة السبع فإن كل واحدة من هذه إذا ذكيت وعينها تطرف ونفسها تجري وقد حركت يدا أو ذنبا أو رجلا وحياتها مجتمعة جازت فيه الذكاة وذلك ما لم تنتقض بينتها مثل أن تنخع فيظهر نخاعها أو تنتشر أحشاؤها أو يقطع صلبها أو موضع الذكاة منها السبع وفي هذه المسألة خلاف كبير لأصحابنا وغيرهم وهذا هو الصحيح في ذلك عن مالك ومن يرضى قوله من أهل العلم في ذلك ولم يختلف العلماء في المريضة يبلغ منها المرض مبلغا لا يرجى معه لها بقاء أنها تؤكل إذا ذكيت وفيها حياة قال ابن القاسم عن مالك إذا ذكيت المريضة ونفسها تجر وإن كما لا يرجى أن تعيش فلا بأس بها وذكر ابن وهب في موطئه قال قال مالك في شاة تردت فكسرت وأدركها صاحبها وهي تتحرك فذبحها فسال الدم ولم تتحرك قال أرى ان كان صاحبها ذبحها ونفسه تجر وهي تطرف أن يأكلها ويستحب للمسلم أن يستقبل بذبيحته القبلة ومن ذبح إلى غير القبلة فلا شئ عليه‏.‏

باب ما يجوز أن يذبح به

 كل شئ يذبح مما له حد يمر في اللحوم مرور الحديد وينهر الدم جاز أكل ما ذبح به إلا الظفر والسن فإن ذلك خنق والمعنى في ذلك إذا لم يكونا منزوعين فإذا كان ذلك لم تقع بهما ذكاة واختلف في العظم فقيل لا تقع به ذكاة على حال لنهي الوارد في ذلك عن النبي عليه السلام وقيل إنه مكروه ويجوز على كراهيته وقيل لا بأس أن يذكي بالعظم إن كان يفري

باب من تجوز ذبيحته

لا تجوز ذبيحة غير المسلمين وأهل الكتاب ولا تؤكل ذبيحة المربد وان تهود أو تنصر والمجوس وأهل الأوثان وسائر الكفار غير اليهود والنصارى سواء في تحريم ذبائحهم ولا تؤكل ذبيحة السكران ولا من لا يعقل وقد قيل ذلك مكروه ولا يبلغ به مبلغ ما ذبح المرتد وكل من أطاق الذبح وجاء به على سنته من ذكر أو أنثى بالغ أو غير بالغ جاز ذبحه إذا كان مسلما أو كتابيا ويستحب أن لا يذبح إلا من ترضى حاله وذبح المسلم أفضل وأولى من ذبح الكتابي ولا يذبح نسكا إلا مسلم فإن ذبح النسك كتابي فقد اختلف فيه ولا يجوز في تحصيل المذهب وقد أجازه أشهب وقد ذكرنا حكم ما ذبحه المحرم في كتاب الحج ومن تعدى ممن يجوز أكل ذبيحته فذبح ما لا يملك كالسارق والغاصب لم يحرم أكل ما ذبح وعليه ضمانه وقد قيل عليه غرم ما نقصه الذبح وقيل إن المغصوب منه والمسروق منه مخير إن شاء ضمنه قيمة الذبح حيا وأسلم إليه المذبوح وإن شاء ضمنه ما نقص الذبح وأخذ المذبوح

كتاب الصيد

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما‏.‏

باب ما يجوز أن يصطاد به من الجوارح المكلبة والسلاح القاطعة ومن يجوز صيده

 الجوارح التي يجوز أن يصاد بها الكلب والفهد والباز والشوذنيق والرخم والعقاب والشاهين وسائر الصقور ومن أشبهها من سباع الطير ولا يجوز صيد جارحة ليس معلما ولا صيد معلم شركة غير معلم إلا أن تدرك ذكاته ولا يضر أكل المعلم من الصيد عند مالك وأكثر أهل المدينة وجائز عندهم أكل ما أكل منه الكلب المعلم من الصيد ولو لم تبق إلا بضعة واحدة وتعليمه عندهم أن يشلى فيشتلي ويزجر فينزجر ويرسل فيسترسل ويطيع إذا نبه ويسارع إذا صيح عليه ويتكرر منه ذلك كله حتى يعلم منه أنه قد فهم وتعلم فهذا حد التعليم لا ماسواه وليس بأن لا يأكل والباز في ذلك والكلب سواء ومن اصطاد المعلم بغير إرسال فلا يؤكل إلا إن يدرك ذكاته وكل ما صاد به الإنسان من جميع السلاح والسيوف والسهام والرماح وكل ما له حد من الحديد وغيره إذا كان قاطعا نافذا للمقاتل فالذكاة واقعة به أين ما ضرب الصيد منه إذا أصاب له مقتلا وسمى الله عليه في حين رميه إياه وكل ما مات بقتل السهم وسائر السلاح جائز أكله لأن الضرب بالسلاح وإرسال السهم الذي ينفذ المقاتل كمباشرة الذابح للذبح وهذا كله في الممتنع المستوحش غير المقدور عليه فأما المقدور عليه المتمكن به فقد مضى حكمه في الذبائح ولا يؤكل من صيد الحبالة والفخ والشرك والبندقية إلا ما أدركت ذكاته والحجر كالبندقية إذا رض ودق فإن كان له حد فجرح بحده وقتل جاز أكل ما قتل وكذلك ما أصاب المعراض بعرضه لم يجز أكله إلا أن تدرك ذكاته ومن نسي التسمية على الإرسال فهو كمن نسيها على الذبح وكذلك من تعمد كمتعمده على الذبيحة وقد مضى ذكره في الذبائح ومن جاز أكل ذبيحته جاز أكل صيده بجارحه وسلاحه ولا يؤكل من صيد من لا تؤكل ذبيحته إلا ما أدركت ذكاته‏.‏

باب جامع في الصيد

 من رمى صيدا فوقع في الماء أو تردى من جبل أو رماه في الهواء فوقع في الأرض فإن كان قد أصاب مقاتله وأنفذها قبل أن يقع إلى الأرض أو قبل أن يتردى أو يقع في الماء فقد تمت ذكاته لأن ما بلغ منه مبلغ الذبح لم يضره ما ناله بعد وإن كان لم ينفذ مقاتله فلا يؤكل إلا أن تدرك ذكاته ومن شك فيه من ذلك لم يؤكل وما ضرب من الصيد فقطع بنصفين أو بأن رأسه أكل جميعه وأكل الرأس والبدن وإن قطع يده أو رجله ومات من ذلك أكل كله حاشا يده أو رجله وقد روي عن مالك وغيره من أهل المدينة أنه يؤكل جميعه قليلة وكثيرة لأن الضربة البينة الاصطياد ذكاة له وما قطع من حي فهو ميتة إذا عاش ذلك الحي أو لم يكن صيدا وكره مالك أكل صيد أهل الكتاب ولم يحرمه لقول الله عز وجل تناله أيديكم ورماحكم المائدة يعنى أهل الإيمان وهو عند جمهور أهل العلم مثل ذبائحهم ولا بأس بالاصطياد بكلب المجوس ومن أرسل كلبه فغاب عنه أو أرسل سهمه ولم يره ثم وجد الكلب أو السهم قد أنفذ مقاتل الصيد فلا بأس بأكله ما لم يبت خوفا من أن يكون أعان عليه بعض دواب الأرض وقد قيل إن غاب عنه طويلا فلا يأكله سواء بات عنه أو لم يبت وهذا قول من قال كل ما أصميت ودع ما أنميت وقد قيل يأكله وإن بات عنه إذا أصاب سهمه أو كلبه قد أنفذ مقاتله وهذا هو المعمول به في تحصيل المذهب ولو أرسل كلبه على صيد فأخذ منها واحدا وقتله جاز أكله وإذا عدل الكلب في إرساله عن الصيد إلى جيفه رآها ثم اندفع بعد ذلك من قبل نفسه دون ان يشليه مرسله لم يجز أكل ما قتل إذا كان بعد حين وإذا كان عدوله يسيرا كضرب من طلبه للصيد لم يضره وإذا انفلت الكلب في طلب الصيد فأشلاه صاحبه بعد ذلك أو زجره فلا يأكل ما صاده وقد قيل إذا أشلاه بعد حروجه فانشلى وسمى عليه جاز أكل صيده والأول قول مالك ومن رأى شيئا يظنه خنزيرا أو سبعا فرمي على أنه خنزير فقتله فإذا هو صيد لم يؤكل ومن أخذ من أفواه الكلاب حيا من الصيد قد عقرته الكلاب فلم تدرك ذكاته من غير تقصير حتى مات فإنه يؤكل إلا أن يفرط في ذكاته فإنه لا يؤكل وما صيد بالسهم المسموم لم يؤكل إلا أن يكون السهم بذاته قتله وأنفذ مقاتله فإن أنفذ مقاتله السهم قبل أن يسري السم فيه جاز أكله إلا أنه يكره أكله خوفا من داء السم فإن أشكل امره وجب الكف عنه ولا يؤكل إلا أن يصح أن السهم قتله دون السم وما لم تنب فيه الكلاب وتجرحه لم يؤكل وقد قيل يؤكل إذا مات من صدمة الكلب وإن لم ينب فيه ولم يجرحه وهو قول أشهب وقد روي عن مالك ذلك وإذا ند البعير فلم يقدر على أخذه أو نحره أو ذبحه بين الحلق واللبة فيذكي لم يؤكل عند مالك وأصحابه وعند سائر أهل العلم إذا استوحش المستأنس وند وامتنع جاز قتله بما يجوز به قتل الصيد وإذا أرسل رجلان كلبين فاشتركا في قتل صيد كان بينهما وإذا نفذ أحدهما مقاتله قبل إدراك الآخر له فهو للأول الذي قتله دون الثاني ولو أخذ رجل صيدا ثم افلت منه فصاده غيره فهو للأول إلا أن يلحق بالوحش ويمنتع فيكون لمن صاده ثانية ومن وقع في الفخ والحبالة فلربها فإن الجأ الصيد إليها أحد ولولاها لم يتهيأ له اخذها فربها فيه شريكه ومن وقع في الجيح المنصوب في الجبل من ذناب النحل فهو كالحبالة والفخ وحمام الأبرجة ترد على أهلها ان أستطيع على ذلك وكذلك نحل الجياح وقد روي عنه وقاله بعض أصحابه وليس على من حصل الحمام أو النحل عنده أن يرده وإن وقعت سمكة في سفينة فهي لآخذها دون رب السفينة وليس لصاحب البركة والغدير أن يمنع من صيد سمكها إلا أن يكون قد حظر عليها ولو ألجأت الكلاب صيدا فدخل في بيت أحد أو داره فهو للصائد ومرسل الكلاب دون صاحب البيت وإن دخل في البيت من غير اضطرار الكلاب له فهو لرب البيت

كتاب الأطعمة

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما‏.‏

باب ما يحل أكله من الحيوان وما لا يحل منه

 لا يحل أكل الحمار الأهلي ولا تعمل الذكاة فيه للحمه ولا لجلده ولا بد لمن أراد تطهير جلده من دباغه ولا يؤكل عند مالك الحمار الوحشي إذا استأنس وعمل عليه وركب لأنه قد صار أهليا وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل لحوم الحمر الأهلية وهو عند مالك على اصله لا بأس بأكله وكما يؤكل الإنسي لو توحش فكذلك لايمتنع من أكل الوحشي إذا تأنس ولا تؤكل الخيل عند مالك كراهية لا تحريما ولا يجوز أكل البغال كما لا يجوز أكل الحمر ولا يؤكل الفيل ولا الفأر ولا الوزغ ولا يجوز أكل ذي ناب من السباع وكل ما افترس وأكل اللحم فهو سبع هذا هو المشهور عن مالك وقد روي عنه أنه لا بأس بأكل الثعلب والوبر ولم يجعلهما مثل الأسد والذئب والفهد والنمر والضبع ولا يجوز أكل الهر وحشيا ولا إنسيا وجائز أكل الأرنب ولا بأس عند مالك بأكل الطير كله سباعها وغير سباعها ما كان منها يأكل الجيف وما لم يأكلا ذا مخلب كان او غير ذي مخلب ولا بأس بأكل الضب واليربوع والورل وجائز عند مالك اكل الحيات إذا ذكيت وكذلك الأفاعي والعظاية والقنفذ والضفدع ومن نعلماء المدينة جماعة لا يجيزون أكل سباع الطير ولا ما أكل الجيف منها ولا الجلالة من الدواب وغيرها ولا أكل شئ من خشاش الأرض وهوامها مثل الحيات والأوزاغ والفار وما أشبهه وكل ما يجوز قتله فلا يجوز عند هولاء أكله ولا تعمل الذكاة عندهم فيه وهو قول أشهب وعروة وجماعة من المدنيين وغيرهم ولا بأس بأكل ميت الحيتان طافيا أو راسبا وصيد البحر كله حلال إلا أن مالكا يكره خنزير الماء لا سمه وكذلك كلب الماء عنده ولا بأس بأكل السرطان والسلحفاة والضفدع ولا يضر صيد المجوس للحيتان لأنها لا يحتاج إلى ذكاتها ولا يؤكل عند مالك من الجراد ما مات حتف أنفه وإنما يؤكل منه عنده ما حصل موته بفعل آدمي أو معالجته كقطعه أو طرحه في النار ونحو ذلك وغير مالك يجيز أكل الجراد كيف ما مات وحكمه عندهم حكم الحيتان‏.‏

باب ما يحل من طعام أهل الكتاب وغيرهم من أهل الكفر

 الذي يحل لنا من طعام أهل الكتاب ذبائحهم وما لا يحرم علينا من سائر طعامهم غير الذبائح مما يحتاج إلى زكاة وقد كان مالك يكره ما ذبحوه إذا وجد ما ذبحه المسلم وكره أن تكون لهم أسواق يبيعون فيها ما يذبحون وهذا منه رحمه الله تنزه وكذلك ينبغي أن يتنزه عن ذبائح اليهودي والنصراني مع وجود ذبائح المسلمين ألا ترى أنه لا يجوز لكتابي أن يذبح نسكا لمسلم والأصل أن ذبائح أهل الكتاب حلال وذلك ما لا يختلف فيه لقول الله تبارك وتعالى وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم المائدة وتأويله عند أهل العلم ذبائحهم‏.‏

وأما ما حرم علينا من طعامهم فليس بداخل تحت عموم الخطاب وكره مالك شحوم اليهود واكل ما نحروا من الإبل وسائر كل ذي ظفر واكثر أهل العلم لا يرون بذلك بأسا ولا بأس بأكل طعام عبدة الأوثان المشركين والمجوس وسائر من لا كتاب له من الكفار ما لم يكن من ذبائحهم ولم يحتج إلى ذكاة إلا الجبن لما فيه من أبقحة الميتة وإذا كان أب الصبي مجوسيا وأمه كتابية فحكمه حكم أبيه عند مالك وعند غيره لا تؤكل ذبيحة الصبي إن كان أحد أبويه ممن لا تجوز ذبيحته وكره مالك ما صنعه الكفار لأعيادهم من الطعام وخشي أن يكون مما أهل لغير الله به ولا بأس بالشرب في آنية الكفار كلهم إذا غسلت ونظفت ما لم تكن ذهبا أو فضة أو جلد خنزير وأجاز مالك وجماعة من أهل العلم سعة الانتفاع بشعر الخنزير في الخرز وغيره وأجمع المسلمون على تحريم لحمه وشحمه وكل شئ منه ما عدا الانتفاع بشعر أنثاه وذكره‏.‏

باب حكم الميتة

 أكل كل ميتة من حيوان البر حرام إلا عند الاضطرار إليها لخوف ذهاب النفس وجائز عند مالك للمضطر أن يشبع من الميتة ويتزود منها لحاجة إليها حتى يجد الذكي او غيره من الطعام الحلال فيحرم عليه ما بيده منها وغيره لا يجيز له منها إلا ما يحبس رمقه ويرد نفسه لأنه من كان في حاله تلك لم تحل له أولا ومن كان في سفر معصية واضطر إلى الميتة لم يأكلها حتى يفارق المعصية وقد قيل يأكلها إذا خشي ذهاب نفسه والميتة عند مالك أحل للمضطر المحرم من قتل الصيد في الحرم أو في الإحرام وأكله إلا أن تكون الميتة متغيرة الرائحة يخاف على نفسه منها فيصطاد حينئذ في الحرم ويأكل ما يمسك به نفسه على حكم الميتة عنده على ما قدمنا ذكره عنه ومن وجد ميتة ومالا لغيره لم يحل له أكل الميتة إلا أن يخشى أن تقطع يده فإن لم يخف ذلك اكل من مال غيره وضمنه إذا أيسر وقد قيل لا ضمان عليه فيما اضطر إليه والصواب وجوب الضمان عليه كما لو اضطر إلى لقطة عنده فأكلها قبل مرور الحول وما كان مثلها ضمنها ولا يشرب المضطر خمرا ولا يتعالج أحد بالخمر ولا بشئ من النجاسات كلها وإذا اختنق الإنسان أو كانت في حلقه غصة ولم يجد ماء ولا مائعا حلالا فجائز له شرب الخمر ليدفع بها تلك الغصة وهذه مسألة أبي الفرج القاضي من روايته وهي محفوظة له ولا تؤكل بيضة أخرجت من دجاجة ميتة وكذلك لبن الميتة لأنه في ظروف نجس لأنه يموت بموت الشاة وإذا سلق بيض فوجد في بعضها فرخ لم يؤكل منه شئ لأنه نجس كله وإذا وجد في البيضة دم حرم أكلها وإذا وقعت ميتة أو شئ من النجاسات في طعام أو شراب أو مات فيه حيوان له دم فإن كان الطعام أو الشراب جامدا طرحت الميتة والنجاسات وما حولها وانتفع بباقيه وإن كان ذائبا أريق كله وإن كان زيتا فلا بأس باستعماله في الصابون للغسل ولا بأس بالاستصباح به في غير المساجد ولا يجوز أكله ولا بيعه ولا تطهر الأدهان النجسة بغسلها وهذا تحصيل مذهب مالك وطائفة من المدنيين ومنهم من أجاز غسل البان النجس والزيت النجس وليس لقائل ذلك سلف وجائز أن يعلف الدواب نجس الطعم إذا كانت منها مما لا يؤكل لحمه ولا بأس بالانتفاع بشعر الميت وصوفها ولا يجوز الانتفاع بريشها ولا عصبها ولا عظمها ومن أهل المدينة من يجيز الانتفاع بمداس العاج وأمشاطه منهم عروة وابن شهاب وتحصيل مذهب مالك كراهية ذلك وجلود الميتة نجسة وهي بعد الدباغ طاهرة إلا أن مالكا يجعل طهارتها مخصوصة بالانتفاع بها واستعمالها في اليابسات وفي الماء وحده دون سائر المائعات وكان يكره في خاصة نفسه استعمالها في الماء ولم يضيق ذلك على غيره ولا يجوز عنده بيعها ولا الصلاة عليها‏.‏

وأما غيره من أهل المدينة فإنه يذهب في طهارة جلود الميتة إذا دبغت إلى أنها طاهرة كاملة في كل شئ من البيع واستعمالها في الماء وغيره وعلى هذا أكثر أهل العلم وإليه ذهب عبد الله بن وهب لعموم قول النبي عليه السلام أيما إهاب دبغ فقد طهر وما يؤكل لحمه ما لا يؤكل سواء في طهارة جلده بالدباغ عند مالك وأكثر أصحابه

كتاب الأشربة

الخمر شراب العنب المسكر وكل شراب أسكر كثيره أو قليله فهو خمر وكثيره وقليله حرام من جميع الأشربة وهو قول جماعة من أهل الحجاز والشام وما خالف هذا القول باطل بالسنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم لقوله وقد سئل عن البتع وهو شراب العسل فقال كل شراب أسكر فهو حرام وقال صلى الله عليه وسلم كل مسكر خمر وكل خمر حرام وقال عليه السلام ما أسكر كثيره فقليله حرام وقال ما أسكر منه الفرق فملء الكف منه حرام والذي يحل من الأشربة ما لا يسكر كثيره من عصير العنب وغيره ولا بأس بشرب العصير ما لم يغل ولا بأس به إذا طبخ طبخا لا يسكر بعده الكثير منه ولا ينبغي أن ينقص طبخه من ذهاب الثلثين وكل شراب لا يسكر منه فهو مباح ما لم تكن عليه معاقرة فإن كانت هناك معاقرة لم يجز والمعاقرة عند جماعة من أهل العلم مكروهة كراهية شديدة على الشراب المباح وعلى غير المباح حرام ولا يخلل أحد خمرا فإن خللها فبئس ما فعل وليستغفر الله وليأكلها إن شاء وقد قيل لا يأكلها إلا أن تعود خلا بغير صنيع آدمي وهو الأشهر عن مالك وهو قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه وبه أقول وقد قيل إنها حرام إذا خللها الآدمي إلا أن يكون نصرانيا ولا يجمع التمر والزبيب بنبيذ ولا يخلط نبيذ تمر ونبيذ زبيب والخليطان من جميع الأشربة التي يصنعها الناس لا يجوز شربها إلا أنه لا يحد شاربها إذا لم يسكر الكثير منها وسيأتي ذكر حد الخمر في كتاب الحدود إن شاء الله والنهى عن الخليطين لم يجئ مجئ تحريم المسكر فلهذا صار شرب الخليطين مكروها من غير تحريم وصفة الخليطين أن يجمع بين نوعين يحتمل كل واحد منهما ان ينبذ عل حدته وذلك انه إذا جمع بينهما أسرعت الشدة إلى ذلك الشراب والنهي عن ذلك كالنهي عن الانتباذ في الأوعية الضاربة وقد كره مالك أن يخلط من الأنبذة ما قد نبذ مفترقا كنبيذ تمر ونبيذ زبيب يجعلان في إناء واحد ثم يشربان معا وكان يكره إذا خلطا للخل أيضا وكل صنفين من التمر والزبيب إذا خلطا في الانتباذ فهما خليطان كالزبيب الاحمر والأسود والتمر الصيحاني والعجوة والبسر المطرق ولا بأس بشرب البتع إذا لم يسكر كثيرة وقد قيل فيه إنه من الخليطين والأول قول مالك وكره مالك الانتباذ في الدباء والمزفت دون غيرهما من الأوعية وغيره من العلماء يخالفه فيجيز الانتباذ في كل وعاء لمن شربه حلوا حلالا ولا يحل لمسلم أن يملك خمرا ولا شرابا مسكرا ويراق عليه وتكسر ظروفها عنده أدبا له ويعاقب بقدر ما يعلم منه إلا أن يشربها فيضرب الحد تاما ثمانين جلدة ومن أسلم وعنده خمر أريقت عليه ولم يعاقب إلا أن يتقدم في ذلك إليه ولا يحل لمسلم أن يؤاجر نفسه أو دابته في شئ من عمل الخمر فإن فعل تصدق بذلك وليستغفر الله‏.‏

باب مختصر القول في المكاسب

 من المكاسب المجتمع على تحريمها الربا ومهور البغاء والسحت والرشاوي وأخذ الأجرة على النياحة والغناء وعلى الكهانة وادعاء الغيب وأخبار السماء وعلى الرمز واللعب والباطل كله ومن كسب الحرام المجتمع عليه أيضا الغصب والسرقة وكل ما لا تطيب به نفس مالكه من مال مسلم أو ذمي وهو ما يستباح الناس قتله وينبغي للمسلم أن يجتنب الشبهات فإن فعل ذلك فقد استبرأ لدينه ولا يقطع بتحريم شئ من الشبهات إلا بما بان تحريمه وارتفعت الشبهة فيه والورع عنه مع ذلك أفضل وأقرب للتقوى ولو بايع رجل رجلا ممن يتهم بمال حرام لم يفسخ بيعه إلا ان يكون البيع وقع على شئ بعينه يعرف أنه حرام فإن كان ذلك فسخ البيع فيه ولا بأس بأكل طعام من ماله حلال وحرام وإذا كان الأغلب منه الحرام وجب اجتنابه في الورع ولا يقطع أنه حرام إلا أن يعرف شئ بعينه حراما وكسب الحجام ليس بحرام لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاه على ذلك ولا يعطيه حراما واختلاف الآثار فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم يدل على أن فيه بعض الدناءة