فصل: ذكر وقعة مرج راهط وقتل الضحاك والنعمان بن بشير:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكامل في التاريخ (نسخة منقحة)



.ذكر خلاف أهل الري:

في هذه السنة بعد موت يزيد خالف أهل الري، وكان عليهم الفرخان الرازي، فوجه إليهم عامر بن مسعود، وهو أمير الكوفة، محمد بن عمير بن عطارد بن حاجب بن زرارة بن عدس التميمي، فلقيه أهل الري، فانهزم محمد، فبعث إليهم عامرٌ عتاب بن ورقاء الرياحي التميمي، فاقتتلوا قتالاً شديداً فقتل الفرخان وانهزم المشركون، وكان هذا محمد بن عمير مع علي بصفين على تميم الكوفة، ثم عاش بعد ذلك، فلما ولي الحجاج الكوفة فارقها وسار إلى الشام لكراهته ولاية الحجاج.

.ذكر بيعة مروان بن الحكم:

في هذه السنة بويع مروان بن الحكم بالشام.
وكان السبب فيها أن ابن الزبير لما بويع له بالخلافة ولى عبيدة بن الزبير المدينة، وعبد الرحمن بن جحدم الفهري مصر، وأخرج بني أمية ومروان بن الحكم إلى الشام، وعبد الملك بن مروان يومئذٍ ابن ثمان وعشرين سنة، فلما قدم الحصين بن نمير ومن معه إلى الشام أخبر مروان بما كان بينه وبين ابن الزبير، وقال له ولبني أمية: نراكم في اختلاط فأقيموا أميركم قبل أن يدخل عليكم شأمكم فتكون فتنة عمياء صماء. وكان من رأي مروان أن يسير إلى ابن الزبير فيبايعه بالخلافة، فقدم ابن زياد من العراق، وبلغه ما يريد مروان أن يفعل، فقال له: قد استحييت لك من ذلك، أنت كبير قريش وسيدها تمضي إلى أبي خبيب فتبايعه، يعني ابن الزبير، لأنه كان يكنى بابنه خبيب! فقال: ما فات شيء بعد، فقام معه بنو أمية ومواليهم وتجمع إليه أهل اليمن فسار إلى دمشق وهو يقول: ما فات شيء بعد، فقدم دمشق والضحاك بن قيس قد بايعه أهلها على أن يصلي بهم ويقيم لهم أمرهم حتى يجتمع الناس، وهو يدعو إلى ابن الزبير سراً.
وكان زفر بن الحارث الكلائي بقنسرين يبايع لابن الزبير، والنعمان بن بشير بحمص يبايع له أيضاً، وكان حسان بن مالك بن بحدل الكلبي بفلسطين عاملاً لمعاوية ولابنه يزيد وهو يريد بني أمية، فسار إلى الأردن واستخلف على فلسطين روح بن زنباع الجذامي، فثار ناتل بن قيس بروح فأخرجه من فلسطين وبايع لابن الزبير.
وكان حسان في الأردن يدعو إلى بني أمية، فقال لأهل الأردن: ما شهادتكم على ابن الزبير وقتلى الحرة؟ قالوا: نشهد أنه منافق وأن قتلى الحرة في النار. قال: فما شهادتكم على يزيد وقتلاكم بالحرة؟ قالوا: نشهد أنه على الحق وأن قتلانا في الجنة. قال: فأنا أشهد لئن كان يزيد وشيعته على حق إنهم اليوم على حق، ولئن كان ابن الزبير وشيعته على باطل إنهم اليوم عليه. فقالوا له: صدقت، نحن نبايعك على أن نقاتل من خالفك وأطاع ابن الزبير على أن تجنبنا هذين الغلامين، يعنون ابني يزيد عبد الله وخالداً، فإنا نكره أن يأتينا الناس بشيخ ونأتيهم بصبي.
وكتب حسان إلى الضحاك كتاباً يعظم فيه حق بني أمية وحسن بلائهم عنده ويذم ابن الزبير وأنه خلع خليفتين، وأمره أن يقرأ كتابه على الناس، وكتب كتاباً آخر وسلمه إلى الرسول، واسمه باغضة، وقال له: إن قرأ كتابي على الناس وإلا فاقرأ هذا الكتاب عليهم. وكتب حسان إلى بني أمية يأمرهم أن يحضروا ذلك، فقدم باغضة فدفع كتاب الضحاك إليه وكتاب بني أمية إليهم، فلما كانت الجمعة صعد الضحاك المنبر، فقال له باغضة ليقرأ كتاب حسان على الناس. فقال له الضحاك: اجلس، فقام إليه الثانية والثالثة وهو يقول له: اجلس، فأخرج باغضة الكتاب وقرأه على الناس، فقال الوليد بن عتبة بن أبي سفيان: صدق حسان وكذب ابن الزبير، وشتمه.
وقيل: كان الوليد قد مات بعد موت معاوية بن يزيد وقام يزيد بن أبي الغمس الغساني وسفيان بن الأبرد الكلبي فصدقا حساناً وشتما ابن الزبير، وقام عمرو بن يزيد الحكمي فشتم حساناً وأثنى على ابن الزبير، فأمر الضحاك بالوليد ويزيد بن أبي الغمس وسفيان فحبسوا، وجال الناس ووثبت كلب على عمرو بن يزيد الحكمي فضربوه ومزقوا ثيابه، وقام خالد بن يزيد فصعد مرقاتين من المنبر وسكن الناس، ونزل الضحاك فصلى الجمعة ودخل القصر. فجاءت كلب فأخرجوا سفيان، وجاءت غسان فأخرجوا يزيد، وجاء خالد بن يزيد وأخوه عبد الله معهما أخوالهما من كلب فأخرجوا الوليد بن عتبة، وكان أهل الشام يسمون ذلك اليوم يوم جيرون الأول.
ثم خرج الضحاك إلى المسجد فجلس فيه وذكر يزيد بن معاوية فسبه، فقام إليه شاب من كلب فضربه بعصا، فقام الناس بعضهم إلى بعض فاقتتلوا، قيس تدعو إلى ابن الزبير ونصرة الضحاك، وكلب تدعو إلى بني أمية ثم إلى خالد بن يزيد لأنه ابن أختهم.
ودخل الضحاك دار الإمارة ولم يخرج من الغد إلى صلاة الفجر، وبعث إلى بني أمية فاعتذر إليهم وأنه لا يريد ما يكرهون، وأمرهم أن يكتبوا إلى حسان ويكتب معهم ليسير من الأردن إلى الجابية ويسيرون هم من دمشق فيجتمعون معه بالجابية ويبايعون لرجل من بني أمية، فرضوا وكتبوا إلى حسان، وسار الضحاك وبنو أمية نحو الجابية، فأتاه ثور بن معن السلمي فقال: دعوتنا إلى ابن الزبير فبايعناك على ذلك وأنت تسير إلى هذا الأعرابي من كلب تستخلف ابن أخته خالد بن يزيد! قال الضحاك: فما الرأي؟ قال: الرأي أن تظهر ما كنا نكتم وتدعو إلى ابن الزبير.
فرجع الضحاك ومن معه من الناس فنزل بمرج راهط ودمشق بيده، واجتمع بنو أمية وحسان وغيرهم بالجابية، فكان حسان يصلي بهم أربعين يوماً والناس يتشاورون، وكان مالك بن هبيرة السكوني يهوى خالد بن يزيد، والحصين بن نمير يميل إلى مروان، فقال مالك للحصين: هل نبايع هذا الغلام الذي نحن ولدنا أباه وقد عرفت منزلتنا من أبيه فإنه يحملنا على رقاب العرب غداً؟ يعني خالداً. فقال الحصين: لا والله لا تأتينا العرب بشيخ ونأتيها بصبي. فقال مالك: والله لئن استخلفت مروان ليحسدك على سوطك وشراك نعلك وظل شجرة تستظل بها، إن مروان أبو عشيرة وأخو عشيرة فإن بايعتموه كنتم عبيداً لهم، ولكن عليكم بابن أختكم، فقال الحصين: إني رأيت في المنام قنديلاً معلقاً من السماء وأن من يلي الخلافة يتناوله فلم ينله أحد إلا مروان، والله لنستخلفنه.
وقام روح بن زنباع الجذامي فقال: أيها الناس إنكم تذكرون عبد الله بن عمر وصحبته وقدمه في الإسلام، وهو كما تذكرون، ولكنه ضعيف، وليس بصاحب أمة محمد الضعيف، وتذكرون ابن الزبير وهو كما تذكرون أنه ابن حواري رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأنه ابن ذات النطاقين، ولكنه منافق قد خلع خليفتين يزيد وابنه معاوية وسفك الدماء وشق عصا المسلمين، وليس المنافق بصاحب أمة محمد، وأما مروان بن الحكم فوالله ما كان في الإسلام صدعٌ إلا كان ممن يشعبه، وهو الذي قاتل علي بن أبي طالب يوم الجمل، وإنا نرى للناس أن يبايعوا الكبير ويستشيروا الصغير، يعني بالكبير مروان، وبالصغير خالد بن يزيد.
فاجتمع رأيهم على البيعة لمروان بن الحكم، ثم خالد بن يزيد، ثم لعمرو بن سعيد بن العاص من بعد خالد، على أن إمرة دمشق لعمرو وإمرة حمص لخالد بن يزيد.
فدعا حسان خالداً فقال: يا ابن أختي إن الناس قد أبوك لحداثة سنك وإني والله ما أريد هذا الأمر إلا لك ولأهل بيتك وما أبايع مروان إلا نظراً لكم. فقال خالد: بل عجزت عنا. قال: والله ما عجزت عنكم ولكن الرأي لك ما رأيت.
ثم بايعوا مروان لثلاث خلون من ذي القعدة سنة أربع وستين؛ وقال مروان حين بويع له:
لما رأيت الأمر أمراً نهبا ** يسرت غسان لهم وكلبا

والسكسكيين رجالاً غلبا ** وطيئاً تأباه إلا ضربا

والقين تمشي في الحديد نكبا ** ومن تنوخ مشمخراً صعبا

لا يأخذون الملك إلا غصبا ** فإن دنت قيسٌ فقل لا قربا

خبيب بضم الخاء المعجمة، وفتح الباء الموحدة، وسكون الياء تحتها نقطتان، وآخره باء موحدة.

.ذكر وقعة مرج راهط وقتل الضحاك والنعمان بن بشير:

ثم إن مروان لما بايعه الناس سار من الجابية إلى مرج راهط، وبه الضحاك بن قيس ومعه ألف فارس، وكان قد استمد الضحاك النعمان بن بشير وهو على حمص فأمده بشرحبيب بن ذي الكلاع، واستمد أيضاً زفر بن الحارث وهو على قنسرين فأمده بأهل قنسرين، وأمده ناتل بأهل فلسطين، فاجتمعوا عنده، واجتمع على مروان كلب وغسان والسكاسك والسكون، وجعل على ميمنته عمرو بن سعيد وعلى ميسرته عبيد الله بن زياد، وكان يزيد بن أبي الغمس الغساني مختفياً بدمشق لم يشهد الجابية، فغلب على دمشق وأخرج عامل الضحاك بن قيس وغلب على الخزائن وبيت المال وبايع لمروان وأمده بالأموال والرجال والسلاح، فكان أول فتح على بني أمية.
وتحارب مروان والضحاك بمرج راهط عشرين ليلة واقتتلوا قتالاً شديداً، فقتل الضحاك، قتله دحية بن عبد الله، وقتل معه ثمانون رجلاً من أشراف أهل الشام، وقتل أهل الشام مقتلة عظيمة، وقتلت قيس مقتلة لم يقتل مثلها في موطن قط، وكان فيمن قتل هانىء بن قبيصة النميري سيد قومه، كان مع الضحاك، قتله وازع بن ذؤالة الكلبي، فلما سقط جريحاً قال:
تعست ابن ذات النوف أجهز على فتىً ** يرى الموت خيراً من فرارٍ وألزما

ولا تتركني بالحشاشة إنني ** صبورٌ إذا ما النكس مثلك أحجما

فعاد إليه وازع فقتله.
وكانت الوقعة في المحرم سنة خمس وستين، وقيل: بل كانت في آخر سنة أربع وستين.
ولما رأى مروان رأس الضحاك ساءه ذلك وقال: الآن حين كبرت سني ودق عظمي وصرت في مثل ظمء الحمار، أقبلت بالكتائب أضرب بعضها ببعض! ولما انهزم الناس من المرج لحقوا بأجنادهم، فانتهى أهل حمص إليها وعليها النعمان بن بشير، فلما بلغه الخبر خرج هرباً ليلاً ومعه امرأته نائلة بنت عمارة الكلبية وثقله وأولاده، فتحير ليلته كلا، وأصبح أهل حمص فطلبوه، وكان الذي طلبه عمرو بن الجلي الكلاعي، فقتله ورد أهله والرأس معه، وجاءت كلب من أهل حمص فأخذوا نائلة وولدها معها.
ولما بلغت الهزيمة زفر بن الحارث الكلابي بقنسرين هرب منها فلحق بقرقيسيا وعليها عياض الحرشي، وكان يزيد ولاه إياها، فطلب منه أن يدخل الحمام ويحلف له بالطلاق والعتاق على أنه حينما يخرج من الحمام لا يقيم بها، فأذن له، فدخلها فغلب عليها وتحصن بها ولم يدخل حمامها، فاجتمعت إليه قيس.
وهرب ناتل بن قيس الجذامي عن فلسطين فلحق بابن الزبير بمكة، واستعمل مروان بعده على فلسطين روم بن زنباع واستوثق الشام لمروان واستعمل عماله عليها.
وقيل: إن عبيد الله بن زياد إنما جاء إلى بني أمية وهم بتدمر ومروان يريد أن يسير إلى ابن الزبير ليبايعه ويأخذ منه الأمان لبني أمية، فردع عن ذلك وأمره أن يسير بأهل تدمر إلى الضحاك فيقاتله، ووافقه عمرو بن سعيد وأشار على مروان بأن يتزو أم خالد بن يزيد ليسقط من أعين الناس، فتزوجها، وهي فاختة ابنة أبي هاشم بن عتبة، ثم جمع بني أمية فبايعوه وبايعه أهل تدمر، وسار إلى الضحاك في جمع عظيم، فخرج الضحاك إليه فتقاتلا فانهزم الضحاك ومن معه وقتل الضحاك.
وسار زفر بن الحارث إلى قرقيسيا واجتمعت عليه قيس، وصحبه في هزيمته إلى قرقيسيا شابان من بني سليم، فجاءت خيل مروان تطلبهم، فقال الشابان لزفر: انج بنفسك فإنا نحن نقتل، فمضى زفر وتركهما فقتلا؛ وقال زفر في ذلك:
أريني سلاحي لا أبا لك إنني ** أرى الحرب لا تزداد إلا تماديا

أتاني عن مروان بالغيب أنه ** مقيدٌ دمي أو قاطعٌ من لسانيا

ففي العيش منجاةٌ وفي الأرض مهربٌ ** إذا نحن رفعنا لهن المبانيا

فلا تحبسوني إن تغيبت غافلاً ** ولا تفرحوا إن جئتكم بلقائيا

فقد ينبت المرعى على دمن الثرى ** له ورقٌ من تحته الشر باديا

ونمضي ولا يبقى على الأرض دمنةٌ ** وتبقى حزازات النفوس كما هيا

لعمري لقد أبقت وقيعة راهطٍ ** لحسان صدعاً بيناً متنائيا

فلم تر مني نبوةٌ قبل هذه ** فراري وتركي صاحبي ورائيا

عشية أدعو في القران فلا أرى ** من الناس إلا من علي ولا ليا

أيذهب يومٌ واحدٌ إن أسأته ** بصالح أيامي وحسن بلائيا؟

فلا صلح حتى تنحط الخيل بالقنا ** وتثأر من نسوان كلبٍ نسائيا

ألا ليت شعري هل تصيبن غارتي ** تنوخاً وحيي طيءٍ من شفائيا

فأجابه جواس بن القعطل:
لعمري لقد أبقت وقيعة راهطٍ ** على زفرٍ مراً من الداء باقيا

مقيماً ثوى بين الضلوع محله ** وبين الحشا أعيا الطبيب المداويا

تبكي على قتلى سليمٍ وعامرٍ ** وذبيان معذور وتبكي البواكيا

دعا بالسلاح ثم أحجم إذ رأى ** سيوف جنابٍ والطوال المذاكيا

عليها كأسد الغاب فتيان نجدةٍ ** إذا شرعوا نحو الطوال العواليا

وقال عمرو بن الجلي الكلبي:
بكى زفر القيسي من هلك قومه ** بعبرة عينٍ ما يجف سجومها

يبكي على قتلى أصيبت براهطٍ ** تجاوبه هام القفار وبومها

أبحنا حمىً للحي قيسٍ براهطٍ ** وولت شلالاً واستبيح حريمها

يبكيهم حران تجري دموعه ** ترجي نزاراً أن تؤوب حلومها

فمت كمداً أو عش ذليلاً مهضماً ** بحسرة نفسٍ لا تنام همومها

في أبيات.
يزيد بن أبي الغمس بالسين المهملة، وقيل بالشين المعجمة، وكان قد ارتد عن الإسلام ودخل الروم مع جبلة بن الأيهم ثم عاود الإسلام وشهد صفين مع معاوية وعاش إلى أيام عبد الملك بن مروان. وناتل بالنون، والتاء المعجمة من فوق باثنتين.

.ذكر فتح مروان مصر:

فلما قتل الضحاك وأصحابه واستقر الشام لمروان سار إلى مصر فقدمها وعليها عبد الرحمن بن جحدم القرشي يدعو إلى ابن الزبير، فخرج إلى مروان فيمن معه، وبعث مروان عمرو بن سعيد من ورائه حتى دخل مصر، فقيل لابن جحدم ذلك، فرجع وبايع الناس مروان ورجع إلى دمشق. فلما دنا منها بلغه أن ابن الزبير قد بعث إليه أخاه مصعباً في جيش، فأرسل إليه مروان عمرو بن سعيد قبل أن يدخل الشام، فقاتله، فانهزم مصعب وأصحابه، وكان مصعب شجاعاً. ثم عاد مروان إلى دمشق واستقر بها.
وقد كان الحصين بن نمير ومالك بن هبيرة قد اشترطا على مروان شروطاً لهما ولخالد بن يزيد، فلما توطن ملكه قال ذات يوم ومالك عنده: إن قوماً يدعون شروطاً، منهم عطارة مكحلة- يعني مالكاً- وكان يتطيب ويتكحل، فقال مالك: هذا ولما تردي تهامة ويبلغ الحزام الطبيين. فقال مروان: مهلاً يا أبا سليمان، إنما داعبناك! فقال: هو ذاك.

.ذكر بيعة أهل خراسان سلم بن زياد وأمر عبد الله بن خازم:

ولما بلغ سلم بن زياد، وهو بخراسان، موت يزيد كتم ذلك؛ فقال ابن عرادة:
يا أيها الملك المغلق بابه ** حدثت أمورٌ شأنهن عظيم

قتلى بحرة والذين بكابلٍ ** ويزيد أغلق بابه المكتوم

أبني أمية إن آخر ملككم ** جسدٌ بحوارين ثم مقيم

طرقت منيته وعند وساده ** كوبٌ وزقٌّ راعفٌ مرثوم

ومزنةٌ تبكي على نشوانه ** بالصبح تقعد مرةً وتقوم

فلما أظهر شعره أظهر سلم موت يزيد بن معاوية وابنه معاوية بن يزيد ودعا الناس إلى البيعة على الرضى حتى يستقيم أمر الناس على خليفة، فبايعوه ثم نكثوا به بعد شهرين، وكان محسناً إليهم محبوباً فيهم، فلما خلع عنهم استخلف عليهم المهلب بن أبي صفرة، ولما كان بسرخس لقيه سليمان بن مرثد، أحد بني قيس بن ثعلبة بن ربيعة، فقال له: ضاقت عليك نزار حتى خلفت على خراسان رجلاً من اليمن؟ يعني المهلب، وكان أزدياً والأزد من اليمن، فولاه مرو الروذ والفارياب والطالقان والجوزجان، وولى أوس بن ثعلبة بن زفر، وهو صاحب قصر أوس بالبصرة، هراة، فلما وصل إلى نيسابور لقيه عبد الله بن خازم فقال: من وليت خراسان؟ فأخبره، فقال: أما وجدت في المصر من تستعمله حتى فرقت خراسان بين بكر بن وائل واليمن؟ اكتب لي عهداً على خراسان. فكتب له وأعطاه مائة ألف درهم.
وسار ابن خازم إلى مرو، وبلغ خبره المهلب فأقبل واستخلف رجلاً من بني جشم بن سعد بن زيد مناة بن تميم، فلما وصلها ابن خازم منعه الجشمي وجرت بينهما مناوشة، فأصابت الجشمي رمية بحجر في جبهته، وتحاجزوا، ودخلها ابن خازم، ومات الجشمي بعد ذلك بيومين.
ثم سار ابن خازم إلى سليمان بن مرثد بمرو الروذ فقاتله أياماً فقتل سليمان، ثم سار إلى عمرو بن مرثد وهو بالطالقان فاقتتلوا طويلاً فقتل عمرو بن مرثد وانهزم أصحابه فلحقوا بهراة بأوس بن ثعلبة، ورجع ابن خازم إلى مرو وهرب من كان بمرو الروذ من بكر بن وائل إلى هراة وانضم إليها من كان بكور خراسان من بكر وكثر جمعهم وقالوا لأوس بن ثعلبة: نبايعك على أن تسير إلى ابن خازم وتخرج مضر من خراسان، فأبى عليهم، فقال له بنو صهيب، وهم موالي بني جحدم: لا نرضى أن نكون نحن ومضر في بلد واحد وقد قتلوا سليمان وعمراً ابني مرثد، فإما أن تبايعنا على هذا وإلا بايعنا غيرك. فأجابهم، فبايعوه، فسار إليهم ابن خازم فنزل على وادٍ بينه وبين هراة، فأشار البكريون بالخروج من هراة وعمل خندق، فقال أوسٍ: بل نلزم المدينة فإنها حصينة ونطاول ابن خازم نحو سنة، وقال له هلال الضبي: إنما تقاتل إخوتك وبني أبيك، فإن نلت منهم الذي تريد فما في العيش خير، فلو أعطيتهم شيئاً يرضون به وأصلحت هذا الأمر. قال: والله لو خرجنا لهم من خراسان ما رضوا. قال هلال: والله لا أقاتل معك أنا ولا رجل أو تطيعني حتى تعتذر إليهم. قال: فأنت رسولي إليهم فأرضهم.
فأتى هلالٌ أوس بنن ثعلبة فناشده الله والقرابة في نزار وأن يحفظ ولاءها. فقال: هل لقيت بني صهيب؟ قال: لا. قال: فالقهم. قال: فخرج فلقي جماعة من رؤساء أصحابه فأخبرهم ما أتى له. فقالوا له: هل لقيت بني صهيب؟ فقال: لقد عظم أمر بني صهيب عندكم، فأتاهم فكلمهم، فقالوا: لولا أنك رسول لقتلناك. قال: فهل يرضيكم شيء؟ قالوا: واحدة من اثنتين: إما أن تخرجوا من خراسان، وإما أن تقيموا وتخرجوا لنا عن كل سلاح وكراع وذهب وفضة.
فرجع إلى ابن خازم، فقال: ما عندك؟ فأخبره. فقال: إن ربيعة لم تزل غضاباً على ربها منذ بعث نبيه من مضر. وأقام ابن خازم يقاتلهم، فقال يوماً لأصحابه: قد طال مقامنا، وناداهم: يا معشر ربيعة أرضيتم من خراسان بخندقكم! فأحفظهم ذلك، فتنادوا للقتال، فنهاهم أوس بن ثعلبة عن الخروج بجماعتهم وأن يقاتلوا كما كانوا يقاتلون، فعصوه. فقال ابن خازم لأصحابه: اجعلوه يومكم فيكون الملك لمن غلب، وإذا لقيتم الخيل فاطعنوها في مناخرها. فاقتتلوا ساعة وانهزمت بكر بن وائل حتى انتهوا إلى خندقهم وتفرقوا يميناً وشمالاً وسقط الناس في الخندق وقتلوا قتلاً ذريعاً وهرب أوس بن ثعلبة إلى سجستان فمات بها أو قريباً منها، وقتل من بكر يومئذٍ ثمانية آلاف، وغلب ابن خازم على هراة واستعمل عليها ابنه محمداً وضم إليه شماس بن دثار العطاردي، وجعل بكير بن وساج الثقفي على شرطته، ورجع ابن خازم إلى مرو.
وأغارت الترك على قصر اسغاد، وابن خازم على هراة، وكان فيه ناس من الأزد، فحصروهم، فأرسلوا إلى ابن خازم، فوجه إليهم زهير بن حيان في بني تميم وقال له: إياك ومناوأة الترك، إذا رأيتموهم فاحملوا عليهم. فوافاهم في يوم بارد، فلما التقوا حمل عليهم فانهزمت الترك واتبعوهم حتى مضى عامة الليل، فرجع زهير وقد يبست يده على رمحه من البرد، فجعلوا يخنون الشحم فيضعه على يده ودهنوه وأوقدوا له ناراً فانتفخت يده، ثم رجع إلى هراة؛ فقال في ذلك ثابت قطنة:
فدت نفسي فوارس من تميمٍ ** على ما كان من ضنك المقام

بقصر الباهلي وقد أراني ** أحامي حين قل به المحامي

بسيفي بعد كسر الرمح فيهم ** أذودهم بذي شطبٍ حسام

أكر عليهم اليحموم كراً ** ككر الشرب آنية المدام

فلولا الله ليس له شريكٌ ** وضربي قونس الملك الهمام

إذاً فاضت نساء بني دثارٍ ** أمام الترك بادية الخدام

.ذكر أمر التوابين:

قيل: لما قتل الحسين ورجع ابن زياد من معسكره بالنخيلة ودخل الكوفة تلاقت الشيعة بالتلاوم والتندم، ورأت أن قد أخطأت خطأً كبيراً بدعائهم الحسين وتركهم نصرته وإجابته حتى قتل إلى جانبهم، ورأوا أنه لا يغسل عارهم والإثم عليهم إلا قتل من قتله أو القتل فيهم، فاجتمعوا بالكوفة إلى خمسة نفر من رؤساء الشيعة: إلى سليمان بن صرد الخزاعي، وكانت له صحبة، وإلى المسيب بن نجبة الفزاري، وكان من أصحاب علي، وإلى عبد الله بن سعد بن نفيل الأزدي، وإلى عبد الله بن والٍ التيمي، تيم بكر بن وائل، وإلى رفاعة بن شداد البجلي، وكانوا من خيار أصحاب علي، فاجتمعوا في منزل سليمان بن صرد الخزاعي، فبدأهم المسيب بن نجبة فقال بعد حمد الله: أما بعد فإنا ابتلينا بطول العمر والتعرض لأنواع الفتن، فنرغب إلى ربنا أن لا يجعلنا ممن يقول له غداً: {أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر} فاطر: 37، فإن أمير المؤمنين علياً قال: العمر الذي أعذر الله فيه إلى ابن آدم ستون سنة، وليس فينا رجل إلا وقد بلغه، وقد كنا مغرمين بتزكية أنفسنا فوجدنا الله كاذبين في كل موطن من مواطن ابن بنت نبيه صلى الله عليه وسلم، وقد بلغنا قبل ذلك كتبه ورسله وأعذر إلينا فسألنا نصره عوداً وبدءاً وعلانيةً فبخلنا عنه بأنفسنا حتى قتل إلى جانبنا لا نحن نصرناه بأيدينا ولا جادلنا عنه بألسنتنا ولا قويناه بأموالنا ولا طلبنا له النصرة إلى عشائرنا، فما عذرنا عند ربنا وعند لقاء نبينا وقد قتل فينا ولد حبيبه وذريته ونسله؟ لا والله لا عذر دون أن تقتلوا قاتله والموالين عليه، أو تقتلوا في طلب ذلك، فعسى ربنا أن يرضى عنا عند ذلك، ولا أنا بعد لقائه لعقوبته بآمن. أيها القوم ولوا عليكم رجلاً منكم فإنه لابد لكم من أمير تفزعون إليه وراية تحفون بها.
وقام رفاعة بن شداد وقال: أما بعد فإن الله قد هداك لأصوب القول وبدأت بأرشد الأمور بدعائك إلى جهاد الفاسقين وإلى التوبة من الذنب العظيم، فمسموع منك مستجاب إلى قولك، وقلت: ولوا أمركم رجلاً تفزعون إليه وتحفون برايته، وقد رأينا مثل الذي رأيت، فإن تكن أنت ذلك الرجل تكن عندنا مرضياً، وفينا منتصحاً، وفي جماعتنا محبوباً، وإن رأيت ورأى أصحابنا ذلك ولينا هذا الأمر شيخ الشيعة وصاحب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وذا السابقة والقدم سليمان بن صرد الخزاعي، المحمود في بأسه ودينه، الموثوق بحزمه.
وتكلم عبد الله بن سعد بنحو ذكل وأثنيا على المسيب وسليمان. فقال المسيب: قد أصبتم فولوا أمركم سليمان بن صرد.
فتكلم سليمان فقال بعد حمد الله: أما بعد فإني لخائف ألا يكون آخرنا إلى هذا الدهر الذي نكدت فيه المعيشة وعظمت فيه الرزية وشمل فيه الجور أولي الفضل من هذه الشيعة لما هو خير، إنا كنا نمد أعناقنا إلى قدوم آل بيت نبينا، صلى الله عليه وسلم، نمنيهم النصر ونحثهم على القدوم، فلما قدموا ونينا وعجزنا وأدهنا وتربصنا حتى قتل فينا ولد نبينا وسلالته وعصارته وبضعة من لحمه ودمه إذ جعل يستصرخ ويسأل النصف فلا يعطى، اتخذه الفاسقون غرضاً للنبل ودريئة للرماح حتى أقصدوه، وعدوا عليه فسلبوه. ألا انهضوا، فقد سخط عليكم ربكم ولا ترجعوا إلى الحلائل والأبناء حتى يرضى الله، والله ما أظنه راضياً دون أن تناجزوا من قتله، ألا لا تهابوا الموت فما هابه أحدٌ قط إلا ذل، وكونوا كبني إسرائيل إذ قال لهم نبيهم: {إنكم ظلمتم أنفسكم} {فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم} البقرة: 54، ففعلوا وجثوا على الركب ومدوا الأعناق حين علموا أنهم لا ينجيهم من عظيم الذنب إلا القتل، فكيف بكم لو دعيتم إلى ما دعوا! أحدوا السيوف وركبوا الأسنة {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوةٍ ومن رباط الخيل} الأنفال: 60، حتى تدعوا وتستنفروا.
فقال خالد بن سعد بن نفيل: أما أنا فوالله لو أعلم أنه ينجيني من ذنبي ويرضي ربي عني قتلي نفسي لقتلتها، وأنا أشهد كل من حضر أن كل ما أصبحت أملكه سوى سلاحي الذي أقاتل به عدوي صدقة على المسلمين أقويهم به على قتال الفاسقين. قال أبو المعتمر بن حنش بن ربيعة الكناني مثل ذلك. فقال سليمان: حسبكم، من أراد من هذا شيئاً فليأت به عبد الله بن والٍ التيمي، فإذا اجتمع عنده كل ما تريدون إخراجه جهزنا به ذوي الخلة والمسكنة من أشياعكم.
وكتب سليمان بن صرد إلى سعد بن حذيفة بن اليمان يعلمه بما عزموا عليه ويدعوه إلى مساعدتهم ومن معه من الشيعة بالمدائن، فقرأ سعد بن حذيفة الكتاب على من بالمدائن من الشيعة، فأجابوا إلى ذلك، فكتبوا إلى سليمان بن صرد يعلمونه أنهم على الحركة إليه والمساعدة له.
وكتب سليمان أيضاً كتاباً إلى المثنى بن مخربة العبدي بالبصرة مثل ما كتب إلى سعد بن حذيفة، فأجابه المثنى: إننا معشر الشيعة حمدنا الله على ما عزمتم عليه ونحن موافوك إن شاء الله للأجل الذي ضربت. وكتب في أسفل الكتاب:
تبصر كأني قد أتيتك معلماً ** على أتلع الهادي أجش هزيم

طويل القرا نهد الشواة مقلصٍ ** ملحٍ على فأس اللجام أزوم

بكل فتىً لا يملأ الروع قلبه ** محشٍ لنار الحرب غير سؤوم

أخي ثقةٍ ينوي الإله بسعيه ** ضروبٍ بنصل السيف غير أثيم

فكان أول ما ابتدأوا به أمرهم بعد قتل الحسين سنة إحدى وستين، فما زالوا بجمع آلة الحرب ودعاء الناس في السر إلى الطلب بدم الحسين، فكان يجيبهم النفر، ولم يزالوا على ذلك إلى أن هلك يزيد بن معاوية سنة أربع وستين، فلما مات يزيد جاء إلى سليمان أصحابه فقالوا: قد هلك هذا الطاغية والأمر ضعيف، فإن شئت وثبنا على عمرو بن حريث، وكان خليفة ابن زياد على الكوفة، ثم أظهرنا الطلب بدم الحسين وتتبعنا قتلته ودعونا الناس إلى أهل هذا البيت المستأثر عليهم المدفوعين عن حقهم.
فقال سليمان بن صرد: لا تعجلوا، إني قد نظرت فيما ذكرتم فرأيت أن قتلة الحسين هم أشراف الكوفة وفرسان العرب وهم المطالبون بدمه، ومتى علموا ما تريدون كانوا أشد الناس عليكم، ونظرت فيمن تبعني منكم فعلمت أنهم لو خرجوا لم يدركوا ثأرهم ولم يشفوا نفوسهم وكانوا جزراً لعدوهم، ولكن بثوا دعاتكم وادعوا إلى أمركم. ففعلوا واستجاب لهم ناس كثير بعد هلاك يزيد.
ثم إن أهل الكوفة أخرجوا عمرو بن حريث وبايعوا لابن الزبير، وسليمان وأصحابه يدعون الناس.
فلما مضت ستة أشهر بعد هلال يزيد قدم المختار بن أبي عبيد الكوفة في النصف من رمضان، وقدم عبد الله بن يزيد الأنصاري أميراً على الكوفة من قبل ابن الزبير لثمان بقين من رمضان، وقدم إبراهيم بن محمد بن طلحة معه على خراج الكوفة. فأخذ المختار يدعو الناس إلى قتال قتلة الحسين ويقول: جئتكم من عند المهدي محمد بن الحنفية وزيراً أميناً. فرجع إليه طائفةٌ من الشيعة، وكان يقول: إنما يريد سليمان أن يخرج فيقتل نفسه ومن معه وليس له بصرٌ بالحرب. وبلغ الخبر عبد الله بن يزيد بالخروج عليه بالكوفة في هذه الأيام، وقيل له ليحبسه، وخوف عاقبة أمره إن تركه.
فقال عبد الله: إن هم قاتلونا قاتلناهم، وإن تركونا لم نطلبهم. إن هؤلاء القوم يطلبون بدم الحسين بن علي، فرحم الله هؤلاء القوم، إنهم آمنون، فليخرجوا ظاهرين وليسيروا إلى من قاتل الحسين، فقد أقبل إليهم، يعني ابن زياد، وأنا لهم ظهير، هذا ابن زياد قاتل الحسين وقاتل أخياركم وأمثالكم قد توجه إليكم، وقد فارقوه على ليلة من جسر منبج فالقتال والاستعداد إليه أولى من أن تجعلوا بأسكم بينكم فيقتل بعضكم بعضاً فيلقاكم عدوكم وقد ضعفتم، وتلك أمنيته، وقد قدم عليكم أعدى خلق الله لكم، من ولي عليكم هو وأبوه سبع سنين لا يقلعان عن قتل أهل العفاف والدين، هو الذي من قبله أتيتم، والذي قتل من تنادون بدمه قد جاءكم فاستقبلوه بحدكم وشوكتكم واجعلوها به ولا تجعلوها بأنفسكم، إني لكم ناصحٌ.
وكان مروان قد سير ابن زياد إلى الجزيرة، ثم إذا فرغ منها سار إلى العراق.
فلما فرغ عبد الله بن يزيد من قوله قال إبراهيم بن محمد بن طلحة: أيها الناس لا يغرنكم من السيف والغشم مقالة هذا المداهن، والله لئن خرج علينا خارج لنقتله، ولئن استيقنا أن قوماً يريدون الخروج علينا لنأخذن الوالد بولده والمولود بوالده والحميم بالحميم والعريف بما في عرافته حتى يدينوا للحق ويذللوا للطاعة.
فوثب إليه المسيب بن نجبة فقطع عليه منطقة ثم قال: يا ابن الناكثين! أنت تهددنا بسيفك وغشمك! أنت والله أذل من ذلك! إنا لا نلومك على بغضنا وقد قتلنا أباك وجدك، وأما أنت أيها الأمير فقد قلت قولاً سديداً.
فقال إبرهيم: والله لتقتلن وقد أدهن هذا، يعني عبد الله بن يزيد. فقال له عبد الله بن وال: ما اعتراضك فيما بيننا وبين أميرنا؟ ما أنت علينا بأمير إنما أنت أمير هذه الجزية، فأقبل على خراجك، ولئن أفسدت أمر هذه الأمة فقد أفسده والداك وكانت عليهما دائرة السوء! فشتمهم جماعة ممن مع إبراهيم فشاتموه، فنزل الأمير من على المنبر، وتهدده إبراهيم بأنه يكتب إلى ابن الزبير يشكوه، فجاءه عبد الله في منزله واعتذر إليه، فقبل عذره. ثم إن أصحاب سليمان خرجوا ينشرون السلاح ظاهرين ويتجهزون.