فصل: ذكر ابتداء وقعة الجمل

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكامل في التاريخ **


 ذكر بعض سيرة عثمان

قال الحسن البصري‏:‏ دخلت المسجد فإذا أنا بعثمان متكئًا على ردائه فأتاه سقاءان يختصمان إليه فقضى بينهما‏.‏

وقال الشعبي‏:‏ لم يمت عمر بن الخطاب حتى ملته قريش وقد كان حصرهم بالمدينة وقال‏:‏ أخوف ما أخاف على هذه الأمة انتشاركم في البلاد فإن كان الرجل منهم ليستأذنه في الغزو فيقول‏:‏ قد كان لك في غزوك مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما يبلغك وخير لك من غزوك اليوم أن لا ترى الدنيا ولا تراك‏.‏

وكان يفعل هذا بالمهاجرين من قريش ولم يكن يفعله بغيرهم من أهل مكة‏.‏

فلما ولي عثمان خلى عنهم فانتشروا في البلاد وانقطع إليهم الناس وكان أحب إليهم من عمر‏.‏

قيل‏:‏ وحج عثمان بالناس سنوات خلافته كلها إلا آخر حجة وحج بأزواج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما كان يصنع عمر‏.‏

وكتب إلى الأمصار أن يوافيه العمال في الموسم ومن يشكو منهم وأن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر وأنه مع الضعيف على القوي مادام مظلومًا‏.‏

وقيل‏:‏ كان أول منكر ظهر بالمدينة حين فاضت الدنيا طيران الحمام والرمي على الجلاهقات وهي قوس البندق واستعمل عليها عثمان رجلًا من بني ليث سنة ثمان من خلافته فقص الطيور وكسر الجلاهقات‏.‏

قيل‏:‏ وسأل رجل سعيد بن المسيب عن محمد بن أبي حذيفة ما دعاه إلى الخروج على عثمان فقال‏:‏ كان يتيمًا في حجر عثمان وكان والي أيتام أهل بيته ومحتملًا كلهم فسأل عثمان العمل فقال‏:‏ يا بني لو كنت رضًا لاستعملتك‏.‏

قال‏:‏ فأذن لي فأخرج فأطلب الرزق‏.‏

قال‏:‏ اذهب حيث شئت وجهزه من عنده وحمله وأعطاه فلما وقع إلى مصر كان فيمن أعان عليه حين منعه الإمارة‏.‏

قال‏:‏ وعمار بن ياسر قال‏:‏ كان بينه وبين عباس بن عتبة بن أبي لهب كلام فضربهما عثمان فأورث ذلك تعاديًا بين أهل عمار وأهل عباس وكانا تقاذفا‏.‏

قيل‏:‏ سئل سالم بن عبد الله عن محمد بن أبي بكر ما دعاه إلى ركوب عثمان‏.‏

قال‏:‏ الغضب والطمع كان من الإسلام بمكان فغره أقوام فطمع وكانت له دالة فلزمه حق فأخذه عثمان من ظهره فاجتمع هذا إلى ذلك فصار مذممًا بعد أن كان محمدًا‏.‏

قيل‏:‏ واستخف رجل بالعباس بن عبد المطلب فضربه عثمان فاستحسن منه ذلك فقال‏:‏ ايفخم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عمه وأرخص في الاستخفاف به‏!‏ لقد خالف رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من فعل ذلك ورضي به‏.‏

قيل‏:‏ وكان كعب بن ذي الحبكة النهدي يلعب بالنارنجيات فبلغ عثمان فكتب إلى الوليد أن يوجعه ضربًا فعزره وأخبر الناس خبره وقرأ عليهم كتاب عثمان وفيه‏:‏ إنه قد وجد بكم فجدوا وإياكم والهزل‏.‏

فغضب كعب وكان في الذين خرجوا عليه وكان سيره إلى دنباوند فقال في ذلك للوليد‏:‏ لعمري لئن طردتني ما إلى التي طمعت بها من سقطتي سبيل رجوت رجوعي يا ابن أروى ورجعتي إلى الحق دهرًا غال ذلك غول فإن اغترابي في البلاد وجفوتي وشتمي في ذات الإله قليل وإن دعائي كل يومٍ وليلةٍ عليك بدنباوندكم لطويل قال‏:‏ وأما ضابئ بن الحرث البرجمي فإنه استعار في زمن الوليد بن عقبة من قوم من الأنصار كلبًا يدعى قرحان يصيد الظباء فحبسه عنهم فانتزعه الأنصاريون منه قهرًا فهجاهم وقال‏:‏ تجشم دوني وفد قرحان خطةً تضل لها الوجناء وهي حسير فكلبكم لا تتركوا فهو أمكم فإن عقوق الأمهات كبير فاستعدوا عليه عثمان فعزره وحبسه فما زال في السجن حتى مات فيه‏.‏

وقال في الفتك معتذرًا إلى أصحابه‏:‏ هممت ولم أفعل وكدت وليتني تركت على عثمان تبكي حلائله وقائلةٍ قد مات في السجن ضابىءٌ ألا من لخصمٍ لم يجد من يحاوله فلذاك صار ابنه عمير سبئيًا‏.‏

قال‏:‏ وأما كميل بن زياد وعمير بن ضابىء فإنهما سارا إلى المدينة لقتل عثمان فأما عمير فإنه نكل عنه وأما كميل فإنه جسر وثاوره فوجأ عثمان وجهه فوقع على استه فقال‏:‏ أوجعتني يا أمير المؤمنين‏!‏ قال‏:‏ أولست بفاتك قال‏:‏ لا والله‏.‏

فقال عثمان‏:‏ فاستقد مني وقال‏:‏ دونك فعفا عنه وبقيا إلى أيام الحجاج فقتلهما وسيرد ذكر ذلك إن شاء الله تعالى‏.‏

قيل‏:‏ وكان لعثمان على طلحة بن عبيد الله خمسون ألفًا فقال له يومًا‏:‏ قد تهيأ مالك فاقبضه‏.‏

قال‏:‏ هو لك معونة على مروءتك‏.‏

قيل‏:‏ فلما حضر عثمان قال علي لطلحة‏:‏ أنشدك الله ألا رددت الناس عن عثمان‏!‏ قال‏:‏ لا والله حتى تعطيني بنو أمية الحق من أنفسها‏.‏

وكان عثمان يلقب ذا النورين لأنه جمع بين ابنتي النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

قال الأصمعي‏:‏ استعمل عبد الله بن عامر قطن بن عبد عوف على كرمان فأقبل جيش للمسلمين فمنعهم سيل في واد من العبور وخشي قطن الفوت فقال‏:‏ من عبر له ألف درهم‏.‏فحملوا أنفسهم وعبروا وكانوا أربعة آلاف فأعطاهم أربعة آلاف ألف درهم فأبى ابن عامر أن يجري ذلك له وكتب إلى عثمان فكتب عثمان‏:‏ أن احسبها له فإنه إنما أعان بها في سبيل الله فلذلك سميت الجوائز لإجازة الوادي‏.‏

وقال حسان بن زيد‏:‏ سمعت عليًا وهو يخطب الناس ويقول بأعلى صوته‏:‏ يا أيها الناس إنكم تكثرون في وفي عثمان فإن مثلي ومثله كما قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏ونزعنا ما في صدورهم من غلٍ إخوانًا على سررٍ متقابلين‏}‏ ‏[‏الحجر‏:‏ 47‏]‏ ‏.‏

وقال أبو حميد الساعدي وهو بدري وكان مجانبًا لعثمان فلما قتل عثمان قال‏:‏ والله ما أردنا قتله اللهم لك علي أن لا أفعل كذا وكذا ولا أضحك حتى ألقاك‏.‏

 ذكر نسبه وصفته وكنيته

أما نسبه فهو عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف وأمه أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف وأمها أم حكيم بنت عبد وأما صفته فإنه كان رجلًا ليس بالطويل ولا بالقصير حسن الوجه رقيق البشرة بوجهه أثر جدري كبير اللحية عظيمها أسمر اللون أصلع عظيم الكراديس عظيم ما بين المنكبين يصفر لحيته وقيل‏:‏ كان كثير شعر الرأس أروح الرجلين‏.‏

وأما كنيته فإنه كان يكنى أبا عبد الله بولد جاءه من رقية بنت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ اسمه عبد الله توفي وعمره ست سنين نقره ديك في عينه فمرض فمات في دمادى الأولى سنة أربع من الهجرة وقيل‏:‏ كان يكنى أبا عمرو‏.‏

 ذكر وقت إسلامه وهجرته

قيل‏:‏ كان إسلامه قديمًا قبل دخول رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ دار الأرقم وكان ممن هاجر إلى الحبشة الهجرة الأولى والثانية ومعه فيهما امرأته رقية بنت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏.‏

 ذكر أزواجه وأولاده

تزوج رقية وأم كلثوم ابنتي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فولدت له رقية عبد الله وتزوج فاختة بنت غزوان فولدت له عبد الله الأصغر هلك وتزوج أم عمرو بنت جندب بن عمرو

بن حممة الدوسية ولدت له عمرًا وخالدًا وأبانًا وعمر ومريم وتزوج فاطمة بنت الوليد بن المغيرة المخزومية ولدت له الوليد وسعيدًا وأم سعيد وتزوج أم البنين بنت عيينة بن حصن الفزارية ولدت له عبد الملك هلك وتزوج رملة بنت شيبة بن ربيعة ولدت له عائشة وأم أبان وأم عمرو وتزوج نائلة بنت الفرافصة الكلبية ولدت له مريم بنت عثمان وقيل‏:‏ ولدت له أم البنين بنت عيينة عبد الملك وعتبة وولدت له نائلة عنبسة وكان له منها أيضًا ابنة تدعى أم البنين وكانت عند عبد الله بن يزيد بن أبي سفيان وقتل عثمان وعنده رملة ابنة شيبة ونائلة وأم البنين ابنة عيينة وفاختة بنت غزوان غير أنه طلق أم البنين وهو محصور‏.‏

فهؤلاء أزواجه في الجاهلية والإسلام وأولاه‏.‏

 ذكر أسماء عماله

في هذه السنة كان عماله هذه السنة على مكة‏:‏ عبد الله بن الحضرمي وعلى الطائف القاسم بن ربيعة الثقفي وعلى صنعاء يعلى بن منية وعلى الجند عبد الله بن ربيعة وعلى البصرة عبد الله بن عامر خرج منها ولم يول عثمان عليها أحدًا وعلى الكوفة سعيد بن العاص أخرج منها ولم يترك يدخلها‏.‏

وعلى الشام معاوية بن أبي سفيان وعامل معاوية على حمص عبد الرحمن بن خالد وعلى قنسرين حبيب بن مسلمة الفهري وعلى الأردن أبو الأعور السلمي وعلى فلسطين علقمة بن حكيم الكناني وعلى البحر عبد الله بن قيس الفزاري وعلى القضاء أبو الدرداء في قول بعضهم والصحيح أنه كان قد توفي قبل أن قتل عثمان وكان عامل عثمان على الكوفة أبو موسى على الصلاة وعلى خراج السواد جابر بن فلان المزني وهو صاحب المسناة إلى جانب الكوفة وسماك الأنصاري وعلى حربها القعقاع بن عمرو وعلى قرقيسيا جرير بن عبد الله وعلى أذربيجان الأشعث بن قيس الكندي وعلى حلوان عتيبة بن النهاس وعلى ماه مالك بن حبيب وعلى همذان النسير وعلى الري سعيد بن قيس وعلى أصبهان السائب بن الأقرع وعلى ماسبذان خنيس وعلى بيت المال عقبة بن عامر وكان على قضاء عثمان زيد بن ثابت‏.‏

عتيبة بن النهاس بالتاء فوقها نقطتان وبعدها ياء تحتها نقطتان وآخره باء موحدة‏.‏

وعيينة بن حصن بالياء تحتها نقطتان وياء ثانية وآخره نون تصغير عين‏.‏

والنسير بالنون والسين المهملة تصغير نسر‏.‏

 ذكر الخبر عمن كان يصلي في مسجد النبي

قيل‏:‏ وجاء ذلك اليوم الذي منع فيه عثمان الصلاة سعد القرظ وهو المؤذن إلى علي بن أبي طالب فقال‏:‏ من يصلي بالناس فقال‏:‏ ادع خالد ابن زيد فدعاه فصلى بالناس فهو أول يوم عرف أن اسم أبي أيوب الأنصاري خالد بن زيد فصلى أيامًا ثم صلى بعد ذلك بالناس وقيل‏:‏ بل أمر علي سهل بن حنيف فصلى بالناس من أول ذي الحجة إلى يوم العيد ثم صلى علي بالناس العيد ثم صلى بهم حتى قتل عثمان‏.‏

وقد تقدم غير ذلك في ذكر قتله‏.‏

 ذكر ما قيل فيه من الشعر

قال حسان بن ثابت الأنصاري‏:‏ أتركتم غزو الدروب وراءكم وغزوتمونا عند قبر محمد فلبئس هدي المسلمين هديتم ولبئس أمر الفاجر المتعمد إن تقدموا نجعل قرى سرواتكم حول المدينة كل لينٍ مذود أو تدبروا فلبئس ما سافرتم ولمثل أمر أميركم لم يرشد وكأن اصحاب النبي عشيةً بدنٌ تذبح عند باب المسجد أبكي أبا عمرٍو لحسن بلائه أمسى ضجيعًا في بقيع الغرقد

وقال الوليد بن عقبة بن أبي معيط يحرض أخاه عمارة‏:‏ ألا إن خير الناس بعد ثلاثةٍ قتيل التجيبي الذي جاء من مصر فإن يك ظن بابن أمي صادقًا عمارة لا يطلب بذحلٍ ولا وتر يبيت وأوتار ابن عفان عنده مخيمةٌ بين الخورنق والقصر فأجابه الفضل بن العباس‏:‏ أتطلب ثأرًا لست منه ولا له وأين ابن ذكوان الصفوري من عمرو كما اتصلت بنت الحمار بأمها وتنسى أباها إذ تسامي أولي الفخر ألا إن خير الناس بعد ثلاثةٍ وصي النبي المصطفى عند ذي الذكر وأول من صلى وصنو نبيه وأول من أردى الغواة لدى بدرٍ فلو رأت الأنصار ظلم ابن أمكم بزعمكم كانوا له حاضري النصر كفى ذاك عيبًا أن يشيروا بقتله وأن يسلموا للأحابيش من مصر قوله‏:‏ وأين ابن ذكوان فإن الوليد بن عقبة بن أبي معيط بن أبي عمرو واسمه ذكوان بن أمية بن عبد شمس ويذكر جماعة منى النسابين أن ذكوان مولى لأمية فتبناه وكناه أبا عمرو ويعني‏:‏ إنك ذؤيب فقال‏:‏ إنا لله‏!‏ أول من بدأ بالبيعة يد شلاء لا يتم هذا الأمر‏!‏ وبايعه الزبير‏.‏

وقال لهما علي‏:‏ إن أحببتما أن تبايعاني وإن أحببتما بايعتكما‏.‏

فقالا‏:‏ بل نبايعك‏.‏

وقالا بعد ذلك‏:‏ إنما فعلنا ذلك خشية على نفوسنا وعرفنا أنه لا يبايعنا‏.‏

وهربا إلى مكة بعد قتل عثمان بأربعة أشهر‏.‏

وبايعه الناس وجاؤوا بسعد بن أبي وقاص فقال علي‏:‏ بايع فقال‏:‏ لا حتى يبايع الناس والله ما عليك مني بأس‏.‏

فقال‏:‏ خلوا سبيله‏.‏

وجاؤوا بابن عمر بايع‏.‏

قال‏:‏ لا حتى يبايع الناس‏.‏

قال‏:‏ ائتني بكفيل‏.‏

قال‏:‏ لا أرى كفيلًا‏.‏

قال الأشتر‏:‏ دعني أضرب عنقه‏!‏ قال علي‏:‏ دعوه أنا كفيله إنك ما علمت لسيء الخلق صغيرًا ولا كبيرًا‏.‏

وبايعت الأنصار إلا نفيرًا يسيرًا منهم‏:‏ حسان بن ثابت وكعب بن مالك ومسلمة بن مخلد وأبو سعيد الخدري ومحمد بن مسلمة والنعمان ابن بشير وزيد بن ثابت ورافع بن خديج وفضالة بن عبيد وكعب بن عجرة وكانوا عثمانية فأما حسان فكان شاعرًا لا يبالي ما يصنع وأما زيد بن ثابت فولاه عثمان الديوان وبيت المال فلما حصر عثمان قال‏:‏ يا معشر الأنصار كونوا أنصارًا لله مرتين فقال له أبو أيوب‏:‏ ما تنصره إلا أنه أكثر لك من العبدان‏.‏

وأما كعب بن مالك فاستعمله على صدقة مزينة وترك له ما أخذ منهم ولم يبايعه عبد الله بن سلام وصهيب بن سنان وسلمة بن سلامة ابن وقش وأسامة بن زيد وقدامة بن مظعون والمغيرة

فأما النعمان بن بشير فإنه أخذ أصابع نائلة امرأة عثمان التي قطعت وقميص عثمان الذي قتل فأما النعمان بن بشير فإنه أخذ أصابع نائلة امرأة عثمان التي قطعت وقميص عثمان الذي قتل فيه وهرب به فلحق بالشام فكان معاوية يعلق قميص عثمان وفيه الأصابع فإذا رأى ذلك أهل الشام ازدادوا غيظًا وجدًا في أمرهم ثم رفعه فإذا أحس منهم بفتور يقول له عمرو بن العاص‏:‏ حرك لها حوارها تحن فيعلقها‏.‏

وقد قيل‏:‏ إن طلحة والزبير إنما بايعا عليًا كرهًا وقيل‏:‏ لم يبايعه الزبير ولا صهيب ولا سلمة بن سلامة بن وقش وأسامة بن زيد‏.‏

فأما على قول من قال‏:‏ إن طلحة والزبير بايعا كرهًا فقال‏:‏ إن عثمان لما قتل بقيت المدينة خمسة أيام وأميرها الغافقي بن حرب يلتمسون من يجيبهم إلى القيام بالأمر فلا يجدونه ووجدوا طلحة في حائط له ووجدوا سعدًا والزبير قد خرجا من المدينة ووجدوا بني أمية قد هربوا غلا من لم يطق الهرب وهرب سعيد والوليد ومروان إلى مكة وتبعهم غيرهم فأتى المصريون عليًا فباعدهم وأتى الكوفيون الزبير فباعدهم وأتى البصريون طلحة فباعدهم وكانوا مجتمعين على قتل عثمان مختلفين فيمن يلي الخلافة‏.‏

فأرسلوا إلى سعد يطلبونه فقال‏:‏ إني وابن عمر لا حاجة لنا فيها فأتوا ابن عمر فلم يجبهم فبقوا حيارى‏.‏

وقال بعضهم لبعض‏:‏ لئن جرع الناس إلى أمصارهم بغير إمام لم نأمن الاختلاف وفساد الأمة‏.‏فجمعوا أهل المدينة لهم‏:‏ يا أهل المدينة أنتم أهل الشورى وأنتم تعقدون الإمامة وحكمكم جائز على الأمة فانظروا رجلًا تنصبونه ونحن لكم تبعٌ وقد أجلناكم يومكم فوالله لئن لم تفرغوا لنقتلن غدًا عليًا وطلحة والزبير وأناسًا كثيرًا‏!‏ فغشي الناس عليًا فقالوا‏:‏ نبايعك فقد ترى ما نزل بالإسلام وما ابتلينا به من بين القرى‏.‏

فقال علي‏:‏ دعوني والتمسوا غيري فإنا مستقبلون أمرًا له وجوه وله ألوان لا تقوم به القلوب ولا تثبت عليه العقول‏.‏

فقالوا‏:‏ ننشدك الله‏!‏ ألا ترى ما نحن فيه ألا ترى الإسلام ألا ترى الفتنة ألا تخاف الله فقال‏:‏ قد أجبتكم واعلموا أني إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم وإن تركتموني فإنما أنا كأحدكم ألا إني أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه‏.‏

ثم افترقوا على ذلك واتعدوا الغد‏.‏

وتشاور الناس فيما بينهم وقالوا‏:‏ إن دخل طلحة والزبير فقد استقامت فبعث البصريون إلى الزبير حكيم بن جبلة وقالوا‏:‏ احذر لا تحابه ومعه نفر فجاؤوا به يحدونه بالسيف فبايع وبعثوا إلى طلحة الأشتر ومعه نفر فأتى طلحة فقال‏:‏ دعني أنظر ما يصنع الناس فلم يدعه فجاء به يتله تلًا عنيفًا وصعد المنبر فبايع‏.‏وكان الزبير يقول‏:‏ جاءني لص من لصوص عبد القيس فبايعت والسيف على عنقي وأهل مصر فرحون بما اجتمع عليه أهل المدينة وقد خشع أهل الكوفة والبصرة أن صاروا أتباعًا لأهل مصر وازدادوا بذلك على طلحة والزبير غيظًا‏.‏

ولما أصبحوا يوم البيعة وهو يوم الجمعة حضر الناس المسجد وجاء علي فصعد المنبر وقال‏:‏

أيها الناس عن ملأٍ وإذن إن هذا أمركم ليس لأحد فيه حق إلا من أمرتم وقد افترقنا بالأمس على أمر وكنت كارهًا لأمركم فأبيتم إلا أن أكون عليكم ألا وإنه ليس لي دونكم إلا مفاتيح ما لكم معي وليس لي أن آخذ درهمًا دونكم فإن شئتم قعدت لكم وإلا فلا أجد على أحد‏.‏

فقالوا‏:‏ نحن على ما فارقناك عليه بالأمس‏.‏

فقال‏:‏ اللهم اشهد‏.‏

ولما جاؤوا بطلحة ليبايع قال‏:‏ إنما أبايع كرهًا‏.‏

فبايع وكان به شلل فقال رجل يعتاف‏:‏ إنا لله وإنا إليه راجعون أول يد بايعت يد شلاء لا يتم هذا الأمر‏!‏ ثم جيء بالزبير فقال مثل ذلك وبايع وفي الزبير اختلاف ثم جيء بعده بقوم كانوا قد تخلفوا فقالوا‏:‏ نبايع على إقامة كتاب الله في القريب والبعيد والعزيز والذليل فبايعهم ثم قام العامة فبايعوا وصار الأمر أمر أهل المدينة وكأنهم كما كانوا فيه وتفرقوا إلى منازلهم‏.‏

وبويع يوم الجمعة لخمس بقين من ذي الحجة والناس يحسبون بيعته من يوم قتل عثمان‏.‏

وأول خطبة خطبها علي حين استخلف حمد الله وأثنى عليه ثم قال‏:‏ إن الله أنزل كتابًا هاديًا يبين فيه الخير والشر فخذوا بالخير ودعوا الشر الفرائض الفرائض أدوها إلى الله تعالى يؤدكم إلى الجنة‏.‏

إن الله حرم حرماتٍ غير مجهولة وفضل حرمة المسلم على الحرم كلها وشد بالإخلاص والتوحيد حقوق المسلمين فالمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده إلا بالحق لا يحل دم امرئ

مسلم إلا بما يجب‏.‏

بادروا أمر العامة وخاصة أحدكم الموت فإن الناس أمامكم وإن ما من خلفكم الساعة تحدوكم‏.‏

تخففوا تلحقوا فإنما ينتظر الناس أخراهم‏.‏

اتقوا الله عباد الله في بلاده وعباده إنكم مسؤولون حتى عن البقاع والبهائم‏.‏

أطيعوا الله فلا تعصوه وإذا رأيتم الخير فخذوا به وإذا رأيتم الشر فدعوه ‏{‏واذكروا إذ أنتم قليلٌ مستضعفون في الأرض‏}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏ 26‏]‏‏.‏

ولما فرغ من الخطبة وهو على المنبر قال السبئية‏.‏

خذها إليك واحذرن أبا حسن إنا نمر الأمر إمرار الرسن صولة أقوامٍ كأشداد السفن بمشرفياتٍ كغدران اللبن ونطعن الملك بلينٍ كالشطن حتى يمرن على غير عنن فقال علي‏:‏ إني عجزت عجزةً لا أعتذر سوف أكيس بعدها وأستمر أرفع من ذيلي ما كنت أجر وأجمع الأمر الشتيت المنتشر إن لم يشاغبني العجول المنتصر إن تتركوني والسلاح يبتدر ورجع علي إلى بيته فدخل عليه طلحة والزبير في عدد من الصحابة فقالوا‏:‏ يا علي إنا قد اشترطنا إقامة الحدود وإن هؤلاء القوم قد اشتركوا في قتل هذا الرجل وأحلوا بأنفسهم‏.‏

فقال‏:‏ يا إخوتاه إني لست أجهل ما تعلمون ولكن كيف أصنع بقوم يملكوننا ولا نملكهم ها هم هؤلاء قد ثارت معهم عبدانكم وثابت إليهم أعرابكم وهو خلاطكم يسومونكم ما شاؤوا فهل ترون موضعًا لقدرة على شيء مما تريدون قالوا‏:‏ لا‏.‏

قال‏:‏ فلا والله لا أرى إلا رأيًا ترونه أبدًا إلا أن يشاء الله‏.‏

إن هذا الأمر أمر جاهلية وإن لهؤلاء القوم مادة وذلك أن الشيطان لم يشرع شريعة قط فيبرح الأرض من أخذ بها أبدًا‏.‏

إن الناس من هذا الأمر إن حرك على أمور‏:‏ فرقة ترى ما ترون وفرقة ترى ما لا ترون وفرقة لا ترى هذا ولا هذا حتى يهدأ الناس وتقع القلوب مواقعها وتؤخذ الحقوق فاهدأوا عني وانظروا ماذا يأتيكم ثم عودوا‏.‏

واشتد على قريش وحال بينهم وبين الخروج على حالها وإنما هيجه على ذلك هرب بني أمية وتفرق القوم فبعضهم يقول ما قال علي وبعضهم يقول‏:‏ نقضي الذي علينا ولا نؤخره والله إن عليًا لمستغنٍ برأيه وليكونن أشد على قريش من غيره‏.‏

فسمع ذلك فخطبهم وذكر فضلهم وحاجته إليهم ونظره لهم وقيامه دونهم وأنه ليس له من سلطانهم إلا ذاك والأجر من الله عليه ونادى‏:‏ برئت الذمة من عبد لا يرجع إلى مولاه‏.‏

فتذامرت السبئية والأعراب وقالوا‏:‏ لنا غدًا مثلها ولا نستطيع نحتج فيهم بشيء‏.‏

وقال‏:‏ أيها الناس أخرجوا عنكم الأعراب فليلحقوا بمياههم فأبت السبئية وأطاعهم الأعراب‏.‏

فدخل علي بيته ودخل عليه طلحة والزبير وعدةٌ من أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال‏:‏ دونكم ثأركم فاقتلوه‏.‏

فقالوا‏:‏ عشوا من ذلك‏.‏

فقال‏:‏ هم والله بعد اليوم أعشى‏!‏ وقال‏:‏ ولو أن قومي طاوعتني سراتهم أمرتهم أمرًا يديخ الأعاديا وقال طلحة‏:‏ دعني آت البصرة فلا يفجأك إلا وأنا في خيل‏.‏

وقال الزبير‏:‏ دعني آت الكوفة فلا يفجأك إلا وأنا في خيل‏.‏

فقال‏:‏ حتى أنظر في ذلك‏.‏

قيل‏:‏ وقال ابن عباس‏:‏ أتيت عليًا بعد قتل عثمان عند عودي من مكة فوجدت المغيرة بن شعبة مستخليًا به فخرج من عنده فقلت له‏:‏ ما قال لك هذا فقال‏:‏ قال لي قبل مرته هذه‏:‏ إن لك حق الطاعة والنصيحة وأنت بقية الناس وإن الرأي اليوم تحرز به ما في غد وإن الضياع اليوم يضيع به ما في غد أقرر معاوية وابن عامر وعمال عثمان على أعمالهم حتى تأتيك بيعتهم ويسكن الناس ثم اعزل من شئت فأبيت عليه ذلك وقلت‏:‏ لا أداهن في ديني ولا أعطي الدنية في أمري‏.‏

قال‏:‏ فإن كنت أبيت علي فانزع من شئت واتر معاوية فإن في معاوية جرأة وهو في أهل الشام يستمع منه ولك حجة في إثباته وكان عمر بن الخطاب قد ولاه الشام‏.‏

فقلت‏:‏ لا والله لا أستعمل معاوية يومين‏!‏ ثم انصرف من عندي وأنا أعرف فيه أنه يود أني مخطىء ثم عاد إلي فقال‏:‏ إني أشرت عليك أول مرة بالذي أشرت وخالفتني فيه ثم رأيت بعد ذلك أن تصنع الذي رأيت فتعزلهم وتستعين بمن تثق به فقد كفى الله وهم أهون شوكة مما كان‏.‏

قال ابن عباس‏:‏ فقلت لعلي‏:‏ أما المرة الأولى فقد نصحك وأما المرة الثانية فقد غشك‏.‏قال‏:‏ ولم نصحني قلت‏:‏ لأن معاوية وأصحابه أهل دنيا فمتى ثبتهم لا يبالون من ولي هذا الأمر ومتى تعزلهم يقولون‏:‏ أخذ هذا الأمر بغير شورى وهو قتل صاحبنا ويؤلبون عليك فتنتفض عليك الشام وأهل العراق مع أني لا آمن طلحة والزبير أن يكرا عليك وأنا أشير عليك أن تثبت معاوية فإن بايع لك فعلي أن أقلعه من منزله وقال علي‏:‏ والله لا أعطيه إلا السيف‏!‏ ثم تمثل‏:‏ وما ميتةٌ إن متها غير عاجز بعارٍ إذا ما غالت النفس غولها فقلت‏:‏ يا أمير المؤمنين أنت رجلٌ شجاع لست صاحب رأي في الحرب أما سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول‏:‏ ‏(‏الحرب خدعة‏)‏ فقال‏:‏ بلى‏.‏

فقلت‏:‏ أما والله لئن أطعتني لأصدرنهم بعد ورد ولأتركنهم ينظرون في دبر الأمور لا يعرفون ما كان وجهها في غير نقصان عليك ولا إثم لك‏.‏

فقال‏:‏ يا ابن عباس لست من هناتك ولا من هنات معاوية في شيء‏.‏

قال ابن عباس‏:‏ فقلت له‏:‏ أطعني والحق بما لك بينبع وأغلق بابك عليك فإن العرب تجول جولة وتضطرب ولا تجد غيرك فإنك والله لئن نهضت مع هؤلاء اليوم ليحملنك الناس دم عثمان غدًا‏.‏

فأبى علي فقال‏:‏ تشير علي وأرى فإذا عصيتك فأطعني‏.‏

قال‏:‏ فقلت‏:‏ افعل إن أيسر ما لك عندي الطاعة‏.‏

فقال له علي‏:‏ تسير إلى الشام فقد وليتكها‏.‏

فقال ابن عباس‏:‏ ما هذا برأي معاوية رجل من بني أمية وهو ابن عم عثمان وعامله ولست آمن أن يضرب عنقي بعثمان وإن أدنى ما هو صانعٌ أن يحبسني فيتحكم علي لقرابتي منك وإن كل ما حمل عليك حمل علي ولكن اكتب إلى معاوية فمنه وعده‏.‏

فقال‏:‏ لا والله لا كان هذا أبدًا‏!‏ ذكر عدة حوادث في هذه السنة أعني سنة خمس وثلاثين سار قسطنطين بن هرقل في ألف مركب يريد أرض المسلمين قبل قتل عثمان فسلط الله عليهم ريحًا عاصفًا فغرقهم ونجا قسطنطين فأتى صقلية فصنعوا له حمامًا فدخله فقتلوه فيه وقالوا‏:‏ قتلت رجالنا‏.‏

هكذا قال أبو جعفر‏.‏

وهذا قسطنطين هو الذي هزمه المسلمون في غزوة الصواري سنة إحدى وثلاثين وقتله أهل صقلية في الحمام وإن كانوا قد اختلفوا في السنة التي كانت الوقعة فيها فلولا قوله‏:‏ إن المراكب غرقت لكانت هذه الحادثة هي تلك فإنها في قول بعضهم‏:‏ كانت سنة خمس وثلاثين‏.‏

وفي خلافة عثمان مات أوس بن خولي الأنصاري وفي خلافة عثمان أيضًا مات الجلاس بن سويد الأنصاري وكان من المنافقين على عهد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وحسنت توبته وفيها مات الحرث بن نوفل بن الحرث بن عبد المطلب والد الملقب بببة وفي آخرها مات الحكم بن أبي العاص وهو والد مروان وعم عثمان وفيهها مات حبان بن منقذ الأنصاري وهو والد يحيى بن حبان بفتح الحاء المهملة وبالباء الموحدة وفيها مات عبد الله ابن قيس بن خالد الأنصاري وقيل‏:‏ بل قتل بأحد شهيدًا وفي خلافته مات قطبة بن عامر الأنصاري وهو عقبي بدري وفي خلافته مات زيد بن خارجة بن زيد الأنصاري وهو الذي تكلم بعد موته وفيها قتل معبد بن العباس بن عبد المطلب بإفريقية في آخر خلافة عثمان وفيها مات معيقيب بن أبي فاطمة وكان من مهاجرة الحبشة وكان على خاتم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقيل‏:‏ بل مات سنة أربعين في خلافة علي وفيها مات مطيع بن الأسود العدوي وكان إسلامه يوم الفتح وفي خلافته مات نعيم بن مسعود الأشجعي وقيل‏:‏ بل قتل في وقعة الجمل مع مجاشع بن مسعد وفي خلافته مات عبد الله بن حذافة السهمي وهو بدري وكان فيه دعابة وفيها مات عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي والد عمر الشاعر وكان قد جاء من اليمن لينصر عثمان لما حصر فسقط عن راحلته فمات وأبو رافع مولى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقيل‏:‏ مات في خلافة علي وهو اصح وفي خلافته توفي أبو سبرة بن أبي رهم العامري من عامر بن لؤي وهو بدري وفيها مات هاشم بن عتبة بن ربيعة خال معاوية أسلم يوم الفتح وكان صالحًا وفيها

 ثم دخلت سنة ست وثلاثين

 ذكر تفريق عليّ عماله وخلاف معاوية

وفي هذه السنة فرق علي عماله على الأمصار فبعث عثمان بن حنيف على البصرة وعمارة بن شهاب على الكوفة وكانت له هجرة وعبيد الله بن عباس على اليمن وقيس بن سعد على مصر وسهل بن حنيف على الشام‏.‏

فأما سهل فإنه خرج حتى إذا كان بتبوك لقيته خيلٌ فقالوا‏:‏ من أنت قال‏:‏ أمير‏.‏

قالوا‏:‏ على أي شيء أمير المؤمنينعلى الشام‏.‏

قالوا‏:‏ إن كان بعثك عثمان فحي هلًا بك وإن كان بعثك غيره فارجع‏.‏

قال‏:‏ أوما سمعتم بالذي كان قالوا‏:‏ بلى‏.‏

فرجع إلى علي‏.‏

وأما قيس بن سعد فإنه لما انتهى إلى أيلة لقيته خيلٌ فقالوا له‏:‏ من أنت قال‏:‏ من فالة عثمان فأنا أطلب من آوي إليه فأنتصر به لله‏.‏

قالوا‏:‏ من أنت قال‏:‏ قيس بن سعد‏.‏

قالوا‏:‏ امض‏.‏

فمضى حتى دخل مصر‏.‏

فافترق أهل مصر فرقًا فرقة دخلت في الجماعة فكانوا معه وفرقة اعتزلت بخرنبا وقالوا‏:‏ إن قتل قتلة عثمان فنحن معكم وإلا فنحن على دديلتنا حتى نحرك أو نصيب حاجتنا وفرقة قالوا‏:‏ نحن مع علي ما لم يقد من إخواننا وهم في ذلك مع الجماعة‏.‏

وكتب قيس إلى علي وأما عثمان بن حنيف فسار ولم يرده أحد عن دخول البصرة ولم يجد لابن عامر في ذلك رأيًا ولا استقلالًا بحرب وافترق الناس بها فاتبعت فرقةٌ القوم ودخلت فرقةٌ في الجماعة وقالت فرقة‏:‏ ننظر ما يصنع أهل المدينة فتصنع كما صنعوا‏.‏

وأما عمارة بن شهاب فلما بلغ زبالة لقيه طليحة بن خويلد وكان خرج يطلب بثأر عثمان وهو يقول‏:‏ لهفي على أمر لم يسبقني ولم أدركه‏!‏ وكان خروجه عند عود القعقاع من إغاثة عثمان فلما لقي عمارة قال له‏:‏ ارجع فإن القوم لا يريدون بأميرهم بدلًا فإن أبيت ضربت عنقك‏.‏

فرجع عمارة إلى علي بالخبر‏.‏

وانطلق عبيد الله بن عباس إلى اليمن فجمع يعلى بن منية كل شيء من الجباية وخرج به إلى مكة فقدمها بالمال ودخل عبيد الله اليمن‏.‏

ولما رجع سهل بن حنيف من الشام وأتت عليًا الأخبار دعا طلحة والزبير فقال‏:‏ إن الأمر الذي كنت أحذركم قد وقع وإن الذي قد وقع لا يدرك إلا بإماتته وإنها فتنة كالنار كلما سعرت ازدادت واستثارت‏.‏

فقالا له‏:‏ ائذن لنا نخرج من المدينة فإما أن نكاثر وإما أن تدعنا‏.‏

فقال‏:‏ سأمسك الأمر ما استمسك فإذا لم أجد بدًا فآخر الداء الكي‏.‏

وكتب إلى معاوية وإلى أبي موسى‏.‏

فكتب إليه أبو موسى بطاعة أهل الكوفة وبيعتهم وبين الكاره منهم للذي كان والراضي ومن بين ذلك حتى كان علي كأنه يشاهدهم‏.‏

وكان رسول علي إلى أبي موسى معبدٌ الأسلمي وكان رسوله إلى معاوية سبرة الجهني فقدم عليه فلم يجبه معاوية بشيء كلما تنجز جوابه لم يزد على قوله‏:‏ أدم إدامة حصن أو خذا بيدي حربًا ضروسًا تشب الجذل والضرما في جاركم وابنكم إذ كان مقتله شنعاء شيبت الأصداغ واللمما أعيا المسود بها والسيدون فلم يوجد لنا غيرنا مولىً ولا حكما حتى إذا كان الشهر الثالث من مقتل عثمان في صفر دعا معاوية رجلًا من بني عبس يدعى قبيصة فدفع إليه طومارًا مختومًا عنوانه‏:‏ من معاوية إلى علي‏:‏ وقال له‏:‏ إذا دخلت المدينة فاقبض على أسفل الطومار ثم أوصاه بما يقول وأعاد رسول علي معه‏.‏

فخرجا فقدما المدينة في ربيع الأول فدخلها العبسي كما أمره قد رفع الطومار فتبعه الناس ينظرون إليه وعلموا أن معاوية معترض ودخل الرسول على علي فدفع إليه الطومار ففض ختمه فلم يجد فيه كتابًا‏.‏

فقال للرسول‏:‏ ما وراءك قال‏:‏ آمن أنا قال‏:‏ نعم إن الرسول لا يقتل‏.‏

قال‏:‏ ورائي أني تركت قومًا لا يرضون إلا بالقود‏.‏قال‏:‏ ممن قال‏:‏ من خيط رقبتك‏.‏

وتركت ستين ألف شيخ تبكي تحت قميص عثمان وهو منصوب لهم قد ألبسوه منبر دمشق‏.‏

قال‏:‏ أمني يطلبون دم عثمان ألست موتورًا كترة عثمان اللهم إني أبرأ إليك من دم عثمان‏!‏ نجا والله قتلة عثمان إلا أن يشاء الله

فإنه إذا أراد أمرًا اصابه اخرج‏.‏

قال‏:‏ وأنا آمنٌ قال‏:‏ وأنت آمن‏.‏

فخرج العبسي وصاحت السبئية وقالت‏:‏ هذا الكلب رسول الكلاب اقتلوه‏!‏ فنادى‏:‏ يا آل مضر‏!‏ يا آل قيس‏!‏ الخيل والنهل‏!‏ أقسم بالله ليردنها عليكم أربعة آلاف خصي فانظروا كم الفحول والركاب‏!‏ وتعاونوا عليه فمنعه مضر فجعلوا يقولون له‏:‏ اسكت فيقول‏:‏ لا والله لا يفلح هؤلاء أبدًا أتاهم ما يوعدون لقد حل بهم ما يجدون انتهت والله أعمالهم وذهبت ريحهم فوالله ما أمسوا حتى عرف الذل فيهم‏.‏

وأحب أهل المدينة أن يعلموا رأي علي في معاوية وقتاله أهل القبلة أيجسر عليه أم ينكل عنه وقد بلغهم أن ابنه الحسن دعاه إلى القعود وترك الناس فدسوا زياد بن حنظلة التميمي وكان منقطعًا إلى علي فجلس إليه ساعة فقال له علي‏:‏ يا زياد تيسر فقال‏:‏ لأي شيء فقال‏:‏ لغزو الشام‏.‏

فقال زياد‏:‏ الأناة والرفق أمثل وقال‏:‏ ومن لم يصانع في أمورٍ كثيرةٍ يضرس بأنيابٍ ويوطأ بمنسم فتمثل علي وكأنه لا يريده‏:‏ متى تجمع القلب الزكي وصارمًا وأنفًا حميًا تجتنبك المظالم فخرج زياد والناس ينتظرونه وقالوا‏:‏ ما وراءك فقال‏:‏ السيف يا قوم‏.‏

فعرفوا ما هو فاعل‏.‏

واستأذنه طلحة والزبير في العمرة فأذن لهما فلحقا بمكة ودعا علي محمد بن الحنفية فدفع إليه اللواء وولى عبد الله بن عباس ميمنته وعمر بن أبي سلمة أو عمرو بن سفيان بن عبد الأسد ولاه ميسرته ودعا أبا ليلى بن عمر بن الجراح ابن أخي أبي عبيدة بن الجراح فجعله على مقدمته واستخلف على المدينة قثم بن العباس ولم يول ممن خرج على عثمان أحدًا وكتب إلى قيس بن سعد وإلى عثمان بن حنيف وإلى أبي موسى أن يندبوا الناس إلى أهل الشام ودعا أهل المدينة إلى قتالهم وقال لهم‏:‏ إن في سلطان الله عصمة أمركم فأعطوه طاعتكم غير ملوية ولا مستكره بها والله لتفعلن أو لينقلن عنكم سلطان الإسلام ثم لا ينقله إليكم أبدًا حتى يأرز الأمر إليها انهضوا إلى هؤلاء الذين يريدون تفريق جماعتكم لعل الله يصلح بكم ما أفسد أهل الآفاق وتقضون الذي عليكم‏.‏

خرنبا بفتح الخاء المعجمة وسكون الراء وفتح النون والباء الموحدة وآخره ألف‏.‏

 ذكر ابتداء وقعة الجمل

فبينما هم كذلك على التجهز لأهل الشام أتاهم الخبر عن طلحة والزبير وعائشة وأهل مكة بنحو آخر وأنهم على الخلاف فأعلم علي الناس ذلك وأن عائشة وطلحة والزبير قد سخطوا إمارته ودعوا الناس إلى الإصلاح وقال لهم‏:‏ سأصبر ما لم أخف على جماعتكم وأكف إن كفوا وأقتصر على ما بلغني‏.‏ عنهم‏.‏

ثم أتاه أنهم يريدون البصرة فسره ذلك وقال‏:‏ إن الكوفة فيها رجال العرب وبيوتاتهم‏.‏

فقال له ابن عباس‏:‏ إن الذي سرك من ذلك ليسوءني إن الكوفة فسطاط فيه من أعلام العرب ولا يحملهم عدة القوم ولا يزال فيها من يسمو إلى أمر لا يناله فإذا كان كذلك شغب علي الذي قد نال ما يريد حتى تكسر حدته‏.‏

فقال علي‏:‏ إن الأمر ليشبه ما تقول وتهيأ للخروج إليهم فندب أهل المدينة للمسير معهم فتثاقلوا فبعث إلى عبد الله بن عمر كميلًا النخعي فجاء به فدعاه إلى الخروج معه فقال‏:‏ إنما أنا من أهل المدينة وقد دخلوا في هذا الأمر فدخلت معهم فإن يخرجوا أخرج معهم وإن يقعدوا أقعد‏.‏

قال‏:‏ فأعطني كفيلًا‏.‏

قال‏:‏ لا أفعل‏.‏

فقال له علي‏:‏ لولا ما أعرف من سوء خلقك صغيرًا وكبيرًا لأنكرتني دعوه فأنا كفيله‏.‏

فرجع ابن عمر إلى المدينة وهم يقولون‏:‏ والله ما ندري كيف نصنع إن الأمر لمشتبه علينا ونحن مقيمون حتى يضيء لنا‏.‏

فخرج من تحت ليلته وأخبر أم كلثوم ابنة علي وهي زوجة عمر بالذي سمع وأنه يخرج معتمرًا مقيمًا على طاعة علي ما خلا النهوض‏.‏فأصبح علي فقيل له‏:‏ حدث الليلة حدث هو

أشد من طلحة والزبير وعائشة ومعاوية‏.‏

قال‏:‏ وما ذاك قالوا‏:‏ خرج ابن عمر إلى الشام فأتى السوق وأعد الظهر والرجال وأخذ لكل طريق طلابًا وماج الناس‏.‏

فسمعت أم كلثوم فأتت عليًا فأخبرته الخبر فطابت نفسه وقال‏:‏ انصرفوا والله ما كذبت ولا كذب والله إنه عندي ثقة‏.‏ فانصرفوا‏.‏

وكان سبب اجتماعهم بمكة أن عائشة كانت خرجت إليها وعثمان محصور ثم خرجت من مكة تريد المدينة‏.‏

فلما كانت بسرف لقيها رجلٌ من أخوالها من بني ليث يقال له عبيد بن أبي سلمة وهو ابن أم كلاب فقالت له‏:‏ مهيم قال‏:‏ قتل عثمان وبقوا ثمانيًا‏.‏

قالت‏:‏ ثم صنعوا ماذا قال‏:‏ اجتمعوا على بيعة علي‏.‏

فقالت‏:‏ ليت هذه انطبقت على هذه إن تم الأمر لصاحبك‏!‏ ردوني ردوني‏!‏ فانصرفت إلى مكة وهي تقول‏:‏ قتل والله عثمان مظلومًا والله لأطلبن بدمه‏!‏ فقال لها‏:‏ ولم والله إن أول أمال حرفه لأنت ولقد كنت تقولين‏:‏ اقتلوا نعثلًا فقد كفر‏.‏

قالت‏:‏ إنهم استتابوه ثم قتلوه وقد قلت وقالوا وقولي الأخير خير من قولي الأول‏.‏

فقال لها ابن أم كلاب‏:‏ فمنك البداء ومنك الغير ومنك الرياح ومنك المطر وأنت أمرت بقتل الإمام وقلت لنا إنه قد كفر ولم يسقط السقف من فوقنا ولم ينكسف شمسنا والقمر وقد بايع الناس ذا تدرإ يزيل الشبا ويقيم الصغر ويلبس للحرب أثوابها وما من وفى مثل من قد غدر فانصرفت إلى مكة فقصدت الحجر فسترت فيه فاجتمع الناس حولها فقالت‏:‏ أيها الناس إن الغوغاء من أهل الأمصار وأهل المياه وعبيد أهل المدينة اجتمعوا على هذا الرجل المقتول ظلمًا بالأمس ونقموا عليه استعمال من حدثت سنه وقد استعمل أمثالهم قبله ومواضع من الحمى حماها لهم فتابعهم ونزع لهم عنها‏.‏

فلما لم يجدوا حجة ولا عذرًا بادروا بالعدوان فسفكوا الدم الحرام واستحلوا البلد الحرام والشهر الحرام وأخذوا المال الحرام والله لإصبعٌ من عثمان خير من طباق الأرض أمثالهم‏!‏ ووالله لو أن الذي اعتدوا به عليه كان ذنبًا لخلص منه كما يخلص الذهب من خبثه أو الثوب من درنه إذ ماصوه كما يماص الثوب بالماء أي يغسل‏.‏

فقال عبد الله بن عامر الحضرمي وكان عامل عثمان على مكة‏:‏ ها أنا أول طالب‏!‏ فكان أول مجيب وتبعه بنو أمية على ذلك وكانوا هربوا من المدينة بعد قتل عثمان إلى مكة ورفعوا رؤوسهم وكان أول ما تكلموا بالحجاز وتبعهم سعيد بن العاص والوليد بن عقبة وسائر بني أمية وقدم عليهم عبد الله بن عامر من البصرة بمال كثير ويعلى بن أمية وهو ابن منية من اليمن ومعه ستمائة بعير وستمائة ألف درهم فأناخ بالأبطح وقدم طلحة والزبير من المدينة فلقيا عائشة فقالت‏:‏ ما وراءكما فقالا‏:‏ إنا تحملنا هرابًا من المدينة من غوغاء وأعراب وفارقنا قوممًا حيارى لا يعرفون حقًا ولا ينكرون باطلًا ولا يمنعون أنفسهم‏.‏فقالت‏:‏ انهضوا إلى هذه الغوغاء‏.‏

فقالوا‏:‏ نأتي الشام‏.‏

فقال ابن عامر‏:‏ قد كفاكم الشام معاوية فأتوا البصرة فإن لي به بها صنائع ولهم في طلحة هوىً قالوا‏:‏ قبحك الله‏!‏ فوالله ما كنت بالمسالم ولا بالمحارب فهلا أقمت كما أقام معاوية فنكفى بك ثم نأتي الكوفة فنسد على هؤلاء القوم المذاهب فلم يجدوا عنده جوابًا مقبولًا فاستقام الرأي على البصرة وقالوا لها‏:‏ نترك المدينة فإنا خرجنا فكان معنا من لا يطيق من بها من الغوغاء ونأتي بلدًا مضيعًا سيحتجون علينا ببيعة علي فتنهضينهم كما أنهضت أهل مكة فإن أصلح الله الأمر كان الذي أردنا وإلا دفعنا بجهدنا حتى يقضي الله ما أراد‏.‏

فأجابتهم إلى ذلك‏.‏

ودعوا عبد الله بن عمر ليسير معهم فابى وقال‏:‏ أنا من أهل المدينة أفعل ما يفعلون‏.‏

فتركوه‏.‏

وكان أزواج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ معها على قصد المدينة فلما تغير رأيها إلى البصرة تركن ذلك وأجابتهم حفصة إلى المسير معهم فمنعها أخوها عبد الله بن عمر‏.‏

وجهزهم يعلى بن منية بستمائة بعير وستمائة ألف درهم وجهزهم ابن عامر بمال كثير ونادى مناديها‏:‏ إن أم المؤمنين وطلحة والزبير شاخصون إلى البصرة فمن أراد إعزاز الإسلام وقتال المحلين والطلب بثأر عثمان وليس له مركب وجهاز فليأت‏!‏ فحملوا ستمائة على ستمائة بعير وساروا في ألف وقيل‏:‏ في تسعمائة من أهل المدينة ومكة ولحقهم الناس فكانوا في ثلاثة آلاف رجل‏.‏

وبعثت أم الفضل بنت الحرث أم عبد الله بن عباس رجلًا من جهينة يدعى ظفرًا فاستأجرته على أن يأتي عليًا بالخبر فقدم على علي بكتابها‏.‏

وخرجت عائشة ومن معها من مكة فلما خرجوا منها وأذن مروان بن الحكم ثم جاء حتى وقف على طلحة والزبير فقال‏:‏ على أيكما أسلم بالإمرة وأؤذن بالصلاة فقال عبد الله بن الزبير‏:‏ على أبي عبد الله يعني أباه الزبير‏.‏

وقال محمد بن طلحة‏:‏ على أبي محمد يعني أباه طلحة‏.‏

فأرسلت عائشة إلى مروان وقالت له‏:‏ أتريد أن تفرق أمرنا‏!‏ ليصل بالناس ابن أختي تعني عبد الله بن الزبير‏.‏

وقيل‏:‏ بلى صلى بالناس عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد حتى قتل فكان معاذ ابن عبيد الله يقول‏:‏ والله لو ظفرنا لاقتتلنا ما كان الزبير يترك طلحة والأمر ولا كان طلحة يترك الزبير والأمر‏.‏

وتبعها أمهات المؤمنين إلى ذات عرق فبكوا على الإسلام فلم ير يوم كان أكثر باكيًا وباكيةً من ذلك اليوم فكان يسمى يوم النحيب‏.‏

فلما بلغوا ذات عرق لقي سعيد بن العاص مروان بن الحكم وأصحابه بها فقال‏:‏ أين تذهبون وتتركون ثأركم على أعجاز الإبل وراءكم يعني عائشة وطلحة والزبير اقتلوهم ثم ارجعوا إلى منازلكم‏.‏

فقالوا‏:‏ نسير فلعلنا نقتل قتلة عثمان جميعًا‏.‏

فخلا سعيد بطلحة والزبير فقال‏:‏ إن ظفرتما لمن تجعلان الأمر اصدقاني‏.‏

قالا‏:‏ نجعله لأحدنا أينا اختاره الناس‏.‏

قال‏:‏ بل تجعلونه لولد عثمان فإنكم خرجتم تطلبون بدمه‏.‏

فقالا‏:‏ ندع شيوخ المهاجرين ونجعلها لأيتام‏!‏ قال‏:‏ فلا أراني أسعى إلا لإخراجها من بني عبد مناف‏.‏

فرجع ورجع عبد الله ابن خالد بن أسيد وقال المغيرة بن شعبة‏:‏ الرأي ما قال سعيد من كان ههنا من ثقيف فليرجع‏.‏

فرجع ومضى القوم ومعهم أبان والوليد ابنا عثمان‏.‏

وأعطى يعلى بن منية عائشة جملًا اسمه عسكر اشتراه بثمانين دينارًا فركبته وقيل‏:‏ بل كان جملها لرجل من عرينة‏.‏

قال العرني‏:‏ بينما أنا أسير على جمل إذ عرض لي راكب فقال‏:‏ أتبيع جملك قلت‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ بكم قلت‏:‏ بألف درهم‏.‏

قال‏:‏ أمجنون أنت قلت‏:‏ ولم والله ما طلبت عليه أحدًا إلا أدركته ولا طلبني وأنا عليه أحدٌ إلا فته‏.‏

قال‏:‏ لو تعلم لمن نريده‏!‏ إنما نريده لأم المؤمنين عائشة‏!‏ فقلت‏:‏ خذه بغير ثمن‏.‏

قال‏:‏ بل ترجع معنا إلى الرحل فنعطيك ناقة ودراهم‏.‏

قال‏:‏ فرجعت معه فأعطوني ناقة مهرية وأربعمائة درهم أو ستمائة وقالوا لي‏:‏ يا أخا عرينة هل لك دلالة بالطريق قلت‏:‏ أنا من أدل الناس‏.‏

قالوا‏:‏ فسر معنا‏.‏

فسرت معهم فلا أمر على واد إلا سألوني عنه حتى طرقنا الحوأب وهو ماء فنبحتنا كلابه فقالوا‏:‏ أي ماء هذا فقلت‏:‏ هذا ماء الحواب‏.‏

فصرخت عائشة بأعلى صوتها وقالت‏:‏ إنا لله وإنا إليه راجعون إني لهيه سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول وعنده نساؤه‏:‏ ليت شعري أيتكن تنبحها كلاب الحوأب‏!‏ ثم ضربت عضد بعيرها فأناخته وقالت‏:‏ ردوني أنا والله صاحبة ماء الحوأب‏.‏

فأناخوا حولها يومًا وليلة فقال لها عبد الله بن الزبير‏:‏ إنه كذب ولم يزل بها وهي تمتنع فقال لها‏:‏ النجاء النجاء‏!‏ قد أدرككم علي بن أبي طالب‏.‏

فارتحلوا نحو البصرة فلما كانوا بفنائها لقيهم عمير بن عبد الله التميمي وقال‏:‏ يا أم المؤمنين أنشدك الله أن تقدمي اليوم على قوم لم تراسلي منهم أحدًا فعجلي ابن عامر فإن له بها صنائع فليذهب إليهم ليلقوا الناس إلى أن تقدمي ويسمعوا ما جئتم به‏.‏

فأرسلته فاندس إلى البصرة فأتى القوم وكتبت عائشة إلى رجال من أهل البصرة وإلى الأحنف بن قيس وصبرة بن شيمان وأمثالهم وأقامت بالحفير تنتظر الجواب‏.‏

ولما بلغ ذلك أهل البصرة دعا عثمان بن حنيف عمران بن حصين وكان رجل عامة وألزه بأبي الأسود الدئلي وكان رجل خاصة وقال لهما‏:‏ انطلقا إلى هذه المرأة فاعلما علمها وعلم من

معها‏.‏

فخرجا فانتهيا إليها بالحفير فأذنت لهما فدخلا وسلما وقالا‏:‏ إن أميرنا بعثنا إليك لنسألك عن مسيرك فهل أنت مخبرتنا فقالت‏:‏ والله ما مثل يعطي لبنيه الخبر إن الغوغاء ونزاع القبائل غزوا حرم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأحدثوا فيه وآووا المحدثين فاستوجبوا لعنة الله ولعنة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع ما نالوا من قتل إمام المسلمين بلا ترةٍ ولا عذر فاستحلوا الدم الحرام وسفكوه وانتهبوا المال الحرام وأحلوا البلد الحرام والشهر الحرام فخرجت في المسلمين أعلمهم ما أتى هؤلاء وما الناس فيه وراءنا وما ينبغي لهم من إصلاح هذه القصة وقرأت‏:‏ ‏{‏لا خير في كثيرٍ من نجواهم‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 114‏]‏‏.‏ الآية فهذا شأننا إلى معروف نأمركم به ومنكر ننهاكم عنه‏.‏

فخرج عمران وأبو الأسود من عندها فأتيا طلحة وقالا‏:‏ ما أقدمك فقال‏:‏ الطلب بدم عثمان‏.‏

فقالا‏:‏ ألم تبايع عليًا فقال‏:‏ بلى والسيف على عنقي وما أستقيل عليًا البيعة إن هو لم يحل بيننا وبين قتلة عثمان‏.‏

ثم أتيا الزبير فقالا له مثل قولهما لطلحة وقال لهما مثل قول طلحة فرجعا إلى عثمان بن حنيف ونادى مناديها بالرحيل فدخلا على عثمان فبادر أبو الأسود عمران فقال‏:‏ يا ابن حنيفٍ قد أتيت فانفر وطاعن القوم وجالد واصبر

فقال عثمان‏:‏ إنا لله وإنا إليه راجعون دارت رحى الإسلام ورب الكعبة فانظروا بأي زيفان تزيف‏.‏

فقال عمران‏:‏ إي والله لتعركنكم عركًا طويلًا‏.‏

قال‏:‏ فأشر علي يا عمران‏.‏

قال‏:‏ اعتزل فإني قاعد‏.‏

قال عثمان‏:‏ بل أمنعهم حتى يأتي أمير المؤمنين‏.‏

فانصرف عمران إلى بيته وقام عثمان في أمره فأتاه هشام بن عامر فقال‏:‏ إن هذا الأمر الذي تريده يسلم إلى شر مما تكره إن هذا فتقٌ لا يرتق وصدعٌ لا يجبر فارفق بهم وسامحهم حتى يأتي أمر علي‏.‏

فأبى ونادى عثمان في الناس وأمرهم بلبس السلاح فاجتمعوا إلى المسجد وأمرهم بالتجهز وأمر رجلًا دسه إلى الناس خدعًا كوفيًا قيسيًا فقام فقال‏:‏ أيها الناس أنا قيس بن العقدية الحميسي إن هؤلاء القوم إن كانوا جاؤوا خائفين فقد أتوا من بلد يأمن فيه الطير وإن كانوا جاؤوا يطلبون بدم عثمان فما نحن بقتلة عثمان فأطيعوني وردوهم من حيث جاؤوا‏.‏

فقام الأسود ابن سريع السعدي فقال‏:‏ أو زعموا أنا قتلة عثمان إنما أتوا يستعينون بنا على قتلة عثمان منا ومن غيرنا‏.‏

فحصبه الناس فعرف عثمان أن لهم بالبصرة ناصرًا فكسره ذلك‏.‏

فأقبلت عائشة فيمن معها حتى انتهوا إلى المربد فدخلوا من أعلاه ووقفوا حتى خرج عثمان فيمن معه وخرج إليها من أهل البصرة من أراد أن يكون معها فاجتمع القوم بالمربد فتكلم طلحة وهو في ميمنة المربد وعثمان في ميسرته فأنصتوا له فحمد الله وأثنى عليه وذكر عثمان

وفضله وما استحل منه ودعا إلى الطلب بدمه وحثهم عليه وكذلك الزبير‏.‏

فقال من في ميمنة المربد‏:‏ صدقا وبرا‏.‏

وقال من في ميسرته‏:‏ فجرا وغدرا وأمرا بالباطل فقد بايعا عليًا ثم جاءا يقولان وتحاثى الناس وتحاصبوا وأرهجوا‏.‏

فتكلمت عائشة وكانت جهورية الصوت فحمدت الله وقالت‏:‏ كان الناس يتجنون على عثمان ويزرون على عماله ويأتوننا بالمدينة فيستشيروننا فيما يخبروننا عنهم فننظر في ذلك فنجده بريئًا تقيًا وفيًا ونجدهم فجرة غدرة كذبة وهم يحاولون غير ما يظهرون فلما قووا كاثروه واقتحموا عليه داره واستحلوا الدم الحرام والشهر الحرام والبلد الحرام بلا ترةٍ ولا عذر ألا إن مما ينبغي ولا ينبغي لكم غيره أخذ قتلة عثمان وإقامة كتاب الله وقرأت‏:‏ ‏{‏ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبًا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 23‏]‏‏.‏ الآية فافترق أصحاب عثمان فرقتين فرقة قالت‏:‏ صدقت وبرت وقال الآخرون‏:‏ كذبتم والله ما نعرف ما جئتم به‏!‏ فتحاثوا وتحاصبوا‏.‏

فلما رأت عائشة ذلك انحدرت وانحدر أهل الميمنة مفارقين لعثمان بن حنيف حتى وقفوا في المربد في موضع الدباغين وبقي أصحاب عثمان على حالهم ومال بعضهم إلى عائشة وبقي بعضهم مع عثمان‏.‏وأقبل جارية بن قدامة السعدي وقال‏:‏ يا أم المؤمنين والله لقتل عثمان أهون من خروجك من بيتك على هذا الجمل الملعون عرضة للسلاح‏!‏ إنه قد كان لك من الله ستر وحرمة فهتكت سترك وأبحت حرمتك‏!‏ إنه من رأى قتالك يرى قتلك‏!‏ لئن كنت أتيتنا طائعة فارجعي إلى منزلك وإن كنت أتيتنا مكرهة فاستعيني بالناس‏.‏

وخرج غلام شاب من بني سعد إلى طلحة والزبير فقال‏:‏ أما أنت يازبير فحواري رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأما أنت يا طلحة فوقيت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بيدك وأرى أمكما معكما فهل جئتما بنسائكما قالا‏:‏ لا‏.‏

قال‏:‏ فما أنا منكم في شيء واعتزل وقال في ذلك‏:‏ صنتم حلائلكم وقدتم أمكم هذا لعمرك قلة الإنصاف أمرت بجر ذيولها في بيتها فهوت تشق البيد بالإيجاف غرضًا يقاتل دونها أبناؤها بالنبل والخطي والأسياف هكت بطلحة والزبير ستورها هذا امخبر عنهم والكافي وأقبل حكيم بن جبلة العبدي وهو على الخيل فأنشب القتال وأشرع أصحاب عائشة رماحهم وأمسكوا ليسمك حكيم وأصحابه فلم ينته وقاتلهم وأصحاب عائشة كافون يدفعون عن أنفسهم وحكيم يذمر خيله ويركبهم بها فاقتتلوا على فم السكة وأمرت عائشة أصحابها فتيامنوا إلى مقبرة بني مازن وحجز الليل بينهم ورجع عثمان إلى القصر وأتى أصحاب عائشة إلى ناحية دار الرزق وباتوا يتأهبون وبات الناس يأتونهم واجتمعوا بساحة دار الرزق‏.‏

فغاداهم حكيم بن جبلة وهو يسب وبيده الرمح فقال له رجل من عبد القيس‏:‏ من هذا الذي تسبه قال‏:‏ عائشة‏.‏

قال‏:‏ يا ابن الخبيثة الأم المؤمنين تقول هذا فطعنه حكيم فقتله‏.‏

ثم مر بامرأة وهو يسبها أيضًا فقالت له‏:‏ ألأم المؤمنين تقول هذا يا ابن الخبيثة فطعنها فقتلها‏.‏

ثم سار فاقتتلوا بدار الرزق قتالًا شديدًا إلى أن زال النهار وكثر القتل في أصحاب عثمان بن حنيف وكثر الجراح في الفريقين‏.‏

فلما عضتهم الحرب تنادوا إلى الصلح وتوادعوا فكتبوا بينهم كتابًا على أن يبعثوا رسولًا إلى المدينة يسأل أهلها فإن كان طلحة والزبير أكرها خرج عثمان ابن حنيف عن البصرة وأخلاها لهما وإن لم يكونا أكرها خرج طلحة والزبير وكتبوا بينهم كتابًا بذلك‏.‏

وسار كعب بن سور إلى أهل المدينة يسألهم‏.‏

فلما قدمها اجتمع الناس إليه وكان يوم جمعة فقام وقال‏:‏ يا أهل المدينة أنا رسول أهل البصرة نسألكم هل أكره طلحة والزبير على بيعة علي أم أتياها طائعين فلم يجبه أحد إلا أسامة بن زيد فإنه قام وقال‏:‏ إنهما بايعا وهما مكرهان‏.‏

فأمر به تمام بن العباس فواثبه سهل بن حنيف والناس وثار صهيب وأبو أيوب في عدة من أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيهم محمد بن مسلمة حين خافوا أن يقتل أسامة فقالوا‏:‏ اللهم نعم‏.‏ فتركوه وأخذ صهيب أسامة بيده إلى منزله وقال له‏:‏ أما وسعك ما وسعنا من السكوت قال‏:‏ ما كنت أظن أن الأمر كما أرى‏.‏

فرجع كعب وبلغ عليًا الخبر فكتب إلى عثمان يعجزه وقال‏:‏ والله ما أكرها على فرقة ولقد أكرها على جماعة وفضل فإن كان يريدان الخلع فلا عذر لهما وإن كانا يريدان غير ذلك نظرنا ونظروا‏.‏

فقدم الكتاب على عثمان وقدم كعب بن سور فأرسلوا إلى عثمان ليخرج فاحتج بالكتاب وقال‏:‏ هذا أمر آخر غير ما كنا فيه‏.‏

فجمع طلحة والزبير الرجال في ليلة مظلمة ذات رياح ومطر ثم قصدا المسجد فوافقا صلاة العشاء وكانوا يؤخرونها فأبطأ عثمان فقدما عبد الرحمن بن عتاب فشهر الزط والسيابجة السلاح ثم وضعوه فيهم فأقبلوا عليهم فاقتتلوا في المسجد فقتلوا وهم أربعون رجلًا فأدخلا الرجال على عثمان فأخرجوه إليهما‏.‏

فلما وصل إليهما توطؤوه وما بقيت في وجهه شعرة فاستعظما ذلك وأرسلا إلى عائشة يعلمانها الخبر فأرسلت إليهما أن خلوا سبيله‏.‏

وقيل‏:‏ لما أخذ عثمان أرسله إلى عائشة يستشيرونها في أمره فقالت‏:‏ اقتلوه‏.‏

فقالت لها امرأة‏:‏ نشدتك الله في عثمان وصحبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم‏!‏ فقالت لهم‏:‏ احبسوه‏.‏

فقال لهم مجاشع بن مسعود‏:‏ اضربوه وانتفوا لحيته وحاجبيه وأشفار عينيه‏.‏

فضربوه أربعين سوطًا ونتفوا لحيته وحاجبيه وأشفار عينيه وحبسوه ثم أطلقوه وجعلوا على بيت المال عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق‏.‏

وقد قيل في إخراج عثمان غير ما تقدم وذلك أن عائشة وطلحة والزبير لما قدموا البصرة كتبت عائشة إلى زيد بن صوحان‏:‏ من عائشة أم المؤمنين حبيبة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى ابنها الخالص زيد بن صوحان أما بعد فإذا أتاك كتابي هذا فاقدم فانصرنا فإن لم تفعل فخذل الناس عن علي‏.‏

فكتب إليها‏:‏ أما بعد فأنا ابنك الخالص لئن اعتزلت ورجعت إلى بيتك وإلا فأنا أول من نابذك‏.‏

وقال زيد‏:‏ رحم الله أم المؤمنين‏!‏ أمرت أن تلزم بيتها وأمرنا أن نقاتل فتركت ما أمرت به وأمرتنا به وصنعت ما أمرنا به ونهتنا عنه‏.‏

وكان على البصرة عند قدومها عثمان بن حنيف فقال لهم‏:‏ ما نقمتم على صاحبكم فقالوا‏:‏ لم نره أولى بها منا وقد صنع ما صنع‏.‏

قال‏:‏ فإن الرجل أمرني فأكتب إليه فأعلمه ما جئتم به على أن أصلي أنا بالناس حتى يأتينا كتابه فوقفوا عنه فكتب فلم يلبث إلا يومين أو ثلاثة حتى وثبوا على عثمان عند مدينة الرزق فظروا وأرادوا قتله ثم خشوا غضب الأنصار فنتفوا شعر رأسه ولحيته وحاجبيه وضربوه وحبسوه‏.‏

وقام طلحة والزبير خطيبين فقالا‏:‏ يا أهل البصرة توبة لحوبة إنما أردنا أن نستعتب أمير المؤمنين عثمان فغلب السفهاء الحلماء فقتلوه‏!‏ فقال الناس لطلحة‏:‏ يا أبا محمد قد كانت كتبك تأتينا بغير هذا‏.‏

فقال الزبير‏:‏ هل جاءكم مني كتاب في شأنه ثم ذكر قتل عثمان وأظهر عيب علي فقام إليه رجل من عبد القيس فقال‏:‏ أيها الرجل أنصت حتى نتكلم‏.‏

فأنصت‏.‏

فقال العبدي‏:‏ يا معشر المهاجرين أنتم أول من أجاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فكان لكم بذلك فضل ثم دخل الناس في الإسلام كما دخلتم فلما توفي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بايعتم رجلًا منكم فرضينا وسلمنا ولم تستأمرونا في شيء من ذلك فجعل الله للمسلمين في إمارته بركة ثم مات واستخلف عليكم رجلًا فلم تشاورونا في ذلك فرضينا وسلمنا فلما توفي جعل أمركم إلى ستة نفر فاخترتم عثمان وبايعتموه عن غير مشورتنا ثم أنكرتم منه شيئًا فقتلتموه عن غير مشورة منا ثم بايعتم عليًا عن غير مشورة منا فما الذي نقمتم عليه فنقاتله هل استأثر بفيء أو علم بغير الحق أو أتى شيئًا تنكرونه فنكون معكم عليه وإلا فما هذا فهموا بقتل ذلك الرجل فمنعته عشيرته فلما كان الغد وثبوا عليه وعلى من معه فقتلوا منهم سبعين‏.‏

وبقي طلحة والزبير بعد أخذ عثمان بالبصرة ومعهما بيت المال والحرس والناس ومن لم يكن معهما استتر‏.‏

وبلغ حكيم بن جبلة ما صنع بعثمان بن حنيف فقال‏:‏ لست أخاف الله إن لم أنصره‏!‏ فجاء في جماعة من عبد القيس ومن تبعه من ربيعة وتوجه نحو دار الرزق وبها طعام أراد عبد الله بن الزبير أن يرزقه أصحابه فقال له عبد الله‏:‏ ما لك يا حكيم قال‏:‏ نريد أن نرتزق من هذا الطعام وأن تخلوا عثمان فيقيم في دار الإمارة على ما كتبتم بينكم حتى يقدم علي وايم الله لو أجد أعوانًا عليكم ما رضيت بهذه منكم حتى أقتلكم بمن قتلهم ولقد أصبحتم وإن دماءكم لنا لحلال بمن قتلتم أما تخافون الله بم تستحلون الدم الحرام قال‏:‏ بدم عثمان‏.‏

قال‏:‏ فالذين قتلتم هم قتلوا عثمان أما تخافون مقت الله فقال له عبد الله‏:‏ لا نرزقكم من هذا الطعام ولا نخلي سبيل عثمان حتى تخلع عليًا‏.‏

فقال حكيم‏:‏ اللهم إنك حكم عدل فاشهد وقال لأصحابه‏:‏ لست في شك من قتال هؤلاء القوم فمن كان في شك فلينصرف‏.‏

وتقدم فقاتلهم‏.‏

فقال طلحة والزبير‏:‏ الحمد لله الذي جمع لنا ثأرنا من أهل البصرة اللهم لا تبق منهم أحدًا‏!‏ فاقتتلوا قتالًا شديدًا ومع حكيم أربعة قواد فكان حكيم بحيال طلحة وذريح بحيال الزبير وابن المحترش بحيال عبد الرحمن بن عتاب وحرقوص بن زهير بحيال عبد الرحمن بن الحرث بن هشام فزحف أضربهم باليابس ضرب غلامٍ عابس من الحياة آيس في الغرفات نافس فضرب رجل رجله فقطعها فحبا حتى أخذها فرمى بها صاحبه فصرعه وأتاه فقتله ثم اتكأ عليه وقال‏:‏ يا ساقي لن تراعي إن معي ذراعي احمي بها كراعي وقال أيضًا‏:‏ ليس علي أن أموت عار والعار في الناس هو الفرار والمجد لا يفضحه الدمار فأتى عليه رجل وهو رثيث رأسه على آخر فقال‏:‏ ما لك يا حكيم قال‏:‏ قتلت‏.‏

قال‏:‏ من قتلك قال‏:‏ وسادتي‏.‏

فاحتمله وضمه في سبعين من أصحابه وتكلم يومئذ حكيم وإنه لقائم على رجل واحدة وإن السيوف لتأخذهم وما يتتعتع ويقول‏:‏ إنا خلفنا هذين وقد بايعا عليًا وأعطياه الطاعة ثم أقبلا مخالفين محاربين يطلبان بدم عثمان ففرقا بيننا ونحن أهل دار وجوار اللهم إنهما لم يريدا عثمان‏!‏ فناداه منادٍ‏:‏ يا خبيث‏!‏ جزعت حين عضك نكال الله إلى كلام من نصبك وأصحابك بما ركبتم من الإمام المظلوم وفرقتم من الجماعة وأصبتم من الدماء فذق وبال الله وانتقامه‏.‏

وقتلوا وقتل معهم قتله يزيد بن الأسحم الحداني فوجد حكيم قتيلًا بين يزيد وأخيه كعب‏.‏

وقيل‏:‏ قتله رجل يقال له ضخيم وقتل معه ابنه الأشرف وأخوه الرعل بن جبلة‏.‏

ولما قتل حكيم أرادوا قتل عثمان بن حنيف فقال لهم‏:‏ أما إن سهلًا بالمدينة فإن قتلتموني انتصر فخلوا سبيله فقصد عليًا‏.‏

وقتل ذريح ومن معه وأفلت حرقوص بن زهير في نفر من أصحابه فلجأوا إلى قومهم فنادى منادي طلحة والزبير‏:‏ من كان فيهم أحد ممن غزا المدينة فليأتنا بهم فجيء بهم فقتلوا ولم ينج منهم إلا حرقوص بن زهير فإن عشيرته بني سعد منعوه وكان منهم فنالهم من ذلك أمر شديد وضربوا فيه أجلًا وخشنوا صدور بني سعد وكانوا عثمانية فاعتزلوا وغضبت عبد القيس حين غضبت سعد لمن قتل منهم بعد الوقعة ومن كان هرب إليهم إلى ما هم عليه من لزوم الطاعة لعلي فأمر طلحة والزبير للناس بأعطياتهم وأرزاقهم وفضلا أهل السمع والطاعة فخرجت عبد القيس وكثير من بكر بن وائل حين منعوهم الفضول فبادروهم إلى بيت المال وأكب عليهم الناس فأصابوا منهم وخرجوا حتى نزلوا على طريق علي‏.‏

وأقام طلحة والزبير وليس معهما ثأر إلا حرقوص بن زهير وكتبوا إلى أهل الشام بما صنعوا

وصاروا إليه وكتبت عائشة إلى أهل الكوفة بما كان منهم وتأمرهم أن يثبطوا الناس عن علي وتحثهم على طلب قتلة عثمان وكتبت إلى أهل اليمامة وإلى أهل المدينة بما كان منهم أيضًا وسيرت الكتب‏.‏

وكانت هذه الوقعة لخمس ليال بقين من شهر ربيع الآخر سنة ست وثلاثين‏.‏

وبايع أهل البصرة طلحة والزبير فلما بايعوهما قال الزبير‏:‏ ألا ألف فارس أسير بهم إلى علي أقتله بياتًا أو صباحًا قبل أن يصل إلينا‏!‏ فلم يجبه أحد فقال‏:‏ إن هذه للفتنة التي كنا نحدث عنها‏.‏

فقال له مولاه‏:‏ أتسميها فتنة وتقاتل فيها قال‏:‏ ويلك‏!‏ إنا نبصر ولا نبصر ما كان أمر قط إلا وأنا أعلم موضع قدمي فيه غير هذا الأمر فإني لا أدري أمقبل أنا فيه أم مدبر‏!‏ وقال علقمة بن وقاص الليثي‏:‏ لما خرج طلحة والزبير وعائشة رأيت طلحة وأحب المجالس إليه أخلاها وهو ضارب بلحيته على صدره فقلت‏:‏ يا أبا محمد أرى أحب المجالس إليك أخلاها وأنت ضارب بلحيتك على صدرك إن كرهت شيئًا فاجلس‏.‏

قال‏:‏ فقال لي‏:‏ يا علقمة بينا نحن يد واحدة على من سوانا إذ صرنا جبلين من حديد يطلب بعضنا بعضًا إنه كان مني في عثمان شيء ليس توبتي إلا أن يسفك دمي في طلب دمه‏.‏

قال‏:‏ فقلت‏:‏ فرد ابنك محمدًا فإن لك ضيعة وعيالًا فإن يك شيء يخلفك‏.‏

قال‏:‏ فامنعه‏.‏

قال‏:‏ فأتيت محمدًا ابنه فقلت له‏:‏ لو أقمت فإن يعلى بن منية بضم الميم وسكون النون والياء المعجمة باثنتين من تحتها وهي أمه واسم أبيه أمية‏.‏

عبد الله بن خالد بن أسيد‏.‏

جارية ابن قدامة بالجيم‏.‏

حكيم بن جبلة بضم الحاء وفتح الكاف وقيل بفتح الحاء وكسر الكاف‏.‏

وصوحان بضم الصاد وآخره نون‏.‏