فصل: ذكر انتقاض أهل فارس

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكامل في التاريخ **


 ذكر عدة حوادث

كان العمال فيها على مكة نافع بن عبد الحرث الخزاعي وعلى الطائف سفيان بن عبد الله الثقفي وعلى صنعاء يعلى بن منية وعلى الجند عبد الله بن أبي ربيعة وعلى الكوفة المغيرة بن شعبة وعلى البصرة أبو موسى الأشعري وعلى مصر عمرو بن العاص وعلى حمص عمير بن

وفيها غزا معاوية الصائفة حتى بلغ عمودية ومعه عبادة بن الصامت وأبو أيوب الأنصاري وأبو ذر وشداد بن أوس‏.‏

وفيها فتح معاوية عسقلان على صلح وكان على قضاء الكوفة شريح وعلى قضاء البصرة كعب بن سور وقيل‏:‏ إن أبا بكر وعمر لم يكن لهما قاض‏.‏

وفي هذه السنة توفي قتادة بن النعمان الأنصاري وهو الذي رد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عينه وصلى عليه عمر بن الخطاب وهو بدري وقيل‏:‏ توفي سنة أربع وعشرين‏.‏

وفي خلافة عمر توفي الحباب بن المنذر بن الجموح الأنصاري وهو بدري وربيعة بن الحرث بن عبد المطلب وهو أسن من العباس وعمير بن عوف مولى سهيل بن عمرو وهو بدري وعمير بن وهب بن خلف الجمحي شهد أحدًا وعتبة بن معسود أخو عبد الله بن مسعود وهو من مهاجرة الحبشة شهد أحدًا وعدي بن أبي الزغباء الجهني وهو عين رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوم بدر وشهد غيرها أيضًا‏.‏

وفيها مات عويم بن ساعدة الأنصاري وهو عقبيٌّ بدري وقيل‏:‏ إنه من بلي وله حلف في الأنصار‏.‏

وفيها مات سهيل بن رافع الأنصاري شهد بدرًا ومسعود بن أوس بن زيد الأنصاري وقيل‏:‏ بل عاش بعد ذلك وشهد صفين مع علي‏.‏

وفيها توفي واقد بن عبد الله التميمي حليف الخطاب وهو أول من قاتل في سبيل الله في الإسلام وقتل عمرو بن الحضرمي وكان إسلامه قبل دول رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ دار الأرقم‏.‏

وفيها مات أبو جندل بن سهيل بن عمرو وأخوه عبد الله وكان عبد الله بدريًا ولم يشهدها أبو جندل لأن أباه سجنه بمكة ومنعه من الهجرة إلى يوم الحديبية وقد تقدم كيف خلص‏.‏

وفيها مات أبو خالد الحرث بن قيس بن خالد وكان أصابه جرح باليمامة فاندمل ثم انتقض عليه فمات منه وهو عقبي بدري‏.‏وفيها مات أبو خراش الهذلي الشاعر وخبر موته مشهور‏.‏

وفيها توفي غيلان ابن سلمة الثقفي وهو الذي أسلم وتحته عشر نسوة‏.‏

وفيها في آخرها مات الصعب بن جثامة بن قيس الليثي‏.‏

 ثم دخلت سنة أربع وعشرين

 ذكر بيعة عثمان بن عفان بالخلافة

في المحرم منها لثلاث مضين منه بويع عثمان بن عفان وقيل غير ذلك على ما تقدم وكان هذا العام يسمى عام الرعاف لكثرته فيه بالناس‏.‏

واجتمع أهل الشورى عليه وقد دخل وقت العصر فأذن مؤذن صهيب واجتمعوا بين الأذان والإقامة فخرج فصلى بالناس وزادهم مائة مائة ووفد أهل الأمصار وهو أول من صنع ذلك وقصد المنبر وهو أشدهم كآبة فخطب الناس ووعظهم وأقبلوا يبايعونه‏.‏

 ذكر عزل المغيرة عن الكوفة وولاية سعد بن أبي وقاص

وفيها عزل عثمان المغيرة بن شعبة عن الكوفة واستعمل سعد بن أبي وقاص عليها بوصية عمر فإنه قال‏:‏ أوصي الخليفة بعدي أن يستعمل سعدًا فإني لم أعزله عن سوء ولا خيانة فكان أول عامل بعثه عثمان فعمل عليها سعدٌ سنة وبعض أرى وقيل‏:‏ بل أقر عثمان عمال عمر جميعهم سنة لأن عمر أوصى بذلك ثم عزل المغيرة بعد سنة واستعمل سعدًا فعلى هذا القول تكون إمارة سعد سنة وخمس وعشرين‏.‏

وحج بالنس في هذه السنة عثمان وقيل‏:‏ عبد الرحمن بن عوف بأمر عثمان‏.‏

وقد تقدم ذكر الفتوح التي ذكر بعض العلماء أنها كانت زمن عثمان وذكرت الخلاف هنالك‏.‏

وفي هذه السنة مات عبد الرحمن بن كعب الأنصاري وهو بدري وهو أحد البكائين في غزوة تبوك وسراقة بن مالك بن جعشم المدلجي وقيل‏:‏ مات بعد ذلك وهو الذي أدرك النبي صلى الله عليه

 ثم دخلت سنة خمس وعشرين

 ذكر خلاف أهل الإسكندرية

في هذه السنة خالف أهل الإسكندرية ونقضوا صلحهم‏.‏

وكان سبب ذلك أن الروم عظم عليهم فتح المسلمين الإسكندرية وظنوا إنهم لا يمكنهم المقام ببلادهم بعد خروج الإسكندرية عن ملكهم فكاتبوا من كان فيها من الروم ودعوهم إلى نقض الصلح فأجابوهم إلى ذلك‏.‏

فسار إليهم من القسطنطينية جيش كثير وعليهم منويل الخصي فأرسوا بها واتفق معهم من بها من الروم ولم يوافقهم المقوقس بل ثبت على صلحه‏.‏

فلما بلغ الخبر إلى عمرو بن العاص سارى إليهم وسار الروم إليه فالتقوا واقتتلوا قتالًا شديدًا فانهزم الروم وتبعهم المسلمون إلى أن أدخلوهم الإسكندرية وقتلوا منهم في البلد مقتلةً عظيمة منهم منويل الخصي‏.‏

وكان الروم لما خرجوا من الإسكندرية قد أخذوا أموال أهل تلك القرى من وافقهم ومن خالفهم‏.‏

فلما ظفر بهم المسلمون جاء أهل القرى الذين خالفوهم فقالوا لعمرو بنالعاص‏:‏ إن الروم أخذوا دوابنا وأموالنا ولم نخالف نحن عليكم وكنا على الطاعة‏.‏ فرد عليهم ما عرفوا من أموالهم بعد إقامة البينة‏.‏

وهدم عمرو سور الإسكندرية وتركها بغير سور‏.‏

وفيها بلغ سعد بن أبي وقاص على أهل الري عزمٌ على نقض الهدنة والغدر فأرسل إليهم وأصلحهم وغزا الديلم ثم انصرف‏.‏

 ذكر عزل سعد عن الكوفة وولاية الوليد بن عقبة

في هذه السنة عزل عثمان بن عفان سعد بن أبي وقاص عن الكوفة في قول بعضهم واستعمل الوليد بن عقبة بن أبي معيط وأسم أبي معيط أبان بن أبي عمرو واسمه ذكوان بن أمية بن عبد شمس وهو أخو عثمان لأمه أمهما أروى بنت كريز وأمها البيضاء بنت عبد المطلب‏.‏

وسبب ذلك أن سعدًا اقترض من عبد الله بن مسعود من بيت المال قرضًا فلما تقاضاه ابن مسعود لم يتيسر له قضاؤه فارتفع بينهما الكلام فقال له سعد‏:‏ ما أراك إلا ستلقى شرًا هل أنت إلا ابن مسعود عبدٌ من هذيل فقال‏:‏ أجل والله إني لابن مسعود وإنك لابن حمينة‏.‏وكان هاشم بن عتبة بن أبي وقاص حاضرًا فقال‏:‏ إنكما لصاحبا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ينظر إليكما‏.‏

فرفع سعدٌ يده ليدعو على ابن مسعود وكان فيه حدة فقال‏:‏ اللهم رب السموات والأرض‏.‏

فقال ابن مسعود‏:‏ ويلك قل خيرًا ولا تلعن‏.‏

فقال سعد عند ذلك‏:‏ أما والله لولا اتقاء الله لدعوت عليك دعوة لا تخطئك‏.‏

فولى عبد سريعًا حتى خرج ثم استعان عبد الله بأناس على استخراج المال واستعان سعد بأناس على إنظاره فافترقوا وبعضهم يلوم بعضًا يلوم هؤلاء سعدًا وهؤلاء عبد الله فكان أول ما نزغ به بين أهل الكوفة وأول مصر نزغ الشيطان بين أهل الكوفة‏.‏

وبلغ الخير عثمان فغضب عليهما فعزل سعد وأقر عبد الله واستعمل الوليد بن عقبة بن أبي معيط مكان سعد وكان على عرب الجزيرة عاملًا لعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان بعده فقدم الكوفة واليًا عليها وأقام عليها خمس سنين وهو من أحب الناس إلى أهلها‏.‏

فلما قدم قال له سعد‏:‏ أكست بعدنا أم حمقنا بعدك فقال‏:‏ لا تجزعن يا أبا إسحق كل ذلك لم يكن وإنما هو الملك يتغداه قوم ويتعشاه آخرون‏.‏

فقال سعد‏:‏ أراكم جعلتموها ملكًا‏!‏ وقال له ابن مسعود‏:‏ ما أدري أصلحت بعدنا أم فسد الناس‏!‏

 ذكر صلح أهل أرمينية وأذربيجان

لما استعمل عثمان الوليد على الكوفة عزل عتبة بن فرقد على أذربيجان فنقضوا فغزاهم الوليد سنة خمس وعشرين وعلى مقدمته عبد الله بن شبيل الأحمسي فأغار على أهل موقان والببر والطيلسان ففتح وغنم وسبى فطلب أهل كور أذربيجان الصلح فصالحهم على صلح

حذيفة وهو ثمانمائة ألف درهم وقبض المال‏.‏

ثم بث سراياه وبعث سلمان بن ربيعة الباهلي إلى أهل أرمينية في اثني عشر ألفًا فسار في أرمينية يقتل ويسبي ويغنم ثم انصرف وقد ملأ يديه حتى أتى الوليد فعاد الوليد وقد ظفر وغنم وجعل طريقه على الموصل ثم أتى الحديثة فنزلها فأتاه بها كتاب عثمان فيه أن معاوية بن أبي سفيان كتب إلي يخبرني أن الروم قد أجلبت على المسلمين في جموع كثيرة وقد رأيت أن يمدهم إخوانهم من أهل الكوفة فابعث إليهم رجلًا له نجدةٌ وبأس في ثمانية آلاف أو تسعة آلاف من المكان الذي يأتيك كتابي فيه والسلام‏.‏

فقام الوليد في الناس وأعلمهم الحال وندبهم مع سلمان بن ربيعة الباهلي فانتدب معه ثمانةي آلاف فمضوا حتى دخلوا مع أهل الشام إلى أرض الروم فشنوا الغارات على أرض الروم فأصاب الناس ما شاؤوا وافتتحوا حصونًا كثيرة‏.‏

وقيل‏:‏ إن الذي أمد حبيب بن مسلمة بسلمان بن ربيعة كان سعيد بن العاص وكان سبب ذلك أن عثمان كتب إلى معاوية يأمره أن يغزي حبيب بن مسلمة في أهل الشام أرمينية فوجهه إليها فأتى قاليقلا فحصرها وضيق على من بها فطلبوا الأمان على الجلاء أو الجزية فجلا كثير منهم فلحقوا ببلاد الروم وأقام حبيب بها فيمن معه أشهرًا‏.‏

وإنما سميت قاليقلا لأن امرأة بطريق أرميناقس كان اسمها قالي بنت هذه المدينة فسمتها قالي ثم بلغه أن بطريق أرميناقس وهي البلاد التي هي الآن بيد أولاد السلطان قلج أرسلان وهي ملطية وسيواس واقصرا وقونية وما والاها من البلاد وإلى خليج القسطنطينية واسمه الموريان قد توجه نحوه في ثمانين ألفًا من الروم‏.‏فكتب حبيب إلى معاوية يخبره فكتب معاوية إلى عثمان فأرسل عثمان إلى سعيد بن العاص يأمره بإمداد حبيب فأمده بسلمان في ستة آلاف وأجمع حبيب على تبييت الروم فسمعته امرأته أم عبد الله بنت يزيد الكلبية فقالت‏:‏ أين موعدك فقال‏:‏ سرادق الموريان‏.‏

ثم بيتهم فقتل من وقف له ثم أتى السرادق فوجد امرأته قد سبقته إليه فكانت أول امرأة من العرب ضرب عليها حجاب سرادق‏.‏

ومات عنها حبيب فخلف عليها الضحاك بن قيس فهي أم ولده‏.‏

ولما انهزمت الروم عاد حبيب إلى قاليقلا ثم سار منها فنزل مربالا فأتاه بطريق خلاط بكتاب عياض بن غنم بأمانه فأجراه عليه وحمل إليه البطريق ما عليه من المال ونزل حبيب خلاط ثم سار منها فلقيه صاحب مكس بناحية من نواحي البسفرجان فقاطعه على بلاده ثم سار منها إلى أزدشاط وهي القرية التي يكون بها القرمز الذي يصبغ به فنزل على نهر دبيل وسرح الخيول إليها فحصرها فتحصن أهلها فنصب عليهم منجنيقًا فطلبوا الأمان فأجابهم إليه وبث السرايا فبلغت خيله ذات اللجم وإنما سميت ذات اللجم لأن المسلمين أخذوا لجم خيولهم فكبسهم الروم قبل أن يلجموها ثم ألجموها وقاتلوهم فظفروا بهم ووجه سريةً إلى سراج طير وبغروند فصالحه بطريقها على إتاوة‏.‏

وقدم عليه بطريق البسفرجان فصالحه على جميع بلاده‏.‏

وأتى السيسجان فحاربه أهلها فهزمهم وغلب على حصونهم وسار إلى جرزان فأتاه رسول بطريقها يطلب الصلح فصالحه‏.‏

وسار إلى تفليس فصالحه أهلها وهي من جرزان وفتح عدة حصون ومدن تجاورها صلحًا‏.‏

وسارى سلمان بن ربيعة الباهلي إلى أران ففتح البيلقان صلحًا على أن آمنهم على دمائهم وأموالهم وحيطان مدينتهم واشترط عليهم الجزية والخراج‏.‏

ثم أتى سلمان مدينة برذعة فعسكر على الثرثور نهر بينه وبينها نحو فرسخ فقاتله أهلها أيامًا وشن الغارات في قراها فصالحوه على مثل صلح البيلقان ودخلها ووجه خيله ففتحت رساتيق الولاية ودعا أكراد البلاشجان إلى الإسلام فقاتلوه فظفر بهم فأقر بعضهم على الجزية وأدى بعضهم الصدقة وهم قليل ووجه سرية إلى شمكور ففتحوها وهي مدينة قديمة ولم تزل معمورة حتى أخربها السناوردية وهم قوم تجمعوا لما انصرف يزيد بن أسيد عن أرمينية فعظم أمرهم فعمرها بغا سنة أربعين ومائتين وسماها المتوكلية نسبة إلى المتوكل‏.‏

وسار سلمان إلى مجمع أرس والكر ففتح قبلة وصالحه صاحب سكر وغيرها على الإتاوة وصالحه ملك شروان وسائر ملوك الجبال وأهل مسقط والشابران ومدينة الباب ثم امتنعت

 ذكر غزوة معاوية الروم

وفيها غزا معاوية الروم فبلغ عمورية فوجد الحصون التي بين أنطاكية وطرسوس خالية فجعل عندها جماعةً كثيرة من أهل الشام والجزيرة حتى انصرف من غزاته ثم أغزى بعد ذلك يزيد بن الحر العبسي الصائفة وأمره ففعل مثل ذلك ولما خرج هدم الحصون إلى أنطاكية‏.‏

 ذكر غزوة إفريقية

في هذه السنة سير عمرو بن العاص عبد الله بن سعد بن أبي سرح إلى أطراف إفريقية غازيًا بأمر عثمان وكان عبد الله من جند مصر فلما سار إليها أمده عمرو بالجنود فغنم هو وجنده فلما عاد عبد الله إلى عثمان يستأذنه في غزو إفريقية فأذن له في ذلك‏.‏

 ذكر عدة حوادث

وفيها أرسل عثمان عبد الله بن عامر إلى كابل وهي عمالة سجستان فبلغها في قولٍ فكانت أعظم من خراسان حتى مات معاوية وامتنع أهلها‏.‏

وفيها ولد يزيد بن معاوية‏.‏

وفيها كانت غزوة سابور الأولى وقيل‏:‏ سنة ست وعشرين وقد تقدم ذلك‏.‏

وحج بالناس عثمان‏.‏

 ذكر الزيادة في الحرم

في هذه السنة أمر عثمان بتجديد أنصاب الحرم‏.‏

وفيها زاد عثمان في المسجد الحرام ووسعه وابتاع من قوم فأبى آخرون فهدم عليهم ووضع الأثمان في بيت المال‏.‏

فصاحوا بعثمان فأمر بهم فحبسوا وقال لهم‏!‏ قد فعل هذا بكم عمر فلم تصيحوا به‏.‏

فكلمه فيهم عبد الله بن خالد بن أسيد فأطلقهم‏.‏

أسيد بفتح الهمزة وكسر السين‏.‏

 ثم دخلت سنة سبع وعشرين

 ذكر ولاية عبد الله بن سعد بن أبي سرح مصر وفتح إفريقية

في هذه السنة عزل عمرو بن العاص عن خراج مصر واستعمل عليه عبد الله بن سعد بن أبي سرح وكان أخا عثمان من الرضاعة فتباغيا فكتب عبد الله إلى عثمان يقول‏:‏ إن عمرًا كسر على الخراج‏.‏

وكتب عمرو يقول‏:‏ إن عبد الله قد كسر على مكيدة الحرب‏.‏

فعزل عثمان عمرًا واستقدمه واستعمل بدله عبد الله على حرب مصر وخراجها فقدم عمرو مغضبًا فدخل على عثمان وعليه جبة محشوة قطنًا‏.‏

فقال له‏:‏ ما حشو جبتك قال مرو‏.‏

قال‏:‏ قد علمت أن حشوها عمرو ولم أرد هذا إنما سألت أقطنٌ هو أم غيره‏.‏

وكان عبد الله من جند مصر وكان قد أمره عثمان بغزو إفريقية سنة خمس وعشرين وقال له عثمان‏:‏ إن فتح الله عليك فلك من الفيء خمس الخمس نفلًا‏.‏

وأمر عبد الله بن نافع بن عبد القيس وعبد الله بن نافع بن الحرث على جند وسرحهما إلى الأندلس وأمرهما بالاجتماع مع عبد الله بن سعد على صاحب إفريقية ثم يقيم عبد الله في عمله ويسيران إلى عملهما‏.‏

فخرجوا حتى قطعوا أرض مصر ووطئوا أرض إفريقية وكانوا في جيش كثير عدتهم عشرة آلاف من شجعان المسلمين فصالحهم أهلها على مال يؤدونه ولم يقدموا على دخول إفريقية والتوغل فيها لكثرة أهلها‏.‏

ثم إن عبد الله بن سعد لما ولي أرسل إلى عثمان في غزو إفريقية والاستكثار من الجموع عليها وفتحها فاستشار عثمان من عنده من الصحابة فأشار أكثرهم بذلك فجهز إليه العساكر من المدينة وفيهم جماعة من أعيان الصحابة منهم عبد الله بن عباس وغيره فسار بهم عبد الله بن سعد إلى أفريقية‏.‏

فلما وصلوا إلى برقة لقيهم عقبة بن نافع فيمن معه من المسلمين وكانوا بها وساروا إلى طرابلس الغرب فنهبوا من عندها من الروم‏.‏

وسار نحو إفريقية وبث السرايا في كل ناحية وكان ملكهم اسمه جرجير وملكه من طرابلس إلى طنجة وكان هرقل ملك الروم قد ولاه إفريقية فهو يحمل إليه الخراج كل سنة‏.‏

فلما بلغه خبر المسلمين تجهز وجمع العساكر وأهل البلاد فبلغ عسكره مائة ألف وعشرين ألف فارس والتقى هو والمسلمون بمكان بينه وبين مدينة سبيطلة يوم وليلة وهذه المدينة كانت ذلك الوقت دار الملك فأقاموا هناك يقتتلون كل يوم وراسله عبد الله بن سعد يدعوه إلى الإسلام أو الجزية فامتنع منهما وتكبر عن قبول أحدهما‏.‏

وانقطع خبر المسلمين عن عثمان فسير عبد الله بن الزبير في جماعة إليهم ليأتيه بأخبارهم فسار مجدًا ووصل إليهم وأقام معهم ولما وصل كثر الصياح والتكبير في المسلمين فسأل جرجير عن الخبر فقيل قد أتاهم عسكر ففت ذلك في عضده‏.‏

ورأى عبد الله بن الزبير قتال المسلمين كل يوم من بكرة إلى الظهر فإذا أذن بالظهر عاد كل فريق إلى خيامه وشهد القتال من الغد فلم ير ابن أبي سرح معهم فسأل عنه فقيل إنه سمع منادي جرجير يقول‏:‏ من قتل عبد الله بن سعد فله مائة ألف دينار وأزوجه ابنتي وهو يخاف فحضر عنده وقال له‏:‏ تأمر مناديًا ينادي‏:‏ من أتاني برأس جرجير نفلته مائة ألف وزوجته ابنته واستعملته على بلاده‏.‏

ففعل ذلك فصار جرجير يخاف أشد من عبد الله‏.‏

ثم إن عبد الله بن الزبير قال لعبد الله بن سعد‏:‏ إن أمرنا يطول مع هؤلاء وهم في أمداد متصلة وبلاد هي لهم ونحن منقطعون عن المسلمين وبلادهم وقد رأيت أن نترك غدًا جماعة صالحة من أبطال المسلمين في خيامهم متأهبين ونقاتل نحن الروم في باقي العسكر إلى أن يضجروا ويملوا فإذا رجعوا إلى خيامهم ورجع المسلمون ركب من كان في الخيام من المسلمين ولم يهشدوا القتال وهم مستريحون ونقصدهم على غرة فلعل الله ينصرنا عليهم فأحضر جماعة من أعيان الصحابة واستشارهم فوافقوه على ذلك‏.‏

فلما كان الغد فعل عبد الله ما اتفقوا عليه وأقام جميع شجعان المسلمين في خيامهم وخيولهم عندهم مسرجة ومضى الباقون فقاتلوا الروم إلى الظهر قتالًا شديدًا‏.‏

فلما أذن بالظهر هم الروم بالانصراف على العادة فلم يمكنهم ابن الزبير وألح عليهم بالقتال حتى أتعبهم ثم عاد عنهم هو والمسلمون فكل من الطائفتين ألقى سلاحه ووقع تعبًا فعند ذلك أخذ عبد الله بن الزبير من كان مستريحًا من شجعان المسلمين وقصد الروم فلم يشعروا بهم حتى خالطوهم وحملوا حملة رجل واحد وكبروا فلم يتمكن الروم من لبس سلاحهم حتى غشيهم المسلمون وقتل جرجير قتله ابن الزبير وانهزم الروم وقتل منهم مقتلة عظيمة وأخذت ابنة الملك جرجير سبية‏.‏

ونازل عبد الله بن سعد المدينة فحصرها حتى فتحها ورأى فيها من الأموال ما لم يكن في غيرها فكان سهم الفارس ثلاثة آلاف دينار وسهم الراجل ألف دينار‏.‏

ولما فتح عبد الله مدينة سبيطلة بث جيوشه في البلاد فبلغت قفصة فسبوا وغنموا وسير عسكرًا إلى حصن الأجم وقد احتمى به أهل تلك البلاد فحصره وفتحه بالأمان فصالحه أهل إفريقيى على ألفي ألف وخمسمائة ألف دينار وعشرين ألف دينار ونفل عبد الله بن الزبير ابنة الملك وأرسله إلى عثمان بالبشارة بفتح إفريقية وقيل‏:‏ إن إبنة الملك وقعت لرجل من الأنصار فأركبها بعيرًا وارتجز بها يقول‏:‏ يا ابنة جرجيرٍ تمشي عقبتك إن عليك بالحجاز ربتك لتحملن من قباء قربتك ثم إن عبد الله بن سعد عاد من إفريقية إلى مصر وان مقامه بإفريقية سنة وثلاثة أشهر ولم يفقد من المسلمين إلا ثلاثة نفر قتل منهم أبو ذؤيب الهذلي الشاعر فدفن هناك وحمل خمس إفريقية إلى المدينة فاشتراه مروان بن الحكم بخمسمائة ألف دينار فوضعها عنه عثمان وكان هذا مما أخذ عليه‏.‏

وهذا أحسن ما قيل في خمس إفريقية فإن بعض الناس يقول‏:‏ أعطى عثمان خمس أفريقية عبد الله بن سعد وبعضهم يقول‏:‏ أعطاه مروان بن الحكم‏.‏

وظهر بهذا أنه أعطى عبد الله خمس الغزوة الأولى وأعطى مروان خمس الغزوة الثانية التي افتتحت فيها جميع إفريقية والله أعلم‏.‏

كان هرقل ملك القسطنطينية يؤدي إليه كل ملك من ملوك النصارى الخراج فهم من مصر وإفريقية والأندلس وغير ذلك فلما صالح أهل إفريقية عبد الله بنى سعد أرسل هرقل إلى أهلها بطريقًا له وأمره أن يأخذ منهم مثل ما أخذ المسلمون فنزل البطريق في قرطاجنة وجمع أهل إفريقية وأخبرهم بما أمره الملك فأبوا عليه وقالوا‏:‏ نحن نؤدي ما كان يؤخذ منا وقد كان ينبغي له أن يسامحنا لما ناله المسلمون منا‏.‏

وكان قد قام بأمر إفريقية بعد قتل جرجير رجل رجل آخر من الروم فطرده البطريق بعد فتن كثيرة فسار إلى الشام وبه معاوية وقد استقر له الأمر بعد قتل علي فوصف له إفريقية وطلب أن يرسل معه جيشًا فسير معه معاوية بن أبي سفيان معاوية بن حديج السكوني‏.‏

فلما وصلوا إلى الإسكندرية هلك الرومي ومضى ابن حديج فوصل إلى إفريقية وهي نار تضطرم وكان معه عسكر عظيم فنزل عند قمونية وأرسل البطريق إليه ثلاثين ألف مقاتل‏.‏

فلما سمع بهم معاوية سير إليهم وجيشًا من المسلمين فقاتلوهم فانهزمت الروم وحصر حصن جلولاء فلم يقدر عليه فانهدم سور الحصن فملكه المسلمون وغنموا ما فيه وبث السرايا فسكن الناس وأطاعوا وعاد إلى مصر‏.‏

حديج بضم الحاء وفتح الدال المهملتين وآخره جيم‏.‏

ثم لم يزل أهل إفريقية من أطوع أهل البلدان وأسمعهم إلى زمان هشام بن عبد الملك حتى دب

إليهم دعاة أهل العراق واستثاروهم فشقوا العصا وفرقوا بينهم إلى اليوم وكانوا يقولون‏:‏ لا نخالف الأئمة بما تجني العمال‏.‏

فقالوا لهم‏:‏ إنما يعمل هؤلاء بأمر أولئك‏.‏

فقالوا‏:‏ حتى نخبرهم فخرج ميسرة في بضعة وعشرين رجلًا فقدموا على هشام فلم يؤذن لهم فدخلوا على الأبرش فقالوا‏:‏ أبلغ أمير المؤمنين أن أميرنا يغزو بنا وبجنده فإذا غنمنا نفلهم ويقول‏:‏ هذا أخلص لجهادنا وإذا حاصرنا مدينةً قدمنا وأخرهم ويقول‏:‏ هذا ازدياد في الأجر ومثلنا كفى إخوانه ثم إنهم عمدوا إلى ماشيتنا فجعلوا يبقرون بطونها عن سخالها يطلبون الفراء البيض لأمير المؤمنين فيقتلون ألف شاة في جلد فاحتملنا ذلك ثم إنهم سامونا أن يأخذونا كل جميلة من بناتنا فقلنا‏:‏ لم نجد هذا في كتاب ولا سنة ونحن مسلمون فأحببنا أن نعلم أعن رأي أمير المؤمنين هذا أم لا فطال عليهم المقام ونفدت نفقاتهم فكتبوا أسماءهم ودفعوها إلى وزرائه وقالوا‏:‏ إن سأل عنا أمير المؤمنين فأخبروه‏.‏

ثم رجعوا إلى إفريقية فخرجوا على عامل هشام فقتلوه واستولوا على إفريقية وبلغ الخبر هشامًا فسأل عن النفر فعرف أسماءهم فإذا هم الذين صنعوا ذلك‏.‏

 ذكر غزوة الأندلس

لما افتتحت إفريقية أمر عثمان عبد الله بن نافع بن الحصين وعبد الله بن نافع ابن عبد القيس أن

يسيرا إلى الأندلس فأتياها من قبل البحر وكتب عثمان إلى من انتدب معهما‏:‏ أما بعد فإن القسطنطينية إنما تفتح من قبل الأندلس‏.‏

فخرجوا ومعهم البربر ففتح الله على المسلمين وزاد في سلطان المسلمين مثل إفريقية‏.‏

ولما عزل عثمان عبد الله بن سعد عن إفريقية ترك في عمله عبد الله بن نافع بن عبد القيس فكان عليها ورجع عبد الله إلى مصر وبعث عبد الله إلى عثمان مالًا قد حشد فيه فدخل عمرو على عثمان فقال له‏:‏ يا عمرو هل تعلم أن تلك اللقاح درت بعدك قال عمرو‏:‏ إن فصالها قد هلكت‏.‏

 ذكر عدة حوادث

حج بالناس هذه السنة عثمان‏.‏

وفيها كان فتح إصطخر الثاني على يد عثمان ابن أبي العاص‏.‏

وفيها غزا معاوية بن أبي سفيان قنسرين‏.‏

وفيها مات أبو ذؤيب الهذلي الشاعر بمصر منصرفًا من إفريقية وقيل‏:‏ بل مات بطريق مكة في البادية وقيل‏:‏ مات ببلاد الروم وكلهم قالوا‏:‏ مات في خلافة عثمان‏.‏

وفيها مات أبو رمثة البلوي بإفريقية له صحبة‏.‏

وفيها ماتت حفصة بنت عمر ابن الخطاب زوج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقيل‏:‏ ماتت سنة إحدى وأربعين وقيل‏:‏ سنة

 ثم دخلت سنة ثمان وعشرين

 ذكر فتح قبرس

قيل‏:‏ في سنة ثمان وعشرين كان فتح قبرس على يد معاوية وقيل‏:‏ سنة تسع وعشرين وقيل‏:‏ سنة ثلاث وثلاثين وقيل‏:‏ إنما غزاها معاوية هذه السنة غزا معه جماعة من الصحابة فيهم أبو ذر وعبادة بن الصامت ومعه زوجته أم حرام وأبو الدرداء وشداد بن أوس وكان معاوية قد لج على عمر في غزو البحر وقرب الروم من حمص وقال‏:‏ إن قرية من قرى حمص ليسمع أهلها نباح كلابهم وصياح دجاجهم‏.‏

فكتب عمر إلى عمرو بن العاص‏:‏ صف لي البحر وراكبه‏.‏

فكتب إليه عمرو بن العاص‏:‏ إني رأيت خلقًا كبيرًا يركبه خلقٌ صغير ليس إلا السماء والماء إن ركد خرق القلوب وإن تحرك أزاغ العقول يزداد فيه اليقين قلة والشك كثرة هم فيه كدود على عود إن مال غرق وإن نجا برق‏.‏

فلما قرأه كتب إلى معاوية‏:‏ والذي بعث محمدًان ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالحق لا أحمل فيه مسلمًا أبدًا وقد بلغني أن بحر الشام يشرف على أطول شيء من الأرض فيستأذن الله في كل يوم وليلة في أني يغرق الأرض فكيف أحمل الجنود على هذا الكافر‏!‏ وبالله لمسلم أحب إلي مما حوت الروم‏.‏

وإياك أن تعرض إلي فقد علمت ما لقي العلاء

قال‏:‏ وترك ملك الروم الغزو وكاتب عمر وقاربه‏.‏

وبعثت أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب زوج عمر بن الخطاب إلى امرأة ملك الروم بطيب وشيء يصلح للنساء مع البريد فأبلغه إليها فأهدت امرأة الملك إليها هدية منها عقد فاخر‏.‏

فلما رجع البريد أخذ عمر ما معه ونادى‏:‏ الصلاة جامعة فاجتمعوا وأعلمهم الخبر فقال القائلون‏:‏ هو لها بالذي كان لها وليست امرأة الملك بذمة فتصانعك‏.‏

وقال آخرون‏:‏ قد كنا نهدى لنستثيب‏.‏

فقال عمر‏:‏ لكن الرسول رسول المسلمين والبريد بريدهم والمسلمون عظموها في صدرها فأمر بردها إلى بيت المال وأعطاها بقدر نفقتها‏.‏

فلما كان زمن عثمان كتب إليه معاوية يستأذنه في غزو البحر مرارًا فأجابه عثمان بأخرة إلى ذلك وقال له‏:‏ لا تنتخب الناس ولا تقرع بينهم خيرهم فمن اختار الغزو طائعًا فاحمله وأعنه‏.‏

ففعل واستعمل عبد الله بن قيس الجاسي حليف بني فزارة وسار المسلمون من الشام إلى قبرس وسار إليها عبد الله بن سعد من مصر فاجتمعوا عليها فصالحهم أهلها على جزية سبعة آلاف دينار كل سنة يؤدونها إلى الروم مثلها لا يمنعهم المسلمون عن ذلك وليس على المسلمين منعهم ممن أرادهم ممن وراءهم وعليهم أن يؤذنوا المسلمين بمسير عدوهم من الروم إليهم ويكون طريق المسلمين إلى العدو عليهم‏.‏

قال جبير بن نفير‏:‏ ولما فتحت قبرس ونهب منها السبي نظرت إلى أبي الدرداء يبكي فقلت‏:‏ ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله وأذل فيه الكفر وأهله قال‏:‏ فضرب منكبي بيده وقال‏:‏ ثكلتك أمك يا جبير ما أهون الخلق على الله إذا تركوا أمره بينما هي أمة ظاهرة قاهرة للناس لهم الملك إذا تركوا أمر الله فصاروا إلى ما ترى فسلط عليهم السباء وإذا سلط السباء على قوم فليس له فيهم حاجة‏.‏

وفي هذه الغزاة ماتت أم حرام بنت ملحان الأنصارية ألقتها بغلتها بجزية قبرس فاندقت عنقها فماتت تصديقًا للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حيث أخبرها أنها في أول من يغزو في البحر وبقي عبد الله بن قيس الجاسي على البحر فغزا على خمسين غزاة من بين شاتية وصائفة في البر والبحر لم يغرق أحد ولم ينكب فكان يدعو الله أن يعافيه في جنده فأجابه فلما أراد الله أن يصيبه في جسده خرج في قارب طليعةً فانتهى إلى المرفإ من أرض الروم وعليه مساكن يسألون فتصدق عليهم فرجعت امرأةٌ منهم إلى قريتها فقالت للرجال‏:‏ هذا عبد الله بن قيس في المرفإ فثاروا إليه فهجموا عليه فقتلوه بعد أن قاتلهم فأصيب وحده ونجا الملاح حتى أتى أصحابه فأعلمهم فجاؤوا حتى أرسوا بالمرفإ والخليفة عليهم سفيان بن عوف الأزدي فخرج إليهم فقاتلهم فضجر فجعل يشتم أصحابه‏.‏

فقالت جارية عبد الله‏:‏ ما هكذا كان يقول حين يقاتل‏!‏

فقال سفيان‏:‏ فكيف كان يقول قالت‏:‏ ‏(‏الغمرات ثم ينجلينا‏)‏‏.‏

فلزمها بقولها وأصيب في المسلمين يومئذ‏.‏

وقيل لتلك المرأة بعد‏:‏ بأي شيء عرفته قالت‏:‏ كان كالتاجر فلما سألته أعطاني كالملك فعرفته بهذا‏.‏

وفي هذه السنة غزا حبيب بن مسلمة سورية من أرض الروم‏.‏

وفيها تزوج عثمان نائلة بنت الفرافصة وكانت نصرانيةً فأسلمت قبل أن يدخل بها‏.‏

وفيها بنى عثمان ازوراء وحج بالناس عثمان هذه السنة‏.‏

حرام بالحاء المهملة والراء‏.‏

والجاسي بالجيم والسين المهملة‏.‏

والفرافصة بفتح الفاء إلا الفرافصة بن الأحوص الكلبي الذي من ولده نائلة زوج عثمان‏.‏

 ثم دخلت سنة تسع وعشرين

 ذكر عزل أبي موسى عن البصرة واستعمال ابن عامر عليها

قيل‏:‏ في هذه السنة عزل عثمان أبا موسى الأشعري عن البصرة واستعمل عبد الله بن عامر بن كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس وهو ابن خال عثمان وقيل‏:‏ كان ذلك لثلاث سنين

وكان سبب عزله أن أهل إيذج والأكراد كفروا في السنة الثالثة من خلافة عثمان فنادى أبو موسى في الناس وحضهم على الجهاد وذكر من فضل الجهاد ماشيًا فحمل نفر على دوابهم وأجمعوا على أن يخرجوا رجالة‏.‏

وقال آخرون‏:‏ لا نعجل بشيء حتى ننظر ما يصنع فإن أشبه قوله فعله فعلنا كما يفعل‏.‏

فلما خرج أخرج ثقله من قصره على أربعين بغلًا فتعلقوا بعنانة وقالوا‏:‏ احملنا على بعض هذه الفضول وارغب في المشي كما رغبتنا‏.‏ فضرب القوم بسوطه فتركوا دابته فمضى‏.‏

وأتوا عثمان فاستعفوه منه وقالوا‏:‏ ما كل ما نعلم نحب أن تسألنا عنه فأبدلنا به‏.‏

فقال‏:‏ من تحبون فقال غيلان ابن خرشة‏:‏ في كل أحد عوض من هذا العبد الذي قد أكل أرضنا‏!‏ أما منكم خسيس فترفعوه أما منكم فقير فتجبروه يا معشر قريش حتى متى يأكل هذا الشيخ الأشعري هذه البلاد فانتبه لها عثمان فعزل أبا موسى وولى عبد الله ابن عامر بن كريز‏.‏

فلما سمع أبو موسى قال‏:‏ يأتيكم غلام خراج ولاج كريم الجدات والخالات والعمات يجمع له الجندان‏.‏

وكان عمر ابن عامر خمسًا وعشرين سنة وجمع له جند أبي موسى وجند عثمان بن أبي العاص الثقفي من عمان والبحرين واستعمل على خراسان عمير بن عثمان بن سعد وعلى سجستان عبد الله بن عمير الليثي وهو من ثعلبة فأثخن فيها إلى كابل وأثخن عمير في خراسان حتى بلغ فرغانة لم يدع دونها كورة إلا أصلحها وبعث إلى مكران عبيد الله بن معمر فأثخن فيها حتى بلغ النهار وبعث على كرمان عبد الرحمن بن عبيس وبعث إلى الأهواز وفارس نفرًا وضم سواد البصرة إلى الحصين بن أبي الحرثم ثم عزل عبد الله بن عمير واستعمل عبد الله بن عامر فأقره عليها سنة ثم عزله واستعمل عاصم بن عمرو وعزل عبد الرحمن بن عبيس وأعاد عدي بن سهيل بن عدي وصرف عبيد الله بن معمر إلى فارس واستعمل مكانه عمير بن عثمان واستعمل على خراسان أمير بن أحمر اليشكري واستعمل على سجستان سنة أربع عمران بن الفضيل البرجمي‏.‏

ومات عاصم بن عمرو بكرمان‏.‏

عبيس بضم العين المهملة وفتح الباء الموحدة ثم الياء المثناة من تحتها وآخره سين مهملة‏.‏

وأمير بضم الهمزة وفتح الميم وآخره راء‏.‏

وكريز بن ربيعة بضم الكاف وفتح الراء‏.‏

 ذكر انتقاض أهل فارس

ثم إن أهل فارس انتفضوا ونكثوا بعبيد الله بن معمر فسار إليهم فالتقوا على باب إصطخر فقتل عبيد الله وانهز المسلمون وبلغ الخبر عبد الله بن عامر فاستنفر أهل البصرة وسار بالناس إلى فارس وعلى مقدمته عثمان بن أبي العاص فالتقوا بإصطخر وكان على ميمنته أبو برزة نضلة بن عبد الله الأسلمي وعلى ميسرته معقل بن يسار وعلى الخيل عمران ابن الحصين ولكلهم صحبة واشتد القتال فانهزم الفرس وقتل منهم مقتلة عظيمة وفتحت إصطخر عنوة وأتى دارابجرد وقد غدر أهلها ففتحها وسار إلى مدينة جور وهي أردشير خرة فانتقضت إصطخر فلم يرجع وتمم السير إلى جور وحاصرها وكان هرم بن حيان محاصرًا لها وكان المسلمون يحاصرونها وينصرفون عنها فيأتون إصطخر ويغزون نواحي كانت تنتقض عليهم فلما نزل ابن عامر عليها فتحها‏.‏

وكان سبب فتحها أن بعض المسلمين قام يصلي ذات ليلة وإلى جانبه جراب له فيه خبز ولحم فجاء كلب فجره وعدا به حتى دخل المدينة من مدخل لها خفي فلزم المسلمون ذلك المدخل حتى دخلوها منه وفتحوها عنوة‏.‏

فلما فرغ منها ابن عامر عاد إلى إصطخر ففتحها عنوة بعد أن حاصرها واشتد القتال عليها ورميت بالمجانيق وقتل بها خلقًا كثيرًا من الأعاجم وأفنى أكثر أهل البيوتات ووجوه الأساورة وكانوا قد لجأوا إليها‏.‏

وقيل‏:‏ إن أهل إصطخر لما نكثوا عاد إليها ابن عامر قبل وصوله إلى جور فملكها عنوةً وعاد إلى جور فأتى دارابجرد فملكها وكانت منقضة أيضًا ووطىء أهل فارس وطأة لم يزالوا منها في ذل وكتب إلى عثمان بالخبر فكتب إليه أن يستعمل على بلاد فارس هرم بن حيان اليشكري وهرم بن حيان العبدي والخريت بن راشد والمنجاب بن راشد والترجمان الهجيمي وأمره أن يفرق كور خراسان على جماعة فيجعل الأحنف على المروين وحبيب بن قرة اليربوعي على بلخ وخالد بن عبد الله بن زهير على هراة وأمير بن أحمر على طوس وقيس بن هبيرة السلمي على نيسابور وبه تخرج عبد الله بن خازم وهو ابن عمه ثم جمعها عثمان قبل موته لقيس واستعمل أمير بن أحمر على سجستان ثم جعل عليها عبد الرحمن بن سمرة وهو من آل حبيب بن عبد شمس فمات عثمان وهو عليها ومات وعمران على مكران وعمير بن عثمان بن سعد على فارس وابن كندير القشيري على كرمان‏.‏

ثم وفد قيس بن هبيرة عبد الله بن خازم إلى ابن عامر في زمن عثمان وكان ابن عامر يكرمه فقال لابن عامر‏:‏ اكتب لي على خراسان عهدًا إن خرج عنها قيس‏.‏

ففعل فرجع إلى خراسان فلما قتل عثمان وجاش العدو قال ابن خازم لقيس‏:‏ الرأي أن تخلفني وتمضي حتى تنظر فيما ينظرون فيه ففعل فأخرج ابن خازم بعده عهدًا بخلافته وثبت على خراسان إلى أن قام علي بن أبي طالب وغضب قيس من صنيع ابن خازم‏.‏

الخريت بكسر الخاء المعجمة والراء المشددة وسكون الياء تحتها نقطتان وآخره تاء فوقها نقطتان‏.‏

ـ صلى الله عليه وسلم ـ في هذه السنة زاد عثمان في مسجد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في ربيع الأول وكان ينقل الجص من بطن نخل وبناه بالحجارة المنقوشة وجعل عمده من حجارة فيها رصاص وسقفه ساجًا وجعل طوله ستين ومائة ذراع وعرضه خمسين ومائة ذراع وجعل أبوابه على ما كانت أيام عمر ستة أبواب‏.‏

 ذكر إتمام عثمان الصلاة بجمعٍ وأول ما تكلم الناس فيه

حج بالناس هذه السنة عثمان وضرب فسطاطه بمنىً وكان أول فسطاط ضربه عثمان بمنىً وأتم الصلاة بها وبعرفة فكان أول ما تكلم به الناس في عثمان ظاهرًا حين أتم الصلاة بمنى فعاب ذلك غير واحد من الصحابة وقال له علي‏:‏ ما حدث أمر ولا قدم عهد ولقد عهدت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأبا بكر وعمر يصلون ركعتين وأنت صدرًا من خلافتك فما أدري ما ترجع إليه‏.‏

فقال‏:‏ رأي رأيته‏.‏

وبلغ الخبر عبد الرحمن بن عوف وكان معه فجاءه وقال له‏:‏ ألم تصل في هذا المكان مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأبي بكر وعمر ركعتين وصليتها أنت ركعتين قال‏:‏ بلى ولكني أخبرت أن بعض من حج من اليمن وجفاة الناس قالوا‏:‏ إن الصلاة للمقيم ركعتان واحتجوا بصلاتي وقد اتخذت بمكة أهلًا ولي بالطائف مال‏.‏

فقال عبد الرحمن‏:‏ في هذا عذر أما قولك‏:‏ اتخذت بها أهلًا فإن زوجك بالمدينة تخرج بها إذا شئت وإنما تسكن بسكناك وأما مالك بالطائف فبينك وبينه مسيرة ثلاث ليال وأما قولك عن حاج اليمن وغيرهم فقد كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ينزل عليه الوحي والإسلام قليل ثم أبو بكر وعمر فصلوا ركعتين وقد ضرب الإسلام بجرانه‏.‏

فقال عثمان‏:‏ هذا رأي رأيته‏.‏

فخرج عبد الرحمن فلقي ابن مسعود فقال‏:‏ أبا محمد غير ما تعلم‏.‏

قال‏:‏ فما أصنع قال‏:‏ اعمل بما ترى وتعلم‏.‏

فقال ابن مسعود‏:‏ الخلاف شر وقد صليت بأصحابي أربعًا‏.‏

فقال عبد الرحمن‏:‏ قد صليت بأصحابي ركعتين وأما الآن فسوف أصلي أربعًا‏.‏

وقيل‏:‏ كمان ذلك سنة ثلاثين‏.‏

 ثم دخلت سنة ثلاثين

 ذكر عزل الوليد عن الكوفة وولاية سعيد

في هذه السنة عزل عثمان الوليد بن عقبة عن الكوفة وولاها سعيد بن العاص وقد تقدم سبب ولاية الوليد على الكوفة في السنة الثانية من خلافة عثمان وأنه كان محبوبًا إلى الناس فبقي كذلك خمس سنين وليس لداره باب ثم إن شبابًا من أهل الكوفة نقبوا على ابن الحيسمان الخزاعي وكاثروه فنذر بهم وخرج عليهم بالسيف وصرخ فأشرف عليهم أبو شريح الخزاعي وكان قد انتقل من المدينة إلى الكوفة للقرب من الجهاد فصاح بهم أبو شريح فلم يلتفتوا وقتلوا ابن الحيسمان وأخذهم الناس وفيهم زهير بن جندب الأزدي ومورع بن أبي مورع الأسدي وشبيل بن أبي الأزدي وغيرهم فشهد عليهم أبو شريح وابنه فكتب فيهم الوليد إلى عثمان فكتب عثمان بقتلهم فقتلهم على باب القصر ولهذا السبب أخذ في القسامة بقول ولي المقتول عن ملإٍ من الناس ليفطم الناس عن القتل وكان أبو زبيد الشاعر في الجاهلية والإسلام في بني تغلب وكانوا أخواله فظلموه دينًا له فاخذ له الوليد حقه إذ كان عاملًا عليهم فشكر أبو زبيد ذلك له وانقطع إليه وغشيه بالمدينة والكوفة وكان نصرانيًا فأسلم عند الوليد وحسن إسلامه فبينما هو عنده أتى آتٍ أبا زينب وأبا مورع وجندبًا وكانوا يحفرون للوليد منذ قتل أبناءهم ويضعون له العيون فقال لهم‏:‏ إن الوليد وأبا زبيد يشربان الخمر فثاروا وأخذوا معهم نفرًا من أهل الكوفة فاقتحموا عليه فلم يروا فأقبلوا يتلاومون وسبهم الناس وكتم الوليد ذلك عن عثمان‏.‏

وجاء جندبٌ ورهط معه إلى ابن مسعود فقالوا له‏:‏ إن الوليد يعتكف على الخمر وأذاعوا ذلك‏.‏

فقال ابن مسعود‏:‏ من استتر عنا لم نتبع عورته‏.‏

فعاتبه الوليد على قوله حتى تغاضبا‏.‏

ثم أتي الوليد بساحر فأرسل إلى ابن مسعود يسأله عن حده واعترف الساحر عند ابن مسعود وكان يخيل إلى الناس أنه يدخل في دبر الحمار ويخرج من فيه فأمره ابن مسعود بقتله‏.‏فلما أراد الوليد قتله أقبل الناس ومعهم جندبٌ فضرب الساحر فقتله فحبسه الوليد وكتب إلى عثمان فيه وأمره بإطلاقه وتأديبه فغضب لجندب أصحابه وخرجوا إلى عثمان يستعفون من الوليد فردهم خائبين‏.‏

فلما رجعوا أتاهم كل موتور فاجتمعوا معهم على رأيهم ودخل أبو زينب وأبو مورع وغيرهما على الوليد فتحدثوا عنده فنام فأخذا خاتمه وسارا إلى المدينة واستيقظ الوليد فلم ير خاتمه فسأل نساءه عن ذلك فأخبرنه أن آخر من بقي عنده رجلان صفتهما كذا وكذا‏.‏

فاتهمهما وقال‏:‏ هما أبو زينب وأبو مورع وأرسل يطلبهما فلم يوجدا‏.‏

فقدما على عثمان ومعهما غيرهما وأخبراه أنه شرب الخمر فأرسل إلى الوليد فقدم المدينة ودعا بهما عثمان فقال‏:‏ أتشهدان أنكما رأيتماه يشرب فقالا‏:‏ لا‏.‏

قال‏:‏ فكيف قالا اعتصرناها من لحيته وهو يقيء الخمر‏.‏

فأمر سعيد بن العاص فجلده فأورث ذلك عداوة بين أهليهما فكان على الوليد خميصة فأمر علي بن أبي طالب بنزعها لما جلد‏.‏

هكذا في هذه الرواية والصحيح أن الذي جلده عبد الله بن جعفر بن أبي طالب لأن عليًا أمر ابنه الحسن أن يجلده فقال الحسن‏:‏ ول حارها من تولى قارها‏!‏ فأمر عبد الله بن جعفر فجلده أربعين‏.‏

فقال علي‏:‏ أمسك جلد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأبو بكر أربعين وجلد عثمان ثمانين وكلٌّ سنة وهذا أحب إلي‏.‏

وقيل‏:‏ إن الوليد سكر وصلى الصبح بأهل الكوفة أربعًا ثم التفت إليهم وقال‏:‏ أزيدكم فقال له ابن مسعود‏:‏ ما زلنا معك في زيادة منذ اليوم وشهدوا عليه عند عثمان فأمر عليًا بجلده فأمر علي عبد الله بن جعفر فجلده وقال الحطيئة‏:‏ شهد الحطيئة يوم يلقى ربه أن الوليد أحق بالعذر نادى وقد تمت صلاتهم‏:‏ أأزيدكم سكرًا وما يدري فأبوا أبا وهب ولو أذنوا لقرنت بين الشفع والوتر كفوا عنانك إذ جريت ولو تركوا عنانك ولم تزل تجري فلما علم عثمان من الوليد شرب الخمر عزله وولى سعيد بن العاص بن أمية وكان سعيد قد ربي في حجر عمر فلما فتح الشام قدمه فأقام مع معاوية فذكر عمر يومًا قريشًا فسأل عنه فأخبر أنه بالشام فاستقدمه فقدم عليه فقال له‏:‏ قد بلغني عنك بلاء وصلاح فازدد يزدك الله خيرًا‏.‏

وقال له‏:‏ هل لك من زوجة قال‏:‏ لا‏.‏

وجاء عمر بنات سفيان بن عويف ومعهن أمهن فقالت أمهن‏:‏ هلك رجالنا وإذا هلك الرجال ضاع النساء فضعهن في أكفائهن‏.‏

فزوج سعيدًا إحداهن وزوج عبد الرحمن بن عوف أخرى والوليد بن عقبة الثالثة‏.‏

وأتاه بنات مسعود بن نعيم النهشلي فقلن له‏:‏ قد هلك رجالنا وبقي الصبيان فضعنا في أكفائنا فزوج سعيدًا إحداهن وجبير بن مطعم الأخرى‏.‏

وكان عمومته ذوي بلاء في الإسلام وسابقة فلم يمت عمر حتى كان سعيد من رجال قريش‏.‏فلما استعمله عثمان سار حتى أتى الكوفة أميرًا ورجع معه الأشتر وأبو خشة الغفاري وجندب بن عبد الله وجثامة بن صعب بن جثامة وكانوا ممن شخص مع الوليد يعينونه فصاروا عليه فقال بعض شعراء الكوفة‏:‏ فررت من الوليد إلى سعيدٍ كأهل الحجر إذ جزعوا فباروا يلينا من قريشٍ كل عامٍ أميرٌ محدثٌ أو مستشار لنا نارٌ نخوفها فنخشى وليس لهم فلا يخشون نار فلما وصل سعيدٌ الكوفة صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال‏:‏ والله لقد بعثت إليكم وإني لكارهٌ ولكني لم أجد بدًا إذا أمرت أن أتمر ألا إن الفتنة قد أطلعت خطمها وعينيها ووالله لأضربن وجهها حتى أقمعها أو تعييني وإني لرائد نفسي اليوم‏.‏

ثم نزل وسأل عن أهل الكوفة فعرف حال أهلها فكتب إلى عثمان أن أهل الكوفة قد اضطرب أمرهم وغلب أهل الشرف منهم والبيوتات والسابقة والغالب على تلك البلاد روادف قدمت وأعرابٌ لحقت حتى لا ينظر إلى ذي شرف وبلاء من نابتتها ولا نازلتها‏.‏

فكتب إليه عثمان‏:‏ أما بعد ففضل أهل السابقة والقدمة ومن فتح الله عليه تلك البلاد وليكن من نزلها من غيرهم تبعًا لهم إلا أن يكونوا تثاقلوا عن الحق وتركوا القيام به وقام به هؤلاء واحفظ لكلٍ منزلته وأعطهم جميعًا بقسطهم من الحق فإن المعرفة بالناس بها يصاب العدل‏.‏

فأرسل سعيد إلى أهل الأيام والقادسية فقال‏:‏ أنتم وجوه الناس والوجه ينبىء عن الجسد فأبلغونا حاجة ذي الحاجة وخلة ذي الخلة‏.‏

وأدخل معهم من يحتمل من اللواحق والروادف‏.‏

وجعل القراء في سمره فكأنما كانت الكومة يبسًا شملته نار فانقطع إلى ذلك الضرب ضربهم ففشت القالة في أهل الكوفة فكتب سعيد إلى عثمان بذلك فجمع الناس وأخبرهم بما كتب إليه‏.‏

فقالوا له‏:‏ أصبت لا تطمعهم فيما ليسوا له بأهل فإنه إذا نهض في الأمور من ليس بأهل لها لم يحتملها وأفسدها‏.‏

فقال عثمان‏:‏ يا أهل المدينة استعدوا واستمسكوا فقد دبت إليكم الفتن وإني والله لأتخلصن لكم الذي لكم حتى أنقله إليكم إن رأيتم حتى يأتي من شهد من أهل العراق الفتوح سهمه فيقيم معه في بلاده‏.‏

فقالوا‏:‏ كيف تنقل إلينا سهمنا من الأرضين فقال‏:‏

يبيعها من شاء بما كان له بالحجاز واليمن وغيرهما من البلاد‏.‏

ففرحوا وفتح الله لهم أمرًا لم يكن في حسابهم وفعلوا ذلك واشتراه رجال من كل قبيلة وجاز لهم عن تراضٍ منهم ومن الناس وإقرار بالحقوق‏.‏