فصل: ذكر ردة بني عامر وهوازن وسليم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكامل في التاريخ **


 ذكر ردة بني عامر وهوازن وسليم

وكانت بنو عامر تقدم إلى الردة رجلًا وتؤخر أخرى وتنظر ما تصنع أسد وغطفان‏.‏

فلما أحيط بهم وبنو عامر على قادتهم وسادتهم كان قرة بن هبيرة في كعب ومن لافها وعلقمة بن علاثة في كلاب ومن لافها وكان أسلم ثم ارتد في زمن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولحق بالشام بعد فتح الطائف فلما توفي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أقبل مسرعًا حتى عسكر في بني كعب‏.‏

فبلغ ذلك أبا بكر فبعث إليه سرية عليها القعقاع بن عمرو وقيلك بل قعقاع بن سور وقال له ليغير على علقمة لعله يقتله أو يستأسره‏.‏

فخرج حتى أغار على الماء الذي عليه علقمة وكان لا يبرح إلا مستعدًا فسابقهم على فرسه فسبقهم مراكضة وأسلم أهله وولده وأخذه القعقاع وقدم بهم على أبي بكر فجحدوا أن يكونوا على حال علقمة ولم يبلغ أبا بكر عنهم أنهم فارقوا دارهم وقالوا له‏:‏ ما ذنبنا فيما صنع علقمة فأرسلهم ثم أسلم فقبل ذلك منه‏.‏

وأقبلت بنو عامر بعد هزيمة أهل بزاخة يقولون‏:‏ ندخل فيما خرجنا منه ونؤمن بالله ورسوله وأتوا خالدًا فبايعهم على ما بايع أهل بزاخة وأعطوه بأيديهم على الإسلام وكانت بيعته‏:‏ عليكم عهد الله وميثاقه لتؤمنن بالله ورسوله ولتقيمن الصلاة ولتؤتن الزكاة وتبايعون على ذلك أبناءكم ونساءكم فيقولون‏:‏ نعم ولم يقبل من أحد من أسد وغطفان وطيئ وسليم وعامر إلا أن يأتوه بالذين حرقوا ومثلوا وعدوا على الإسلام في حال ردتهم فأتوه بهم فمثل بهم وحرقهم ورضخهم بالحجارة ورمى بهم من الجبال ونكسهم في الآبار وأرسل إلى أبي بكر يعلمه ما فعل وأرسل إليه قرة ابن هبيرة ونفرًا معه موثقين وزهيرًا أيضًا‏.‏

وأما أم زمل فاجتمع فلال غطفان وطيئ وسليم وهوازن وغيرها إلى أم زمل سلمى بنت مالك بن حذيفة بن بدر وكانت أمها أم قرفة بنت ربيعة بن بدر وكانت أم زمل قد سبيت أيام أمها أم قرفة وقد تقدمت الغزوة فوقعت لعائشة فأعتقتها ورجعت إلى قومها وارتدت واجتمع إليها الفل فأمرتهم بالقتال وكثف جمعها وعظمت شوكتها‏.‏

فلما بلغ خالدًا أمرها سار إليها فاقتتلوا قتالًا شديدًا أول يوم وهي واقفة على جمل كان لأمها وهي في مثل عزها فاجتمع على الجمل فوارس فعقروه وقتلوها وقتل حول جملها مائة رجل وبعث بالفتح إلى أبي بكر‏.‏

وأما خبر الفجاءة السلمي واسمه إياس بن عبد ياليل فإنه جاء إلى أبي بكر فقال له‏:‏ أعني بالسلاح أقاتل به أهل الردة‏.‏

فأعطاه سلاحًا وأمره إمرةً فخالف إلى المسلمين وخرج حتى نزل بالجواء وبعث نخبة بن أبي الميثاء من بني الشريد وأمره بالمسلمين فشن الغارة على كل مسلم في سليم وعامر وهوازن فبلغ ذلك أبا بكر فأرسل إلى طريفة بن حاجز فأمره أن يجمع له ويسير إليه وبعث إليه عبد الله بن قيس الحاشي عونًا فنهضا إليه وطلباه فلاذ منهما ثم لقياه على الجواء فاقتتلوا وقتل نخبة وهرب الفجاءة فلحقه طريفة فأسره ثم بعث به إلى أبي بكر فلما قدم أمر أبو بكر أن توقد له نار في مصلى المدينة ثم رمي به فيها مقموطًا‏.‏

وأما خبر أبي شجرة بن عبد العزى السلمي وهو ابن الخنساء فإنه كان قد ارتد فيمن ارتد من سليم وثبت بعضهم على الإسلام مع معن بن حاجز وكان أميرًا لأبي بكر‏.‏

فلما سار خالد إلى طليحة كتب إلى معن أن يلحقه فيمن معه على الإسلام من بني سليم فسار واستخلف على صحا القلب عن ميٍّ هواه وأقصرا وطاوع فيها العاذلين فأبصرا ألا أيها المدلي بكثرة قومه وحظك منهم أن تضام وتقهرا سل الناس عنا كل يوم كريهةٍ إذا ما التقينا دارعين وحسرا ألسنا نعاطي ذا الطماح لجامه ونطعن في الهيجا إذا الموت أقفرا فرويت رمحي من كتيبة خالدٍ وإني لأرجو بعدها أن أعمرا ثم إن أبا شجرة أسلم فلما كان زمن عمر قدم المدينة فرأى عمر وهو يقسم في المساكين فقال‏:‏ أعطني فإني ذو حاجة فقال‏:‏ ومن أنت فقال‏:‏ أنا أبو شجرة بن عبد العزى السلمي‏.‏

قال‏:‏ أي عدو الله لا والله‏!‏ ألست الذي تقول‏:‏ فرويت رمحي من كتيبة خالدٍ وإني لأرجو بعدها أن أعمرا وجعل يعلوه بالدرة في رأسه حتى سبقه عدوًا إلى ناقته فركبها ولحق بقومه وقال‏:‏ ضن علينا أبو حفصٍ بنائله وكل مختبطٍ يومًا له ورق في أبيات‏.‏

كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد أرسل عمرو بن العاص إلى جيفر عند منصرفه من حجه الوداع‏.‏ فمات رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعمرو بعمان فأقبل حتى انتهى إلى البحرين فوجد المنذر بن ساوى في الموت‏.‏

ثم خرج عنه إلى بلاد بني عامر فنزل بقرة بن هبيرة وقرة يقدم رجلًا ويؤخر أخرى ومعه عسكر من بني عامر فذبح له وأكرم مثواه‏.‏

فلما اراد الرحلة خلا به قرة وقال‏:‏ يا هذا إن العرب لا تطيب لكم نفسًا بالإتاوة فإن أعفيتموها من أخذ أموالها فستسمع لكم وتطيع وإن أبيتم فلا تجتمع عليكم‏.‏

فقال له عمرو‏:‏ أكفرت يا قرة أتخوفنا بالعرب فوالله لأوطئن عليك الخيل في حفش أمك والحفش‏:‏ بيت تنفرد فيه النفساء‏.‏

وقدم على المسلمين بالمدينة فأخبرهم فأطافوا به يسألونه فأخبرهم أن العساكر معسكرة من دبا إلى المدينة‏.‏

فتفرقوا وتحلقوا حلقًا وأقبل عمر يريد التسليم على عمرو فمر على حلقة فيها علي وعثمان وطلحة والزبير وعبد الرحمن وسعد‏.‏

فلما دنا عمر منهم سكتوا فقال‏:‏ فيم أنتم فلم يجيبوه‏.‏

فقال لهم‏:‏ إنكم تقولون ما أخوفنا على قريش من العرب‏!‏ قالوا‏:‏ صدقت‏.‏

قال‏:‏ فلا تخافوهم أنا والله منكم على العرب أخوف مني من العرب عليكم والله لو تدخلون معاش قريش جحرًا لدخلته العرب في آثاركم فاتقوا الله فيهم‏.‏

ومضى عمر فلما قدم بقرة بن هبيرة على أبي بكر أسيرًا استشهد بعمرو على إسلامه

فأحضر أبو بكر عمرًا فسأله فأخبره بقول قرة إلى أن وصل إلى ذكر الزكاة فقال قرة‏:‏ مهلًا يا عمرو‏!‏ فقال‏:‏ كلا والله لأخبرنه بجميعه‏.‏

فعفا عنه أبو بكر وقبل إسلامه‏.‏

 ذكر بني تميم وسجاح

وأما بنو تميم فإن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فرق فيهم عماله فكان الزبرقان منهم وسهل بن منجاب وقيس بن عاصم وصفوان بن صفوان وسبرة بن عمرو ووكيع بن مالك ومالك بن نويرة‏.‏

فلما وقع الخبر بموت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ سار صفوان بن صفوان إلى أبي بكر بصدقات بني عمرو وأقام قيس عاصم ينظر ما الزبرقان صانع ليخالفه فقال حين أبطأ عليه الزبرقان في عمله‏:‏ واويلتاه من ابن العكلية‏!‏ والله لقد مزقني ما أدري ما أصنع لئن أنا بعثت بالصدقة إلى أبي بكر وبايعته لينحرن ما معه في بني سعد فيسودني فيهم ولئن نحرتها في بني سعد ليأتين أبي بكر فيسودني عنده‏.‏

فقسمها على المقاعس والبطون ووافى الزبرقان فاتبع صفوان بن صفوان بصدقات الرباب - وهي ضبة بن أد بن طابخة وعدي وتيم وعكل وثور بنو عبد مناة بن أد - وبصدقات عوف والأبناء وهذه بطون من تميم‏.‏

ثم ندم قيس بعد ذلك فلما أظله العلاء بن الحضرمي أخرج الصدقة فتلقاه بها ثم خرج معه وتشاغلت تميم بعضها ببعض‏.‏

وكان ثمامة بن أثال الحنفي تأتيه أمداد تميم فلما حدث هذا الحدث أضر ذلك بثمامة وكان مقاتلًا لمسيلمة الكذاب حتى قدم عليه عكرمة بن أبي جهل فبينما الناس ببلاد تميم مسلمهم بإزاء من أراد الردة وارتاب إذ جاءتهم سجاح بنت الحارث بن سويد بن عقفان التميمية قد أقبلت من الجزيرة وادعت النبوة‏.‏

وكانت ورهطها في أخوالها من تغلب تقود أفناء ربيعة معها الهذيل بن عمران في بني تغلب وكان نصرانيًا فترك دينه وتبعها وعقة بن هلال في النمر وزياد بن فلان في إياد والسليل بن قيس في شيبان فأتاهم أمر أعظم مما هم فيه لاختلافهم والتشاغل فيما بينهم‏.‏

وكان سجاح تريد غزو أبي بكر فأرسلت إلى مالك بن نويرة تطلب الموادعة فأجابها وردها عن غزوها وحملها على أحياء من بني تميم فأجابته وقالت‏:‏ أنا امرأة من بني يربوع فإن كان ملك فهو لكم‏.‏

وهرب منها عطارد بن حاجب وسادة بني مالك وحنظلة إلى بني العنبر وكرهوا ما صنع وكيع وكان قد وادعها وهرب منها أشباههم من بني يربوع وكرهوا ما صنع مالك بن نويرة واجتمع مالك ووكيع وسجاح فسجعت لهم سجاح وقالت‏:‏ أعدوا الركاب واستعدوا للنهاب ثم أغيروا على الرباب فليس دونهم حجاب‏.‏

فساروا إليهم فلقيهم ضبة وعبد مناة فقتل بينهم قتلى كثيرة وأسر بعضهم من بعض ثم تصالحوا وقال قيس بن عاصم شعرًا ظهر فيه ثم سارت سجاح في جنود الجزيرة حتى بلغت النباج فأغار عليهم أوس ابن خزيمة الهجيمي في بني عمرو فأسر الهذيل وعقة ثم اتفقوا على أن يطلق أسرى سجاح ولا يطأ أرض أوس ومن معه‏.‏

ثم خرجت سجاح في الجنود وقصدت اليمامة وقالت‏:‏ عليكم باليمامه ودفوا دفيف الحمامة فإنها غزوة صرامه لا يلحقكم بعدها ملامه‏.‏

فقصدت بني حنيفة فبلغ ذلك مسيلمة فخاف إن هو شغل بها أن يغلب ثمامة وشرحبيل بن حسنة والقبائل التي حولهم على حجر وهي اليمامة فأهدى لها ثم أرسل إليها يستأمنها على نفسه حتى يأتيها فآمنته فجاءها في أربعين من بني حنيفة فقال مسيلمة‏:‏ لنا نصف الأرض وكان لقريش نصفها لو عدلت وقد رد الله عليك النصف الذي ردت قريش‏.‏

وكان مما شرع لهم مسيلمة أن من أصاب ولدًا واحدًا ذكرًا لا يأتي النساء حتى يموت ذلك الولد فيطلب الولد حتى يصيب ابنًا ثم يمسك‏.‏

وقيل‏:‏ بل تحصن منها فقالت له‏:‏ انزل فقال لها‏:‏ أبعدي أصحابك‏.‏

ففعلت وقد ضرب لها قبة وخمرها لتذكر بطيب الريح الجماع واجتمع بها فقالت له‏:‏ ما أوحى إليك ربك فقال‏:‏ ألم تر إلى ربك كيف فعل بالحبلى أخرج منها نسمةً تسعى بين سفاق وحشىً قالت‏:‏ وماذا أيضًا قال‏:‏ إن الله خلق النساء أفراجًا وجعل الرجال لهن أزواجًا فتولج فيهن قعسًا إيلاجًا ثم تخرجها إذا تشاء إخراجًا فينتجن لنا سخالًا إنتاجًا‏.‏

قالت‏:‏ أشهد أنك نبي‏.‏

قال‏:‏ هل لك أن أتزوجك وآكل بقومي وقومك العرب قالت‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ ألا قومي إلى النيك فقد هيي لك المضجع فإن شئت ففي البيت وإن شئت ففي المخدع وإن شئت سلقناك وإن شئت على أربع وإن شئت بثلثيه وإن شئت به أجمع قالت‏:‏ بل به أجمع فإنه أجمع للشمل‏.‏

قال‏:‏ بذلك أوحي إلي‏.‏

فأقامت عنده ثلاثًا ثم انصرفت إلى قومها فقالوا لها‏:‏ ما عندك قالت‏:‏ كان على الحق فتبعته وتزوجته‏.‏

قالوا‏:‏ هل أصدقك شيئًا قالت‏:‏ لا‏.‏

قالوا‏:‏ فارجعي فاطلبي الصداق فرجعت‏.‏

فلما رآها أغلق باب الحصن وقال‏:‏ ما لك قالت‏:‏ أصدقني‏.‏

قال‏:‏ من مؤذنك قالت‏:‏ شبث بن ربعي الرياحي فدعاه وقال له‏:‏ ناد في أصحابك أن مسيلمة رسول الله قد وضع عنكم صلاتين مما جاءكم به محمد‏:‏ صلاة الفجر وصلاة العشاء الآخرة‏.‏

فانصرفت ومعها أصحابها منهم‏:‏ عطارد بن حاجب وعمرو بن الأهتم وغيلان بن خرشة وشبث بن ربعي فقال عطارد بن حاجب‏:‏

وصالحها مسيلمة على غلات اليمامة سنة تأخذ النصف وتترك عنده من يأخذ النصف فأخذت النصف وانصرفت إلى الجزيرة وخلفت الهذيل وعقة وزيادًا لأخذ النصف الباقي فلم يفاجئهم إلا دنو خالد إليهم فارفضوا‏.‏

فلم تزل سجاح في تغلب حتى نقلهم معاوية عام الجماعة وجاءت معهم وحسن إسلامهم وإسلامها وانتقلت إلى البصرة وماتت بها وصلى عليها سمرة ابن جندب وهو على البصرة لمعاوية قبل قدوم عبيد الله بن زياد من خراسان وولايته البصرة‏.‏

وقيل‏:‏ إنها لما قتل مسيلمة سارت إلى أخوالها تغلب بالجزيرة فماتت عندهم ولم يسمع لها بذكر‏.‏

 ذكر مالك بن نويرة

لما رجعت سجاح إلى الجزيرة ارعوى مالك بن نويرة وندم وتحير في أمره وعرف وكيع وسماعة قبح ما أتيا فراجعا رجوعًا حسنًا ولم يتجبرا وأخرجا الصدقات فاستقبلا بها خالدًا‏.‏

وسار خالد بعد أن فرغ من فزارة وغطفان وأسد وطيئ يريد البطاح وبها مالك بن نويرة قد تردد عليه أمره وتخلفت الأنصار عن خالد وقالوا‏:‏ ما هذا بعهد الخليفة إلينا إن الخليفة عهد إلينا إن نحن فرغنا من بزاخة واستبرأنا بلاد القوم أن نقيم حتى يكتب إلينا‏.‏

فقال خالد‏:‏ قد عهد إلي أن أمضي وأنا الأمير ولو لم يأتي كتاب ما رأيته فرصةً وكنت إن أعلمته فاتتني لم أعلمه حتى انتهزها وكذلك لو ابتلينا بأمر ليس فيه منه عهد لم ندع أن نرى أفضل ما يحضرنا ثم نعمل به فأنا قاصد إلى مالك ومن معي ولست أكرههم‏.‏

ومضى خالد وندمت الأنصار وقالوا‏:‏ إن أصاب القوم خيرًا حرمتموه وإن أصيبوا ليجتنبنكم الناس‏.‏ فلحقوه‏.‏

ثم سار حتى قدم البطاح فلم يجد بها أحدًا وكان مالك بن نويرة قد فرقهم ونهاهم عن الاجتماع وقال‏:‏ يا بني يربوع إنا دعينا إلى هذا الأمر فأبطأنا عنه فلم نفلح وقد نظرت فيه فرأيت الأمر يتأتى لهم بغير سياسة وإذا الأمر لا يسوسه الناس فإياكم ومناوأة قوم صنع لهم فتفرقوا وادخلوا في هذا الأمر‏.‏

فتفرقوا على ذلك ولما قدم خالد البطاح بث السرايا وأمرهم بداعية الإسلام وأن يأتوه بكل من لم يجب وإن امتنع أن يقتلوه وكان قد أوصاهم أبو بكر أن يؤذنوا إذا نزلوا منزلًا فإن أذن القوم فكفوا عنهم وإن لم يؤذنوا فاقتلوا وانهبوا وإن أجابوكم إلى داعية الإسلام فسائلوهم عن الزكاة فإن أقروا فاقبلوا منهم وإن أبوا فقاتلوهم‏.‏

قال‏:‏ فجاءته الخيل بمالك بن نويرة في نفر من بني ثعلبة بن يربوع فاختلفت السرية فيهم وكان فيهم أبو قتادة فكان فيمن شهد أنهم قد أذنوا وأقاموا وصلوا فلما اختلفوا أمر بهم فحبسوا في

ليلة باردة لا يقوم لها شيء فأمر خالد مناديًا فنادى‏:‏ أدفئوا أسراكم وهي في لغة كنانة القتل فظن القوم أنه أراد القتل ولم يرد إلا الدفء فقتلوهم فقتل ضرار بن الأزور مالكًا وسمع خالد الواعية فخرج وقد فرغوا منهم فقال‏:‏ إذا أراد الله أمرًا أصابه وقد اختلف القوم فيهم فقال أبو قتادة‏:‏ هذا عملك فزبره خالد فغضب ومضى حتى أتى أبا بكر فغضب أبو بكر حتى كلمه عمر فيه فلم يرض إلا أن يرجع إليه فرجع إليه حتى قدم معه المدينة وتزوج خالد أم تميم امرأة مالك‏.‏

فقال عمر لأبي بكر‏:‏ إن سيف خالد فيه رهق وأكثر عليه في ذلك‏.‏

فقال‏:‏ هيه يا عمر‏!‏ تأول فأخطأ فارفع لسانك عن خالد فإني لا أشيم سيفًا سله الله على الكافرين‏.‏ وودى مالكًا وكتب إلى خالد أن يقدم عليه ففعل ودخل المسجد وعليه قباء له عليه صدأ الحديد وقد غرز في عمامته أسهمًا فقام إليه عمر فنزعها وحطمها وقال له‏:‏ أرثاء قتلت أمرًا مسلمًا ثم نزوت على امرأته والله لأرجمنك بأحجارك‏!‏ وخالد لا يكلمه يظن أن رأي أبي بكر مثله ودخل على أبي بكر فأخبره الخبر واعتذر إليه فعذره وتجاوز عنه وعنفه في التزويج الذي كانت عليه العرب من كراهة أيام الحرب‏.‏

فخرج خالد وعمر جالسٌ فقال‏:‏ هلم إلي يا ابن أم سلمة‏.‏

فعرف عمر أن أبا بكر قد رضي عنه فلم يكلمه‏.‏

وقيل‏:‏ إن المسلمين لما غشوا مالكًا وأصحابه ليلًا أخذوا السلاح فقالوا‏:‏ نحن المسلمون‏.‏

فقال أصحاب مالك‏:‏ ونحن المسلمون‏.‏

قالوا لهم‏:‏ ضعوا السلاح فوضعوه ثم صلوا وكان يعتذر في قتله أنه قال‏:‏ ما إخال صاحبكم إلا قال كذا وكذا‏.‏

فقال له‏:‏ أو ما تعده لك صاحبًا ثم ضرب عنقه‏.‏

وقدم متمم بن نويرة على أبي بكر يطلب بدم أخيه ويسأله أن يرد عليهم سبيهم فأمر أبو بكر برد السبي وودى مالكًا من بيت المال‏.‏

ولما قدم على عمر قال له‏:‏ ما بلغ بك الوجد على أخيك قال‏:‏ بكيته حولًا حتى أسعدت عيني الذاهبة عيني الصحيحة وما رأيت نارًا قط إلا كدت أنقطع أسفًا عليه لأنه كان يوقد ناره إلى الصبح مخافة أن يأتيه ضيف ولا يعرف مكانه‏.‏

قال‏:‏ فصفه لي‏.‏

قال‏:‏ كان يركب الفرس الحرون ويقود الجمل الثقال وهو بين المزادتين النضوختين في الليلة القرة وعليه شملة فلوت معتقلًا رمحًا خطلًا فيسري ليلته ثم يصبح وكأن وجهه فلقة قمر‏.‏

قال‏:‏ أنشدني بعض ما قلت فيه‏.‏

فأنشده مرثيته التي يقول فيها‏:‏ وكنا كندماني جذيمة حقبةً من الدهر حتى قيل لن يتصدعا فلما تفرقنا كأني ومالكًا لطول اجتماعٍ لم نبت ليلةً معًا فقال عمر‏:‏ لو كنت أقول الشعر لرثيت أخي زيدًا‏.‏

فقال متمم‏:‏ ولا سواء يا أمير المؤمنين لو كان أخي صرع مصرع أخيك لما بكيته‏.‏

فقال عمر‏:‏ ما عزاني أحد بأحسن مما عزيتني به‏.‏

وفي هذه الوقعة قتل الوليد وأبو عبيدة ابنا عمارة بن الوليد وهما ابنا أخي خالد لهما صحبة‏.‏

 ذكر مسيلمة وأهل اليمامة

قد ذكرنا فيما تقدم مجيء مسيلمة إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلما مات النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وبعث أبو بكر السرايا إلى المرتدين أرسل عكرمة بن أبي جهل في عسكر إلى مسيلمة وأتبعه شرحبيل بن حسنة فعجل عكرمة ليذهب بصوتها فواقعهم فنكبوه وأقام شرحبيل بالطريق حين أدركه الخبر وكتب عكرمة إلى أبي بكر بالخبر‏.‏

فكتب إليه أبو بكر‏:‏ لا أرينك ولا تراني لا ترجعن فتوهن الناس امض إلى حذيفة وعرفجة فقاتل أهل عمان ومهرة ثم تسير أنت وجندك تستبرون الناس حتى تلقى مهاجر بن أبي أمية باليمن وحضرموت‏.‏

فكتب إلى شرحبيل بالمقام إلى أن يأتي خالد فإذا فرغوا من مسيلمة تلحق بعمرو بن العاص تعينه على قضاعة‏.‏فلما رجع خالد من البطاح إلى أبي بكر واعتذر إليه قبل عذره ورضي عنه ووجهه إلى مسيلمة وأوعب معه المهاجرين والأنصار وعلى الأنصار ثابت بن قيس بن شماس وعلى المهاجرين أبو حذيفة وزيد بن الخطاب وأقام خالد بالبطاح ينتظر وصول البعث إليه‏.‏

فلما وصلوا إليه سار إلى اليمامة وبنو حنيفة يومئذٍ كثيرون كانت عدتهم أربعين ألف مقاتل وعجل شرحبيل ابن حسنة وبادر خالدًا بقتال مسيلمة فنكب فلامه خالد وأمد أبو بكر خالدًا بسليط ليكون ردءًا له لئلا يؤتى من خلفه‏.‏

وكان أبو بكر يقول‏:‏ لا أستعمل أهل بدر أدعهم حتى يلقوا الله بصالح أعمالهم فإن الله يدفع بهم وبالصالحين أكثر مما ينتصر بهم‏.‏

وكان عمر يرى استعمالهم على الجند وغيره‏.‏

وكان مع مسيلمة نهارٌ الرجال بن عنفوة وكان قد هاجر إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقرأ القرآن وفقه في الدين وبعثه معلمًا لأهل اليمامة وليشغب على مسيلمة فكان أعظم فتنةً على بني حنيفة من مسيلمة شهد أن محمدًا ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول‏:‏ إن مسيلمة قد أشرك معه فصدقوه واستجابوا له وكان مسيلمة ينتهي إلى أمره وكان يؤذن له عبد الله بن النواجة والذي يقيم له حجير بن عمير فكان حجير يقول‏:‏ أشهد أن مسيلمة يزعم أنه رسول الله‏.‏

فقال له مسيلمة‏:‏ أفصح حجير فليس في المجمجمة خير‏.‏

وهو أول من قالها‏.‏

وكان مما جاء به وذكر أنه وحي‏:‏ ‏{‏يا ضفدع بنت ضفدع نقي ما تنقين أعلاك في الماء وأسفلك في الطين لا الشارب تمنعين ولا الماء تكدرين‏)‏‏.‏

وقال أيضًا‏:‏ ‏(‏والمبديات زرعًا والحاصدات حصدًا والذاريات قمحًا والطاحنات طحنًا والخابزات خبزًا والثاردات ثردًا واللاقمات لقمًا إهالة وسمنًا لقد فضلتم على أهل الوبر وما سبقكم أهل المذر ريقكم فامنعوه والمعيي فأووه والباغي فناوئوه‏)‏‏.‏

وأتته امرأة فقالت‏:‏ إن نخلنا لسحيق وإن آبارنا لجزرٌ فادع الله لمائنا ونخلنا كما دعا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأهل هزمان‏.‏

فسأل نهارًا عن ذلك فذكر أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ دعا لهم وأخذ من ماء آبارهم فتمضمض منه ومجه في الآبار ففاضت ماء وأنجيت كل نخلة وأطلعت فسيلًا قصيرًا مكممًا ففعل مسيلمة ذلك فغار ماء الآبار ويبس النخل وإنما ظهر ذلك بعد مهلكه‏.‏

وقال له نهار‏:‏ أمر يدك على أولاد بني حنيفة مثل محمد ففعل وأمر يده على رؤوسهم وحنكهم فقرع كل صبي مسح رأسه ولثغ كل صبي حنكه وإنما استبان ذلك بعد مهلكه‏.‏

وقيل‏:‏ جاءه طلحة النمري فسأله عن حاله فأخبره أنه يأتيه رجل في ظلمة فقال‏:‏ أشهد أنك الكاذب وأن محمدًا صادق ولكن كذاب ربيعة أحب إلينا من صادق مضر‏.‏فقتل معه يوم عقرباء كافرًا‏.‏

ولما بلغ مسيلمة دنو خالد ضرب عسكره بعقرباء وخرج إليه الناس وخرج مجاعة بن مرارة في سرية يطلب ثأرًا لهم في بني عامر فأخذه المسلمون وأصحابه فقتلهم خالد واستبقاه لشرفه في وترك مسيلمة الأموال وراء ظهره فقال شرحبيل بن مسيلمة‏:‏ يا بني حنيفة قاتلوا فإن اليوم يوم الغيرة فإن انهزمتم تستردف النساء سبيات وينكحن غير خطيبات فقاتلوا عن أحسابكم وامنعوا نساءكم‏.‏

فاقتتلوا بعقرباء وكانت راية المهاجرين مع سالم مولى أبي حذيفة وكانت قبله مع عبد الله بن حفص بن غانم فقتل فقالوا‏:‏ تشى علينا من نفسك فقال‏:‏ بئس حامل القرآن أنا إذًا‏!‏ وكانت راية الأنصار مع ثابت بن قيس بن شماس وكانت العرب على راياتهم والتقى الناس وكان أول من لقي المسلمين نهارٌ الرجال بن عنفوة فقتل قتله زيد بن الخطاب واشتد القتال ولم يلق المسلمون حربًا مثلها قط وانهزم المسلمون وخلص بنو حنيفة إلى مجاعة وإلى خالد فزال خالد عن الفسطاط ودخلوا إلى مجاعة وهو عند امرأة خالد وكان سلمة إليها فأرادوا قتلها فنهاهم مجاعة عن قتلها وقال‏:‏ أنا لها جار فتركوها وقال لهم‏:‏ عليكم بالرجال فقطعوا الفسطاط‏.‏

ثم إن المسلمين تداعوا فقال ثابت بن قيس‏:‏ بئس ما عودتم أنفسكم يا معشر المسلمين‏!‏ اللهم إني أبرأ إليك مما يصنع هؤلاء يعني أهل اليمامة وأعتذر إليك مما يصنع هؤلاء يعني المسلمين ثم قاتل حتى قتل‏.‏

وقال زيد بن الخطاب‏:‏ لا نحور بعد الرجال والله لا أتكلم اليوم حتى نهزمهم أو أقتل فأكلمه بحجتي‏.‏

غضوا أبصاركم وعضوا على أضراسكم أيها الناس واضربوا في عدوكم وامضوا قدمًا‏.‏

وقال أبو حذيفة‏:‏ يا أهل القرآن زينوا القرآن بالفعال‏.‏

وحمل خالد في الناس حتى ردوهم إلى أبعد مما كانوا واشتد القتال وتذامرت بنو حنيفة وقاتلت قتالًا شديدًا وكانت الحرب يومئذ تارة للمسلمين وتارة للكافرين وقتل سالم وأبو حذيفة وزيد بن الخطاب وغيرهم من أولي البصائر‏.‏

فلما رأى خالد ما الناس فيه قال‏:‏ امتازوا أيها الناس لنعلم بلاء كل حي ولنعلم من أين نؤتى‏.‏

فامتازوا وكان أهل البوادي قد جنبوا المهاجرين والأنصار وجنبهم المهاجرون والأنصار‏.‏

فلما امتازوا قال بعضهم لبعض‏:‏ اليوم يستحى من الفرار فما رئيس يوم كان أعظم نكاية من ذلك اليوم ولم يدر أي الفريقين كان أعظم نكاية غير أن القتل كان في المهاجرين والأنصار وأهل القرى أكثر منه في أهل البوادي‏.‏

وثبت مسيلمة فدارت رحاهم عليه فعرف خالدٌ أنها لا تركد إلا بقتل مسيلمة ولم تحفل بنو حنيفة بمن قتل منهم‏.‏

ثم برز خالد ودعا إلى البراز ونادى بشعارهم وكان شعارهم‏:‏ يا محمداه‏!‏ فلم يبرز إليه أحدٌ إلا قتله‏.‏

ودارت رحا المسلمين ودعا خالد مسيلمة فأجابه فعرض عليه أشياء مما يشتهي مسيلمة فكان إذا هم بجوابه أعرض ليستشير شيطانه فينهاه أن يقبل‏.‏

فأعرض بوجهه مرة وركبه خالد وأرهقه فأدبر وزال أصحابه وصاح خالد في الناس فركبوهم فكانت هزيمتهم وقال لمسيلمة‏:‏ أين ما كنت عدنا‏.‏

فقال‏:‏ قاتلوا عن أحسابكم‏.‏

ونادى المحكم‏:‏

وكان البراء بن مالك وهو أخو أسد بن مالك إذا حضر الحرب أخذته رعدة حتى يقعد عليه الرجال ثم يبول فإذا بال ثار كما يثور الأسد فأصابه ذلك فلما بال وثب وقال‏:‏ إلي أيها الناس أنا البراء بن مالك‏!‏ إلي إلي‏!‏ وقاتل قتالًا شديدًا فلما دخلت بنو حنيفة الحديقة قال البراء‏:‏ يا معشر المسلمين ألقوني عليهم في الحديقة‏.‏

فقالوا‏:‏ لا نفعل‏.‏

فقال‏:‏ والله لتطرحنني عليهم بها‏!‏ فاحتمل حتى أشرف على الجدار فاقتحمها عليهم وقاتل على الباب وفتحه للمسلمين ودخلوها عليهم فاقتتلوا أشد قتال وكثر القتلى في الفريقين لاسيما في بني حنيفة فلم يزالوا كذلك حتى قتل مسيلمة‏.‏

واشترك في قتله وحشي مولى جبير بن مطعم ورجل من الأنصار أما وحشي فدفع عليه حربته وضربه الأنصاري بسيفه قال ابن عمر‏:‏ فصرخ رجل‏:‏ قتله العبد الأسود فولت بنو حنيفة عند قتله منهزمةً وأخذهم السيف من كل جانب وأخبر خالد بقتل مسيلمة فخرج بمجاعة يرسف في الحديد ليدله على مسيلمة فجعل يكشف له القتلى حتى مر بمحكم اليمامة وكان وسيمًا فقال‏:‏ هذا صاحبكم فقال مجاعة‏:‏ لا هذا والله خير منه وأكرم هذا محكم اليمامة ثم دخل الحديقة فإذا رويجلٌ أصيفر أخينس فقال مجاعة‏:‏ هذا صاحبكم قد فرغتم منه‏.‏

وقال خالد‏:‏ هذا الذي فعل بكم ما فعل‏.‏

وكان الذي قتل محكم اليمامة عبد الرحمن بن أبي بكر رماه بسهم في نحره وهو يخطب

ويحرض الناس فقتله‏.‏

وقال مجاعة لخالد‏:‏ ما جاءك إلا سرعان الناس وإن الحصون مملوة فهلم إلى الصلح على ما ورائي فصالحه على كل شيء دون النفوس وقال‏:‏ أنطلق إليهم فأشاورهم‏.‏

فانطلق إليهم وليس في الحصون إلا النساء والصبيان ومشيخة فانية ورجال ضعفى فألبسهم الحديد وأمر النساء أن ينشرن شعورهن ويشرفن على الحصون حتى يرجع إليهم‏.‏

فرجع إلى خالد فقال‏:‏ قد أبوا أن يجيزوا ما صنعت فرأى خالد الحصون مملوة وقد نهكت المسلمين الحرب وطال اللقاء وأحبوا أن يرجعوا على الظفر ولم يدروا ما هو كائن وقد قتل من المهاجرين والأنصار من أهل المدينة ثلاثمائة وستون ومن المهاجرين من غير المدينة ثلاثمائة رجل وقتل ثابت بن قيس قطع رجل من المشركين رجله فأخذها ثابت وضربه بها فقتله وقتل من بني حنيفة بعقرباء سبعة آلاف وبالحديقة مثلها وفي الطلب نحو منها‏.‏

وصالحه خالد على الذهب والفضة والسلاح ونصف السبي وقيل ربعه‏.‏

فلما فتحت الحصون لم يكن فيها إلا النساء والصبيان والضعفاء فقال خالد لمجاعة‏:‏ ويحك خدعتني‏!‏ فقال‏:‏ هم قومي ولم أستطع إلا ما صنعت‏.‏

ووصل كتاب أبي بكر إلى خالد أن يقتل كلم حتلم وكان قد صالحهم فوفى لهم ولم يغدر‏.‏ولما رجع الناس قال عمر لابنه عبد الله وكان معهم‏:‏ ألا هلكت قبل زيد هلك زيد وأنت

حي‏!‏ ألا واريت وجهك عني فقال عبد الله‏:‏ سأل الله الشهادة فأعطيها وجهدت أن تساق إلي فلم أعطها‏.‏

وفي هذه السنة بعد وقعة اليمامة أمر أبو بكر بجمع القرآن لما رأى من كثرة من قتل من الصحابة لئلا يذهب القرآن وسيرد مبينًا سنة ثلاثين‏.‏

وممن قتل باليمامة شهيدًا من الصحابة عباد بن بشر الأنصاري شهد بدرًا وغيرها‏.‏

وقتل عباد بن الحارث الأنصاري وكان شهد أحدًا‏.‏

وقتل بها عمير بن أوس بن عتيك الأنصاري وكان شهد أحد‏.‏

وفيها قتل عامر بن ثابت بن سلمة الأنصاري‏.‏

وفيها قتل عمارة بن حزم الأنصاري أخو عمرو وكان بدريًا‏.‏

وفيها قتل علي بن عبيد الله بن الحارث بن بني عامر بن لؤي وكان له صحبة‏.‏

وقتل بها عائذ بن ماعص الأنصاري وقيل‏:‏ قتل يوم بئر معونة‏.‏

وقتل فيها فروة بن النعمان وقيل ابن الحارث بن النعمان الأنصاري وكان قد شهد أحدًا وما بعدها‏.‏

وفيها قتل قيس بن الحارث بن عدي الأنصاري عم البراء بن عازب وقيل بل قتل بأحد‏.‏

وقتل بها سعد بن جماز الأنصاري وكان قد شهد أحدًا‏.‏

وقتل بها أبو دجانة الأنصاري وهو بدري وقيل بل عاش بعد ذلك وشهد صفين مع علي ـ رضي الله عنه ـ والله أعلم‏.‏

وقتل باليمامة سلمة بن مسعود بن سنان الأنصاري‏.‏

وقتل فيها السائب بن عثمان بن مظعو الجمحي وهو من مهاجرة الحبشة وشهد بدرًا‏.‏

وقتل أيضًا السائب بن العوام أخو الزبير لأبويه‏.‏

وقتل بها الطفيل بن عمرو الدوسي شهد خيبر‏.‏

وقتل بها زرارة بن قيس الأنصاري له صحبة‏.‏

وقتل فيها مالك بن عمرو السلمي حليف بني عبد شمس وهو بدري‏.‏

وقتل مالك بن أمية السلمي وهو بدري‏.‏

ومالك بن عوس بن عتيك الأنصاري وهو ممن شهد أحدًا‏.‏

وقتل بها معن بن عدي بن الجد البلوي حليف الأنصار شهد العقبة وبدرًا وغيرهما‏.‏

ومسعود بن سنان الأسود حليف بني غانم وشهد أحدًا‏.‏

وفيها قتل النعمان بن عصر بن الربيع البلوي وهو بدري‏.‏

وقيل هو بكسر العين وسكون الصاد وقيل بفتحهما‏.‏

وفيها قتل صفوان ومالك ابنا عمرو السلمي وهما بدريان‏.‏

وضرار ابن الأزور الأسدي وهو الذي قتل مالك بن نويرة بأمر خالد‏.‏

وفيها قتل عبد الله بن الحارث بن قيس بن عدي السهمي وقيل قتل عبد الله بالطائف هو وأخوه السائب‏.‏

وفيها قتل عبد الله بن مخرمة بن عبد العزى العامري عامر قيس وشهد بدرًا وغيرها‏.‏

وفيها قتل عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول وهو بدري‏.‏

وعبد الله بن عتيك الأنصاري وهو قاتل ابن أبي الحقيق وهو بدري‏.‏

وفيها قتل شجاع بن أبي وهب الأسدي أسد خزيمة شهد بدرًا‏.‏

وهريم بن عبد الله المطلبي القرشي وأخوه جادة‏.‏

والوليد ابن عبد شمس بن المغيرة المخزومي ابن عم خالد‏.‏

وقتل ورقة بن إياس ابن عمرو الأنصاري وهو بدري‏.‏

ويزيد بن أوس حليف بني عبد الدار أسلم يوم الفتح‏.‏

وأبو حبة بن غزية الأنصاري شهد أحدًا‏.‏وأبو عقيل البلوي حليف الأنصار وهو بدري‏.‏

وأبو قيس بن الحارث بن قيس بن عدي السهمي من مهاجرة الحبشة شهد أحدًا‏.‏

ويزيد بن ثابت أخو زيد بن ثابت‏.‏

الرجال بن عنفوة بالزاء المفتوحة وبالجيم المشددة وقيل بالحاء المهملة والأول أكثر‏.‏

ومجاعة بتشديد الجيم‏.‏

ومحكم اليمامة بالحاء المهملة والكاف المشددة‏.‏

وسعد بن جماز بالجيم والميم المشددة وآخره زاي‏.‏

 ذكر ردة أهل البحرين

لما قدم الجارود بن المعلى العبدي على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتفقه ردة إلى قومه عبد القيس فكان فيهم‏.‏

فلما مات النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكان المنذر بن ساوى العبدي مريضًا فمات بعد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بقليل‏.‏

فلما مات المنذر بن ساوى ارتد بعده أهل البحرين فأما بكر فتمت على ردتها وأما عبد القيس فإنهم جمعهم الجارود وكان بلغه أنهم قالوا‏:‏ لو كان محمد نبيًا لم يمت‏.‏

فلما اجتمعوا إليه قال لهم‏:‏ أتعلمون أنه كان لله أنبياء فيما مضى قالوا‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ فما فعلوا قالوا‏:‏ ماتوا‏.‏

قال‏:‏ فإن محمدًا ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد مات كما ماتوا وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله‏.‏

فأسلموا وثبتوا على إسلامهم‏.‏

وحصرهم أصحاب المنذر بعده حتى استنقذهم العلاء بن الحضرمي‏.‏

واجتمعت ربيعة بالبحرين على الردة إلا الجارود ومن تبعه وقالوا‏:‏ نرد الملك في المنذر بن النعمان بن المنذر وكان يسمى الغرور‏.‏

فلما أسلم كان يقول‏:‏ أنا المغرور ولست بالغرور‏.‏

وخرج الحطم بن ضبيعة أخو بني قيس بن ثعلبة في بكر بن وائل فاجتمع إليه من غير المرتدين ممن لم يزل مشركًا حتى نزل القطيف وهجر واستغووا الخط ومن بها من الزط والسبابجة وبعث بعثًا إلى دارين وبعث إلى جواثا فحصر المسلمين فاشتد الحصر على من بها فقال عبد الله بن حذف وقد قتلهم الجوع‏:‏ ألا أبلغ أبا بكرٍ رسولًا وفتيان المدينة أجمعينا فهل لكم إلى قومٍ كرامٍ قعودٍ في جواثا محصرينا كأن دماءهم في كل فجٍّ شعاع الشمس يغشى الناظرينا توكلنا على الرحمن إنا وجدنا النصر للمتوكلينا وكان سبب استنقاذ العلاء بن الحضرمي إياهم أن أبا بكر كان قد بعثه على قتال أهل الردة بالبحرين فلما كان بحيال اليمامة لحق به ثمامة بن أثال الحنفي في مسلمة بني حنيفة ولحق به أيضًا قيس بن عاصم المنقري وأعطاه بدل ما كان قسم من الصدقة من موت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وانضم إليه عمرو والأبناء وسعد بن تميم والرباب أيضًا لحقته في مثل عدته فسلك بهم الدهناء حتى إذا كانوا في بحبوحتها نزل وأمر الناس بالنزول في الليل فنفرت إبلهم بأحمالها فما بقي عندهم بعير ولا زاد ولا ماء فلحقهم من الغم ما لا يعلمه إلا الله ووصى بعضهم بعضًا فدعاهم العلاء فاجتمعوا إليه فقال‏:‏ ما هذا الذي غلب عليكم من الغم فقالوا‏:‏ كيف نلام ونحن إن بلغنا غدًا لم تحم الشمس حتى نهلك‏.‏

فقال‏:‏ لن تراعوا أنتم المسلمون وفي سبيل الله وأنصار الله فأبشروا فوالله لن تخذلوا‏.‏

فلما صلوا الصبح دعا العلاء ودعوا معه فلمع لهم الماء فمشوا إليه وشربوا واغتسلوا‏.‏

فما تعالى النهار حتى أقبلت الإبل تجمع من كل وجه فأناخت إليهم فسقوها‏.‏

وكان أبو هريرة فيهم فلما ساروا عن ذلك المكان قال لمجاب بن راشد‏:‏ كيف علمك بموضع الماء قال‏:‏ عارف به‏.‏

فقال له‏:‏ كن معي حتى تقيمني عليه‏.‏

قال‏:‏ فرجعت به إلى ذلك المكان فلم نجد إلا غدير الماء فقلت له‏:‏ والله لولا الغدير لأخبرتك أن هذا هو المكان وما رأيت بهذا المكان ماء قبل اليوم

وإذا إداوة مملوة ماء‏.‏

فقال أبو هريرة‏:‏ هذا والله المكان ولهذا رجعت بك وملأت إداوتي ثم وضعتها على شفير الغدير وقلت‏:‏ إن كان منا من المن عرفته وإن كان عينًا عرفته فإذا من المن فحمد الله‏.‏

ثم ساروا فنزلوا بهجر وأرسل العلاء إلى الجارود يأمره أن ينزل بعبد القيس على الحطم مما يليه وسار هو فيمن معه حتى نزل عليه مما يلي هجر فاجتمع المشركون كلهم إلى الحطم إلا أهل دارين واجتمع المسلمون إلى العلاء وخندق المسلمون على أنفسهم والمشركون وكانوا يتراوحون القتال ويرجعون إلى خندقهم فكانوا كذلك شهرًا‏.‏

فبينا هم كذلك سمع المسلمون ضوضاء هزيمة أو قتال العلاء‏:‏ من يأتينا بخبر القوم فقال عبد الله بن حذف‏:‏ أنا فخرج حتى دنا من خندقهم فأخذوه‏.‏

وكانت أمه عجلية فجعل ينادي‏:‏ يا أبجراه‏!‏ فجاء أبجر من بجير فعرفه فقال‏:‏ ما شأنك فقال‏:‏ علام أقبل وحولي عساكر من عجل وتيم اللات وغيرهما فلخصه فقال له‏:‏ والله إني لأظنك بئس ابن أخت أتيت الليلة أخوالك‏.‏

فقال‏:‏ دعني من هذا وأطعمني فقد مت جوعًا‏.‏

فقرب له طعامًا فأكل ثم قال‏:‏ زودني واحملني يقول هذا الرجل قد غلب عليه السكر فحمله على بعير وزوده وجوزه فدخل عسكر المسلمين فأخبرهم أن القوم سكارى فخرج المسلمون عليهم فوضعوا فيهم السيف كيف شاؤوا وهرب الكفار فمن بين فأما أبجر فأفلت وأما الحطم فقتل قتله قيس بن عاصم بعد أن قطع عفيف بن المنذر التميمي رجله‏.‏

وطلبهم المسلمون فأسر عفيفٌ المنذر بن النعمان بن المنذر الغرور فأسلم‏.‏

وأصبح العلاء فقسم الأنفال ونفل رجالًا من أهل البلاء ثيابًا فأعطى ثمامة بن أثال الحنفي خميصة ذات أعلام كانت للحطم يباهي بها‏.‏

فلما رجع ثمامة بعد فتح دارين رآها بنو قيس بن ثعلبة فقالوا له‏:‏ أنت قتلت الحطم‏!‏ فقال‏:‏ لم أقتله ولكني اشتريتها من المغنم‏.‏

فوثبوا عليه فقتلوه‏.‏

وقصد عظم الفلال إلى دارين فركبوا إليها السفن ولحق الباقون ببلاد قومهم‏.‏

فكتب العلاء إلى من ثبت على إسلامه من بكر بن وائل منهم عتيبة ابن النهاس والمثنى بن حارثة وغيرهما يأمرهما بالقعود للمنهزمين والمرتدين بكل طريق ففعلوا وجاءت رسلهم إلى العلاء بذلك فأمر أن يؤتى من وراء ظهره فندب حينئذٍ الناس إلى دارين وقال لهم‏:‏ قد أراكم الله من آياته في البر لتعتبروا بها في البحر فانهضوا إلى عدوكم واستعرضوا البحر‏.‏

وارتحل وارتحلوا حتى اقتحم البحر على الخيل والإبل والحمير وغير ذلك وفيهم الراجل ودعا ودعوا‏.‏

وكان من دعائهم‏:‏ ‏(‏يا أرحم الراحمين يا كريم يا حليم يا أحد يا صمد يا حي يا محيي الموتى يا حي يا قيوم لا إله إلا أنت يا ربنا‏)‏‏!‏ فاجتازوا ذلك الخليج بإذن الله يمشون على مثل رملة فوقها ماء يغمر أخفاف الإبل وبين الساحل ودارين يوم وليلة لسفن البحر فالتقوا واقتتلوا قتالًا شديدًا فظفر المسلمون وانهزم المشركون وأكثر المسلمون القتل فيهم فما تركوا بها مخبرًا وغنموا وسبوا فلما فرغوا رجعوا حتى عبروا وضرب الإسلام فيها بجرانه‏.‏

وكتب العلاء إلى أبي بكر يعرفه هزيمة المرتدين وقتل الحطم‏.‏

وكان مع المسلمين راهب من أهل هجر فأسلم فقيل له‏:‏ ما حملك على الإسلام قال‏:‏ ثلاثة أشياء خشيت أن يمسخني الله بعدها‏:‏ فيض في الرمال وتمهيد أثباج البحر ودعاء سمعته في عسكرهم في الهواء سحرًا‏:‏ ‏(‏اللهم أنت الرحمن الرحيم لا إله غيرك والبديع فليس قبلك شيء والدائم غير الغافل الحي الذي لا يموت وخالق ما يرى وما لا يرى وكل يوم أنت في شأن علمت كل شيء بغير علم‏)‏‏.‏

فعلمت أن القوم لم يعانوا بالملائكة إلا وهم على حق فكان أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يسمعون هذا منه بعد‏.‏

عتيبة بعد العين تاء معجمة باثنتين من فوقها وياء تحتها نقطتان ثم باء موحدة‏.‏

وحارثة بحاء مهملة وثاء مثلثة‏.‏

 ذكر ردة أهل عمان ومهرة

قد اختلف في تاريخ حرب المسلمين هؤلاء المرتدين فقال ابن إسحاق‏:‏ كان فتح اليمامة واليمن

والبحرين وبعث الجنود إلى الشام سنة اثنتي عشرة وقال أبو معشر ويزيد بن عياض بن جعدبة وأبو عبيدة بن محمد بن عمار ابن ياسر‏:‏ إن فتوح الردة كلها كانت لخالد وغيره سنة إحدى عشرة إلا أمر ربيعة بن بجير فإنه كان سنة ثلاث عشرة وقصته‏:‏ أنه بلغ خالد بن الوليد أن ربيعة بالمصيخ والحصيد في جمع من المرتدين فقاتله وغنم وسبى وأصاب ابنة لربيعة فبعث بها إلى أبي بكر فصارت إلى علي بن أبي طالب‏.‏وأما عمان فإنه نبغ بها ذو التاج لقيط بن مالك الأزدي وكان يسامي في الجاهلية الجلندى وادعى بمثل ما ادعى من تنبأ وغلب على عمان مرتدًا والتجأ جيفر وعياذ إلى الجبال وبعث جيفر إلى أبي بكر يخبره ويستمده عليه وبعث أبو بكر حذيفة بن محصن الغلفاني من حمير وعرفجة البارقي من الأزد حذيفة إلى عمان وعرفجة إلى مهرة وكل منهما أمير على صاحبه في وجهه فإذا قربا من عمان يكاتبان جيفرًا‏.‏

فسار إلى عمان وأرسل أبو بكر إلى عكرمة بن أبي جهل وكان بعثه إلى اليمامة فأصيب‏.‏

فأرسل إليه أن يلحق بحذيفة وعرفجة بمن معه يساعدهما على أهل عمان ومهرة فإذا فرغوا منهم سار إلى اليمن‏.‏ فلحقهما عكرمة قبل عمان فلما وصلوا رجامًا وهي قريب من عمان كاتبوا جيفرًا وعياذًا وجمع لقيط جموعه وعسكر بدبا وخرج جيفر وعياذ وعسكرا بصحار وأرسلا إلى حذيفة وعكرمة وعرفجة

فقدموا عليهما وكاتبوا رؤساء من لقيط وارفضوا عنه ثم التقوا على دبا فاقتتلوا قتالًا شديدًا واستعلى لقيط ورأى المسلمون الخلل ورأى المشركون الظفر‏.‏

فبينما هم كذلك جاءت المسلمين موادهم العظمى من بني ناجية وعليهم الخريت بن راشد ومن عبد القيس وعليهم سيحان بن صوحان وغيرهم فقوى الله المسلمين بهم ووهن بهم أهل الشرك فولى المشركون الأدبار فقتل منهم في المعركة عشرة آلاف وركبوهم حتى أثخنوا فيهم وسبوا الذراري وقسموا الأموال وبعثوا بالخمس إلى أبي بكر مع عرفجة وأقام حذيفة بعمان حتى يوطىء الأمور يسكن الناس‏.‏

وأما مهرة فإن عكرمة بن أبي جهل سار إليهم لما فرغ من عمان ومعه من استنصر من ناجية وعبد القيس وراسب وسعد فاقتحم عليهم بلادهم فوافق بها جمعين من مهرة أحدهما مع سخريت رجل منهم من بني شخراة والثاني مع المصبح أحد بني محارب ومعظم الناس معه وكانا مختلفين‏.‏

فكاتب عكرمة سخريتًا فأجابه وأسلم وكاتب المصبح يدعوه فلم يجب فقاتله قتالًا شديدًا فانهزم المرتدون وقتل رئيسهم وركبهم المسلمون فقتلوا من شاؤوا منهم وأصابوا ما شاؤوا من الغنائم وبعث الأخماس إلى أبي بكر مع سخريت وازداد عكرمة وجنده قوة بالظهر والمتاع وأقام عكرمة حتى اجتمع الناس على الذي يحب وبايعوا على الإسلام‏.‏

دبا بفتح الباء الموحدة المخففة وفتح الدال المهملة‏.‏

والخريت بكسر الخاء المعجمة وتشديد

الراء المهملة الممكسورة ثم ياء مثناة من تحتها وآخره تاء‏.‏

وسيحان بفتح السين المهملة وبالياء المثناة من تحت وبالحاء المهملة وآخره نون‏.‏

 ذكر خبر ردة اليمن

لما توفي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعلى مكة وأرضها عتاب بن أسيد وعلى عك والأشعريين الطاهر بن أبي هالة وعلى الطائف عثمان ابن أبي العاص ومالك بن عوف النصري عثمان على المدن ومالك على أهل الوبر وبصنعاء فيروز وداذويه يسانده وقيس بن مكشوح وعلى الجند يعلى بن أمية وعلى مأرب أبو موسى وكان منهم مع الأسود الكذاب ما ذكرناه‏.‏

فلما أهلك الله الأسود العنسي بقي طائفة من أصحابه يترددون بين صنعاء ونجران لا يأوون إلى أحد‏.‏

ومات النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على أثر ذلك فارتد الناس فكتب عتاب بن أسيد إلى أبي بكر يعرفه خبر من ارتد في عمله وبعث عتاب أخاه خالدًا إلى أهل تهامة وبها جماعة من مدلج وخزاعة وأبناء كنانة‏.‏

وأما كنانة عليهم جندب بن سلمى فالتقوا بالأبارق فقتلهم خالد وفرقهم وأفلت جندب وعاد وبعث عثمان بن أبي العاص بعثًا إلى شنوءة وبها جماعة من الأزد وبجيلة وخثعم وعليهم حميضة بن النعمان واستعمل عثمان على السرية عثمان بن أبي ربيعة فالتقوا بشنوءة فانهزم الكفار وتفرقوا وهرب حميضة في البلاد‏.‏

وأما الأخابث من العك فكانوا أول منتقض بتهامة بعد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ثم تجمع عك والأشعريون وأقاموا على الأعلاب طريق الساحل فسار إليهم الطاهر بن أبي هالة ومعه مسروق وقومه من عك ممن لم يرتد فالتقوا على الأعلاب فانهزمت عك ومن معهم وقتلوا قتلًا ذريعًا وأنتنت السبل لقتلهم وكان ذلك فتحًا عظيمًا‏.‏

وورد كتاب أبي بكر على الطاهر يأمره بقتالهم وسماهم الأخابث وسمى طريقهم طريق الأخابث فبقي الاسم عليهم إلى الآن‏.‏

وأما أهل نجران فلما بلغهم موت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أرسلوا وفدًا ليجددوا عهدهم مع أبي بكر فكتب بذلك كتابًا‏.‏

وأما بجيلة فإن أبا بكر رد جرير بن عبد الله وأمره أن يستنفر من قومه من ثبت على الإسلام ويقاتل بهم من ارتد على الإسلام وأن يأتي خثعم فيقاتل من خرج غضبًا لذي الخلصة فخرج جرير وفعل ما أمره فلم يقم له أحد إلا نفر يسير فقتلهم وتتبعهم‏.‏

حميضة بالحاء المهملة المضمومة والضاد المعجمة‏.‏وكان ممن ارتد ثانية قس بن عبد يغوث بن مكشوح وذلك أنه لما بلغه موت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عمل في قتل فيروز وجشيش وكت أبو بكر إلى عمر ذي مران وإلى سعيد ذي زود وإلى ذي الكلاع وإلى حوشب ذي ظليم وإلى شهر ذي نياف يأمرهم بالتمسك بدينهم والقيام بأمر الله ويأمرهم بإعانة الأبناء على من ناوأهم والسمع لفيروز وكان فيروز وداذويه وقس قبل ذلك متساندين‏.‏

فلما سمع قيس بذلك كتب إلى ذي الكلاع وأصحابه يدعوهم إلى قتل الأبناء وإخراج أهلهم من اليمن فلم يجيبوه ولم ينصروا الأبناء‏.‏

فاستعد لهم قيس وكاتب أصحاب الأسود المترددين في البلاد سرًا يدعوهم ليجتمعوا معه فجاؤوا إليه فسمع بهم أهل صنعاء فقصد قيس فيروز وداذويه فاستشارهما في أمره خديعةً منه ليلبس عليهما فاطمأنا إليه‏.‏

ثم إن قيسًا صنع من الغد طعامًا ودعا داذويه وفيروز وجشيش فخرج داذويه فدخل عليه فقتله وجاء إلى فيروز فلما دنا منه سمع امرأتين على سطحين تتحدثان فقالت إحداهما‏:‏ هذا مقتول كما قتل داذويه فخرج‏.‏

فطلبه أصحاب قيس فخرج يركض ولقيه جشيش فرجع معه فتوجها نحو جبل خولان وهم أخوال فيروز فصعد الجبل ورجعت خيول قيس فأخبروه فثار بصنعاء وما حولها وأتته خيول الأسود‏.‏

واجتمع إلى فيروز جماعة من الناس وكتب إلى أبي بكر يخبره واجتمع إلى قيس عوام قبائل من كتب إلى أبو بكر إلى رؤسائهم واعتزل الرؤساء وعمد قيس إلى الأبناء ففرقهم ثلاث فرق‏:‏ من أقام أقر عياله والذين ساروا مع فيروز فرق عيالهم فرقتين فوجه إحداهما إلى عدن ليحملوا في البحر وحمل الأخرى في البر وقال لهم جميعهم‏:‏ الحقوا بأرضكم‏.‏

فلما علم فيروز ذلك جد في حربه وتجرد لها وأرسل إلى بني عقيل بن ربيعة بن عامر يستمدهم وإلى عك يستمدهم فركبت عقيل وعليهم رجل من الحلفاء يقال له معاوية فلقوا خيل قيس بن عامر ومعهم عيالات الأبناء الذين كان قد سيرهم قيس فاستنقذوهم وقتلوا خيل قيس‏.‏

وسارت عك وعليهم مسروف فاستنقذوا طائفة أخرى من عيالات الأبناء وقتلوا من معهم من أصحاب قيس وأمدت عقيل وعك فيروز بالرجال‏.‏

فلما أتته أمدادهم خرج بهم وبمن اجتمع عنده فلقوا قيسًا دون صنعاء فاقتتلوا قتالًا شديدًا وانهزم قيس وأصحابه وتذبذب أصحاب العنسي وقيس معهم فيما بين صنعاء ونجران‏.‏

قيل‏:‏ وكان فروة بن مسيك قدم على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مسلمًا فياستعمله النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على صدقات مراد ومن نازلهم ونزل دارهم‏.‏

وكان عمرو بن معدي كرب الزبيدي قد فارق قومه سعد العشيرة وانحاز إليهم وأسلم معهم فلما ارتد العنسي ومعه مذحج ارتد عمرو فيمن ارتد وكان عمرو مع خالد بن سعيد بن العاص فلما ارتد سار إليه خالد فلقيه فضربه خالد على عاتقه فهرب منه وأخذ خالد سيفه الصمصامة وفرسه فلما ارتد عمرو جعله العنسي بإزاء فروة فامتنع كل واحد منهما من البراح لمكان صاحبه‏.‏

فبينما هم كذلك قدم عكرمة بن أبي جهل أبين من مهرة وقد تقدم ذكر قتال مهرة ومعه بشر كثير من مهرة وغيرهم فاستبرى النخع وحمير وقدم أيضًا المهاجرين بن أبي أمية في جمع من مكة والطائف وبجيلة مع جرير إلى نجران فانضم إليه فروة بن مسيك المرادي فأقبل عمرو بن معدي كرب مستجيبًا حتى دخل على المهاجر من غير أمان فأوثقه المهاجر وأخذ قيسًا أيضًا فأوثقه وسيرهما إلى أبي بكر فقال‏:‏ يا قيس قتلت عباد الله واتخذت المرتدين وليجة من دون المؤمنين وهم بقتله لو وجد أمرًا جليًا‏!‏ فانتفى قيس من أن يكون قارف من أمر داذويه شيئًا وكان قتله سرًا فتجافى له عن دمه وقال لعمرو‏:‏ أما تستحي أنك كل يوم مهزوم أو مأسور لو نصرت هذا الدين لرفعك الله‏.‏

فقال‏:‏ لا جرم لأقبلن ولا أعود‏.‏

ورجعا إلى عشائرهما‏.‏

فسار المهاجر من نجران والتقت الخيول على أصحاب العنسي فاستأمنوا فلم يؤمنهم وقتلهم بكل سبيل ثم سار إلى صنعاء فدخلها وكتب إلى أبي بكر بذلك‏.‏

 ذكر ردة حضرموت وكندة

لما توفي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعماله على بلاد حضرموت‏:‏ زياد بن أبي لبيد الأنصاري على حضرموت وعكاشة بن أبي أمية على السكاسك والسكون والمهاجر بن أبي أمية على كندة استعمله النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولم يخرج إليها حتى توفي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فبعثه أبو بكر إلى قتال من باليمن ثم المسير بعد إلى عمله وكا قد تخلف عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بتبوك فرجع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو عاتب عليه فبينما أم سلمة تغسل رأس النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قالت‏:‏ كيف ينفعني عيش وأنت عاتب على أخي فرأت منه رقة فأومأت إلى خادمها فدعته فلم يزل بالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يذكر عذره حتى رضي عنه واستعمله كل كندة‏.‏

فتوفي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولم يسر إلى عمله ثم سار بعده‏.‏

وكان سبب ردة كندة وإجابتهم الأسود الكذاب حتى لعن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الملوك الأربعة منهم أنهم لما أسلموا أمر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يوضع بعض صدقة حضرموت في كندة وبعض صدقة كندة في حضرموت وبعض صدقة حضرموت في السكون وبعض صدقة السكون في حضرموت فقال بعض بني وليعة‏:‏ من كندة لحضرموت ليس لنا ظهر فإن رأيتم أن تبعثوا إلينا بذلك على ظهر‏.‏

قالوا‏:‏ فإنا ننظر فإن لم يكن لكم ظهر فعلنا‏.‏

فلما توفي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قالت بنو وليعة‏:‏ أبلغونا كما وعدتم رسول الله صلى الله عليه وسلم‏!‏ فقالوا‏:‏ إن لكم ظهرًا فاحتملوا فقالوا لزياد‏:‏ أنت معهم علينا‏.‏فأبى الحضرميون ولج الكنديون ورجعوا إلى دارهم وترددوا في أمرهم وأمسك عنهم زياد انتظارًا للمهاجر‏.‏

وكان المهاجر لما تأخر بالمدنية قد استخلف زيادًا على عمله وسار المهاجر من صنعاء إلى عمله وعكرمة بن أبي جهل أيضًا فنزل أحدهما على الأسود والآخر على وائل وكان زياد بن لبيد قد ولي صدقات بني عمرو بن معاوية من كندة بنفسه فقدم عليهم فكان أول من انتهى إليه منهم شيطان بن حجر فأخذ منهم بكرةً ووسمها فإذا الناقة للعداء بن حجر أخي شيطان وليست عليه صدقة وكان أخوه قد أوهم حين أخرجها وكان اسمها شذرة وظنها غيرها فقال العداء‏:‏ هذه ناقتي‏.‏

فقال شيطان‏:‏ صدق فأطلقها وخذ غيرها‏.‏

فرأى زياد أن ذلك منه اعتلال فاتهمه زياد بالكفر ومباعدة الإسلام فمنعهما عنها وقال‏:‏ صارت في حق الله‏.‏

فلجا في أخذها فقال لهما‏:‏ لا تكونن شذرة عليكم كالبسوس‏.‏

فنادى العداء‏:‏ يا آل عمرو أضام وأضطهد‏!‏ إن الذليل من أكل في داره‏!‏ ونادى حارثة بن سراقة بن معدي كرب فأقبل إلى زياد وهو واقف فقال‏:‏ أطلق بكرة الرجل وخذ غيرها‏.‏

فقال زياد‏:‏ ما لي إلى ذلك سبيل‏.‏

فقال حارثة‏:‏ ذاك إذا كنت يهودييًا وعاج إليها وأطلق عقالها ثم ضرب على جنبها وبعثها وقام دونها فأمر زياد شبابًا من حضرموت والسكون فمنعوه وكتفوه وكتفوا أصحابه وأخذوا البكرة وتصايحت كندة وغضبت بنو معاوية لحارثة وأظهروا أمرهم وغضبت حضرموت والسكون لزياد وتوافى عسكران عظيمان من هؤلاء ولم يحدث بنو معاوية شيئًا لمكان أسرائهم ولم يجد أصحاب زياد سبيلًا يتعلقون به عليهم وأمرهم زياد بوضع السلاح فلم يفعلوا وطلبوا أسراءهم فلم يطلقهم ونهد إليهم ليلًا فقتل منهم وتفرقوا فلما تفرقوا أطلق حارثة ومن معه‏.‏

فلما رجع الأسرى إلى أصحابهم حرضوهم على زياد ومن معه واجتمع منهم عسكر كثير ونادوا بمنع الصدقة فأرسل الحصين بن نمير إليهم فما زال يسفر فيما بينهم وبين زياد وحضرموت والسكون حتى سكن بعضهم عن بعض فأقاموا بعد ذلك يسيرًا‏.‏

ثم إن بني عمرو بن معاوية من كندة نزلوا المحاجر وهي أحماء حموها فنزل جمد محجرًا ومخوص محجرًا ومشرح محجرًا وأبضعه محجرًا وأختهم العمردة محجرًا وهم الملوك الأربعة رؤساء عمرو الذين لعنهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقد ذكروا قبل‏.‏

ونزلت بنو الحارث ابن معاوية محاجرها فنزل الأشعث بن قيس محجرًا والسمط بن الأسود محجرًا وأطبقت بنو معاوية كلها على منع الصدقة إلا شرحبيل بن السمط وابنه فإنهما قالا لبني معاوية‏:‏ إنه لقبيح بالأحرار التنقل إن الكرام ليلزمون الشبهة فيتكرمون أن ينتقلوا إلى أوضح منها مخافة العار فكيف الانتقال من الأمر الحسن الجميل والحق إلى الباطل القبيح‏!‏ اللهم إنا لا نمالىء قومنا على ذلك‏.‏

وانتقل ونزل مع زياد ومعهما امرؤ القيس بن عابس وقالا له‏:‏ بيت القوم فإن أقوامًا في السكاسك والسكون قد انضموا إليهم وكذلك شذاذ من حضرموت فإن لم تفعل خشينا أن تتفرق الناس عنا إليهم‏.‏

فأجابهم إلى تبييت القوم فاجتمعوا وطرقوهم في محاجرهم فوجدوهم جلوسًا حول نيرانهم فأكبوا على بني عمرو بن معاوية وفيهم العدد والشوكة من خمسة أوجه فأصابوا مشرحًا ومخوصًا وجمدًا وأبضعة وأختهم العمردة وأدركتهم لعنة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقتلوا فأكثروا وهرب من أطاق الهرب وعاد زياد بن لبيد بالأموال والسبي واجتازوا بالأشعث فثار في قومه فاستنقذهم وجمع الجموع‏.‏

وكتب زياد إلى المهاجر يستحثه فلقيه الكتاب بالطريق فاستخلف على الجند عكرمة بن أبي جهل وتعجل في سرعان الناس وقدم على زياد وسار إلى كندة فالتقوا بمحجر الزرقان فاقتتلوا فانهزمت كندة وقتلت وخرجوا هرابًا فالتجأوا إلى النجير وقد رموه وأصلحوه‏.‏

وسار المهاجر فنزل عليهم واجتمعت كندة في النجير فتحصنوا به فحصرهم المسلمون وقدم إليهم عكرمة فاشتد الحصر على كندة وتفرقت السرايا في طلبهم فقتلوا منهم وخرج من بالنجير من كندة وغيرهم فقاتلوا المسلمين فكثر فيهم القتل فرجعوا إلى حصنهم وخشعت نفوسهم وخافوا القتل وخاف الرؤساء على نفوسهم‏.‏

فخرج الأشعث ومعه تسعة نفر فطلبوا من زياد أن يؤمنهم وأهليهم على أن يفتحوا له الباب‏.‏

فأجابهم إلى ذلك وقال‏:‏ اكتبوا ما شئتم ثم هلموا الكتاب حتى أختمه‏.‏

ففعلوا ونسي الأشعث أن يكتب نفسه لأجحدمًا وثب عليه بسكين فقال‏:‏ تكتبني أو أقتلك فكتبه ونسي نفسه ففتحوا الباب فدخل المسلمون فلم يدعوا مقاتلًا إلا قتلوه وضربوا أعناقهم صبرًا وأخذوا الأموال والسبي‏.‏

فلما فرغوا منهم دعا الأشعث أولئك النفر والكتاب معهم فعرضهم فأجار من في الكتاب فإذا الأشعث ليس منهم فقال المهاجر‏:‏ الحمد لله الذي خطأ فاك يا أشعث يا عدو الله‏!‏ قد كنت أشتهي أن يخزيك الله‏!‏ وشدة كتافًا فقيل له‏:‏ أخره وسيره إلى أبي بكر فهو أعلم بالحكم فيه فسيره إلى أبي بكر مع السبي‏.‏

وقيل‏:‏ إن الحصار لما اشتد على من بالنجير نزل الأشعث إلى المهاجر وزياد والمسلمين فسألهم الأمان على دمه وماله حتى يقدموا به على أبي بكر فيرى فيه رأيه على أن يفتح لهم النجير ويسلم إليهم من فيه وغدر بأصحابه فقبلوا ذلك منه ففتح لهم الحصن فاستنزلوا من فيه من الملوك فقتلوهم وأوثقوا الأشعث وأرسلوه مع السبي إلى أبي بكر فكان المسلمون يلعنونه ويلعنه سبايا قومه وسماه نساء قومه عرف النار وهم اسم الغادر عندهم‏.‏

فلما قدم المدينة قال له أبو بكر‏:‏ ما تراني أصنع بك قال‏:‏ لا أعلم‏.‏

قال‏:‏ فإني أقتلك‏.‏

قال‏:‏ فأنا الذي راوضت القوم في عشرة فما يحل دمي‏.‏

قال‏:‏ إنما وجب الصلح بعد ختم الصحيفة على من فيها وإنما كنت قبل ذلك مراوضًا‏.‏

فلما خشي القتل قال‏:‏ أو تحتسب في خيرًا فتطلق إساري وتقيلني عثرتي وتفعل بي مثل ما فعلت بأمثالي وترد علي زوجتي وقد كان خطب أم فروة أخت أبي بكر لما قدم على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأخرها إلى أن يقدم الثانية فمات النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وارتد فإن فعلت ذلك تجدني خير أهل بلادي لدين الله‏.‏

فحقن دمه ورد عليه أهله وأقام بالمدينة حتى فتح العراق وقسم الغنائم بين الناس‏.‏

وقيل‏:‏ إن عكرمة قدم بعد الفتح فقال زياد والمهاجر لمن معهما‏:‏ إن إخوانكم قدموا مددًا لكم فأشركوهم في الغنيمة ففعلوا وأشركوهم‏.‏

ولما ولي عمر بن الخطاب قال‏:‏ إنه لقبيح بالعرب أن يملك بعضهم بعضًا وقد وسع الله عز وجل وفتح الأعاجم‏.‏

واستشار في فداء سبايا العرب في الجاهلية والإسلام إلا امرأة ولدت لسيدها وجعل فداء لكل إنسان ستة أبعرة أو سبعة إلا حنيفة وكندة فإنه خفف عليهم لقتل رجالهم فتتبع النساء بكل مكان فقدوهن‏.‏

وفيها انصرف معاذ بن جبل من اليمن‏.‏

وفيها استقضى أبو بكر عمر بن الخطاب وكان يقضي بين الناس خلافته كلها‏.‏

وحج بالناس في هذه السنة عتاب بن أسيد وقيل عبد الرحمن بن النجير بضم النون وفتح الجيم وسكون الياء تحتها نقطتان وآخره راء‏:‏ حصن باليمن منيع‏.‏