فصل: ذكر فراق الخوارج عبد الله بن الزبير وما كان بينهم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكامل في التاريخ **


 ذكر وقعة مرج راهط

وقتل الضحاك والنعمان بن بشير ثم إن مروان لما بايعه الناس سار من الجابية إلى مرج راهط وبه الضحاك بن قيس ومعه ألف فارس وكان قد استمد الضحاك النعمان بن بشير وهو على حمص فأمده بشرحبيب بن ذي الكلاع واستمد أيضًا زفر بن الحارث وهو على قنسرين فأمده بأهل قنسرين وأمده ناتل بأهل فلسطين فاجتمعوا عنده واجتمع على مروان كلب وغسان والسكاسك والسكون وجعل على ميمنته عمرو بن سعيد وعلى ميسرته عبيد الله بن زياد وكان يزيد بن أبي الغمس الغساني مختفيًا بدمشق لم يشهد الجابية فغلب على دمشق وأخرج عامل الضحاك بن قيس وغلب على الخزائن وبيت المال وبايع لمروان وأمده بالأموال والرجال والسلاح فكان أول فتح على بني أمية‏.‏

وتحارب مروان والضحاك بمرج راهط عشرين ليلة واقتتلوا قتالًا شديدًا فقتل الضحاك قتله دحية بن عبد الله وقتل معه ثمانون رجلًا من أشراف أهل الشام وقتل أهل الشام مقتلة عظيمة وقتلت قيس مقتلة لم يقتل مثلها في موطن قط وكان فيمن قتل هانىء بن قبيصة النميري سيد قومه كان مع الضحاك قتله وازع بن ذؤالة الكلبي فلما سقط جريحًا قال‏:‏ تعست ابن ذات النوف أجهز على فتىً يرى الموت خيرًا من فرارٍ وألزما ولا تتركني بالحشاشة إنني صبورٌ إذا ما النكس مثلك أحجما فعاد إليه وازع فقتله‏.‏

وكانت الوقعة في المحرم سنة خمس وستين وقيل‏:‏ بل كانت في آخر سنة أربع وستين‏.‏

ولما رأى مروان رأس الضحاك ساءه ذلك وقال‏:‏ الآن حين كبرت سني ودق عظمي وصرت في مثل ظمء الحمار أقبلت بالكتائب أضرب بعضها ببعض‏!‏ ولما انهزم الناس من المرج لحقوا بأجنادهم فانتهى أهل حمص إليها وعليها النعمان بن بشير فلما بلغه الخبر خرج هربًا ليلًا ومعه امرأته نائلة بنت عمارة الكلبية وثقله وأولاده فتحير ليلته كلا وأصبح أهل حمص فطلبوه وكان الذي طلبه عمرو بن الجلي الكلاعي فقتله ورد أهله والرأس معه وجاءت كلب من أهل حمص فأخذوا نائلة وولدها معها‏.‏

ولما بلغت الهزيمة زفر بن الحارث الكلابي بقنسرين هرب منها فلحق بقرقيسيا وعليها عياض الحرشي وكان يزيد ولاه إياها فطلب منه أن يدخل الحمام ويحلف له بالطلاق والعتاق على أنه حينما يخرج من الحمام لا يقيم بها فأذن له فدخلها فغلب عليها وتحصن بها ولم يدخل حمامها فاجتمعت إليه قيس‏.‏

وهرب ناتل بن قيس الجذامي عن فلسطين فلحق بابن الزبير بمكة واستعمل مروان بعده على فلسطين روم بن زنباع واستوثق الشام لمروان واستعمل عماله عليها‏.‏

وقيل‏:‏ إن عبيد الله بن زياد إنما جاء إلى بني أمية وهم بتدمر ومروان يريد أن يسير إلى ابن الزبير ليبايعه ويأخذ منه الأمان لبني أمية فردع عن ذلك وأمره أن يسير بأهل تدمر إلى الضحاك فيقاتله ووافقه عمرو بن سعيد وأشار على مروان بأن يتزو أم خالد بن يزيد ليسقط من أعين الناس فتزوجها وهي فاختة ابنة أبي هاشم بن عتبة ثم جمع بني أمية فبايعوه وبايعه أهل تدمر وسار إلى الضحاك في جمع عظيم فخرج الضحاك إليه فتقاتلا فانهزم الضحاك ومن معه وقتل الضحاك‏.‏

وسار زفر بن الحارث إلى قرقيسيا واجتمعت عليه قيس وصحبه في هزيمته إلى قرقيسيا شابان من بني سليم فجاءت خيل مروان تطلبهم فقال الشابان لزفر‏:‏ انج بنفسك فإنا نحن نقتل فمضى زفر وتركهما فقتلا وقال زفر في ذلك‏:‏ أريني سلاحي لا أبا لك إنني أرى الحرب لا تزداد إلا تماديا ففي العيش منجاةٌ وفي الأرض مهربٌ إذا نحن رفعنا لهن المبانيا فلا تحبسوني إن تغيبت غافلًا ولا تفرحوا إن جئتكم بلقائيا فقد ينبت المرعى على دمن الثرى له ورقٌ من تحته الشر باديا ونمضي ولا يبقى على الأرض دمنةٌ وتبقى حزازات النفوس كما هيا لعمري لقد أبقت وقيعة راهطٍ لحسان صدعًا بينًا متنائيا فلم تر مني نبوةٌ قبل هذه فراري وتركي صاحبي ورائيا عشية أدعو في القران فلا أرى من الناس إلا من علي ولا ليا أيذهب يومٌ واحدٌ إن أسأته بصالح أيامي وحسن بلائيا فلا صلح حتى تنحط الخيل بالقنا وتثأر من نسوان كلبٍ نسائيا ألا ليت شعري هل تصيبن غارتي تنوخًا وحيي طيءٍ من شفائيا فأجابه جواس بن القعطل‏:‏ لعمري لقد أبقت وقيعة راهطٍ على زفرٍ مرًا من الداء باقيا عليها كأسد الغاب فتيان نجدةٍ إذا شرعوا نحو الطوال العواليا وقال عمرو بن الجلي الكلبي‏:‏ بكى زفر القيسي من هلك قومه بعبرة عينٍ ما يجف سجومها يبكي على قتلى أصيبت براهطٍ تجاوبه هام القفار وبومها أبحنا حمىً للحي قيسٍ براهطٍ وولت شلالًا واستبيح حريمها يبكيهم حران تجري دموعه ترجي نزارًا أن تؤوب حلومها فمت كمدًا أو عش ذليلًا مهضمًا بحسرة نفسٍ لا تنام همومها في أبيات‏.‏

يزيد بن أبي الغمس بالسين المهملة وقيل بالشين المعجمة وكان قد ارتد عن الإسلام ودخل الروم مع جبلة بن الأيهم ثم عاود الإسلام وشهد صفين مع معاوية وعاش إلى أيام عبد الملك بن مروان‏.‏

وناتل بالنون والتاء المعجمة من فوق باثنتين‏.‏

 ذكر فتح مروان مصر

فلما قتل الضحاك وأصحابه واستقر الشام لمروان سار إلى مصر فقدمها وعليها عبد الرحمن بن جحدم القرشي يدعو إلى ابن الزبير فخرج إلى مروان فيمن معه وبعث مروان عمرو بن سعيد من ورائه حتى دخل مصر فقيل لابن جحدم ذلك فرجع وبايع الناس مروان ورجع إلى دمشق‏.‏

فلما دنا منها بلغه أن ابن الزبير قد بعث إليه أخاه مصعبًا في جيش فأرسل إليه مروان عمرو بن سعيد قبل أن يدخل الشام فقاتله فانهزم مصعب وأصحابه وكان مصعب شجاعًا‏.‏

ثم عاد مروان إلى دمشق واستقر بها‏.‏

وقد كان الحصين بن نمير ومالك بن هبيرة قد اشترطا على مروان شروطًا لهما ولخالد بن يزيد فلما توطن ملكه قال ذات يوم ومالك عنده‏:‏ إن قومًا يدعون شروطًا منهم عطارة مكحلة - يعني مالكًا - وكان يتطيب ويتكحل فقال مالك‏:‏ هذا ولما تردي تهامة ويبلغ الحزام الطبيين‏.‏

فقال مروان‏:‏ مهلًا يا أبا سليمان إنما داعبناك‏!‏ فقال‏:‏ هو ذاك‏.‏

 ذكر بيعة أهل خراسان

سلم بن زياد وأمر عبد الله بن خازم ولما بلغ سلم بن زياد وهو بخراسان موت يزيد كتم ذلك فقال ابن عرادة‏:‏ يا أيها الملك المغلق بابه حدثت أمورٌ شأنهن عظيم قتلى بحرة والذين بكابلٍ ويزيد أغلق بابه المكتوم طرقت منيته وعند وساده كوبٌ وزقٌّ راعفٌ مرثوم ومزنةٌ تبكي على نشوانه بالصبح تقعد مرةً وتقوم فلما أظهر شعره أظهر سلم موت يزيد بن معاوية وابنه معاوية بن يزيد ودعا الناس إلى البيعة على الرضى حتى يستقيم أمر الناس على خليفة فبايعوه ثم نكثوا به بعد شهرين وكان محسنًا إليهم محبوبًا فيهم فلما خلع عنهم استخلف عليهم المهلب بن أبي صفرة ولما كان بسرخس لقيه سليمان بن مرثد أحد بني قيس بن ثعلبة بن ربيعة فقال له‏:‏ ضاقت عليك نزار حتى خلفت على خراسان رجلًا من اليمن يعني المهلب وكان أزديًا والأزد من اليمن فولاه مرو الروذ والفارياب والطالقان والجوزجان وولى أوس بن ثعلبة بن زفر وهو صاحب قصر أوس بالبصرة هراة فلما وصل إلى نيسابور لقيه عبد الله بن خازم فقال‏:‏ من وليت خراسان فأخبره فقال‏:‏ أما وجدت في المصر من تستعمله حتى فرقت خراسان بين بكر بن وائل واليمن اكتب لي عهدًا على خراسان‏.‏

فكتب له وأعطاه مائة ألف درهم‏.‏

وسار ابن خازم إلى مرو وبلغ خبره المهلب فأقبل واستخلف رجلًا من بني جشم بن سعد بن زيد مناة بن تميم فلما وصلها ابن خازم منعه الجشمي وجرت بينهما مناوشة فأصابت الجشمي رمية بحجر في جبهته وتحاجزوا ودخلها ابن خازم ومات الجشمي بعد ذلك بيومين‏.‏

ثم سار ابن خازم إلى سليمان بن مرثد بمرو الروذ فقاتله أيامًا فقتل سليمان ثم سار إلى عمرو بن مرثد وهو بالطالقان فاقتتلوا طويلًا فقتل عمرو بن مرثد وانهزم أصحابه فلحقوا بهراة بأوس بن ثعلبة ورجع ابن خازم إلى مرو وهرب من كان بمرو الروذ من بكر بن وائل إلى هراة وانضم إليها من كان بكور خراسان من بكر وكثر جمعهم وقالوا لأوس بن ثعلبة‏:‏ نبايعك على أن تسير إلى ابن خازم وتخرج مضر من خراسان فأبى عليهم فقال له بنو صهيب وهم موالي بني جحدم‏:‏ لا نرضى أن نكون نحن ومضر في بلد واحد وقد قتلوا سليمان وعمرًا ابني مرثد فإما أن تبايعنا على هذا وإلا بايعنا غيرك‏.‏

فأجابهم فبايعوه فسار إليهم ابن خازم فنزل على وادٍ بينه وبين هراة فأشار البكريون بالخروج من هراة وعمل خندق فقال أوسٍ‏:‏ بل نلزم المدينة فإنها حصينة ونطاول ابن خازم نحو سنة وقال له هلال الضبي‏:‏ إنما تقاتل إخوتك وبني أبيك فإن نلت منهم الذي تريد فما في العيش خير فلو أعطيتهم شيئًا يرضون به وأصلحت هذا الأمر‏.‏قال‏:‏ والله لو خرجنا لهم من خراسان ما رضوا‏.‏

قال هلال‏:‏ والله لا أقاتل معك أنا ولا رجل أو تطيعني حتى تعتذر إليهم‏.‏

قال‏:‏ فأنت رسولي إليهم فأرضهم‏.‏

فأتى هلالٌ أوس بنن ثعلبة فناشده الله والقرابة في نزار وأن يحفظ ولاءها‏.‏

فقال‏:‏ هل لقيت بني صهيب قال‏:‏ لا‏.‏

قال‏:‏ فالقهم‏.‏

قال‏:‏ فخرج فلقي جماعة من رؤساء أصحابه فأخبرهم ما أتى له‏.‏

فقالوا له‏:‏ هل لقيت بني صهيب فقال‏:‏ لقد عظم أمر بني صهيب عندكم فأتاهم فكلمهم فقالوا‏:‏ لولا أنك رسول لقتلناك‏.‏قال‏:‏ فهل يرضيكم شيء قالوا‏:‏ واحدة من اثنتين‏:‏ إما أن تخرجوا من خراسان وإما أن تقيموا وتخرجوا لنا عن كل سلاح وكراع وذهب وفضة‏.‏

فرجع إلى ابن خازم فقال‏:‏ ما عندك فأخبره‏.‏

فقال‏:‏ إن ربيعة لم تزل غضابًا على ربها منذ بعث نبيه من مضر‏.‏

وأقام ابن خازم يقاتلهم فقال يومًا لأصحابه‏:‏ قد طال مقامنا وناداهم‏:‏ يا معشر ربيعة أرضيتم من خراسان بخندقكم‏!‏ فأحفظهم ذلك فتنادوا للقتال فنهاهم أوس بن ثعلبة عن الخروج بجماعتهم وأن يقاتلوا كما كانوا يقاتلون فعصوه‏.‏

فقال ابن خازم لأصحابه‏:‏ اجعلوه يومكم فيكون الملك لمن غلب وإذا لقيتم الخيل فاطعنوها في مناخرها‏.‏

فاقتتلوا ساعة وانهزمت بكر بن وائل حتى انتهوا إلى خندقهم وتفرقوا يمينًا وشمالًا وسقط الناس في الخندق وقتلوا قتلًا ذريعًا وهرب أوس بن ثعلبة إلى سجستان فمات بها أو قريبًا منها وقتل من بكر يومئذٍ ثمانية آلاف وغلب ابن خازم على هراة واستعمل عليها ابنه محمدًا وضم إليه شماس بن دثار العطاردي وجعل بكير بن وساج الثقفي على شرطته ورجع ابن خازم إلى مرو وأغارت الترك على قصر اسغاد وابن خازم على هراة وكان فيه ناس من الأزد فحصروهم فأرسلوا إلى ابن خازم فوجه إليهم زهير بن حيان في بني تميم وقال له‏:‏ إياك ومناوأة الترك إذا رأيتموهم فاحملوا عليهم‏.‏

فوافاهم في يوم بارد فلما التقوا حمل عليهم فانهزمت الترك واتبعوهم حتى مضى عامة الليل فرجع زهير وقد يبست يده على رمحه من البرد فجعلوا يخنون الشحم فيضعه على يده ودهنوه وأوقدوا له نارًا فانتفخت يده ثم رجع إلى هراة فقال في ذلك ثابت قطنة‏:‏ فدت نفسي فوارس من تميمٍ على ما كان من ضنك المقام بقصر الباهلي وقد أراني أحامي حين قل به المحامي بسيفي بعد كسر الرمح فيهم أذودهم بذي شطبٍ حسام أكر عليهم اليحموم كرًا ككر الشرب آنية المدام فلولا الله ليس له شريكٌ وضربي قونس الملك الهمام إذًا فاضت نساء بني دثارٍ أمام الترك بادية الخدام ذكر أمر التوابين قيل‏:‏ لما قتل الحسين ورجع ابن زياد من معسكره بالنخيلة ودخل الكوفة تلاقت الشيعة بالتلاوم والتندم ورأت أن قد أخطأت خطًا كبيرًا بدعائهم الحسين وتركهم نصرته وإجابته حتى قتل إلى جانبهم ورأوا أنه لا يغسل عارهم والإثم عليهم إلا قتل من قتله أو القتل فيهم فاجتمعوا بالكوفة إلى خمسة نفر من رؤساء الشيعة‏:‏ إلى سليمان بن صرد الخزاعي وكانت له صحبة وإلى المسيب بن نجبة الفزاري وكان من أصحاب علي وإلى عبد الله بن سعد بن نفيل الأزدي وإلى عبد الله بن والٍ التيمي تيم بكر بن وائل وإلى رفاعة بن شداد البجلي وكانوا من خيار أصحاب علي فاجتمعوا في منزل سليمان بن صرد الخزاعي فبدأهم المسيب بن نجبة فقال بعد حمد الله‏:‏ أما بعد فإنا ابتلينا بطول العمر والتعرض لأنواع الفتن فنرغب إلى ربنا أن لا يجعلنا ممن يقول له غدًا‏:‏ ‏{‏أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر‏}‏ ‏[‏فاطر‏:‏ 37‏]‏‏.‏ فإن أمير المؤمنين عليًا قال‏:‏ العمر الذي أعذر الله فيه إلى ابن آدم ستون سنة وليس فينا رجل إلا وقد بلغه وقد كنا مغرمين بتزكية أنفسنا فوجدنا الله كاذبين في كل موطن من مواطن ابن بنت نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقد بلغنا قبل ذلك كتبه ورسله وأعذر إلينا فسألنا نصره عودًا وبدءًا وعلانيةً فبخلنا عنه بأنفسنا حتى قتل إلى جانبنا لا نحن نصرناه بأيدينا ولا جادلنا عنه بألسنتنا ولا قويناه بأموالنا ولا طلبنا له النصرة إلى عشائرنا فما عذرنا عند ربنا وعند لقاء نبينا وقد قتل فينا ولد حبيبه وذريته ونسله لا والله لا عذر دون أن تقتلوا قاتله والموالين عليه أو تقتلوا في طلب ذلك فعسى ربنا أن يرضى عنا عند ذلك ولا أنا بعد لقائه لعقوبته بآمن‏.‏

أيها القوم ولوا عليكم رجلًا منكم فإنه لابد لكم من أمير تفزعون إليه وراية تحفون بها‏.‏

وقام رفاعة بن شداد وقال‏:‏ أما بعد فإن الله قد هداك لأصوب القول وبدأت بأرشد الأمور بدعائك إلى جهاد الفاسقين وإلى التوبة من الذنب العظيم فمسموع منك مستجاب إلى قولك وقلت‏:‏ ولوا أمركم رجلًا تفزعون إليه وتحفون برايته وقد رأينا مثل الذي رأيت فإن تكن أنت ذلك الرجل تكن عندنا مرضيًا وفينا منتصحًا وفي جماعتنا محبوبًا وإن رأيت ورأى أصحابنا ذلك ولينا هذا الأمر شيخ الشيعة وصاحب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وذا السابقة والقدم سليمان بن صرد الخزاعي المحمود في بأسه ودينه الموثوق بحزمه‏.‏

وتكلم عبد الله بن سعد بنحو ذكل وأثنيا على المسيب وسليمان‏.‏

فقال المسيب‏:‏ قد أصبتم فولوا أمركم سليمان بن صرد‏.‏

فتكلم سليمان فقال بعد حمد الله‏:‏ أما بعد فإني لخائف ألا يكون آخرنا إلى هذا الدهر الذي نكدت فيه المعيشة وعظمت فيه الرزية وشمل فيه الجور أولي الفضل من هذه الشيعة لما هو خير إنا كنا نمد أعناقنا إلى قدوم آل بيت نبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ نمنيهم النصر ونحثهم على القدوم فلما قدموا ونينا وعجزنا وأدهنا وتربصنا حتى قتل فينا ولد نبينا وسلالته وعصارته

وبضعة من لحمه ودمه إذ جعل يستصرخ ويسأل النصف فلا يعطى اتخذه الفاسقون غرضًا للنبل ودريئة للرماح حتى أقصدوه وعدوا عليه فسلبوه‏.‏

ألا انهضوا فقد سخط عليكم ربكم ولا ترجعوا إلى الحلائل والأبناء حتى يرضى الله والله ما أظنه راضيًا دون أن تناجزوا من قتله ألا لا تهابوا الموت فما هابه أحدٌ قط إلا ذل وكونوا كبني إسرائيل إذ قال لهم نبيهم‏:‏ ‏{‏إنكم ظلمتم أنفسكم‏}‏ ‏{‏فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 54‏]‏‏.‏ ففعلوا وجثوا على الركب ومدوا الأعناق حين علموا أنهم لا ينجيهم من عظيم الذنب إلا القتل فكيف بكم لو دعيتم إلى ما دعوا‏!‏ أحدوا السيوف وركبوا الأسنة ‏{‏وأعدوا لهم ما استطعتم من قوةٍ ومن رباط الخيل‏}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏ 60‏]‏‏.‏ حتى تدعوا وتستنفروا‏.‏

فقال خالد بن سعد بن نفيل‏:‏ أما أنا فوالله لو أعلم أنه ينجيني من ذنبي ويرضي ربي عني قتلي نفسي لقتلتها وأنا أشهد كل من حضر أن كل ما أصبحت أملكه سوى سلاحي الذي أقاتل به عدوي صدقة على المسلمين أقويهم به على قتال الفاسقين‏.‏

قال أبو المعتمر بن حنش بن ربيعة الكناني مثل ذلك‏.‏

فقال سليمان‏:‏ حسبكم من أراد من هذا شيئًا فليأت به عبد الله بن والٍ التيمي فإذا اجتمع عنده كل ما تريدون إخراجه جهزنا به ذوي الخلة والمسكنة من أشياعكم‏.‏

وكتب سليمان بن صرد إلى سعد بن حذيفة بن اليمان يعلمه بما عزموا عليه ويدعوه إلى مساعدتهم ومن معه من الشيعة بالمدائن فقرأ سعد بن حذيفة الكتاب على من بالمدائن من الشيعة فأجابوا إلى ذلك فكتبوا إلى سليمان بن صرد يعلمونه أنهم على الحركة إليه والمساعدة له‏.‏

وكتب سليمان أيضًا كتابًا إلى المثنى بن مخربة العبدي بالبصرة مثل ما كتب إلى سعد بن حذيفة فأجابه المثنى‏:‏ إننا معشر الشيعة حمدنا الله على ما عزمتم عليه ونحن موافوك إن شاء الله للأجل الذي ضربت‏.‏

وكتب في أسفل الكتاب‏:‏ تبصر كأني قد أتيتك معلمًا على أتلع الهادي أجش هزيم طويل القرانهد الشواة مقلصٍ ملحٍ على فأس اللجام أزوم بكل فتىً لا يملأ الروع قلبه محشٍ لنار الحرب غير سؤوم أخي ثقةٍ ينوي الإله بسعيه ضروبٍ بنصل السيف غير أثيم فكان أول ما ابتدأوا به أمرهم بعد قتل الحسين سنة إحدى وستين فما زالوا بجمع آلة الحرب ودعاء الناس في السر إلى الطلب بدم الحسين فكان يجيبهم النفر ولم يزالوا على ذلك إلى أن هلك يزيد بن معاوية سنة أربع وستين فلما مات يزيد جاء إلى سليمان أصحابه فقالوا‏:‏ قد هلك هذا الطاغية والأمر ضعيف فإن شئت وثبنا على عمرو بن حريث وكان خليفة ابن زياد على الكوفة ثم أظهرنا الطلب بدم الحسين وتتبعنا قتلته ودعونا الناس إلى أهل هذا البيت المستأثر عليهم المدفوعين عن حقهم‏.‏

فقال سليمان بن صرد‏:‏ لا تعجلوا إني قد نظرت فيما ذكرتم فرأيت أن قتلة الحسين هم أشراف الكوفة وفرسان العرب وهم المطالبون بدمه ومتى علموا ما تريدون كانوا أشد الناس عليكم ونظرت فيمن تبعني منكم فعلمت أنهم لو خرجوا لم يدركوا ثأرهم ولم يشفوا نفوسهم وكانوا جزرًا لعدوهم ولكن بثوا دعاتكم وادعوا إلى أمركم‏.‏

ففعلوا واستجاب لهم ناس كثير بعد هلاك يزيد‏.‏

ثم إن أهل الكوفة أخرجوا عمرو بن حريث وبايعوا لابن الزبير وسليمان وأصحابه يدعون الناس‏.‏

فلما مضت ستة أشهر بعد هلال يزيد قدم المختار بن أبي عبيد الكوفة في النصف من رمضان وقدم عبد الله بن يزيد الأنصاري أميرًا على الكوفة من قبل ابن الزبير لثمان بقين من رمضان وقدم إبراهيم بن محمد بن طلحة معه على خراج الكوفة‏.‏

فأخذ المختار يدعو الناس إلى قتال قتلة الحسين ويقول‏:‏ جئتكم من عند المهدي محمد بن الحنفية وزيرًا أمينًا‏.‏

فرجع إليه طائفةٌ من الشيعة وكان يقول‏:‏ إنما يريد سليمان أن يخرج فيقتل نفسه ومن معه وليس له بصرٌ بالحرب‏.‏

وبلغ الخبر عبد الله بن يزيد بالخروج عليه بالكوفة في هذه الأيام وقيل له ليحبسه وخوف عاقبة أمره إن تركه‏.‏

فقال عبد الله‏:‏ إن هم قاتلونا قاتلناهم وإن تركونا لم نطلبهم‏.‏

إن هؤلاء القوم يطلبون بدم الحسين بن علي فرحم الله هؤلاء القوم إنهم آمنون فليخرجوا ظاهرين وليسيروا إلى من قاتل الحسين فقد أقبل إليهم يعني ابن زياد وأنا لهم ظهير هذا ابن زياد قاتل الحسين وقاتل أخياركم وأمثالكم قد توجه إليكم وقد فارقوه على ليلة من جسر منبج فالقتال والاستعداد إليه أولى من أن تجعلوا بأسكم بينكم فيقتل بعضكم بعضًا فيلقاكم عدوكم وقد ضعفتم وتلك أمنيته وقد قدم عليكم أعدى خلق الله لكم من ولي عليكم هو وأبوه سبع سنين لا يقلعان عن قتل أهل العفاف والدين هو الذي من قبله أتيتم والذي قتل من تنادون بدمه قد جاءكم فاستقبلوه بحدكم وشوكتكم واجعلوها به ولا تجعلوها بأنفسكم إني لكم ناصحٌ‏.‏

وكان مروان قد سير ابن زياد إلى الجزيرة ثم إذا فرغ منها سار إلى العراق‏.‏

فلما فرغ عبد الله بن يزيد من قوله قال إبراهيم بن محمد بن طلحة‏:‏ أيها الناس لا يغرنكم من السيف والغشم مقالة هذا المداهن والله لئن خرج علينا خارج لنقتله ولئن استيقنا أن قومًا يريدون الخروج علينا لنأخذن الوالد بولده والمولود بوالده والحميم بالحميم والعريف بما في عرافته فوثب إليه المسيب بن نجبة فقطع عليه منطقة ثم قال‏:‏ يا ابن الناكثين‏!‏ أنت تهددنا بسيفك وغشمك‏!‏ أنت والله أذل من ذلك‏!‏ إنا لا نلومك على بغضنا وقد قتلنا أباك وجدك وأما أنت أيها الأمير فقد قلت قولًا سديدًا‏.‏

فقال إبرهيم‏:‏ والله لتقتلن وقد أدهن هذا يعني عبد الله بن يزيد‏.‏

فقال له عبد الله بن وال‏:‏ ما اعتراضك فيما بيننا وبين أميرنا ما أنت علينا بأمير إنما أنت أمير هذه الجزية فأقبل على خراجك ولئن أفسدت أمر هذه الأمة فقد أفسده والداك وكانت عليهما دائرة السوء‏!‏ فشتمهم جماعة ممن مع إبراهيم فشاتموه فنزل الأمير من على المنبر وتهدده إبراهيم بأنه يكتب إلى ابن الزبير يشكوه فجاءه عبد الله في منزله واعتذر إليه فقبل عذره‏.‏

ثم إن أصحاب سليمان خرجوا ينشرون السلاح ظاهرين ويتجهزون‏.‏

 ذكر فراق الخوارج عبد الله بن الزبير وما كان بينهم

وفي هذه السنة فارق الخوارج الذين كانوا قدموا مكة عبد الله بن الزبير وكانوا قد قاتلوا معه أهل الشام‏.‏

وكان سبب قدومهم عليه أنهم لما اشتد عليهم ابن زياد بعد قتل أبي بلال اجتمعوا فتذاكروا ذلك فقال لهم نافع بن الأزرق‏:‏ إن الله قد أنزل عليكم الكتاب وفرض عليكم الجهاد واحتج عليكم بالبيان وقد جرد أهل الظلم فيكم السيوف فاخرجوا بنا إلى هذا الذي قد ثار بمكة فإن كان على رأينا جاهدنا معه وإن يكن على غير رأينا جاهدنا معه وإن يكن على غير رأينا دافعناه عن البيت‏.‏

وكان عسكر الشام قد سار نحو ابن الزبير‏.‏

فسار الخوارج حتى قدموا على ابن الزبير فسر بمقدمهم وأخبرهم أنه على مثل رأيهم من غير تفتيش‏.‏

فقاتلوا معه أهل الشام حتى مات يزيد بن معاوية وانصرف أهل الشام‏.‏

ثم إنهم اجتمعوا وقالوا‏:‏ إن الذي صنعتم أمس لغير رأي تقاتلون مع رجل لا تدرون لعله ليس على مثل رأيكم وقد كان أمس يقاتلكم هو وأبوه وينادي‏:‏ يا ثارات عثمان‏!‏ فأتوه واسألوه عن عثمان فإن برىء منه كان وليكم وإن أبى كان عدوكم‏.‏

فأتوه فسألوه فنظر فإذا أصحابه حوله قليل فقال‏:‏ إنكم أتيتموني حين أردت القيام ولكن روحوا إلي العشية حتى أعلمكم‏.‏

فانصرفوا وبعث إلى أصحابه فجمعهم حوله بالسلاح وجاءت الخوارج وأصحابه حوله وعلى رأسه وبأيديهم العمد فقال ابن الأزرق لأصحابه‏:‏ إن الرجل قد أزمع خلافكم فتقدم إليه نافع بن الأزرق وعبيدة بن هلال فقال عبيدة بعد حمد الله‏:‏ أما بعد فإن الله بعث محمدًا يدعو إلى عبادته وإخلاص الدين له فدعا إلى ذلك فأجابه المسلمون فعمل فيهم بكتاب الله حتى قبضه الله واستخلف الناس أبا بكر واستخلف أبو بكر عمر فكلاهما عمل بكتاب الله وسنة نبيه ثم إن الناس استخلفوا عثمان فحمى الأحماء وآثر القربى واستعمل الفتى ورفع الدرة ووضع السوط ومزق الكتاب وضرب منكر الجور وآوى طريد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وضرب السابقين بالفضل وحرمهم وأخذ فيء الله الذي أفاء عليهم فقسمه في فساق قريش ومجان العرب فسارت إليه طائفة فقتلوه فنحن لهم أولياء ومن ابن عفان وأوليائه برآء فما تقول أنت يا ابن الزبير فقال‏:‏ قد فهمت الذي ذكرت به النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فهو فوق ما ذكرت وفوق ما وصفت وفهمت ما ذكرت به أبا بكر وعمر وقد وفقت وأصبت وفهمت الذي ذكرت به عثمان وإني لا أعلم مكان أحد من خلق الله اليوم أعلم بابن عفان وأمره مني كنت معه حيث نقم القوم عليه واستعتبوه فلم يدع شيئًا إلا أعتبهم ثم رجعوا إليه بكتاب له يزعمون أنه كتبه يأمر فيه بقتلهم فقال لهم‏:‏ ما كتبته فإن شئتم فهاتوا بينتكم فإن لم تكن حلفت لكم فوالله ما جاؤوه ببينة ولا استحلفوه ووثبوا عليه فقتلوه وقد سمعت ما عتبته به فليس كذلك بل هو لكل خير أهل وأنا أشهدكم ومن حضرني أني ولي لابن عفان وعدو أعدائه فبرىء الله منكم‏.‏

وتفرق القوم فاقبل نافع بن الأزرق الحنظلي وعبد الله بن الصفار السعدي وعبد الله بن إباض وحنظلة بن بيهس وبنو الماحوز‏:‏ عبد الله وعبيد الله والزبير من بني سليط بن يربوع وكلهم من تميم حتى أتوا البصرة وانطلق أبو طالوت من بني بكر بن وائل وأبو فديك عبد الله بن ثور بن قيس بن ثعلبة وعطية بن الأسود اليشكري إلى اليمامة فوثبوا بها مع أبي طالوت ثم أجمعوا بعد ذلك على نجدة بن عامر الحنفي وتركوا أبا طالوت‏.‏

فأما نافع وأصحابه فإنهم قدموا البصرة وهم على رأي أبي بلال واجتمعوا وتذاكروا فضيلة الجهاد فخرج نافع على ثلاثمائة وذلك عند وثوب الناس بابن زياد وكسر الخوارج باب السجن وخرجوا واشتغل الناس عنهم بحرب الأزد وربيعة وتميم فلما خرج نافع تبعوه واصطلح أهل البصرة على عبد الله بن الحارث فتجرد الناس للخوارج وأخافوهم فلحق نافع بالأهواز في شوال سنة أربع وستين وخرج من بقي منهم بالبصرة إلى ابن الأزرق إلا من لم يرد الخروج يومه ذلك منهم‏:‏ عبد الله بن الصفار وعبد الله بن إباض ورجال معهما على رأيهما ونظر نافع فرأى أن ولاية من تخلف عن الجهاد من الذين قعدوا من الخوارج لا تحل له وأن من تخلف عنه لا نجاة له فقال لأصحابه ذلك ودعاهم إلى البراءة منهم وأنهم لا يحل لهم مناكحتهم ولا أكل ذبائحهم ولا يجوز قبول شهادتهم وأخذ علم الدين عنهم ولا يحل ميراثهم ورأى قتل الأطفال والاستعراض وأن جميع المسلمين كفار مثل كفار العرب لا يقبل منهم إلا الإسلام أو القتل‏.‏

فأجابه إلى ذلك بعضهم وفارقه بعضهم وممن فارقه نجدة بن عامر وسار إلى اليمامة فأطاعه الخوارج الذين بها وتركوا أبا طالوت فكتب نافع إلى ابن إباض وابن الصفار يدعوهما ومن معهما إلى ذلك فقرأ ابن الصفار الكتاب ولم يقرأه على أصحابه خشية أن يتفرقوا ويختلفوا فأخذه ابن إباض فقرأه فقال‏:‏ قاتله الله أي رأي رأى‏!‏ صدق نافع لو كان القوم مشركين كان أصوب الناس رأيًا وكانت سيرته كسيرة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في المشركين ولكنه قد كذب فيما يقول إن القوم برآء من الشرك ولكنهم كفار بالنعم والأحكام ولا يحل لنا إلا دماؤهم وما سوى ذلك فهو حرام علينا‏.‏

فقال له ابن الصفار‏:‏ برىء الله منك فقد قصرت وبرىء الله من ابن الأزرق فقد غلا‏.‏

فقال الآخر‏:‏ برىء الله منك ومنه‏.‏

فتفرق القوم واشتدت شوكة ابن الأزرق وكثرت جموعه وأقام بالأهواز يجبي الخراج ويتقوى به ثم أقبل نحو البصرة حتى دنا من الجسر فبعث إليه عبد الله بن الحارث مسلم بن عبيس بن كريز بن ربيعة من أهل البصرة‏.‏

عبيس بالعين المهملة المضمومة والباء الموحدة والياء المعجمة المثناة من تحت وبالسين المهملة‏.‏

وعبيدة بن بلال بضم العين المهملة والباء الموحدة‏.‏

كانت الشيعة تسب المختار وتعيبه لما كان منه في أمر الحسن بن علي حين طعن في ساباط وحمل إلى أبيض المدائن حتى إذا كان زمن الحسين بعث الحسين مسلم بن عقيل إلى الكوفة وكان المختار في قرية له تدعى لفغا فجاءه خبر ابن عقيل عند الظهر أنه قد ظهر ولم يكن خروجه عن ميعاد كما سبق فأقبل المختار في مواليه فانتهى إلى باب الفيل بعد المغرب وقد أقعد عبيد الله بن زياد عمرو بن حريث بالمسجد ومعه راية فوقف المختار لا يدري ما يصنع فبلغ خبره عمرًا فاستدعاه وآمنه فحضر عنده‏.‏

فلما كان الغد ذكر عمارة بن الوليد بن عقبة أمره لعبيد الله فأحضره فيمن دخل وقال له‏:‏ أنت المقبل في الجموع لتنصر ابن عقيل قال‏:‏ لم أفعل ولكني أقبلت ونزلت تحت راية عمرو فشهد له عمرو فضرب وجه المختار فشتر عينه وقال‏:‏ لولا شادة عمرو لقتلتك‏!‏ ثم حبسه حتى قتل الحسين‏.‏ثم إن المختار بعث إلى عبد الله بن عمر بن الخطاب يسأله أن يشفع فيه وكان ابن عمر تزوج أخت المختار صفية بنت أبي عبيد فكتب ابن عمر إلى يزيد يشفع فيه فأرسل يزيد إلى ابن زياد يأمره بإطلاقه فأطلقه وأمره أن لا يقيم غير ثلاث‏.‏

فخرج المختار إلى الحجاز فلقيه ابن العرق وراء واقصة فسلم عليه وسأله عن عينه فقال‏:‏

خبطها ابن الزانية بالقضيب فصارت كما ترى ثم قال‏:‏ قتلني الله إن لم أقطع أنامله وأعضاءه إربًا إربًا‏!‏ ثم سأله المختار عن ابن الزبير فقال‏:‏ إنه عائذ بالبيت وإنه يبايع سرًا ولو اشتدت شوكته وكثرت رجاله لظهر‏.‏

فقال المختار‏:‏ إنه رجل العرب اليوم وإن اتبع رأيي أكفه أمر الناس‏.‏

إن الفتنة أرعدت وأبرقت وكأن قد انبعثت فإذا سمعت بمكان قد ظهرت به في عصابة من المسلمين أطلب بدم الشهيد المظلوم المقتول بالطف سيد المسلمين وابن بنت سيد المرسلين وابن سيدها الحسين بن علي فوربك لأقتلن بقتله عدة من قتل على دم يحيى بن زكرياء‏.‏

ثم سار وابن العرق يعجب من قوله قال ابن العرق‏:‏ فوالله لقد رأيت ما ذكره وحدثت به الحجاج بن يوسف فضحك وقال‏:‏ لله دره أي رجل دينًا ومسعر حرب ومقارع أعداء كان‏!‏ ثم قدم المختار على ابن الزبير فكتم عنه ابن الزبير أمره ففارقه وغاب عنه سنة ثم سأل عنه ابن الزبير فقيل إنه بالطائف وإنه يزعم أنه صاحب الغضب ومسير الجبارين‏.‏

فقال ابن الزبير‏:‏ ما له قاتله الله لقد انبعث كذابًا متكهنًا إن يهلك الله الجبارين يكن المختار أولهم‏.‏فهو في حديثه إذ دخل المختار المسجد فطاف وصلى ركعتين وجلس فأتاه معارفه يحدثونه ولم يأت ابن الزبير فوضع ابن الزبير عليه عباس بن سهل بن مسعر فأتاه وسأله عن حاله ثم قال له‏:‏ مثلك يغيب عن الذي قد اجتمع عليه الأشراف من قريش والأنصار وثقيف‏!‏ لم تبق قبيلة إلا وقد أتاه زعيمها فبايع هذا الرجل‏.‏

فقال‏:‏ إني أتيته العام الماضي وكتم عني خبره فلما استغنى عني أحببت أن أريه أني مستغنٍ عنه‏.‏

فقال له العباس‏:‏ القه الليلة وأنا معك‏.‏

فأجابه إلى ذلك ثم حضر عند ابن الزبير بعد العتمة فقال المختار‏:‏ أبايعك على أن لا تقضي الأمور دوني وعلى أن أكون أول داخل وإذا ظهرت استعنت بي على أفضل عملك‏.‏

فقال ابن الزبير‏:‏ أبايعك على كتاب الله وسنة رسوله‏.‏

فقال‏:‏ وشر علماني تبايعه على ذلك والله لا أبايعك أبدًا إلا على ذلك‏.‏

فبايعه فأقام عنده وشهد معه قتال الحصين بن نمير وأبلى أحسن بلاء وقاتل أشد قتال وكان أشد الناس على أهل الشام‏.‏

فلما هلك يزيد بن معاوية وأطاع أهل العراق ابن الزبير أقام عنده خمسة أشهر فلما رآه لا يستعمله جعل لا يقدم عليه أحد من أهل الكوفة إلا سأله عن حال الناس فأخبره هانىء بن جبة الوادعي باتساق أهل الكوفة على طاعة ابن الزبير إلا أن طائفة من الناس هم عدد أهلها لو كان لهم من يجمعهم على رأيهم أكل بهم الأرض إلى يوم ما‏.‏

فقال المختار‏:‏ أنا أبو إسحاق أنا والله لهم أن أجمعهم على الحق وألقى بهم ركبان الباطل وأهلك بهم كل جبار عنيد‏.‏

ثم ركب راحلته نحو الكوفة فوصل إلى نهر الحيرة يوم الجمعة فاغتسل ولبس ثيابه ثم ركب فمر بمسجد السكون وجبانة كندة لا يمر على مجلس إلا سلم على أهله وقال‏:‏ أبشروا بالنصرة والفلج أتاكم ما تحبون‏.‏

ومر ببني بدء فلقي عبيدة بن عمرو البدي من كندة فسلم عليه وقال له‏:‏ أبشر بالنصر والفلج إنك أبا عمرٍو على رأي حسن لن يدع الله لك معه إثمًا إلا غفره لك ولا ذنبًا إلا ستره‏.‏

وكان عبيدة من أشجع الناس وأشعرهم وأشدهم تشيعًا وحبًا لعلي وكان لايصبر عن الشراب فقال له‏:‏ بشرك الله بالخير‏!‏ فهل أنت مبين لنا قال‏:‏ نعم القني الليلة‏.‏

ثم سافر ببني هند فلقي إسماعيل بن كثير فرحب به وقال له‏:‏ القني أنت وأخوك الليلة فقد أتيتكم بما تحبون‏.‏

ومر على حلقة من همدان فقال‏:‏ قد قدمت عليكم بما يسركم ثم أتى المسجد واستشرف له الناس فقام إلى سارية فصلى عندها حتى أقيمت الصلاة وصلى مع الناس ثم صلى ما بين الجمعة والعصر ثم انصرف إلى داره واختلف إليه الشيعة وأتى إسماعيل بن كثير وأخوه وعبيدة بن عمرو فسألهم فأخبروه خبر سليمان بن صرد وأنه على المنبر فحمد الله ثم قال‏:‏ إن المهدي ابن الوصي بعثني إليكم أمينًا ووزيرًا ومنتخبًا وأميرًا وأمرني بقتل الملحدين والطلب بدم أهل بيته والدفع عن الضعفاء فكونوا أول خلق الله إجابةً‏.‏

فضربوا على يده وبايعوه وبعث إلى الشيعة وقد اجتمعت عند سليمان بن صرد وقال لهم نحو ذلك وقال لهم‏:‏ إن سليمان ليس له بصر بالحرب ولا تجربة بالأمور وإنما يريد أن يخرجكم فيقتلكم ويقتل نفسه وأنا أعمل على مثال مثل لي وأمر بين لي عن وليكم وأقتل عدوكم وأشفي صدوركم فاسمعوا قولي وأطيعوا أمري ثم انتشروا‏.‏

وما زال بهذا ونحوه حتى استمال طائفةً من الشيعة وصاروا يختلفون إليه ويعظمونه وعظماء الشيعة مع سليمان لا يعدلون به أحدًا وهو أثقل خلق الله على المختار وهو ينظر إلى ما يصير أمر سليمان‏.‏

فلما خرج سليمان نحو الجزيرة قال عمر بن سعد وشبث بن ربعي وزيد بن الحارث بن رويم لعبد الله بن يزيد الخطمي وإبراهيم بن محمد بن طلحة‏:‏ إن المختار أشد عليكم من سليمان إنما خرج يقاتل عدوكم وإن المختار يريد أن يثب عليكم في مصركم فأوثقوه واسجنوه حتى يستقيم أمر الناس‏.‏

فأتوه فأخذوه بغتةً فلما رآهم قال‏:‏ ما لكم فوالله ما ظفرت أكفكم‏!‏ فقال إبراهيم بن محمد بن طلحة‏:‏ شدة كتافًا ومشه حافيًا‏.‏

فقال عبد الله‏:‏ ما كنت لأفعل هذا برجل لم يظهر لنا غدره إنما أخذناه على الظن‏.‏

فقال إبراهيم‏:‏ ليس هذا بعشك فادرجي‏.‏

ما هذا الذي بلغنا ثم حمل إلى السجن غير مقيد وقيل‏:‏ بل كان مقيدًا فكان يقول في السجن‏:‏ أما ورب البحار النخيل والأشجار والمهامه والقفار والملائكة الأبرار والمصطفين الأخيار لأقتلن كل جبار بكل لدن خطار ومهند بتار بجموع الأنصار ليسوا بميل أغمار ولا بعزل أشرار حتى إذا أقمت عمود الدين وزايلت شعب صدع المسلمين وشفيت غليل صدور المؤمنين وأدركت ثأر النبيين لم يكبر علي زوال الدنيا ولم أحفل بالموت إذا أتى‏.‏

وقيل في خروج المختار إلى الكوفة وسببه غير ما تقدم وهو أن المختار قال لابن الزبير وهو عنده‏:‏ إني لأعلم قومًا لو أن لهم رجلًا له فقه وعلم بما يأتي ويذر لاستخرج لك منهم جندًا تقاتل بهم أهل الشام‏.‏

قال‏:‏ من هم قال‏:‏ شيعة علي بالكوفة‏.‏

قال‏:‏ فكن أنت ذلك الرجل‏.‏

فبعثه إلى الكوفة فنزل ناحية منها يبكي على الحسين ويذكر مصابه حتى لقوه وأحبوه فنقلوه إلى وسط الكوفة وأتاه منهم بشر كثير فلما قوي أمره سار إلى ابن مطيع‏.‏ذكر عدة حوادث حج بالناس هذه السنة عبد الله بن الزبير وكان عامله على المدينة فيها أخوه عبيدة بن الزبير وعلى الكوفة عبد الله بن يزيد الخطمي وعلى قضائها هشام بن هبيرة وعلى البصرة عمر بن وفيها مات شداد بن أوس بن ثابت وهو ابن أخي حسان بن ثابت‏.‏

وفيها توفي المسور بن مخرمة بمكة في اليوم الذي ورد فيه خبر موت يزيد بن معاوية وكان سبب موته أن أصابته فلقة حجر منجنيق في جانب وجهه فمرض أيامًا ومات‏.‏

وفيها توفي أبو برزة الأشهلي بخراسان‏.‏

وفيها توفي الوليد بن عتبة بن أبي سفيان في قول‏.‏

وفي أيام يزيد مات أبو ثعلبة الخشني وقيل‏:‏ مات سنة خمس وسبعين له صحبة‏.‏

وفي أيامه أيضًا مات عائذ بن عمرو المزني بالبصرة وشهد بيعة الرضوان‏.‏

وفي أيام ابن زياد بالكوفة مات قيس بن خرشة وهو صحابي وخبر موته عجيب مع ابن زياد لأنه كان قوالًا بالحق‏.‏

وفي أيامه مات نوفل بن معاوية بن عمرو الدئلي‏.‏

وفي أيامه مات أبو خيثمة الأنصاري شهد أحدًا وذكره في تبوك مشهور‏.‏

وفي أيامه مات عتبان بن مالك وهو بدريٌّ‏.‏

وفي هذه السنة توفي شقيق بن ثور السدوسي‏.‏