فصل: ذكر وفاة أبي ذر

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكامل في التاريخ **


 ذكر غزو سعيد بن العاص طبرستان

في هذه السنة غزا سعيد بن العاص طبرستان فإنها لم يغزها أحد إلى هذه السنة‏.‏

وقد تقدم في أيام عمر الخلاف في ذلك وأن اصبهبذها صالح سويد ابن مقرن أيام عمر على مال بذله‏.‏

وأما على هذا القول فإن سعيدًا غزاها من الكوفة سنة ثلاثين ومعه الحسن والحسين وابن عباس وعبد الله بن عمر بن الخطاب وعبد الله بن عمرو بن العاص وحذيفة بن اليمان وابن الزبير وناس من أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وخرج ابن عامر من البصرة يريد خراسان فسبق سعيدًا ونزل نيسابور ونزل سعيد قومس وهي صلح صالحهم حذيفة بعد نهاوند فأتى جرجان فصالحوه على مائتي ألف ثم أتى طميسة وهي كلها من طبرستان متاخمة جرجان على البحر فقاتله أهلها فصلى صلاة الخوف أعلمه حذيفة كيفيتها وهم يقتتلون‏.‏وضرب سعيد يومئذ رجلًا بالسيف على حبل عاتقه فخرج السيف من تحت مرفقه وحاصرهم فسألوا الأمان فأعطاهم على أن لا يقتل منهم رجلًا واحدًا ففتحوا الحصن فقتلوا جميعًا إلا رجلًا واحدًا وحوى ما في الحصن فأصاب رجل من بني نهد سفطًا عليه قفل فظن أن فيه جوهرًا وبلغ سعيدًا فبعث إلى النهدي فأتاه بالسفط فكسروا قفله فوجدوا فيه سفطًا ففتحوه فوجدوا خرقة سوداء مدرجة فنشروها فوجدوا خرقة حمراء فنشروها فإذا خرقة صفراء وفيها أيران كميت وورد‏.‏

فقال شاعر يهجو بني نهد‏:‏ آب الكرام بالسبايا غنيمة وآب بنو نهدٍ بأيرين في سفط كميتٍ ووردٍ وافرين كلاهما فظنوهما غنمًا فناهيك من غلط وفتح سيعدٌ نامية وليست بمدينة هي صحارى‏.‏

ومات مع سعيد محمد بن الحكم بن أبي عقيل جد يوسف بن عمر‏.‏

ثم رجع سعيد فمدحه كعب بن جعيل فقال‏:‏ فنعم الفتى إذ حال جيلان دونه وإذ هبطوا من دستبى ثم أبهرا في أبيات‏.‏

ولما صالح سعيد أهل جرجان كانوا يجبون أحيانًا مائة ألف وأحيانًا مائتي ألف وأحيانًا ثلثمائة ألف ويقولون‏:‏ هذا صلح صلحنا وربما منعوه ثم امتنعوا وكفروا فانقطع طريق خراسان من ناحية قومس إلا على خوف شديد منهم‏.‏

كان الطريق إلى خراسان من فارس إلى كرمان إلى خراسان وأول من صير الطريق من قومس قتيبة بن مسلم حين ولي خراسان‏.‏

وقدمها يزيد بن المهلب فصالح صولا وفتح البحيرة ودهستان وصالح أهل جرجان على صلح سعيد‏.‏

 ذكر غزو حذيفة الباب وأمر المصاحف

وفيها صرف حذيفة عن غزو الري إلى غزو الباب مددًا لعبد الرحمن بن ربيعة وخرج معه سعيد بن العاص فبلغ معه أذربيجان وكانوا يجعلون الناس ردءًا فأقام حتى عاد حذيفة ثم رجعا‏.‏ فلما عاد حذيفة قال لسعيد بن العاص‏:‏ لقد رأيت في سفرتي هذه أمرًا لئن ترك الناس ليختلفن في القرآن ثم لا يقومون عليه أبدًا‏.‏

قال‏:‏ وما ذاك قال‏:‏ رأيت أناسًا من أهل حمص يزعمون أن قراءتهم خير من قراءة غيرهم وأنهم أخذوا القرآن عن المقداد ورأيت أهل دمشق يقولون‏:‏ إن قراءتهم خير من قراءة غيرهم ورأيت أهل الكوفة يقولون مثل ذلك وإنهم قرأوا على ابن مسعود وأهل البصرة يقولون مثل ذلك وإنهم قرأوا على أبي موسى ويسمون مصحفه لباب القلوب‏.‏

فلما وصلوا إلى الكوفة أخبر حذيفة الناس بذلك وحذرهم ما يخاف فوافقه أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكثير من التابعين‏.‏

وقال له أصحاب ابن مسعود‏:‏ ما تنكر ألسنا نقرأه على قراءة ابن مسعود فغضب حذيفة ومن وافقه وقالوا‏:‏ إنما أنتم أعراب فاسكتوا فإنكم على خطإ‏.‏

وقال حذيفة‏:‏ والله لئن عشت لآتين أمير المؤمنين ولأشيرن عليه أن يحول بين الناس وبين ذلك‏.‏

فأغلظ له ابن مسعود فغضب سعيد وقام وتفرق الناس وغضب حذيفة وسار إلى عثمان فاخبره بالذي رأى وقال‏:‏ أنا النذير العريان فأدركوا الأمة‏.‏

فجمع عثمان الصحابة وأخبرهم الخبر فأعظموه ورأوا جميعًا ما رأى حذيفة‏.‏

فأرسل عثمان إلى حفصة بنت عمر‏:‏ أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها‏.‏

وكانت هذه الصحف هي التي كتبت في أيام أبي بكر فإن القتل لما كثر في الصحابة يوم اليمامة قال عمر لأبي بكر‏:‏ إن القتل قد كثر واستحر بقراء القرآن يوم اليمامة وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء فيذهب من القرآن كثير وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن فأمر أبو بكر زيد بن ثابت فجمعه من الرقاع والعسب وصدور الرجال فكانت الصحف عند أبي بكر ثم عند عمر فلما توفي عمر أخذتها حفصة فكانت عندها‏.‏

فأرسل عثمان إليها أخذها منها وأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحرث بن هشام فنسخوها في المصاحف وقال عثمان‏:‏ إذا اختلفتم فاكتبوها بلسان قريش فإنما نزل بلسانهم ففعلوا‏.‏

فلما نسخوا الصحف ردها عثمان إلى حفصة وارسل إلى كل أفق بمصحف وحرق ما سوى ذلك وأمر أن يعتمدوا عليها ويدعوا ما سوى ذلك‏.‏

فكل الناس عرف فضل هذا الفعل إلا ما كان من أهل الكوفة فإن المصحف لما قدم عليهم فرح به أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وإن أصحاب عبد الله ومن وافقهم امتنعوا من ذلك وعابوا الناس فقام فيهم ابن مسعود وقال‏:‏ ولا كل ذلك فإنكم والله قد سبقتم سبقًا بينًا فاربعوا على ظلعكم‏.‏

ولما قدم عليٌّ الكوفة قام إليه رجل فعاب عثمان بجمع الناس على المصحف فصاح به وقال‏:‏ اسكت فعن ملإٍ منا فعل ذلك فلو وليت منه ما ولي عثمان لسلكت سبيله‏.‏

 ذكر سقوط خاتم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في بئر أريس

وفيها وقع خاتم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من يد عثمان في بئر أريس وهي على ميلين من المدينة وكانت قليلة الماء فما أدرك قعرها بعد‏.‏

وكان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ اتخذه لما أراد أن يكاتب الأعاجم يدعوهم إلى الله تعالى فقيل له‏:‏ إنهم لا يقبلون كتابًا إلا مختومًا فأمر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يعمل له خاتم من حديد فلما عمل جعله في إصبعه فأتاه جبرائيل فنهاه عنه فنبذه وأمر فعمل له خاتم من نحاس وجعله في إصبعه‏.‏

فقال له جبرائيل انبذه فنبذه وأمررسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بخاتم من فضةٍ فصنع له فجعله في إصبعه فأمره جبرائيل أن يقره فأقره‏.‏وكان نقشه ثلاثة أسطر‏:‏ ‏(‏محمد‏)‏ سطر و ‏(‏رسول‏)‏ سطر و ‏(‏الله‏)‏ سطر فتختم به رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حتى توفي ثم تختم به أبو بكر حتى توفي ثم عمر حتى توفي ثم تختم به عثمان ست سنين‏.‏

فحفروا بئرًا بالمدينة شربًا للمسلمين فقعد على رأس البئر فجعل يعبث بالخاتم ويديره باصبعه فسقط من يده في البئر فطلبوه فيها ونزحوا مافيها من الماء فلم يقدروا عليه فجعل فيه مالًا عظيمًا لمن جاء به واغتم لذلك غمًا شديدًا‏.‏

فلما يئس منه صنع خاتمًا آخر على مثاله ونقشه فبقي في إصبعه حتى هلك فلما قتل ذهب الخاتم فلم يدر من أخذه‏.‏

 ذكر تسيير أبي ذر إلى الربذة

وفي هذه السنة كان ما ذكر في أمر أبي ذر وإشخاص معاوية إياه من الشام إلى المدينة وقد ذكر في سبب ذلك أمور كثيرة من سب معاوية إياه وتهديده بالقتل وحمله إلى المدينة من الشام بغير واء ونفيه من المدينة على الوجه الشنيع لا يصح النقل به ولو صح لكان ينبغي أن يعتذر عن عثمان فإن للإمام أن يؤدب رعيته وغير ذلك من الأعذار لا أن يجعل ذلك سببًا للطعن

وأما العاذرون فإنهم قالوا‏:‏ لما ورد ابن السوداء إلى الشام لقي أبا ذر فقال‏:‏ يا أبا ذر ألا تعجب من معاوية يقول‏:‏ المال مال الله‏!‏ ألا إن كل شيء لله كأنه يريد أن يحتجنه دون الناس ويمحو اسم المسلمين‏.‏

فأتاه أبو ذر فقال‏:‏ ما يدعوك إلى أن تسمي مال المسلمين مال الله الساعة قال‏:‏ يرحمك الله يا أبا ذر‏!‏ ألسنا عباد الله والمال ماله قال‏:‏ فلا تقله‏.‏

قال‏:‏ سأقول مال المسلمين‏.‏

وأتى ابن السوداء أبا الدرداء فقال له مثل ذلك‏.‏

فقال‏:‏ أظنك والله يهوديًا‏!‏ فأتى عبادة بن الصامت فتعلق به عبادة وأتى به معاوية فقال‏:‏ هذا والله الذي بعث عليك أبا ذر‏.‏

وكان أبو ذر يذهب إلى أن المسلم لا ينبغي له أن يكون في ملكه أكثر من قوت يومه وليلته أو شيء ينفقه في سبيل الله أو يعده لكريم ويأخذ بظاهر القرآن‏:‏ ‏{‏والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذابٍ أليم‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 34‏]‏‏.‏

فكان يقوم بالشام ويقول‏:‏ يا معشر الأغنياء واسوا الفقراء بشر الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله بمكاوٍ من نار تكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم فما زال حتى ولع الفقراء بمثل ذلك وأوجبوه على الأغنياء وشكا الأغنياء ما يلقون منهم‏.‏

فأرسل معاوية إليه بألف دينار في جنح الليل فأنفقها‏.‏

فلما صلى معاوية الصبح دعا رسوله الذي أرسله إليه فقال‏:‏ اذهب إلى أبي ذر فقل له‏:‏ أنقذ جسدي من عذاب معاوية فإنه أرسلني إلى غيرك وإني أخطأت بك‏.‏

ففعل ذلك‏.‏

فقال له أبوذر‏:‏ يا بني قل له‏:‏ والله ما أصبح عندنا من دنانيرك دينار ولكن أخرنا ثلاثة أيام حتى نجمعها‏.‏

فلما رأى معاوية أن فعله يصدق قوله كتب إلى عثمان‏:‏ إن أبا ذر قد ضيق علي وقد كان كذا وكذا للذي يقوله الفقراء‏.‏

فكتب إليه عثمان‏:‏ إن الفتنة قد أخرجت خطمها وعينيها ولم يبق إلا أن تثب فلا تنكإ القرح وجهز أبا ذر إلي وابعث معه دليلًا وكفكف الناس ونفسك ما استطعت‏.‏

وبعث إليه بأبي ذر‏.‏

فلما قدم المدينة ورأى المجالس في أصل جبل سلع قال‏:‏ بشر أهل المدينة بغارة شعواء وحرب مذكار‏.‏

ودخل على عثمان فقال له‏:‏ ما لأهل الشام يشكون ذرب لسانك فأخبره‏.‏

فقال‏:‏ يا أبا ذر علي أن أقضي ما علي وأن أدعو الرعية إلى الاجتهاد والاقتصاد وما علي أن أجبرهم على الزهد‏.‏

فقال أبو ذر‏:‏ لا ترضوا من الأغنياء حتى يبذلوا المعروف ويحسنوا إلى الجيران والإخوان ويصلوا القرابات‏.‏

فقال كعب الأحبار وكان حاضرًا‏:‏ من أدى الفريضة فقد قضى ما عليه‏.‏

فضربه أبو ذر فشجه وقال له‏:‏ يا ابن اليهودية ما أنت وما ههنا فاستوهب عثمان كعبًا شجته فوهبه‏.‏

فقال أبو ذر لعثمان‏:‏ تأذن لي في الخروج من المدينة فإن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمرني بالخروج منها إذا بلغ البناء سلعًا‏.‏

فأذن له فنزل الربذة وبنى بها مسجدًا وأقطعه عثمان صرمةً من الإبل وأعطاه مملوكين وأجرى عليه كل يوم عطاء وكذلك على رافع بن وكان أبو ذر يتعاهد المدينة مخافة أن يعود أعرابيًا وأخرج معاوية إليه أهله فخرجوا ومعهم جراب مثقلٌ يد الرجل فقال‏:‏ انظروا إلى هذا الذي يزهد في الدنيا ما عنده فقالت امرأته‏:‏ والله ما هو دينار ولا درهم ولكنها فلوس كان إذا خرج عطاؤه ابتاع منه فلوسًا لحوائجنا‏.‏

ولما نزل الربذة أقيمت الصلاة وعليها رجل يلي الصدقة فقال‏:‏ تقدم يا أبا ذر‏.‏

فقال‏:‏ لا تقدم أنت فإن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال لي‏:‏ اسمع وأطع وإن كان عليك عبد مجدع فأنت عبد ولست بأجدع وكان من رقيق الصدقة اسمه مجاشع‏.‏

 ذكر عدة حوادث

في هذه السنة زاد عثمان النادء الثالث يوم الجمعة على الزوراء‏.‏

وفيها مات حاطب بن أبي بلتعة اللخمي وهو من أهل بدر‏.‏

حاطب بالحاء المهملة‏.‏

وبلتعة بالباء الموحدة ثم التاء المثناة من فوق بوزن مقرعة‏.‏

وفيها مات عمرو بن أبي سرح الفهري وكان بدريًا‏.‏

وفيها مات مسعود ابن الربيع وقيل‏:‏ ابن ربيعة بن عمرو القاري من القارة أسلم قبل دخول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ دار الأرقم وشهد بدرًا وكان عمره قد جاوز الستين‏.‏

وفيها مات عبد الله بن كعب بن عمرو الأنصاري شهد بدرًا وكان على غنائم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيها وفي غيرها‏.‏

وفيها مات عبد الله بن مظعون أخو عثمان وكان بدريًا وجبار بن صخر وهو بدري أيضًا‏.‏

جبار بالجيم وآخره راء‏.‏

 ثم دخلت سنة إحدى وثلاثين

 ذكر غزوة الصواري

قيل‏:‏ وفي هذه السنة كانت غزوة الصواري وقيل‏:‏ كانت سنة أربع وثلاثين وقيل‏:‏ في سنة إحدى وثلاثين كانت غزوة الأساورة وقيل‏:‏ كانتا معًا سنة إحدى وثلاثين وكان على المسلمين معاوية وكان قد جمع الشام له أيام عثمان‏.‏

وسبب جمعه له أن أبا عبيدة بن الجراح لما حضر استخلف على عمله عياض بن غنم وكان خاله وابن عمه وكان جوادًا مشهورًا وقيل‏:‏ استخلف معاذ بن جبل على ما تقدم فمات عياض واستخلف عمر بعده سعيد بن حذيم الجمحي ومات سعيد وأمر عمر مكانه عمير بن سعد الأنصاري ومات عمر وعمير على حمص وقنسرين ومات يزيد بن أبي سفيان فجعل عمر مكانه أخاه معاوية ونعاه لأبي سفيان فقال‏:‏ من جعلت على عمله يا أمير المؤمنين فقال‏:‏

معاوية‏.‏

فقال‏:‏ وصلتك رحم فاجتمعت لمعاوية الأردن ودمشق ومرض عمير بن سعد فاستعفى عثمان واستأذنه في الرجوع إلى أهله فأذن له وضم عثمان حمص وقنسرين إلى معاوية ومات عبد الرحمن بن علقمة وكان على فلسطين فضم عثمان عمله إلى معاوية فاجتمع الشام لمعاوية لسنتين من إمارة عثمان فهذا كان سبب اجتماع الشام له‏.‏

وأما سبب هذه الغزوة فإن المسلمين لما أصابوا من أهل إفريقية وقتلوهم وسبوهم خرج قسطنطين بن هرقل في جمع له لم تجمع الروم مثله مذ كان الإسلام فخرجوا في خمسمائة مركب أو ستمائة وخرج المسلمون وعلى أهل الشام معاوية بن أبي سفيان وعلى البحر عبد الله بن سعد بن أبي سرح وكانت الريح على المسلمين لما شاهدوا الروم فأرسى المسلمون والروم وسكنت الريح فقال المسلمون‏:‏ الأمان بيننا وبينكم فباتوا ليلتهم والمسلمون يقرأون القرآن ويصلون ويدعون والرومى يضربون بالنواقيس وقربوا من الغد سفنهم وقرب المسلمون سفنهم فربطوا بعضها مع بعض واقتتلوا بالسيوف والخناجر وقتل من المسلمين بشرٌ كثير وقتل من الروم ما لا يحصى وصبروا يومئذٍ صبرًا لم يصبروا في موطن قط مثله ثم أنزل الله نصره على المسلمين فانهزم قسطنطين جريحًا ولم ينج من الروم إلا الشريد‏.‏

وأقام عبد الله بن سعد بذات الصواري بعد الهزيمة أيامًا ورجع‏.‏

فكان أول ما تكلم به محمد بن أبي حذيفة ومحمد بن أبي بكر في أمر عثمان في هذه الغزوة وأظهرا عيبه وما غير وما خالف به أبا بكر وعمر ويقولان استعمل عبد الله بن سعد رجلًا كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد أباح دمه ونزل القرآن بكفره وأخرج رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قومًا أدخلهم ونزع أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ واستعمل سعيد بن العاص وابن عامر‏.‏

فبلغ ذلك عبد الله بن سعد فقال‏:‏ لا تركبا معنا فركبا في مركب ما معهما إلا القبط فلقوا العدو فكانا أقل المسلمين نكايةً وقتالًا فقيل لهما في ذلك فقالا‏:‏ كيف نقاتل مع عبد الله ابن سعد استعمله عثمان وعثمان فعل كذا وكذا‏.‏

فأرسل إليهما عبد الله ينهاهما ويتهددهما ففسد الناس بقولهما وتكلموا ما لم يكونوا ينطقون به‏.‏

وأما قسطنطين فإنه سار في مركبه إلى صقلية فسأله أهلها عن حاله فأخبرهم‏.‏

فقالوا‏:‏ أهلكت النصرانية وأفنيت رجالها‏!‏ لو أتانا العرب لم يكن عندنا من يمنعهم‏.‏

ثم أدخلوه الحمام وقتلوه وتركوا من كان معه في المركب وأذنوا له في المسير إلى القسطنطينية‏.‏

وقيل‏:‏ في هذه السنة فتحت أرمينية على يد حبيب بن مسلمة وقد تقدم ذكر ذلك‏.‏

 ذكر مقتل يزدجرد بن شهريار

في هذه السنة هرب يزدجرد من فارس إلى خراسان في قول بعضهم وقد تقدم الخلاف فيه وكان ابن عامر قد خرج من البصرة حين وليها إلى فارس فافتتحها وهرب يزدجرد من جور وهي أدرشير خره في سنة ثلاثين فوجه ابنن عامر في أثره مجاشع بن مسعود وقيل‏:‏ هرم بن حيان العبدي وقيل‏:‏ هرم بن حيان اليشكري فاتبعه إلى كرمان فهرب يزدجرد إلى خراسان‏.‏

وأصاب مجاشع بن مسعود ومن معه الثلج والدمق واشتد البرد وكان الثلج قيد رمح فهلك الجند وسلم مجاشع ورجل معه جارية فشق بطن بعير فأدخلها فيه وهرب‏.‏

فلما كان الغد جاء فوجدها حية فحملها‏.‏

فسمي ذلك القصر قصر مجاشع لأن جيشه هلكوا فيه وهو على خمسة فراسخ أو ستة من السرجان من أعمال كرمان‏.‏هذا على قول من يقول‏:‏ إن هرب يزدجرد من فارس كان هذه السنة‏.‏

وأما سبب قتله على ما تقدم من ذكره من فتح فارس وخراسان فقد اختلف الناس في سبب قتله فقيل‏:‏ إنه هرب من كرمان في جماعة إلى مرو ومعه خرزاد أخو رستم فرجع عنه إلى العراق ووصى به ماهويه مرزبان مرو فسأله يزدجرد مالًا فمنعه فخافه أهل مرو على أنفسهم فأرسلوا إلى الترك يستنصرونهم عليه فأتوه فبيتوه فقتلوا أصحابه فهرب يزدجرد ماشيًا إلى شط المرغاب فأوى إلى بيت رجل ينقر الأرحاء فلما نام قتله وقيل‏:‏ بل بيته أهل مرو ولم

يستنصروا بالترك فقتلوا أصحابه وهرب منهم فقتله النقار وتبعوا أثره إلى بيت الذي ينقر الأرحاء فأخذوه وضربوه فأقر بقتله فقتلوه وأهله‏.‏

وكان يزدجرد قد وطىء امرأة بها فولدت له غلامًا ذاهب الشق ولدته بعد قتله فسمي المخدج فولد له أولاد بخراسان فوجد قتيبة بن مسلم حين افتتح الصغد وغيرها جاريتين من ولد المخدج فبعث بهما أو بإحداهما إلى الحجاج فبعث بها إلى الوليد بن عبد الملك فولدت للوليد يزيد بن الوليد الناقص‏.‏

وأخرج يزدجرد من النهر وجعل في تابوت وحمل إلى إصطخر فوضع في ناووس هناك‏.‏

وقيل‏:‏ إن يزدجرد هرب بعد وقعة نهاوند إلى أرض أصبهان وبها رجل يقال له مطيار كان قد أصاب من العرب شيئًا يسيرًا فصار له بها محل كبير فأى مطيار يزدجرد ذات يوم فحجبه بوابه ليستأذن له فضربه وشجه فدخل البواب على يزدجرد مدمى فرحل عن أصبهان من ساعته فأتى الري فخرج إليه صاحب طبرستان وعرض عليه بلاده وأخبره بحاصنتها فلم يجبه‏.‏

وقيل‏:‏ مضى من فوره ذلك إلى سجستان ثم سار إلى مرو في ألف فارس وقيل‏:‏ بل قصد فارس فأقام بها أربع سنين ثم أتى كرمان فأقام بها سنتين أو ثلاثًا فطلب إليه دهقانة شيئًا فلم يجبه فجره برجله وطرده عن بلاده فسار إلى سجستان فأقام بها نحوًا من خمس سنين ثم عزم

على قصد خراسان ليجمع الجموع ويسير بهم إلى العرب فسار إلى مرو ومعه الرهن من أولاد الدهاقين ومعه فرخزاد‏.‏

فلما قدم مرو كاتب ملوك الصين وملك فرغانة وملك كابل وملك الخزر يستمدهم وكان الدهقان يومئذ بمروماهويه أبو براز فوكل ماهويه بمرو ابنه براز ليحفظها ويمنع عنها يزدجرد خوفًا من مكره فركب يزدجرد يومًا وطاف بالمدينة وأراد دخولها من بعض أبوابها فمنعه براز فصاح به أبوه ليفتح الباب فلم يفعل وأومأ إليه أبوه أن لا يفعل ففطن له رجل من أصحاب يزدجرد فأعلمه بذلك واستأذنه في قتله فلم يأذن له‏.‏

وقيل‏:‏ أراد يزدجرد صرف الدهقنة عن ماهويه إلى سنجان ابن أخيه فبلغ ذلك ماهويه فعمل في هلاك يزدجرد فكتب إلى نيزك طرخان يدعوه إلى القدوم عليه ليتفقا على قتله ومصالحة العرب عليه وضمن له إن فعل أن يعطيه كل يوم ألف درهم‏.‏

فكتب نيزك إلى يزدجرد يعده المساعدة على العرب وأنه يقدم عليه بنفسه إن أبعد عسكره وفرخزاد عنه‏.‏

فاستشار يزدجرد أصحابه فقال له سنجان‏:‏ لست أرى أن تبعد عنك أصحابك وفرخزاد‏.‏

وقال أبو براز‏:‏ أرى أن تتألف نيزك وتجيبه إلى ما سأل‏.‏

فقبل رأيه وفرق عنه جنده فصاح فرخزاد وشق جيبه وقال‏:‏ أظنكم قاتلي هذا‏!‏ ولم يبرح فرخزاد حتى كتب له يزدجرد بخط يده أنه آمن وأنه قد أسلم يزدجرد وأهله وما معه إلى ماهويه وأشهد بذلك‏.‏

وأقبل نيزك فلقيه يزدجرد بالمزامير

والملاهي أشار عليه بذلك أبو براز فلما لقيه تأخر عنه أبو براز فاستقبله نيزك ماشيًا فأمر له يزدجرد بجنيبة من جنائبه فركبها فلما توسط عسكره تواقفا فقال له نيزك فيما يقول‏:‏ زوجني إحدى بناتك حتى أناصحك في قتال عدوك‏.‏

فسبه يزدجرد فضربه نيزك بمقرعته وصاح يزدجرد وركض منهزمًا‏.‏

وقتل أصحاب نيزك أصحاب يزدجرد وانتهى يزدجرد إلى بيت طحان فمكث فيه ثلاثة أيام لم يأكل طعامًا‏.‏

فقال له الطحان‏:‏ اخرج أيها الشقي فكل طعامًا فقد جعت‏!‏ فقال‏:‏ لست أصل إلى ذلك إلا بزمزمة وكان عند الطحان رجل يزمزم فكلمه الطحان في ذلك ففعل وزمزم له فأكل‏.‏

فلما رجع المزمزم سمع بذكر يزدجرد فسأل عن حليته فوصفوه له فأخبرهم به وبحليته فأرسل إليه أبو براز رجلًا من الأساورة وأمره بخنقه وإلقائه في النهر وأتى الطحان فضربه ليدله عليه فلم يفعل وجحده‏.‏

فلما أراد الانصراف عنه قال له بعض أصحا به‏:‏ إني لأجد ريح مسك ونظر إلى طرف ثوبه من ديباج في الماء فجذبه فإذا هو يزدجرد فسأله أن لا يقتله ولا يدل عليه وجعل له خاتمه ومنطقته وسواره‏.‏

فقال له‏:‏ أعطني أربعة دراهم وأخلي عنك فلم يكن معه وقال‏:‏ إن خاتمي لا يحصى ثمنه فخذه فأبى عليه فقال له يزدجرد‏:‏ قد كنت أخبر أني سأحتاج إلى أربعة دراهم فقد رأيت ذلك ثم نزع أحد قرطيه فأعطاه الطحان ليستر عليه وأرادوا قتله فقال‏:‏ ويحكم‏!‏ إنا نجد في كتبنا أنه من قتل

الملوك عاقبه الله بالحريق في الدنيا فلا تقتلوني واحملوني إلى الدهقان أو إلى العرب فإنهم يستبقون مثلي‏!‏ فأخذوا ما عليه وخنقوه بوتر القوس وألقوه في الماء فأخذ أسقف مرو وجعله في تابوت ودفنه‏.‏

وسأل أبو براز عن أحد القرطين وأخذ الذي دل عليه فضربه حتى أتى على نفسه‏.‏

وقيل‏:‏ بل سار يزدجرد من كرمان قبل ورود العرب إليها نحو مرو على الطبسين وقوهستان في أربعة آلاف فلما قارب مرو لقيه قائدان يقال لأحدهما بارز وللآخر سنجان وكانا متباغضين فسعى براز بسنجان حتى هم يزدجرد بقتله وأفشى ذلك إلى امرأة من نسائه ففشا الحديث فجمع سنجان أصحابه وقصد قصر يزدجرد فهرب براز وخاف يزدجرد فهرب أيضًا إلى رحى على فرسخين من مرو فدخل بيت نقار الرحى فأطعمه الطحان فطلب منه شيئًا فأعطاه منطقته فقال‏:‏ إنما يكفيني أربعة دراهم فلم يكن معه ثم نام يزدجرد فقتله الطحان بفأس كانت معه وأخذ ما عليه وألقى جثته في الماء وشق بطنه وثقله‏.‏

وسمع بقتله مطران كان بمرو فجمع النصارى وقال‏:‏ قتل ابن شهريار وإنما شهريار ابن شيرين المؤمنة التي قد عرفتم حقها وإحسانها إلى أهل ملتنا مع ما نال النصارى في ملك جده أنوشروان من الشرف فينبغي أن نحزن لقتله ونبني له ناووسًا فأجابوه إلى ذلك وبنوا له ناووسًا وأخرجوا جثته وكفنوها ودفنوها في الناووس‏.‏

وكان ملكه عشرين سنة منها أربع سنين في دعة وست عشرة سنة في تعب من محاربة العرب إياه وغلظتهم عليه وكان آخر من ملك من آل أردشير ابن بابك وصفا الملك بعده للعرب‏.‏

 ذكر مسير ابن عامر إلى خراسان وفتحها

لما قتل عمر بن الخطاب نقض أهل خراسان وغدروا‏.‏

فلما افتتح ابن عامر فارس قام إليه حبيب بن أوس التميمي فقال له‏:‏ أيها الأمير إن الأرض بين يديك ولم يفتح منها إلا القليل فسر فإن الله ناصرك‏.‏

قال‏:‏ أو لم نؤمر بالمسير وكره أن يظهر أنه قبل رأيه‏.‏

وقيل‏:‏ إن ابن عامر لما فتح فارس عاد إلى البصرة واستخلف على إصطخر شريك بن الأعورالحارثي فبنى شريك مسجد إصطخر‏.‏

فلما دخل البصرة أتاه الأحنف بن قيس وقيل غيره فقال له‏:‏ إن عدوك منك هاربن ولك هائب والبلاد واسعة فسر فإن الله ناصرك ومعزٌّ دينه‏.‏

فتجهز وسار واستخلف على البصرة زيادًا وسار إلى كرمان فاستعمل عليها مجاشع بن مسعود السلمي وله صحبة وأمره بمحاربة أهلها وكانوا قد نكثوا أيضًا واستعمل على سجستان الربيع بن زياد الحرثي وكانوا أيضًا قد غدروا ونقضوا الصلح‏.‏

وسار ابن عامر إلى نيسابور وجعل على مقدمته الأحنف بن قيس فأتى الطبسين وهما حصنان وهما بابا خراسان فصالحه أهلهما وسار إلى وهستان فلقيه أهلها وقاتلهم حتى ألجأهم إلى حصنهم وقدم عليها ابن عامرفصالحه أهلها على ستمائة ألف درهم‏.‏

وقيل‏:‏ كان المتوجه إلى قوهستان أمير بن أحمر اليشكري وهي بلاد بكر بن وائل وبعث ابن عامر سريةً إلى رستاق زام من أعمال نيسابور ففتحه عنوةً وفتح باخرز من أعمال نيسابور أيضًا وفتح جوين من أعمال نيسابور أيضًا‏.‏

ووجه ابن عامر الأسود بن كلثوم العدوي من عدي الرباب وكان ناسكًا إلى بيهق من أعمالها أيضًا فقصد قصبته ودخل حيطان البلد من ثلمة كانت فيه ودخلت معه طائفة من المسلمين فأخذ العدو عليهم تلك الثلمة فقاتل الأسود حتى قتل هو وطائفة ممن معه وقام بأمر الناس بعده أخوه أدهم بن كلثوم فظفر وفتح بيهق وكان الأسود يدعو الله أن يحشره من بطون السباع والطير فلم يواره أخوه ودفن من استشهد من أصحابه‏.‏

وفتح ابن عامر بشت من نيسابور‏.‏

وهذه بشت بالشين المعجمة وليست ببست التي بالسين المهملة تلك من بلاد الدوان وهذه من خراسان من نياسوبر‏.‏

وافتتح خواف وأسفرايين وأرغيان ثم قصد نيسابور بعد ما استولى على أعمالها وافتتحها فحصر أهلها أشهرًا وكان على كل ربع منها مرزبان للفرس يحفظه فطلب صاحب ربع من

تلك الرباع الأمان على أن يدخل المسلمين المدينة فأجيب إلى ذلك فأدخلهم ليلًا ففتحوا الباب وتحصن مرزبانها الأكبر في حصنها ومعه جماعة ومعه جماعة وطلب الأمان والصلح على جميع نيسابور فصالحه على ألف ألف درهم وولى نيسابور قيس بن الهيثم السلمي وسير جيشًا إلى نسا وأبيورد فافتتحوها صلحًا وسير سريةً أخرى إلى سرخس مع عبد الله ابن خازم السلمي فقاتلوا أهلها ثم طلبوا الأمان والصلح على أمان مائة رجل فأجيبوا إلى ذلك فصالحهم مرزبانها على ذلك وسمى مائة رجل ولم يذكر نفسه فقتله ودخل سرخس عنوةً‏.‏

وأتى مرزبان طوس إلى ابن عامر فصالحه عن طوس على ستمائة ألف درهم وسير جيشًا إلى هراة عليهم عبد الله بن خازم وقيل غيره فبلغ مرزبان هراة ذلك فسار إلى ابن عامر فصالحه عن هراة وباذغيس وبوشنج‏.‏

وقيل‏:‏ بل سار ابن عامر في الجيش إلى هراة فقاتله أهلها ثم صالحه مرزبانها على ألف ألف درهم ولما غلب ابن عامر على هذه البلاد أرسل إليه مرزبان مرو فصالحه على ألفي ألف ومائتي ألف درهم وقيل غير ذلك وأرسل ابن عامر حاتم بن النعمان الباهلي إلى مرزبانها وكانت مرو كلها صلحًا إلا قرية منها يقال لها سنج فإنها أخذت عنوة وهي بكسر السين المهملة والنون الساكنة وآخرها جيم‏.‏

ووجه ابن عامر الأحنف بن قيس إلى طخارستان فمر برستاق يعرق برستاق الأحنف ويدعى سوانجرد فحصر أهلها فصالحوه على ثلثمائة ألف درهم فقال الأحنف‏:‏ أصالحكم على أن يدخل رجل منا القصر فيؤذن فيه ويقيم فيكم حتى ينصرف‏.‏

فرضوا بذلك ومضى الأحنف إلى مرو الروذ فقاتله أهلها فقتلهم وهزمهم وحصرهم وكان مرزبانها من أقارب باذان صاحب اليمن فكتب إلى الأحنف‏:‏ إنه دعاني إلى الصلح إسلام باذان فصالحه على ستمائة ألف وسير الأحنف سريةً فاستولت على رستاق بغ واستاقت منه مواشي ثم صالحوا أهله‏.‏

وجمع له أهل طخارستان فاجتمع أهل الجوزجان فوجه إليهم الأحنف الأقرع بن حابس التميمي في خيل وقال‏:‏ يا بني تميم تحابوا وتباذلوا تعدل أموركم وابدأوا بجهاد بطونكم وفروجكم يصلح لكم دينكم ولا تغلوا يسلم لكم جهادكم‏.‏

فسار الأقرع فلقي العدو بالجوزجان فكانت بالمسلمين جولة ثم عادوا فهزموا المشركين وفتحوا الجوزجان عنوة فقال ابن الغريزة النهشلي‏:‏ سقى صوب السحاب إذا استهلت مصارع فتيةٍ بالجوزجان إلى القصرين من رستاق خوتٍ أقادهم هناك الأقرعان وفتح الأحنف الطالقان صلحًا وفتح الفارياب وقيل‏:‏ بل فتحها أمير بن أحمر‏.‏

ثم سار الأحنف إلى بلخ وهي مدينة طخارستان فصالحه أهلها على أربعمائة ألف وقيل‏:‏ سبعمائة ألف واستعمل على بلخ أسيد بن المتشمس ثم سار إلى خوارزم وهي على نهر جيحون فلم إذا لم تستطع أمرًا فدعه وجاوزه إلى ما تستطيع فعاد إلى بلخ وقد قبض أسيد صلحها وافق وهو يجيبهم المهرجان فأهدوا له هدايا كثيرة من دارهم ودنانير ودواب وأوانٍ وثياب وغير ذلك فقال لهم‏:‏ ما صالحناه على هذا‏!‏ فقالوا‏:‏ لا ولكن هذا شيء نفعله في هذا اليوم بأمرائنا‏.‏

فقال‏:‏ ما أدري ما هذا ولعله من حقي ولكن أقبضه حتى أنظر فقبضه حتى قدم الأحنف فأخبره فسألهم عنه فقالوا ما قالوا لأسيد فحمله إلى ابن عامر وأخبره عنه فقال‏:‏ خذه يا أبا بحر‏.‏

قال‏:‏ لا حاجة لي فيه‏.‏

فأخذه ابن عامر‏.‏

قال الحسن البصري‏:‏ فضمه القرشي وكان مضمًا‏.‏

ولما تم لابن عامر هذا الفتح قال له الناس‏:‏ ما فتح لأحد ما فتح عليك فارس وكرمان وسجستان وخراسان‏.‏

فقال‏:‏ لا جرم لأجعلن شكري لله على ذلك أن أخرج محرمًا من موقفي هذا‏.‏فأحرم بعمرة من نيسابور وقدم على عثمان واستخلف على خراسان قيس بن الهيثم فسار قيسٌ بعدن شخوصه في أرض طخارستان فلم يأت بلدًا منها إلا صالحه أهله وأذعنوا له حتى أتى سمنجان فامتنعوا عليه فحصرهم حتى فتحها عنوة‏.‏

أسيد بفتح الهمزة وكسر السين‏.‏

وحضين بن المنذر بالضاد المعجمة‏.‏

لما سار ابن عامر عن كرمان إلى خراسان واستعمل مجاشع بن مسعود السلمي على كرمان على ما ذكرناه قبل أمره أن يفتحها وكان أهلها قد نكثوا وغدروا ففتح هميد عنوةً واستبقى أهلها وأعطاهم أمانًا وبنى بها قصرًا يعرف بقصر مجاشع وأتى السيرجان وهي مدينة كرمان فأقام عليها أيامًا يسيرة وأهلها متحصنون فقاتلهم وفتحها عنوةً فجلا كثير من أهلها عنها وفتح جيرفت عنوةً وسار في كرمان فدوخ أهلها وأتى القفص وقد تجمع له خلق كثير من الأعاجم الذين جلوا فقاتلهم فظفر بهم وظهر عليهم وهرب كثيرٌ من أهل كرمان فركبوا البحر ولحق بعضهم بمكران وبعضهم بسجستان فأقطعت العرب منازلهم وأراضيهم فعمروها واحتفروا لها القني في مواضع منها وأدوا العشر منها‏.‏

 ذكر فتح سجستان وكابل وغيرهما

قد تقدم ذكر فتح سجستان أيام عمر بن الخطاب ثم إن أهلها نقضوا بعده‏.‏

فلما توجه ابن عامر إلى خراسان سير إليها من كرمان الربيع بن زياد الحارثي فقطع المفازة حتى أتى حصن زالق فأغار على أهله يوم مهرجان وأخذ الدهقان فافتدى نفسه بأن غرز عنزة وغمرها ذهبًا وفضة وصالحه على صلح فارس‏.‏

ثم أتى بلدة يقال لها كركويه فصالحه أهلها ثم نزل رستاق هيسون فصالحوه على غير قتال وسار إلى زرنج فنزل على مدينة روشت بقرب زرنج فقاتله أهلها وأصيب رجال من المسلمين ثم انهزم المشركون وقتل منهم مقتلة عظيمة وأتى الربيع ناشروذ ففتحها ثم أتى شرواذ فغلب عليها وسار منها إلى زرنج فنازلها وقاتله أهلها فهزمهم وحصرهم فأرسل إليه مرزبانها ليصالحه واستأمنه على نفسه ليحضر عنده فآمنه وجلس له الربيع على جسد من أجساد القتلى واتكأ على آخر وأمر أصحابه ففعلوا مثله فلما رآهم المرزبان هاله ذلك فصالحه على ألف وصيف مع كل وصيف جام من ذهب ودخل المسلمون المدينة‏.‏

ثم سار منها إلى سناروذ وهي واد فعبره وأتى القرية التي بها مربط فرس رستم الشديد فقاتله أهلها فظفر بهم ثم عاد إلى زرنج وأقام بها نحو سنة وعاد إلى ابن عامر واستخلف عليها عاملًا فأخرج أهلها العامل وامتنعوا‏.‏

فكانت ولاية الربيع سنة ونصفًا‏.‏

وسبى فيها أربعين ألف رأس‏.‏

وكان كاتبه الحسن البصري‏.‏

فاستعمل ابن عامر عبد الرحمن بن سمرة بن حبيب بن عبد شمس على سجستان فسار إليها فحصر زرنج فصالحه مرزبانها على ألفي ألف درهم وألفي وصيف‏.‏

وغلب عبد الرحمن على ما بين زرنج والكش من ناحية الهند وغلب من ناحية الرخج على ما بينه وبين الدوان‏.‏

فلما انتهى إلى بلد الدوان حصرهم في جبل الزوز ثم صالحهم ودخل على الزوز وهو صنم من

ذهب عيناه ياقوتتان فقطع يده وأخذ الياقوتتين ثم قال للمرزبان‏:‏ دونك الذهب والجوهر‏:‏ وإنما أردت أن أعلمك أنه لا يضر ولا ينفع‏.‏

وفتح كابل وزابلستان وهي ولاية غزنة ثم عاد إلى زرنج فأقام بها حتى اضطرب أمر عثمان فاستخلف عليها أمير بن أحمر اليشكري وانصرف فأخرج أهلها أمير بن أحمر وامتنعوا ولأمير يقول زياد بن الأعجم‏:‏ لولا أميرٌ هلكت يشكرٌ ويشكرٌ هلكى على كل حال ذكر عدة حوادث وحج بالناس هذه السنة عثمان‏.‏

وفيها مات أبو الدرداء الأنصاري وهو بدري وقيل‏:‏ سنة اثنتين وثلاثين‏.‏

وفيها مات أبو طلحة الأنصاري وهو بدري وقيل‏:‏ سنة اثنتين وثلاثين وقيل‏:‏ سنة إحدى وخمسين‏.‏وفيها مات أبو أسيد الساعدي وقيل‏:‏ مات سنة ستين وهو على هذا القول آخر من مات من البدريين‏.‏

أسيد بضم الهمزة‏.‏

وفيها مات أبو سفيان ابن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم وأخوه الطفيل‏.‏

وأبو سفيان بن حرب بن أمية وهو ابن ثمان وثمانين سنة‏.‏

قيل‏:‏ في هذه السنة غزا معاوية بن أبي سفيان مضيق القسطنطينية ومعه زوجته عاتكة بنت قرظة وقيل فاختة‏.‏

 ذكر ظفر الترك

وقتل عبد الرحمن بن ربيعة في هذه السنة انتصرت الخزر والترك على المسلمين‏.‏

وسببه أن الغزوات لما تتابعت عليهم تذامروا وقالوا‏:‏ كنا أمة لا يقرن بنا أحد حتى جاءت هذه الأمة القليلة فصرنا لا نقوم لها‏.‏

فقال بعضهم‏:‏ إن هؤلاء لا يموتون وما أصيب منهم أحد في غزوهم‏.‏

وقد كان المسلمون غزوهم قبل ذلك فلم يقتل منهم أحد فلهذا ظنوا أنهم لا يموتون‏.‏

فقال بعضهم‏:‏ أفلا تجربون فكمنوا لهم في الغياض فمر بالكمين نفرٌ من الجند فرموهم منها فقتلوهم فتواعد رؤوسهم إلى حربهم ثم اتعدوا يومًا‏.‏

وكان عثمان قد كتب إلى عبد الرحمن ابن ربيعة وهو على الباب‏:‏ إن الرعية قد أبطرها البطنة فلا تقتحم بالمسلمين فإني أخشى أن يقتلوا‏.‏

فلم يرجع عبد الرحمن عن مقصده فغزا نحو بلنجر وكان الترك قد اجتمعت مع الخزر فقاتلوا المسلمين قتالًا شديدًا وقتل عبد الرحمن وكان يقال له ذو النور وهو اسم سيفه فأخذ أهل

بلنجر جسده وجعلوه في تابوت فهم يستسقون به ويستنصرون به فلما قتل انهزم الناس وافترقوا فرقتين‏:‏ فرقة نحو الباب فلقوا سلمان بن ربيعة أخا عبد الرحمن كان قد سيره سعيد بن العاص مددًا للمسلمين بأمر عثمان فلما لقوه نجوا معه وفرقة نحو جيلان وجرجان فيهم سلمان الفارسي وأبو هريرة وكان في ذلك العسكر يزيد بن معاوية النخعي وعلقمة بن قيس ومعضد الشيباني وأبو مفرز التميمي في خباء واحد وعمرو بن عتبة وخالد بن ربيعة والحلحال بن ذري والقرثع في خباء فكانوا متجاورين في ذلك العسكر وكان القرثع يقول‏:‏ ما أحسن لمع الدماء على الثياب‏!‏ وكان عمرو بن عتبة يقول لقباء عليه‏:‏ ما أحسن حمرة الدماء على بياضك‏!‏ ورأى يزيد بن معاوية أن غزالًا جيء به لم ير أحسن منه فلف في ملحفة ثم دفن في قبر لم ير أحسن منه عليه ثلاثة نفر قعود فلما استيقظ واقتتل الناس رمي بحجر فهشم رأسه فمات فكأنما زين ثوبه بالدماء وليس بتلطيخ فدفن في قبر على الصورة التي رأى‏.‏

وقال معضد لعلقمة‏:‏ أعرني بردك أعصب به رأسي ففعل فأتى برج بلنجر الذي أصيب فيه يزيد فرماهم فقتل منهم وأتاه حجر عرادة ففضخ هامته فأخذه أصحابه فدفنوه إلى جنب يزيد وأخذ علقمة البرد فكان يغسله فلا يخرج أثر الدم منه وكان يشهد فيه الجمعة ويقول‏:‏ يحملني على هذا أن دم معضد فيه‏.‏

وأصاب عمرو بن عتبة جراحة فرأى قابءه كما اشتهى ثم قتل‏.‏

وأما القرثع فإنه قاتل حتى خرق بالحراب فبلغ الخبر بذلك عثمان فقال‏:‏ إنا لله انتكث أهل الكوفة اللهم تب عليهم وأقبل بهم‏!‏ وكان عثمان قد كتب إلى سعيد بن العاص أن ينفذ سلمان إلى الباب للغزو فسيره فلقي المهزومين على ما تقدم فنجاهم الله به‏.‏

فلما أصيب عبد الرحمن استعمل سعيدٌ سلمان بن ربيعة على الباب واستعمل على الغزو بأهل الكوفة حذيفة بن اليمان وأمدهم عثمان بأهل الشام عليهم حبيب بن مسلمة فتأمر عليهم سلمان وأبى حبيب حتى قال أهل الشام‏:‏ لقد هممنا بضرب سلمان‏.‏

فقال الكوفيون‏:‏ إذن والله نضرب حبيبًا ونحبسه وإن أبيتم كثرت القتلى فينا وفيكم وقال أوس بن مغراء في ذلك‏:‏ إن تضربوا سلمان نضرب حبيبكم وإن ترحلوا نحو ابن عفان نرحل وإن تقسطوا فالثغر ثغر أميرنا وهذا أميرٌ في الكتائب مقبل ونحن ولاة الأمر كنا حماته ليالي نرمي كل ثغر ونعكل وأراد حبيب أن يتأمر على صاحب الباب كما يتأمر أمير الجيش إذا جاء من الكوفة فكان ذلك أول اختلاف وقع بين أهل الكوفة والشام‏.‏

وغزا حذيفة ثلاث غزوات فقتل عثمان في الثالثة ولقيهم مقتل عثمان فقال حذيفة بن اليمان‏:‏ اللهم العن قتلته وشتامه‏!‏ اللهم إنا كنا نعاتبه

 ذكر وفاة أبي ذر

وفيها مات أبو ذر وكان قد قال لابنته‏:‏ استشرفي يا بنية هل ترين أحدًا قالت‏:‏ لا‏.‏

قال‏:‏ فما جاءت ساعتي بعد‏.‏

ثم أمرها فذبحت شاةً ثم طبختها ثم قال‏:‏ إذا جاءك الذين يدفنونني فإنه سيشهدني قوم صالحون فقولي لهم‏:‏ يقسم عليكم أبو ذر أن لا تركبوا حتى تأكلوا‏.‏

فلما نضجت قدرها قال لها‏:‏ انظري هل ترين أحدًا قالت‏:‏ نعم هؤلاء ركب‏.‏

قال‏:‏ استقبلي بي الكعبة ففعلت‏.‏

فقال‏:‏ بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ثم مات فخرجت ابنته فتلقتهم وقالت‏:‏ رحمكم الله اشهدوا أبا ذر‏.‏

قالوا‏:‏ وأين هو فأشارت إليه قالوا‏:‏ نعم ونعمة عين‏!‏ لقد أكرمنا الله بذلك‏.‏

وكان فيهم ابن مسعود فبكى وقال‏:‏ صدق رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏(‏يموت وحده ويبعث وحده‏)‏‏.‏

فغسلوه وكفنوه وصلوا عليه ودفنوه‏.‏

وقالت لهم ابنته‏:‏ إن أبا ذر يقرأ عليكم السلام وأقسم عليكم أن لا تركبوا حتى تأكلوا ففعلوا وحملوا أهله معهم حتى أقدموهم مكة ونعوه إلى عثمان فضم ابنته إلى عياله وقال‏:‏ يرحم الله أبا ذر ويغفر له نزوله الربذة‏.‏

ولما حضروا شموا من الخباء ريح مسك فسألوها عنه فقالت‏:‏ إنه لما حضر قال‏:‏ إن الميت

وكان النفر الذين شهدوه‏:‏ ابن مسعود وأبا مفرز وبكر بن عبد الله التميميين والأسود بن يزيد وعلقمة بن قيس ومالك الأشتر النخعيين والحلحال الضبي والحرث بن سويد التميمي وعمرو بن عتبة السلمي وابن ربيعة السلمي وأبا رافع المزني وسويد بن شعبة التميمي وزياد بن معاوية النخعي وأخا القرثع الضبي وأخا معضد الشيباني‏.‏

وقيل‏:‏ كان موته سنة إحدى وثلاثين‏.‏

وقيل‏:‏ إن ابن مسعود لم يحمل أهل أبي ذر معه إنما معه إنما تركهم حتى قدم على عثمان بمكة فأعلمه بموته فجعل عثمان طريقه عليهم فحملهم معه‏.‏

 ذكر خروج قارن

ثم جمع قارن جمعًا كثيرًا من ناحية الطبسين وأهل باذغيس وهراة وقوهستان وأقبل في أربعين ألفًا فقال قيس بن الهيثم لابن خازم‏:‏ ما ترى قال‏:‏ أرى أن تخلي البلاد فإني أميرها ومعي عهد من ابن عامر إذا كانت حرب بخراسان فأنا أميرها وأخرج كتابًا كان قد افتعله عمدًا فكره قيس منازعته وخلاه والبلاد وأقبل إلى ابن عامر فلامه ابن عامر وقال‏:‏ قد تركت البلاد خرابًا وأقبلت‏!‏ قال‏:‏ جاءني بعهد منك‏.‏

قال‏:‏ فسار ابن خازم إلى قارن في أربعة آلاف وأمرا لناس فحملوا الودك فلما قرب من قارن أمر الناس أن يدرج كل رجل منهم على زج رمحه خرقةً أو قطنًا ثم يكثروا دهنه ثم سار حتى أمسى فقد مقدمته ستمائة ثم اتبعهم وأمر الناس فأشعلوا النيران في أطراف الرماح فانتهت مقدمته إلى معسكر قارن نصف الليل فناوشوهم وهاج الناس على دهش وكانوا آمنين من البيات ودنا ابن خازم منهم فرأوا النيران يمنةً ويسرةً تتقدم وتتأخر وتنخفض وترتفع فهالهم ذلك ومقدمة ابن خازم يقاتلونهم ثم غشيهم ابن خازم بالمسلمين فقتل قارن فانهزم المشركون واتبعوهم يقتلوهم كيف شاؤوا وأصابوا سبيًا كثيرًا‏.‏

وكتب ابن خازم بالفتح إلى ابن عامر فرضي وأقره على خراسان فلبث عليها حتى انقضى أمر الجمل وأقبل إلى البصرة فشهد وقعة ابن الحضرمي وكان معه في دار سنبيل‏.‏

وقيل‏:‏ ما جمع قارن استشار قيس بن الهيثم عبد الله بن خازم فيما يصنع فقال‏:‏ أرى أنك لا تطيق كثرة من قد أتانا فاخرج بنفسك إلى ابن عامر فتخبره بكثرة العدو ونقيم نحن في الحصون ونطاولهم ويأتينا مددكم‏.‏

فخرج قيس فلما أمعن أظهر ابن خازم عهدًا وقال‏:‏ قد ولاني ابن عامر خراسان وسار إلى قارن فظفر به وكتب بالفتح إلى ابن عامر فأقره على خراسان ولم يزل أهل البصرة يغزون من لم يكن صالح من أهل خراسان فإذا عادوا تركوا أربعة آلاف نجدة‏.‏

وفي هذه السنة مات العباس عم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكان عمره يوم مات ثمانيًا وثمانين سنة كان أسن من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بثلاث سنين‏.‏

وفيها مات عبد الرحمن بن عوف وعمره خمس وسبعون سنة‏.‏

وعبد الله بن مسعود وصلى عليه عمار بن ياسر وقيل عثمان‏.‏

وتوفي عبد الله بن زيد بن عبد ربه الذي أري الأذان‏.‏

 ثم دخلت سنة ثلاث وثلاثين

في هذه السنة كانت غزوة معاوية حصن المرأة من أرض الروم بناحية ملطية‏.‏

وفيها كانت غزوة عبد الله بن سعد إفريقية الثانية حين نقض أهلها العهد وفيها كان مسير الأحنف إلى خراسان وفتح المروين ومسير ابن عامر إلى نيسابور وفتحها في قول بعضهم وقد تقدم ذكر ذلك وفيها كانت غزوة قبرس في قول بعضهم وقد تقدم ذكرها مستوفى وقيل إن فتحها كان سنة ثمان وعشرين فلما كان سنة اثنتين وثلاثين أعان أهلها الروم على الغزاة في البحر بمراكب أعطوهم إياها فغزاهم معاوية سنة ثلاث وثلاثين في خمس مئة مركب ففتحها عنوة فقتل وسبى ثم أقرهم على صلحهم وبعث إليهم اثني عشر ألفًا فبنوا المساجد وبنى مدينة‏.‏

وقيل‏:‏ كانت غزوته الثانية سنة خمس وثلاثين‏.‏

وفي هذه السنة سير عثمان نفرًا من أهل الكوفة إلى الشام‏.‏

وكان السبب في ذلك أن سعيد بن العاص لما ولاه عثمان الكوفة حين شهد على الوليد بشرب الخمر أمره أن يسير الوليد إليه فقدم سعيد الكوفة وسير الوليد وغسل المنبر فنهاه رجالٌ من بني أمية كانوا قد خرجوا معه عن ذلك فلم يجبهم واختار سعيد وجوه الناس وأهل القادسية وقراء أهل الكوفة فكان هؤلاء دخلته إذا خلا وأما إذا خرج فكل الناس يدخل عليه فدخلوا عليه يومًان فبينا هم يتحدثون قال حبيش بن فلان الأسدي‏:‏ ما أجود طلحة بن عبيد الله‏!‏ فقال سعيد‏:‏ إن من له مثل النشاستج لحقيق أن يكون جوادًا والله لو أن لي مثله لأعاشكم الله به عيشًا رغدًا‏.‏

فقال عبد الرحمن بن حبيش وهو حدث‏:‏ والله لوددت أن هذا الملطاط لك يعني لسعيد وهو ما كان للأكاسرة على جانب الفرات الذي يلي الكوفة‏.‏

قالوا‏:‏ فض الله فاك‏!‏ والله لقد هممنا بك‏!‏ فقال أبوه‏:‏ غلام فلا تجاوزه‏.‏

فقالوا‏:‏ يتمنى له سوادنا‏.‏

قال‏:‏ ويتمنى لكم أضعافه فثار به الأشتر وجندب وابن ذي الحنكة وصعصعة وابن الكواء وكميل وعمير بن ضابىء فأخذوه فثار أبوه ليمنع عنه فضربوهما حتى غشي عليهما وجعل سعيد يناشدهم ويأبون حتى قضوا منهما وطرًا‏.‏

فسمعت بذلك بنو أسد فجاؤوا وفيهم طليحة فأحاطوا بالقصر وركبت القبائل فعاذوا بسعيد فخرج سعيد إلى الناس فقال‏:‏ أيها الناس قوم تنازعوا وقد رزق الله العافية فردهم فتراجعوا‏.‏

وأفاق الرجلان فقالا‏:‏ قاتلنا غاشيتك‏.‏فقال‏:‏ لا يغشوني أبدًا فكفا ألسنتكما ولا تحزبا الناس‏.‏

ففعلا وقعد أولئك النفر في بيوتهم وأقبلوا يقعون في عثمان‏.‏

وقيل‏:‏ بل كان السبب في ذلك أنه كان يسمر عند سعيد بن العاص وجوه أهل الكوفة منهم‏:‏ مالك بن كعب الأرحبي والأسود بن يزيد وعلقمة بن قيس النخعيان ومالك الأشتر وغيرهم فقال سعيد‏:‏ إنما هذا السواد بستان قريش‏.‏

فقال الأشتر‏:‏ أتزعم أن السواد الذي أفاءه الله علينا بأسيافنا بستان لك ولقومك وتكلم القوم معه فقال عبد الرحمن الأسدي وكان على شرطة سعيد‏:‏ أتردون على الأمير مقالته وأغلظ لهم‏.‏

فقال الأشتر‏:‏ من ههنا لا يفوتنكم الرجل‏!‏ فوثبوا عليه فوطئوه وطًا شديدًا حتى غشي عليه ثم جر برجله فنضح بماء فأفاق فقال‏:‏ قتلني من انتخبت‏.‏

فقال‏:‏ والله لا يسمر عندي أحد أبدًا‏.‏

فجعلوا يجلسون في مجالسهم يشتمون عثمان وسعيدًا واجتمع إليهم الناس حتى كثروا فكتب سعيد وأشراف أهل الكوفة إلى عثمان في إخراجهم فكتب إليهم أن يلحقوهم بمعاوية وكتب إلى معاوية‏:‏ إن نفرًا قد خلقوا للفتنة فأقم عليهم وانههم فإن آنست منهم رشدًا فاقبل وإن أعيوك فارددهم علي‏.‏

فلما قدموا على معاوية أنزلهم كنيسة مريم وأجرى عليهم ما كان لهم بالعراق بأمر عثمان وكان يتغدى ويتعشى معهم فقال لهم يومًا‏:‏ ‏(‏إنكم قوم من العرب لكم أسنان وألسنة وقد أدركتم بالإسلام شرفًا وغلبتم الأمم وحويتم مواريثهم وقد بلغني أنكم نقمتم قريشًا ولو لم تكن قريش كنتم أذلة إن أئمتكم لكم جنة فلا تفترقوا عن جنتكم وإن أئمتكم يصبرون لكم على الجور ويحتملون منكم المؤونة والله لتنتهن أو ليبتلينكم الله بمن يسومكم السوء ولا يحمدكم على الصبر ثم تكونون شركاءهم فيما جررتم على الرعية في حياتكم وبعد وفاتكم‏)‏‏.‏

فقال رجل منهم وهو صعصعة‏:‏ ‏(‏أما ما ذكرت من قريشٍ فإنها لم تكن أكثر العرب ولا أمنعها في الجاهلية فتخوفنا وأما ما ذكرت من الجنة فإن الجنة إذا اخترقت خلص إلينا‏)‏‏.‏

فقال معاوية‏:‏ ‏(‏عرفتكم الآن وعلمت أن الذي أغراكم على هذا قلة العقول وأنت خطيبهم ولا أرى لك عقلًا أعظم عليك أمر الإسلام وأذكرك به وتذكرني بالجاهلية‏!‏ أخزى الله قومًا عظموا أمركم‏!‏ افقهوا عني ولا أظنكم تفقهون أن قريشًا لم تعز في جاهلية ولا إسلام إلا بالله تعالى لم تكن بأكثر العرب ولا أشدهم ولكنهم كانوا أكرمهم أحسابًا وأمحضهم أنسابًا وأكملهم مروءة ولم يمتنعوا في الجاهلية والناس يأكل بعضهم بعضًا إلا بالله فبوأهم حرمًا آمنًا يتخطف الناس من حولهم‏!‏ هل تعرفون عربيًا أو عجميًا أو أسود أو أحمر إلا وقد أصابه الدهر في بلده وحرمته إلا ما كان من قريش فإنهم لم يردهم أحدٌ من الناس بكيد إلا جعل الله خده الأسفل حتى أراد

الله أن يستنقذ من أكرم واتبع دينه من هوان الدنيا وسوء مرد الآخرة فارتضى لذلك خير خلقه ثم ارتضى له أصحابًا فكان خيارهم قريشًا ثم بنى هذا الملك عليهم وجعل هذه الخلافة فيهم فلا يصلح ذلك إلا عليهم فكان الله يحوطهم في الجاهلية وهم على كفرهم أفتراه لا يحوطهم وهم على دينه أف لك ولأصحابك‏!‏ أما أنت يا صعصعة فإن قريتك شر القرى‏!‏ أنتنها بيتًا وأعمقها واديًا وأعرفها بالشر وألأمها جيرانًا‏!‏ لم يسكنها شريف قط ولا وضيع إلا سب بها ثم كانوا ألأم العرب ألقابًا وأصهارًا نزاع الأمم وأنتم جيران الخط وفعلة فارس حتى أصابتكم دعوة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم تسكن البحرين فتشركهم في دعوة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأنت شر قومك حتى إذا أبرزك الإسلام وخلطك بالناس أقبلت تبغي دين الله عوجًا وتنزع إلى الذلة ولا يضر ذلك قريشًا ولا يضعهم ولن يمنعهم من تأدية ما عليهم إن الشيطان عنكم غير غافل قد عرفكم بالشر فأغرى بكم الناس وهو صارعكم ولا تدركون بالشر أمرًا أبدًا إلا فتح الله عليكم شرًا منه وأخزى‏)‏‏.‏

ثم قام وتركهم فتقاصرت إليهم أنفسهم فلما كان بعد ذلك أتاهم فقال‏:‏ ‏(‏إني قد أذنت لكم فاذهبوا حيث شئتم لا ينفع الله بكم أحدًا أبدًا ولا يضره ولا أنتم برجال منفعة ولا مضرة فإن أردتم النجاة فالزموا جماعتكم ولا يبطرنكم الإنعام فإن البطر لا يعتري الخيار اذهبوا حيث شئتم فسأكتب إلى أمير المؤمنين فيكم‏)‏‏.‏

فلما خرجوا دعاهم وقال لهم‏:‏ ‏(‏إني معيد عليكم أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان معصومًا فولاني وأدخلني في أمره ثم استخلف أبو بكر فولاني ثم استخلف عمر فولاني ثم استخلف عثمان فولاني ولم يولني أحدٌ إلا وهو عني راضٍ وإنما طلب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ للأعمال أهل الجزاء عن المسلمين والغناء و وإن الله ذو سطوات ونقمات يمكر بمن مكر به فلا تعرضوا لأمر وأنتم تعلمون من أنفسكم غير ما تظهرون فإن الله غير تارككم حتى يختبركم ويبدي للناس سرائركم‏)‏‏.‏

وكتب معاوية إلى عثمان‏:‏ ‏(‏إنه قدم علي أقوام ليست لهم عقول ولا أديان أثقلهم الإسلام و أضجرهم العدل لا يريدون الله بشيء ولا يتكلمون بحجة إنما همهم الفتنة وأموال أهل الذمة والله مبتليهم ومختبرهم ثم فاضحهم ومخزيهم وليسوا بالذين ينكون أحدًا إلا مع غيرهم فانه سعيدًا ومن عنده عنهم فإنهم ليسوا لأكثر من شغب ونكير‏)‏‏.‏

فخرجوا من دمشق فقالوا‏:‏ لا ترجعوا بنا إلى الكوفة فإنهم يشمتون بنا ولكن ميلوا إلى الجزيرة فسمع بهم عبد الرحمن بن خالد بن الوليد وكان على حمص فدعاهم فقال‏:‏ ‏(‏يا آلة الشيطان لا مرحبًا بكم ولا أهلًا قد رجع الشيطان محسورًا وأنتم بعد نشا خسر الله عبد الرحمن إن لم يؤدبكم يا معشر من لا أدري أعرب هم أم عجم لا تقولوا لي ما بلغني أنكم قلتم لمعاوية أنا ابن خالد بن الوليد أنا ابن من قد عجمته العاجمات أنا ابن فاقىء الردة‏!‏ والله لئن بلغني يا صعصعة أن أحدًا ممن معي دق أنفك ثم غمصك لأطيرن بك طيرة بعيدة المهوى‏)‏‏!‏ فأقامهم شهرًا كلما ركب أمشاهم فإذا مر به صعصعة قال‏:‏ يا ابن الحطيئة أعلمت أن من لم يصلحه الخير أصلحه الشر ما لك لا تقول كما بلغني أنك قلت لسعيد ومعاوية فيقولون‏:‏ نتوب إلى الله أقلنا أقالك الله‏.‏

فما زالوا به حتى قال‏:‏ تاب الله عليكم‏.‏

وسرح الأشتر إلى عثمان فقدم إليه ثانيًا فقال له عثمان‏:‏ احلل حيث شئت‏.‏

فقال‏:‏ مع عبد الرحمن بن خالد‏.‏

فقال‏:‏ ذلك إليك فرجع إليه‏.‏

قيل‏:‏ وقد روي أيضًا نحو ما تقدم وزادوا فيه أن معاوية لما عاد غليهم من القابلة وذكرهم كان مما قال لهم‏:‏ وإني والله لا آمركم بشيء إلا وقد بدأت فيه بنفسي وأهل بيتي وقد عرفت قريش أن أبا سفيان كان أكرمها وابن أكرمها غلا ما جعل الله لنبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ فإنه انتخبه وأكرمه وإني لأظن أن أبا سفيان لو ولد الناس لم يلد إلا حازمًا‏.‏

قال صعصعة‏:‏ قد كذبت‏!‏ قد ولدهم خير من أبي سفيان من خلقه الله بيده ونفخ فيه من روحه وأمر الملائكة فسجدوا له وكان فيهم البر والفاجر والأحمق والكيس‏.‏

فخرج تلك الليلة من عندهم ثم أتاهم القابلة فتحدث عندهم طويلًا ثم قال‏:‏ أيها القوم ردوا خيرًا أو اسكتوا وتفكروا وانظروا فيما ينفعكم وينفع أهاليكم والمسلمين فاطلبوه‏.‏

فقال صعصعة‏:‏ لست بأهل ذلك ولا كرامة لك أن تطاع في معصية الله‏.‏

فقال‏:‏ أليس أول من ابتدأتكم به أن أمرتكم بتقوى الله وطاعة نبيه وأن تعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا قالوا‏:‏ بل أمرت بالفرقة وخلاف ما جاء به النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال‏:‏ إني آمركم الآن إن كنت فعلت فأتوب إلى الله وآمركم بتقواه وطاعته وطاعة نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولزوم الجماعة وأن توقروا أئمتكم وتدلوهم على أحسن ما قدرتم عليه‏.‏

فقال صعصعة‏:‏ فإنا نأمرك أن تعتزل عملك فإن في المسلمين من هو أحق به منك من كان أبوه أحسن قدمًا في الإسلام من أبيك وهو أحسن في الإسلام قدمًا منك‏.‏

فقال‏:‏ والله إن لي في الإسلام قدمًا ولغيري كان أحسن قدمًا مني ولكنه ليس في زماني أحد أقوى على ما أنا فيه مني ولقد رأى ذلك عمر بن الخطاب فلو كان غيري أقوى مني لم تكن عند عمر هوادة لي ولا لغيري ولم أحدث من الحدث ما ينبغي لي أن أعتزل عملي ولو رأى ذلك أمير المؤمنين لكتب إلي فاعتزلت عمله فمهلًا فإن في ذلك وأشباهه ما يتمنى الشيطان ويأمر ولعمري لو كانت الأمور تقضى على رأيكم وأمانيكم ما استقامت لأهل الإسلام يومًا ولا ليلة فعاودوا الخير وقولوه وإن لله لسطوات وإني لخائف عليكم أن تتايعوا في مطاوعة الشيطان ومعصية الرحمن فيحلكم ذلك دار الهوان في العاجل والآجل‏.‏

فوثبوا عليه وأخذوا رأسه وليحته فقال‏:‏ مه إن هذه ليست بأرض الكوفة والله لو رأى أهل الشام ما صنعتم بي ما ملكت أن أنهاهم عنكم حتى يقتلوكم فلعمري إن صنيعكم ليشبه بعضه بعضًا‏!‏ ثم قام من عندهم وكتب إلى عثمان نحو الكتاب المتقدم فكتب إليه عثمان يأمره أن يردهم إلى سعيد بن العاص بالكوفة فردهم فأطلقوا ألسنتهم فضج سعيد منهم إلى عثمان فكتب إليه عثمان أن يسيرهم إلى عبد الرحمن بن خالد بحمص فسيرهم إليها فأنزلهم عبد الرحمن وأجرى عليهم رزقًا وكانوا‏:‏ الأشتر وثابت بن قيس الهمداني وكميل بن زياد وزيد بن صوحان وأخاه صعصعة وجندب بن زهير الغامدي وجندب بن كعب الأزدي وعروة بن الجعد وعمرو ابن الحمق الخزاعي وابن الكواء‏.‏

قيل‏:‏ سأل معاوية ابن الكواء عن نفسه قال‏:‏ أنت بعيد الثرى كثير المرعى طيب البديهة بعيد الغور الغالب عليك الحلم ركن من أركان الإسلام سدت بك فرجة مخوفة‏.‏

قال‏:‏ فأخبرني عن أهل الأحداث من الأمصار فإنك أعقل أصحابك‏.‏

قال‏:‏ أما أهل المدينة فهم أحرص الأمة على الشر وأعجزهم عنه وأما أهل الكوفة فإنهم يردون جميعًا ويصدرون شتى وأما أهل مصر فهم أولى الناس بشر وأسرعهم ندامة وأما أهل الشام فهم أطوع الناس لمرشدهم وأعصاهم لمغويهم‏.‏