فصل: يوم ذي علق

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكامل في التاريخ **


 يوم النسار النسار

أجبل متجاورة وعندها كانت الوقعة وهو موضع معروف عندهم‏.‏

وكان سبب ذلك اليوم أن بني تميم بن مر بن أد كانوا يأكلون عمومتهم ضبة بن أد وبني عبد مناة بن أد فأصابت ضبة رهطًا من تميم‏.‏

فطلبتهم تميم فانزاحت جماعة الرباب وهو تيم وعدي وثور أطحل وعكل بنو عبد مناة بن أد وضبة بن أد وإنما سموا الرباب لأنهم غمسوا أيديهم في الرب حين تحالفوا فلحقت ببني أسد وهم يومئذحلفاء لبني ذبيان بن بغيض‏.‏

فنادى صارخ بني ضبة‏:‏ يا آل خندف‏!‏ فأصرختهم بنو أسد وهو أول يوم تخندقت فيه ضبة واستمدوا حليفهم ظبيًا وغطفان فكان رئيس أسد يوم النسار عوف بن عبد الله بن عامر بن جذيمة بن نصر بن قعين وقيل‏:‏ خالد بن نضلة وكان رئيس الرباب الأسود بن المنذر أخو النعمان وليس بصحيح وكان على الجماعة كلهم حصن بن حذيفة بن بدر وفيه يقول زهير بن أبي سلمى‏:‏ ومن مثل حصن في الحروب ومثله لإنداد ضيمٍ أو لأمرٍ يحاوله إذا حلّ أحياء الأحاليف حوله بذي نجب لجّاته وصواهله فلما بلغ بني تميم ذلك استمدوا بني عامر بن صعصعة فأمدوهم‏.‏

وكان حاجب بن زرارة على بني تميم وكان عامر بن صعصعة جوابًا وهو لقب مالك بن كعب من بني أبي بكر بن كلاب لأن بني جعفر كان جواب قد أخرجهم إلى بني الحارث بن كعب فحالفوهم وقيل‏:‏ كان رئيس عامر شريح بن مالك القشيري‏.‏

وسار الجمعان فالتقوا بالنسار واقتتلوا فصبرت عامر واستحر بهم القتل وانفضت تميم فنجت ولم يصب منهم كثير وقتل شريح القشيري رأس بني عامر وقتل عبيد بن معاوية بن عبد الله بن كلاب وغيرهما وأخذ عدة من أشراف نساء بني عامر منهن سلمى بنت المخلف والعنقاء بنت همام وغيرهما فقالت سلمى تعير جوابًا والطفيل‏:‏ لحى الإله أبا ليلى بفرّته يوم النّسار وقنب العير جّوابا لم تمنعوا القوم إن أشلوا سوامكم ولا النساء وكان القوم أحرابا وقال رجل يعير جوابًا والطفيل بفراره عن امرأتيه‏:‏ وفرّ عن ضرّتيه وجه خارئةٍ ومالكٌ فرّ قنب العير جوّاب القنب‏:‏ غلاف الذّكر وجوّاب لقب لأنّه كان يجوب الآثار واسمه مالك وقال بشر بن أبي خازم في هزيمة حاجب‏:‏ وأفلت حاجب جوب العوالي على شقراء تلمع في السراب ولو أدركن رأس بني تميم عفرن الوجه منه بالتراب وكان يوم النساء بعد يوم جبلة وقتل لقيط بن زرارة‏.‏

جواب بفتح الجيم وتشديد الواو وآخره باء موحدة وخازم بالخاء المعجمة والزاي‏.‏

 

يوم الجفار

لما كان على رأس الحول من يوم النسار اجتمع من العرب من كان شهد النسار وكان رؤساؤهم بالجفار الرؤساء الذين كانوا يوم النسار إلا أن بني عامر قيل كان رئيسهم بالجفار عبد الله بن جعدة بن كعب بن ربيعة فالتقوا بالجفار واقتتلوا وصبرت تميم فعظم فيها القتل وخاصة في بني عمرو ابن تميم وكان يوم الجفار يسمى الصيلم لكثرة من قتل به وقال بشر ابن أبي خازم في عصبة تميم لبني عامر‏:‏ عصبت تميمٌ أن يقتل عامر يوم النسار فأعقبوا بالصّيلم كنّا إذا نفروا لحربٍ نفرةً نشفي صداعهم برأس صلدم نعلو الفوارس بالسيوف ونعتزي والخيل مشعلة النحور من الدم يخرجن من خلل الغبار عوابسًا خبب السباع بكلّ ليث ضيغم وهي عدة أبيات وقال أيضًا‏:‏ يوم الجفار ويوم النّسا ركانا عذابًا وكان غراما فأمّا تميمٌ تميم بن مرٍّ فألفاهم القوم روبى نياما وأمّا بنو عامر بالجفار ويوم النّسار فكانوا نعاما فلما أكثر بشر على بني تميم قيل له‏:‏ ما لك ولتميم وهم أقرب الناس منك أرحامًا فقال‏:‏ إذا فرغت منهم فرغت من الناس ولم يبق أحد‏.‏أما يوم الصفقة وسببه فإن باذان نائب كسرى أبرويز بن هرمز باليمن أرسل إليه حملًا من اليمن‏.‏

فلما بلغ الحمل إلى نطاع من أرض نجد أغارت تميم عليه وانتهبوه وسلبوا رسل كسرى وأساورته‏.‏

فقدموا على هوذة بن علي الحنفي صاحب اليمامة مسلوبين فأحسن إليهم وكساهم‏.‏

وقد كان قبل هذا إذا أرسل كسرى لطيمة تباع باليمن يجهز رسله ويخفرهم ويحسن جوارهم وكان كسرى يشتهي أن يراه ليجازيه على فعله‏.‏

فلما أحسن أخيرًا إلى هؤلاء الرسل الذين أخذتهم تميم قالوا له‏:‏ إن الملك لا يزال يذكرك ويؤثر أن تقدم عليه فسار معهم إليه‏.‏

فلما قدم عليه أكرمه وأحسن إليه وجعل يحادثه لينظر عقله فرأى ما سره فأمر له بمال كثير وتوجه بتاج من تيجانه وأقطعه أموالًا بهجر‏.‏

وكان هوذة نصرانيًا وأمره كسرى أن يغزوه هو والمكعبر مع عساكر كسرى بني تميم فساروا إلى هجر ونزلوا بالمشقر‏.‏

وخاف المكعبر وهوذة أن يدخلا بلاد تميم لأنها لا تحتملها العجم وأهلها بها ممتنعون فبعثا رجالًا من بني تميم يدعونهم إلى الميرة وكانت شديدة فأقبلوا على كل صعب وذلول فجعل المكعبر يدخلهم الحصن خمسة خمسة وعشرة عشرة وأقل وأكثر يدخلهم من باب على أنه يخرجهم من آخر فكل من دخل ضرب عنقه‏.‏

فلما طال ذلك عليهم ورأوا أن الناس يدخلون ولا يخرجون بعثوا رجالًا يستعلمون الخبر فشد رجل من عبس فضرب السلسلة فقطعها وخرج من كان بالباب‏.‏

فأمر المكعبر بغلق الباب وقتل كل من كان بالمدينة وكان يوم الفصح فاستوهب هوذة منه مائة رجل فكساهم وأطلقهم يوم الفصح‏.‏

فقال الأعشى من قصيدة يمدح هوذة‏:‏ بهم يقرّب يوم الفصح ضاحيةً يرجو الإله بما أسدى وما صنعا فصار يوم المشقر مثلًا وهو يوم الصفقة لإصفاق الباب وهو إغلاقه‏.‏

وكان يوم الصفقة وقد بعث النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو بمكة بعد لم يهاجر‏.‏

وأما يوم الكلاب الثاني فإن رجلًا من بني قيس بن ثعلبة قدم أرض نجران على بني الحارث بن كعب وهم أخواله فسألوه عن الناس خلفه فحدثهم أنه أصفق على بني تميم باب المشقر وقتلت المقاتلة وبقيت أموالهم وذراريهم في مساكنهم لا مانع لها‏.‏

فاجتمعت بنو الحارث من مذحج وأحلافها من نهد وجرم بن ربان فاجتمعوا في عسكر عظيم بلغوا ثمانية آلاف ولا يعلم في الجاهلية جيش أكثر منه ومن جيش كسرى بذي قار ومن يوم جبلة وساروا يريدون بني تميم فحذرهم كاهن كان مع بني الحارث واسمه سلمة بن المغفل وقال‏:‏ إنكم تسيرون أعيانًا وتغزون أحيانًا سعدًا وريانًا وتردون مياهها جيابًا فتلقون عليها ضرابًا وتكون غنيمتكم ترابًا فأطيعوا أمري ولا تغزوا تميمًا‏.‏

فعصوه وساروا إلى عروة فبلغ الخبر تميمًا فاجتمع ذوو الرأي منهم إلى أكثر بن صيفي وله يومئذ مائة وتسعون سنة فقالوا له‏:‏ يا أبا جيدة حقق هذا الأمر فإنا قد رضيناك رئيسًا‏.‏

فقال لهم‏:‏ وإنّ امرأ قد عاش تسعين حجّةً إلى مائة لم يسأل العيش جاهل مضت مائتان غير عشرٍ وفاؤها وذلك من عدّ اليالي قلائل ثم قال لهم‏:‏ لا حاجة لي في الرياسة ولكني أشير عليكم لينزل حنظلة ابن مالك بالدهناء ولينزل سعد بن زيد مناة والرباب وهم ضبة بن أد وثور وعكل وعدي بنو عبد مناة بن أد الكلاب فأي الطريقين أخذ القوم كفى أحدهما صاحبه ثم قال لهم‏:‏ احفظوا وصيتي لا تحضروا النساء الصفوف فإن نجاة اللئيم في نفسه ترك الحريم وأقلوا الخلاف على أمرائكم ودعوا كثرة الصياح في الحرب فإنه من الفشل والمرء يعجز لا محالة فإن أحمق الحمق الفجور وأكيس الكيس التقى كونوا جميعًا في الرأي فإن الجميع معزز للجميع وإياكم والخلاف فإنه لا جماعة لمن اختلف ولا تلبثوا ولا تسرعوا فإن أحزم الفريقين الركين ورب عجلة تهب ريثًا وإذا عز أخوك فهن البسوا جلود النمور وابرزوا للحرب وادرعوا الليل واتخذوه جملًا فإن الليل أخفى للويل والثبات أفضل من القوة وأهنأ الظفر كثرة الأسرى وخير الغنيمة المال ولا ترهبوا الموت عند الحرب فإن الموت من ورائكم وحب الحياة لدى الحرب زللٌ ومن خير أمرائكم النعمان بن مالك بن حارث بن جساس وهو من بني تميم ابن عبد مناة بن أد‏.‏

فقبلوا مشورته النعمان بن مالك بن حارث بن جساس وهو من بني تميم ابن عبد مناة بن أد‏.‏

فقبلوا مشورته ونزلت عمرو بن حنظلة الدهناء ونزلت سعد والرباب الكلاب وأقبلت مذحج ومن معها من قضاعة فقصدوا الكلاب وبلغ سعدًا والرباب الخبر‏.‏

فلما دنت مذحج نذرهم شميت ابن زنباع اليربوعي فركب جمله وقصد سعدًا ونادى‏:‏ يا آل تميم يا صباحاه‏!‏ فثار الناس وانتهت مذحج إلى النعم فانتهبها الناس وراجزهم يقول‏:‏ في كلّ عام نغمٌ ننتابه على الكلاب غيّبت أصحابه يسقط في آثاره غلاّبه فلحق قيس بن عاصم المنقري والنعمان بن جساس ومالك بن المنتفق في سرعان الناس فأجابه قيس يقول‏.‏

عمّا قليل تلتحق أربابه مثل النجوم حسّرًا سحابه ليمنعنّ النّعم اغتصابه سعدٌ وفرسان الوفى أربابه ثم حمل عليهم قيس وهو يقول‏:‏ في كلّ عام نعمٌ تحوونه يلقحه قومٌ وتنتجونه أنعم الأبناء تحسبونه هيهات هيهات لما ترجونه فاقتتل القوم قتالًا شديدًا يومهم أجمع‏.‏

فحمل يزيد بن شداد بن قنان الحارثي على النعمان بن مالك بن جساس فرماه بسهم فقتله وصارت الرياسة لقيس بن عاصم واقتتلوا حتى حجر بينهم الليل وباتوا يتحارسون‏.‏

فلما أصبحوا غدوا على القتال وركب قيس بن عاصم وركبت مذحج واقتتلوا أشد من القتال الأول فكان أول من انهزم من مذحج مدرج الرياح‏.‏

وهو عامر بن المجون بن عبد الله الجرمي وكان صاحب لوائهم فألقى اللواء وهرب فلحقه رجل من بني سعد فعقر به دابته فنزل يهرب ماشيًا ونادى قيس بن عاصم‏:‏ يا آل تميم عليكم الفرسان ودعوا الرجالة فإنها لكم وجعل يلتقط الأسرى وأسر عبد يغوث بن الحارث بن وقاص الحارثي رئيس مذحج فقتل بالنعمان بن مالك بن جساس وكان عبد يغوث شاعرًا فشدوا لسانه قبل قتله لئلا يهجوهم فأشار إليهم ليحلوا لسانه ولا يهجوهم فحلوه فقال شعرًا‏:‏ ألا لا تلوماني كفى اللوم ما بيا فما لكما في اللوم نفعٌ ولا ليا ألم تعلما أنّ الملامة نفعها قليلٌ وما لومي أخًا من شماليا فيا راكبًا إمّا عرضت فبلّغن نداماي من نجران ألاّ تلاقيا أقول وقد شدّوا لساني بنسعةٍ‏:‏ معاشر ثيم أطلقوا من لسانيا كأنّي لم أركب جوادًا ولم أقل لخيلي كرّي كرّةً من ورائيا ولم أسبإ الزقّ الرّويّ ولم أقل لأيسار صدقٍ عظّموا ضوء ناريا وقد علمت عرسي مليكة أنّني أنا الليث معدوًّا عليه وعاديا لحى الله قومًا بالكلاب شهدتهم صميمهم والتابعين المواليا ولو شئت نجّتني من القوم شطبةٌ ترى خلفها الكمت العتاق تواليا وكنت إذا ما الخيل شمّصها القنا لبيقًا بتصريف القناة بنانيا فيا عاص فكّ القيد عنّي فإنّني صبورٌ على مرّ الحوادث ناكيا فإن تقتلوني تقتلوا بي سيّدًا وإن تطلقوني تحربوني ماليا أبو كرب بشر بن علقمة بن الحارث والأيهمان الأسود بن علقمة بن الحارث والعاقب وهو عبد المسيح بن الأبيض وقيس بن معدي كرب فزعموا أن قيسًا قال‏:‏ لو جعلني أول القوم لافتديته بكل ما أملك‏.‏

ثم قتل ولم يقبل له فدية‏.‏

ربان بالراء والباء الموحدة‏.‏

وسبب ذلك أن أوس بن حارثة بن لأم الطائي كان سيدًا مطاعًا في قومه وجوادًا مقدامًا فوفد هو وحاتم الطائي على عمرو بن هند فدعا عمرو أوسًا فقال له‏:‏ أنت أفضل أم حاتم فقال‏:‏ أبيت اللعن‏!‏ إن حاتمًا أوحدها وأنا أحدها ولو ملكني حاتم وولدي ولحمتي لوهبنا في غداة واحدة‏.‏

ثم دعا عمرو حاتمًا فقال له‏:‏ أنت أفضل أم أوس فقال‏:‏ أبيت اللعن‏!‏ إنما ذكرت أوسًا ولأحد ولده أفضل مني‏.‏

فاستحسن ذلك منهما وحباهما وأكرمهما‏.‏

ثم إن وفود العرب من كل حي اجتمعت عند النعمان بن المنذر وفيهم أوس فدعا بحلة من حلل الملوك وقال للوفود‏:‏ احضروا في غد فإني ملبس هذه الحلة أكرمكم‏.‏

فلما كان الغد حضر القوم جميعًا إلا أوسًا فقيل له‏:‏ لم تتخلف فقال‏:‏ إن كان المراد غيري فأجمل الأشياء بي ألا أكون حاضرًا وإن كنت المراد فسأطلب‏.‏

فلما جلس النعمان ولم ير أوسًا قال‏:‏ اذهبوا إلى أوس فقولوا له‏:‏ احضر آمنًا مما خفت‏.‏

فحضر فألبس الحلة فحسده قوم من أهله فقالوا للحطيئة‏:‏ اهجه ولك ثلاثمائة ناقة‏.‏

فقال‏:‏ كيف أهجو رجلًا لا أرى في بيتي أثاثًا ولا مالًا إلا منه ثم قال‏:‏ كيف الهجاء وما تنفكّ صالحةٌ من أهل لأم بظهر الغيب تأتيني فقال لهم بشر بن أبي خازم‏:‏ أنا اهجوه لكم فأعطوه النوق وهجاه فأفحش في هجائه وذكر أمه سعدى‏.‏

فلما عرف أوس ذلك أغار على النوق فاكتسحها وطلبه فهرب منه والتجأ إلى بني أسد عشيرته فمنعوه منه ورأوه تسليمه إليه عارًا‏.‏

فجمع أوسجديلة طيء وسار بهم إلى أسد فالتقوا بظهر الدهناء تلقاء تيماء فاقتتلوا قتالًا شديدًا فانهزمت بنو أسد وقتلوا قتلًا ذريعًا وهرب بشر فجعل لا يأتي حيًا يطلب جوارهم إلا امتنع من إجارته على أوس‏.‏

ثم نزل على جندب بن حصن الكلابي بأعلى الصمان فأرسل إليه أوس يطلب منه بشرًا فأرسله إليه‏.‏

فلما قدم به على أوس أشار عليه قومه بقتله فدخل على أمه سعدى فاستشارها فأشارت أن يرد عليه ماله ويعفو عنه ويحبوه فإنه لا يغسل هجاءه إلا مدحه‏.‏

فقبل ما أشارت به وخرج إليه وقال‏:‏ يا بشر ما ترى أني أصنع بك فقال‏:‏ إنّي لأرجو منك يا أوس نعمةً وإنّي لأخرى منك يا أوس راهب وإنّي لأمحو بالذي أنا صادق به كلّ ما قد قلت إذ أنا كاذب فهل ينفعنّي اليوم عندك أنّني سأشكر إن أنعمت والشكر واجب فدىً لابن سعدى اليوم كلّ عشيرتي بني أسد أقصاهم والأقارب تداركني أوس بن سعدى بنعمة وقد أمكنته من يديّ العواقب فمن عليه أوس وحمله على فرس جواد ورد عليه ما كان أخذ منه وأعطاه من ماله مائةً من الإبل فقال بشر‏:‏ لا جرم لا مدحت أحدًا حتى أموت غيرك ومدحه بقصيدته المشهورة التي أتعرف من هنيدة رسم دارٍ بحرجي ذروةٍ فإلى لواها ومنها منزل ببراق خبتٍ عفت حقبًا وغيّرها بلاها وهي طويلة‏.‏

يوم الوقيط وكان من حديثه أن اللهازم تجمعت وهي قيس وتيم اللات ابنا ثعلبة ابن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل ومعها عجل بن لجيم وعنزة ابن أسد بن ربيعة بن نزار لتغير على بني تميم وهم غارون‏.‏

فرأى ذلك الأعور وهو ناشب بن بشامة العنبري وكان أسيرًا في قيس بن ثعلبة فقال لهم‏:‏ أعطوني رجلًا أرسله إلى أهلي أوصيهم ببعض حاجتي‏.‏

فقالوا له‏:‏ ترسله ونحن حضور قال‏:‏ نعم‏.‏

فأتوه بغلام مولد فقال‏:‏ أتيتموني بأحمق‏!‏ فقال الغلام‏:‏ والله ما أنا بأحمق ‏!‏ فقال‏:‏ إني أراك مجنونًا‏!‏ قال‏:‏ والله ما بي جنون‏!‏ قال‏:‏ أتعقل قال‏:‏ نعم إني لعاقل‏.‏

قال‏:‏ فالنيران أكثر أم الكواكب قال‏:‏ الكواكب وكلٌّ كثيرة فملأ كفه رملًا وقال‏:‏ كم في كفي قال‏:‏ لا أدري فإنه لكثير‏.‏

فأومأ إلى الشمس بيده وقال‏:‏ ما تلك قال‏:‏ الشمس‏.‏

قال‏:‏ ما أراك إلا عاقلًا اذهب إلى قومي فأبلغهم السلام وقل لهم ليحسنوا إلى أسيرهم فإني عند قوم يحسنون إلي ويكرموني وقل لهم فليعروا جملي الأحمر ويركبوا ناقتي العيسار بآية ما أكلنا منهم حيسًا وليرعوا حاجتي في بني مالك وأخبرهم أن العوسج قد أورق وأن النساء قد اشتكت وليعصوا همام بن بشامة فإنه مشؤوم مجدودٌ وليطيعوا هذيل بن الأخنس فإنه حازم ميمون واسألوا الحارث عن خبري‏.‏

وسار الرسول فأتى قومه فأبلغهم فلم يدروا ما أراد فأحضروا الحارث وقصوا عليه خبر الرسول‏.‏

فقال للرسول‏.‏

اقصص علي أول قصتك‏.‏

فقص عليه أول ما كلمه حتى أتى على آخره‏.‏

فقال‏:‏ أبلغه التحية والسلام وأخبره أنا نستوصي به‏.‏

فعاد الرسول ثم قال لبني العنبر‏:‏ إن صاحبكم قد بين لكم أما الرمل الذي جعل في كفه فإنه يخبركم أنه قد أتاكم عددٌ لا يحصى وأما الشمس التي أومأ إليها فإنه يقول ذلك أوضح من الشمس وأما جمله الأحمر فالصمان فإنه يأمركم أن تعروه يعني ترتحلوا عنه وأما ناقته العيساء فإنه يأمركم أن تحترزوا في الدهناء وأما بنو مالك فإنه يأمركم أن تنذروهم معكم وأما إيراق العوسج فإن القوم قد لبسوا السلاح وأما اشتكاء النساء فإنه يريد أن النساء قد خرزن الشكاء وهي أسقية الماء للغزو‏.‏

فحذر بنو العنبر وركبوا الدهناء وأنذروا بني مالك فلم يقبلوا منهم‏.‏

ثم إن اللهازم وعجلًا وعنزة أتوا بني حنظلة فوجدوا عمرًا قد أجلت فأوقعوا ببني دارم بالوقيط فاقتتلوا قتالًا شديدًا وعظمت الحرب بينهم فأسرت ربيعة جماعةً من رؤساء بني تميم منهم ضرار بن القعقاع بن معبد بن زرارة فجزوا ناصيته وأطلقوه وأسروا عثجل بن المأمون بن زرارة وجويرة بن بدر بن عبد الله بن دارم ولم يزل في الوثاق حتى رآهم يومًا يشربون فأنشأ يتغنى يسمعهم ما يقول‏:‏ وقائلةٍ ما غاله أن يزورنا وقد كنت عن تلك الزيارة في شغل وقد أدركتني والحوادث جمّةٌ مخالب قومٍ لا ضعافٍ ولا عزل سراعٍ إلى الجّلى بطاءٍ عن الخنا رزانٍ لدى الباذين في غير ما جهل لعلّهم أن يمطروني بنعمةٍ كما صاب ماء المزن في البلد المحل فقد ينعش الله الفتى بعد ذلّةٍ وقد تبتني الحسنى سراة بني عجل فلما سمعوا الأبيات أطلقوه‏.‏

وأسر أيضًا نعيم وعوف ابنا القعقاع بن معبد بن زرارة وغيرهما من سادات بني تميم وقتل حكيم بن جذيمة بن الأصيلع النهشلي ولم يشهدها من نهشل غيره‏.‏

وعادت بكر فمرت بطريقها بعد الوقعة بثلاثة نفر من بني العنبر لم يكونوا ارتحلوا مع قومهم فلما رأوهم طردوا إبلهم فأحرزوها من بكر‏.‏

وأكثر الشعراء في هذا اليوم فمن ذلك قول أبي مهوش الفقعسي يعير تميمًا بيوم الوقيط‏:‏ ولا قضبت عوفٌ رجال مجاشعٍ ولا قشر الأستاه غير البراجم وقال أبو الطفيل عمرو بن خالد بن محمود بن عمرو بن مرثد‏:‏ حكّت تميمٌ بركها لّما التقت راياتنا ككواسر العقبان دهموا الوقيط بجحفلٍ جمّ الوغى ورماحها كنوازع الأشطان يوم المروت وهو يوم بين تميم وعامر بن صعصعة‏.‏

وكان سببه أنه التقى قعنب بن عتاب الرياحي وبحير بن عبد الله بن سلمة العامري بعكاظ فقال بحير لقعنب‏:‏ ما فعلت فرسك البيضاء قال‏:‏ هي عندي وماسؤالك عنها قال‏:‏ لأنها نجتك مني يوم كذا وكذا فأنكر قعنب ذلك وتلاعنا وتداعيا أن يجعل الله ميتة الكاذب بيد الصادق فمكثا ما شاء الله‏.‏

وجمع بحير بني عامر وسار بهم فأغار على بني العنبر بن عمرو بن تميم بإرم الكلبة وهم خلوفٌ فاستاق السبي والنعم ولم يلق قتالًا شديدًا وأتى الصريخ بني العنبر بن عمرو بن تميم وبني مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم وبني يربوع بن حنظلة فركبوا في الطلب فتقدمت عمرو ابن تميم‏.‏

فلما انتهى بحير إلى المروت قال‏:‏ يا بني عامر انظروا هل ترون شيئًا قالوا‏:‏ نرى خيلًا عارضةً رماحها على كواهل خيلها‏.‏

قال‏:‏ هذه عمرو بن تميم وليست بشيء فلحق بهم بنو عمرو فقاتلوهم شيئًا من قتال ثم صدروا عنهم ومضى بحير ثم قال‏:‏ يا بني عامر انظروا هل ترون شيئًا قالوا‏:‏ نرى خيلًا ناصبةً رماحها‏.‏

قال‏:‏ هذه مالك بن حنظلة وليست بشيء فلحقوا فقاتلوا شيئًا من قتال ثم صدروا عنهم ومضى بحير وقال‏:‏ يا بني عامر انظروا هل ترون شيئًا قالوا‏:‏ نرى خيلًا ليست معها رماح وكأنما عليها الصبيان‏.‏

قال‏:‏ هذه يربوع رماحها بين آذان خيلها إياكم والموت الزؤام فاصبروا ولا أرى أن تنجوا‏.‏

فكان أول من لحق من بني يربوع الواقعة وهو نعيم بن عتاب وكان يسمى الواقعة لبليته فحمل على المثلم القشيري فأسره وحملت قشير على دوكس بن واقد بن حوط فقتلوه وأسر نعيم المصفى القشيري فقتله وحمل كدام بن بجيلة المازني على بحير فعانقه ولم يكن لقعنب همة إلا بحير فنظر إليه وإلى كدام قد تانقا فأقبل نحوهما فقال كدام‏:‏ يا قعنب أسيري‏.‏

فقال قعنب‏:‏ ماز رأسك والسيف يريد‏:‏ يا مازني‏.‏

فخلى عنه كدام وشد عليه قعنب فضربه فقتله وحمل قعنب أيضًا على صهبان وأم صهبان مازنية فأسره فقالت بنو مازن‏:‏ يا قعنب قتلت أسيرنا فأعطنا ابن أخينا مكانه فدفع إليهم صهبان في بحير فرضوا بذلك واستنقذت بنو يربوع أموال بني العنبر وسبيهم من بني عامر وعادوا‏.‏يوم فيف الريح وهو بين عامر بن صعصعة والحارث بن كعب وكان خبره أن بني عامر كانت تطلب بني الحارث بن كعب بأوتارٍ كثيرة فجمع لهم الحصين ابن يزيد بن شداد بن قنان الحارثي وهو ذو الغصة واستعان بجعفي وزبيد وقبائل سعد العشيرة ومراد وصداء ونهد وخثعم وشهران وناهس وأكلب ثم أقبلوا يريدون بني عامر وهم منتجعون مكانًا يقال له فيف الريح ومع مذحج النساء والذراري حتى لا يفروا‏.‏

فاجتمعت بنو عامر فقال لهم عامر بن الطفيل‏:‏ أغيروا بنا على القوم فإني أرجو أن نأخذ غنائمهم ونسبي نساءهم ولا تدعوهم يدخلون عليكم‏.‏

فأجابوه إلى ذلك وساروا إليهم‏.‏

فلما دنوا من بني الحارث ومذحج ومن معهم أخبرتهم عيونهم وعادت إليهم مشايخهم فحذروا فالتقوا فاقتتلوا قتالًا شديدًا ثلاثة أيام يغادونهم القتال بفيف الريح فالتقى الصميل بن الأعور الكلابي وعمرو بن صبيح النهدي فطعنه عمرو فاعتنق الصميل فرسه وعاد فلقيه رجل من خثعم فقتله وأخذ درعه وفرسه‏.‏

وشهدت بنو نمير يومئذ مع عامر بن الطفيل فأبلوا بلاء حسنًا وسموا ذلك اليوم حريجة الطعان لأنهم اجتمعوا برماحهم فصاروا بمنزلة الحرجة وهي شجر مجتمع‏.‏وسبب اجتماعهم أن بني عامر جالوا جولة إلى موضع يقال له العرقوب والتفت عامر بن الطفيل فسأل عن بني نمير فوجدهم قد تخلفوا في المعركة فرجع وهو يصيح‏:‏ يا صباحاه‏!‏ يا نميراه‏!‏ ولا نمير لي بعد اليوم‏!‏ حتى اقتحم فرسه وسط القوم فقويت نفوسهم وعادت بنو عامر وقد طعن عامر بن الطفيل ما بين ثغرة نحره إلى سرته عشرين طعنةً‏.‏

وكان عامر في ذلك اليوم يتعهد الناس فيقول‏:‏ يا فلان ما رأيتك فعلت شيئًا فمن أبلى فليرني سيفه أو رمحه ومن لم يبل شيئًا تقدم فأبلى فكان كل من أبلى بلاءي حسنًا أتاه فأراه الدم على سنان رمحه أو سيفه فأتاه رجل من الحارثيين اسمه مسهر‏.‏

فقال له‏:‏ يا أبا علي أنظر ما صنعت بالقوم‏!‏ انظر إلى رمحي‏!‏ فلما أقبل عليه عامر لينظر وجأه بالرمح في وجنته ففلقها وفقأ عينه وترك رمحه وعاد إلى قومه‏.‏

وإنما دعاه إلى ذلك ما رآه يفعل بقومه فقال‏:‏ هذا والله مبير قومي‏!‏ فقال عامر بن الطفيل‏:‏ أتونا بشهران العريضة كلّها وأكلب طرًّا في جياد السّنّور لعمري وما عمري عليّ بهينّ لقد شان حرّ الوجه طعنة مسهر فبئس الفتى أن كنت أعور عاقرًا جبانًا وما أغنى لدى كل حضر وأسرت بنو عامر يومئذ سيد مراد جريحًا فلما برأ من جراحته أطلق‏.‏وممن أبلى يومئذ أربد بن قيس بن حر بن خالد بن جعفر وعبيد بن شريح بن الأحوص بن جعفر وقال لبيد بن ربيعة ويقال إنها لعامر ابن الطفيل‏:‏ أتونا بشهران العريضة كلّها وأكلبها في مثل بكر بن وائل فبتنا ومن ينزل به مثل ضيفنا يبت عن قرى أضيافه غير غافل أعاذل لو كان البداد لقوبلوا ولكن أتانا كلّ جنٍّ وخابل وخثعم حيّ يعدلون بمذحج فهل نحن إلاّ مثل إحدى القبائل وأسرع القتل في الفريقين جميعًا ثم إنهم افترقوا ولم يشتغل بعضهم عن بعض بغنيمة وكان الصبر فيها والشرف لبني عامر‏.‏

 يوم اليحاميم

ويعرف أيضًا بقارات حوق وهو بين قبائل طيء بعضها في بعض‏.‏

وكان سبب ذلك أن الحارث بن جبلة الغساني كان قد أصلح بين طيء‏.‏

فلما هلك عادت إلى حربها فالتقت جديلة والغوث بموضع يقال له غرثان فقتل قائد بني جديلة وهو أسبع بن عمرو بن لأم عم أوس ابن خالد بن حارثة بن لأم وأخذ رجل من سنبس يقال له مصعب أذنيه فخصف بهما نعليه وفي ذلك يقول أبو سروة السنبسي‏:‏ وتناقل الحيان في ذلك أشعارًا كثيرة وعظم ما صمعت الغوث على أوس ابن خالد بن لأم وعزم على لقاء الحرب بنفسه وكان لم يشهد الحروب المتقدمة هو ولا أحد من رؤساء طيء كحاتم بن عبد الله وزيد الخيل وغيرهم من الرؤساء فلما تجهز أوسى للحرب وأخذ في جمع جديلة ولفها قال أبو جابر‏:‏ أقيموا علينا القصد يا آل طيّء وإلاّ فإنّ العلم عند التحاسب فمن مثلنا يومًا إذا الحرب شمّرت ومن مثلنا يومًا إذا لم نحاسب فإن تقطعيني أو تريدي مساءتي فقد قطع الخوف المخوف ركائبي وبلغ الغوث جمع أوس لها وأوقدت النار على مناع وهي ذروة أجأ وذلك أول يوم توقد عليه النار‏.‏

فأقبلت قبائل الغوث كل قبيلة وعليها رئيسها منهم زيد الخيل وحاتم وأقبلت جديلة مجتمعة على أوس بن حارثة بن لأم وحلف أوس أن لا يرجع عن طيء حتى ينزل معها جبليها أجأ وسلمى وتجبي له أهلها وتزاحفوا والتقوا بقارات حوق على راياتهم فاقتتلوا قتالًا شديدًا ودارت الحرب على بني كباد بن جندب فأبيروا‏.‏

قال عدي بن حاتم‏:‏ إني لواقفٌ يوم اليحاميم والناس يقتتلون إذ نظرت إلى زيد الخيل قد حضر ابنيه مكنفًا وحريثًا في شعب لا منفذ له وهو يقول‏:‏ أي ابني أبقيا على قومكما فإن اليوم يوم التفاني فإن يكن هؤلاء أعمامًا فهؤلاء أخوال‏.‏فقلت‏:‏ كأنك قد كرهت قتال أخوالك‏!‏ قال‏:‏ فاحمرت عيناه غضبًا وتطاول إلي حتى نظرت إلى ما تحته من سرجه فخفته فضربت فرسي وتنحيت عنه‏.‏

واشتغل بنظره إلي عن ابنيه فخرجا كالصقرين وحمل قيس بن عازب على بحير بن زيد الخيل بن حارثة بن لأم فضربه على رأسه ضربة عنق لها بحير فرسه وولى فانهزمت جديلة عند ذلك وقتل فيها قتلٌ ذريعٌ فقال زيد الخيل‏:‏ تجيء بني لأم جيادٌ كأنّها عصائب طير يوم طلٍّ وحاصب فإن تنج منها لا يزل بك شامة أناء حيًا بين الشّجا والترائب وفرّ ابن لأم واتّقانا بظهره يردّعه بالرمح قيس بن عازب وجاءت بنو معنٍ كأنّ سيوفهم مصابيح من سقف فليس بآيب وما فرّ حتّى أسلم ابن حمارسٍ لوقعة مصقول من البيض قاضب فلم تبق لجديلة بقية للحرب بعد يوم اليحاميم فدخلوا بلاد كلب حالفوهم وأقاموا معهم‏.‏

 

يوم ذي طلوح

وهو يوم الصمد ويوم أودٍ أيضًا وهو بين بكر وتميم وكان من حديثه أن عميرة بن طارق بن أرثم اليربوعي التميمي تزوج مرية بنت جابر العجلي أخت أبجر وسار غل عجل ليبتني بأهله‏.‏

وكان له في بني تميم امرأة أخرى تعرف بابنة النطف من بني تميم فأتى أبجر أخته يزورها وزوجها عندها‏.‏

فقال لها أبجر‏:‏ إني لأرجو أن آتيك بابنة النطف امرأة عميرة‏.‏

فقال له‏:‏ ما أراك تبقي علي حتى تسلبني أهلي‏.‏

فندم أبجر وقال له‏:‏ ما كنت لأغزو قومك ولكنني مستأسر في هذا الحي من تميم وجمع أبجر والحوفزان بن شريك الشيباني الحوفزان على شيبان وأبجر على اللهازم ووكلا بعميرة من يحرسه لئلا يأتي قومه فينذرهم‏.‏

فسار الجيش فاحتال عميرة على الموكل بحفظه وهرب منه وجد السير إلى أن وصل إلى بني يربوع فقال لهم‏:‏ قد غزاكم الجيش من بكر بن وائل فأعلموا بني ثعلبة بطنًا منهم فأرسلوا طليعة منهم فبقوا ثلاثة أيام ووصلت بكر فركبت يربوع والتقوا بذي طلوح‏.‏

فركب عميرة ولقي أبجر فعرفه نفسه والتقى القوم واقتتلوا فكان الظفر ليربوع‏.‏

وانهزمت بكر وأسر الحوفزان وابنه شريك وابن عنمة الشاعر وكان مع بني شيبان فافتكه متمم بن نويرة وأسر أكثر الجيش البكري وقال ابن عنمة يشكر متممًا‏:‏ جزي الله ربّ الناس عنّي متممًّا بخير الجزاء ما أعفّ وأجودا أجيرت به أبناؤنا ودماؤنا وشارك في إطلاقنا وتفرّدا أبا نهشل إنّي غير كافرٍ ولا جاعلٍ من دونك المال سرمدا قال أبو عبيدة‏:‏ غزا عمرو بن عمرو بن عدس التميمي بني عبس فأخذ إبلهم واستاق سبيهم وعاد حتى إذا كان أسفل ثنية أقرن نزل وابتنى بجارية من السبي ولحقه الطلب فاقتتلوا قتالًا شديدًا فقتل أنس الفوارس ابن زياد العبسي عمرًا وابنه حنظلة واستردوا الغنيمة والسبي فنعى جريرٌ على بني دارم ذلك فقال‏:‏ أتنسون عمرًا يويم برقة أقرن وحنظلة المقتول إذ هو يافعا وكان عمرو أسلع أبرص وكان هو ومن معه قد أخطأوا ثنية الطريق في عودهم وسلكوا غير الطريق فسقطوا من الجبل الذي سلكوه فلقوا شدة ففي ذلك يقول عنترة‏:‏ كأنّ السرايا يوم نيقٍ وصارةٍ عصائب طيرٍ ينتحين لمشرب شفى النفس منّي أو دنا لشفائها تهوّرهم من حالقٍ متصوّب وقد كنت أخشى أن أموت ولم تقم مراتب عمروٍ وسط نوحٍ مسلّب وكانت أم سماعة بن عمرو بن عمرو من عبس فزاره خاله فقتله بأبيه فقال في ذلك مسكين الدارمي‏:‏ وقاتل خاله بأبيه منّا سماعة لم يبع نسبًا بخال قال أبو عبيدة‏:‏ كان بنو عامر بن صعصعة حمسًا والحمس قريش ومن له فيهم ولادة والحمس متشددون في دينهم وكانت عامر أيضًا لقاحًا لا يدينون للملوك‏.‏

فلما ملك النعمان بن المنذر ملكه كسرى أبرويز وكان يجهز كل عام لطيمة وهي التجارة لتباع بعكاظ فعرضت بنو عامر لبعض ما جهزه فأخذوه‏.‏

فغضب لذلك النعمان وبعث إلى أخيه لأمه وهو وبرة بن رومانس الكلبي وبعث إلى صنائعه ووضائعه والصنائع من كان يصطنعه من العرب ليغزيه والوضائع هم الذين كانوا شبه المشايخ وأرسل إلى بني ضبة بن أد وغيرهم من الرباب وتميم فجمعهم فأجابوه فأتاه ضرار بن عمرو الضبي في تسعة من بنيه كلهم فوارس ومعه حبيش ابن دلف وكان فارسًا شجاعًا فاجتمعوا في جيش عظيم فجهز النعمان معهم عيرًا وأمرهم بتسييرها وقال لهم‏:‏ إذا فرغتم من عكاظ وانسلخت الحرم ورجع كل قوم إلى بلادهم فاقصدوا بني عامر فإنهم قريب بنواحي السلان‏.‏

فخرجوا وكتموا أمرهم وقالوا‏:‏ خرجنا لئلا يعرض أحد للطيمة الملك‏.‏

فلما فرغ الناس من عكاظ علمت قريش بحالهم فأرسل عبد الله بن جدعان قاصدًا إلى بني عامر يعلمهم الخبر فسار إليهم وأخبرهم خبرهم فحذروا وتهيأوا للحرب وتحرزوا ووضعوا العيون وعاد بنو عامر عليهم عامر ابن مالك ملاعب الأسنة وأقبل الجيش فالتقوا بالسلان فاقتتلوا قتالًا شديدًا‏.‏

فبينا هم يقتتلون إذ نظر يزيد بن عمرو بن خويلد الصعق إلى وبرة بن رومانس أخي النعمان فأعجبه هيئته فحمل عليه فأسره‏.‏

فلما صار في أيديهم هم الجيش بالهزيمة فنهاهم ضرار بن عمرو الضبي وقام بأمر الناس فأسره‏.‏

فلما صار في أيديهم هم الجيش بالهزيمة فنهاهم ضرار بن عمرو الضبي وقام بأمر الناس فقاتل هو وبنوه قتالًا شديدًا‏.‏

فلما رآه أبو براء عامر بن مالك وما يصنع ببني عامر هو وبنوه حمل عليه وكان أبو براء رجلًا شديد الساعد‏.‏

فلما حمل على ضرار اقتتلا فسقط ضرار إلى الأرض وقاتل عليه بنوه حتى خلصوه وركب وكان شيخًا فلما ركب قال‏:‏ من سره ساءته نفسه فذهبت مثلًا‏.‏

يعني من سره بنوه إذا صاروا رجالًا كبر وضعف فساءه ذلك‏.‏

وجعل أبو براء يلح على ضرار طمعًا في فدائه وجعل بنوه يحمونه‏.‏

فلما رأى ذلك أبو براء قال له‏:‏ لتموتن أو لأموتن دونك فأحلني على رجل له فداء‏.‏

فأومأ ضرار إلى حبيش بن دلف وكان سيدًا فحمل عليه أبو براء فأسره وكان حبيش أسود نحيفًا دميمًا فلما رآه كذلك ظنه عبدًا وأن ضرارًا خدعه فقال‏:‏ أنا لله أعزز سائر القوم ألا في الشؤم وقعت‏!‏ فلما سمعها حبيش منه خاف أن يقتله فقال‏:‏ أيها الرجل إن كنت تريد اللبن يعني الإبل فقد أصبته‏.‏

فافتدى نفسه بأربعمائة بعير وهزم جيش النعمان‏.‏

فلما رجع الفل إليه أخبروه بأسر أخيه وبقيام ضرار ب أمر الناس وما جرى له مع أبي براء واقتدى وبرة بن رومانس نفسه بألف بعير وفرس من يزيد بن الصعق فاستغنى يزيد وكان قبله خفيف الحال وقال لبيد يذكر أيام قومه‏:‏ إنّي امرؤ منعت أرومة عامر ضيمي وقد حنقت عليّ خصوم يقول فيها‏:‏ وغداة قاع القريتين أتاهم رهوًا يلوح خلالها التسويم بكتائبٍ رجحٍ تعوّد كبشها نطع الكباش كأنّهنّ نجوم قوله‏:‏ قاع القريتين يعني يوم السلان‏.‏

حبيش بن دلف بضم الحاء المهملة وبالباء الموحدة وبالياء المثناة من تحتها نقطتان وآخره شين معجمة‏.‏

 

يوم ذي علق

وهو يوم التقى فيه بنو عامر بن صعصعة وبنو أسد بذي علق فاقتتلوا قتالًا عظيمًا‏.‏

قتل في المعركة ربيعة بن مالك بن جعفر بن كلاب العمري أبو لبيد الشاعر وانهزمت عامر فتبعهم خالد بن نضلة الأسدي وابنه حبيب والحارث ابن خالد بن المضلل وأمعنوا في الطلب فلم يشعروا إلا وقد خرج عليهم أبو براء عامر بن مالك من وراء ظهورهم في نفر من أصحابه فقال لخالد‏:‏ يا أبا معقل إن شئت أجزتنا وأجزناك حتى نحمل جرحانا وندفن قتلانا‏.‏

قال‏:‏ قد فعلت‏.‏

فتواقفوا‏.‏

فقال له أبو براء‏:‏ عل علمت ما فعل ربيعة قال‏:‏ نعم تركته قتيلًا‏.‏

قال‏:‏ ومن قتله قال‏:‏ ضربته أنا وأجهز عليه صامت بن الأفقم‏.‏

فلما سمع أبو براء بقتل ربيعة حمل على خالد هو ومن معه فمانعهم خالد وصاحباه وأخذوا سلاح حبيب بن خالد ولحقهم بنو أسد فمنعوا أصحابهم وحموهم فقال الجميح‏:‏ سائل معدًّا عن الفوارس لا أوفوا بجيرانهم ولا سلموا يسعى بهم قرزلٌ ويستمع ال ناس إليهم وتخفق اللّمم ركضًا وقد غادروا ربيعة في الأثآر لّما تقارب النّسم في صدره صعدةٌ ويخلجه بالرمح حرّان باسلًا أضم قرزل فرس الطفيل والد عامر بن الطفيل‏.‏

وقال لبيد من قصيدة يذكر أباه‏:‏ ولا من ربيع المقترين رزئته بذي علقٍ فاقني حياءك واصبري قال أبو عبيدة‏:‏ غزت عامر بن صعصعة غطفان ومع بني عامر يومئذ عامر بن الطفيل شابًا لم يرئس بعد فبلغوا وادي الرقم وبه بنو مرة بن عوف بن سعد ومعهم قوم من أشجع بن ذئب بن غطفان وناس من فزارة ابن ذبيان فنذروا ببني عامر وهجمت عليهم بنو عامر بالرقم وهو وادٍ بقرب تضرع فالتقوا فاقتتلوا قتالًا شديدًا فأقبل عامر بن الطفيل فرأى امرأةً من فزارة فسألها‏.‏

فقالت‏:‏ أنا أسماء بنت نوفل الفزاري‏.‏

وقيل‏:‏ كانت أسماء بنت حصن بن حذيفة‏.‏

فبينا عامر يسألها خرج عليه المنهزمون من قومه وبنو مرة في أعقابهم‏.‏

فلما رأى ذلك عامر ألقى درعه إلى أسماء وولى منهزمًا فأدتها إليه بعد ذلك وتبعتهم مرة وعليهم سنان بن حارثة بن أبي حارثة المري وجعل الأشجعيون يذبحون كل من أسروه من بني عامر لوقعة كانت أوقعتها بهم بنو عامر فذلك البطن من بني أشجع يسمون بني مذبح فذبحوا سبعين رجلًا منهم فقال عامر بن الطفيل يذكر غطفان ويعرض بأسماء‏:‏ قد ساءت أسماء وهي خفيّة لضحائها أطردت أم لم أطرد فلأبغيّنكم القنا وعوارضًا ولأقبلنّ الخيل لابة ضرغد ولأبرزنّ بمالك وبمالك وأخي المرورات الذي لم يسند في أبيات عدة‏.‏

فلما بلغ شعره غطفان هجاه منهم جماعة وكان نابغة بني ذبيان حينئذ غائبًا عند ملوك غسان قد هرب من النعمان‏.‏

فلما آمنه النعمان وعاد سأل قومه عما هجوا به عامر بن الطفيل فأنشدوه ما قالوا فيه وما قال فيهم فقال‏:‏ لقد أفحشتم وليس مثل عامر يهجى بمثل هذا ثم قال يخطئ عامرًا في ذكره امرأة من عقائلهم‏:‏ فإن يك عامرٌ قد قال جهلًا فإنّ مطيّة الجهل الشباب فإنّك سوف تحلم أو تباهي إذا ما شبت أو شاب الغراب فكن كأبيك أو كأبي براءٍ توافقك الحكومة والصواب فلا تذهب بحلمك طامياتٌ من الخيلاء ليس لهنّ باب إلى آخرها‏.‏

فلما سمعها عامر قال‏:‏ ما هجيت قبلها‏.‏

 يوم ساحوق

قال أبو عبيدة‏:‏ غزت بنو ذبيان بني عامر وهم بساحوق وعلى ذبيان سنان بن أبي حارثة المري وقد جهزهم وأعطاهم الخيل والإبل وزودهم فأصابوا نعمًا كثيرة وعادوا فلحقتهم بنو عامر واقتتلوا قتالًا شديدًا‏.‏

ثم انهزمت بنو عامر وأصيب منهم رجالٌ وركبوا الفلاة فهلك أكثرهم عطشًا وكان الحر شديدًا وجعلت ذبيان تدرك الرجل منهم فيقولون له‏:‏ قف ولك نفسك وضع سلاحك فيفعل‏.‏

وكان يومًا عظيمًا على عامر وانهزم عامر ابن الطفيل وأخوه الحكم ثم إن الحكم ضعف وخاف أن يؤسر فجعل في عنقه حبلا وصعد إلى شجرة وشده ودلى نفسه فاختنق وفعل مثله رجلٌ من بني غني فلما ألقى نفسه ندم فاضطرب فأدركوه وخلصوه وعيروه يجزعه وقال عروة بن الورد العبسي في ذلك‏:‏ ونحن صبحنا عامرًا في ديارها علالة أرماحٍ وضربًا مذكّرا بكلّ رقاق الشفرتين مهنّدٍ ولدنٍ من الخطيّ قد طرّ أسمرا عجبت لهم إذ يخنقون نفوسهم ومقتلهم تحت الوغى كان أجدرا يوم أعيار ويوم النّقيعة كان المثلم بن المشجر العائذي ثم الضبي مجاورًا لبني عبس فتقامر هو وعمارة بن زياد وهو أحد الكملة فقمره عمارة حتى اجتمع عليه عشرة أبكر فطلب منه المثلم أ يخلي عنه حتى يأتي أهله فيرسل إليه بالذي له فأبى ذلك فرهنه ابنه شرحاف بن المثلم وخرج المثلم فأتى فلما انطلق بابنه قال له في الطريق‏:‏ يا أبتاه من معضالٌ قال‏:‏ ذلك رجل من بني عمك ذهب فلم يوجد إلى الساعة‏.‏

قال شرحاف‏:‏ فإني قد عرفت قاتله‏.‏

قال أبوه‏:‏ ومن هو قال‏:‏ عمارة بن زياد سمعته يقول للقوم يومًا وقد أخذ فيه الشراب إنه قتله ولم يلق له طالبًا‏.‏

ولبثوا بعد ذلك حينًا وشب شرحاف‏.‏

ثم إن عمارة جمع جمعًا عظيمًا من عبس فأغار بهم على بني ضبة فأخذوا إبلهم وركبت بنو ضبة فأدركوهم في المرعى‏.‏

فلما نظر شرحاف إلى عمارة قال‏:‏ يا عمارة أتعرفني قال‏:‏ من أنت قال‏:‏ أنا شرحاف أد إلي ابن عمي معضالًا لا مثله يوم قتلته ‏!‏ وحمل عليه فقتله وقاتتلت ضبة وعبس قتالًا شديدًا واستنقذت ضبة الإبل وقال شرحاف‏:‏ ألا أبلغ سراة بني بغيض بما لاقت سراة بني زياد وما لاقت جذيمة إذ تحامي وما لاقى الفوارس من بجاد تركنا بالنقيعة آل عبسٍ شعاعًا يقتلون بكلّ واد وما إن فاتنا إلاّ شريد يؤمّ القفر في تيه البلاد فسل عنّا عمارة آل عبسٍ وسل وردًا وما كلٌّ بداد تركتهم بوادي البطن رهنًا لسيدان القرارة والجلاد قال أبو عبيدة‏:‏ خرجت بنو عامر تريد غطفان لتدرك بثأرها يوم الرق ويوم ساحوق فصادفت بني عبس وليس معهم أحد من غطفان وكانت عبس لم تشهد يوم الرقم ولا يوم ساحوق مع غطفان ولم يعينوهم على بني عامر وقيل‏:‏ بل شهدها أشجع وفزارة وغيرهما من بني غطفان على ما نذكره‏.‏

قال‏:‏ وأغارت بنو عامر على نعم بني عبس وذبيان وأشجع فأخذوها وعادوا متوجهين إلى بلادهم فضلوا في الطريق فسلكوا وادي النباة فأمعنوا فيه ولا طريق لهم ولا مطلع حتى قاربوا آخره‏.‏

وكان الجبلان يلتقيان إذا هم بامرأة من بني عبس تخبط الشجر لهم في قلة الجبل‏.‏

فسألوها عن المطلع فقالت لهم‏:‏ الفوارس المطلع وكانت قد رأت الخيل قد أقبلت وهي على الجبل ولم يرها بنو عامر لأنهم في الوادي فأرسلوا رجلًا إلى قلة الجبل ينظر فقال لهم‏:‏ أرى قومًا كأنهم الصبيان على متون الخيل أسنة رماحهم عند آذان خيلهم‏.‏

قالوا‏:‏ تلك فزارة‏.‏

قال‏:‏ وأرى قومًا بيضًا جعادًا كأن عليهم ثيابًا حمرًا‏.‏

قالوا‏:‏ تلك أشجع‏.‏

قال‏:‏ وأرى قومًا نسورًا قد قلعوا خيولهم بسوادهم كأنما يحملونها حملًا بأفخاذهم آخذين بعوامل رماحهم يجرونها‏.‏

قالوا‏:‏ تلك عبس أتاكم الموت الزؤام‏!‏ ولحقهم الطلب بالوادي فكان عامر بن الطفيل أول من سبق على فرسه الورد ففات القوم وأعيا فرسه الورد وهو المربوق أيضًا فعقره لئلا تفتحله فزارة واقتتل الناس ودام القتال بينهم وانهزمت عامر فقتل منهم مقتلة كبيرة قتل فيها من أشرافهم البراء بن عامر بن مالك وبه يكنى أبوه وقتل نهشل وأنس وهزان بنو مرة بن أنس بن خالد بن جعفر وقتلوا عبد الله بن الطفيل أخا عامر قتله الربيع بن زياد العبسي وغيرهم كثير وتمت الهزيمة على بني عامر‏.‏

 

يوم الفرات

قال أبو عبيدة‏:‏ أغار المثنى بن حارثة الشيباني وهو ابن أخت عمران ابن مرة على بني تغلب وهم عند الفرات وذلك قبيل الإسلام فظفر بهم فقتل من أخذ من مقاتلتهم وغرق منهم ناسٌ كثير في الفرات وأخذ أموالهم وقسمها بين أصحابه فقال شاعرهم في ذلك‏:‏ ومنّا الذي غشّى الدليكة سيفه على حين أن أعيا الفرات كتائبه ومنّا الذي شدّ الرّكيّ ليستقي ويستقي محضًا غير ضافٍ جوانبه ومنّا غريب الشام لم ير مثله أفكّ لعانٍ قد تناءى أقاربه الدليكة‏:‏ فرس المثنى بن حارثة والذي شد الركي مرة بن همام وغريب الشام ابن القلوص بن النعمان بن ثعلبة‏.‏يوم بارق قال المفضل الضبي‏:‏ إن بني تغلب والنمر بن قاسط وناسًا من تميم اقتتلوا حتى نزلوا ناحية بارق وهي من أرض السواد وأرسلوا وفدًا منهم إلى بكر بن وائل يطلبون إليهم الصلح فاجتمعت شيبان ومن معهم وأرادوا قصد تغلب ومن معهم فقال زيد بن شريك الشيباني‏:‏ إني قد أجرت أخوالي وهم النمر بن قاسط فأمضوا جواره وساروا وأوقعوا ببني تغلب وتميم فقتلوا منهم مقتلة عظيمة لم تصب تغلب بمثلها واقتسموا الأسرى والأموال وكان من أعظم الأيام عليهم قتل الرجال ونهب الأموال وسبي الحريم فقال أبو كلبة الشيباني‏:‏ وليلة بسعادى لم تدع سندًا لتغلبيٍّ ولا أنفًا ولا حسبا والنمريّون لولا سرّ من ولدوا من آل مرّة شاع الحيّ منتهبا يوم طخفة وهو لبني يربوع على عساكر النعمان بن المنذر‏.‏

قال أبو عبيدة‏:‏ وكان سبب هذه الحرب أن الرادفة وهي بمنزلة الوزارة وكان الرديف يجلس عن يمين الملك كانت لبني يربوع من تميم يتوارثونها صغيرًا عن كبير‏.‏

فلما كان أيام النعمان وقيل أيام ابنه المنذر سألها حاجب ابن زرارة الدرامي التميمي النعمان أن يجعلها للحارث بن بيبة بن قرط ابن سفيان بن مجاشع الدارمي التميمي فقال النعمان لبني يربوع في هذا وطلب منهم أن يجيبوا إلى ذلك فامتنعوا وكان منزلهم أسفل طخفة فحيث امتنعوا من ذلك بعث إليهم النعمان قابوس ابنه وحسانًا أخاه ابني المنذر قابوس على الناس وحسان على المقدمة وضم إليهما جيشًا كثيفًا منهم الصنائع والوضائع وناس من تميم وغيرهم فساروا حتى أتوا طخفة فالتقوا هم ويربوع واقتتلوا وصبرت يربوع وانهزم قابسو ومن معه وضرب طارق أبو عميرة فرس قابوس فعقره وأسره وأراد أن يجز ناضيته فقال‏:‏ إن الملوك لا تجز نواصيها فأرسله‏.‏

وأما حسان فأسره بشر بن عمرو بن جوين فمن عليه وأرسله‏.‏

فعاد المنهزمون إلى النعمان وكان شهاب بن قيس بن كياس اليربوعي عند الملك فقال له‏:‏ يا شهاب أدرك ابني وأخي فإن أدركتهما حيين فلبني يربوع حكمهم وأرد عليهم ردافتهم وأترك لهم من قتلوا وما غنموا وأعطيهم ألفي بعير‏.‏

فسار شهاب فوجدهما حيين فأطلقهما ووفى الملك لبني يربوع بما قال ولم يعرض لهم في ردافتهم وقال مالك ابن نويرة‏:‏ ونحن عقرنا مهر قابوس بعدما رأى القوم منه الموت والخيل تلحب عليه دلاصٌ ذات نسجٍ وسيفه جرازٌ من الهنديّ أبيض مقضب طلبنا بها إنّا مداريك نيلها إذا طلب الشّأو البعيد المغرّب