فصل: تفسير الآية رقم (93):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل



.تفسير الآية رقم (93):

{فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آَسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ (93)}
الأسى: شدّة الحزن. قال العَجَّاجُ:
وانحلبت عَيْنَاهُ مِنْ فَرْطِ الأَسَى

اشتدّ حزنه على قومه ثم أنكر على نفسه فقال: فكيف يشتدّ حزني على قوم ليسوا بأهل للحزن عليهم لكفرهم واستحقاقهم ما نزل بهم ويجوز أن يريد لقد أعذرت إليكم في الإبلاغ والنصيحة والتحذير مما حلّ بكم فلم تسمعوا قولي ولم تصدّقوني فكيف آسي عليكم يعني أنه لا يأسى عليهم لأنهم ليسوا أحقاء بالأسى.
وقرأ يحيى ابن وَثَّاب: {فكيف إيسى}، بكسر الهمزة.

.تفسير الآيات (94- 95):

{وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ (94) ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آَبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (95)}
{إِلا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بالبأساء} بالبؤس والفقر {والضراء} بالضرّ والمرض لاستبكارهم عن اتباع نبيهم وتعززهم عليه {لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ} ليتضرعوا ويتذللوا ويحطوا أردية الكبر والعزة {ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السيئة الحسنة} أي أعطيناهم بدل ما كانوا فيه من البلاء والمحنة والرخاء والصحة والسعة كقوله: {وبلوناهم بالحسنات والسيئات} [الأعراف: 168] {حتى عَفَواْ} كثروا ونموا في أنفسهم وأموالهم، من قولهم: عفا النبات وعفا الشحم والوبر، إذا كثرت. ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: «واعفوا عن اللحى»، وقال الحطيئة:
بِمُسْتَأْسِدِ القِرْيَان عَافَ نَبَاتُهُ

وقال:
وَلَكِنَّا نَعُضُّ السَّيْفَ مِنْهَا ** بِأَسْوَقَ عَافِيَاتِ الشّحْمِ كُومِ

{وَّقَالُواْ قَدْ مَسَّ ءابَاءنَا الضراء والسراء} يعني وأبطرتهم النعمة وأشروا فقالوا: هذه عادة الدهر، يعاقب في الناس بين الضراء والسراء. وقد مسّ آباؤنا نحو ذلك، وما هو بابتلاء من الله لعباده، فلم يبق بعد ابتلائهم بالسيئات والحسنات إلاّ أن نأخذهم بالعذاب {فأخذناهم} أشدّ الأخذ وأفظعه، وهو أخذهم فجأة من غير شعور منهم.

.تفسير الآية رقم (96):

{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96)}
اللام في القرى: إشارة إلى القرى التي دلّ عليها قوله: {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مّن نَّبِىٍّ} [الأعراف: 94] كأنه قال: ولو أنّ أهل تلك القرى الذين كذبوا وأهلكوا {ءامَنُواْ} بدل كفرهم {واتقوا} المعاصي مكان ارتكابها {لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بركات مّنَ السماء والأرض} لآتيناهم بالخير من كل وجه. وقيل: أراد المطر والنبات {ولكن كَذَّبُواْ فأخذناهم} بسوء كسبهم ويجوز أن تكون اللام في القرى للجنس.
فإن قلت: ما معنى فتح البركات عليهم؟ قلت: تيسيرها عليهم كما ييسر أمر الأبواب المستغلقة بفتحها. ومنه قولهم: فتحت على القارئ إذا تعذرت عليه القراءة فيسرتها عليه بالتلقين.

.تفسير الآيات (97- 98):

{أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ (97) أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (98)}
البيات يكون بمعنى البيتوتة. يقال: بات بياتاً. ومنه قوله تعالى: {فَجَاءهَا بَأْسُنَا بياتا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ} [الأعراف: 4] وقد يكون بمعنى: التبييت، كالسلام بمعنى التسليم. يقال: بيته العدو بياتاً، فيجوز أن يراد: أن يأتيهم بأسنا بائتين، أو وقت بيات، أو مبيتاً، أو مبيتين، أو يكون بمعنى تبييتاً، كأنه قيل: أن يبيتهم بأسنا بياتاً. و{ضُحًى} نصب على الظرف. يقال: أتانا ضحى، وضحيا، وضحاء والضحى- في الأصل- اسم لضوء الشمس إذا أشرقت وارتفعت. والفاء والواو في {أَفَأَمِنَ} و{أَوَ أَمِنَ} حرفا عطف دخلت عليهما همزة الإنكار.
فإن قلت: ما المعطوف عليه؟ ولم عطفت الأولى بالفاء والثانية بالواو؟ قلت: المعطوف عليه قوله: {فأخذناهم بَغْتَةً} وقوله: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القرى} [الأعراف: 96] إلى {يَكْسِبُونَ} وقع اعتراضاً بين المعطوف والمعطوف عليه، وإنما عطف بالفاء، لأنّ المعنى: فعلوا وصنعوا فأخذناهم بغتة أبعد ذلك أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتاً وأمنوا أن يأتيهم بأسنا ضحى؟ وقرئ: أو أمن على العطف بأو {وَهُمْ يَلْعَبُونَ} يشتغلون بما لا يجدي عليهم كأنهم يلعبون.

.تفسير الآية رقم (99):

{أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ (99)}
فإن قلت: فلم رجع فعطف بالفاء قوله: {أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ الله}؟ قلت: هو تكرير لقوله: {أَفَأَمِنَ أَهْلُ القرى} [الأعراف: 97] ومكر الله: استعارة لأخذه العبد من حيث لا يشعر، ولاستدراجه. فعلى العاقل أن يكون في خوفه من مكر الله، كالمحارب الذي يخاف من عدوّه الكمين والبيات والغيلة.
وعن الربيع بن خثيم: أن ابنته قالت له: ما لي أرى الناس ينامون ولا أراك تنام، فقال: يا بنتاه، إنّ أباك يخاف البيات، أراد قوله: {أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا بياتا}.

.تفسير الآية رقم (100):

{أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (100)}
إذا قرئ: {أو لم يهد} بالياء كان {أَن لَّوْ نَشَاء} مرفوعاً بأنه فاعله بمعنى: أو لم يهد للذين يخلفون، من خلا قبلهم في ديارهم ويرثون أرضهم هذا الشأن، وهو أنّا لو نشاء أصبناهم بذنوبهم، كما أصبنا من قبلهم، وأهلكنا الوارثين كما أهلكنا المورّثين. وإذا قرئ بالنون، فهو منصوب كأنه قيل: أو لم يهد الله للوارثين هذا الشأن بمعنى: أو لم نبين لهم أنا {لَّوْ نَشَاء أصبناهم بِذُنُوبِهِمْ} كما أصبنا من قبلهم. وإنما عدّى فعل الهداية باللام لأنه بمعنى التبيين. فإن قلت بم تعلق قوله تعالى: {وَنَطْبَعُ على قُلُوبِهِمْ}؟ قلت: فيه أوجه، أن يكون معطوفاً على ما دلّ عليه معنى {أَوَ لَمْ يَهْدِ} كأنه قيل: يغفلون عن الهداية، ونطبع على قلوبهم. أو على يرثون الأرض أو يكون منقطعاً بمعنى: ونحن نطبع على قلوبهم.
فإن قلت: هل يجوز أن يكون {وَنَطْبَعُ} بمعنى وطبعنا، كما كان {لَّوْ نَشَاء} بمعنى: لو شئنا، ويعطف على أصبناهم؟ قلت: لا يساعد عليه المعنى؟ لأن القوم كانوا مطبوعاً على قلوبهم موصوفين بصفة من قبلهم من اقتراف الذنوب والإصابة بها. وهذا التفسير يؤدي إلى خلوهم عن هذه الصفة، وأن الله تعالى لو شاء لاتصفوا بها.

.تفسير الآية رقم (101):

{تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ (101)}
{تِلْكَ القرى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَائِهَا} كقوله: {هذا بَعْلِى شَيْخًا} [هود: 72] في أنه مبتدأ وخبر وحال ويجوز أن يكون {القرى} صفة لتلك و{نَقُصُّ} خبراً، وأن يكون {القرى نَقُصُّ} خبر بعد خبر.
فإن قلت: ما معنى: {تِلْكَ القرى} حتى يكون كلاماً مفيداً؟ قلت: هو مفيد، ولكن بشرط التقييد بالحال كما يفيد بشرط التقييد بالصفة في قولك: هو الرجل الكريم.
فإن قلت: ما معنى الإخبار عن القرى بنقص عليك من أنبائها؟ قلت: معناه: أن تلك القرى المذكورة نقص عليك بعض أنبائها ولها أنباء غيرها لم نقصها عليك {فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ} عند مجيء الرسل بالبينات بما كذبوه من آيات الله من قبل مجيء الرسل أو فما كانوا ليؤمنوا إلى آخر أعمارهم بما كذبوا به أوّلاً حين جاءتهم الرسل، أي استمروا على التكذيب من لدن مجيء الرسل إليهم إلى أن ماتوا مصرين، لا يرعوون ولا تلين شكيمتهم في كفرهم وعنادهم مع تكرار المواعظ عليهم وتتابع الآيات. ومعنى اللام تأكيد النفي وأنّ الإيمان كان منافياً لحالهم في التصميم على الكفر.
وعن مجاهد: هو كقوله: {وَلَوْ رُدُّواْ لعادوا لِمَا نُهُواْ عَنْهُ} [الأنعام: 28]. {كَذَلِكَ} مثل ذلك الطبع الشديد نطبع على قلوب الكافرين.

.تفسير الآية رقم (102):

{وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ (102)}
{وَمَا وَجَدْنَا لاِكْثَرِهِم مّنْ عَهْدٍ} الضمير للناس على الإطلاق، أي وما وجدنا لأكثر الناس من عهد يعني أنّ أكثرهم نقض عهد الله وميثاقه في الإيمان والتقوى {وَإِن وَجَدْنَا} وإنّ الشأن والحديث وجدنا أكثرهم فاسقين، خارجين عن الطاعة مارقين. والآية اعتراض. ويجوز أن يرجع الضمير إلى الأمم المذكورين، وأنهم كانوا إذا عاهدوا الله في ضرّ ومخافة، لئن أنجيتنا لنؤمننّ، ثم نجّاهم نكثوا كما قال قوم فرعون لموسى عليه السلام: {لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرجز لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ} إلى قوله: {إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ} [الأعراف: 135] والوجود بمعنى العلم من قولك: وجدت زيداً ذا الحفاظ، بدليل دخول (إن) المخففة واللام الفارقة. ولا يسوغ ذلك إلاّ في المبتدإ والخبر. والأفعال الداخلة عليهما.

.تفسير الآيات (103- 105):

{ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآَيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا بِهَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (103) وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (104) حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (105)}
{مّن بَعْدِهِمْ} الضمير للرسل في قوله: {وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم} [الأعراف: 101] أو للأمم {فَظَلَمُواْ بها} فكفروا بآياتنا. أجرى الظلم مجرى الكفر لأنهما من وادٍ واحد {إِنَّ الشرك لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13] أو فظلموا الناس بسببها حين أوعدوهم وصدّوهم عنها، وآذوا من آمن بها، ولأنه إذا وجب الإيمان بها فكفروا بدل الإيمان كان كفرهم بها ظلماً، فلذلك قيل: فظلموا بها، أي: كفروا بها واضعين الكفر غير موضعه، وهو موضع الإيمان. يقال: لملوك مصر: الفراعنة، كما يقال لملوك فارس: الأكاسرة، فكأنه قال: يا ملك مصر وكان اسمه قابوس. وقيل: الوليد بن مصعب بن الريان {حَقِيقٌ عَلَىَّ أَنْ ا أَقُولَ عَلَى الله إِلاَّ الحق} فيه أربع قراآت، المشهورة: {وحقيق عليّ أن لا أقول}، وهي قراءة نافع: {وحقيق أن لا أقول} وهي قراءة عبد الله: {وحقيق بأن لا أقول} وهي قراءة أبيّ وفي المشهورة إشكال، ولا تخلو من وجوه، أحدها: أن تكون مما يقلب من الكلام لأمن الإلباس، كقوله:
وَتَشْقَى الرِّمَاحُ بِالضَّيَاطِرَةِ الْحُمْرِ

ومعناه: وتشقى الضياطرة بالرماح {وحقيق عليّ أن لا أقول} وهي قراءة نافع.
والثاني: أنّ ما لزمك فقد لزمته، فلما كان قول الحق حقيقاً عليه كان هو حقيقاً على قول الحق، أي لازماً له. والثالث: أن يضمن {حَقِيقٌ} معنى حريص، كما ضمن (هيجني) معنى ذكرني في بيت الكتاب. والرابع:- وهو الأوجه- الأدخل في نكت القرآن: أن يغرق موسى في وصف نفسه بالصدق في ذلك المقام لا سيما وقد روى أنّ عدو الله فرعون قال له- لما قال: {إِنّى رَسُولٌ مّن رَّبّ العالمين} كذبت، فيقول: أنا حقيق عليَّ قول الحق أي واجب على قول الحق أن أكون أنا قائله والقائم به، ولا يرضى إلاّ بمثلي ناطقاً به {فَأَرْسِلْ مَعِىَ بَنِى إسراءيل} فخلهم حتى يذهبوا معي راجعين إلى الأرض المقدّسة التي هي وطنهم ومولد آبائهم، وذلك أن يوسف عليه السلام لما توفي وانقرضت الأسباط، غلب فرعون نسلهم واستعبدهم، فأنقذهم الله بموسى عليه السلام، وكان بين اليوم الذي دخل يوسف مصر واليوم الذي دخله موسى أربعمائة عام.

.تفسير الآيات (106- 108):

{قَالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآَيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (106) فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ (107) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ (108)}
فإن قلت: كيف قال له: {فَأْتِ بِهَا} بعد قوله: {قَالَ إِن كُنتَ جِئْتَ بآية}؟ قلت: معناه إن كنت جئت من عند من أرسلك بآية فأتني بها وأحضرها عندي لتصحّ دعواك ويثبت صدقك {ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ} ظاهر أمره لا يشك في أنه ثعبان. وروى أنه كان ثعباناً ذكراً أشعر فاغراً فاه بين لحييه ثمانون ذراعاً، وضع لحيه الأسفل في الأرض ولحية الأعلى على سور القصر، ثم توجه نحو فرعون ليأخذه فوثب فرعون من سريره وهرب، وأحدث ولم يكن أحدث قبل ذلك، وهرب الناس وصاحوا، وحمل على الناس فانهزموا فمات منهم خمسة وعشرون ألفاً قتل بعضهم بعضاً، ودخل فرعون البيت وصاح: يا موسى، خذه وأنا أومن بك وأرسل معك بني إسرائيل، فأخذه موسى فعاد عصى.
فإن قلت: بم يتعلق {للناظرين}؟ قلت: يتعلق ببيضاء. والمعنى: فإذا هي بيضاء للنظارة ولا تكون بيضاء للنظارة إلاّ إذا كان بياضا عجيباً خارجاً عن العادة، يجتمع الناس للنظر إليه كما تجتمع النظارة للعجائب، وذلك ما يروى: أنه أرى فرعون يده وقال: ما هذه؟ قال: يدك، ثم أدخلها جيبه وعليه مدرعة صوف ونزعها، فإذا هي بيضاء بياضاً نورانياً غلب شعاعها شعاع الشمس، وكان موسى عليه السلام آدم شديد الأدمة.