فصل: تفسير الآية رقم (141):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل



.تفسير الآية رقم (141):

{وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (141)}
{يَسُومُونَكُمْ سُوء العذاب} يبغونكم شدّة العذاب، من سام السلعة إذا طلبها.
فإن قلت: ما محل يسومونكم؟ قلت: هو استئناف لا محلّ له. ويجوز أن يكون حالاً من المخاطبين أو من آل فرعون. و{ذلكم} إشارة إلى الإنجاء أو إلى العذاب. والبلاء: النعمة أو المحنة. وقرئ: {يقتلون} بالتخفيف.

.تفسير الآية رقم (142):

{وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ (142)}
وروي: أن موسى عليه السلام وعد بني إسرائيل وهو بمصر إن أهلك الله عدوّهم، أتاهم بكتاب من عند الله فيه بيان ما يأتون وما يذرون، فلما هلك فرعون سأل موسى ربه الكتاب، فأمره بصوم ثلاثين يوماً وهو شهر ذي القعدة، فلما أتمّ الثلاثين أنكر خلوف فيه فتسوك، فقالت الملائكة: كنا نشمّ من فيك رائحة المسك فأفسدته بالسواك. وقيل: أوحى الله تعالى إليه أما علمت أن خلوف فم الصائم أطيب عندي من ريح المسك، فأمره الله تعالى أن يزيد عليها عشرة أيام من ذي الحجة لذلك. وقيل: أمره الله أن يصوم ثلاثين يوماً، وأن يعمل فيها بما يقرّبه من الله ثم أنزلت عليه التوراة في العشر وكلم فيها. ولقد أجمل ذكر الأربعين في سورة البقرة، وفصلها ههنا. و{ميقات رَبّهِ} ما وقته له من الوقت وضربه له. و{أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} نصب على الحال أي تمَّ بالغاً هذا العدد. و{هارون} عطف بيان لأخيه. وقرئ بالضم على النداء {اخلفنى فِي قَوْمِى} كن خليفتي فيهم {وَأَصْلَحَ} وكن مصلحاً. أو وأصلح ما يجب أن يصلح من أمور بني إسرائيل، ومن دعاك منهم إلى الفساد فلا تتبعه ولا تطعه.

.تفسير الآية رقم (143):

{وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143)}
{لميقاتنا} لوقتنا الذي وقتنا له وحدّدناه. ومعنى اللام الاختصاص فكأنه قيل: واختصّ مجيئه بميقاتنا، كما تقول: أتيته لعشر خلون من الشهر {وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} من غير واسطة كما يكلم الملك، وتكليمه: أن يخلق الكلام منطوقاً به في بعض الأجرام كما خلقه مخطوطاً في اللوح وروي: أن موسى عليه السلام كان يسمع ذلك الكلام من كل جهة.
وعن ابن عباس رضي الله عنه: كلمه أربعين يوماً وأربعين ليلة، وكتب له الألواح. وقيل: إنما كلمه في أوّل الأربعين {أَرِنِى أَنظُرْ إِلَيْكَ} ثاني مفعولي أرني محذوف أي أرني نفسك أنظر إليك، فإن قلت: الرؤية عين النظر، فكيف قيل: أرني أنظر إليك؟ قلت: معنى أرني نفسك، اجعلني متمكناً من رؤيتك بأن تتجلى لي فأنظر إليك وأراك، فإن قلت: فكيف قال: {لَن تَرَانِى} ولم يقل: لن تنظر إليّ لقوله: {أَنظُرْ إِلَيْكَ}؟ قلت: لما قال: {أَرِنِى} بمعنى اجعلني متمكناً من الرؤية التي هي الإدراك، علم أن الطِّلْبَة هي الرؤية لا النظر الذي لا إدراك معه، فقيل: لن تراني، ولم يقل لن تنظر إليّ.
فإن قلت: كيف طلب موسى عليه السلام ذلك- وهو من أعلم الناس بالله وما يجوز عليه وما لا يجوز، وبتعاليه عن الرؤية التي هي إدراك ببعض الحواس، وذلك إنما يصحّ فيما كان في جهة. وما ليس بجسم ولا عرض فمحال أن يكون في جهة. ومنعُ المجبرة إحالته في العقول غير لازم، لأنه ليس بأوّل مكابرتهم وارتكابهم، وكيف يكون طالبه وقد قال- حين أخذت الرجفة الذين قالوا أرنا الله جهرة- {أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السفهاء مِنَّا} [الأعراف: 155] إلى قوله: {تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاء} [الأعراف: 155] فتبرأ من فعلهم ودعاهم سفهاء وضلالاً؟ قلت: ما كان طلب الرؤية إلاّ ليبكت هؤلاء الذين دعاهم سفهاء وضلالاً، وتبرأ من فعلهم، وليلقمهم الحجر، وذلك أنهم حين طلبوا الرؤية أنكر عليهم وأعلمهم الخطأ ونبههم على الحق، فلجوا وتمادوا في لجاجهم وقالوا: لا بدَّ، ولن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة، فأراد أن يسمعوا النصّ من عند الله باستحالة ذلك، وهو قوله: {لَن تَرَانِى} ليتيقنوا وينزاح عنهم ما دخلهم من الشبهة، فلذلك قال: {رَبّ أَرِنِى أَنظُرْ إِلَيْكَ}.
فإن قلت: فهلا قال: أرهم ينظروا إليك؟ قلت: لأنّ الله سبحانه إنما كلم موسى عليه السلام وهم يسمعون، فلما سمعوا كلام رب العزّة أرادوا أن يرى موسى ذاته فيبصروه معه، كما أسمعه كلامه فسمعوه معه، إرادة مبنية على قياس فاسد، فلذلك قال موسى: أرني أنظر إليك، ولأنه إذا زجر عما طلب، وأنكر عليه في نبوّته واختصاصه وزلفته عند الله تعالى، وقيل له: لن يكون ذلك: كان غيره أولى بالإنكار، لأنّ الرسول إمام أمته، فكان ما يخاطب به أو ما يخاطب راجعاً إليهم.
وقوله: {أَنظُرْ إِلَيْكَ} وما فيه من معنى المقابلة التي هي محض التشبيه والتجسيم، دليل على أنه ترجمة عن مقترحهم وحكاية لقولهم، وجلّ صاحب الجمل أن يجعل الله منظوراً إليه، مقابلاً بحاسة النظر، فكيف بمن هو أعرق في معرفة الله تعالى من واصل بن عطاء، وعمرو بن عبيد، والنظام، وأبي الهذيل والشيخين، وجميع المتكلمين؟ فإن قلت: ما معنى {لَن}؟ قلت: تأكيداً النفي الذي تعطيه (لا) وذلك أن (لا) تنفي المستقبل. تقول: لا أفعل غداً، فإذا أكدت نفيها قلت: لن أفعل غداً. والمعنى: أنّ فعله ينافي حالي، كقوله: {لَن يَخْلُقُواْ ذُبَاباً وَلَوِ اجتمعوا لَهُ} [الحج: 73] فقوله: {لاَّ تُدْرِكُهُ الأبصار} [الأنعام: 103] نفي للرؤية فيما يستقبل. و{لَن تَرَانِى} تأكيد وبيان، لأنّ المنفي مناف لصفاته.
فإن قلت: كيف اتصل الاستدراك في قوله: {ولكن انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ} بما قبله؟ قلت: اتصل به على معنى أنّ النظر إليّ محال فلا تطلبه ولكن عليك بنظر آخر: وهو أن تنظر إلى الجبل الذي يرجف بك وبمن طلبت الرؤية لأجلهم، كيف أفعل به وكيف أجعله دكاً بسبب طلبك الرؤية؟ لتستعظم ما أقدمت عليه بما أريك من عظم أثره، كأنه عزّ وعلا حقق عند طلب الرؤية ما مثله عند نسبة الولد إليه في قوله: {وَتَخِرُّ الجبال هَدّاً أَن دَعَوْا للرحمن وَلَداً} [مريم: 91]. {فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ} كما كان مستقراً ثابتاً ذاهباً في جهاته {فَسَوْفَ تَرَانِى} تعليق لوجود الرؤية موجود ما لا يكون من استقرار الجبل مكانه حين يدكه دكاً ويسويه بالأرض، وهذا كلام مدبج بعضه في بعض، وارد على أسلوب عجيب ونمط بديع. ألا ترى كيف تخلص من النظر إلى النظر بكلمة الاستدراك؟ ثم كيف بنى الوعيد بالرجفة الكائنة بسبب طلب النظر على الشريطة في وجود الرؤية؟ أعني قوله: {فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِى}. {فَلَمَّا تجلى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ} فلما ظهر له اقتداره وتصدى له أمره وإرادته {جَعَلَهُ دَكّا} أي مدكوكاً مصدر بمعنى مفعول كضرب الأمير. والدكّ والدقُّ أخوان كالشك والشقِّ وقرئ: {دكاء} والدكاء اسم للرابية الناشزة من الأرض كالدكّة أو أرضاً دكاء مستوية. ومنه قولهم: ناقة دكاء متواضعة السنام، وعن الشعبي: قال لي الربيع بن خثيم: ابسط يدك دكاء، أي مدّها مستوية.
وقرأ يحيى بن وثاب: {دكاً} أي قطعاً دكا جمع دكاء {وَخَرَّ موسى صَعِقًا} من هول ما رأى. وصعق من باب: فعلته ففعل. يقال صعقته فصعقت. وأصله من الصاعقة. ويقال لها الصاقعة. من صقعه إذا ضربه على رأسه ومعناه: خرّ مغشياً عليه غشية كالموت.
وروي: أنّ الملائكة مرّت عليه وهو مغشي عليه فجعلوا يلكزونه بأرجلهم ويقولون: يا ابن النساء الحيض أطمعت في رؤية رب العزّة؟ {فَلَمَّا أَفَاقَ} من صعقته {قَالَ سبحانك} أنزهك مما لا يجوز عليك من الرؤية وغيرها {تُبْتُ إِلَيْكَ} من طلب الرؤية {وَأَنَاْ أَوَّلُ المؤمنين} بأنك لست بمرئيّ ولا مدرك بشيء من الحواس.
فإن قلت: فإن كان طلب الرؤية للغرض الذي ذكرته، فممّ تاب؟ قلت: من إجرائه تلك المقالة العظيمة وإن كان لغرض صحيح على لسانه، من غير إذن فيه من الله تعالى، فانظر إلى إعظام الله تعالى أمر الرؤية في هذه الآية، وكيف أرجف الجبل بطالبها وجعله دكاً، وكيف أصعقهم ولم يخل كليمه من نفيان ذلك مبالغة في إعظام الأمر، وكيف سبح ربه ملتجئاً إليه، وتاب من إجراء تلك الكلمة على لسانه وقال أنا أول المؤمنين، ثم تعجب من المتسمين بالإسلام المتسمين بأهل السنّة والجماعة كيف اتخذوا هذه العظيمة مذهباً. ولا يغرنك تسترهم بالبلكفة، فإنه من منصوبات أشياخهما والقول ما قال بعض العدلية فيهم:
لَجَمَاعَةٌ سَموْا هَواهُمْ سُنَّة ** وَجَمَاعَةٌ حُمْرٌ لَعَمْرِي مُوكَفَه

قَدْ شَبَّهُوهُ بِخَلْقِهِ وَتَخَوَّفُوا ** شَنْعَ الْوَرَى فَتَسَتَّرُوا بِالبَلْكَفَهْ.

وتفسير آخر: وهو أن يريد بقوله: {أَرِنِى أَنظُرْ إِلَيْكَ} عرّفني نفسك تعريفاً واضحاً جلياً، كأنها إراءة في جلائها بآية مثل آيات القيامة التي تضطر الخلق إلى معرفتك {أَنظُرْ إِلَيْكَ} أعرفك معرفة اضطرار، كأني أنظر إليك، كما جاء في الحديث: «سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر» بمعنى: ستعرفونه معرفة جلية هي في الجلاء كإبصاركم القمر إذا امتلأ واستوى {قَالَ لَن تَرَانِى} أي لن تطيق معرفتي على هذه الطريقة، ولن تحتمل قوّتك تلك الآية المضطرة ولكن انظر إلى الجبل. فإني أورد عليه وأظهر له آية من تلك الآيات، فإن ثبت لتجليها واستقرّ مكانه ولم يتضعضع فسوف تثبت لها وتطيقها، {فَلَمَّا تجلى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ} فلما ظهرت له آية من آيات قدرته وعظمته {جَعَلَهُ دَكّا وَخَرَّ موسى صَعِقًا} لعظم ما رأى {فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سبحانك تُبْتُ إِلَيْكَ} مما اقترحت وتجاسرت {وَأَنَاْ أَوَّلُ المؤمنين} بعظمتك وجلالك، وأن شيئاً لا يقوم لبطشك وبأسك.

.تفسير الآية رقم (144):

{قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آَتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (144)}
{اصطفيتك عَلَى الناس} اخترتك على أهل زمانك وآثرتك عليهم {برسالاتي} وهي أسفار التوراة {وبكلامي} وبتكليمي إياك {فَخُذْ مَا ءاتَيْتُكَ} ما أعطيتك من شرف النبوّة والحكمة {وَكُنْ مّنَ الشاكرين} على النعمة في ذلك فهي من أجل النعم. وقيل: خرّ موسى صعقاً يوم عرفة، وأعطي التوراة يوم النحر.
فإن قلت: كيف قيل؛ اصطفيتك على الناس وكان هارون مصطفى مثله نبياً؟ قلت: أجل، ولكنه كان تابعاً له وردءاًوزيراً. والكليم: هو موسى عليه السلام، والأصيل في حمل الرسالة.

.تفسير الآيات (145- 147):

{وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ (145) سَأَصْرِفُ عَنْ آَيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آَيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (146) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآَخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (147)}
ذكروا في عدد الألواح وفي جوهرها وطولها أنها كانت عشرة ألواح وقيل: سبعة. وقيل؛ لوحين، وأنها كانت من زمرّد جاء بها جبريل عليه السلام. وقيل: من زبرجدة خضراء وياقوتة حمراء. وقيل: أمر الله موسى بقطعها من صخرة صماء لينها له، فقطعها بيده وشقها بأصابعه.
وعن الحسن كانت من خشب نزلت من السماء فيها التوراة، وأن طولها كان عشرة أذرع. وقوله: {مِن كُلّ شَيْء} في محل النصب مفعول كتبنا. و{مَّوْعِظَةٌ} وتفصيلاً بدل منه. والمعنى: كتبنا له كل شيء كان بنو إسرائيل محتاجين إليه في دينهم من المواعظ وتفصيل الأحكام. وقيل: أنزلت التوراة وهي سبعون وقر بعير، يقرأ الجزأ منه في سنة لم يقرأها إلاّ أربعة نفر: موسى، ويوشع، وعزير، وعيسى عليهم السلام.
وعن مقاتل: كتب في الألواح: إني أنا الله الرحمن الرحيم، لا تشركوا بي شيئاً، ولا تقطعوا السبيل، ولا تحلفوا بإسمي كاذبين؛ فإن من حلف بإسمي كاذباً فلا أزكيه، ولا تقتلوا ولا تزنوا ولا تعقوا الوالدين {فَخُذْهَا} فقلنا له: خذها، عطفاً على كتبنا، ويجوز أن يكون بدلاً من قوله: {فَخُذْ مَا ءاتَيْتُكَ} [الأعراف: 144] والضمير في {خُذْهَا} للألواح، أو لكل شيء، لأنه في معنى الأشياء، أو للرسالات، أو للتوراة. ومعنى {بِقُوَّةٍ} بجدّ وعزيمة فعل أولي العزم من الرسل {يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا} أي فيها ما هو حسن وأحسن، كالاقتصاص، والعفو، والانتصار، والصبر. فمرهم أن يحملوا على أنفسهم في الأخذ بما هو أدخل في الحسن وأكثر للثواب، كقوله تعالى: {واتبعوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مّن رَّبّكُمْ} [الزمر: 55] وقيل: يأخذوا بما هو واجب أو ندب، لأنه أحسن من المباح. ويجوز أن يراد: يأخذوا بما أمروا به، دون ما نهوا عنه، على قولك: الصيف أحرّ من الشتاء {سَأُوْرِيكُمْ دَارَ الفاسقين} يريد دار فرعون وقومه وهي مصر، كيف أقفرت منهم ودمّروا لفسقهم، لتعتبروا فلا تفسقوا مثل فسقهم فينكل بكم مثل نكالهم. وقيل: منازل عاد وثمود والقرون الذين أهلكهم الله لفسقهم في ممرّكم عليها في أسفاركم. وقيل: دار الفاسقين: نار جهنم.
وقرأ الحسن: {سأوريكم} وهي لغة فاشية بالحجاز. يقال: أورني كذا، وأوريته. ووجهه أن تكون من أوريت الزند كأنَّ المعنى بيّنه لي وأنره لأستبينه وقرئ: {سأورثكم} قراءة حسنة يصححها قوله: {وَأَوْرَثْنَا القوم الذين كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ} [الأعراف: 137]. {سَأَصْرِفُ عَنْ ءاياتي} بالطبع على قلوب المتكبرين وخذلانهم، فلا يفكرون فيها ولا يعتبرون بها، غفلة وانهماكاً فيما يشغلهم عنها من شهواتهم.
وعن الفضيل بن عياض: ذكر لنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا عظمت أمّتي الدنيا نزع عنها هيبة الإسلام، وإذا تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حرمت بركة الوحي»
وقيل: سأصرفهم عن إبطالها وإن اجتهدوا كما اجتهد فرعون أن يبطل آية موسى، بأن جمع لها السحرة، فأبى الله إلاَّ علو الحقّ وانتكاس الباطل. ويجوز: سأصرفهم عنها وعن الطعن فيها والاستهانة بها. وتسميتها سحراً بإهلاكهم. وفيه إنذار للمخاطبين من عاقبة الذين يصرفون عن الآيات لتكبرهم وكفرهم بها، لئلا يكونوا مثلهم فيسلك بهم سبيلهم {بِغَيْرِ الحق} فيه وجهان: أن يكون حالاً بمعنى يتكبرون غير محقين، لأن التكبر بالحقّ لله وحده. وأن يكون صلة لفعل التكبر، أي يتكبرون بما ليس بحق وما هم عليه من دينهم {وَإِن يَرَوْا كُلَّ ءَايَةٍ} من الآيات المنزلة عليهم {لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا} وقرأ مالك بن دينار: {وإن يروا} بضم الياء. وقرئ: {سبيل الرشد} و {الرشد} و {الرشاد}، كقولهم: السقم والسقم والسقام. وما أسفه من ركب المفازة، فإن رأى طريقاً مستقيماً أعرض عنه وتركه، وإن رأى معتسفاً مردياً أخذ فيه وسلكه، ففاعل نحو ذلك في دينه أسفه {ذلك} في محل الرفع أو النصب على معنى: ذلك الصرف بسبب تكذيبهم أو صرفهم الله ذلك الصرف بسبب {وَلِقَاء الآخرة} يجوز أن يكون من إضافة المصدر إلى المفعول به. أي ولقائهم الآخرة ومشاهدتهم أحوالها، ومن إضافة المصدر إلى الظرف بمعنى: ولقاء ما وعد الله في الآخرة.