فصل: تفسير الآية رقم (12):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل



.تفسير الآية رقم (12):

{إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (12)}
{إِذْ يُوحِى} يجوز أن يكون بدلاً ثالثاً من {إِذْ يَعِدُكُمُ} [الأنفال: 7] وأن ينتصب بيثبت {إِنّى مَعَكُمْ} مفعول يوحي وقرئ {إني} بالكسر على إرادة القول، أو على إجراء يوحي مجرى يقول، كقوله: {أَنّي مُمِدُّكُمْ} [الأنفال: 9] والمعنى: أني معينكم على التثبيت فثبتوهم. وقوله: {سَأُلْقِى.... فاضربوا} يجوز أن يكون تفسيراً لقوله: {أَنّي مَعَكُمْ فَثَبّتُواْ} ولا معونة أعظم من إلقاء الرعب في قلوب الكفرة ولا تثبيت أبلغ من ضرب أعناقهم. واجتماعهما غاية النصرة. ويجوز أن يكون غير تفسير، وأن يراد بالتثبيت أن يخطروا ببالهم ما تقوى به قلوبهم وتصح عزائمهم ونياتهم في القتال، وأن يظهروا ما يتيقنون به أنهم ممدّون بالملائكة. وقيل: كان الملك يتشبه بالرجل الذي يعرفون وجهه فيأتي فيقول: إني سمعت المشركين يقولون: والله لئن حملوا علينا لننكشفنّ، ويمشي بين الصفين فيقول: أبشروا، فإن الله ناصركم لأنكم تعبدونه. وهؤلاء لا يعبدونه. وقرئ {الرعب} بالتثقيل {فَوْقَ الاعناق} أراد أعالي الأعناق التي هي المذابح، لأنها مفاصل، فكان إيقاع الضرب فيها حزا وتطييرا للرؤوس. وقيل: أراد الرؤوس لأنها فوق الأعناق، يعني ضرب الهام. قال:
وَأضْرِبُ هَامَة الْبَطَلِ الْمُشِيحِ غَشَّيْتُهُ ** وَهْوَ فِي جَأْوَاءَ بَاسِلَة

عَضْباً أَصَابَ سَوَاءَ الرَّأْسِ فَانْفَلَقَا

والبنان: الأصابع، يريد الأطراف. والمعنى: فاضربوا المقاتل والشوي، لأن الضرب إما واقع على مقتل أو غير مقتل، فأمرهم بأن يجمعوا عليهم النوعين معاً. ويجوز أن يكون قوله {سَأُلْقِى} إلى قوله: {كُلَّ بَنَانٍ} عقيب قوله: {فَثَبّتُواْ الذين ءامَنُواْ} تلقينا للملائكة ما يثبتونهم به، كأنه قال: قولوا لهم قولي: {سَأُلْقِى فِي قُلُوبِ الذين كَفَرُواْ الرعب} أو كأنهم قالوا: كيف نثبتهم؟ فقيل: قولوا لهم قولي: {سَأُلْقِى} فالضاربون على هذا هم المؤمنون.

.تفسير الآيات (13- 14):

{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (13) ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ (14)}
{ذلكم} إشارة إلى ما أصابهم من الضرب والقتل والعقاب العاجل، ومحله الرفع على الابتداء و{بِأَنَّهُمْ} خبره، أي ذلك العقاب وقع عليهم بسبب مشاقتهم. والمشاقة: مشتقة من الشق، لأن كلا المتعاديين في شق خلاف شق صاحبه، وسئلت في المنام عن اشتقاق المعاداة فقلت: لأن هذا في عدوة وذاك في عدوة، كما قيل: المخاصمة والمشاقة، لأن هذا في خصم أي في جانب، وذاك في خصم، وهذا في شق، وذاك في شق. والكاف في {ذلك} لخطاب الرسول عليه الصلاة و السلام، أو لخطاب كل واحد، وفي {ذلكم} للكفرة، على طريقة الالتفات. ومحل {ذلكم} الرفع على ذلكم العقاب، أو العقاب ذلكم {فَذُوقُوهُ} ويجوز أن يكون نصباً على: عليكم ذلكم فذوقوه، كقولك: زيداً فاضربه {وَأَنَّ للكافرين} عطف على ذلكم في وجهيه، أو نصب على أن الواو بمعنى مع. والمعنى: ذوقوا هذا العذاب العاجل مع الآجل الذي لكم في الآخرة، فوضع الظاهر موضع الضمير، وقر الحسن {وإن للكافرين} بالكسر.

.تفسير الآيات (15- 16):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (15) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (16)}
{زَحْفاً} حال من الذين كفروا. والزحف: الجيش الدهم لذي يرى لكثرته كأنه يزحف، أي يدب دبيباً، من زحف الصبي إذا دبّ على إسته قليلاً قليلاً، سمي بالمصدر والجمع زحوف والمعنى: إذا لقيتموهم للقتال وهم كثير جم وأنتم قليل فلا تفرّوا، فضلاً أن تدانوهم في العدد أو تساووهم، أو حال من الفريقين. أي إذا لقيتموهم متزاحفين هم وأنتم، أو حال من المؤمنين كأنهم أُشعروا بما كان سيكون منهم يوم حنين حين تولوا مدبرين، وهم زحف من الزحوف اثني عشر ألفاً، وتقدمه نهي لهم عن الفرار يومئذٍ. وفي قوله: {وَمَن يُوَلّهِمْ يَوْمَئِذٍ} أمارة عليه {إِلاَّ مُتَحَرّفاً لّقِتَالٍ} هو الكرّ بعد الفرّ، يخيل عدوّه أنه منهزم ثم يعطف عليه، وهو باب من خدع الحرب ومكايدها {أَوْ مُتَحَيّزاً} أو منحازاً {إلى فِئَةٍ} إلى جماعة أخرى من المسلمين سوى الفئة التي هو فيها.
وعن ابن عمر رضي الله عنه: (خرجت سرية وأنا فيهم ففرّوا فلما رجعوا إلى المدينة استحيوا فدخلوا البيوت، فقلت: يا رسول الله نحن الفرّارون، فقال: بل أنتم العكارون وأنا فئتكم). وانهزم رجل من القادسية، فأتى المدينة إلى عمر رضي الله عنه فقال: يا أمير المؤمنين هلكت، فررت من الزحف، فقال عمر رضي الله عنه: أنا فئتك.
وعن ابن عباس رضي الله عنه: إنّ الفرار من الزحف من أكبر الكبائر.
فإن قلت: بم انتصب {إِلاَّ مُتَحَرّفاً}؟ قلت: على الحال، وإلا لغو. أو على الاستثناء من المولين، أي: ومن يولهم إلا رجلاً منهم متحرّفاً أو متحيزاً.
وقرأ الحسن {دبره} بالسكون ووزن متحيز متفيعل لا متفعل، لأنه من حاز يحوز، فبناء متفعل منه متحوّز.

.تفسير الآيات (17- 18):

{فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (17) ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ (18)}
لما كسروا أهل مكة وقتلوا وأسروا أقبلوا على التفاخر، فكان القائل يقول: قتلت وأسرت، ولما طلعت قريش قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذه قريش قد جاءت بخيلائها وفخرها يكذبون رسلك، اللهم إني أسألك ما وعدتني، فأتاه جبريل عليه السلام فقال: خذ قبضة من تراب فارمهم بها، فقال:- لما التقى الجمعان- لعلي رضي الله عنه: أعطني قبضة من حصباء الوادي، فرمى بها في وجوههم وقال: شاهت الوجوه» فلم يبق مشرك إلا شغل بعينيه، فانهزموا وردفهم المؤمنون يقتلونهم ويأسرونهم، فقيل لهم {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ} والفاء جواب شرط محذوف تقديره: إن افتخرتم بقتلهم فأنتم لم تقتلوهم {ولكن الله قَتَلَهُمْ} لأنه هو الذي أنزل الملائكة وألقى الرعب في قلوبهم، وشاء النصر والظفر وقوّى قلوبكم، وأذهب عنها الفزع والجزع {وَمَا رَمَيْتَ} أنت يا محمد {إِذْ رَمَيْتَ ولكن الله رمى} يعني أنّ الرمية التي رميتها لم ترمها أنت على الحقيقة، لأنك لو رميتها لما بلغ أثرها إلا ما يبلغه أثر رمي البشر، ولكنها كانت رمية الله حيث أثرت ذلك الأثر العظيم، فأثبت الرمية لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأنّ صورتها وجدت منه، ونفاها عنه لأنّ أثرها الذي لا تطيقه البشر فعل الله عزّ وجلّ، فكأن الله هو فاعل الرمية على الحقيقة، وكأنها لم توجد من الرسول عليه الصلاة والسلام أصلاً. وقرئ {ولكن الله قتلهم} ولكن الله رمى، بتخفيف {لكن} ورفع ما بعده {وَلِيُبْلِىَ المؤمنين} وليعطيهم {بَلاء حَسَنًا} عطاء جميلاً. قال زهير:
فَأبلاَهُمَا خَيْرَ الْبَلاَءِ الَّذِي يَبْلُو

والمعنى: وللإحسان إلى المؤمنين فعل ما فعل، وما فعله إلا لذلك {إِنَّ الله سَمِيعٌ} لدعائهم {عَلِيمٌ} بأحوالهم.

.تفسير الآية رقم (19):

{إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (19)}
{إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَاءكُمُ الفتح} خطاب لأهل مكة على سبيل التهكم، وذلك أنهم حين أرادوا أن ينفروا تعلقوا بأستار الكعبة وقالوا: اللهمّ انصر أقرانا للضيف وأوصلنا للرحم وأفكنا للعاني، إن كان محمد على حق فانصره، وإن كنا على حق فانصرنا.
وروي: أنهم قالوا: اللهم انصر أعلى الجندين، وأهدى الفئتين، وأكرم الحزبين.
وروي أنّ أبا جهل قال يوم بدر: اللهمّ أينا كان أهجر وأقطع للرحم فأحنه اليوم، أي فأهلكه. وقيل: {إِن تَسْتَفْتِحُواْ} خطاب للمؤمنين {وَإِن تَنتَهُواْ} خطاب للكافرين، يعني: وإن تنتهوا عن عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم {فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} وأسلم {وَإِن تَعُودُواْ} لمحاربته {نَعُدْ} لنصرته عليكم {وَأَنَّ الله} قرئ بالفتح على: ولأن الله معين المؤمنين كان ذلك وقرئ بالكسر، وهذه أوجه. ويعضدها قراءة ابن مسعود {والله مع المؤمنين} وقرئ {ولن يغني عنكم} بالياء للفصل.

.تفسير الآيات (20- 23):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (20) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (21) إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (22) وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23)}
{وَلاَ تَوَلَّوْاْ} قرئ بطرح إحدى التاءين وإدغامها، والضمير في {عَنْهُ} لرسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنّ المعنى: وأطيعوا رسول الله كقوله: الله ورسوله أحق أن يرضوه، ولأنّ طاعة الرسول وطاعة الله شيء واحد {مَّنْ يُطِعِ الرسول فَقَدْ أَطَاعَ الله} [النساء: 8] فكأن رجوع الضمير إلى أحدهما كرجوعه إليهما، كقولك: الإحسان والإجمال لا ينفع في فلان. ويجوز أن يرجع إلى الأمر بالطاعة، أي: ولا تولوا عن هذا الأمر وامتثاله وأنتم تسمعونه. أو ولا تتولوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تخالفوه {وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ} أي تصدقون لأنكم مؤمنون لستم كالصمّ المكذبين من الكفرة {وَلاَ تَكُونُواْ كالذين قَالُواْ سَمِعْنَا} أي ادّعوا السماع {وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ} لأنهم ليسوا بمصدّقين فكأنهم غير سامعين. والمعنى: أنكم تصدّقون بالقرآن والنبوة، فإذا توليتم عن طاعة الرسول في بعض الأمور من قسمة الغنائم وغيرها، كان تصديقكم كلا تصديق، وأشبه سماعكم سماع من لا يؤمن. ثم قال: {إِنَّ شَرَّ الدواب} أي إن شر من يدب على وجه الأرض. أوإنّ شر البهائم الذين هم صمّ عن الحق لا يعقلونه، جعلهم من جنس البهائم، ثم جعلهم شرّها {وَلَوْ عَلِمَ الله} في هؤلاء الصم البكم {خَيْرًا} أي انتفاعاً باللطف {لأسْمَعَهُمْ} للطف بهم حتى يسمعوا سماع المصدقين، ثم قال: {وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ} عنه. يعني: ولو لطف بهم لما نفع فيهم اللطف، فلذلك منعهم ألطافه. أو ولو لطف بهم فصدقوا لارتدوا بعد ذلك وكذبوا ولم يستقيموا، وقيل: هم بنو عبد الدار بن قصي لم يسلم منهم إلا رجلان: مصعب بن عمير، وسويد بن حرملة: كانوا يقولون: نحن صم بُكم عُمي عما جاء به محمد، لا نسمعه ولا نجيبه، فقتلوا جميعاً بأحد، وكانوا أصحاب اللواء.
وعن ابن جريج: هم المنافقون.
وعن الحسن: أهل الكتاب.

.تفسير الآية رقم (24):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24)}
{إِذَا دَعَاكُمْ} وحد الضمير كما وحده فيما قبله، لأن استجابة رسول الله صلى الله عليه وسلم كاستجابته، وإنما يذكر أحدهما مع الآخر للتوكيد، والمراد بالاستجابة. الطاعة والامتثال. وبالدعوة: البعث والتحريض. وروى أبو هريرة: «أن النبي صلى الله عليه وسلم مرّ على باب أبيّ بن كعب فناداه وهو في الصلاة فعجل في صلاته ثم جاء فقال: ما منعك عن إجابتي؟ قال: كنت أصلي. قال: ألم تخبر فيما أوحي إليّ {استجيبوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ} قال: لا جرم لا تدعوني إلا أجبتك» وفيه قولان، أحدهما: إن هذا مما اختص به رسول الله صلى الله عليه وسلم. والثاني أن دعاءه كان لأمر لم يحتمل التأخير، وإذا وقع مثله للمصلي فله أن يقطع صلاته {لِمَا يُحْيِيكُمْ} من علوم الديانات والشرائع، لأن العلم حياة، كما أنّ الجهل موت. ولبعضهم:
لاَ تُعْجِبَنَّ الْجَهُولَ حُلَّتُه ** فَذَاكَ مَيْتٌ وَثَوْبُهُ كَفَنُ

وقيل لمجاهدة الكفار، لأنهم لو رفضوها لغلبوهم وقتلوهم، كقوله: {وَلَكُمْ فِي القصاص حياة} [البقرة: 179] وقيل للشهادة، لقوله: {بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبّهِمْ} [آل عمران: 169]. {واعلموا أَنَّ الله يَحُولُ بَيْنَ المرء وَقَلْبِهِ} يعني أنه يميته فتفوته الفرصة التي هو واجدها وهي التمكن من إخلاص القلب ومعالجة أدوائه وعلله ورده سليماً كما يريده الله، فاغتنموا هذه الفرصة، وأخلصوا قلوبكم لطاعة الله ورسوله {واعلموا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} فيثيبكم على حسب سلامة القلوب وإخلاص الطاعة. وقيل: معناه إنّ الله قد يملك على العبد قلبه فيفسخ عزائمه، ويغير نياته ومقاصده، ويبدله بالخوف أمناً وبالأمن خوفاً وبالذكر نسياناً، وبالنسيان ذكراً، وما أشبه ذلك مما هو جائز على الله تعالى. فأما ما يثاب عليه العبد ويعاقب من أفعال القلوب فلا، والمجبرة على أنه يحول بين المرء والإيمان إذا كفر، وبينه وبين الكفر إذا آمن، تعالى عما يقول الظالمون علواً كبيراً.
وقيل معناه: أنه يطلع على كل ما يخطره المرء بباله، لا يخفي عليه شيء من ضمائره، فكأنه بينه وبين قلبه. وقرئ: {بين المرّ} بتشديد الراء. ووجهه أنه قد حذف الهمزة وألقى حركتها على الراء، كالخب، ثم نوى الوقف على لغة من يقول: مررت بعمر.