فصل: تفسير الآية رقم (109):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل



.تفسير الآية رقم (109):

{وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (109)}
{واصبر} على دعوتهم واحتمال أذاهم وإعراضهم {حتى يَحْكُمَ الله} لك بالنصرة عليهم والغلبة.
وروي أنها لما نزلت جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنصار فقال: «إنكم ستجدون بعدي أثرة، فاصبروا حتى تلقوني» يعني أني أُمرت في هذه الآية بالصبر على ما سامتني الكفرة فصبرت فاصبروا أنتم على ما يسومكم الأمراء الجورة، قال أنس: فلم نصبر.
وروي أنّ أبا قتادة تخلف عن تلقي معاوية حين قدم المدينة وقد تلقته الأنصار، ثم دخل عليه من بعد، فقال له: ما لك لم تتلقنا؟ قال: لم تكن عندنا دواب. قال: فأين النواضح؟ قال: قطعناها في طلبك وطلب أبيك يوم بدر، وقال صلى الله عليه وسلم: «يا معشر الأنصار، إنكم ستلقون بعدي أثرة» قال معاوية: فماذا قال: قال: «فاصبروا حتى تلقوني» قال فاصبر. قال: إذن نصبر. فقال عبد الرحمن بن حسان:
أَلاَ أبْلِغْ مُعَاوِيَةَ بْنَ حَرْب ** أَمِيرَ الظّالِمِينَ نَثَا كَلاَمِي

بِأَنّا صَابِرُونَ فَمُنْظِرُوكُم ** إلَى يَوْمِ التَّغَابُنِ وَالْخِصَامِ

عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة يونس أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من صدق بيونس وكذب به، وبعدد من غرق مع فرعون».

.سورة هود:

.تفسير الآية رقم (1):

{الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1)}
{أُحْكِمَتْ ءاياته} نظمت نظما رصينا محكماً لا يقع في نقض ولا خلل، كالبناء المحكم المرصف. ويجوز أن يكون نقلا بالهمزة، من (حكم) بضم الكاف، إذا صار حكيماً: أي جعلت حكيمة، كقوله تعالى: {آيات الكتاب الحكيم} [يونس: 1] وقيل: منعت من الفساد، من قولهم: أحكمت الدابة إذا وضعت عليها الحكمة لتمنعها من الجماح. قال جرير:
أبَنِي حَنِيفَةَ أَحْكِمُوا سُفَهَاءَكُم ** إنِّي أخَافُ عَلَيْكُمُ أنْ أغْضَبَا

وعن قتادة: أُحكمت من الباطل {ثُمّ فُصّلَتْ} كما تفصل القلائد بالفرائد، من دلائل التوحيد، والأحكام، والمواعظ، والقصص. أو جعلت فصولاً، سورة سورة، وآية آية. وفرقت في التنزيل ولم تنزل جملة واحدة. أو فصل فيها ما يحتاج إليه العباد: أي بين ولخص. وقرئ: {أحكمت آياته ثم فصلت} أي أحكمتها أنا ثم فصلتها.
وعن عكرمة والضحاك: ثم فصلت، أي فرّقت بين الحق والباطل.
فإن قلت: ما معنى ثم؟ قلت: ليس معناها التراخي في الوقت، ولكن في الحال، كما تقول: هي محكمة أحسن الإحكام، ثم مفصلة أحسن التفصيل. وفلان كريم الأصل، ثم كريم الفعل، وكتاب: خبر مبتدأ محذوف وأحكمت: صفة له. وقوله: {مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} صفة ثانية. ويجوزأن يكون خبراً بعد خبر، وأن يكون صلة لأحكمت وفصلت، أي: من عنده إحكامها وتفصيلها، وفيه طباق حسن؛ لأنَّ المعنى: أحكمها حكيم وفصلها: أي بينها وشرحها خبير عالم بكيفيات الأمور.

.تفسير الآيات (2- 4):

{أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (2) وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (3) إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (4)}
{أَلاَّ تَعْبُدُواْ} مفعول له على معنى: لئلا تعبدوا. أو تكون (إن) مفسرة؛ لأنّ في تفصيل الآيات معنى القول، كأنه قيل قال لا تعبدوا إلا الله، أو أمركم أن لا تعبدوا إلا الله {وَأَنِ استغفروا} أي أمركم بالتوحيد والاستغفار. ويجوز أن يكون كلاماً مبتدأ منقطعاً عما قبله على لسان النبي صلى الله عليه وسلم، إغراء منه على اختصاص الله بالعبادة. ويدل عليه قوله: {إِنّنى لَكُمْ مّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ} كأنه قال: ترك عبادة غير الله، إنني لكم منه نذير، كقوله تعالى: {فَضَرْبَ الرقاب} [محمد: 4] والضمير في {مِّنْهُ} لله عز وجل، أي: إنني لكم نذير وبشير من جهته، كقوله: {رَسُولٌ مّنَ الله} [البينة: 2] أو هي صلة لنذير، أي: أنذركم منه ومن عذابه إن كفرتم، وأبشركم بثوابه إن آمنتم.
فإن قلت: ما معنى ثم في قوله: {ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ}؟ قلت: معناه استغفروا من الشرك، ثم ارجعوا إليه بالطاعة. أو استغفروا، والاستغفار توبة، ثم أخلصوا التوبة واستقيموا عليها، كقوله: {ثُمَّ استقاموا} [الأحقاف: 13]. {يُمَتّعْكُمْ} يطوّل نفعكم في الدنيا بمنافع حسنة مرضية، من عيشة واسعة، ونعمة متتابعة {إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى} إلى أن يتوفاكم، كقوله: {فَلَنُحْيِيَنَّهُ حياة طَيّبَةً} [النحل: 97] {وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ} ويعط في الآخرة كل من كان له فضل في العمل وزيادة فيه جزاء فضله لا يبخس منه. أو فضله في الثواب، والدرجات تتفاضل في الجنة على قدر تفاضل الطاعات {وَإِن تَوَلَّوْاْ} وإن تتولوا {عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ} هو يوم القيامة، وصف بالكبر كما وصف بالعظم والثقل. وبين عذاب اليوم الكبير بأن مرجعهم إلى من هو قادر على كل شيء، فكان قادراً على أشدّ ما أراد من عذابهم لا يعجزه. وقرئ: {وإن تولوا} من ولي.

.تفسير الآية رقم (5):

{أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (5)}
{يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ} يزورّون عن الحق وينحرفون عنه؛ لأن من أقبل على الشيء استقبله بصدره، ومن ازورّ عنه وانحرف ثنى عنه صدره وطوى عنه كشحه {لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ} يعني: ويريدون ليستخفوا من الله، فلا يطلع رسوله والمؤمنين على ازورارهم. ونظير إضمار يريدون- لقود المعنى إلى إضماره- الإضمار في قوله تعالى: {اضرب بّعَصَاكَ البحر فانفلق} [الشعراء: 63] معناه فضرب فانفلق. ومعنى {أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ} ويزيدون الاستخفاء حين يستغشون ثيابهم أيضاً، كراهة لاستماع كلام الله تعالى: كقول نوح عليه السلام: {جَعَلُواْ أصابعهم فِي ءاذانهم واستغشوا ثِيَابَهُمْ} [نوح: 7] ثم قال: {يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ} يعني أنه لا تفاوت في علمه بين إسرارهم وإعلانهم، فلا وجه لتوصلهم إلى ما يريدون من الاستخفاء، والله مطلع على ثنيهم صدورهم واستغشائهم ثيابهم، ونفاقهم غير نافق عنده. روي أنها نزلت في الأخنس بن شريق وكان يظهر لرسول الله صلى الله عليه وسلم المحبة وله منطق حلو وحسن سياق للحديث، فكان يعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم مجالسته ومحادثته، وهو يضمر خلاف ما يظهر. وقيل: نزلت في المنافقين. وقرئ: {تثنوني صدورهم}، {واثنونى} من الثني، كاحلولى من الحلاوة، وهو بناء مبالغة، قرئ بالتاء والياء.
وعن ابن عباس لتثنوني. وقرئ تثنونّ وأصله تثنونن (تفعوعل) من الثن وهو ما هش وضعف من الكلأ، يريد: مطاوعة صدورهم للثني، كما ينثني الهش من النبات. أو أراد ضعف إيمانهم ومرض قلوبهم. وقرئ: {تثنئن} من اثنأن (افعال) منه، ثم همز كما قيل: ابيأضت، وادهأمت وقرئ: {تثنوي} بوزن ترعوي.

.تفسير الآية رقم (6):

{وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (6)}
فإن قلت: كيف قال: {عَلَى الله رِزْقُهَا} بلفظ الوجوب وإنما هو تفضل؟ قلت: هو تفضل إلا أنه لما ضمن أن يتفضل به عليهم، رجع التفضل واجباً كنذور العباد. والمتستقرّ: مكانه من الأرض ومسكنه. والمتسودع حيث كان مودعاً قبل الاستقرار، من صلب، أو رحم، أو بيضة {وَمُسْتَوْدَعَهَا} كل واحد من الدواب ورزقها ومستقرّها ومستودعها في اللوح، يعني ذكرها مكتوب فيه مبين.

.تفسير الآية رقم (7):

{وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (7)}
{وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الماء} أي ما كان تحته خلق قبل خلق السموات والأرض. وارتفاعه فوقها إلا الماء. وفيه دليل على أنّ العرش والماء كانا مخلوقين قبل السموات والأرض. وقيل: وكان الماء على متن الريح، والله أعلم بذلك، وكيفما كان فالله ممسك كل ذلك بقدرته، وكلما ازدادت الأجرام كانت أحوج إليه وإلى إمساكه {لِيَبْلُوَكُمْ} متعلق بخلق، أي خلقهن لحكمة بالغة، وهي أن يجعلها مساكن لعباده، وينعم عليهم فيها بفنون النعم، ويكلفهم الطاعات واجتناب المعاصي، فمن شكر وأطاع أثابه، ومن كفر وعصى عاقبه. ولما أشبه ذلك اختبار المختبر قال: ليبلوكم. يريد: ليفعل بكم ما يفعل المبتلي لأحوالكم كيف تعملون.
فإن قلت: كيف جاز تعليق فعل البلوى؟ قلت: لما في الاختبار من معنى العلم؛ لأنه طريق إليه فهو ملابس له، كما تقول: انظر أيهم أحسن وجهاً واسمع أيهم أحسن صوتاً؛ لأنّ النظر والاستماع من طريق العلم. فإن قلت كيف قيل: {أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} وأعمال المؤمنين هي التي تتفاوت إلى حسن وأحسن، فأمّا أعمال المؤمنين والكافرين فتفاوتها إلى حسن وقبيح؟ قلت: الذين هم أحسن عملا هم المتقون، وهم الذين استبقوا إلى تحصيل ما هو غرض الله من عباده، فخصهم بالذكر واطرح ذكر من وراءهم تشريفاً لهم وتنبيهاً على مكانهم منه، وليكون ذلك لطفاً للسامعين، وترغيباً في حيازة فضلهم.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «ليبلوكم أيكم أحسن عقلاً، وأورع عن محارم الله وأسرع في طاعة الله» قرئ: {ولئن قلت إنكم مبعثون} بفتح الهمزة. ووجهه أن يكون من قولهم: ائت السوق عنك تشتري لنا لحماً، وأنك تشتري بمعنى علك، أي: ولئن قلت لهم لعلكم مبعوثون، بمعنى: توقعوا بعثكم وظنوه، ولا تبتوا القول بإنكاره، لقالوا: {إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ} باتين القول ببطلانه. ويجوز أن تضمن {قلت} معنى (ذكرت) ومعنى قولهم: {إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ} أنّ السحر أمر باطل، وأن بطلانه كبطلان السحر تشبيهاً له به. أو أشاروا بهذا إلى القرآن لأن القرآن هو الناطق بالبعث، فإذا جعلوه سحراً فقد اندرج تحته إنكار ما فيه من البعث وغيره. وقرئ: {إن هذا إلا ساحر}، يريدون الرسول، والساحر: كاذب مبطل.

.تفسير الآية رقم (8):

{وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (8)}
{العذاب} عذاب الآخرة.
وقيل عذاب يوم بدر.
وعن ابن عباس: قتل جبريل المستهزئين {إلى أُمَّةٍ} إلى جماعة من الأوقات {مَا يَحْبِسُهُ} ما يمنعه من النزول استعجالاً له على وجه التكذيب والاستهزاء. و{يَوْمَ يَأْتِيهِمُ} منصوب بخبر ليس، ويستدل به من يستجيز تقديم خبر ليس على ليس، وذلك أنه إذا جاز تقديم معمول خبرها عليها، كان ذلك دليلاً على جواز تقديم خبرها؛ إذ المعمول تابع للعامل، فلا يقع إلا حيث يقع العامل {وَحَاقَ بِهِم} وأحاط بهم {مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءونَ} العذاب الذي كانوا به يستعجلون. وإنما وضع يستهزئون موضع يستعجلون؛ لأنّ استعجالهم كان على جهة الاستهزاء. والمعنى: ويحيق بهم إلا أنه جاء على عادة الله في أخباره.

.تفسير الآيات (9- 11):

{وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ (9) وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (10) إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (11)}
{الإنسان} للجنس {رَحْمَةً} نعمة من صحة وأمن وجدة {ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ} ثم سلبنا تلك النعمة {إنه ليؤوس} شديد اليأس من أن تعود إليه مثل تلك النعمة المسلوبة. قاطع رجاءه من سعة فضل الله من غير صبر ولا تسليم لقضائه ولا استرجاع {كَفُورٌ} عظيم الكفران لما سلف له من التقلب في نعمة الله نَسَّاءٌ له {ذَهَبَ السيئات عَنّي} أي المصائب التي ساءتني {إِنَّهُ لَفَرِحٌ} أشر بطر {فَخُورٌ} على الناس بما أذاقه الله من نعمائه، قد شغله الفرح والفخر عن الشكر {إِلاَّ الذين} آمنوا، فإنّ عادتهم إن نالتهم رحمة أن يشكروا، وإن زالت عنهم نعمة أن يصبروا.

.تفسير الآية رقم (12):

{فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (12)}
كانوا يقترحون عليه آيات تعنتاً لا استرشاداً، لأنهم لو كانوا مسترشدين لكانت آية واحدة مما جاء به كافية في رشادهم. ومن اقتراحاتهم {لَوْلاَ أُنُزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَاء مَعَهُ مَلَكٌ} وكانوا لا يعتدون بالقرآن ويتهاونون به وبغيره مما جاء به من البينات، فكان يضيق صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلقى إليهم ما لا يقبلونه ويضحكون منه، فحرّك الله منه وهيجه لأداء الرسالة وطرح المبالاة بردّهم واستهزائهم واقتراحهم بقوله: {فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يوحى إِلَيْكَ} أي لعلك تترك أن تلقيه إليهم وتبلغه إياهم مخافة ردّهم له وتهاونهم به {وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ} بأن تتلوه عليهم {أَن يَقُولُواْ} مخافة أن يقولوا: {لَوْلاَ أُنُزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ} أي هلا أنزل عليه ما اقترحنا نحن من الكنز والملائكة ولم أنزل عليه ما لا نريده ولا نقترحه، ثم قال: {إِنَّمَا أَنتَ نَذِيرٌ} أي ليس عليك إلا أن تنذرهم بما أوحي إليك وتبلغهم ما أمرت بتبليغه، ولا عليك ردّوا أو تهاونوا أو اقترحوا {والله على كُلّ شَيْء وَكِيلٌ} يحفظ ما يقولون، وهو فاعل بهم ما يجب أن يفعل، فتوكل عليه، وكل أمرك إليه، وعليك بتبليغ الوحي بقلب فسيح وصدر منشرح، غير ملتفت إلى استكبارهم ولا مبال بسفههم واستهزائهم.
فإن قلت: لم عدل عن ضيق إلى ضائق؟ قلت: ليدل على أنه ضيق عارض غير ثابت، لأنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أفسح الناس صدراً. ومثله قولك: زيد سيد وجواد، تريد السيادة والجود الثابتين المستقرين، فإذا أردت الحدوث قلت: سائد وجائد ونحوه كانوا قوماً عامين في بعض القراءات، وقول السمهري العكلي:
بِمَنْزِلَةٍ أَمَّا اللَّئِيمُ فَسَامِن ** بِهَا وَكِرَامُ النّاسِ بَادٍ شُحُوبُهَا