فصل: تفسير الآيات (120- 122):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل



.تفسير الآيات (120- 122):

{وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (120) وَقُلْ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ (121) وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (122)}
{وَكُلاًّ} التنوين فيه عوض من المضاف إليه كأنه قيل. وكل نبأ {نَقُصُّ عَلَيْكَ} و{مِنْ أَنْبَاء الرسل} بيان لكل. {وَمَا نُثَبّتُ بِهِ فُؤَادَكَ} بدل من كلا. ويجوز أن يكون المعنى: و كل واقتصاص نقصّ عليك، على معنى: وكل نوع من أنواع الاقتصاص نقصّ عليك، يعني: على الأساليب المختلفة، و{مَا نُثَبّتُ بِهِ} مفعول نقصّ. ومعنى تثبيت فؤاده: زيادة يقينه وما فيه طمأنينة قلبه، لأن تكاثر الأدلة أثبت للقلب وأرسخ للعلم {وَجَاءكَ فِي هذه الحق} أي في هذه السورة. أو في هذه الأنباء المقتصة فيها ما هو حق {وَمَوْعِظَةٌ وذكرى لِلْمُؤْمِنِينَ وَقُل لّلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ} من أهل مكة وغيرهم {اعملوا} على حالكم وجهتكم التي أنتم عليها {إِنَّا عَامِلُونَ وانتظروا} بنا الدوائر {إِنَّا مُنتَظِرُونَ} أن ينزل بكم نحو ما اقتص الله من النقم النازلة بأشباهكم.

.تفسير الآية رقم (123):

{وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123)}
{وَللَّهِ غَيْبُ السماوات والأرض} لا تخفى عليه خافية مما يجري فيهما، فلا تخفى عليه أعمالكم {وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأمر كُلُّهُ} فلا بدّ أن يرجع إليه أمرهم وأمرك، فينتقم لك منهم {فاعبده وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ} فإنه كافيك وكافلك {وَمَا رَبُّكَ بغافل عَمَّا تَعْمَلُونَ} وقرئ: {تعملون} بالتاء: أي أنت وهم على تغليب المخاطب.
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة هود أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من صدّق بنوحٍ ومَن كَذَّبَ به، وهود وصالح وشعيب ولوط وإبراهيم وموسى وكان يوم القيامة من السعداء إن شاء الله تعالى ذلك».

.سورة يوسف:

.تفسير الآيات (1- 3):

{الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (1) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآَنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (3)}
{تِلْكَ} إشارة إلى آيات السورة. و{الكتاب المبين} السورة، أي تلك الآيات التي أنزلت إليك في هذه السورة آيات السورة الظاهر أمرها في إعجاز العرب وتبكيتهم. أو التي تبين لمن تدبرها أنها من عند الله لا من عند البشر. أو الواضحة التي لا تشتبه على العرب معانيها لنزولها بلسانهم. أو قد أبين فيها ما سألت عنه اليهود من قصة يوسف. فقد روي أن علماء اليهود قالوا لكبراء المشركين: سلوا محمداً لم انتقل آل يعقوب من الشام إلى مصر؟ وعن قصة يوسف {أنزلناه} أنزلنا هذا الكتاب الذي فيه قصة يوسف في حال كونه {قُرْءاناً عَرَبِيّاً} وسمى بعض القرآن قرآناً، لأنّ القرآن اسم جنس يقع على كله وبعضه {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} إرادة أن تفهموه وتحيطوا بمعانيه ولا يلتبس عليكم {وَلَوْ جعلناه قُرْءاناً أعْجَمِيّاً لَّقَالُواْ لَوْلاَ فُصّلَتْ ءاياته} [فصلت: 44]. {القصص} على وجهين: يكون مصدراً بمعنى الاقتصاص، تقول: قصّ الحديث يقصه قصصاً، كقولك: شله يشله شللاً، إذا طرده. ويكون (فعلا) بمعنى (مفعول) كالنفض والحسب. ونحوه النبأ والخبر: في معنى المنبأ به والمخبر به. ويجوز أن يكون من تسمية المفعول بالمصدر، كالخلق والصيد. وإن أريد المصدر، فمعناه: نحن نقص عليك أحسن القصص {بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هذا القرءان} أي بإيحائنا إليك هذه السورة، على أن يكون أحسن منصوباً نصب المصدر، لإضافته إليه، ويكون المقصوص محذوفاً؛ لأنّ قوله: {بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هذا القرءان} مغن عنه. ويجوز أن ينتصب هذا القرآن بنقصّ، كأنه قيل: نحن نقص عليك أحسن الاقتصاص هذا القرآن بإيحائنا إليك. والمراد بأحسن الاقتصاص: أنه اقتصّ على أبدع طريقة وأعجب أسلوب. ألا ترى أنّ هذا الحديث مقتص في كتب الأولين وفي كتب التواريخ، وألا ترى اقتصاصه في كتاب منها مقارباً لاقتصاصه في القرآن. وإن أريد بالقصص المقصوص. فمعناه: نحن نقص عليك أحسن ما يقص من الأحاديث، وإنما كان أحسنه لما يتضمن من العبر والنكت والحكم والعجائب التي ليست في غيرها والظاهر أنه أحسن ما يقتص في بابه، كما يقال في الرجل: هو أعلم الناس وأفضلهم، يراد في فنه.
فإن قلت: ممّ اشتقاق القصص؟ قلت: من قصّ أثره إذا اتبعه، لأنّ الذي يقصّ الحديث يتبع ما حفظ منه شيئاً فشيئاً، كما يقال: تلا القرآن، إذا قرأه، لأنه يتلو أي يتبع ما حفظ منه آية بعد آية {وَإِن كُنتُ} إن مخففة من الثقيلة. واللام هي التي تفرق بينها وبين النافية. والضمير في {قَبْلِهِ} راجع إلى قوله: ما أوحينا والمعنى: وإنّ الشأن والحديث كنت من قبل إيحائنا إليك من الغافلين عنه، أي: من الجاهلين به، ما كان لك فيه علم قط ولا طرق سمعك طرف منه.

.تفسير الآية رقم (4):

{إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4)}
{إِذْ قَالَ يُوسُفُ} بدل من أحسن القصص، وهو من بدل الاشتمال، لأن الوقت مشتمل على القصص وهو المقصوص، فإذا قصَّ وقته فقد قص. أو بإضمار (اذكر) ويوسف اسم عبراني، وقيل عربي وليس بصحيح؛ لأنه لو كان عربياً لانصرف لخلوّه عن سبب آخر سوى التعريف.
فإن قلت: فما تقول فيمن قرأ: {يوسِف} بكسر السين، أو {يوسَف} بفتحها، هل يجوز على قراءته أن يقال (هو عربي) لأنه على وزن المضارع المبني للفاعل أو المفعول من آسف. وإنما منع الصرف للتعريف ووزن الفعل؟ قلت: لا؛ لأنّ القراءة المشهورة قامت بالشهادة، على أن الكلمة أعجمية، فلا تكون عربية تارة وأعجمية أخرى، ونحو يوسف: يونس، رويت فيه هذه اللغات الثلاث ولا يقال هو عربي لأنه في لغتين منها بوزن المضارع من آنس وأونس.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا قيل: من الكريم؟ فقولوا: الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم: يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم» {يا أبت} قرئ بالحركات الثلاث.
فإن قلت: ما هذه التاء؟ قلت: تاء تأنيث وقعت عوضاً من ياء الإضافة، والدليل على أنها تاء تأنيث قلبها هاء في الوقف.
فإن قلت: كيف جاز إلحاق تاء التأنيث بالمذكر؟ قلت: كما جاز نحو قولك: حمامة ذكر وشاة ذكر، ورجل ربعة، وغلام يفعة.
فإن قلت: فلم ساغ تعويض تاء التأنيث من ياء الإضافة؟ قلت: لأنّ التأنيث والإضافة يتناسبان في أنّ كل واحد منهما زيادة مضمومة إلى الاسم في آخره. فإن قلت فما هذه الكسرة؟ قلت: هي الكسرة التي كانت قبل الياء في قولك: يا أبي، قد زحلقت إلى التاء، لاقتضاء تاء التأنيث أن يكون ما قبلها مفتوحاً: فإن قلت: فما بال الكسرة لم تسقط بالفتحة التي اقتضتها التاء وتبقى التاء ساكنة؟ قلت: امتنع ذلك فيها، لأنها اسم، والأسماء حقها التحريك لأصالتها في الإعراب، وإنما جاز تسكين الياء وأصلها أن تحرّك تخفيفاً، لأنها حرف لين. وأما التاء فحرف صحيح نحو كاف الضمير، فلزم تحريكها.
فإن قلت: يشبه الجمع بين التاء وبين هذه الكسرة الجمع بين العوض والمعوّض منه، لأنها في حكم الياء، إذا قلت: يا غلام، فكما لا يجوز {يا أبتي} لا يجوز {يا أبت}. قلت الياء والكسرة قبلها شيآن والتاء عوض من أحد الشيئين، وهو الياء والكسرة غير متعرض لها، فلا يجمع بين العوض والمعوض منه، إلا إذا جمع بين التاء والياء لا غير. ألا ترى إلى قولهم {يا أبتا} مع كون الألف فيه بدلا من التاء، كيف جاز الجمع بينها وبين التاء، ولم يعد ذلك جمعاً بين العوض والمعوّض منه، فالكسرة أبعد من ذلك.
فإن قلت: فقد دلت الكسرة في يا غلام على الإضافة؛ لأنها قرينة الياء ولصيقتها. فإن دلت على مثل ذلك في {يا أبت} فالتاء المعوّضة لغو: وجودها كعدمها.
قلت: بل حالها مع التاء كحالها مع الياء إذا قلت يا أبي.
فإن قلت: فما وجه من قرأ بفتح التاء وضمها؟ قلت: أما من فتح فقد حذف الألف من {يا أبتا} واستبقى الفتحة قبلها، كما فعل من حذف الياء في (يا غلام) ويجوز أن يقال: حركها بحركة الباء المعوض منها في قولك (يا أبي). وأما من ضم فقد رأى اسماً في آخره تاء تأنيث، فأجراه مجرى الأسماء المؤنثة بالتاء فقال: (يا أبت) كما تقول (ياتبة) من غير اعتبار لكونها عوضاً من ياء الإضافة، وقرئ: (إني رأيت) بتحريك الياء. (وأحد عشر) بسكون العين، تخفيفاً لتوالي المتحركات فيما هو في حكم اسم واحد، وكذا إلى تسعة عشر، إلا اثني عشر لئلا يلتقي ساكنان، ورأيت من الرؤيا، لا من الرؤية، لأنَّ ما ذكره معلوم أنه منام؛ لأنّ الشمس والقمر لو اجتمعا مع الكواكب ساجدة ليوسف في حال اليقظة، لكانت آية عظيمة ليعقوب عليه السلام، ولما خفيت عليه وعلى الناس.
فإن قلت: ما أسماء تلك الكواكب؟ قلت: روى جابر أنّ يهودياً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد، أخبرني عن النجوم التي رآهنّ يوسف، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم: فنزل جبريل عليه السلام فأخبره بذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لليهودي «إن أخبرتك هل تسلم»؟ قال: نعم. قال: «جريان، والطارق، والذيال، وقابس، وعمودان، والفليق، والمصبح، والضروح، والفرغ، ووثاب، وذو الكتفين رآها يوسف والشمس والقمر نزلن من السماء وسجدن له» فقال اليهودي: إي والله، إنها لأسماؤها.
وقيل: الشمس والقمر أبواه. وقيل: أبوه وخالته. والكواكب: إخوته وعن وهب أنّ يوسف رأى وهو ابن سبع سنين أنّ إحدى عشرة عصا طوالا كانت مركوزة في الأرض كهيئة الدارة، وإذا عصا صغير تثب عليها حتى اقتلعتها وغلبتها، فوصف ذلك لأبيه فقال: إياك أن تذكر هذا لإخوتك، ثم رأى وهو ابن ثنتي عشرة سنة الشمس والقمر والكواكب تسجد له، فقصها على أبيه فقال له: لا تقصها عليهم، فيبغوا لك الغوائل. وقيل: كان بين رؤيا يوسف ومصير إخوته إليه أربعون سنة. وقيل: ثمانون. فإن قلت لم أخر الشمس والقمر؟ قلت: أخرهما ليعطفهما على الكواكب على طريق الاختصاص، بياناً لفضلهما واستبدادهما بالمزية على غيرهما من الطوالع، كما أخر جبريل، وميكائيل عن الملائكة، ثم عطفهما عليها لذلك، ويجوز أن تكون الواو بمعنى مع، أي: رأيت الكواكب مع الشمس والقمر.
فإن قلت: ما معنى تكرار رأيت قلت: ليس بتكرار، إنما هو كلام مستأنف على تقدير سؤال وقع جواباً له، كأن يعقوب عليه السلام قال له عند قوله: {إِنّى رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا} كيف رأيتها سائلاً عن حال رؤيتها؟ فقال: {رَأَيْتُهُمْ لِى سَاجِدِينَ} فإن قلت: فلم أجريت مجرى العقلاء في رأيتهم لي ساجدين؟ قلت: لأنه لما وصفها بماهو خاص بالعقلاء وهو السجود. أجرى عليها حكمهم، كأنها عاقلة، وهذا كثير شائع في كلامهم، أن يلابس الشيء الشيء من بعض الوجوه، فيعطى حكماً من أحكامه إظهاراً لأثر الملابسة والمقاربة.

.تفسير الآيات (5- 6):

{قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ (5) وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آَلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (6)}
عرف يعقوب عليه السلام دلالة الرؤيا على أن يوسف يبلغه الله مبلغاً من الحكمة، ويصطفيه للنبوّة، وينعم عليه بشرف الدارين، كما فعل بآبائه، فخاف عليه حسد الإخوة وبغيهم، والرؤيا بمعنى الرؤية؛ إلا أنها مختصة بما كان منها في المنام دون اليقظة، فرق بينهما بحرفي التأنيث كما قيل: القربة والقربى. وقرئ: {روياك} بقلب الهمزة واواً. وسمع الكسائي: {رُيَّاك} و {رِيَّاك} بالإدغام وضم الراء وكسرها، وهي ضعيفة؛ لأنّ الواو في تقدير الهمزة فلا يقوى إدغامها كما لم يقو الإدغام في قولهم (اتزر) من الإزار، و (اتجر) من الأجر {فَيَكِيدُواْ} منصوب بإضمار (إن) والمعنى: إن قصصتها عليهم كادوك: فإن قلت: هلا قيل: فيكيدوك، كما قيل: فكيدوني؟ قلت: ضمن معنى فعل يتعدى باللام، ليفيد معنى فعل الكيد، مع إفادة معنى الفعل المضمن، فيكون آكد وأبلغ في التخويف، وذلك نحو: فيحتالوا لك. ألا ترى إلى تأكيده بالمصدر {عَدُوٌّ مُّبِينٌ} ظاهر العداوة لما فعل بآدم وحواء، ولقوله {لأقْعُدَنَّ لَهُمْ صراطك المستقيم} [الأعراف: 16] فهو يحمل على الكيد والمكر وكل شرّ، ليورّط من يحمله، ولا يؤمن أن يحملهم على مثله {وكذلك} ومثل ذلك الأجتباء {يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ} يعني وكما اجتباك لمثل هذه الرؤيا العظيمة الدالة على شرف وعز وكبرياء شأن، كذلك يجتبيك ربك لأمور عظام. وقوله {وَيُعَلّمُكَ} كلام مبتدأ غير داخل في حكم التشبيه، كأنه قيل: وهو يعلمك ويتمّ نعمته عليك. والاجتباء، الاصطفاء، افتعال من جبيت الشيء إذا حصلته لنفسك، وجبيت الماء في الحوض: جمعته. والأحاديث: الرؤيا: لأنّ الرؤيا إما حديث نفس أو ملك أو شيطان. وتأويلها عبارتها وتفسيرها، وكان يوسف عليه السلام أعبر الناس للرؤيا، وأصحهم عبارة لها. ويجوز أن يراد بتأويل الأحاديث معاني كتب الله وسنن الأنبياء، وما غمض واشتبه على الناس من أغراضها ومقاصدها، يفسرها لهم ويشرحها ويدلهم على مودعات حكمها. وسميت أحاديث؛ لأنه يحدث بها عن الله ورسله. فيقال: قال الله وقال الرسول كذا وكذا. ألا ترى إلى قوله تعالى: {فَبِأَيّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ} [الأعراف: 185]، {الله نَزَّلَ أَحْسَنَ الحديث} [الزمر: 23] وهو اسم جمع للحديث وليس بجمع أحدوثة. ومعنى إتمام النعمة عليهم أنه وصل لهم نعمة الدنيا بنعمة الآخرة، بأن جعلهم أنبياء في الدنيا وملوكاً. ونقلهم عنها إلى الدرجات العلا في الجنة. وقيل: أتمها على إبراهيم بالخلة، والإنجاء من النار، ومن ذبح الولد. وعلى إسحاق بإنجائه من الذبح، وفدائه بذبح عظيم، وبإخراج يعقوب والأسباط من صلبه. وقيل: علم يعقوب أنّ يوسف يكون نبياً وإخوته أنبياء استدلالا بضوء الكواكب، فلذلك قال {وعلى ءالِ يَعْقُوبَ} وقيل: لما بلغت الرؤيا إخوة يوسف حسدوه وقالوا: ما رضي أن سجد له إخوته حتى سجد له أبواه.
وقيل: كان يعقوب مؤثراً له بزيادة المحبة والشفقة لصغره ولما يرى فيه من المخايل وكان إخوته يحسدونه فلما رأى الرؤيا ضاعف له المحبة فكان يضمه كل ساعة إلى صدره ولا يصبر عنه، فتبالغ فيهم الحسد. وقيل: لما قص رؤياه على يعقوب قال: هذا أمر مشتت يجمع الله لك بعد دهر طويل. وآل يعقوب. أهله وهم نسله وغيرهم. وأصل آل: أهل، بدليل تصغيره على أُهَيل، إلا أنه لا يستعمل إلا فيمن له خطر. يقال: آل النبي، وآل الملك. ولا يقال: آل الحائك، ولا آل الحجام، ولكن أهلهما. وأراد بالأبوين: الجد، وأبا الجد؛ لأنهما في حكم الأب في الأصالة. ومن ثم يقولون: ابن فلان، وإن كان بينه وبين فلان عدّة. و{إبراهيم وإسحاق} عطف بيان لأبويك {إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ} يعلم من يحق له الاجتباء {حَكِيمٌ} لا يتم نعمته إلا على من يستحقها.