فصل: تفسير الآيات (97- 98):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل



.تفسير الآيات (97- 98):

{فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا (97) وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا (98)}
هذه خاتمة السورة ومقطعها، فكأنه قال: بلغ هذا المنزل أو بشر به وأنذر، فإنما أنزلناه {بِلِسَانِكَ} أي بلغتك وهو اللسان العربي المبين، وسهلناه وفصلناه {لِتُبَشِّرَ بِهِ} وتنذر. واللّد: الشداد الخصومة بالباطل، الآخذون في كل لديد؛ أي في كل شق من المراء والجدال لفرط لجاجهم، يريد أهل مكة.
وقوله: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا} تخويف لهم وإنذار. وقرئ {تَحُسُّ} من حسه إذا شعر به. ومنه الحواس والمحسوسات.
وقرأ حنظلة {تُسمع} مضارع أسمعت. والركز: الصوت الخفي. ومنه: ركز الرمح إذا غيب طرفه في الأرض. والركاز: المال المدفون.
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قرأَ سورةَ مريم أعطيَ عشرَ حسناتٍ بعددِ مَنْ كذّبَ زكريا وصدق به، ويحيىَ ومريمَ وعيسَى وإبراهيمَ وإسحاقَ ويعقوبَ وموسَى وهارون وإسماعيل وإدريسَ، وعشرَ حسناتٍ بعددِ مَنْ دَعَا اللَّهَ في الدنيا وبعددِ مَنْ لمْ يدع اللَّهَ».

.سورة طه:

.تفسير الآيات (1- 4):

{طه (1) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لِتَشْقَى (2) إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى (3) تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَا (4)}
{طه (1)} أبو عمرو فخم الطاء لاستعلائها. وأمال الهاء وفخمها ابن كثير وابن عامر على الأصل، والباقون أمالوهما وعن الحسن رضي الله عنه: طه، وفسر بأنه أمر بالوطء، وأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ يقوم في تهجدِهِ على إحدى رجليه فأُمِرَ بأَنْ يطأَ الأرضَ بقدمَيْهِ معاً وأن الأصل طأ، فقلبت همزته هاء أو قلبت ألفا في يطأ فيمن قال:
لاَ هَنَاكَ الْمَرْتَعُ

ثم بني عليه الأمر، والهاء للسكت ويجوز أن يكتفي بشطري الاسمين وهما الدالان بلفظهما على المسميين، والله أعلم بصحة ما يقال: إن (طاها) في لغة عك في معنى يا رجل، ولعل عكاً تصرفوا في (يا هذا) كأنهم في لغتهم قالبون الياء طاء، فقالوا في (يا): (طا)، واختصروا هذا فاقتصروا على ها، وأثر الصنعة ظاهر لا يخفى في البيت المستشهد به:
إنَّ السَّفَاهَةَ طَاهَا في خَلاَئِقِكُم ** لاَقَدَّسَ اللَّهُ أخلاَقَ الْمَلاَعِينِ

الأقوال الثلاثة في الفواتح: أعني التي قدمتها في أول الكاشف عن حقائق التنزيل، هي التي يعوّل عليها الألباء المتقنون {مَآ أَنَزَلْنَا} إن جعلت {طه (1)} تعديداً لأسماء الحروف على الوجه السابق ذكره فهو ابتداء كلام. وإن جعلتها اسماً للسورة احتملت أن تكون خبراً عنها وهي في موضع المبتدأ، و{القرءان} ظاهر أوقع موقع الضمير لأنها قرآن، وأن يكون جواباً لها وهي قسم. وقرئ {ما نزل عليك القرآن} {لتشقى} لتتعب بفرط تأسفك عليهم وعلى كفرهم، وتحسرك على أن يؤمنوا كقوله تعالى: {لَعَلَّكَ باخع نَّفْسَكَ} [الشعراء: 3] والشقاء يجيء في معنى التعب. ومنه المثل: أشقى من رائض مهر، أي ما عليك إلا أن تبلغ وتذكر، ولم يكتب عليك أن يؤمنوا لا محالة، بعد أن لم تفرط في أداء الرسالة والموعظة الحسنة. وقيل: إن أبا جهل والنضر بن الحرث قالا له: إنك شقى لأنك تركت دين آبائك، فأريد ردّ ذلك بأن دين الإسلام وهذا القرآن هو السلم إلى نيل كل فوز، والسبب في درك كل سعادة، وما فيه الكفرة هو الشقاوة بعينها.
وروي أنه عليه الصلاة والسلام صلى بالليل حتى اسمغدَتْ قدماهُ، فقالَ لَهُ جبريلُ عليه السلامُ: أبقِ على نفسِكَ فإنَّ لهَا علَيكَ حَقاً. أي: ما أنزلناه لتنهك نفسك بالعبادة وتذيقها المشقة الفادحة، وما بعثت إلا بالحنيفية السمحة، وكل واحد من {لتشقى} و{تَذْكِرَةً} علة للفعل، إلا أن الأول وجب مجيئه مع اللام لأنه ليس لفاعل الفعل المعلل ففاتته شريطة الانتصاب على المفعولية، والثاني جاز قطع اللام عنه ونصبه لاستجماعه الشرائط.
فإن قلت: أما يجوز أن تقول: ما أنزلنا عليك القرآن أن تشقى، كقوله تعالى: {أَن تَحْبَطَ أعمالكم} [الحجرات: 2]؟ قلت: بلى، ولكنها نصبة طارئة، كالنصبة في {واختار موسى قَوْمَهُ} [الأعراف: 155] وأما النصبة في (تذكرة) فهي كالتي في ضربت زيداً، لأنه أحد المفاعيل الخمسة التي هي أصول وقوانين لغيرها.
فإن قلت: هل يجوز أن يكون {تَذْكِرَةً} بدلا من محل {لتشقى}؟ قلت: لا، لاختلاف الجنسين، ولكنها نصب على الاستثناء المنقطع الذي (إلا) فيه بمعنى (لكن) ويحتمل أن يكون المعنى: إنا أنزلنا عليك القرآن لتحتمل متاعب التبليغ ومقاولة العتاة من أعداء الإسلام ومقاتلتهم وغير ذلك من أنواع المشاقّ وتكاليف النبوّة، وما أنزلنا عليك هذا المتعب الشاق إلا ليكون تذكرة. وعلى هذا الوجه يجوز أن يكون تذكرة حالاً ومفعول له {لِّمَن يخشى} لمن يؤول أمره إلى الخشية، ولمن يعلم الله منه أنه يبدل بالكفر إيماناً وبالقسوة خشية. في نصب {تَنزِيلاً} وجوه: أن يكون بدلاً من تذكرة إذا جعل حالاً، لا إذا كان مفعولاً له؛ لأن الشيء لا يعلل بنفسه، وأن ينصب بنزل مضمراً، وأن ينصب بأنزلنا؛ لأن معنى: ما أنزلناه إلا تذكرة: أنزلنا تذكرة، وأن ينصب على المدح والاختصاص وأن ينصب ب (يخشى) مفعولاً به. أي: أَنزله الله تذكرة لمن يخشى تنزيل الله، وهو معنى حسن وإعراب بيِّن. وقرئ {تنزيل} بالرفع على خبر مبتدأ محذوف. ما بعد {تَنزِيلاً} إلى قوله: {لَهُ الأسماء الحسنى} تعظيم وتفخيم لشأن المنزل، لنسبته إلى من هذه أفعاله وصفاته، ولا يخلو من أن يكون متعلقه إما {تَنزِيلاً} نفسه فيقع صلة له، وإما محذوفاً فيقع صفة له.
فإن قلت: ما فائدة النقلة من لفظ المتكلم إلى لفظ الغائب؟ قلت: غير واحدة: منها: عادة الافتنان في الكلام وما يعطيه من الحسن والروعة. ومنها أنّ هذه الصفات إنما تسردت مع لفظ الغيبة. ومنها أنه قال أوّلاً: {أَنزَلْنَا} ففخم بالإسناد إلى ضمير الواحد المطاع، ثم ثنى بالنسبة إلى المختص بصفات العظمة والتمجيد فضوعفت الفخامة من طريقين: ويجوز أن يكون {أَنزَلْنَا} حكاية لكلام جبريل والملائكة النازلين معه. {والسموات العلى} وصف السموات بالعلى: دلالة على عظم قدرة من يخلق مثلها في علوها وبعد مرتقاها.

.تفسير الآيات (5- 6):

{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5) لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى (6)}
قرئ {الرحمن} مجروراً صفة لمن خلق والرفع أحسن، لأنه إما أن يكون رفعاً على المدح على تقدير: هو الرحمن، وإما أن يكون مبتدأ مشاراً بلامه إلى من خلق.
فإن قلت: الجملة التي هي {عَلَى العرش استوى} ما محلها- إذا جررت الرحمن أو رفعته على المدح؟ قلت: إذا جررت فهي خبر مبتدأ محذوف لا غير وإن رفعت جاز أن تكون كذلك وأن تكون مع الرحمن خبرين للمبتدأ لما كان الاستواء على العرش وهو سرير الملك مما يردف الملك، جعلوه كناية عن الملك فقالوا: استوى فلان على العرش يريدون ملك وإن لم يقعد على السرير البتة، وقالوه أيضاً لشهرته في ذلك المعنى ومساواته ملك في مؤدّاه وإن كان أشرح وأبسط وأدل على صورة الأمر. ونحوه قولك: يد فلان مبسوطة، ويد فلان مغلولة، بمعنى أنه جواد أو بخيل، لا فرق بين العبارتين إلا فيما قلت. حتى أنّ من لم يبسط يده قط بالنوال أو لم تكن له يد رأساً قيل فيه يده مبسوطة لمساواته عندهم قولهم: هو جواد. ومنه قول الله عز وجل: {وَقَالَتِ اليهود يَدُ الله مَغْلُولَةٌ} [المائدة: 64] أي هو بخيل، {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَان} [المائدة: 64] أي هو جواد، من غير تصوّر يد ولا غل ولا بسط، والتفسير بالنعمة والتمحل للتثنية من ضيق الطعن والمسافرة عن علم البيان مسيرة أعوام {وَمَا تَحْتَ الثرى} ما تحت سبع الأرضين. عن محمد بن كعب وعن السدي: هو الصخرة التي تحت الأرض السابعة.

.تفسير الآيات (7- 8):

{وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى (7) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى (8)}
أي يعلم ما أسررته إلى غيرك وأخفى من ذلك، وهو ما أخطرته ببالك، أو ما أسررته في نفسك {وَأَخْفَى} منه وهو ما ستسره فيها.
وعن بعضهم: أن أخفى فعل ماضي، لا أفعل تفضيل يعنى: أنه يعلم أسرار العباد وأخفى عنهم ما يعلمه، هو كقوله تعالى: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً} [طه: 110] وليس بذاك. فإن قلت كيف طابق الجزاء الشرط؟ قلت: معناه وإن تجهر بذكر الله من دعاء أو غيره فأعلم أنه غنيّ عن جهرك، فإماأن يكون نهياً عن الجهر كقوله تعالى: {واذكر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الجهر مِنَ القول} [الأعراف: 205] وإما تعليماً للعباد أنّ الجهر ليس لإسماع الله وإنما هو لغرض آخر {الحسنى} تأنيث الأحسن، وصفت بها الأسماء لأنّ حكمها حكم المؤنث كقولك: الجماعة الحسنى، ومثلها {مآرِبُ أخرى} [طه: 18]، و{مِنْ ءاياتنا الكبرى} [طه: 23]. والذي فضلت به أسماؤه في الحسن على سائر الأسماء: دلالتها على معاني التقديس والتمجيد والتعظيم والربوبية، والأفعال التي هي النهاية في الحسن.

.تفسير الآيات (9- 10):

{وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (9) إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى (10)}
قفاه بقصة موسى عليه السلام ليتأسى به في تحمل أعباء النبوّة وتكاليف الرسالة والصبر على مقاساة الشدائد، حتى ينال عند الله الفوز والمقام المحمود. يجوز أن ينتصب {إِذْ} ظرفاً للحديث، لأنه حدث أو لمضمر، أي: حين {رَءَا نَاراً} كان كيت وكيت. أو مفعولاً ل (ذكر) استأذن موسى شعيباً عليهما السلام في الخروج إلى أمه وخرج بأهله، فولد له في الطريق ابن في ليلة شاتية مظلمة مثلجة، وقد ضلّ الطريق وتفرّقت ماشيته ولاماء عنده، وقدح فصلد زنده فرأى النار عند ذلك. قيل: كانت ليلة جمعة {امكثوا اْ} أقيموا في مكانكم. الإيناس: الإبصار البين الذي لا شبهة فيه، ومنه إنسان العين لأنه يتبين به الشيء، والإنس: لظهورهم، كما قيل الجنّ لاستتارهم وقيل: هو إبصار ما يؤنس به. لما وجد منه الإيناس فكان مقطوعاً متيقناً، حققه لهم بكلمة (إن) ليوطن أنفسهم، ولما كان الإتيان بالقبس ووجود الهدى مترقبين متوقعين، بني الأمر فيهما على الرجاء والطمع وقال {لعلى} ولم يقطع فيقول: إني {ءَاتِيكُمْ} لئلا يعد ما ليس بمستيقن الوفاء به. القبس: النار المقتبسة في رأس عود أو فتيلة أو غيرهما. ومنه قيل: المقبسة، لما يقتبس فيه من سعفة أو نحوها {هُدًى} أي قوماً يهدونني الطريق أو ينفعونني بهداهم في أبواب الدين، عن مجاهد وقتادة؛ وذلك لأنّ أفكار الأبرار مغمورة بالهمة الدينية في جميع أحوالهم لا يشغلهم عنها شاغل. والمعنى: ذوي هدى. وإذا وجد الهداة فقدوجد الهدى. ومعنى الاستعلاء في {عَلَى النار} أنّ أهل النار يستعلون المكان القريب منها، كما قال سيبويه في مررت بزيد: انه لصوق بمكان يقرب من زيد. أو لأنّ المصطلين بها والمستمتعين بها إذا تكنفوها قياماً وقعوداً كانوا مشرفين عليها، ومنه قول الأعشى:
وَبَاتَ عَلَى النَّارِ النَّدَى وَالْمُحَلَّقُ

.تفسير الآيات (11- 14):

{فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى (11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (12) وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى (13) إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14)}
قرأ أبو عمرو وابن كثير {أَنّي} بالفتح، أي: نودي بأني {أَنَاْ رَبُّكَ} وكسر الباقون، أي: نودي فقيل يا موسى، أو لأنّ النداء ضرب من القول فعومل معاملته. تكرير الضمير في {إنى أَنَاْ رَبُّكَ} لتوكيد الدلالة وتحقيق المعرفة وإماطة الشبهة. روي أنه لما نودي {ياموسى} قال: من المتكلم؟ فقال له الله عز وجل: {إنى أَنَاْ رَبُّكَ}، وأن إبليس وسوس إليه فقال: لعلك تسمع كلام شيطان. فقال: أنا عرفت أنه كلام الله بأني أسمعه من جميع جهاتي الست، وأسمعه بجميع أعضائي.
وروي: أنه حين انتهى رأى شجرة خضراء، من أسفلها إلى أعلاها كأنها نار بيضاء تتقد. وسمع تسبيح الملائكة، ورأى نوراً عظيماً فخاف وبهت، فألقيت عليه السكينة ثم نودي، وكانت الشجرة عوسجة، وروي: كلما دنا أو بعد لم يختلف ما كان يسمع من الصوت.
وعن ابن إسحاق: لما دنا استأخرت عنه، فلما رأى ذلك رجع وأوجس في نفسه خيفة، فلما أراد الرجعة دنت منه، ثم كلم. قيل: أُمر بخلع النعلين لأنهما كانتا من جلد حمار ميت غير مدبوغ عن السدي وقتادة. وقيل: ليباشر الوادي بقدميه متبركاً به. وقيل: لأن الحفوة تواضع لله، ومن ثم طاف السلف بالكعبة حافين، ومنهم من استعظم دخول المسجد بنعليه، وكان إذا ندر منه الدخول منتعلاً تصدق، والقرآن يدل على أن ذلك احترام للبقعة وتعظيم لها وتشريف لقدسها.
وروي: أنه خلع نعليه وألقاهما من وراء الوادي {طُوًى} بالضم والكسر منصرف وغير منصرف بتأويل المكان والبقعة. وقيل: مرتين، نحو ثنى أي نودي نداءين أو قدس الوادي كرة بعد كرة {وَأَنَا اخترتك} اصطفيتك للنبوّة.
وقرأ حمزة {وإنا اخترناك} لِمَا يوحى ا للذي يوحى. أو للوحي. تعلق اللام باستمع، أو باخترتك {لذكرى} لتذكرني فإن ذكري أن أعبد ويصلى لي. أو لتذكرني فيها لاشتمال الصلاة على الأذكار عن مجاهد. أو: لأني ذكرتها في الكتب وأمرت بها. أو لأن أذكرك بالمدح والثناء وأجعل لك لسان صدق. أو لذكري خاصة لا تشوبه بذكر غيري أو لإخلاص ذكري وطلب وجهي لا ترائي بها ولا تقصد بها غرضاً آخر. أو لتكون لي ذاكراً غير ناس فعل المخلصين في جعلهم ذكر ربهم على بال منهم وتوكيل هممهم، وأفكارهم به، قال: {لاَّ تُلْهِيهِمْ تجارة وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ الله} [النور: 37] أو لأوقات ذكري وهي مواقيت الصلاة، كقوله تعالى: {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً} [النساء: 103] واللام مثلها في قولك: جئتك لوقت كذا، وكان ذلك لست ليال خلون. وقوله تعالى: {ياليتنى قَدَّمْتُ لِحَيَاتِى} [الفجر: 24] وقد حمل على ذكر الصلاة بعد نسيانها من قوله عليه الصلاة و السلام: «من نامَ عنْ صلاةِ أو نسيَها فليصلِها إذَا ذكرَهَا» وكان حق العبارة أن يقال: لذكرها، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذَا ذكَرها» ومن يتمحلُ له يقول: إذا ذَكرَ الصلاةَ فقدْ ذكرَ اللَّهَ. أو بتقدير حذف المضاف، أي: لذكر صلاتي. أو لأن الذكر والنسيان من الله عز وجل في الحقيقة.
وقرأ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم {للذكرى}.