فصل: تفسير الآيات (17- 18):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل



.تفسير الآيات (17- 18):

{وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (17) قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآَبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا (18)}
يحشرهم. فيقول: كلاهما بالنون والياء، وقرئ: {يحشرهم}، بكسر الشين، {وَمَا يَعْبُدُونَ} يريد: المعبودين من الملائكة والمسيح وعزير.
وعن الكلبي: الأصنام ينطقها الله. ويجوز أن يكون عاماً لهم جميعاً.
فإن قلت: كيف صحّ استعمال {مَاْ} في العقلاء؟ قلت: هو موضوع على العموم للعقلاء وغيرهم، بدليل قولك- إذا رأيت شبحاً من بعيد-: ما هو؟ فإذا قيل لك: إنسان، قلت حينئذٍ: من هو؟ ويدلك قولهم (من) لما يعقل. أو أريد به الوصف، كأنه قيل: ومعبوديهم، ألا تراك تقول إذا أردت السؤال عن صفة زيد؟ ما زيد: تعني: أطويل أم قصير؟ أفقيه أم طبيب؟ فإن قلت: ما فائدة أنتم وهم؟ وهلا قيل أضللتم عبادي هؤلاء، أم هم ضلّوا السبيل؟ قلت: ليس السؤال عن الفعل ووجوده، لأنه لولا وجوده لما توجه هذا العتاب، وإنما هو عن متوليه، فلا بدّ من ذكره وإيلائه حرف الاستفهام، حتى يعلم أنه المسؤول عنه، فإن قلت: فالله سبحانه قد سبق علمه بالمسؤول عنه، فما فائدة هذا السؤال؟ قلت: فائدته أن يجيبوا بما أجابوا به، حتى يبكت عبدتهم بتكذيبهم إياهم، فيبهتوا وينخذلوا وتزيد حسرتهم، ويكون ذلك نوعاً مما يلحقهم من غضب الله وعذابه، ويغتبط المؤمنون ويفرحوا بحالهم ونجاتهم من فضيحة أولئك، وليكون حكاية ذلك في القرآن لطفاً للمكلفين. وفيه كسر بيّن لقول من يزعم أن الله يضلّ عباده على الحقيقة، حيث يقول للمعبودين من دونه: أأنتم أضللتموهم، أم هم ضلوا بإنفسهم؟ فيتبرؤون من إضلالهم ويستعيذون به أن يكونوا مضلين، ويقولون: بل أنت تفضلت من غير سابقة على هؤلاء وآبائهم تفضل جواد كريم، فجعلوا النعمة التي حقها أن تكون سبب الشكر، سبب الكفر ونسيان الذكر، وكان ذلك سبب هلاكهم، فإذا برأت الملائكة والرسل أنفسهم من نسبة الإضلال الذي هو عمل الشياطين إليهم واستعاذوا منه، فهم لربهم الغنيّ العدل أشدّ تبرئة وتنزيهاً منه، ولقد نزهوه حين أضافوا إليه التفضل بالنعمة والتمتيع بها. وأسندوا نسيان الذكر والتسبب به للبوار إلى الكفرة، فشرحوا الإضلال المجازي الذي أسنده الله تعالى إلى ذاته في قوله: {يُضِلُّ مَن يَشَاء} [الرعد: 27]، [النحل: 93]، [فاطر: 8] ولو كان هو المضل على الحقيقة لكان الجواب العتيد أن يقولوا: بل أنت أضللتهم. والمعنى: أأنتم أوقعتموهم في الضلال عن طريق الحق؟ أم هم ضلوا عنه بأنفسهم؟ وضل: مطاوع (أضله) وكان القياس: ضلّ عن السبيل، إلاّ أنهم تركوا الجار كما تركوه في هذه الطريق. والأصل: إلى الطريق وللطريق. وقولهم: أضلَّ البعير، في معنى: جعله ضالاً، أي ضائعاً، لما كان أكثر ذلك بتفريط من صاحبه وقلة احتياط في حفظه، قيل: أضله، سواء كان منه فعل أو لم يكن {سبحانك} تعجب منهم، قد تعجبوا مما قيل لهم لأنهم ملائكة وأنبياء معصومون، فما أبعدهم عن الإضلال الذي هو مختص بإبليس وحزبه.
أو نطقوا بسبحانك ليدلوا على أنهم المسبحون المتقدّسون الموسومون بذلك. فكيف يليق بحالهم أن يضلوا عباده؟ أو قصدوا به تنزيهه عن الأنداد، وأن يكون له نبيّ أو ملك أو غيرهما ندّاً، ثم قالوا: ما كان يصحّ لنا ولا يستقيم ونحن معصومون أن نتولى أحداً دونك، فكيف يصحّ لنا أن نحمل غيرنا على أن يتولونا دونك. أو ما كان ينبغي لنا أن نكون أمثال الشياطين في توليهم الكفار كما تولاهم الكفار. قال الله تعالى: {فقاتلوا أَوْلِيَاء الشيطان} [النساء: 76] يريد الكفرة وقال: {والذين كَفَرُواْ أَوْلِيَاؤُهُمُ الطاغوت} [البقرة: 257] وقرأ أبو جعفر المدني: نتخذ، على البناء للمفعول. وهذا الفعل أعني (اتخذ) يتعدى إلى مفعول واحد، كقولك: اتخذ ولياً وإلى مفعولين كقولك: اتخذ فلاناً ولياً. قال الله تعالى: {أَمِ اتخذوا الِهَةً مّنَ الأرض} [الأنبياء: 1] وقال: {واتخذ الله إبراهيم خَلِيلاً} [النساء: 125] فالقراءة الأولى من المتعدي إلى واحد وهو {مِنْ أَوْلِيَاءَ} والأصل: أن نتخذ أولياء، فزيدت {مِن} لتأكيد معنى النفي، والثانية: من المتعدي إلى مفعولين. فالأول ما بني له الفعل.
والثاني: {مِنْ أَوْلِيَاءَ}. ومن للتبعيض، أي: لا نتخذ بعض أولياء. وتنكير {أَوْلِيَاءَ} من حيث أنهم أولياء مخصوصون وهم الجنّ والأصنام. والذكر: ذكر الله والإيمان به، أو القرآن والشرائع. والبور: الهلاك. يوصف به الواحد والجمع: ويجوز أن يكون جمع بائر، كعائذ وعوذ.

.تفسير الآية رقم (19):

{فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلَا نَصْرًا وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا (19)}
هذه المفاجأة بالاحتجاج والإلزام حسنة رائعة، وخاصة إذا انضم إليها الالتفات وحذف القول ونحوها قوله تعالى: {يََأَهْلَ الكتاب قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيّنُ لَكُمْ على فَتْرَةٍ مَّنَ الرسل أَن تَقُولُواْ مَا جَاءنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جاءكم بشير ونذير} [المائدة: 19] وقول القائل:
قَالُوا خُرَاسَانُ أَقْصَى مَا يُرَادُ بِنَا ** ثُمَّ الْقُفُولُ فَقَدْ جِئْنَا خُرَاسَانَا

وقرئ: {يقولون} بالتاء والياء. فمعنى من قرأ بالتاء فقد كذبوكم بقولكم أنهم آلهة. ومعنى من قرأ بالياء: فقد كذبوكم بقولهم: {سبحانك مَا كَانَ يَنبَغِى لَنَا أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاء} [الفرقان: 18].
فإن قلت: هل يختلف حكم الباء مع التاء والياء؟ قلت: إي والله، وهي مع التاء كقوله: {بَلْ كَذَّبُواْ بالحق} [ق: 5] والجار والمجرور بدل من الضمير، كأنه قيل: فقد كذبوا بما تقولون: وهي مع الياء كقولك: كتبت بالقلم. وقرئ: {يستطيعون} بالتاء والياء أيضاً. يعني: فما تستطيعون أنتم يا كفار صرف العذاب عنكم. وقيل: الصرف: التوبة وقيل: الحيلة، من قولهم: إنه ليتصرف، أي: يحتال أو فما يستطيع آلهتكم أن يصرفوا عنكم العذاب، أو أن يحتالوا لكم. [{وَمَن يَظْلِم مِّنكُمْ، نُذِقْهُ عَذَاباً كَبِيراً}] الخطاب على العموم للمكلفين، والعذاب الكبير لاحقٌ بكل من ظلم، والكافر ظالم: لقوله: {إِنَّ الشرك لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13] والفاسق ظالم. لقوله: {وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظالمون} [الحجرات: 11]. وقرئ: {يذقه} بالياء. وفيه ضمير الله، أو ضمير مصدر يظلم.

.تفسير الآية رقم (20):

{وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا (20)}
الجملة بعد (إلا) صفة لموصوف محذوف. والمعنى: وما أرسلنا قبلك أحداً من المرسلين إلاّ آكلين وماشين. وإنما حذف اكتفاء بالجار والمجرور. أعني من المرسلين ونحوه قوله عزّ من قائل: {وَمَا مِنَّا إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ} [الصافات: 164] على معنى: وما منا أحد. وقرئ: {ويمشون} على البناء للمفعول، أي: تمشيهم حوائجهم أو الناس. ولو قرئ: {يمشون}، لكان أوجه لولا الرواية. وقيل: هو احتجاج على من قال: {مَا لهذا الرسول يَأْكُلُ الطعام وَيَمْشِى فِي الاسواق} [الفرقان: 7]. {فِتْنَةً} أي محنة وابتلاء. وهذا تصبير لرسول الله صلى الله عليه وسلم على ما قالوه واستبدعوه، من أكله الطعام ومشيه في الأسواق بعد ما احتج عليهم بسائر الرسل، يقول: وجرت عادتي وموجب حكمتي على ابتلاء بعضكم أيها الناس ببعض. والمعنى: أنه أبتلى المرسلين منهم بالمرسل إليهم، وبمناصبتهم لهم العداوة، وأقاويلهم الخارجة عن حدّ الإنصاف، وأنواع أذاهم، وطلب منهم الصبر الجميل، ونحوه {وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الذين أُوتُواْ الكتاب مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الذين أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيراً وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذلك مِنْ عَزْمِ الأمور} [آل عمران: 186] وموقع {أَتَصْبِرُونَ} بعد ذكر الفتنة موقع {أَيُّكُمْ} بعد الابتلاء في قوله: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [هود: 27]، [الملك: 2] {بَصِيراً} عالماً بالصواب فيما يبتلي به وغيره فلا يضيقنّ صدرك، ولا يستخفنك أقاويلهم فإن في صبرك عليها سعادتك وفوزك في الدارين. وقيل: هو تسلية له عليه الصلاة والسلام عما عيروه به من الفقر، حين قالوا: أو يلقى إليه كنز، أو تكون له جنة، وأنه جعل الأغنياء فتنة للفقراء؛ لينظر: هل يصبرون؟ وأنها حكمته ومشيئته: يغني من يشاء ويفقر من يشاء. وقيل: جعلناك فتنة لهم؛ لأنك لو كنت غنياً صاحب كنوز وجنان لكان ميلهم إليك وطاعتهم لك للدنيا، أو ممزوجة بالدنيا؛ فإنما بعثناك فقيراً ليكون طاعة من يطيعك خالصة لوجه الله من غير طمع دنيوي. وقيل: كان أبو جهل والوليد بن المغيرة والعاصي بن وائل ومن في طبقتهم يقولون: إن إسلمنا وقد أسلم قبلنا عمار وصهيب، وبلال وفلان وفلان ترفعوا علينا إدلالاً بالسابقة، فهو افتتان بعضهم ببعض.

.تفسير الآية رقم (21):

{وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا (21)}
أي لا يأملون لقاءنا بالخير لأنهم كفرة. أو لا يخافون لقاءنا بالشر. والرجاء في لغة تهامة: الخوف، وبه فسر قوله تعالى: {لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً} [نوح: 13] جعلت الصيرورة إلى دار جزائه بمنزلة لقائه لو كان ملقياً.. اقترحوا من الآيات أن ينزل الله عليهم الملائكة فتخبرهم بأن محمداً صادقاً حتى يصدقوه. أو يروا الله جهرة فيأمرهم بتصديقه واتباعه. ولا يخلو: إما أن يكونوا عالمين بأن الله لا يرسل الملائكة إلى غير الأنبياء، وأن الله لا يصحّ أن يرى. وإنما علقوا إيمانهم عالمين بأن الله لا يكون. وإما أن لا يكونوا عالمين بذلك وإنما أرادوا التعنت باقتراح آيات سوى الآيات التي نزلت وقامت بها الحجة عليهم، كما فعل قوم موسى حين قالوا: لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة.
فإن قلت: ما معنى {فِى أَنفُسِهِمْ}؟ قلت: معناه أنهم أضمروا الاستكبار عن الحق وهو الكفر والعناد في قلوبهم واعتقدوه. كما قال: {إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ مَّا هُم ببالغيه} [غافر: 56]. {وَعَتَوْا} وتجاوزوا الحدّ في الظلم. يقال: عتا علينا فلان. وقد وصف العتوّ بالكبير، فبالغ في إفراطه يعني أنهم لم يَجْسروا على هذا القول العظيم، إلا لأنهم بلغوا غاية الاستكبار وأقصى العتوّ، واللام جواب قسم محذوف. وهذه الجملة في حسن استئنافها غاية. وفي أسلوبها قول القائل:
وَجَارَةُ جَسَّاسٍ أَبَأَنَا بِنَابِهَا ** كُلَيْباً غَلَتْ نَابٌ كُلَيْبٌ بَوَاؤُهَا

وفي فحوى هذا الفعل دليل على التعجب من غير لفظ التعجب. ألا ترى أن المعنى: ما أشدّ استكبارهم، وما أكبر عتوّهم، وما أغلى ناباً بواؤها كليب.

.تفسير الآية رقم (22):

{يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا (22)}
{يَوْمَ يَرَوْنَ} منصوب بأحد شيئين: إما بما دلّ عليه {لاَ بشرى} أي: يوم يرون الملائكة يمنعون البشرى أو يعدمونها. ويومئذ للتكرير وإما بإضمار (اذكر) أي: اذكر يوم يرون الملائكة ثم قال: {لاَ بشرى يَوْمَئِذٍ لّلْمُجْرِمِينَ}. وقوله (للمجرمين): إما ظاهر في موضع ضمير وإما لأنه عام فقدتنا ولهم بعمومه وقوله: {حِجْراً مَّحْجُوراً} ذكره سيبويه في باب المصادر غير المتصرفة المنصوبة بأفعال متروك إظهارها نحو: معاذ الله، وقعدك الله، وعمرك الله. وهذه كلمة كانوا يتكلمون بها عند لقاء عدوّ موتور أو هجوم نازلة، أو نحو ذلك. يضعونها موضع الاستعاذة. قال سيبويه: ويقول الرجل للرجل: أتفعل كذا وكذا، فيقول: حجراً، وهي من حجره إذا منعه؛ لأن المستعيذ طالب من الله أن يمنع المكروه فلا يلحقه فكان المعنى: أسأل الله أن يمنع ذلك منعاً ويحجره حجراً. ومجيئه على فعل أو فعل في قراءة الحسن، تصرف فيه لاختصاصه بموضع واحد، كما كان قعدك وعمرك كذلك، وأنشدت لبعض الرّجاز:
قالَتْ وَفِيهَا حَيْدَةٌ وَذُعْرٌ ** عُوذٌ بِرَبِّي مِنْكُمُ وَحِجْرُ

فإن قلت: فإذ قد ثبت أنه من باب المصادر، فما معنى وصفه بمحجور؟ قلت: جاءت هذه الصفة لتأكيد معنى الحجر، كما قالوا. ذيل ذائل، والذيل: الهوان. وموت مائت. والمعنى في الآية: أنهم يطلبون نزول الملائكة ويقترحونه، وهم إذا رأوهم عند الموت أو يوم القيامة كرهوا لقاءهم وفزعوا منهم، لأنهم لا يلقونهم إلا بما يكرهون، قالوا عند رؤيتهم ما كانوا يقولونه عند لقاء العدوّ الموتور وشدّة النازلة. وقيل: هو من قول الملائكة ومعناه: حراماً محرماً عليكم الغفران والجنة والبشرى، أي: جعل الله ذلك حراماً عليكم.

.تفسير الآية رقم (23):

{وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (23)}
ليس هاهنا قدوم ولا ما يشبه القدوم، ولكن مثلت حال هؤلاء وأعمالهم التي عملوها في كفرهم من صلة رحم، وإغاثة ملهوف، وقرى ضيف، ومنّ على أسير، وغير ذلك من مكارمهم ومحاسنهم بحال قوم خالفوا سلطانهم واستعصوا عليه، فقدم إلى أشيائهم، وقصد إلى ما تحت أيديهم فأفسدها ومزقها كل ممزق، ولم يترك لها أثراً ولا عثيراً، والهباء: ما يخرج من الكوّة مع ضوء الشمس شبيه الغبار. وفي أمثالهم: أقل من الهباء {مَّنثُوراً} صفة للهباء، شبهه بالهباء في قلته وحقارته عنده، وأنه لا ينتفع به، ثم بالمنثور منه، لأنك تراه منتظماً مع الضوء، فإذا حركته الريح رأيته قد تناثر وذهب كل مذهب. ونحوه قوله: {كَعَصْفٍ مَّأْكُولِ} [الفيل: 5] لم يكف أن شبههم بالعصف حتى جعله مؤوفاً بالأكال ولا أن شبه عملهم بالهباء حتى جعله متناثراً، أو مفعول ثالث لجعلناه جامعاً لحقارة الهباء والتناثر، كقوله: {كُونُواْ قِرَدَةً خاسئين} [البقرة: 65]، [الأعراف: 166] أي جامعين للمسخ والخسء. ولام الهباء واو، بدليل الهبوة.