فصل: تفسير الآية رقم (24):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل



.تفسير الآية رقم (24):

{أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا (24)}
المستقرّ: المكان الذي يكونون فيه في أكثر أوقاتهم مستقرّين يتجالسون ويتحادثون. والمقيل: المكان الذي يأوون إليه للاسترواح إلى أزواجهم والتمتع بمغازلتهنّ وملامستهنّ، كما أنّ المترفين في الدنيا يعيشون على ذلك الترتيب.
وروي أنه يفرغ من الحساب في نصف ذلك اليوم، فيقيل أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار. وفي معناه قوله تعالى: {إِنَّ أصحاب الجنة اليوم فِي شُغُلٍ فاكهون هُمْ وأزواجهم فِي ظلال عَلَى الارائك مُتَّكِئُونَ} [يس: 55- 56] قيل في تفسير الشغل: افتضاض الأبكار، ولا نوم في الجنة. وإنما سمي مكان دعتهم واسترواحهم إلى الحور مقيلاً على طريق التشبيه. وفي لفظ الأحسن: رمز إلى ما يتزين له مقيلهم. من حسن الوجوه وملاحة الصور، إلى غير ذلك من التحاسين والزين.

.تفسير الآية رقم (25):

{وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا (25)}
وقرئ: {تَشَقَّقُ} والأصل: تتشقق، فحذف بعضهم التاء، وغيره أدغمها. ولما كان انشقاق السماء بسبب طلوع الغمام منها، جعل الغمام كأنه الذي تشقّق به السماء، كما تقول: شقّ السنام بالشفرة وانشق بها. ونظيره قوله تعالى: {السَّمَاء مُنفَطِرٌ بِهِ} [المزمل: 18].
فإن قلت: أي فرق بين قولك: انشقت الأرض بالنبات، وانشقت عن النبات؟ قلت: معنى انشقت به: أن الله شقها بطلوعه فانشقت به. ومعنى: انشقت عنه: أن التربة ارتفعت عنه عند طلوعه. والمعنى: أن السماء تنفتح بغمام يخرج منها، وفي الغمام الملائكة ينزلون وفي أيديهم صحائف أعمال العباد، وروي: تنشق سماء سماء، وتنزل الملائكة إلى الأرض. وقيل: هو غمام أبيض رقيق، مثل الضبابة، ولم يكن إلاّ لبني إسرائيل في تيههم. وفي معناه قوله تعالى: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ الله فِي ظُلَلٍ مّنَ الغمام والملائكة} [البقرة: 210]. وقرئ: وننزل الملائكة، وتنزل الملائكة، ونزل الملائكة، ونزلت الملائكة، وأنزل الملائكة، وَنُزِلَ الملائكة، ونزّلَ الملائكة، على حذف النون الذي هو فاء الفعل من ننزل: قراءة أهل مكة.

.تفسير الآية رقم (26):

{الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا (26)}
الحق: الثابت؛ لأن كل ملك يزول يومئذ ويبطل، ولا يبقى إلاّ ملكه.

.تفسير الآيات (27- 29):

{وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا (29)}
عضّ اليدين والأنامل، والسقوط في اليد، وأكل البنان، وحرق الأسنان والأرم، وقرعها: كنايات عن الغيظ والحسرة، لأنها من روادفها، فيذكر الرادفة ويدلّ بها على المردوف، فيرتفع الكلام به في طبقة الفصاحة، ويجد السامع عنده في نفسه من الروعة والاستحسان، ما لا يجده عند لفظ المكنى عنه. وقيل: نزلت في عقبة بن أبي معيط بن أمية بن عبد شمس، وكان يكثر مجالسة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقيل: اتخذ ضيافة فدعا إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأبى أن يأكل من طعامه حتى ينطق بالشهادتين. ففعل وكان أبي بن خلف صديقه فعاتبه وقال: صبأت يا عقبة؟ قال: لا، ولكن آلى أن لا يأكل من طعامي وهو في بيتي، فاستحييت منه فشهدت له والشهادة ليست في نفسي، فقال: وجهي من وجهك حرام إن لقيت محمداً فلم تطأ قفاه وتبزق في وجهه وتلطم عينه، فوجده ساجداً في دار الندوة ففعل ذلك. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا ألقاك خارجاً مِنْ مكة إلاّ علوتُ رأَسَك بالسيفِ»، فقتلَ يومَ بدرٍ: أمرَ علياً رضي الله عنه بقتله. وقيل: قتله عاصم بن ثابت بن أفلح الأنصاري وقال: يا محمد، إلى من السبية قال: إلى النار. وطعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبياً بأحد، فرجع إلى مكة فمات. واللام في {الظالم} يجوز أن تكون للعهد، يراد به عقبة خاصة. ويجوز أن تكون للجنس فيتناول عقبة وغيره. تمنى أن لو صحب الرسول وسلك معه طريقاً واحداً وهو طريق الحق ولم يتشعب به طرق الضلالة والهوى. أو أراد أني كنت ضالاً لم يكن لي سبيل قط، فليتني حصلت بنفسي في صحبة الرسول سبيلاً، وقرئ: {يا ويلتي} بالياء، وهو الأصل؛ لأن الرجل ينادي ويلته وهي هلكته، ويقول لها: تعالي فهذا أوانك. وإنما قلبت الياء ألفاً كما في صحارى، ومدارى. فلان: كناية عن الأعلام، كما أن الهن كناية عن الأجناس فإن أريد بالظالم عقبة، فالمعنى: ليتني لم أتخذ أبياً خليلاً، فكنى عن اسمه. وإن أريد به الجنس، فكل من اتخذ من المضلين خليلاً كان لخليله اسم علم لا محالة، فجعله كناية عنه {عَنِ الذكر} عن ذكر الله، أو القرآن، أو موعظة الرسول. ويجوز أن يريد نطقه بشهادة الحق، وعزمه على الإسلام. والشيطان: إشارة إلى خليله، سماه شيطاناً لأنه أضله كما يضلّ الشيطان، ثم خذله ولم ينفعه في العاقبة، أو أراد إبليس، وأنه هو الذي حمله على مخالة المضل ومخالفة الرسول، ثم خذله. أو أراد الجنس. وكل من تشيطن من الجنّ والإنس. ويحتمل أن يكون {وَكَانَ الشيطان} حكاية كلام الظالم، وأن يكون كلام الله. اتخذت: يقرأ على الإدغام والإظهار والإدغام أكثر.

.تفسير الآية رقم (30):

{وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآَنَ مَهْجُورًا (30)}
الرسول: محمد صلى الله عليه وسلم وقومه قريش، حكى الله عنه شكواه قومه إليه. وفي هذه الحكاية تعظيم للشكاية وتخويف لقومه؛ لأن الأنبياء كانوا إذا التجئوا إليه وشكوا إليه قومهم: حلّ بهم العذاب ولم ينظروا.

.تفسير الآية رقم (31):

{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا (31)}
ثم أقبل عليه مسلياً ومواسياً وواعداً النصرة عليهم، فقال: {وكذلك} كان كل نبيّ قبلك مبتلى بعداوة قومه. وكفاك بي هادياً إلى طريق قهرهم والانتصار منهم. وناصراً لك عليهم مهجوراً: تركوه وصدّوا عنه وعن الإيمان به.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «من تعلم القرآن وعلمه وعلق مصحفاً لم يتعاهده ولم ينظر فيه، جاء يوم القيامة متعلقاً به يقول: يا رب العالمين، عبدك هذا اتخذني مهجوراً، اقضي بيني وبينه»، وقيل: هو من هجر، إذا هذي، أي: جعلوه مهجوراً فيه. فحذف الجار وهو على وجهين، أحدهما: زعمهم أنه هذيان وباطل وأساطير الأوّلين.
والثاني: أنهم كانوا إذا سمعوه هجروا فيه، كقوله تعالى: {اَ تَسْمَعُواْ لهذا القرءان والغوا فِيهِ} [فصلت: 26] ويجوز أن يكون المهجور بمعنى الهجر، كالمجلود والمعقول. والمعنى: اتخذوه هجراً والعدوّ: يجوز أن يكون واحداً وجمعاً. كقوله: {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِى} [الشعراء: 77] وقيل المعنى: وقال الرسول يوم القيامة.

.تفسير الآيات (32- 34):

{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآَنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا (32) وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا (33) الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلًا (34)}
{نَزَّلَ} هاهنا بمعنى أنزل لا غير، كخبر بمعنى أخبر، وإلاّ كان متدفعاً. وهذا أيضاً من اعتراضاتهم واقتراحاتهم الدالة على شرادهم عن الحق وتجافيهم عن اتباعه. قالوا: هلا أنزل عليه دفعة واحدة في وقت واحد كما أنزلت الكتب الثلاثة، وما له أنزل على التفاريق. والقائلون: قريش. وقيل: اليهود. وهذا فضول من القول ومماراة بما لا طائل تحته؛ لأنّ أمر الإعجاز والاحتجاج به لا يختلف بنزوله جملة واحدة أو مفرّقاً. وقوله: {كذلك} جواب لهم، أي: كذلك أنزل مفرّقاً. والحكمة فيه: أن نقوّي بتفريقه فؤادك حتى تعيه وتحفظه؛ لأنّ المتلقن إنما يقوى قبله على حفظ العلم شيئاً بعد شيء، وجزأ عقيب جزء. ولو ألقى عليه جملة واحدة لبعل به وتعيا بحفظه، والرسول صلى الله عليه وسلم فارقت حاله حال موسى وداود وعيسى عليهم السلام، حيث كان أمّياً لا يقرأ ولا يكتب وهم كانوا قارئين كاتبين، فلم يكن له بدّ من التلقن والتحفظ، فأنزل عليه منجماً في عشرين سنة. وقيل: في ثلاث وعشرين. وأيضاً: فكان ينزل على حسب الحوادث وجوابات السائلين، ولأن بعضه منسوخ وبعضه ناسخ، ولا يتأتى ذلك إلاّ فيما أنزل مفرّقاً.
فإن قلت: ذلك في {كذلك} يجب أن يكون إشارة إلى شيء تقدّمه، والذي تقدّم هو إنزاله جملة واحدة، فكيف فسرته بكذلك أنزلناه مفرّقاً؟ قلت: لأنّ قولهم: لولا أنزل عليه جملة: معناه: لم أنزل مفرّقاً؟ والدليل على فساد هذا الاعتراض: أنهم عجزوا عن أن يأتوا بنجم واحد من نجومه، وتحدّوا بسورة واحدة من أصغر السور، فأبرزوا صفحة عجزهم وسجلوا به على أنفسهم حين لاذوا بالمناصبة وفزعوا إلى المحاربة، ثم قالوا: هلا نزل عليه جملة واحدة، كأنهم قدروا على تفاريقه حتى يقدروا على جملته {وَرَتَّلْنَاهُ} معطوف على الفعل الذي تعلق به كذلك، كأنه قال: كذلك فرّقناه ورتلناه. ومعنى ترتيله: أن قدره آية بعد آية، ووقفه عقيب وقفه، ويجوز أن يكون المعنى: وأمرنا بترتيل قراءته، وذلك قوله: {وَرَتّلِ القرءان تَرْتِيلاً} [المزمل: 4] أي اقرأه بترسل وتثبت. ومنه حديث عائشة رضي الله عنها في صفة قراءته صلى الله عليه وسلم: «لا كسردكم هذا، لو أراد السامع أن يعدّ حروفه لعدّها» وأصله: الترتيل في الأسنان: وهو تفليجها. يقال: ثغر رتل ومرتل، ويشبه بنور الأقحوان في تفليجه. وقيل: هو أن نزله مع كونه متفرقاً على تمكث وتمهل في مدة متباعدة وهي عشرون سنة. ولم يفرقه في مدة متقاربة {وَلاَ يَأْتُونَكَ} بسؤال عجيب من سؤالاتهم الباطلة كأنه مثل في البطلان إلاّ أتيناك نحن بالجواب الحق الذي لا محيد عنه وبما هو أحسن معنى، ومأدّى من سؤالهم.
ولما كان التفسير هو التكشيف عما يدلّ عليه الكلام، وضع موضع معناه فقالوا: تفسير هذا الكلام كيت وكيت، كما قيل: معناه كذا وكذا. أو لا يأتونك بحال وصفة عجيبة يقولون: هلا كانت هذه صفتك وحالك، نحو: أن يقرن بك ملك ينذر معك، أو يلقى إليك كنز، أو تكون لك جنة، أو ينزل عليك القرآن جملة، إلاّ أعطيناك نحن من الأحوال ما يحق لك في حكمتنا ومشيئتنا أن تعطاه، وما هو أحسن تكشيفاً لما بعثت عليه ودلالة على صحته، يعني: أن تنزيله مفرقاً وتحدّيهم بأن يأتوا ببعض تلك التفاريق كما نزل شيء منها: أدخل في الإعجاز وأنور للحجة من أن ينزل كله جملة ويقال لهم جيئوا بمثل هذا الكتاب في فصاحته مع بعد ما بين طرفيه، كأنه قيل لهم: إن حاملكم على هذه السؤالات أنكم تضللون سبيله وتحتقرون مكانه ومنزلته، ولو نظرتم بعين الإنصاف وأنتم من المسحوبين على وجوههم إلى جهنم، لعلمتم أن مكانكم شرّ من مكانه وسبيلكم أضلّ من سبيله. وفي طريقته قوله: {قل هَلْ أُنَبّئُكُمْ بِشَرّ مّن ذلك مَثُوبَةً عِندَ الله مَن لَّعَنَهُ الله وَغَضِبَ عَلَيْهِ} الآية [المائدة: 60]. ويجوز أن يراد بالمكان: الشرف والمنزلة، وأن يراد الدار والمسكن، كقوله: {أَىُّ الفريقين خَيْرٌ مَّقَاماً وَأَحْسَنُ نَدِيّاً} [مريم: 73] ووصف السبيل بالضلال من الإسناد المجازي وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «يُحشَرُ الناسُ يومَ القيامةِ على ثلاثِ أثلاثٍ: ثلثٌ على الدوابِ وثلثٌ على وجوههِم، وثلثٌ على أقدامِهِم ينسلونَ نسلاً».

.تفسير الآيات (35- 36):

{وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا (35) فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا (36)}
الوزارة: لا تنافي النبوّة، فقد كان يبعث في الزمن الواحد أنبياء يؤمرون بأن يوازر بعضهم بعضاً. والمعنى: فذهبا إليهم فكذبوهما فدمرناهم، كقوله: {اضرب بّعَصَاكَ البحر فانفلق} [الشعراء: 63] أي فضرب فانفلق. أراد اختصار القصة فذكر حاشيتيها أوّلها وآخرها، لأنهما المقصود بطولها أعني: إلزام الحجة ببعثة الرسل واستحقاق التدمير بتكذيبهم.
وعن عليّ رضي الله عنه فدمّرتهم. وعنه فدمّراهم. وقرئ: {فدمّرانهم}، على التأكيد بالنون الثقيلة.

.تفسير الآية رقم (37):

{وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آَيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا (37)}
كأنهم كذبوا نوحاً ومن قبله من الرسل صريحاً. أو كان تكذيبهم لواحد منهم تكذيب للجميع أو لم يروا بعثة الرسل أصلاً كالبراهمة {وجعلناهم} وجعلنا إغراقهم أو قصتهم {للظالمين} إمّا أن يعني بهم قوم نوح، وأصله: وأعتدنا لهم، إلاّ أنه قصد تظليمهم فأظهر. وإمّا إن يتناولهم بعمومه.

.تفسير الآيات (38- 39):

{وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا (38) وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا (39)}
عطف عاداً على {هُمْ} في جعلناهم أو على الظالمين، لأن المعنى: ووعدنا الظالمين. وقرئ: {وثمود} على تأويله القبلة. وأما المنصرف فعلى تأويل الحيّ أو لأنه اسم الأب الأكبر. قيل: في أصحاب الرس: كانوا قوماً من عبدة الأصنام أصحاب آبار ومواش، فبعث الله إليهم شعيباً فدعاهم إلى الإسلام. فتمادوا في طغيانهم وفي إيذانه، فبيناهم حول الرس وهو البئر غير المطوية. عن أبي عبيدة: انهارت بهم فخسف بهم وبديارهم. وقيل: الرس قرية بفلج اليمامة، قتلوا نبيهم فهلكوا، وهم بقية ثمود قوم صالح. وقيل: هم أصحاب النبي حنظلة بن صفوان، كانوا مبتلين بالعنقاء وهي أعظم ما يكون من الطير، سميت لطول عنقها، وكانت تسكن جبلهم الذي يقال له فتح، وهي تنقض على صبيانهم فتخطفهم، إن أعوزها الصيد، فدعا عليها حنظلة فأصابتها الصاعقة، ثم إنهم قتلوا حنظلة فأهلكوا، وقيل: هم أصحاب الأخدود، والرس: هو الأخدود، وقيل: الرس بأنطاكية قتلوا فيها حبيباً النجار. وقيل: كذبوا نبيهم ورسوه في بئر، أي: دسوه فيها {بَيْنَ ذلك} أي بين ذلك المذكور، وقد يذكر الذاكر أشياء مختلفة ثم يشير إليها ب (ذلك)، ويحسب الحاسب أعداداً متكاثرة ثم يقول: فذلك كيت وكيت على معنى: فذلك المحسوب أو المعدود {ضَرَبْنَا لَهُ الامثال} بينا له القصص العجيبة من قصص الأوّلين، ووصفنا لهم ما أجروا إليه من تكذيب الأنبياء وجرى عليهم من عذاب الله وتدميره. والتتبير: التفتيت والتكسير. ومنه: التبر، وهو كسار الذهب والفضة والزجاج. و{وَكُلاًّ} الأوّل منصوب بما دلّ عليه {ضَرَبْنَا لَهُ الامثال} وهو: أنذرنا. أو: حذرنا.
والثاني: بتبرنا، لأنه فارغ له.