فصل: تفسير الآيات (181- 184):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل



.تفسير الآيات (181- 184):

{أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ (181) وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ (182) وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (183) وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ (184)}
الكيل على ثلاثة أضرب: واف، وطفيف، وزائد. فأمر بالواجب الذي هو الإيفاء، ونهى عن المحرّم الذي هو التطفيف، ولم يذكر الزائد، وكأن تركه عن الأمر والنهي: دليل على أنه إن فعله فقد أحسن وإن لم يفعله فلا عليه. قرئ: {بالقسطاس} مضموناً ومكسوراً وهو الميزان وقيل: القرسطون، فإن كان من القسط وهو العدل وجعلت العين مكررة فوزنه فعلاس وإلا فهو رباعي. وقيل: وهو بالرومية العدل. يقال: بخسته حقه، إذا نقصته إياه. ومنه قيل للمكس: البخس، وهو عامّ في كل حق ثبت لأحد أن لا يهضم، وفي كل ملك أن لا يغصب عليه مالكه ولا يتحيف منه، ولا يتصرف فيه إلا بإذنه تصرفاً شرعياً. يقال: عثا في الأرض وعثى وعاث، وذلك نحو قطع الطريق، والغارة، وإهلاك الزروع، وكانوا يفعلون ذلك مع توليهم أنواع الفساد فنهوا عن ذلك. وقرئ: {الجبلة}، بوزن الأبلة. والجبلة، بوزن الخلقة. ومعناهنّ واحد، أي: ذوي الجبلة، وهو كقولك: والخلق الأوّلين.

.تفسير الآيات (185- 186):

{قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (185) وَمَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (186)}
فإن قلت: هل اختلف المعنى بإدخال الواو هاهنا وتركها في قصة ثمود؟ قلت: إذا أدخلت الواو فقد قصد معنيان: كلاهما مناف للرسالة عندهم: التسحير والبشرية، وأن الرسول لا يجوز أن يكون مسحراً ولا يجوز أن يكون بشراً، وإذا تركت الواو فلم يقصد إلا معنى واحد وهو كونه مسحراً، ثم قرر بكونه بشراً مثلهم، فإن قلت: إن المخففة من الثقيلة ولامها كيف تفرقتا على فعل الظنّ وثاني مفعولية؟ قلت: أصلهما أن يتفرقا على المبتدأ والخبر، كقولك: إن زيد لمنطلق، فلما كان البابان أعني باب كان وباب وظننت من جنس باب المبتدإ والخبر، فعل ذلك في البابين فقيل: إن كان زيد لمنطلقاً، وإن ظننته لمنطلقا.

.تفسير الآية رقم (187):

{فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (187)}
قرئ: {كسفا} بالسكون والحركة، وكلاهما جمع كسفة، نحو: قطع وسدر. وقيل: الكسف والكسفة، كالريع والريعة، وهي القطعة. وكسفه: قطعه. والسماء: السحاب، أو المظلة. وما كان طلبهم ذلك إلا لتصميمهم على الجحود والتكذيب. ولو كان فيهم أدنى ميل إلى التصديق لما أخطروه ببالهم فضلاً أن يطلبوه. والمعنى: إن كنت صادقاً أنك نبيّ، فادع الله أن يسقط علينا كسفا من السماء.

.تفسير الآية رقم (188):

{قَالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ (188)}
{رَبّى أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ} يريد: أنّ الله أعلم بأعمالكم وبما تستوجبون عليها من العقاب، فإن أراد أن يعاقبكم بإسقاط كسف من السماء فعل، وإن أراد عقاباً آخر فإليه الحكم والمشيئة.

.تفسير الآيات (189- 191):

{فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (189) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (190) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (191)}
{فَأَخَذَهُمْ} الله بنحو ما اقترحوا من عذاب الظلة إن أرادوا بالسماء السحاب، وإن أرادوا المظلة فقد خالف بهم عن مقترحهم. يروى أنه حبس عنهم الريح سبعاً، وسلط عليهم الومد. فأخذ بأنفاسهم لا ينفعهم ظلّ ولا ماء ولا سرب، فاضطرّوا إلى أن خرجوا إلى البرية فأظلتهم سحابة وجدوا لها برداً ونسيماً، فاجتمعوا تحتها فأمطرت عليهم ناراً فاحترقوا.
وروي أنّ شعيباً بعث إلى أمتين: أصحاب مدين، وأصحاب الأيكة، فأهلكت مدين بصيحة جبريل، وأصحاب الأيكة بعذاب يوم الظلة.
فإن قلت: كيف كرّر في هذه السورة في أوّل كل قصة وآخرها ما كرّر؟ قلت: كل قصة منها كتنزيل برأسه، وفيها من الاعتبار مثل ما في غيرها، فكانت كل واحدة منها تدلي بحق في أن تفتتح بما افتتحت به صاحبتها، وأن تختتم بما اختتمت به، ولأنّ في التكرير تقريراً للمعاني في الأنفس، وتثبيتاً لها في الصدور. ألا ترى أنه لا طريق إلى تحفظ العلوم إلا ترديد ما يراد تحفظه منها، وكلما زاد ترديده كان أمكن له في القلب وأرسخ في الفهم وأثبت للذكر وأبعد من النسيان، ولأنّ هذه القصص طرقت بها آذان وقر عن الإنصات للحق، وقلوب غلف عن تدبره، فكوثرت بالوعظ والتذكير، وروجعت بالترديد والتكرير لعل ذلك يفتح أذناً، أو يفتق ذهناً، أو يصقل عقلاً طال عهده بالصقل، أو يجلو فهما قد غطى عليه تراكم الصدأ.

.تفسير الآيات (192- 196):

{وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195) وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (196)}
{وَإِنَّهُ} وإن هذا التنزيل، يعني: ما نزل من هذه القصص والآيات. والمراد بالتنزيل: المنزل. والباء في {نَزَلَ بِهِ الروح} ونزل به الروح، على القراءتين للتعدية. ومعنى {نَزَلَ بِهِ الروح} جعل الله الروح نازلاً به {على قَلْبِكَ} أي: حفظكه وفهمك إياه، وأثبته في قلبك إثبات مالاً ينسى، كقوله تعالى: {سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تنسى} [الأعلى: 6] {بِلِسَانٍ عَرَبِىٍّ} إما أنّ يتعلق بالمنذرين، فيكون المعنى: لتكون من الذين أنذروا بهذا اللسان وهم خمسة: هود، وصالح، وشعيب، وإسمعيل ومحمد عليهم الصلاة والسلام. وإما أن يتعلق بنزل، فيكون المعنى: نزله باللسان العربي لتنذر به؛ لأنه لو نزله باللسان الأعجمي، لتجافوا عنه أصلاً، ولقالوا: ما نصنع بمالاً نفهمه فيتعذر الإنذار به وفي هذا الوجه: أن تنزيله بالعربية التي هي لسانك ولسان قومك تنزيل له على قلبك، لأنك تفهمه ويفهمه قومك. ولو كان أعجمياً لكان نازلاً على سمعك دون قلبك، لأنك تسمع أجراس حروف لا تفهم معانيها ولا تعيها، وقد يكون الرجل عارفاً بعدّة لغات، فإذا كلم بلغته التي لقنها أولاً ونشأ عليها وتطبع بها، لم يكن قلبه إلا إلى معاني الكلام يتلقاها بقلبه ولا يكاد يفطن للألفاظ كيف جرت، وإن كلم بغير تلك اللغة وإن كان ماهراً بمعرفتها كان نظره أولاً في ألفاظها ثم في معانيها، فهذا تقرير أنه نزل على قلبه لنزوله بلسان عربي مبين {وَإِنَّهُ} وإن القرآن يعني ذكره مثبت في سائر الكتب السماوية. وقيل: إن معانيه فيها. وبه يحتج لأبي حنيفة في جواز القراءة بالفارسية في الصلاة على أن القرآن قرآن إذا ترجم بغير العربية حيث قيل: {وَإِنَّهُ لَفِى زُبُرِ الاولين} لكون معانيه فيها. وقيل: الضمير لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك في {أَن يَعْلَمَهُ} وليس بواضح.

.تفسير الآية رقم (197):

{أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آَيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ (197)}
وقرئ: {يكن}، بالتذكير. وآية، بالنصب على أنها خبره، و{أَن يَعْلَمَهُ} هو الاسم. وقرئ: {تكن} بالتأنيث، وجعلت {ءايَةً} اسما، و{أَن يَعْلَمَهُ} خبراً، وليست كالأولى لوقوع النكرة اسماً والمعرفة خبراً، وقد خرّج لها وجه آخر لتخلص من ذلك، فقيل: في {يَكُنْ} ضمير القصة، و{ءَايَةً أَنْ يَعْلَمَهُ} جملة واقعة موقع الخبر. ويجوز على هذا أن يكون {لَّهُمْ ءايَةً} هي جملة الشأن، {أَن يَعْلَمَهُ} بدلاً عن آية. ويجوز مع نصب الآية تأنيث {يَكُنْ} كقوله تعالى: {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ} [الأنعام: 23] ومنه بيت لبيد:
فَمَضَى وَقَدَّمَهَا وَكَانَتْ عَادة ** مِنْهُ إِذَا هِيَ عَرَّدَتْ أَقْدَامَهَا

وقرئ: {تعلمه}، بالتاء. {علماء بَنِى إسراءيل}: عبد الله بن سلام وغيره. قال الله تعالى: {وَإِذَا يتلى عَلَيْهِمْ قَالُواْ ءامَنَّا بِهِ إِنَّهُ الحق مِن رَّبّنَا إنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ} [القصص: 53].
فإن قلت: كيف خط في المصحف {علماؤا} بواو قبل الألف؟ قلت: خط على لغة من يميل الألف إلى الواو وعلى هذه اللغة كتبت الصلوة والزكوة والربوا.

.تفسير الآيات (198- 207):

{وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ (198) فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ (199) كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (200) لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (201) فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (202) فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ (203) أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ (204) أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ (205) ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ (206) مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ (207)}
الأعجم: الذي لا يفصح وفي لسانه عجمة واستعجام. والأعجمي مثله. إلا أن فيه لزيادة ياء النسبة زيادة تأكيد.
وقرأ الحسن: الأعجميين. ولما كان من يتكلم بلسان غير لسانهم لا يفقهون كلامه، قالوا له: أعجم وأعجمي، شبهوه بمن لا يفصح ولا يبين، وقالوا لكل ذي صوت من البهائم والطيور وغيرها: أعجم، قال حميد:
وَلاَ عَرَبِيًّا شَاقَهُ صوت أَعْجَمَا

{سَلَكْنَاهُ} أدخلناه ومكناه. والمعنى: إنا أنزلنا هذا القرآن على رجل عربي بلسان عربي مبين، فسمعوا به وفهموه وعرفوا فصاحته وأنه معجز لا يعارض بكلام مثله، وانضم إلى ذلك اتفاق علماء أهل الكتب المنزلة قبله على أن البشارة بإنزاله وتحلية المنزل عليه وصفته في كتبهم، وقد تضمنت معانيه وقصصه، وصحّ بذلك أنها من عند الله وليست بأساطير كما زعموا، فلم يؤمنوا به وجحدوه، وسموه شعراً تارة، وسحراً أخرى، وقالوا: هو من تلفيق محمد وافترائه {وَلَوْ نزلناه على بَعْضِ} الأعاجم الذي لا يحسن العربية، فضلاً أن يقدر على نظم مثله {فَقَرَأَهُ عَلَيْهِم} هكذا فصيحاً معجزاً متحدّي به، لكفروا به كما كفروا، ولتمحلوا لجحودهم عذراً، ولسموه سحراً، ثم قال: {كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ} أي مثل هذا السلك سلكناه في قلوبهم، وهكذا مكناه وقررّناه فيها، وعلى مثل هذه الحال وهذه الصفة من الكفر به والتكذيب له وضعناه فيها، فكيفما فعل بهم وصنع وعلى أي وجه دبر أمرهم، فلا سبيل أن يتغيروا عما هم عليه من جحوده وإنكاره، كما قال {وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كتابا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الذين كَفَرُواْ إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ} [الأنعام: 7] فإن قلت: كيف أسند السلك بصفة التكذيب إلى ذاته؟ قلت: أراد به الدلالة على تمكنه مكذباً في قلوبهم أشدّ التمكن، وأثبته فجعله بمنزلة أمر قد جبلوا عليه وفطروا. ألا ترى إلى قولهم: هو مجبول على الشح، يريدون: تمكن الشحّ فيه؛ لأنّ الأمور الخلقية أثبت من العارضة، والدليل عليه أنه أسند ترك الإيمان به إليهم على عقبه، وهو قوله: {لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ}.
فإن قلت: ما موقع {لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ} من قوله: {سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ المجرمين}؟ قلت: موقعه منه موقع الموضح والملخص؛ لأنه مسوق لثباته مكذباً مجحوداً في قلوبهم، فأتبع ما يقرّر هذا المعنى من أنهم لا يزالون على التكذيب به وجحوده حتى يعاينوا الوعيد. ويجوز أن يكون حالاً، أي: سلكناه فيها غير مؤمن به.
وقرأ الحسن: {فتأتيهم}، بالتاء يعني: الساعة. وبغتة، بالتحريك. وفي حرف أبيّ: {ويروه بغتة}.
فإن قلت: ما معنى التعقيب في قوله: {فيأتيهم بغتة.... فَيَقُولُواْ}؟ قلت: ليس المعنى ترادف رؤية العذاب ومفاجأته وسؤال النظرة فيه في الوجود، وإنما المعنى ترتبها في الشدّة، كأنه قيل: لا يؤمنون بالقرآن حتى تكون رؤيتهم للعذاب فما هو أشدّ منها وهو لحوقه بهم مفاجأة، فما هو أشدّ منه وهو سؤالهم النظرة.
ومثال ذلك أن تقول لمن تعظه: إن أسأت مقتك الصالحون فمقتك الله، فإنك لا تقصد بهذا الترتيب أنّ مقت الله يوجد عقيب مقت الصالحين، وإنما قصدك إلى ترتيب شدّة الأمر على المسيء، وأنه يحصل له بسبب الإساءة مقت الصالحين، فما هو أشدّ من مقتهم: وهو مقت الله، وترى ثمّ يقع هذا الأسلوب فيحل موقعه {أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ} تبكيت لهم بإنكار وتهكم، ومعناه: كيف يستعجل العذاب من هو معرض لعذاب يسأل فيه من جنس ما هو فيه اليوم من النظرة والإمهال طرفة عين فلا يجاب إليها. ويحتمل أن يكون هذا حكاية توبيخ يوبخون به عند استنظارهم يومئذ، و{يَسْتَعْجِلُونَ} على هذا الوجه حكاية حال ماضية. ووجه آخر متصل بما بعده، وذلك أنّ استعجالهم بالعذاب إنما كان لاعتقادهم أنه غير كائن ولا لاحق بهم، وأنهم ممتعون بأعمار طوال في سلامة وأمن، فقال تعالى: أفبعذابنا يستعجلون أشرا وبطرا واستهزاء واتكالا على الأمل الطويل، ثم قال: هب أنّ الأمر كما يعتقدون من تمتيعهم وتعميرهم، فإذا لحقهم الوعيد بعد ذلك ما ينفعهم حينئذٍ ما مضى من طول أعمارهم وطيب معايشهم.
وعن ميمون بن مهران: أنه لقي الحسن في الطواف وكان يتمنى لقاءه فقال له: عظني، فلم يزده على تلاوة هذه الآية. فقال ميمون: لقد وعظت فأبلغت. وقرئ: {يمتعون}، بالتخفيف.