فصل: تفسير الآية رقم (29):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل



.تفسير الآية رقم (29):

{بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (29)}
{الذين ظلموا} أي أشركوا، كقوله تعالى: {إِنَّ الشرك لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13]، {بِغَيْرِ عِلْمٍ} أي اتبعوا أهواءهم جاهلين لأنّ العالم إذا ركب هواه ربما ردعه علمه وكفه. وأما الجاهل فيهيم على وجهه كالبهيمة لا يكفه شيء {مَنْ أَضَلَّ الله} من خذله ولم يلطف به، لعلمه أنه ممن لا لطف له، فمن يقدر على هداية مثله. وقوله: {وَمَا لَهُم مِّن ناصرين} دليل على أن المراد بالإضلال الخذلان.

.تفسير الآيات (30- 32):

{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30) مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32)}
{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدّينَ} فقوِّم وجهك له وعدِّ له، غير ملتفت عنه يميناً ولا شمالاً، وهو تمثيل لإقباله على الدين، واستقامته عليه، وثباته، واهتمامه بأسبابه، فإنّ من اهتم بالشيء عقد عليه طرفه، وسدّد إليه نظره، وقوّم له وجهه، مقبلاً به عليه. و{حَنِيفاً} حال من المأمور. أو من الدين {فِطْرَتَ الله} أي الزموا فطرة الله. أو عليكم فطرة الله. وإنما أضمرته على خطاب الجماعة لقوله: {مُنِيبِينَ إِلَيْهِ} ومنيبين: حال من الضمير في: الزموا. وقوله: (واتقوه وَأَقِيمُواْ... وَلاَ تَكُونُواْ) معطوف على هذا الضمير. والفطرة: الخلقة. ألا ترى إلى قوله: {لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ الله} والمعنى: أنه خلقهم قابلين للتوحيد ودين الإسلام، غير نائين عنه ولا منكرين له، لكونه مجاوباً للعقل، مساوقاً للنظر الصحيح، حتى لو تركوا لما اختاروا عليه ديناً آخر، ومن غوى منهم فبإغواء شياطين الإنس والجن. ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: «كل عبادي خلقت حنفاء فاجتالتهم الشياطين عن دينهم وأمروهم أن يشركوا بي غيري» وقوله عليه السلام: «كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه هما اللذان يهوّدانه وينصرانه»، {لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ الله} أي ما ينبغي أن تبدّل تلك الفطرة أو تغير.
فإن قلت: لم وحد الخطاب أوّلاً، ثم جمع؟ قلت: خوطب رسول الله صلى الله عليه وسلم أولاً، وخطاب الرسول خطاب لأمته مع ما فيه من التعظيم للإمام، ثم جمع بعد ذلك للبيان والتلخيص {مِنَ الذين} بدل من المشركين {فارقوا دينهم} تركوا دين الإسلام. وقرئ: {فرّقوا دينهم} بالتشديد، أي: حعلوه أدياناً مختلفة لاختلاف أهوائهم {وَكَانُواْ شِيَعاً} فرقاً، كل واحدة تشايع إمامها الذي أضلها {كُلُّ حِزْبٍ} منهم فرح بمذهبه مسرور، يحسب باطله حقاً- ويجوز أن يكون {مِنَ الذين} منقطعاً مما قبله، ومعناه: من المفارقين دينهم كل حزب فرحين بما لديهم، ولكنه رفع فرحون على الوصف لكل، كقوله:
وَكُلُّ خَلِيلٍ غَيْرُ هَاضِمِ نَفْسِهِ

.تفسير الآيات (33- 34):

{وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (33) لِيَكْفُرُوا بِمَا آَتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (34)}
الضر: الشدّة من هزال أو مرض أو قحط أو غير ذلك. والرحمة: الخلاص من الشدّة. واللام في {لِيَكْفُرُواْ} مجاز مثلها في {لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً} [القصص: 8]. {فَتَمَتَّعُواْ} نظير {اعملوا مَا شِئْتُمْ} [فصلت: 40] {فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} وبال تمتعكم.
وقرأ ابن مسعود: وليتمتعوا.

.تفسير الآية رقم (35):

{أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ (35)}
السلطان: الحجة، وتكلمه. مجاز، كما تقول: كتابه ناطق بكذا، وهذا مما نطق به القرآن. ومعناه الدلالة والشهادة، كأنه قال: فهو يشد بشركهم وبصحته. وما في {بِمَا كَانُواْ} مصدرية أي: بكونهم بالله يشركون. ويجوز أن تكون موصولة ويرجع الضمير إليها. ومعناه: فهو يتكلم بالأمر الذي يسببه يشركون، ويحتمل أن يكون المعنى: أم أنزلنا عليهم ذا سلطان، أي: ملكاً معه برهان فذلك الملك يتكلم بالبرهان الذي بسببه يشركون.

.تفسير الآية رقم (36):

{وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ (36)}
{وَإِذَا أَذَقْنَا الناس رَحْمَةً} أي نعمة من مطر أو سعة أو صحة {فَرِحُواْ بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ} أي بلاء من جدب أو ضيق أو مرض- والسبب فيها شؤم معاصيهم- قنطوا من الرحمة.

.تفسير الآية رقم (37):

{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (37)}
ثم أنكر عليهم بأنهم قد علموا أنه هو الباسط القابض، فما لهم يقنطون من رحمته، وما لهم لا يرجعون إليه تائبين من المعاصي التي عوقبوا بالشدّة من أجلها، حتى يعيد إليهم رحمته.

.تفسير الآية رقم (38):

{فَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (38)}
حق ذي القربى: صلة الرحم. وحق المسكين وابن السبيل: نصيبهما من الصدقة المسماة لهما. وقد احتج أبو حنيفة رحمه الله بهذه الآية في وجوب النفقة للمحارم إذا كانوا محتاجين عاجزين عن الكسب. وعند الشافعي رحمه الله: لا نفقة بالقرابة إلا على الولد والوالدين: قاس سائر القرابات على ابن العم، لأنه لا ولاد بينهم.
فإن قلت: كيف تعلق قوله: {فَئَاتِ ذَا القربى} بما قبله حتى جيء بالفاء؟ قلت: لما ذكر أنّ السيئة أصابتهم بما قدّمت أيديهم، أتبعه ذكر ما يجب أن يفعل وما يجب أن يترك {يُرِيدُونَ وَجْهَ الله} يحتمل أن يراد بوجهه ذاته أو جهته وجانبه، أي: يقصدون بمعروفهم إياه خالصاً وحقه، كقوله تعالى: {إِلاَّ ابتغاء وَجْهِ رَبّهِ الأعلى} [الليل: 20] أو يقصدون جهة التقرّب إلى الله لا جهة أخرى، والمعنيان متقاربان، ولكن الطريقة مختلفة.

.تفسير الآية رقم (39):

{وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ (39)}
هذه الآية في معنى قوله تعالى: {يمحق الله الربا ويربي الصدقات} [البقرة: 278] سواء بسواء، يريد: وما أعطيتم أكلة الربا {مِّن رِباً لِّيَرْبُوَاْ فى} أموالهم: ليزيد ويزكو في أموالهم، فلا يزكو عند الله ولا يبارك فيه {وَمَآ ءَاتَيْتُم مِّن زكاوة} أي صدقة تبتغون به وجهه خالصاً، لا تطلبون به مكافأة ولا رياء وسمعة {فأولائك هُمُ المضعفون} ذوو الإضعاف من الحسنات. ونظير المضعف: المقوى والموسر، لذي القوّة واليسار: وقرئ بفتح العين.
وقيل نزلت في ثقيف، وكانوا يربون. وقيل: المراد أن يهب الرجل للرجل أو يهدي له، ليعوّضه أكثر مما وهب أو أهدى، فليست تلك الزيادة بحرام، ولكن المعوّض لا يثاب على تلك الزيادة. وقالوا: الربا ربوان: فالحرام: كل قرض يؤخذ فيه أكثر منه: أو يجرّ منفعة. والذي ليس بحرام: أن يستدعى بهبته أو بهديته أكثر منها. وفي الحديث: المستغزر يثاب من هبته وقرئ: {وما أتيتم من ربا} بمعنى: وما غشيتموه أو رهقتموه من إعطاء ربا. وقرئ: {لتربوا}، أي: لتزيدوا في أموالهم، كقوله تعالى: {وَيُرْبِى الصدقات} أي يزيدها. وقوله تعالى: {فأولائك هُمُ المضعفون} التفات حسن، كأنه قال لملائكته وخواص خلقه: فأولئك الذين يريدون وجه الله بصدقاتهم: هم المضعفون. فهو أمدح لهم من أن يقول: فأنتم المضعفون. والمعنى: المضعفون به، لأنه لابد من ضمير يرجع إلى ما، ووجه آخر: وهو أن يكون تقديره: فمؤتوه أولئك هم المضعفون. والحذف لما في الكلام من الدليل عليه، وهذا أسهل مأخذاً، والأوّل أملأ بالفائدة.

.تفسير الآية رقم (40):

{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (40)}
{الله} مبتدأ وخبره {الذى خَلَقَكُمْ} أي الله هو فاعل هذه الأفعال الخاصة التي لا يقدر على شيء منها أحد غيره، ثم قال: {هَلْ مِن شُرَكَائِكُمْ} الذين اتخذتموهم أنداداً له من الأصنام وغيرها {مَّن يَفْعَلُ} شيئاً قط من تلك الأفعال؛ حتى يصح ما ذهبتم إليه، ثم استبعد حاله من حال شركائهم. ويجوز أن يكون {الذى خَلَقَكُمْ} صفة للمبتدأ، والخبر: هل من شركائكم، وقوله: {مِن ذلكم} هو الذي ربط الجملة بالمبتدأ، لأن معناه: من أفعاله ومن الأولى والثانية والثالثة: كل واحدة منهنّ مستقلة بتأكيد، لتعجيز شركائهم، وتجهيل عبدتهم.

.تفسير الآية رقم (41):

{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41)}
{الفساد فِي البر والبحر} نحو: الجدب، والقحط، وقلة الريع في الزراعات والربح في التجارات، ووقوع الموتان في الناس والدواب، وكثر الحرق والغرق، وإخفاق الصيادين والغاصة، ومحق البركات من كل شيء، وقلة المنافع في الجملة وكثرة المضارّ.
وعن ابن عباس: أجدبت الأرض وانقطعت مادّة البحر. وقالوا: إذا انقطع القطر عميت دواب البحر.
وعن الحسن أنّ المراد بالبحر: مدن البحر وقراه التي على شاطئه.
وعن عكرمة: العرب تسمي الأمصار البحار. وقرئ: {في البر والبحور} {بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِى الناس} بسبب معاصيهم وذنوبهم، كقوله تعالى: {وَمَا أصابكم مِّن مُّصِيبَةٍ فيِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [الشورى: 30] وعن ابن عباس {ظَهَرَ الفساد فِي البر} بقتل ابن آدم أخاه. وفي البحر بأن جلندي كان يأخذ كل سفينة غصباً، وعن قتادة: كان ذلك قبل البعثه، فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجع راجعون عن الضلال والظلم. ويجوز أن يريد ظهور الشر والمعاصي بكسب الناس ذلك.
فإن قلت: ما معنى قوله: {لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الذى عَمِلُواْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}؟ قلت أمّا على التفسير الأول فظاهر، وهو أنّ الله قد أفسد أسباب دنياهم ومحقها، ليذيقهم وبال بعضهم أعمالهم في الدنيا قبل أن يعاقبهم بجميعها في الآخرة، لعلهم يرجعون عما هم عليه، وأمّا على الثاني فاللام مجاز، على معنى أنّ ظهور الشرور بسببهم مما استوجبوا به أن يذيقهم الله وبال أعمالهم إرادة الرجوع، فكأنهم إنما أفسدوا وتسببوا لفشوّ المعاصي في الأرض لأجل ذلك. وقرئ: {لنذيقهم} بالنون.

.تفسير الآية رقم (42):

{قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ (42)}
ثم أكد تسبب المعاصي لغضب الله ونكاله: حيث أمرهم بأن يسيروا في الأرض فينظروا كيف أهلك الله الأمم وأذاقهم سوء العاقبة لمعاصيهم، ودل بقوله: {كَانَ أَكْثَرُهُمُ مُّشْرِكِينَ} على أنّ الشرك وحده لم يكن سبب تدميرهم، وأنّ ما دونه من المعاصي يكون سبباً لذلك.

.تفسير الآية رقم (43):

{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ (43)}
القيم: البليغ الاستقامة الذي لا يتأتى فيه عوج {مِنَ الله} إمّا أن يتعلق بيأتي، فيكون المعنى: من قبل أن يأتي من الله يوم لا يردّه أحد، كقوله تعالى: {فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا} [الأنبياء: 40] أو بمردّ، على معنى: لا يردّه هو بعد أن يجيء به، ولا ردّ له من جهته. والمردّ: مصدر بمعنى الردّ {يَصَّدَّعُونَ} يتصدّعون: أي يتفرقون، كقوله تعالى: {وَيَوْمَ تَقُومُ الساعة يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ} [الروم: 14].

.تفسير الآيات (44- 45):

{مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ (44) لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (45)}
{فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ} كلمة جامعة لما لا غاية وراءه من المضارّ. لأنّ من كان ضاره كفره؛ فقد أحاطت به كلّ مضرّة {فَلأَنفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ} أي يسوّون لأنفسهم ما يسوّيه لنفسه الذي يمهد فراشه ويوطئه، لئلا يصيبه في مضجعه ما ينبيه عليه وينغص عليه مرقده: من نتوء أو قضض أو بعض ما يؤذي الراقد. ويجوز أن يريد: فعلى أنفسهم يشفقون، من قولهم في المشفق: أمّ فرشت فأنامت. وتقديم الظرف في الموضعين للدلالة على أنّ ضرر الكفر لا يعود إلا على الكافر لا يتعدّاه. ومنفعة الإيمان والعمل الصالح: ترجع إلى المؤمن لا تتجاوزه {لِيَجْزِىَ} متعلق بيمهدون تعليل له {مِن فَضْلِهِ} مما يتفضل عليهم بعد توفية الواجب من الثواب؛ وهذا يشبه الكناية، لأن الفضل تبع للثواب، فلا يكون إلا بعد حصول ما هو تبع له: أو أراد من عطائه وهو ثوابه؛ لأن الفضول والفواضل هي الأعطية عند العرب. وتكرير {الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات} وترك الضمير إلى الصريح لتقرير أنه لا يفلح عنده إلا المؤمن الصالح. وقوله: {إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الكافرين} تقرير بعده تقرير، على الطرد والعكس.