فصل: تفسير الآيات (6- 7):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل



.تفسير الآيات (6- 7):

{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (6) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (7)}
اللهو كل باطل ألهى عن الخير وعما يعني و{لَهْوَ الحديث} نحو السمر بالأساطير والأحاديث التي لا أصل لها، والتحدث بالخرفات والمضاحيك وفضول الكلام، وما لا ينبغي من كان وكان، ونحو الغناء وتعلم الموسيقار، وما أشبه ذلك. وقيل: نزلت في النضر بن الحرث، وكان يتجر إلى فارس، فيشتري كتب الأعاجم فيحدث بها قريشاً ويقول: إن كان محمد يحدثكم بحديث عاد وثمود فأنا أحدثكم بأحاديث رستم وبهرام والأكاسرة وملوك الحيرة، فيستملحون حديثه ويتركون استماع القرآن. وقيل: كان يشتري المغنيات، فلا يظفر بأحد يريد الإسلام إلا انطلق به إلى قينته فيقول: أطعميه واسقيه وغنيه، ويقول: هذا خير مما يدعوك إليه محمد من الصلاة والصيام وأن تقاتل بين يديه. وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يحلُّ بيعُ المغنياتِ ولا شراؤُهن ولا التجارةُ فيهنّ ولا أثمانهنّ» وعنه صلى الله عليه وسلم: «ما مِنْ رجلٍ يَرفعُ صوتَه بالغناءِ إلا بَعث اللَّهُ عليهِ شيطانَين: أحدُهما على هذا المنكبِ والآخرُ على هذا المنكبِ، فلا يزالان يضربانهِ بأَرجلِهِما حتى يكونَ هو الذي يسكتُ»، وقيل: الغناءُ منفدة للمال، مسخطة للرب، مفسدة للقلب.
فإن قلت: ما معنى إضافة اللهو إلى الحديث؟ قلت: معناها التبيين، وهي الإضافة بمعنى من، وأن يضاف الشيء إلى ما هو منه، كقولك: صفّة خز وباب ساج. والمعنى: من يشتري اللهو من الحديث؛ لأن اللهو يكون من الحديث ومن غيره، فبين بالحديث. والمراد بالحديث. الحديث المنكر، كما جاء في الحديث: «الحديث في المسجد يأكل الحسنات كما تأكل البهيمة الحشيش» ويجوز أن تكون الإضافة بمعنى (من) التبعيضية، كأنه قيل: ومن الناس من يشتري بعض الحديث الذي هو اللهو منه. وقوله: {يَشْتَرِى} إما من الشراء، على ما روى عن النضر: من شراء كتب الأعاجم أو من شراء القيان. وإما من قوله: {اشتروا الكفر بالإيمان} [آل عمران: 177] أي استبدلوه منه واختاروه عليه.
وعن قتادة: اشتراؤه: استحبابه، يختار حديث الباطل على حديث الحق. وقرئ: {لِيُضِلَّ} بضم الياء وفتحها. و{سَبِيلِ الله} دين الإسلام أو القرآن.
فإن قلت: القراءة بالضم بينة، لأن النضر كان غرضه باشتراء اللهو: أن يصدّ الناس عن الدخول في الإسلام واستماع القرآن ويضلهم عنه، فما معنى القراءة بالفتح؟ قلت: فيه معنيان، أحدهما: ليثبت على ضلاله الذي كان عليه، ولا يصدف عنه، ويزيد فيه ويمدّه، فإن المخذول كان شديد الشكيمة في عداوة الدين وصدّ الناس عنه.
والثاني: أن يوضع ليضل موضع ليضل، من قبل أن من أضل كان ضالاً لا محالة، فدل بالرديف على المردوف.
فإن قلت: ما معنى قوله: {بِغَيْرِ عِلْمٍ} قلت: لما جعله مشترياً لهو الحديث بالقرآن قال: يشتري بغير علم بالتجارة وبغير بصيرة بها، حيث يستبدل الضلال بالهدى والباطل بالحق.
ونحوه قوله تعالى: {فَمَا رَبِحَت تجارتهم وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ} [البقرة: 16] أي: وما كانوا مهتدين للتجارة بصراء بها: وقرئ {وَيَتَّخِذَهَا} بالنصب والرفع عطفاً على يشتري. أو ليضل، والضمير للسبيل؛ لأنها مؤنثة، كقوله تعالى: {وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله مَنْ ءامَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا} [الأعراف: 86]. {ولى مُسْتَكْبِراً} زاما لا يعبأ بها ولا يرفع بها رأساً: تشبه حاله في ذلك حال من لم يسمعها وهو سامع {كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً} أي ثقلاً ولا وقر فيهما، وقرئ: بسكون الذال.
فإن قلت: ما محل الجملتين المصدرتين بكأن؟ قلت: الأولى حال من مستكبراً والثانية من لم يسمعها: ويجوز أن تكونا استئنافين، والأصل في كأن المخففة: كأنه، والضمير: ضمير الشأن.

.تفسير الآيات (8- 11):

{إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ (8) خَالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9) خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (10) هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (11)}
{وَعْدَ الله حَقّا} مصدران مؤكدان، الأوّل: مؤكد لنفسه والثاني مؤكد لغيره؛ لأن قوله: {لَهُمْ جنات النعيم} في معنى: وعدهم الله جنات النعيم، فأكد معنى الوعد بالوعد. وأما {حَقّاً} فدال على معنى الثبات: أكد به معنى الوعد، ومؤكدهما جميعاً قوله: {لَهُمْ جنات النعيم} {وَهُوَ العزيز} الذي لا يغلبه شيء ولا يعجزه، يقدر على الشيء وضده، فيعطى النعيم من شاء والبؤس من شاء، وهو {الحكيم} لا يشاء إلا ما توجبه الحكمة والعدل {تَرَوْنَهَا} الضمير فيه للسموات، وهو استشهاد برؤيتهم لها، غير معمودة على قوله: {بِغَيْرِ عَمَدٍ} كما تقول لصاحبك: أنا بلا سيف ولا رمح تراني فإن قلت: ما محلها من الإعراب؟ قلت: لا محل لها لأنها مستأنفة. أو هي في محل الجرّ صفة للعمد أي: بغير عمد مرئية، يعني: أنه عمدها بعمد لا ترى، وهي إمساكها بقدرته {هذا} إشارة إلى ما ذكر من مخلوقاته. والخلق بمعنى المخلوق. و{الذين مِن دُونِهِ} آلهتهم، بكتهم بأن هذه الأشياء العظيمة مما خلقه الله وأنشأه. فأروني ماذا خلقته آلهتكم حتى استوجبوا عندكم العبادة، ثم أضرب عن تبكيتهم إلى التسجيل عليهم بالتورّط في ضلال ليس بعده ضلال.

.تفسير الآية رقم (12):

{وَلَقَدْ آَتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (12)}
هو لقمان بن باعورا: ابن أخت أيوب أو ابن خالته. وقيل: كان من أولاد آزر، وعاش ألف سنة، وأدرك داود عليه السلام وأخذ منه العلم، وكان يفتي قبل مبعث داود عليه السلام، فلما بعث قطع الفتوى، فقيل له؟ فقال: ألا أكتفي إذا كفيت؟ وقيل: كان قاضياً في بني إسرائيل، وأكثر الأقاويل أنه كان حكيماً ولم يكن نبياً، وعن ابن عباس رضي الله عنهما: لقمان لم يكن نبياً ولا ملكاً، ولكن كان راعياً أسود، فرزقه الله العتق، ورضي قوله ووصيته، فقص أمره في القرآن لتمسكوا بوصيته. وقال عكرمة والشعبي: كان نبياً. وقيل: خيّر بين النبوّة والحكمة فاختار الحكمة.
وعن ابن المسيب: كان أسود من سودان مصر خياطاً، وعن مجاهد: كان عبداً أسود غليظ الشفتين متشقق القدمين. وقيل: كان نجاراً. وقيل: كان راعياً وقيل: كان يحتطب لمولاه كل يوم حزمة. وعنه أنه قال لرجل ينظر إليه: إن كنت تراني غليظ الشفتين فإنه يخرج من بينهما كلام رقيق، وإن كنت تراني أسود فقلبي أبيض.
وروي أن رجلاً وقف عليه في مجلسه فقال: ألست الذي ترعى معي في مكان كذا؟ قال: بلى. قال ما بلغ بك ما أرى؟ قال: صدق الحديث والصمت عما لا يعنيني.
وروي أنه دخل على داود عليه السلام وهو يسرد الدرع وقد لين الله له الحديد كالطين، فأراد أن يسأله فأدركته الحكمة فسكت، فلما أتمها لبسها وقال: نعم لبوس الحرب أنت. فقال: الصمت حكمة وقليل فاعله، فقال له داود: بحق ما سميت حكيماً.
وروي أن مولاه أمره بذبح شاة وبأن يخرج منها أطيب مضغتين، فأخرج اللسان والقلب، ثم أمره بمثل ذلك بعد أيام وأن يخرج أخبث مضغتين فأخرج اللسان والقلب، فسأله عن ذلك؟ فقال: هما أطيب ما فيها إذا طابا، وأخبث ما فيها إذا خبثا.
وعن سعيد بن المسيب أنه قال لأسود: لا تحزن، فإنه كان من خير الناس ثلاثة من السودان: بلال ومهجع مولى عمر، ولقمان. {أن} هي المفسرة، لأنّ إيتاء الحكمة في معنى القول، وقد نبه الله سبحانه على أنّ الحكمة الأصلية والعلم الحقيقي: هو العمل بهما وعبادة الله والشكر له، حيث فسر إيتاء الحكمة بالبعث على الشكر {غَنِىٌّ} غير محتاج إلى الشكر {حَمِيدٌ} حقيق بأن يحمد وإن لم يحمده أحد.

.تفسير الآية رقم (13):

{وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13)}
قيل: كان اسم ابنه (أنعم) وقال الكلبي: (أشكم) وقيل: كان ابنه وامرأته كافرين، فما زال بهما حتى أسلما {لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} لأنّ التسوية بين من لا نعمة إلا هي منه، ومن لا نعمة منه البتة ولا يتصوّر أن تكون منه- ظلم لا يكتنه عظمه.

.تفسير الآيات (14- 15):

{وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (15)}
أي {حَمَلَتْهُ} تهن {وَهْناً على وَهْنٍ} كقولك رجع عوداً على بدء، بمعنى؛ يعود عوداً على بدء، وهو في موضع الحال. والمعنى: أنها تضعف ضعفاً فوق ضعف، أي: يتزايد ضعفها ويتضاعف؛ لأنّ الحمل كلما ازداد وعظم، ازدادت ثقلاً وضعفاً. وقرئ: {وهنا على وهن}. بالتحريك عن أبي عمرو. يقال: وهن يوهن. ووهن يهن وقرئ: {وفصله} {أَنِ اشكر} تفسير لوصينا {مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} أراد بنفي العمل به نفيه، أي: لا تشرك بي ما ليس بشيء، يريد الأصنام، كقوله تعالى: {مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ مِن شَيْء} [العنكبوت: 42]. {مَّعْرُوفاً} صحابا، أو مصاحباً معروفاً حسناً بخلق جميل وحلم واحتمال وبر وصلة، وما يقتضيه الكرم والمروءة {واتبع سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَىَّ} يريد: واتبع سبيل المؤمنين في دينك ولا تتبع سبيلهما فيه- وإن كنت مأموراً بحسن مصاحبتهما في الدنيا- ثم إليّ مرجعك ومرجعهما، فأجازيك على إيمانك وأجازيهما على كفرهما، علم بذلك حكم الدنيا وما يجب على الإنسان في صحبتهما ومعاشرتهما: من مراعاة حق الأبوة وتعظيمه، وما لهما من المواجب التي لا يسوغ الاخلال بها، ثم بين حكمهما وحالهما في الآخرة.
وروي: أنها نزلت في سعد ابن أبي وقاص وأمّه. وفي القصة: أنها مكثت ثلاثاً لا تطعم ولا تشرب حتى شجروا فاهاً بعود.
وروي أنه قال: لو كانت لها سبعون نفساً فخرجت، لما ارتددت إلى الكفر.
فإن قلت: هذا الكلام كيف وقع في أثناء وصية لقمان؟ قلت: هو كلام اعترض به على سبيل الاستطراد، تأكيداً لما في وصية لقمان من النهي عن الشرك.
فإن قلت: فقوله: {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً على وَهْنٍ وفصاله فِي عَامَيْنِ} كيف اعترض به بين المفسر والمفسر؟ قلت: لما وصى بالوالدين: ذكر ما تكابده الأمّ وتعانيه من المشاق والمتاعب في حمله وفصاله هذه المدّة المتطاولة، إيجاباً للتوصية بالوالدة خصوصاً. وتذكيراً بحقها العظيم مفرداً، ومن ثمّ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن قال له: من أبر؟ «أمّك ثم أمّك ثم أمّك» ثم قال بعد ذلك «ثم أباك» وعن بعض العرب أنه حمل أمه إلى الحج على ظهره وهو يقول في حدائه بنفسه:
أحْمِلُ أُمِّي وَهِيَ الْحَمَّالَهْ ** تُرْضِعُنِي الدُّرَّةَ وَالْعُلاَلَه

وَلاَ يُجَازَى وَالِدٌ فَعَالَهْ

فإن قلت: ما معنى توقيت الفصال بالعامين؟ قلت: المعنى في توقيته بهذه المدة أنها الغاية التي لا تتجاوز، والأمر فيما دون العامين موكول إلى اجتهاد الأم: إن علمت أنه يقوى على الفطام فلها أن تفطمه، ويدل عليه قوله تعالى: {والوالدات يُرْضِعْنَ أولادهن حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرضاعة} [البقرة: 233] وبه استشهد الشافعي رضي الله عنه على أن مدة الرضاع سنتان، لا تثبت حرمة الرضاع بعد انقضائهما، وهو مذهب أبي يوسف ومحمد. وأما عند أبي حنيفة رضي الله عنه. فمدة الرضاع ثلاثون شهراً.
وعن أبي حنيفة: إن فطمته قبل العامين فاستغنى بالطعام ثم أرضعته، لم يكن رضاعاً. وإن أكل أكلاً ضعيفاً لم يستغن به عن الرضاع ثم أرضعته، فهو رضاع محرم.

.تفسير الآية رقم (16):

{يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16)}
قرئ {مِثْقَالَ حَبَّةٍ} بالنصب والرفع، فمن نصب كان الضمير للهنة من الإساءة أو الإحسان، أي: إن كانت مثلاً في الصغر والقماءة كحبة الخردل، فكانت مع صغرها في أخفى موضع وأحرزه كجوف الصخرة أو حيث كانت في العالم العلوي أو السفلي {يَأْتِ بِهَا الله} يوم القيامة فيحاسب بها عاملها {إِنَّ الله لَطِيفٌ} يتوصل علمه إلى كل خفي {خَبِيرٌ} عالم بكنهه.
وعن قتادة: لطيف باستخراجها، خبير بمستقرّها. ومن قرأ بالرفع: كان ضمير القصة، وإنما أنث المثقال لإضافته إلى الحبة، كما قال:
كَمَا شَرِقَتْ صَدْرُ الْقَنَاةِ مِنَ الدَّمِ

وروي أنّ ابن لقمان قال له: أرأيت الحبة تكون في مقل البحر- أي: في مغاصه- يعلمها الله؟ فقال: إنّ الله يعلم أصغر الأشياء في أخفى الأمكنة: لأنّ الحبة في الصخرة أخفى منها في الماء. وقيل: الصخرة هي التي تحت الأرض، وهي السجين يكتب فيها أعمال الكفار. وقرئ: {فتكن} بكسر الكاف. من وكن الطائر يكن: إذا استقر في وكنته، وهي مقره ليلاً.