فصل: تفسير الآيات (112- 113):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل



.تفسير الآيات (112- 113):

{وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (112) وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ (113)}
{نَبِيّاً} حال مقدرة، كقوله تعالى: {فادخلوها خالدين} [الزمر: 73].
فإن قلت: فرق بين هذا وبين قوله: (فادخلوها خالدين) وذلك أنّ المدخول موجود مع وجود الدخول، والخلود غير موجود معهما، فقدرت مقدرين الخلود فكان مستقيماً، وليس كذلك المبشر به، فإنه معدوم وقت وجود البشارة، وعدم المبشر به فإنه معدوم وقت وجود البشارة وعدم المبشر به أوجب عدم حاله لا محالة؛ لأنّ الحال حلية، والحلية لا تقوم إلا بالمحلى، وهذا المبشر به الذي هو إسحاق حين وجد لم توجد النبوّة أيضاً بوجوده، بل تراخت عنه مدّة متطاولة، فكيف يجعل نبياً حالاً مقدّرة، والحال صفة الفاعل أو المفعول عند وجود الفعل منه أو به؛ فالخلود وإن يكن صفتهم عند دخول الجنة، فتقديرها صفتهم؛ لأنّ المعنى مقدّرين الخلود، وليس كذلك النبوّة؛ فإنه لا سبيل إلى أن تكون موجودة أو مقدّرة وقت وجود البشارة بإسحاق لعدم إسحاق.
قلت: هذا سؤال دقيق السلك ضيق المسلك، والذي يحل الإشكال: أنه لابد من تقدير مضاف محذوف، وذلك قولك: وبشرناه بوجود إسحاق نبياً، أي بأن يوجد مقدّرة نبوّته؛ فالعامل في الحال الوجود لا فعل البشارة، وبذلك يرجع، نظير قوله تعالى: {فادخلوها خالدين} [الزمر: 73] {مّنَ الصالحين} حال ثانية، وورودها على سبيل الثناء والتقريظ؛ لأنّ كل نبي لابد أن يكون من الصالحين.
وعن قتادة: بشره الله بنبوّة إسحاق بعد ما امتحنه بذبحه، وهذا جواب من يقول الذبيح إسحاق لصاحبه عن تعلقه لقوله: {وبشرناه بإسحاق} قالوا: ولا يجوز أن يبشره الله بمولده ونبوّته معاً؛ لأن الامتحان بذبحه لا يصحّ مع علمه بأنه سيكون نبياً {وباركنا عَلَيْهِ وعلى إسحاق} وقرئ: {وبَرَّكْنا} أي: أفضنا عليهما بركات الدين والدنيا، كقوله: {وَآتَيْنَاه أَجْرَهُ فِي الدنيا وَإِنَّهُ فِي الأَخِرَةِ لَمِنَ الصالحين} [العنكبوت: 27] وقيل: باركنا على إبراهيم في أولاده، وعلى إسحاق بأن أخرجنا أنبياء بني إسرائيل من صلبه. وقوله: {وظالم لّنَفْسِهِ} نظيره: {قَالَ وَمِن ذُرّيَّتِى؟ قَالَ: لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظالمين} [البقرة: 124] وفيه تنبيه على أن الخبيث والطيب لا يجري أمرهما على العرق والعنصر، فقد يلد البر الفاجر، والفاجر البر. وهذا مما يهدم أمر الطبائع والعناصر، وعلى أن الظلم في أعقابهما لم يعد عليهما بعيب ولا نقيصة، وأنّ المرء يعاب بسوء فعله ويعاتب على ما اجترحت يداه، لا على ما وجد من أصله أو فرعه.

.تفسير الآيات (114- 122):

{وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ (114) وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (115) وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ (116) وَآَتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ (117) وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (118) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الْآَخِرِينَ (119) سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ (120) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (121) إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (122)}
{مِنَ الكرب العظيم} من الغرق. أو من سلطان فرعون وقومه وغشمهم {ونصرناهم} الضمير لهما ولقومهما في قوله: {ونجيناهما وَقَوْمَهُمَا}. {الكتاب المستبين} البيلغ في بيانه وهو التوراة، كما قال: {إِنَّا أَنزَلْنَا التوراة فِيهَا هُدًى وَنُورٌ} [المائدة: 44] وقال: ومن جوز أن تكون التوراة عربية أن تشتق من روى الزند (فوعلة) منه، على أنّ التاء مبدلة من واو {الصراط المستقيم} صراط أهل الإسلام، وهي صراط الذين أنعم الله عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين.

.تفسير الآيات (123- 132):

{وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلَا تَتَّقُونَ (124) أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ (125) اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آَبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (126) فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (127) إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (128) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ (129) سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ (130) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (131) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (132)}
قرئ: {إلياس} بكسر الهمزة، والياس: على لفظ الوصل. وقيل: هو إدريس النبي.
وقرأ ابن مسعود: {وإنّ إدريس}، في موضع إلياس. وقرئ: {إدراس}، وقيل: هو إلياس بن ياسين، من ولد هارون أخي موسى {أَتَدْعُونَ بَعْلاً} أتعبدون بعلاً، وهو علم لصنم كان لهم كمناة وهبل. وقيل: كان من ذهب، وكان طوله عشرين ذراعاً، وله أربعة أوجه، فتنوا به وعظموه حتى أخدموه أربعمائة سادن، وجعلوهم أنبياءه، فكان الشيطان يدخل في جوف- بعل- ويتكلم بشريعة الضلالة، والسدنة يحفظونها ويعلمونها الناس، وهم أهل بعلبك من بلاد الشام، وبه سميت مدينتهم بعلبك. وقيل: البعل: الرب؛ بلغة اليمن، يقال: من بعل هذه الدار، أي: من ربها؟ والمعنى: أتعبدون بعض البعول وتتركون عبادة الله {الله رَبَّكُمْ وَرَبَّ ءابَائِكُمُ} قرئ: بالرفع على الابتداء، وبالنصب على البدل، وكان حمزة إذا وصل نصب، وإذا وقف رفع: وقرئ: {على إلياسين} وإدريسين. وإدراسين. وإدرسين، على أنها لغات في إلياس وإدريس. ولعل لزيادة الياء والنون في السريانية معنى. وقرئ: {على الياسين} بالوصل، على أنه جمع يراد به إلياس وقومه، كقولهم: الخبيبون والمهلبون.
فإن قلت: فهلا حملت على هذا الياسين على القطع وأخواته؟ قلت: لو كان جمعاً لعرف بالألف واللام. وأما من قرأ: {على آل ياسين} فعلى أنّ ياسين اسم أبي إلياس، أضيف إليه الآل.

.تفسير الآيات (133- 138):

{وَإِنَّ لُوطًا لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (133) إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (134) إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ (135) ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآَخَرِينَ (136) وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (137) وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (138)}
{مُّصْبِحِينَ} داخلين في الصباح، يعني: تمرون على منازلهم في متاجركم إلى الشام ليلاً ونهاراً، فما فيكم عقول تعتبرون بها.

.تفسير الآيات (139- 148):

{وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (139) إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (140) فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (141) فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (142) فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (144) فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ (145) وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ (146) وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (147) فَآَمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ (148)}
قرئ: {يونس} بضم النون وكسرها. وسمي هربه من قومه بغير إذن ربه: إباقا على طريقة المجاز. والمساهمة: المقارعة. ويقال: استهم القوم، إذا اقترعوا. والمدحض: المغلوب المقروع. وحقيقته: المزلق عن مقام الظفر والغلبة. روى: أنه حين ركب في السفينة وقفت، فقالوا: هاهنا عبد أبق من سيده، وفيما يزعم البحارون أنّ السفينة إذا كان فيها آبق لم تجر، فاقترعوا، فخرجت القرعة على يونس فقال: أنا الآبق، وزجّ بنفسه في الماء {فالتقمه الحوت وَهُوَ مُلِيمٌ} داخل في الملامة. يقال: رب لائم مليم، أي يلوم غيره وهو أحقّ منه باللوم. وقرئ: {مليم} بفتح الميم، من ليم فهو مليم، كما جاء: مشيب في مشوب، مبنياً على شيب. ونحوه: مدعي، بناء على دعى {مِنَ المسبحين} من الذاكرين الله كثيراً بالتسبيح والتقديس. وقيل: هو قوله في بطن الحوت {لاَّ إله إِلاَّ أَنتَ سبحانك إِنّى كُنتُ مِنَ الظالمين} [الأنبياء: 87] وقيل: من المصلين.
وعن ابن عباس: كل تسبيح في القرآن فهو صلاة.
وعن قتادة: كان كثير الصلاة في الرخاء. قال: وكان يقال: إن العمل الصالح يرفع صاحبه إذا عثر، وإذا صرع وجد متكأً. وهذا ترغيب من الله عزّ وجلّ في إكثار المؤمن من ذكره بما هو أهله، وإقباله على عبادته، وجمع همه لتقييد نعمته بالشكر في وقت المهلة والفسحة، لينفعه ذلك عنده تعالى في المضايق والشدائد {لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ} الظاهر لبثه فيه حياً إلى يوم البعث.
وعن قتادة: لكان بطن الحوت له قبراً إلى يوم القيامة.
وروي أنه حين ابتلعه أوحى الله إلى الحوت: إني جعلت بطنك له سجناً، ولم أجعله لك طعاماً. واختلف في مقدار لبثه، فعن الكلبي: أربعون يوماً، وعن الضحاك: عشرون يوماً.
وعن عطاء سبعة.
وعن بعضهم: ثلاثة.
وعن الحسن: لم يلبث إلاّ قليلاً، ثم أخرج من بطنه بعيد الوقت الذي التقم فيه.
وروي: أنّ الحوت سار مع السفينة رافعاً رأسه يتنفس فيه يونس ويسبح، ولم يفارقهم حتى انتهوا إلى البر، فلفظه سالماً لم يتغير منه شيء، فأسلموا: وروي أن الحوت قذفه بساحل قرية من الموصل. والعراء: المكان الخالي لا شجر فيه ولا شيء يغطيه {وَهُوَ سَقِيمٌ} اعتلّ مما حلّ به، وروي: أنه عاد بدنه كبدن الصبيِّ حين يولد. واليقطين: كل ما ينسدح على وجه الأرض ولا يقوم على ساق كشجر البطيخ والقثاء والحنظل، وهو (يفعيل) من قطن بالمكان إذا قام به.
وقيل هو: الدباء. وفائدة الدباء: أن الذباب لا يجتمع عنده- وقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إنك لتحب القرع. قال: «أجل هي شجرة أخي يونس» وقيل: هي التين، وقيل: شجرة الموز، تغطى بورقها.
واستظلّ بأغصانها، وأفطر على ثمارها. وقيل: كان يستظلّ بالشجرة وكانت وعلة تختلف إليه، فيشرب من لبنها.
وروي: أنه مرّ زمان على الشجرة فيبست، فبكى جزعاً، فأوحى الله إليه: بكيت على شجرة ولا تبكي على مائة ألف في يد الكافر، فإن قلت: ما معنى {وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً}؟ قلت: أنبتناها فوقه مظلة له؛ كما يطنب البيت على الإنسان {وأرسلناه إلى مِاْئَةِ أَلْفٍ} المراد به ما سبق من إرساله إلى قومه وهم أهل نينوى. وقيل: هو إرسال ثان بعد ما جرى عليه إلى الأولين. أو إلى غيرهم. وقيل: أسلموا فسألوه أن يرجع إليهم فأبى، لأنّ النبيّ إذا هاجر عن قومه لم يرجع إليهم مقيماً فيهم، وقال لهم: إن الله باعث إليكم نبياً {أَوْ يَزِيدُونَ} في مرأى الناظر؛ أي: إذا رآها الرائي قال: هي مائة ألف أو أكثر؛ والغرض: الوصف بالكثرة {إلى حِينٍ} إلى أجل مسمى وقرئ: {ويزيدون} بالواو. وحتى حين.

.تفسير الآيات (149- 157):

{فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ (149) أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ (150) أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ (151) وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (152) أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ (153) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (154) أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (155) أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ (156) فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (157)}
{فاستفتهم} معطوف على مثله في أوّل السورة، وإن تباعدت بينهما المسافة: أمر رسوله باستفتاء قريش عن وجه إنكار البعث أوّلاً، ثم ساق الكلام موصولاً بعضه ببعض، ثم أمره باستفتائهم عن وجه القسمة الضيزى التي قسموها، حيث جعلوا لله الإناث ولأنفسهم الذكور في قولهم: الملائكة بنات الله، مع كراهتهم الشديدة لهنّ، ووأدهم، واستنكافهم من ذكرهنّ. ولقد ارتكبوا في ذلك ثلاثة أنواع من الكفر، أحدها: التجسيم، لأن الولادة مختصة بالأجسام والثاني: تفضيل أنفسهم على ربهم حين جعلوا أوضع الجنسين له وأرفعهما لهم، كما قال: {وَإِذَا بُشّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ للرحمن مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ} [الزخرف: 17]، {أَوْ مِن يُنَشَّأُ فِي الحلية وَهُوَ فِي الخصام غَيْرُ مُبِينٍ} [الزخرف: 18] والثالث: أنهم استهانوا بأكرم خلق الله عليه وأقربهم إليه، حيث أنثوهم ولو قيل لأقلهم وأدناهم: فيك أنوثة، أو شكلك شكل النساء، للبس لقائله جلد النمر، ولانقلبت حماليقه وذلك في أهاجيهم بين مكشوف، فكرّر الله سبحانه الأنواع كلها في كتابه مرّات ودلّ على فظاعتها في آيات: {وَقَالُواْ اتخذ الرحمن وَلَداً لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً} [مريم: 88- 89]، {وَقَالُواْ اتخذ الرحمن وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ} [الأنبياء: 26]، {وَقَالُواْ اتخذ الله وَلَدًا سبحانه بَل لَّهُ مَا فِي السموات والأرض} [البقرة: 116]، {بَدِيعُ السموات والأرض أنى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ} [الأنعام: 101]، {ألا إِنَّهُم مِّنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ وَلَدَ الله} [الصافات: 151- 152]، {وَجَعَلُواْ لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءا} [الزخرف: 15]، {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ بَنَاتٍ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَّا يَشْتَهُونَ} [النحل: 57]، {أَمْ لَهُ البنات وَلَكُمُ البنون} [الطور: 39]، {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ} [النحل: 62]، {أَصْطَفَى البنات على البنين} [الصافات: 153]، {أَمِ اتخذ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وأصفاكم بالبنين} [الزخرف: 16]، {وَجَعَلُواْ الملئكة الذين هُمْ عِبَادُ الرحمن إناثا} [الزخرف: 19]. {أم خَلَقْنَا الملائكة إناثا وَهُمْ شاهدون} فإن قلت: لم قال: {وَهُمْ شاهدون} فخصّ علم المشاهدة؟ قلت: ما هو إلا استهزاء بهم وتجهيل لهم، وكذلك قوله: {أَشَهِدُواْ خَلْقَهُمْ} [الزخرف: 19] ونحوه قوله: {مَّا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السماوات والأرض وَلاَ خَلْقَ أَنفُسِهِمْ} [الكهف: 51] وذلك أنهم كما لم يعلموا ذلك بطريق المشاهدة، لم يعلموه بخلق الله علمه في قلوبهم. ولا بإخبار صادق، ولا بطريق استدلال ونظر. ويجوز أن يكون المعنى: أنهم يقولون ذلك، كالقائل قولاً عن ثلج صدر وطمأنينة نفس لإفراط جهلهم، كأنهم قد شاهدوا خلقهم. وقرئ: {ولد الله} أي الملائكة ولده. والولد (فعل) بمعنى مفعول، يقع على الواحد والجمع، والمذكر والمؤنث. تقول: هذه ولدي، وهؤلاء ولدي.
فإن قلت: {أَصْطَفَى البنات} بفتح الهمزة: استفهام على طريق الإنكار والاستبعاد، فكيف صحّت قراءة أبي جعفر بكسر الهمزة على الإثبات؟ قلت: جعله من كلام الكفرة بدلاً عن قولهم: {وَلَدَ الله} وقد قرأ بها حمزة والأعمش رضي الله عنهما.
وهذه القراءة- وإن كان هذا محملها- فهي ضعيفة، والذي أضعفها: أن الإنكار قد اكتنف هذه الجملة من جانبيها، وذلك قوله: {وَإِنَّهُمْ لكاذبون}. {مَالَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ}؟ فمن جعلها للإثبات، فقد أوقعها دخيلة بين نسيبين. وقرئ: {تذكرون} من ذكر {أَمْ لَكُمْ سلطان} أي حجة نزلت عليكم من السماء وخبر بأن الملائكة بنات الله {فَأْتُواْ بكتابكم} الذي أنزل عليكم في ذلك، كقوله تعالى: {أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهِمْ سلطانا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُواْ بِهِ يُشْرِكُونَ} [الروم: 35] وهذه الآيات صادرة عن سخط عظيم، وإنكار فظيع، واستبعاد لأقاويلهم شديد؛ وما الأساليب التي وردت عليها إلاّ ناطقة بتسفيه أحلام قريش، وتجهيل نفوسها، واستركاك عقولها، مع استهزاء وتهكم وتعجيب، من أن يخطر مخطر مثل ذلك على بالٍ ويحدّث به نفساً؛ فضلاً أن يجعله معتقداً ويتظاهر به مذهباً.