فصل: تفسير الآية رقم (16):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل



.تفسير الآية رقم (16):

{وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ (16)}
القط: القسط من الشيء؛ لأنه قطعة منه، من قطه إذا قطعه. ويقال: لصحيفة الجائزة: قط، لأنها قطعة من القرطاس، وقد فسر بهما قوله تعالى: {عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا} أي نصيبنا من العذاب الذي وعدته، كقوله تعالى: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ العذاب} [الحج: 47] وقيل: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم وعد الله المؤمنين بالجنة؛ فقالوا على سبيل الهزء: عجل لنا نصيبنا منها. أو عجل لنا صحيفة أعمالنا ننظر فيها.

.تفسير الآيات (17- 20):

{اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (17) إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ (18) وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ (19) وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآَتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ (20)}
فإن قلت: كيف تطابق قوله: {اصبر على مَا يَقُولُونَ} وقوله: {واذكر عَبْدَنَا دَاوُودُ} حتى عطف أحدهما على صاحبه؟ قلت: كأنه قال لنبيه عليه الصلاة والسلام: اصبر على ما يقولون، وعظم أمر معصية الله في أعينهم بذكر قصة داود، وهو أنه نبيّ من أنبياء الله تعالى قد أولاه ما أولاه من النبوّة والملك، ولكرامته عليه وزلفته لديه، ثم زلّ زلّة فبعث إليه الملائكة ووبخه عليها. على طريق التمثيل والتعريض، حتى فطن لما وقع فيه فاستغفر وأناب، ووجد منه ما يحكى من بكائه الدائم وغمّه الواصب، ونقش جنايته في بطن كفه حتى لا يزال يجدد النظر إليها والندم عليها فما الظنّ بكم مع كفركم ومعاصيكم؟ أو قال له صلى الله عليه وسلم: اصبر على ما يقولون، وصن نفسك وحافظ عليها أن تزل فيما كلفت من مصابرتهم وتحمل أذاهم، واذكر أخاك داود وكرامته على الله كيف زلّ تلك الزلّة اليسيرة فلقي من توبيخ الله وتظليمه ونسبته إلى البغي ما لقي {ذَا الأيد} ذا القوّة في الدين المضطلع بمشاقه وتكاليفه، كان على نهوضه بأعباء النبوّة والملك يصوم يوماً ويفطر يوماً وهو أشدّ الصوم، ويقوم نصف الليل. يقال: فلان أيد، وذو أيد، وذو آد. وأياد كل شيء: ما يتقوّى به {أَوَّابٌ} توّاب رجاع إلى مرضاة الله.
فإن قلت: ما دلك على أنّ الأيد القوّة في الدين؟ قلت: قوله تعالى: {إِنَّهُ أَوَّابٌ} لأنه تعليل لذي الأيد {والإشراق} وقت الإشراق، وهو حين تشرق الشمس، أي: تضيء ويصفوا شعاعها وهو وقت الضحى، وأما شروقها فطلوعها، يقال: شرقت الشمس، ولما تشرق.
وعن أمّ هانئ: دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا بوضوء فتوضأ ثم صلى صلاة الضحى وقال: «يا أمّ هانئ هذه صلاة الإشراق» وعن طاووس، عن ابن عباس قال: هل تجدون ذكر صلاة الضحى في القرآن؟ قالوا: لا، فقرأ: {إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق} وقال: كانت صلاة يصليها داود عليه السلام. وعنه: ما عرفت صلاة الضحى إلا بهذه الآية. وعنه: لم يزل في نفسي من صلاة الضحى شيء حتى طلبتها فوجدتها في الآية {يُسَبّحْنَ بالعشى والإشراق} وكان لا يصلي صلاة الضحى، ثم صلاها بعد.
وعن كعب أنه قال لابن عباس: إني لا أجد في كتب الله صلاة بعد طلوع الشمس، فقال: أنا أوجدك ذلك في كتاب الله تعالى، يعني هذه الآية. ويحتمل أن يكون من أشرق القوم إذا دخلوا في الشروق، ومنه قوله تعالى: {فَأَخَذَتْهُمُ الصيحة مُشْرِقِينَ} [الحجر: 73] وقول أهل الجاهلية: أشرق ثبير، ويراد وقت صلاة الفجر لانتهائه بالشروق.
ويسبحن: في معنى ومسبحات على الحال.
فإن قلت: هل من فرق بين يسبحن ومسبحات؟ قلت: نعم، وما اختير يسبحن على مسبحات إلا لذلك، وهو الدلالة على حدوث التسبيح من الجبال شيئاً بعد شيء وحالاً بعد حال، كأن السامع محاضر تلك الحال يسمعها تسبح. ومثله قول الأعشى:
إلَى ضَوْءِ نَارٍ فِي يَفَاعٍ تَحْرِقُ

ولو قال: محرقة، لم يكن شيئاً. وقوله: {مَحْشُورَةً} في مقابلة: يسبحن؛ إلا أنه لما لم يكن في الحشر ما كان في التسبيح من إرادة الدلالة على الحدوث شيئاً بعد شيء، جيء به اسماً لا فعلاً. وذلك أنه لو قيل: وسخرنا الطير يحشرن- على أنّ الحشر يوجد من حاشرها شيئاً شيء والحاشر هو الله عزّ وجلّ- لكان خلفاً، لأنّ حشرها جملة واحدة أدلّ على القدرة.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما كان إذا سبح جاوبته الجبال بالتسبيح، واجتمعت إليه الطير فسبحت، فذلك حشرها. وقرئ: {والطير محشورة}، بالرفع {كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ} كل واحد من الجبال والطير لأجل داود، أي: لأجل تسبيحه مسبح، لأنها كانت تسبح بتسبيحه. ووضع الأوّاب موضع المسبح: إمّا لأنّها كانت ترجع التسبيح، والمرجع رجاع؛ لأنه يرجع إلى فعله رجوعاً بعد رجوع وإمّا لأن الأوّاب- وهو التوّاب الكثير الرجوع إلى الله وطلب مرضاته- من عادته أن يكثر ذكر الله ويديم تسبيحه وتقديسه. وقيل: الضمير لله، أي: كل من داود والجبال والطير لله أوّاب، أي مسبح مرجح للتسبيح {وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ} قوّيناه، قال تعالى: {سَنَشُدُّ عَضُدَكَ} [القصص: 35] وقرئ: {شددنا} على المبالغة. قيل: كان يبيت حول محرابه أربعون ألف مستلئم يحرسونه وقيل: الذي شدّ الله به ملكه وقذف في قلوب قومه الهيبة: أنّ رجلاً ادّعى عنده على آخر بقرة، وعجز عن إقامة البينة، فأوحى الله تعالى إليه في المنام: أن اقتل المدّعى عليه، فقال: هذا منام، فأعيد الوحي في اليقظة، فأعلم الرجل فقال: إنّ الله عزّ وجلّ لم يأخذني بهذا الذنب، ولكن بأني قتلت أبا هذا غيلة، فقتله، فقال الناس: إن أذنب أحد ذنباً أظهره الله عليه، فقتله، فهابوه {الحكمة} الزبور وعلم الشرائع. وقيل: كل كلام وافق الحق فهو حكمة. الفصل: التميز بين الشيئين.
وقيل للكلام البين: فصل، بمعنى المفصول كضرب الأمير، لأنهم قالوا: كلام ملتبس، وفي كلامه لبس. والملتبس: المختلط، فقيل في نقيضه: فصل، أي: مفصول بعضه من بعض، فمعنى فصل الخطاب البين من الكلام الملخص الذي يتبينه من يخاطب به لا يلتبس عليه ومن فصل الخطاب وملخصه: أن لا يخطئ صاحبه مظانّ الفصل والوصل، فلا يقف في كلمة الشهادة على المستثنى منه، ولا يتلو قوله: {فَوَيْلٌ لّلْمُصَلّينَ} [الماعون: 4] إلا موصولاً بما بعده، ولا (والله يعلم وأنتم) حتى يصله بقوله:
{لاَ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 232] ونحو ذلك، وكذلك مظانّ العطف وتركه، والإضمار والإظهار والحذف والتكرار، وإن شئت كان الفصل بمعنى الفاصل، كالصوم والزور، وأردت بفصل الخطاب: الفاصل من الخطاب الذي يفصل بين الصحيح والفاسد، والحق والباطل، والصواب والخطأ، وهو كلامه في القضايا والحكومات، وتدابير الملك والمشورات.
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وهو قوله: البينة على المدّعي واليمين على المدّعى عليه، وهو من الفصل بين الحق والباطل، ويدخل فيه قول بعضهم: هو قوله «أمّا بعد» لأنه يفتتح إذا تكلم في الأمر الذي له شأن بذكر الله وتحميده، فإذا أراد أن يخرج إلى الغرض المسوق إليه: فصل بينه وبين ذكر الله بقول: أمّا بعد. ويجوز أن يراد الخطاب القصد الذي ليس فيه اختصار مخلّ ولا إشباع مملّ. ومنه ما جاء في صفة كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم: فصل لا نذر ولا هذر.

.تفسير الآيات (21- 22):

{وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21) إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ (22)}
كان أهل زمان داود عليه السلام يسأل بعضهم بعضاً أن ينزل له عن امرأته فيتزوجها إذا أعجبته وكانت لهم عادة في المواساة بذلك قد اعتادوها. وقد روينا أن الأنصار كانوا يواسون المهاجرين بمثل ذلك، فاتفق أنّ عين داود وقعت على امرأة رجل يقال له أوريا، فأحبّها فسأله النزول له عنها، فاستحيا أن يردّه ففعل، فتزوجها وهي أمّ سليمان، فقيل له: إنك مع عظم منزلتك وارتفاع مرتبتك وكبر شأنك وكثرة نسائك: لم يكن ينبغي لك أن تسأل رجلاً ليس له إلا امرأة واحدة النزول، بل كان الواجب عليك مغالبة هواك وقهر نفسك والصبر على ما امتحنت به. وقيل: خطبها أوريا ثم خطبها داود، فآثره أهلها، فكان ذنبه أن خطب على خطبة أخيه المؤمن، مع كثرة نسائه. وأمّا ما يذكر أنّ داود عليه السلام تمنى منزلة آبائه إبراهيم وإسحاق ويعقوب فقال: يا رب إنّ آبائي قد ذهبوا بالخير كله، فأوحى إليه: إنهم ابتلوا ببلايا فصبروا عليها: قد ابتلي إبراهيم بنمروذ وذبح ولده، وإسحاق بذبحه وذهاب بصره، ويعقوب بالحزن على يوسف. فسأل الابتلاء فأوحى الله إليه: إنك لمبتلى في يوم كذا وكذا، فاحترس، فلما حان ذلك اليوم دخل محرابه وأغلق بابه وجعل يصلي ويقرأ الزبور، فجاءه الشيطان في صورة حمامة من ذهب، فمدّ يده ليأخذها لابن له صغير، فطارت، فامتدّ إليها، فطارت فوقعت في كوّة، فتبعها، فأبصر امرأة جميلة قد نقضت شعرها فغطى بدنها، وهي امرأة أوريا وهو من غزاة البلقاء، فكتب إلى أيوب بن صوريا وهو صاحب بعث البلقاء. أن ابعث أوريا وقدمه على التابوت، وكان من يتقدم على التابوت لا يحل له أن يرجع حتى يفتح الله على يده أو يستشهد، ففتح الله على يده وسلم، فأمر بردّه مرة أخرى، وثالثة، حتى قتل، فأتاه خبر قتله فلم يحزن كما كان يحزن على الشهداء، وتزوج امرأته. فهذا ونحوه مما يقبح أن يحدث به عن بعض المتسمين بالصلاح من أفناء المسلمين؟ فضلاً عن بعض أعلام الأنبياء.
وعن سعيد بن المسيب والحارث الأعور: أنّ علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: من حدثكم بحديث داود على ما يرويه القصاص جلدته مائة وستين وهو حدّ الفرية على الأنبياء. وروى أنه حدث بذلك عمر بن عبد العزيز وعنده رجل من أهل الحق، فكذب المحدث به وقال: إن كانت القصة على ما في كتاب الله فما ينبغي أن يلتمس خلافها، وأعظم بأن يقال غير ذلك وإن كانت على ما ذكرت وكف الله عنها ستراً على نبيه فما ينبغي إظهارها عليه، فقال عمر: لسماعي هذا الكلام أحبّ إليّ مما طلعت عليه الشمس.
والذي يدلّ عليه المثل الذي ضربه الله لقصته عليه السلام ليس إلاّ طلبه إلى زوج المرأة أن ينزل له عنها فحسب.
فإن قلت: لم جاءت على طريقة التمثيل والتعريض دون التصريح؟ قلت: لكونها أبلغ في التوبيخ، من قبل أن التأمل إذا أدّاه إلى الشعور بالمعرض به، كان أوقع في نفسه، وأشدّ تمكناً من قلبه، وأعظم أثراً فيه، وأجلب لاحتشامه وحيائه، وأدعى إلى التنبه على الخطأ فيه من أن يبادره به صريحاً، مع مراعاة حسن الأدب بترك المجاهرة. ألا ترى إلى الحكماء كيف أوصوا في سياسة الولد إذا وجدت منه هنة منكرة بأن يعرض له بإنكارها عليه ولا يصرح. وأن تحكى له حكاية ملاحظة لحاله إذا تأملها استسمج حال صاحب الحكاية فاستمسج حال نفسه، وذلك أزجر له لأنه ينصب ذلك مثالاً لحاله ومقياساً لشأنه، فيتصور قبح ما وجد منه بصورة مكشوفة، مع أنه أصون لما بين الوالد والولد من حجاب الحشمة.
فإن قلت: فلم كان ذلك على وجه التحاكم إليه؟ قلت: ليحكم بما حكم به من قوله: {لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إلى نِعَاجِهِ} [ص: 24] حتى يكون محجوجاً بحكمه ومعترفاً على نفسه بظلمه {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَؤُا الخصم} ظاهره الاستفهام. ومعناه الدلالة على أنه من الأنباء العجيبة التي حقها أن تشيع ولا تخفى على أحد، والتشويق إلى استماعه والخصم: الخصماء، وهو يقع على الواحد والجمع؛ كالضيف. قال الله تعالى: {حَدِيثُ ضَيْفِ إبراهيم المكرمين} [الذاريات: 24] لأنه مصدر في أصله، تقول: خصمه خصماً؛ كما تقول: ضافه ضيفاً.
فإن قلت: هذا جمع. وقوله: {خصمان} تثنية فكيف استقام ذلك؟ قلت: معنى خصمان: فريقان خصمان، والدليل عليه قراءة من قرأ: خصمان بغى بعضهم على بعض: ونحوه قوله تعالى: {هذا خَصْمَانِ اختصموا فِي رَبّهِمْ} [الحج: 19].
فإن قلت: فما تصنع بقوله: {إِنَّ هَذَا أَخِى} [ص: 23] وهو دليل على اثنين؟ قلت: هذا قول البعض المراد بقوله بعضنا على بعض.
فإن قلت: فقد جاء في الرواية أنه بعث إليه ملكان.
قلت: معناه أن التحاكم كان بين ملكين، ولا يمنع ذلك أن يصحبهما آخرون.
فإن قلت: فإذا كان التحاكم بين اثنين كيف سماهم جميعاً خصماً في قوله: {نَبَؤُاْ الخصم} و{خَصْمَانِ}؟ قلت: لما كان صحب كل واحد من المتحاكمين في صورة الخصم صحت التسمية به.
فإن قلت: بم انتصب (إذ)؟ قلت: لا يخلو إما أن ينتصب بأتاك، أو بالنبأ، أو بمحذوف فلا يسوغ انتصابه بأتاك؛ لأنّ إتيان النبأ رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقع إلا في عهده لا في عهد داود، ولا بالنبأ؛ لأن النبأ الواقع في عهد داود لا يصحّ إتيانه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وإن أردت بالنبأ: القصة في نفسها لم يكن ناصباً، فبقي أن ينتصب بمحذوف، وتقديره: وهل أتاك نبأ تحاكم الخصم.
ويجوز أن ينتصب بالخصم لما فيه من معنى الفعل. وأما إذ الثانية فبدل من الأولى {تَسَوَّرُواْ المحراب} تصعدوا سوره ونزلوا إليه. والسور: الحائط المرتفع ونظيره في الأبنية: تسنمه، إذا علا سنامه، وتذرّاه: إذا علا ذروته. روى: أنّ الله تعالى بعث إليه ملكين في صورة إنسانين، فطلبا أن يدخلا عليه، فوجداه في يوم عبادته، فمنعهما الحرس فتسوّرا عليه المحراب، فلم يشعر إلاّ وهما بين يديه جالسان {فَفَزِعَ مِنْهُمْ} قال ابن عباس: إنّ داود عليه السلام جزأ زمانه أربعة أجزاء: يوماً للعبادة، ويوماً للقضاء، ويوماً للاشتغال بخواص أموره، ويوماً يجمع بني إسرائيل فيعظهم ويبكيهم؛ فجاءوه في غير يوم القضاء ففزع منهم، ولأنهم نزلوا عليه من فوق، وفي يوم الاحتجاب، والحرس حوله لا يتركون من يدخل عليه {خَصْمَانِ} خبر مبتدأ محذوف، أي: نحن خصمان {وَلاَ تُشْطِطْ} ولا تجر. وقرئ: {ولا تشطط}، أي: ولا تبعد عن الحق. وقرئ: {ولا تشطط}، ولا تشاطط، وكلها من معنى الشطط: وهو مجاوزة الحدّ وتخطي الحق. و{سَوَآءِ الصراط} وسطه ومحجته: ضربه مثلاً لعين الحق ومحضه.