فصل: تفسير الآيات (27- 28):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل



.تفسير الآيات (27- 28):

{وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآَنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (27) قُرْآَنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (28)}
{قُرْءاناً عَرَبِيّاً} حال مؤكدة كقولك: جاءني زيد رجلاً صالحاً وإنساناً عاقلاً، ويجوز أن ينتصب على المدح {غَيْرَ ذِى عِوَجٍ} مستقيماً بريئاً من التناقض والاختلاف.
فإن قلت: فهلا قيل: مستقيماً: أو غير معوج؟ قلت: فيه فائدتان، إحداهما: نفي أن يكون فيه عوج قط، كما قال: {وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا} [الكهف: 1] والثانية: أن لفظ العوج مختص بالمعاني دون الأعيان، وقيل: المراد بالعوج: الشكّ واللبس. وأنشد:
وَقَدْ أَتَاكَ يَقِينٌ غَيْرُ ذِي عِوَجٍ ** مِنَ الإله وَقَوْلٌ غَيْرُ مَكْذُوبِ

.تفسير الآيات (29- 30):

{ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (29) إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30)}
واضرب لقومك مثلاً، وقل لهم: ما تقولون في رجل من المماليك قد اشترك فيه شركاء بينهم اختلاف وتنازع: كل واحد منهم يدعي أنه عبده، فهم يتجاذبونه ويتعاورونه في مهن شتى ومشادة، وإذا عنت له حاجة تدافعوه، فهو متحير في أمره سادر قد تشعبت الهموم قلبه وتوزعت أفكاره، لا يدري أيهم يرضى بخدمته؟ وعلى أيهم يعتمد في حاجاته. وفي آخر: قد سلم لمالك واحد وخلص له، فهو معتنق لما لزمه من خدمته، معتمد عليه فيما يصلحه، فهمه واحد وقلبه مجتمع، أيُّ هذين العبدين أحسن حالاً وأجمل شأناً؟ والمراد: تمثيل حال من يثبت آلهة شتى، وما يلزمه على قضية مذهبه من أن يدعي كل واحد منهم عبوديته، ويتشاكسوا في ذلك ويتغالبوا، كما قال تعالى: {وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ} [المؤمنون: 91] ويبقى هو متحيراً ضائعاً لا يدري أيهم يعبد؟ وعلى ربوبية أيهم يعتمد؟ وممن يطلب رزقه؟ وممن يلتمس رفقه؟ فهمه شعاع وقلبه أو زاع، وحال من لم يثبت إلا إلها واحداً، فهو قائم بما كلفه، عارف بما أرضاه وما أسخطه، متفضل عليه في عاجله، مؤمل للثواب من آجله. و{فِيهِ} صلة شركاء، كما تقول: اشتركوا فيه. والتشاكس والتشاخس: الاختلاف، تقول: تشاكست أحواله، وتشاخست أسنانه، سالماً لرجل خالصاً. وقرئ: {سلماً} بفتح الفاء والعين، وفتح الفاء وكسرها مع سكون العين، وهي مصادر سلم. والمعنى: ذا سلامة لرجل، أي: ذا خلوص له من الشركة، من قولهم: سلمت له الضيعة. وقرئ بالرفع على الابتداء، أي: وهناك رجل سالم لرجل، وإنما جعله رجلاً ليكون أفطن لما شقي به أو سعد، فإن المرأة والصبي قد يغفلان عن ذلك {هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً} هل يستويان: صفة على التمييز، والمعنى: هل يستوي صفتاهما وحالاهما، وإنما اقتصر في التمييز على الواحد لبيان الجنس. وقرئ: {مثلين} كقوله تعالى: {وَأَكْثَرَ أموالا وأولادا} [التوبة: 69] مع قوله: {أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً} ويجوز فيمن قرأ: مثلين، أن يكون الضمير في {يَسْتَوِيانِ} للمثلين، لأن التقدير: مثل رجل ومثل رجل. والمعنى: هل يستويان فيما يرجع إلى الوصفية، كما تقول: كفى بهما رجلين {الحمد للَّهِ} الواحد الذي لا شريك له دون كل معبود سواه، أي: يجب أن يكون الحمد متوجهاً إليه وحده والعبادة، فقد ثبت أنه لا إله إلاّ هو {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} فيشركون به غيره.

.تفسير الآيات (31- 32):

{ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (31) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (32)}
كانوا يتربصون برسول الله صلى الله عليه وسلم موته، فأخبر أن الموت يعمهم، فلا معنى للتربص، وشماتة الباقي بالفاني.
وعن قتادة: نعى إلى نبيه نفسه، ونعى إليكم أنفسكم. وقرئ: {مائت ومائتون} والفرق بين الميت والمائت: أنّ الميت صفة لازمة كالسيد. وأما المائت، فصفة حادثة تقول: زيد مائت غداً، كما تقول: سائد غداً، أي سيموت وسيسود. وإذا قلت: زيد ميت، فكما تقول: حي في نقيضه، فيما يرجع إلى اللزوم والثبوت. والمعنى في قوله: {إِنَّكَ مَيّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيّتُونَ} إنك وإياهم، وإن كنتم أحياء فأنتم في عداد الموتى؛ لأنّ ما هو كائن فكأن قد كان {ثُمَّ إِنَّكُمْ} ثم إنك وإياهم، فغلب ضمير المخاطب على ضمير الغيب {تَخْتَصِمُونَ} فتحتج أنت عليهم بأنك بلغت فكذبوا، فاجتهدت في الدعوة فلجوا في العناد، ويعتذرون بما لا طائل تحته، تقول الأتباع: أطعنا سادتنا وكبراءنا، وتقول السادات: أغوتنا الشياطين وآباؤنا الأقدمون؛ وقد حمل على اختصام الجميع وأنّ الكفار يخاصم بعضهم بعضاً، حتى يقال لهم: {لاَ تَخْتَصِمُواْ لَدَىَّ} [ق: 28] والمؤمنون الكافرين يبكتونهم بالحجج، وأهل القبلة يكون بينهم الخصام. قال عبد الله بن عمر: لقد عشنا برهة من دهرنا وديننا ونحن نرى أنّ هذه الآية أنزلت فينا وفي أهل الكتاب؟ قلنا: كيف تختصم ونبينا واحد وديننا واحد وكتابنا واحد؟ حتى رأيت بعضنا يضرب وجوه بعض بالسيف، فعرفت أنها أنزلت فينا. وقال أبو سعيد الخدري: كنا نقول: ربنا واحد ونبينا واحد وديننا واحد، فما هذه الخصومة؟ فلما كان يوم صفّين وشدّ بعضنا على بعض بالسيوف، قلنا: نعم هو هذا.
وعن إبراهيم النخعي قالت الصحابة: ما خصومتنا ونحن إخوان؟ فلما قتل عثمان رضي الله عنه قالوا: هذه خصومتنا.
وعن أبي العالية: نزلت في أهل القبلة. والوجه الذي يدلّ عليه كلام الله هو ما قدمت أولاً. ألا ترى إلى قوله تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ علَى الله} وقوله تعالى: {والذى جَاء بالصدق وَصَدَّقَ بِهِ} [الزمر: 33] وما هو إلا بيان وتفسير للذين يكون بينهم الخصومة {كَذَبَ علَى الله} افترى عليه بإضافة الولد والشريك إليه {وَكَذَّبَ بالصدق} بالأمر الذي هو الصدق بعينه، وهو ماء جاء به محمد صلى الله عليه وسلم {إِذْ جَاءهُ} فاجأه بالتكذيب لما سمع به من غير وقفة، لإعمال روية واهتمام بتمييز بين حق وباطل، كما يفعل أهل النصفة فيما يسمعون {مَثْوًى للكافرين} أي: لهؤلاء الذين كذبوا على الله وكذبوا بالصدق، واللام في {للكافرين} إشارة إليهم.

.تفسير الآيات (33- 35):

{وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (33) لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (34) لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (35)}
{والذى جَاء بالحق وَصَدَّقَ بِهِ} هو رسول الله صلى الله عليه وسلم: جاء بالصدق وآمن به، وأراد به إياه ومن تبعه، كما أراد بموسى إياه وقومه في قوله: {وَلَقَدْ ءاتَيْنَا موسى الكتاب لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} [المؤمنون: 49] فلذلك قال: {أُوْلَئِكَ هُمُ المتقون} إلا أنّ هذا في الصفة وذاك في الاسم. ويجوز أن يريد: والفوج أو الفريق الذي جاء بالصدق وصدق به، وهم الرسول الذي جاء بالصدق، وصحابته الذي صدقوا به. وفي قراءة ابن مسعود: {والذين جاؤوا بالصدق وصدقوا به} وقرئ: {وصدق به} بالتخفيف، أي: صدق به الناس ولم يكذبهم به، يعني: أداه إليهم كما نزل عليه من غير تحريف. وقيل: صار صادقاً به، أي: بسببه؛ لأنّ القرآن معجزة، والمعجزة تصديق من الحكيم الذي لا يفعل القبيح لمن يجريها على يده، ولا يجوز أن يصدق إلاّ الصادق، فيصير لذلك صادقاً بالمعجزة، وقرئ: {وصدّق به} فإن قلت: ما معنى إضافة الأسوأ والأحسن إلى الذي عملوا، وما معنى التفضيل فيهما؟ قلت: أما الإضافة فما هي من إضافة أفعل إلى الجملة التي يفضل عليها، ولكن من إضافة الشيء إلى ما هو بعضه من غير تفضيل، كقولك: الأشج أعدل بني مروان. وأما التفضيل فإيذان بأن السيء الذي يفرط منهم من الصغائر والزلاّت المكفرة، هو عندهم الأسوأ لاستعظامهم المعصية، والحسن الذي يعلمونه هو عند الله الأحسن، لحسن إخلاصهم فيه؛ فلذلك ذكر سيئهم بالأسوأ وحسنهم بالأحسن. وقرئ: {أسوأ} الذي عملوا جمع سوء.

.تفسير الآيات (36- 37):

{أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (36) وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ (37)}
{أَلَيْسَ الله بِكَافٍ عَبْدَهُ} أدخلت همزة الإنكار على كلمة النفي، فأفيد معنى إثبات الكفاية وتقريرها. وقرئ: {بكاف عبده} وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، و {بكاف عباده} وهم الأنبياء؛ وذلك: أنّ قريشاً قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إنا نخاف أن تخبلك آلهتنا، وإنا نخشى عليك معرتها لعيبك إياها. ويروى: أنه بعث خالداً إلى العزّى ليكسرها، فقال له سادنها: أحذركها يا خالد، إنّ لها لشدّة لا يقوم لها شيء، فعمد خالد إليها فهشم أنفها. فقال الله عزّ وجلّ: أليس الله بكاف نبيه أن يعصمه من كل سوى ويدفع عنه كل بلاء في مواطن الخوف. وفي هذا تهكم بهم؛ لأنّهم خوّفوه ما لا يقدر على نفع ولا ضرّ. أو أليس الله بكاف أنبياءه ولقد قالت أممهم نحو ذلك، فكفاهم الله وذلك قول قوم هود: {إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعتراك بَعْضُ ءالِهَتِنَا بِسُوء} [هود: 54] ويجوز أن يريد: العبد والعباد على الإطلاق، لأنه كافيهم في الشدائد وكافل مصالحهم. وقرئ: {بكافي عباده} على الإضافة. و {يكافي عباده}. ويكافي: يحتمل أن يكون غير مهموز مفاعله من الكفاية، كقولك: يجازي في يجزى، وهو أبلغ من كفى، لبنائه على لفظ المبالغة. والمباراة: أن يكون مهموزاً، من المكافأة وهي المجازاة، لما تقدم من قوله: (ويجزيهم أجرهم)، {بالذين مِن دُونِهِ} أراد: الأوثان التي اتخذوها آلهة من دونه {بِعَزِيزٍ} بغالب منيع {ذِى انتقام} ينتقم من أعدائه، وفيه وعيد لقريش ووعد للمؤمنين بأنه ينتقم لهم منهم، وينصرهم عليهم.

.تفسير الآية رقم (38):

{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ (38)}
قرئ: {كاشفاتٌ ضرَّه} و {ممسكاتٌ رحمتَه} بالتنوين على الأصل، وبالإضافة للتخفيف.
فإن قلت: لم فرض المسألة في نفسه دونهم؟ قلت: لأنهم خوّفوه معرّة الأوثان وتخبيلها، فأمر بأن يقرّرهم أوّلاً بأن خالق العالم هو الله وحده. ثم يقول لهم بعد التقرير: فإذا أرادني خالق العالم الذي أقررتم به بضرّ من مرض أو فقر أو غير ذلك من النوازل. أو برحمة من صحة أو غنى أو نحوهما. هل هؤلاء اللاتي خوّفتموني إياهن كاشفات عني ضرّه أو ممسكات رحمته، حتى إذا ألقمهم الحجر وقطعهم حتى لا يحيروا ببنت شفه قال: {حَسْبِىَ الله} كافياً لمعرّة أوثانكم {عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ المتوكلون} وفيه تهكم. ويروى أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم سألهم فسكتوا، فنزل {قُلْ حَسْبِىَ الله} فإن قلت: لم قيل: كاشفات، وممسكات، على التأنيث بعد قوله تعالى: (ويخوفونك بالذين من دونه)؟ قلت: أنثهن وكن إناثاً وهن اللات والعزّى ومناة، قال الله تعالى: {أَفَرَءيْتُمُ اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى أَلَكُمُ الذكر وَلَهُ الانثى} [النجم: 19- 21] ليضعفها ويعجزها زيادة تضعيف وتعجيز عما طالبهم به من كشف الضرّ وإمساك الرحمة؛ لأنّ الأنوثة من باب اللين والرخاوة، كما أنّ الذكورة من باب الشدّة والصلابة، كأنه قال: الأناث اللاتي هن اللاّت والعزّى ومناة أضعف مما تدعون لهنّ وأعجز. وفيه تهكم أيضاً.

.تفسير الآيات (39- 40):

{قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (39) مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ (40)}
{على مَكَانَتِكُمْ} على حالكم التي أنتم عليها وجهتكم من العداوة التي تمكنتم منها. والمكانة بمعنى المكان. فاستعيرت عن العين للمعنى كما يستعار هنا. وحيث- للزمان، وهما للمكان.
فإن قلت: حق الكلام: فإني عامل على مكانتي، فلم حذف؟ قلت: للاختصار، ولما فيه من زيادة الوعيد، والإيذان بأنّ حاله لا تقف، وتزداد كل يوم قوّة وشدّة، لأنّ الله ناصره ومعينه ومظهره على الدين كله. ألا ترى إلى قوله: {فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ} كيف توعدهم بكونه منصوراً عليهم غالباً عليهم في الدنيا والآخرة، لأنهم إذا أتاهم الخزي والعذاب فذاك عزّه وغلبته، من حيث إن الغلبة تتم له بعز عزيز من أوليائه، وبذل ذليل من أعدائه {يُخْزِيهِ} مثل مقيم في وقوعه صفة للعذاب، أي: عذاب مخزٍ له، وهويوم بدر، وعذاب دائم وهو عذاب النار. وقرئ: {مكاناتكم}.

.تفسير الآية رقم (41):

{إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (41)}
{لِلنَّاسِ} لأجلهم ولأجل حاجتهم إليه؛ ليبشروا وينذروا، فتقوى دواعيهم إلى اختيار الطاعة على المعصية. ولا حاجة إلى ذلك فأنا الغني، فمن اختار الهدي فقد نفع نفسه، ومن اختار الضلالة فقد ضرّها. وما وكلت عليهم لتجبرهم على الهدى، فإنّ التكليف مبني على الاختيار دون الإجبار.