فصل: تفسير الآيات (53- 54):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل



.تفسير الآيات (53- 54):

{وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ (53) هُدًى وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (54)}
يريد بالهدى: جميع ما آتاه في باب الدين من المعجزات والتوراة والشرائع {وَأَوْرَثَنَا} وتركنا على بني إسرائيل من بعده {الكتاب} أي: التوراة {هُدًى وذكرى} إرشاداً وتذكرة، وانتصابهما على المفعول له أو على الحال. وأولوا الألباب: المؤمنون به العاملون بما فيه.

.تفسير الآية رقم (55):

{فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (55)}
{فاصبر إِنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ} يعني أن نصرة الرسل في ضمان الله؛ وضمان الله لا يخلف، واستشهد بموسى وما آتاه من أسباب الهدى والنصرة على فرعون وجنوده، وإبقاء آثار هداه في بني إسرائيل، والله ناصرك كما نصرهم، ومظهرك على الدين كله، ومبلغ ملك أمّتك مشارق الأرض ومغاربها، فاصبر على ما يجرّعك قومك من الغصص، فإن العاقبة لك وما سبق به وعدي من نصرتك وإعلاء كلمتك حق، وأقبل على التقوى واستدرك الفرطات بالاستغفار؛ ودم على عبادة ربك والثناء عليه {بالعشى والإبكار} وقيل: هما صلاتا العصر والفجر.

.تفسير الآية رقم (56):

{إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آَيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (56)}
{إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ} إلا تكبر وتعظم، وهو إرادة التقدّم والرياسة، وأن لا يكون أحد فوقهم، ولذلك عادوك ودفعوا آياتك خيفة أن تتقدّمهم ويكونوا تحت يدك وأمرك ونهيك، لأن النبوة تحتها كل ملك ورياسة. أو إرادة أن تكون لهم النبوّة دونك حسداً وبغياً. ويدلّ عليه قوله تعالى: {لَوْ كَانَ خَيْراً مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ} [الأحقاف: 11] أو إرادة دفع الآيات بالجدال {مَّا هُم ببالغيه} أي: ببالغي موجب الكبر ومقتضيه، وهو متعلق إرادتهم من الرياسة أو النبوّة أو دفع الآيات. وقيل: المجادلون هم اليهود، وكانوا يقولون: يخرج صاحبنا المسيح بن داود، يريدون الدّجال، ويبلغ سلطانه البر والبحر، وتسير معه الأنهار، وهو آية من آيات الله فيرجع إلينا الملك، فسمى الله تمنيهم ذلك كبراً، ونفى أن يبلغوا متمناهم {فاستعذ بالله} فالتجيء إليه من كيد من يحسدك ويبغي عليك {إِنَّهُ هُوَ السميع} لما تقول ويقولون {البصير} بما تعمل ويعملون، فهو ناصرك عليهم وعاصمك من شرّهم.

.تفسير الآية رقم (57):

{لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (57)}
فإن قلت: كيف اتصل قوله: {لَخَلْقُ السماوات والارض} بما قبله؟ قلت: إن مجادلتهم في آيات الله كانت مشتملة على إنكار البعث، وهو أصل المجادلة ومدارها، فحجوا بخلق السموات والأرض لأنهم كانوا مقرّين بأن الله خالقها وبأنها خلق عظيم لا يقادر قدره، وخلق الناس بالقياس إليه شيء قليل مهين، فمن قدر على خلقها مع عظمها كان على خلق الإنسان مع مهانته أقدر، وهو أبلغ من الاستشهاد بخلق مثله، {لاَّ يَعْلَمُونَ} لأنهم لا ينظرون ولا يتأملون لغلبة الغفلة عليهم واتباعهم أهواءهم.

.تفسير الآية رقم (58):

{وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلَا الْمُسِيءُ قَلِيلًا مَا تَتَذَكَّرُونَ (58)}
ضرب الأعمى والبصير مثلاً للمحسن والمسيء. وقرئ: {يتذكرون} بالياء والتاء، والتاء أعم.

.تفسير الآية رقم (59):

{إِنَّ السَّاعَةَ لَآَتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (59)}
{لاَ رَيْبَ فِيهَا} لابد من مجيئها ولا محالة، وليس بمرتاب فيها، لأنه لابد من جزاء {لاَ يُؤْمِنُونَ} لا يصدقون بها.

.تفسير الآية رقم (60):

{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60)}
{ادعونى} اعبدوني، والدعاء بمعنى العبادة كثير في القرآن، ويدلّ عليه قوله تعالى: {إِنَّ الذين يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِى} والاستجابة: الإثابة؛ وفي تفسير مجاهد: اعبدوني أثبكم.
وعن الحسن- وقد سئل عنها-: اعملوا وأبشروا، فإنه حق على الله أن يستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله.
وعن الثوري أنه قيل له: ادع الله، فقال: إن ترك الذنوب هو الدعاء. وفي الحديث: «إذا شغل عبدي طاعتي عن الدعاء، أعطيته أفضل ما أعطي السائلين» وروى النعمان بن بشير رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الدعاء هو العبادة» وقرأ هذه الآية. ويجوز أن يريد الدعاء والاستجابة على ظاهرهما، ويريد بعبادتي: دعائي، لأن الدعاء باب من العبادة ومن أفضل أبوابها، يصدقه قول ابن عباس رضي الله عنهما: أفضل العبادة الدعاء.
وعن كعب: أعطى الله هذه الأمة ثلاث خلال لم يعطهن إلاّ نبياً مرسلاً: كان يقول لكل نبيّ أنت شاهدي على خلقي وقال لهذه الأمة: {لّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى الناس} [البقرة: 143]؛ وكان يقول: ما عليك من حرج، وقال لنا: {مَا يُرِيدُ الله لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مّنْ حَرَجٍ} [المائدة: 6] وكان يقول: أدعني أستجب لك؛ وقال لنا: {ادعونى أَسْتَجِبْ لَكُمْ}.
وعن ابن عباس: وحدوني أغفر لكم، وهذا تفسير للدعاء بالعبادة، ثم للعبادة بالتوحيد {داخرين} صاغرين.

.تفسير الآية رقم (61):

{اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (61)}
{مُبْصِراً} من الإسناد المجازي، لأن الإبصار في الحقيقة لأهل النهار.
فإن قلت: لم قرن الليل بالمفعول له. والنهار بالحال؟ وهلا كانا حالين أو مفعولاً لهما فيراعي حق المقابلة؟ قلت: هما متقابلان من حيث المعنى، لأن كل واحد منهما يؤدي مؤدى الآخر، لأنه لو قيل: لتبصروا فيه، فاتت الفصاحة التي في الإسناد المجازي، ولو قيل: ساكناً- والليل يجوز أن يوصف بالسكون على الحقيقة، ألا ترى إلى قولهم: ليل ساج، وساكن لا ريح فيه- لم تتميز الحقيقة من المجاز.
فإن قلت: فهلا قيل: لمفضل، أو لمتفضل؟ قلت: لأن الغرض تنكير الفضل، وأن يجعل فضلاً لا يوازيه فضل، وذلك إنما يستوي بالإضافة.
فإن قلت: فلو قيل: ولكن أكثرهم، فلا يتكرر ذكر الناس؟ قلت: في هذا التكرير تخصيص لكفران النعمة بهم، وأنهم هم الذين يكفرون فضل الله ولا يشكرونه، كقوله: {إِنَّ الإنسان لَكَفُورٌ} [الزخرف: 15] {إِنَّ الإنسان لِرَبّهِ لَكَنُودٌ} [العاديات: 6]، {إِنَّ الإنسان لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} [إبراهيم: 34].

.تفسير الآيات (62- 63):

{ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (62) كَذَلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كَانُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (63)}
{ذَلِكُمُ} المعلوم المتميز بالأفعال الخاصة التي لا يشاركه فيها أحد هو {الله رَبُّكُمْ خالق كُلِ شَيْء لاَّ إله إِلاَّ هُوَ} أخبار مترادفة، أي: هو الجامع لهذه الأوصاف من الإلهية والربوبية وخلق كل شيء، وإنشائه لا يمتنع عليه شيء، والوحدانية: لا ثاني له {فأنى تُؤْفَكُونَ} فكيف ومن أي: وجه تصرفون عن عبادته إلى عبادة الأوثان. ثم ذكر أن كل من جحد بآيات الله ولم يتأملها ولم يكن فيه همة طلب الحق وخشية العاقبة: أفك كما أفكوا. وقرئ: {خالق كل شيء} نصباً على الاختصاص. وتؤفكون: بالتاء والياء.

.تفسير الآيات (64- 65):

{اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (64) هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (65)}
هذه أيضاً دلالة أخرى على تميزه بأفعال خاصة، وهي أنه جعل الأرض مستقراً {والسمآء بِنَآءً} أي: قبة. ومنه: أبنية العرب لمضاربهم؛ لأن السماء في منظر العين كقبة مضروبة على وجه الأرض {فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ} وقرئ: بكسر الصاد والمعنى واحد. قيل: لم يخلق حيواناً أحسن صورة من الإنسان. وقيل: لم يخلقهم منكوسين كالبهائم، كقوله تعالى: {فِى أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين: 4] {فادعوه} فاعبدوه {مُخْلِصِينَ لَهُ الدين} أي: الطاعة من الشرك والرياء، قائلين: {الحمد للَّهِ رَبِّ العالمين} وعن ابن عباس رضي الله عنهما: من قال: لا إله إلاّ الله، فليقل على أثرها: الحمد لله رب العالمين.

.تفسير الآية رقم (66):

{قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَمَّا جَاءَنِيَ الْبَيِّنَاتُ مِنْ رَبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (66)}
فإن قلت: أما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبادة الأوثان بأدلة العقل حتى جاءته البينات من ربه؟ قلت: بلى ولكن البينات لما كانت مقوية لأدلة العقل ومؤكدة لها ومضمنة ذكرها نحو قوله تعالى: {أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ والله خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات: 95- 96] وأشباه ذلك من التنبيه على أدلة العقل كان ذكر البينات ذكراً لأدلة أدلة العقل والسمع جميعاً، وإنما ذكر ما يدلّ على الأمرين جميعاً؛ لأن ذكر تناصر أدلة العقل وأدلة السمع أقوى في إبطال مذهبهم وإن كانت أدلة العقل وحدها كافية.

.تفسير الآية رقم (67):

{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (67)}
{لِتَبْلُغُواْ أَشُدَّكُمْ} متعلق بفعل محذوف تقديره: ثم يبقيكم لتبلغوا. وكذلك لتكونوا. وأما {وَلِتَبْلُغُواْ أَجَلاً مُّسَمًّى} فمعناه: ونفعل ذلك لتبلغوا أجلاً مسمى، وهو وقت الموت. وقيل: يوم القيامة. وقرئ: {شيوخاً} بكسر الشين. وشيخاً، على التوحيد، كقوله: {طِفْلاً} [الحج: 5] والمعنى: كل واحد منكم. أو اقتصر على الواحد؛ لأنّ الغرض بيان الجنس {مِن قَبْلُ} من قبل الشيخوخة أو من قبل هذه الأحوال إذا خرج سقطا {وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} ما في ذلك في العبر والحجج.

.تفسير الآية رقم (68):

{هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (68)}
{فَإِذَا قضى أَمْراً فَإِنَّمَا} يكوّنه من غير كلفة ولا معاناة. جعل هذا نتيجة من قدرته على الإحياء والإماتة، وسائر ما ذكر من أفعاله الدالة على أنّ مقدوراً لا يمتنع عليه، كأنه قال: فلذلك من الاقتدار إذا قضى أمراً كان أهون شيء وأسرعه.

.تفسير الآيات (69- 76):

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آَيَاتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ (69) الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (70) إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ (71) فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ (72) ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ (73) مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُو مِنْ قَبْلُ شَيْئًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ (74) ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ (75) ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (76)}
{بالكتاب} بالقرآن {وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا} من الكتب.
فإن قلت: وهل قوله: {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ إِذِ الاغلال فِي أعناقهم} إلى مثل قولك: سوف أصوم أمس؟ قلت: المعنى على إذا: إلا أن الأمور المستقبلة لما كانت في أخبار الله تعالى متيقنة مقطوعاً بها: عبر عنها بلفظ ما كان ووجد، والمعنى على الاستقبال.
وعن ابن عباس: والسلاسل يسحبون بالنصب وفتح الياء، على عطف الجملة الفعلية على الإسمية. وعنه: والسلاسل يسحبون بجر السلاسل. ووجهه أنه لو قيل: إذْ أعناقهم في الأغلال مكان قوله: {إِذِ الاغلال فِي أعناقهم} لكان صحيحاً مستقيماً، فلما كانتا عبارتين معتقبتين: حمل قوله: {والسلاسل} على العبارة الأخرى. ونظيره:
مَشَائِيمُ لَيْسُوا مُصْلِحِينَ عَشِيرَةً ** وَلاَ نَاعِبٍ إلاَّ بِبَيْنٍ غُرَابُهَا

كأنه قيل: بمصلحين. وقرئ: {وبالسلاسل يسحبون} {فِى النار يُسْجَرُونَ} من سجر التنور إذا ملأه بالوقود. ومنه: السجير، كأنه سجر بالحب، أي: ملئ. ومعناه: أنهم في النار فهي محيطة بهم، وهم مسجورون بالنار مملوؤة بها أجوافهم. ومنه قوله تعالى: {نَارُ الله الموقدة التى تَطَّلِعُ عَلَى الافئدة} [الهمزة: 7] اللهم أجرنا من نارك فإنا عائذون بجوارك {ضَلُّواْ عَنَّا} غابوا عن عيوننا، فلا نراهم ولا ننتفع بهم.
فإن قلت: أما ذكرت في تفسير قوله تعالى: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ} [الأنبياء: 98]: أنهم مقرونون بآلهتهم، فكيف يكونون معهم وقد ضلوا عنهم؟ قلت: يجوز أن يضلوا عنهم إذا وبخوا وقيل لهم: إينما كنتم تشركون من دون الله فيغيثوكم ويشفعوا لكم، وأن يكونوا معهم في سائر الأوقات، وأن يكونوا معهم في جميع أوقاتهم؛ إلا أنهم لما لم ينفعوهم فكأنهم ضالون عنهم {بَل لَّمْ نَكُنْ نَّدْعُواْ مِن قَبْلُ شَيْئاً} أي: تبين لنا أنهم لم يكونوا شيئاً، وما كنا نعبد بعبادتهم شيئاً كما تقول: حسبت أنّ فلاناً شيء فإذا هو ليس بشيء إذا خبرته فلم تر عنده خيراً {كَذَلِكَ يُضِلُّ الله الكافرين} مثل ضلال آلهتهم عنهم يضلهم عن آلهتهم.، حتى لو طلبوا الآلهة أو طلبتهم الآلهة لم يتصادفوا {ذلكم} الإضلال بسبب ما كنا لكم من الفرح والمرح {بِغَيْرِ الحق} وهو الشرك وعبادة الأوثان {ادخلوا أبواب جَهَنَّمَ} السبعة المقسومة لكم. قال الله تعالى: {لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلّ بَابٍ مّنْهُمْ جُزْء مَّقْسُومٌ} [الحجر: 44]. {خالدين} مقدّرين الخلود {فَبِئْسَ مَثْوَى المتكبرين} عن الحق المستخفين به مثواكم أو جهنم.
فإن قلت: أليس قياس النظم أن يقال: فبئس مدخل المتكبرين، كما تقول: زر بيت الله فنعم المزار، وصل في المسجد الحرام فنعم المصلى؟ قلت: الدخول المؤقت بالخلود في معنى الثواء.