فصل: تفسير الآية رقم (36):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل



.تفسير الآية رقم (36):

{فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (36)}
{ما} الأولى ضمنت معنى الشرط، فجاءت الفاء في جوابها بخلاف الثانية. عن علي رضي الله عنه: اجتمع لأبي بكر رضي الله عنه مال فتصدق به كله في سبيل الله والخير، فلامه المسلمون وخطأه الكافرون، فنزلت.

.تفسير الآية رقم (37):

{وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37)}
{والذين يَجْتَنِبُونَ} عطف على الذين آمنوا، وكذلك ما بعده. ومعنى {كبائر الإثم} الكبائر من هذا الجنس. وقرئ {كبير الإثم} عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه: كبير الإثم هو الشرك {هُمْ يَغْفِرُونَ} أي هم الأخصاء بالغفران في حال الغضب، لا يغول الغضب أحلامهم كما يغول حلوم الناس، والمجيء بهم وإيقاعه مبتدأ، وإسناد {يَغْفِرُونَ} إليه لهذه الفائدة، ومثله: {هُمْ يَنتَصِرُونَ} [الشورى: 39].

.تفسير الآية رقم (38):

{وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (38)}
{والذين استجابوا لِرَبّهِمْ} نزلت في الأنصار: دعاهم الله عز وجل للإيمان به وطاعته، فاستجابوا له بأن آمنوا به وأطاعوه {وَأَقَامُواْ الصلاة} وأتموا الصلوات الخمس. وكانوا قبل الإسلام وقبل مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة: إذا كان بهم أمر اجتمعوا وتشاوروا، فأثنى الله عليهم، أي: لا ينفردون برأي حتى يجتمعوا عليه.
وعن الحسن: ما تشاور قوم إلا هدوا لأرشد أمرهم والشورى: مصدر كالفتيا، بمعنى التشاور. ومعنى قوله: {وَأَمْرُهُمْ شورى بَيْنَهُمْ} أي ذو شورى، وكذلك قولهم: ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر بن الخطاب رضي الله عنه الخلافة شورى.

.تفسير الآية رقم (39):

{وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39)}
هو أن يقتصروا في الانتصار على ما جعله الله لهم ولا يعتدوا.
وعن النخعي أنه كان إذا قرأها قال: كانوا يكرهون أن يذلوا أنفسهم فيجترئ عليهم الفساق.
فإن قلت: أهم محمودون على الانتصار؟ قلت: نعم؛ لأنّ من أخذ حقه غير متعد حدّ الله وما أمر به فلم يسرف في القتل إن كان ولي دم أورد على سفيه، محاماة على عرضه وردعا له، فهو مطيع. وكل مطيع محمود.

.تفسير الآية رقم (40):

{وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40)}
كلتا الفعلتين الأولى وجزاؤها سيئة، لأنها تسوء من تنزل به. قال الله تعالى: {وَإِن تُصِبْهُمْ سَيّئَةٌ يَقُولُواْ هذه مِنْ عِندِكَ} [النساء: 78]: يريد ما يسوءهم من المصائب والبلايا. والمعنى: أنه يجب إذا قوبلت الإساءة أن تقابل بمثلها من غير زيادة، فإذا قال أخزاك الله قال: أخزاك الله {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ} بينه وبين خصمه بالعفو والإغضاء. كما قال تعالى: {فَإِذَا الذى بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِىٌّ حَمِيمٌ} [فصلت: 34]، {فَأَجْرُهُ عَلَى الله} عدة مبهمة لا يقاس أمرها في العظم. وقوله: {إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الظالمين} دلالة على أن الانتصار لا يكاد يؤمن فيه تجاوز السيئة والاعتداء خصوصاً في حال الحرد والتهاب الحمية فربما كان المجازي من الظالمين وهو لا يشعر.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «وإذا كان يوم القيامة نادى مناد: من كان له على الله أجر فليقم. قال: فيقوم خلق، فيقال لهم: ما أجركم على الله؟ فيقولون: نحن الذين عفونا عمن ظلمنا، فيقال لهم: ادخلوا الجنة بإذن الله».

.تفسير الآيات (41- 42):

{وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (42)}
{بَعْدَ ظُلْمِهِ} من إضافة المصدر إلى المفعول، وتفسره قراءة من قرأ {بعد ما ظلم} {فأولئك} إشارة إلى معنى (من) دون لفظه {مَا عَلَيْهِمْ مِّن سَبِيلٍ} للمعاقب ولا للعاتب والعائب {إِنَّمَا السبيل عَلَى الذين يَظْلِمُونَ الناس} يبتدئونهم بالظلم {وَيَبْغُونَ فِي الارض} يتكبرون فيها ويعلون ويفسدون.

.تفسير الآية رقم (43):

{وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43)}
{وَلَمَن صَبَرَ} على الظلم والأذى {وَغَفَرَ} ولم ينتصر وفوّض أمره إلى الله {إِنَّ ذلك} منه {لَمِنْ عَزْمِ الامور} وحذف الراجع لأنه مفهوم، كما حذف من قولهم: السمن مَنَوانِ بدرهم. ويحكى أن رجلاً سب رجلاً في مجلس الحسن رحمه الله، فكان المسبوب يكظم، ويعرق فيمسح العرق، ثم قام فتلا هذه الآية، فقال الحسن: عقلها والله وفهمها إذ ضيعها الجاهلون. وقالوا: العفو مندوب إليه، ثم الأمر قد ينعكس في بعض الأحوال، فيرجع ترك العفو مندوباً إليه، وذلك إذا احتيج إلى كف زيادة البغي، وقطع مادة الأذى.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل عليه وهو: أن زينب أسمعت عائشة بحضرته، وكان ينهاها فلا تنتهي، فقال لعائشة: «دونك فانتصري».

.تفسير الآية رقم (44):

{وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ (44)}
{وَمَن يُضْلِلِ الله} ومن يخذله الله {فَمَا لَهُ مِن وَلِىٍّ مّن بَعْدِهِ} فليس له من ناصر يتولاه من بعد خذلانه.

.تفسير الآيات (45- 46):

{وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ (45) وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِيَاءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ سَبِيلٍ (46)}
{خاشعين} متضائلين متقاصرين مما يلحقهم {مِنَ الذل} وقد يعلق من الذل بينظرون، ويوقف على خاشعين {يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِىٍّ} أي يبتدئ نظرهم من تحريك لأجفانهم ضعيف خفي بمسارقة، كما ترى المصبور ينظر إلى السيف. وهكذا نظر الناظر إلى المكاره: لا يقدر أن يفتح أجفانه عليها ويملأ عينيه منها، كما يفعل في نظره إلى المحاب. وقيل: يحشرون عمياً فلا ينظرون إلا بقلوبهم. وذلك نظر من طرف خفي. وفيه تعسف {يَوْمَ القيامة} إما أن يتعلق بخسروا، ويكون قول المؤمنين واقعاً في الدنيا، وإما أن يتعلق بقال، أي: يقولون يوم القيامة إذا رأوهم على تلك الصفة.

.تفسير الآية رقم (47):

{اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ (47)}
{مِنَ الله} من صلة لا مردّ، أي: لا يرده الله بعدما حكم به. أو من صلة يأتي، أي: من قبل أن يأتي من الله يوم لا يقدر أحد على ردّه. والنكير: الإنكار، أي: ما لكم من مخلص من العذاب ولا تقدرون أن تنكروا شيئاً مما اقترفتموه ودوّن في صحائف أعمالكم.

.تفسير الآية رقم (48):

{فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ كَفُورٌ (48)}
أراد بالإنسان الجمع لا الواحد. لقوله: (وإن تصبهم سيئة) ولم يرد إلا المجرمين؛ لأن إصابة السيئة بما قدّمت أيديهم إنما تستقيم فيهم. والرحمة: النعمة من الصحة والغني والأمن. والسيئة: البلاء من المرض والفقر والمخاوف. والكفور: البليغ الكفران، ولم يقل: فإنه كفور؛ ليسجل على أن هذا الجنس موسوم بكفران النعم، كما قال: {إِنَّ الإنسان لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} [إبراهيم: 34]، {إِنَّ الإنسان لِرَبّهِ لَكَنُودٌ} [العاديات: 6] والمعنى أنه يذكر البلاء وينسى النعم ويغمطها.

.تفسير الآيات (49- 50):

{لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (50)}
لما ذكر إذاقة الإنسان الرحمة وإصابته بضدّها: أتبع ذلك أنّ له الملك وأنه يقسم النعمة والبلاء كيف أراد، ويهب لعباده من الأولاد ما تقتضيه مشيئته، فيخص بعضاً بالإناث وبعضاً بالذكور، وبعضاً بالصنفين جميعاً، ويعقم آخرين فلا يهب لهم ولداً قط.
فإن قلت: لم قدّم الإناث أوّلاً على الذكور مع تقدّمهم عليهنّ، ثم رجع فقدّمهم، ولم عرف الذكور بعد ما نكر الإناث؟ قلت: لأنه ذكر البلاء في آخر الآية الأولى وكفران الإنسان بنسيانه الرحمة السابقة عنده، ثم عقبه بذكر ملكه ومشيئته وذكر قسمة الأولاد، فقدم الإناث لأنّ سياق الكلام أنه فاعل ما يشاؤه لا ما يشاؤه الإنسان، فكان ذكر الإناث اللاتي من جملة ما لا يشاؤه الإنسان أهم، والأهم واجب التقديم، وليلي الجنس الذي كانت العرب تعدّه بلاء ذكر البلاء، وأخر الذكور فلما أخرهم لذلك تدارك تأخيرهم، وهم أحقاء بالتقديم بتعريفهم؛ لأن التعريف تنويه وتشهير، كأنه قال: ويهب لمن يشاء الفرسان الأعلام المذكورين الذين لا يخفون عليكم، ثم أعطى بعد ذلك كلا الجنسين حقه من التقديم والتأخير، وعرّف أن تقديمهنّ لم يكن لتقدمهنّ، ولكن لمقتض آخر فقال: {ذُكْرَاناً وإناثا} كما قال: {إِنَّا خلقناكم مّن ذَكَرٍ وأنثى} [الحجرات: 13]، {فَجَعَلَ مِنْهُ الزوجين الذكر والانثى} [القيامة: 39] وقيل: نزلت في الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه، حيث وهب لشعيب ولوط إناثاً، ولإبراهيم ذكوراً، ولمحمد ذكوراً وإناثاً، وجعل يحيى وعيسى عقيمين {إِنَّهُ عَلِيمٌ} بمصالح العباد {قَدِيرٌ} على تكوين ما يصلحهم.

.تفسير الآية رقم (51):

{وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (51)}
{وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ} وما صح لأحد من البشر {أَن يُكَلّمَهُ الله إِلاَّ} على ثلاثة أوجه: إما على طريق الوحي وهو الإلهام والقذف في القلب أو المنام، كما أوحى إلى أم موسى وإلى إبراهيم عليه السلام في ذبح ولده.
وعن مجاهد: أوحى الله الزبور إلى داود عليه السلام في صدره. قال عبيد بن الأبرص:
وَأَوْحَى إِليَّ اللَّهُ أَنْ قَدْ تَأَمَّرُوا ** بِإِبْلِ أَبِي أَوْفَى فَقُمْتُ عَلَى رِجْلِ

أي: ألهمني وقذف في قلبي. وإما على أن يسمعه كلامه الذي يخلقه في بعض الأجرام، من غير أن يبصر السامع من يكلمه، لأنه في ذاته غير مرئي. وقوله: {مِن وَرآىءِ حِجَابٍ} مثل أي، كما يكلم الملك المحتجب بعض خواصه وهو من وراء الحجاب، فيسمع صوته ولا يرى شخصه، وذلك كما كلم موسى ويكلم الملائكة. وإما على أن يرسل إليه رسولاً من الملائكة فيوحى الملك إليه كما كلم الأنبياء غير موسى. وقيل: وحيا كما أوحى إلى الرسل بواسطة الملائكة {أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً} أي نبيناً كما كلم أمم الأنبياء على ألسنتهم. ووحيا، وأن يرسل: مصدران واقعان موقع الحال؛ لأنّ أن يرسل، في معنى إرسالاً. ومن وراء حجاب: ظرف واقع موقع الحال أيضاً، كقوله تعالى: {وعلى جُنُوبِهِمْ} [آل عمران: 191] والتقدير: وما صح أن يكلم أحداً إلا موحياً، أو مسمعاً من وراء حجاب، أو مرسلاً. ويجوز أن يكون: وحياً، موضوعاً موضع: كلاماً؛ لأنّ الوحي كلام خفي في سرعة، كما تقول: لا أكلمه إلا جهراً وإلا خفاتا؛ لأنّ الجهر والخفات ضربان من الكلام، وكذلك: رسالآ جعل الكلام على لسان الرسول بغير واسطة تقول: قلت لفلان كذا، وإنما قاله وكيلك أو رسولك. وقوله: {أَوْ مِن وَرَآىءِ حِجَابٍ} معناه: أو إسماعاً من وراء حجاب؛ ومن جعل (وحيا) في معنى: أن يوحي، وعطف يرسل عليه، على معنى {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلّمَهُ الله إِلاَّ وَحْياً} أي: إلا بأن يوحي. أو بأن يرسل، فعليه أن يقدر قوله: {أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ} تقديراً يطابقهما عليه، نحو: أو أن يسمع من وراء حجاب. وقرئ {أو يرسل رسولاً فيوحى} بالرفع، على: أو هو رسل. أو بمعنى مرسلاً عطفاً على وحيا في معنى موحياً. وروى أنّ اليهود قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: ألا تكلم الله وتنظر إليه إن كنت نبياً كما كلمه موسى ونظر إليه، فإنا لن نؤمن لك حتى تفعل ذلك، فقال: لم ينظر موسى إلى الله، فنزلت.
وعن عائشة رضي الله عنها: من زعم أنّ محمداً رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية، ثم قالت: أو لم تسمعوا ربكم يقول: فتلت هذه الآية: {إِنَّهُ عَلِىٌّ} عن صفات المخلوقين {حَكِيمٌ} يجري أفعاله على موجب الحكمة، فيكلم تارة بواسطة، وأخرى بغير واسطة: إما إلهاماً، وإما خطاباً.