فصل: تفسير الآية رقم (4):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل



.تفسير الآية رقم (4):

{إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ (4)}
فإن قلت: ما جواب القسم؟ قلت {إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} لأنّ (إن) لا تخلو فيمن قرأ لما مشددة، بمعنى: إلا أن تكون نافية. وفيمن قرأها مخففة على أن (ما) صلة تكون مخففة من الثقيلة، وأيتهما كانت فهي مما يتلقى به القسم، حافظ مهيمن عليها رقيب، وهو الله عز وجل {وَكَانَ الله على كُلّ شَيْء رَّقِيباً} [الأحزاب: 52]، {وَكَانَ الله على كُلّ شَيْء مُّقِيتاً} [النساء: 85]، وقيل: ملك يحفظ عملها ويحصى عليها ما تكسب من خير وشر.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم: «وكل بالمؤمن مائة وستون ملكاً يذبون عنه كما يذب عن قصعة العسل الذباب. ولو وكل العبد إلى نفسه طرفة عين لاختطفته الشياطين».

.تفسير الآيات (5- 7):

{فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (7)}
فإن قلت: ما وجه اتصال قوله {فَلْيَنظُرِ} بما قبله؟ قلت: وجه اتصاله به أنه لما ذكر أن على كل نفس حافظاً، أتبعه توصية الإنسان بالنظر في أوّل أمره ونشأته الأولى، حتى يعلم أنّ من أنشأه قادر على إعادته وجزائه، فيعمل ليوم الإعادة والجزاء، ولا يملى على حافظه إلا ما يسره في عاقبته؛ و{مِمَّ خُلِقَ} استفهام جوابه {خُلِقَ مِن مَّاءٍ دَافِقٍ (6)} والدفق: صبّ فيه دفعٌ. ومعنى دافق: النسبة إلى الدفق الذي هو مصدر دفق، كاللابن والتامر. أو الإسناد المجازي. والدفق في الحقيقة لصاحبه، ولم يقل ماءين لامتزاجهما في الرحم، واتحادهما حين ابتدئ في خلقه {مِن بَيْنِ الصلب والترائب} من بين صلب الرجل وترائب المرأة: وهي عظام الصدر حيث تكون القلادة. وقرئ {الصلب} بفتحتين، والصلب بضمتين. وفيه أربع لغات: صَلْب، وصُلْب، وصَلَب وصَاْلب قال العجاج:
في صَلَبٍ مِثْلِ الْعِنَانِ الْمُؤْدَمِ

وقيل: العظم والعصب من الرجل، واللحم والدم من المرأة.

.تفسير الآيات (8- 10):

{إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ (8) يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ (9) فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ (10)}
{إِنَّهُ} الضمير للخالق، لدلالة (خلق) عليه. ومعناه: إنّ ذلك الذي خلق الإنسان ابتداء من نطفه {على رَجْعِهِ} على إعادته خصوصاً {لَقَادِرٌ} لبين القدرة لا يلتاث عليه ولا يعجز عنه. كقوله: إنني لفقير {يَوْمَ تبلى} منصوب برجعه؛ ومن جعل الضمير في {رَجْعِهِ} وفسره برجعه إلى مخرجه من الصلب والترائب أو الإحليل. أو إلى الحالة الأولى نصب الظرف بمضمر {السرائر} ما أسرّ في القلوب من العقائد والنيات وغيرها، وما أخفى من الأعمال وبلاؤها. تعرّفها وتصفحها، والتمييز بين ما طاب منها وما خبث وعن الحسن أنه سمع رجلاً ينشد:
سَيَبْقَى لَهَا في مُضْمَرِ الْقَلْبِ وَالْحَشَا ** سَرِيرَةُ وُدٍّ يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ

فقال: ما أغفله عما في {والسماء والطارق (1)} {فَمَا لَهُ} فما للإنسان {مِن قُوَّةٍ} من منعة في نفسه يمتنع بها {وَلاَ نَاصِرٍ} ولا مانع يمنعه.

.تفسير الآيات (11- 14):

{وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ (11) وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ (12) إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (13) وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ (14)}
سمي المطر رجعاً، كما سمي أوباً قال:
رَبَّاءُ شَمَّاءُ لاَ يَأْوِي لِقُلتِهَا ** إلاَّ السَّحَابُ وَإلاَّ الأوْبُ والسَّبلُ

تسمية بمصدري: رجع، وآب؛ وذلك أنّ العرب كانوا يزعمون أنّ السحاب يحمل الماء من بحار الأرض، ثم يرجعه إلى الأرض. أو أرادوا التفاؤل فسموه رجعاً. وأوبا، ليرجع ويؤب. وقيل: لأنّ الله يرجعه وقتاً فوقتاً. قالت الخنساء: كالرجع في المدجنة السارية. والصدع: ما يتصدّع عنه الأرض من النبات {إِنَّهُ} الضمير للقرآن {فَصْلٌ} فاصل بين الحق والباطل، كما قيل له فرقان {وَمَا هوَ بالهزل (14)} يعني أنه جدّ كله لا هوادة فيه. ومن حقه وقد وصفه الله بذلك أن يكون مهيباً في الصدور، معظماً في القلوب، يترفع به قارئه وسامعه وأن يلم بهزل أو يتفكه بمزاح، وأن يلقى ذهنه إلى أنّ جبار السموات يخاطبه فيأمره وينهاه، ويعده وبوعده، حتى إن لم يستفزه الخوف ولم تتبالغ فيه الخشية، فأدنى أمره أن يكون جادّا غير هازل، فقد نعى الله ذلك على المشركين في قوله: {وَتَضْحَكُونَ وَلاَ تَبْكُونَ وَأَنتُمْ سامدون} [النجم: 60 61]، {والغوا فِيهِ} [فصلت: 26].

.تفسير الآيات (15- 17):

{إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (15) وَأَكِيدُ كَيْدًا (16) فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا (17)}
{إِنَّهُمْ} يعني أهل مكة يعملون المكايد في إبطال أمر الله وإطفاء نور الحق، وأنا أقابلهم بكيدي: من استدراجي لهم وانتظاري بهم الميقات الذي وقته للانتصار منهم {فَمَهِّلِ الكافرين} يعني لا تدع بهلاكهم ولا تستعجل به {أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً} أي إمهالا يسيراً؛ وكرّر وخالف بين اللفظين لزيادة التسكين منه والتصبير.
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة الطارق أعطاه الله بعدد كل نجم في السماء عشر حسنات».

.سورة الأعلى:

.تفسير الآيات (1- 5):

{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى (3) وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى (4) فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى (5)}
تسبيح اسمه عز وعلا: تنزيهه عما لا يصح فيه من المعاني التي هي إلحاد في أسمائه، كالجبر والتشبيه ونحو ذلك، مثل أن يفسر الأعلى بمعنى العلو الذي هو القهر والاقتدار، لا بمعنى العلوّ في المكان والاستواء على العرش حقيقة؛ وأن يصان عن الابتذال والذكر، لا على وجه الخشوع والتعظيم. ويجوز أن يكون {الأعلى} صفة للرب، والاسم؛ وقرأ علي رضي الله عنه: سبحان ربي الأعلى. وفي الحديث: لما نزلت: فسبح باسم ربك العظيم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اجعلوها في ركوعكم» فلما نزل سبح اسم ربك الأعلى قال: «اجعلوها في سجودكم» وكانوا يقولون في الركوع: اللهم لك ركعت، وفي السجود: اللهم لك سجدت {خَلَقَ فسوى} أي خلق كل شيء فسوّى خلقه تسوية، ولم يأت به متفاوتا غير ملتئم، ولكن على إحكام واتساق، ودلالة على أنه صادر عن عالم، وأنه صنعة حكيم {قَدَّرَ فهدى} قدّر لكل حيوان ما يصلحه، فهداه إليه وعرفه وجه الانتفاع به يحكى أنّ الأفعى إذا أتت عليها ألف سنة عميت، وقد ألهمها الله أنّ مسح العين بورق الرازيانج الغض يرد إليها بصرها، فربما كانت في برية بينها وبين الريف مسيرة أيام فتطوى تلك المسافة على طولها وعلى عماها حتى تهجم في بعض البساتين على شجرة الرازيانج لا تخطئها، فتحك بها عينيها وترجع باصرة بإذن الله وهدايات الله للإنسان إلى ما لا يحدّ من مصالحه وما لا يحصر من حوائجه في أغذيته وأدويته، وفي أبواب دنياه ودينه، وإلهامات البهائم والطيور وهوام الأرض: باب واسع، وشوط بطين، لا يحيط به وصف واصف؛ فسبحان ربي الأعلى. وقرئ: {قدر} بالتخفيف {أحوى} صفة لغثاء، أي {أَخْرَجَ المرعى} أنبته {فَجَعَلَهُ} بعد خضرته ورفيفه {غُثَاءً أحوى} دربنا أسود. ويجوز أن يكون {أحوى} حالا من المرعى، أي: أخرجه أحوى أسود من شدّة الخضرة والري، فجعله غثاء بعد حوّيه.

.تفسير الآيات (6- 7):

{سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (6) إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى (7)}
بشره الله بإعطاء آية بينة، وهي: أن يقرأ عليه جبريل ما يقرأ عليه من الوحي وهو أمي لا يكتب ولا يقرأ، فيحفظه ولا ينساه {إِلاَّ مَا شَاءَ الله} فذهب به عن حفظه برفع حكمه وتلاوته، كقوله: {أَوْ نُنسِهَا} [البقرة: 106] وقيل: كان يعجل بالقراءة إذا لقنه جبريل، فقيل: لا تعجل، فإنّ جبريل مأمور بأن يقرأه عليك قراءة مكررة إلى أن تحفظه؛ ثم لا تنساه إلا ما شاء الله، ثم تذكره بعد النسيان. أو قال: إلا ما شاء الله، يعني: القلة والندرة، كما روي (أنه أسقط آية في قراءته في الصلاة، فحسب أبي أنها نسخت، فسأله فقال: نسيتها) أو قال: إلا ما شاء الله: والغرض نفى النسيان رأساً كما يقول الرجل لصاحبه أنت سهيمي فيما أملك إلا فيما شاء الله ولا يقصد استثناء شيء وهو استعمال القلة في معنى النفي.
وقيل قوله: {فَلاَ تنسى} على النهي، والألف مزيدة للفاصلة، كقوله: {السبيلا} [الأحزاب: 67]، يعني: فلا تغفل قراءته وتكريره فتنساه، إلا ما شاء الله أن ينسيكه برفع تلاوته للمصلحة {إِنَّهُ يَعْلَمُ الجهر} يعني أنك تجهر بالقراءة مع قراءة جبريل عليه السلام مخافة التفلت، والله يعلم جهرك معه وما في نفسك مما يدعوك إلى الجهر، فلا تفعل، فأنا أكفيك ما تخافه. أو يعلم ما أسررتم وما أعلنتم من أقوالكم وأفعالكم، وما ظهر وبطن من أحوالكم، وما هو مصلحة لكم في دينكم ومفسدة فيه، فينسى من الوحي ما يشاء؛ ويترك محفوظاً ما يشاء.

.تفسير الآيات (8- 13):

{وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى (8) فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى (9) سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى (10) وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى (11) الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى (12) ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى (13)}
{وَنُيَسِّرُكَ لليسرى (8)} معطوف على {سَنُقْرِئُكَ} وقوله: {إِنَّهُ يَعْلَمُ الجهر وَمَا يخفى} اعتراض ومعناه: ونوفقك للطريقة التي هي أيسر وأسهل، يعني: حفظ الوحي.
وقيل للشريعة السمحة التي هي أيسر الشرائع وأسهلها مأخذاً. وقيل: نوفقك لعمل الجنة.
فإن قلت: كان الرسول صلى الله عليه وسلم مأموراً بالذكرى نفعت أو لم تنفع، فما معنى اشتراط النفع؟ قلت: هو على وجهين، أحدهما: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استفرغ مجهوده في تذكيرهم، وما كانوا يزيدون على زيادة الذكرى إلا عتوّاً وطغياناً، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتلظى حسرة وتلهفاً ويزداد جداً في تذكيرهم وحرصاً عليه، فقيل له: {وَمَا أَنتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكّرْ بالقرءان مَن يَخَافُ وَعِيدِ} [ق: 45]، {فاصفح عَنْهُمْ وَقُلْ سلام} [الزخرف: 89]، {فَذَكّرْ إِن نَّفَعَتِ الذكرى (9)} وذلك بعد إلزام الحجة بتكرير التذكير.
والثاني: أن يكون ظاهره شرطاً، ومعناه ذمّا للمذكرين، وإخباراً عن حالهم، واستبعاداً لتأثير الذكرى فيهم، وتسجيلاً عليهم بالطبع على قلوبهم، كما تقول للواعظ: عظ المكاسين إن سمعوا منك. قاصداً بهذا الشرط استبعاد ذلك، وأنه لن يكون {سَيَذَّكَّرُ} فيقبل التذكرة وينتفع بها {مَن يخشى} الله وسوء العاقبة، فينظر ويفكر حتى يقوده النظر إلى اتباع الحق: فأمّا هؤلاء فغير خاشين ولا ناظرين، فلا تأمل أن يقبلوا منك {وَيَتَجَنَّبُهَا} ويتجنب الذكرى ويتحاماها {الأشقى} الكافر؛ لأنه أشقى من الفاسق. أو الذي هو أشقى الكفرة لتوغله في عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقيل: نزلت في الوليد بن المغيرة وعتبة بن ربيعة {النار الكبرى} السفلى من أطباق النار وقيل {الكبرى} نار جهنم. والصغرى نار الدنيا وقيل {ثُمَّ} لأنّ الترجح بين الحياة والموت أفظع من الصلي، فهو متراخ عنه في مراتب الشدّة والمعنى: لا يموت فيستريح، ولا يحيى حياة تنفعه.

.تفسير الآيات (14- 17):

{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15) بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (17)}
{تزكى} تطهر من الشرك والمعاصي. أو تطهر للصلاة. أو تكثر من التقوى، من الزكاة وهو النماء. أو تفعل من الزكاة، كتصدق من الصدقة {فصلى} أي الصلوات الخمس، نحو قوله: {وأقام الصلاة وآتى الزكاة} [البقرة: 177]، وعن ابن مسعود: رحم الله امرأة تصدق وصلى.
وعن علي رضي الله عنه أنه التصدق بصدقة الفطر وقال: لا أبالي أن لا أجد في كتابي غيرها، لقوله (قد أفلح من تزكى) أي أعطى زكاة الفطر، فتوجه إلى المصلى، فصلى صلاة العيد، وذكر اسم ربه فكبر تكبيرة الإفتتاح وبه يحتج على وجوب تكبيرة الافتتاح، وعلى أنها ليست من الصلاة لأن الصلاة معطوفة عليها، وعلى أن الافتتاح جائز بكل اسم من أسمائه عز وجل.
وعن ابن عباس رضي الله عنه: ذكر معاده وموقفه بين يدي ربه فصلى له.
وعن الضحاك: وذكر اسم ربه في طريق المصلى فصلى صلاة العيد {بَلْ تُؤْثِرُونَ الحياة الدنيا (16)} فلا تفعلون ما تفلحون به. وقرئ: {يؤثرون} على الغيبة. ويعضد الأولى قراءة ابن مسعود: بل أنتم تؤثرون {خَيْرٌ وأبقى} أفضل في نفسها وأنعم وأدوم.
وعن عمر رضي الله عنه: ما الدنيا في الآخرة إلا كنفجة أرنب.