فصل: تفسير الآيات (21- 22):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل



.تفسير الآيات (21- 22):

{إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (21) أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (22)}
قرأ الحسن: {يقتلون النبيين} وقرأ حمزة: {ويقاتلون الذين يأمرون} وقرأ عبد الله: {وقاتلوا} وقرأ أبيّ. {يقتلون النبيين}، والذين يأمرون. وهم أهل الكتاب. قتل أولوهم الأنبياء وقتلوا أتباعهم وهم راضون بما فعلوا، وكانوا حول قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين لولا عصمة الله.
وعن أبي عبيدة بن الجراح: قلت يا رسول الله، أي الناس أشدّ عذاباً يوم القيامة؟ قال: «رجل قتل نبياً؛ أو رجلاً أمر بمعروف ونهى عن منكر» ثم قرأها ثم قال: «يا أبا عبيدة، قتلت بنو إسرائيل ثلاثة وأربعين نبيّا من أول النهار في ساعة واحدة، فقام مائة واثنا عشر رجلاً من عباد بني إسرائيل فأمروا قتلتهم بالمعروف ونهوهم عن المنكر فقتلوا جميعاً في آخر النهار».
{فِى الدنيا والاخرة} لأنّ لهم اللعنة والخزي في الدنيا والعذاب في الآخرة. فإن قلت: لم دخلت الفاء في خبر إن؟ قلت: لتضمن اسمها معنى الجزاء، كأنه قيل: الذين يكفرون فبشرهم بمعنى من يكفر فبشرهم، و (إن) لا تغير معنى الابتداء فكأنّ دخولها كلا دخول، ولو كان مكانها (ليت) أو (لعل) لامتنع إدخال الفاء لتغير معنى الابتداء.

.تفسير الآيات (23- 25):

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (24) فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (25)}
{أُوتُواْ نَصِيباً مّنَ الكتاب} يريد أحبار اليهود، وأنهم حصلوا نصيباً وافراً من التوراة. و (من) إما للتبعيض وإما للبيان، أو حصلوا من جنس الكتب المنزلة أو من اللوح التوارة وهي نصيب عظيم {يُدْعَوْنَ إلى كتاب الله} وهو التوراة {لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ} وذلك أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مدراسهم فدعاهم فقال له نعيم بن عمرو والحرث بن زيد: «على أي دين أنت؟ قال: على ملة إبراهيم. قالا: إنّ إبراهيم كان يهودياً. قال لهما: إنّ بيننا وبينكم التوارة، فهلموا إليها. فأبيا».
وقيل نزلت في الرجم، وقد اختلفوا فيه.
وعن الحسن وقتادة: كتاب الله القرآن؛ لأنهم قد علموا أنه كتاب الله لم يشكوا فيه {ثُمَّ يتولى فَرِيقٌ مّنْهُمْ} استبعاد لتوليهم بعد علمهم بأن الرجوع إلى كتاب الله واجب {وَهُم مُّعْرِضُونَ} وهم قوم لا يزال الإعراض ديدنهم. وقرئ {لِيُحْكَمَ} على البناء للمفعول. والوجه أن يراد ما وقع من الاختلاف والتعادي بين من أسلم من أحبارهم وبين من لم يسلم: وأنهم دعوا إلى كتاب الله الذي لا اختلاف بينهم في صحته وهو التوراة ليحكم بين المحق والمبطل منهم، ثم يتولى فريق منهم وهم الذين لم يسلموا. وذلك أنّ قوله: {لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ} يقتضي أن يكون اختلافاً واقعاً فيما بينهم، لا فيما بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم {ذلك} التولي والإعراض بسبب تسهيلهم على أنفسهم أمر العقاب وطمعهم في الخروج من النار بعد أيام قلائل كما طمعت المجبرة والحشوية {وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} من أنّ آباءهم هم الأنبياء يشفعون لهم كما غرت أولئك شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم في كبائرهم {فَكَيْفَ إِذَا جمعناهم} فكيف يصنعون فكيف تكون حالهم، وهو استعظام لما أعدّ لهم وتهويل لهم، وأنهم يقعون فيما لا حيلة لهم في دفعه والمخلص منه، وأن ما حدثوا به أنفسهم وسهلوه عليها تعلل بباطل وتطمع بما لا يكون.
وروي أنّ أوّل راية ترفع لأهل الموقف من رايات الكفار راية اليهود، فيفضحهم الله على رؤوس الاشهاد، ثم يأمر بهم إلى النار {وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} يرجع إلى كل نفس على المعنى، لأنه في معنى كل الناس كما تقول: ثلاثة أنفس، تريد ثلاثة أناسي.

.تفسير الآيات (26- 27):

{قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (27)}
الميم في {اللهم} عوض من يا، ولذلك لا يجتمعان. وهذا بعض خصائص هذا الاسم كما اختص بالتاء في القسم، وبدخول حرف النداء عليه، وفيه لام التعريف، وبقطع همزته في يا أَلله، وبغير ذلك {مالك الملك} أي تملك جنس الملك فتتصرف فيه تصرّف الملاك فيما يملكون {تُؤْتِى الملك مَن تَشَاءُ} تعطي من تشاء النصيب الذي قسمت له واقتضته حكمتك من الملك {وَتَنزِعُ الملك مِمَّن تَشَاءُ} النصيب الذي أعطيته منه، فالملك الأوّل عام شامل، والملكان الآخران خاصان بعضان من الكل. روى أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حين افتتح مكة وعد أمته ملك فارس والروم، فقال المنافقون واليهود: هيهات هيهات، من أين لمحمد ملك فارس والروم؟ هم أعز وأمنع من ذلك.
وروي «أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خط الخندق عام الأحزاب وقطع لكل عشرة أربعين ذراعاً وأخذوا يحفرون، خرج من بطن الخندق صخرة كالتل العظيم لم تعمل فيها المعاول، فوجهوا سلمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره، فأخذ المعول من سلمان فضربها ضربة صدّعتها وبرق منها برق أضاء ما بين لابتيها، لكأن مصباحاً في جوف بيت مظلم، وكبر وكبر المسلمون وقال: أضاءت لي منها قصور الحيرة كأنها أنياب الكلاب، ثم ضرب الثانية فقال: أضاءت لي منها القصور الحمر من أرض الروم، ثم ضرب الثالثة فقال: أضاءت لي قصور صنعاء، وأخبرني جبريل عليه السلام أن أمّتي ظاهرة على كلها، فأبشروا. فقال المنافقون: ألا تعجبون، يمنيكم ويعدكم الباطل، ويخبركم أنه يبصر من يثرب قصور الحيرة ومدائن كسرى وأنها تفتح لكم، وأنتم إنما تحفرون الخندق من الفرق لا تستطيعون أن تبرزوا، فنزلت» فإن قلت: كيف قال: {بِيَدِكَ الخير} فذكر الخير دون الشر؟ قلت: لأنّ الكلام إنما وقع في الخير الذي يسوقه إلى المؤمنين وهو الذي أنكرته الكفرة، فقال بيدك الخير تؤتيه أولياءك على رغم من أعدائك، ولأن كل أفعال الله تعالى من نافع وضارّ صادر عن الحكمة والمصلحة، فهو خير كله كإيتاء الملك ونزعه. ثم ذكر قدرته الباهرة بذكر حال الليل والنهار في المعاقبة بينهما، وحال الحيّ والميت في إخراج أحدهما من الآخر، وعطف عليه رزقه بغير حساب دلالة على أنّ من قدر على تلك الأفعال العظيمة المحيرة للأفهام ثم قدر أن يرزق بغير حساب دلالة من يشاء من عباده، فهو قادر على أن ينزع الملك من العجم ويذلهم ويؤتيه العرب ويعزهم وفي بعض الكتب: أنا الله ملك الملوك، قلوب الملوك ونواصيهم بيدي، فإن العباد أطاعوني جعلتهم لهم رحمة، وإن العباد عصوني جعلتهم عليهم عقوبة، فلا تشتغلوا بسب الملوك ولكن توبوا إليّ أعطفهم عليكم، وهو معنى قوله عليه السلام: «كما تكونوا يولى عليكم».

.تفسير الآية رقم (28):

{لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (28)}
نهوا أن يوالوا الكافرين لقرابة بينهم أو صداقة قبل الإسلام أو غير ذلك من الأسباب التي يتصادق بها ويتعاشر، وقد كرّر ذلك في القرآن {وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة: 51]، {لاَ تَتَّخِذُواْ اليهود والنصارى أَوْلِيَاء} [المائدة: 50]، {لاَّ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بالله} الآيه [المجادلة: 22]. والمحبة في الله والبغض في الله باب عظيم وأصل من أصول الإيمان {مِن دُونِ المؤمنين} يعني أن لكم في موالاة المؤمنين مندوحة عن موالاة الكافرين فلا تؤثروهم عليهم {وَمَن يَفْعَلْ ذلك فَلَيْسَ مِنَ الله فِي شَيْء} ومن يوالي الكفرة فليس من ولاية الله في شيء يقع عليه اسم الولاية، يعني أنه منسلخ من ولاية الله رأساً، وهذا أمر معقول فإنّ موالاة الوليّ وموالاة عدوّه متنافيان، قال:
تَوَدُّ عَدُوِّى ثُمَّ تَزْعُمُ أَنَّنِي ** صدِيقُكَ لَيْسَ النَّوْكُ عَنْكَ بِعَازِبِ

{إِلا أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تقاة} إلا أن تخافوا من جهتهم أمراً يجب اتقاؤه. وقرئ: {تقية}. قيل للمتقي تقاة وتقية، كقولهم: ضرب الأمير لمضروبه. رخص لهم في موالاتهم إذا خافوهم، والمراد بتلك الموالاة مخالفة ومعاشرة ظاهرة والقلب مطمئن بالعدواة والبغضاء، وانتظار زوال المانع من قشر العصا، كقول عيسى صلوات الله عليه (كن وسطاً وامش جانباً) {وَيُحَذّرُكُمُ الله نَفْسَهُ} فلا تتعرضوا لسخطه بموالاة أعدائه، وهذا وعيد شديد. ويجوز أن يضمن {تَتَّقُواْ} معنى تحذروا وتخافوا، فيعدى بمن وينتصب {تقاة} أو تقية على المصدر، كقوله تعالى: {اتقوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ} [آل عمران: 102].

.تفسير الآية رقم (29):

{قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (29)}
{إِن تُخْفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ} من ولاية الكفار أو غيرها مما لا يرضي الله {يَعْلَمْهُ} ولم يخف عليه وهو الذي {وَيَعْلَمُ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الارض} لا يخفى عليه منه شيء قط. فلا يخفى عليه سركم وعلنكم {والله على كُلّ شَيْء قَدِيرٌ} فهو قادر على عقوبتكم. وهذا بيان لقوله: {وَيُحَذّرُكُمُ الله نَفْسَهُ} [آل عمران: 28] لأنّ نفسه وهي ذاته المميزة من سائر الذوات، متصفة بعلم ذاتي لا يختص بمعلوم دون معلوم، فهي متعلقة بالمعلومات كلها وبقدرة ذاتية لا تختص بمقدور دون مقدور، فهي قادرة على المقدورات كلها، فكان حقها أن تحذر وتتقى فلا يجسر أحد على قبيح ولا يقصر عن واجب، فإن ذلك مطلع عليه لا محالة فلاحق به العقاب، ولو علم بعض عبيد السلطان أنه أراد الإطلاع على أحواله، فوكل همه بما يورد ويصدر، ونصب عليه عيوناً، وبث من يتجسس عن بواطن أموره، لأخذ حذره وتيقظ في أمره، واتقى كل ما يتوقع فيه الاسترابة به، فما بال من علم أنّ العالم الذات الذي علم السر وأخفى مهيمن عليه وهو آمن. اللهم إنا نعوذ بك من اغترارنا بسترك.

.تفسير الآية رقم (30):

{يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (30)}
{يَوْمَ تَجِدُ} منصوب بتودّ. والضمير في بينه لليوم، أي يوم القيامة حين تجد كل نفس خيرها وشرها حاضرين، تتمنى لو أنّ بينها وبين ذلك اليوم وهو له أمداً بعيداً. ويجوز أن ينتصب {يَوْمَ تَجِدُ} بمضمر نحو: اذكر، ويقع على ما عملت وحده، ويرتفع {وَمَا عَمِلَتْ} على الابتداء، و{تَوَدُّ} خبره، أي: والذي عملته من سوء تودّ هي لو تباعد ما بينها وبينه. ولا يصح أن تكون ما شرطية لارتفاع تودّ.
فإن قلت: فهل يصح أن تكون شرطية على قراءة عبد الله ودّت؟ قلت: لا كلام في صحته، ولكن الحمل على الابتداء والخبر أوقع في المعنى لأنه حكاية الكائن في ذلك اليوم وأثبت لموافقة قراءة العامّة. ويجوز أن يعطف {وَمَا عَمِلَتْ} على {مَّا عَمِلَتْ} ويكون {تَوَدُّ} حالاً، أي يوم تجد عملها محضراً وادّة تباعد ما بينها وبين اليوم أو عمل السوء محضراً، كقوله تعالى: {وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِرًا} [الكهف: 49] يعني مكتوباً في صحفهم يقرؤنه ونحوه {فَيُنَبّئُهُمْ بِمَا عَمِلُواْ أحصاه الله وَنَسُوهُ} [المجادلة: 6]. والأمد المسافة كقوله تعالى: {ياليت بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ المشرقين} [الزخرف: 38] وكرّر قوله: {وَيُحَذّرُكُمُ الله نَفْسَهُ} ليكون على بال منهم لا يغفلون عنه {والله رَءوفٌ بالعباد} يعني أن تحذيره نفسه وتعريفه حالها من العلم والقدرة من الرأفة العظيمة بالعباد لأنهم إذا عرفوه حق المعرفة وحذروه دعاهم ذلك إلى طلب رضاه واجتناب سخطه.
وعن الحسن من رأفته بهم أن حذرهم نفسه. ويجوز أن يريد أنه مع كونه محذوراً لعلمه وقدرته، مرجوّ لسعة رحمته كقوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ} [فصلت: 43].

.تفسير الآيات (31- 32):

{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (32)}
محبة العباد لله مجاز عن إرادة نفوسهم اختصاصه بالعبادة دون غيره ورغبتهم فيها. ومحبة الله عباده أن يرضى عنهم ويحمد فعلهم. والمعنى: إن كنتم مريدين لعبادة الله على الحقيقة {فاتبعونى} حتى يصحّ ما تدعونه من إرادة عبادته، يرض عنكم ويغفر لكم.
وعن الحسن: زعم أقوام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم يحبون الله فأراد أن يجعل لقولهم تصديقاً من عمل، فمن ادعى محبته وخالف سنة رسوله فهو كذاب وكتاب الله يكذبه. وإذا رأيت من يذكر محبة الله ويصفق بيديه مع ذكرها ويطرب وينعر ويصعق فلا تشك في أنه لا يعرف ما الله ولا يدري ما محبة الله. وما تصفيقه وطربه ونعرته وصعقته إلا أنه تصوّر في نفسه الخبيثة صورة مستملحة معشقة فسماها الله بجهله ودعارته، ثم صفق وطرب ونعر وصعق تصوّرها، وربما رأيت المنيَّ قد ملأ إزار ذلك المحب عند صعقته، وحمقى العامة على حواليه قد ملؤا أدرانهم بالدموع لما رققهم من حاله. وقرئ: {تحبون}. و {يحببكم} و {يحبكم}، من حبه يحبه. قال:
أُحِبُّ أبَا ثَرْوَانَ مِنْ حُبِّ تَمْرِه ** وَأَعْلَمُ أنّ الرِّفْقَ بِالجَارِ أَرْفَقُ

وَوَاللَّهِ لَوْلاَ تَمْرُهُ ما حَبَبْتُهُ ** وَلاَ كَانَ أَدْنَى مِنْ عُبَيْدٍ وَمُشْرِقُ

{فَإِن تَوَلَّوْاْ} يحتمل أن يكون ماضياً، وأن يكون مضارعاً بمعنى: فإن تتولوا، ويدخل في جملة ما يقول الرسول لهم.