فصل: تفسير الآية رقم (120):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل



.تفسير الآية رقم (120):

{إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120)}
الحسنة: الرخاء والخصب والنصرة والغنيمة ونحوها من المنافع. والسيئة ما كان ضدّ ذلك وهذا بيان لفرط معاداتهم حيث يحسدونهم على ما نالهم من الخير ويشمتون بهم فيما أصابهم من الشدّة.
فإن قلت: كيف وصفت الحسنة بالمس والسيئة بالإصابة؟ قلت: المس مستعار لمعنى الإصابة فكان المعنى واحداً. ألا ترى إلى قوله: {إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ} [التوبة: 50]، {مَّا أصابك مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ الله وَمَا أصابك مِن سَيّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ}، {إِذَا مَسَّهُ الشر جَزُوعاً وَإِذَا مَسَّهُ الخير مَنُوعاً} [المعارج: 20 21]. {وَإِنْ تَصْبِرُواْ} على عداوتهم {وَتَتَّقُواْ} ما نهيتم عنه من موالاتهم. أو وإن تصبروا على تكاليف الدين ومشاقه وتتقوا الله في اجتنابكم محارمه كنتم في كنف الله فلا يضركم كيدهم. وقرئ {لا يضركم} من ضاره يضيره. ويضركم على أن ضمة الراء لإتباع ضمة الضاد، كقولك مدّ يا هذا. وروى المفضل عن عاصم {لا يضركم} بفتح الراء، وهذا تعليم من الله وإرشاد إلى أن يستعان على كيد العدو بالصبر والتقوى. وقد قال الحكماء: إذا أردت أن تكبت من يحسدك فازدد فضلا في نفسك {إِنَّ الله بِمَا تَعْمَلُونَ} من الصبر والتقوى وغيرهما {مُحِيطٌ} ففاعل بكم ما أنتم أهله. وقريء بالياء بمعنى أنه عالم بما يعملون في عداوتكم فمعاقبهم عليه.

.تفسير الآيات (121- 122):

{وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (121) إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (122)}
{و} اذكر {إِذْغَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ} بالمدينة وهو غِدوّهُ إلى أحد من حجرة عائشة رضي الله عنها. روي: أن المشركين نزلوا بأحد يوم الأربعاء، فاستشار النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه ودعا عبد الله بن أبيّ ابن سلول ولم يدعه قط قبلها، فاستشاره. فقال عبد الله وأكثر الأنصار: يا رسول الله، أقم بالمدينة ولا تخرج إليهم فوالله ما خرجنا منها إلى عدوّ قط إلا أصاب منا ولادخلها علينا إلا أصبنا منه، فكيف وأنت فينا، فدعهم فإن أقاموا أقاموا بشر محبس، وإن دخلوا قاتلهم الرجال في وجوههم ورماهم النساء والصبيان بالحجارة، وإن رجعوا رجعوا خائبين وقال بعضهم: يا رسول الله، اخرج بنا إلى هؤلاء الأكلب لا يرون أنا قد جبنا عنهم. فقال صلى الله عليه وسلم: إني قد رأيت في منامي بقراً مذبحة حولي، فأوّلتها خيراً، ورأيت في ذباب سيفي ثلماً فأولته هزيمة، ورأيت كأني أدخلت يدي في درع حصينة فأولتها المدينة، فإن رأيتم أن تقيموا بالمدينة وتدعوهم. فقال رجال من المسلمين قد فاتتهم بدر وأكرمهم الله بالشهادة يوم أحد: اخرج بنا إلى أعدائنا. فلم يزالوا به حتى دخل فلبس لأمته. فلما رأوه قد لبس لأمته ندموا وقالوا: بئسما صنعنا، نشير على رسول الله صلى الله عليه وسلم والوحي يأتيه، وقالوا: اصنع يا رسول الله ما رأيت، فقال: لا ينبغي لنبيّ أن يلبس لأمته فيضعها حتى يقاتل فخرج يوم الجمعة بعد صلاة الجمعة وأصبح بالشعب من أحد يوم السبت للنصف من شوال فمشى على رجليه فجعل يصف أصحابه للقتال كأنما يقوّم بهم القدح. إن رأى صدراً خارجاً قال: تأخر، وكان نزوله في عدوة الوادي وجعل ظهره وعسكره إلى أحد؛ وأمّر عبد الله بن جبير على الرماة وقال لهم: «انضحوا عنا بالنبل لا يأتونا من ورائنا» {تُبَوِّئُ المؤمنين} تنزلهم.
وقرأ عبد الله {للمؤمنين}، بمعنى تسوى لهم وتهيء {مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ} مواطن ومواقف. وقد اتسع في قعد وقام حتى أجريا مجرى صار. واستعمل المقعد والمقام في معنى المكان. ومنه قوله تعالى: {فِى مَقْعَدِ صِدْقٍ} [القمر: 55]، {قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ} [النمل: 39] من مجلسك وموضع حكمك {والله سَمِيعٌ} لأقوالكم عليم بنياتكم وضمائركم {إِذْ هَمَّتْ} بدل من {وإِذْ غَدَوْتَ} أو عمل فيه معنى {سَمِيعٌ عَلِيمٌ}. والطائفتان حيان من الأنصار: بنو سلمة من الخزرج، وبنو حارثة من الأوس، وهما الجناحان. خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في ألف، وقيل: في تسعمائة وخمسين، والمشركون في ثلاثة آلاف ووعدهم الفتح إن صبروا، فانخزل عبد الله بن أبي بثلث الناس، وقال: يا قوم، علام نقتل أنفسنا وأولادنا؟ فتبعهم عمرو بن حزم الأنصاري فقال: أنشدكم الله في نبيكم وأنفسكم، فقال عبدالله: لو نعلم قتالا لاتبعناكم، فهمّ الحيان باتباع عبد الله فعصمهم الله فمضوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعن ابن عباس رضي الله عنه: أضمروا أن يرجعوا، فعزم الله لهم على الرشد فثبتوا. والظاهر أنها ما كانت إلا همة وحديث نفس، وكما لا تخلو النفس عند الشدة من بعض الهلع، ثم يردها صاحبها إلى الثبات والصبر ويوطنها على احتمال المكروه، كما قال عمرو بن الأطنابة:
أَقُولُ لَهَا إذَا جَشَأتْ وَجاشَتْ ** مَكَانَكِ تُحْمَدِي أوْ تَسْتَرِيحي

حتى قال معاوية: عليكم بحفظ الشعر، فقد كدت أضع رجلي في الركاب يوم صفين، فما ثبت مني إلا قول عمرو بن الأطنابة، ولو كانت عزيمة لما ثبتت معها الولاية، والله تعالى يقول: {والله وَلِيُّهُمَا} ويجوز أن يراد: والله ناصرهما ومتولي أمرهما، فما لهما تفشلان ولا تتوكلان على الله فإن قلت، فمامعنى ما روي من قول بعضهم عند نزول الآية: «والله ما يَسُرُّنا أنا لم نهم بالذي هممنا به وقد أخبرنا الله بأنه ولينا»؟ قلت: معنى ذلك فرط الاستبشار بما حصل لهم من الشرف بثناء الله وإنزاله فيهم آية ناطقة بصحة الولاية، وأن تلك الهمة غير المأخوذ بها لأنها لم تكن عن عزيمة وتصميم كانت سبباً لنزولهما. والفشل: الجبن والخور.
وقرأ عبد الله: {والله وليهم} كقوله {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ المؤمنين اقتتلوا} [الحجرات: 9].

.تفسير الآيات (123- 127):

{وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123) إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ (124) بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (126) لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ (127)}
أمرهم بألا يتوكلوا إلا عليه ولا يفوّضوا أمورهم إلا إليه ثم ذكرهم ما يوجب عليهم التوكل مما يسر لهم من الفتح يوم بدر وهم في حالة قلة وذلة. والأذلة: جمع قلة والذلان جمع الكثرة. وجاء بجمع القلة ليدل على أنهم على ذلتهم كانوا قليلاً، وذلتهم، ما كان بهم من ضعف الحال وقلة السلاح والمال والمركوب، وذلك أنهم خرجوا على النواضح يعتقب النفر منهم على البعير الواحد وما كان معهم إلا فرس واحد. وقلتهم أنهم كانوا ثلثمائة وبضعة عشر، وكان عدوّهم في حال كثرة زهاء ألف مقاتل ومعهم مائة فرس والشَّكَّة والشَّوْكة. وبدر: اسم ماء بين مكة والمدينة كان لرجل يسمى بدراً فسمي به {فاتقوا الله} في الثبات مع رسوله {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} بتقواكم ما أنعم به عليكم من نصرته. أو لعلكم ينعم الله عليكم نعمة أخرى تشكرونها، فوضع الشكر موضع الإنعام لأنه سبب له {إِذْ تَقُولُ} ظرف لنصركم، على أن يقول لهم ذلك يوم بدر، أو بدل ثان من {وإِذْ غَدَوْتَ} على أن يقوله لهم يوم أحد.
فإن قلت: كيف يصح أن يقول لهم يوم أحد ولم تنزل فيه الملائكة؟ قلت: قاله لهم مع اشتراط الصبر والتقوى (عليهم)، فلم يصبروا عن الغنائم ولم يتقوا، حيث خالفوا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلذلك لم تنزل الملائكة؛ ولو تموا على ما شرط عليهم لنزلت. وإنما قدم لهم الوعد بنزول الملائكة لتقوى قلوبهم ويعزموا على الثبات ويثقوا بنصر الله. ومعنى {أَلَنْ يَكْفِيكُمْ} إنكار أن لا يكفيهم الإمداد بثلاثة آلاف من الملائكة. وإنما جيء بلن الذي هو لتأكيد النفي، للإشعار بأنهم كانوا لقلتهم وضعفهم وكثرة عدوّهم وشوكته كالآيسين من النصر. و{بلى} إيجاب لما بعد لن، بمعنى: بل يكفيكم الإمداد بهم، فأوجب الكفاية ثم قال: {وإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ} يمددكم بأكثر من ذلك العدد مسوّمين للقتال {وَيَأْتُوكُمْ} يعني المشركين {مّن فَوْرِهِمْ هذا} من قولك: قفل من غزوته وخرج من فوره إلى غزوة أخرى، وجاء فلان ورجع من فوره. ومنه قول أبي حنيفة رحمه الله: الأمر على الفور لا على التراخي، وهو مصدر من: فارت القدر، إذا غلت، فاستعير للسرعة، ثم سميت به الحالة التي لا ريث فيها ولا تعريج على شيء من صاحبها؛ فقيل: خرج من فوره، كما تقول: خرج من ساعته، لم يلبث. والمعنى: أنهم إن يأتوكم من ساعتهم هذه {يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ} بالملائكة في حال إتيانهم لا يتأخر نزولهم عن إتيانهم، يريد: أنّ الله يعجل نصرتكم وييسر فتحكم إن صبرتم واتقيتم. وقرئ: {منزلين} بالتشديد. {ومنزلين} بكسر الزاي، بمعنى: منزلين النصر. و{مُسَوّمِينَ} بفتح الواو وكسرها. بمعنى: معلمين. ومعلمين أنفسهم أو خيلهم. قال الكلبي: معلمين بعمائم صفر مرخاة على أكتافهم.
وعن الضحاك: معلمين بالصوف الأبيض في نواصي الدواب وأذنابها.
وعن مجاهد: مجزوزة أذناب خيلهم.
وعن قتادة: كانوا على خيل بلق.
وعن عروة بن الزبير: كانت عمامة الزبير يوم بدر صفراء، فنزلت الملائكة كذلك، وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لأصحابه: «تسوّموا فإنّ الملائكة قد تسوّمت». {وَمَا جَعَلَهُ الله} الهاء لأن يمدكم. أي: وما جعل الله إمدادكم بالملائكة إلا بشارة لكم بأنكم تنصرون {وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ} كما كانت السكينة لبني إسرائيل بشارة بالنصر وطمأنينة قلوبهم {وَمَا النصر إِلاَّ مِنْ عِندِ الله} لا من عند المقاتلة إذا تكاثروا، ولا من عند الملائكة والسكينة، ولكن ذلك مما يقوي به الله رجاء النصرة والطمع في الرحمة، ويربط به على قلوب المجاهدين {العزيز} الذي لا يغالب في حكمه {الحكيم} الذي يعطي النصر ويمنعه لما يرى من المصلحة {لِيَقْطَعَ طَرَفاً مّنَ الذين كَفَرُواْ} ليهلك طائفة منهم بالقتل والأسر، وهو ما كان يوم بدر من قتل سبعين وأسر سبعين من رؤساء قريش وصناديدهم {أَوْ يَكْبِتَهُمْ} أو يخزيهم ويغيظهم بالهزيمة {فَيَنقَلِبُواْ خَائِبِينَ} غير ظافرين بمبتغاهم. ونحوه {وَرَدَّ الله الذين كَفَرُواْ بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُواْ خَيْراً} [الأحزاب: 25] ويقال: كبته، بمعنى كبده إذا ضرب كبده بالغيظ والحرقة.
وقيل في قول أبي الطيب:
لأَكْبِتَ حَاسِداً وَأرى عَدُوًّا

هومن الكبد والرئة، واللام المتعلقة بقوله: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ الله} أو بقوله: {وَمَا النصر إِلاَّ مِنْ عِندِ الله} {أَوْ يَتُوبَ} عطف على ما قبله.

.تفسير الآيات (128- 129):

{لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (128) وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (129)}
{أَوْ يَتُوبَ} عطف على ما قبله. و{لَيْسَ لَكَ مِنَ الامر شَيْء} اعتراض. والمعنى أنّ الله مالك أمرهم، فإما يهلكهم أو يهزمهم أو يتوب عليهم إن أسلموا، أو يعذبهم إن أصروا على الكفر، وليس لك من أمرهم شيء، إنما أنت عبد مبعوث لإنذارهم ومجاهدتهم. وقيل: إنّ {يَتُوبَ} منصوب بإضمار (إن) و {وأن يتوب} في حكم اسم معطوف بأو على الأمر أو على شيء، أي ليس لك من أمرهم شيء، أو من التوبة عليهم، أو من تعذيبهم. أو ليس لك من أمرهم شيء، أو التوبة عليهم، أو تعذيبهم، وقيل (أو) بمعنى (إلا أن) كقولك: لألزمنك أو تعطيني حقي، على معنى ليس لك من أمرهم شيء إلا أن يتوب الله عليهم فتفرح بحالهم، أو يعذبهم فتتشفى منهم. وقيل: شجه عتبة ابن أبي وقاص يوم أحد وكسر رباعيته، فجعل يمسح الدم عن وجهه، وسالم مولى أبي حذيفة يغسل عن وجهه الدم، وهو يقول: كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم بالدم وهو يدعوهم إلى ربهم، فنزلت. وقيل: أراد أن يدعو الله عليهم فنهاه الله تعالى، لعلمه أن فيهم من يؤمن.
وعن الحسن {يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء} بالتوبة، ولا يشاء أن يغفر إلا للتائبين {وَيُعَذّبُ مَن يَشَاءُ} ولا يشاء أن يعذب إلا المستوجبين للعذاب.
وعن عطاء: يغفر لمن يتوب إليه ويعذب من لقيه ظالماً. وأتباعه قوله {أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالمون} تفسير بين لمن يشاء، وأنهم المتوب عليهم، أو الظالمون، ولكن أهل الأهواء والبدع يتصامُّون ويتعامون عن آيات الله فيخبطون خبط عشواء، ويطيبون أنفسهم بما يفترون على ابن عباس من قولهم: يهب الذنب الكبير لمن يشاء، ويعذب من يشاء على الذنب الصغير.

.تفسير الآيات (130- 132):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130) وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (131) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (132)}
{لاَ تَأْكُلُواْ الربا أضعافا مضاعفة} نهي عن الربا مع توبيخ بما كانوا عليه من تضعيفه. كان الرجل منهم إذا بلغ الدين محله زاد في الأجل فاستغرق بالشيء الطفيف مال المديون {واتقوا النار التى أُعِدَّتْ للكافرين (131)} كان أبو حنيفة رحمه الله يقول: هي أخوف آية في القرآن حيث أوعد الله المؤمنين بالنار المعدة للكافرين إن لم يتقوه في اجتناب محارمه. وقد أمدّ ذلك بما أتبعه من تعليق رجاء المؤمنين برحمته بتوفرهم على طاعته وطاعة رسوله. ومن تأمّل هذه الآية وأمثالها لم يحدث نفسه بالأطماع الفارغة والتمني على الله تعالى، وفي ذكره تعالى (لعل) و (عسى) في نحو هذه المواضع وإن قال الناس ما قالوا ما لا يخفى على العارف الفطن من دقة مسلك التقوى، وصعوبة إصابة رضا الله، وعزة التوصل إلى رحمته وثوابه.