فصل: تفسير الآيات (17- 18):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل



.تفسير الآيات (17- 18):

{مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ (17) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (18)}
لما جاء بحقيقة صفتهم عقبها بضرب المثل زيادة في الكشف وتتميماً للبيان. ولضرب العرب الأمثال واستحضار العلماء المثل والنظائر شأن ليس بالخفي في إبراز خبيات المعاني، ورفع الأستار عن الحقائق، حتى تريك المتخيل في صورة المحقق، والمتوهم في معرض المتيقن، والغائب كأنه مشاهد. وفيه تبكيت للخصم الألد، وقمع لسورة الجامح الأبيّ، ولأمر مّا أكثر الله في كتابه المبين وفي سائر كتبه أمثاله، وفشت في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلام الأنبياء والحكماء. قال الله تعالى: {وَتِلْكَ الامثال نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ العالمون} [العنكبوت: 43] ومن سور الإنجيل سورة الأمثال. والمثل في أصل كلامهم: بمعنى المثل، وهو النظير. يقال: مثل ومثل ومثيل، كشبه وشبه وشبيه. ثم قيل للقول السائر الممثل مضربه بمورده: مثل. ولم يضربوا مثلاً، ولا رأوه أهلا للتسيير، ولا جديراً بالتداول والقبول، إلا قولاً فيه غرابة من بعض الوجوه. ومن ثمّ حوفظ عليه وحمى من التغيير.
فإن قلت: ما معنى مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً، وما مثل المنافقين ومثل الذي استوقد ناراً حتى شبه أحد المثلين بصاحبه؟ قلت: قد استعير المثل استعارة الأسد للمقدام، للحال أو الصفة أو القصة، إذا كان لها شأن وفيها غرابة، كأنه قيل: حالهم العجيبة الشأن كحال الذي استوقد ناراً. وكذلك قوله: {مَّثَلُ الجنة التى وُعِدَ المتقون} [الرعد: 35] أي وفيما قصصنا عليك من العجائب: قصة الجنة العجيبة. ثم أخذ في بيان عجائبها. {وَلِلَّهِ المثل الاعلى} [النحل: 60]: أي الوصف الذي له شأن من العظمة والجلالة. {مَثَلُهُمْ فِي التوراة} [الفتح: 29] أي صفتهم وشأنهم المتعجب منه. ولما في المثل من معنى الغرابة قالوا: فلان مثلة في الخير والشر، فاشتقوا منه صفة للعجيب الشأن.
فإن قلت: كيف مثلت الجماعة بالواحد؟ قلت: وضع الذي موضع الذين، كقوله: {وَخُضْتُمْ كالذي خَاضُواْ} [التوبة: 69] والذي سوّغ وضع الذي موضع الذين، ولم يجز وضع القائم موضع القائمين ولا نحوه من الصفات أمران: أحدهما: أنّ {الذي} لكونه وصلة إلى وصف كل معرفة بجملة، وتكاثر وقوعه في كلامهم، ولكونه مستطالاً بصلته، حقيق بالتخفيف، ولذلك نهكوه بالحذف فحذفوا ياءه ثم كسرته ثم اقتصروا به على اللام وحدها في أسماء الفاعلين والمفعولين.
والثاني: أن جمعه ليس بمنزلة جمع غيره بالواو والنون. وإنما ذاك علامة لزيادة الدلالة. ألا ترى أن سائر الموصولات لفظ الجمع، والواحد فيهن واحد. أو قصد جنس المستوقدين. أو أريد الجمع أو الفوج الذي استوقد ناراً. على أنّ المنافقين وذواتهم لم يشبهوا بذات المستوقد حتى يلزم منه تشبيه الجماعة بالواحد؛ إنما شبهت قصتهم بقصة المستوقد. ونحوه قوله: {مَثَلُ الذين حُمّلُواْ التوراة ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الحمار يَحْمِلُ أَسْفَاراً} [الجمعة: 5]، وقوله: {يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ المغشى عَلَيْهِ مِنَ الموت} [محمد: 20]. ووقود النار: سطوعها وارتفاع لهبها. ومن أخواته: وقل في الجبل إذا صعد وعلا، والنار: جوهر لطيف مضيء حارّ محرق. والنور: ضوءها وضوء كل نير، وهو نقيض الظلمة. واشتقاقها من نار ينور إذا نفر؛ لأنّ فيها حركة واضطراباً، والنور مشتق منها. والإضاءة: فرط الإنارة. ومصداق ذلك قوله: {هُوَ الذى جَعَلَ الشمس ضِيَاء والقمر نُوراً} [يونس: 5]، وهي في الآية متعدية. ويحتمل أن تكون غير متعدية مسندة إلى ما حوله. والتأنيث للحمل على المعنى؛ لأنّ ما حول المستوقد أماكن وأشياء. ويعضده قراءة ابن أبي عبلة {ضاءت}. وفيه وجه آخر، وهو أن يستتر في الفعل ضمير النار. ويجعل إشراق ضوء النار حوله بمنزلة إشراق النار نفسها، على أنّ ما مزيدة أو موصولة في معنى الأمكنة. و{حَوْلَهُ} نصب على الظرف وتأليفه للدوران والإطافة.
وقيل للعام: حول؛ لأنه يدور.
فإن قلت: أين جواب لما؟ قلت: فيه وجهان: أحدهما أن جوابه {ذَهَبَ الله بِنُورِهِمْ}.
والثاني: أنه محذوف كما حذف في قوله: {فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ} [يوسف: 15]. وإنما جاز حذفه لاستطالة الكلام مع أمن الإلباس للدالّ عليه، وكان الحذف أولى من الإثبات لما فيه من الوجازة، مع الإعراب عن الصفة التي حصل عليها المستوقد بما هو أبلغ من اللفظ في أداء المعنى، كأنه قيل: فلما أضاءت ما حوله خمدت فبقوا خابطين في ظلام، متحيرين متحسرين على فوت الضوء، خائبين بعد الكدح في إحياء النار.
فإن قلت: فإذا قدّر الجواب محذوفاً فبم يتعلق {ذَهَبَ الله بِنُورِهِمْ}؟ قلت: يكون كلاماً مستأنفاً. كأنهم لما شبهت حالهم بحال المستوقد الذي طفئت ناره، اعترض سائل فقال: ما بالهم قد أشبهت حالهم حال هذا المستوقد؟ فقيل له: ذهب الله بنورهم. أو يكون بدلاً من جملة التمثيل على سبيل البيان.
فإن قلت: قد رجع الضمير في هذا الوجه إلى المنافقين فما مرجعه في الوجه الثاني؟ قلت: مرجعه الذي استوقد؛ لأنه في معنى الجمع. وأما جمع هذا الضمير وتوحيده في {حَوْلَهُ}، فللحمل على اللفظ تارة، وعلى المعنى أخرى.
فإن قلت: فما معنى إسناد الفعل إلى الله تعالى في قوله: {ذَهَبَ الله بِنُورِهِمْ}؟ قلت: إذا طفئت النار بسبب سماوي ريح أو مطر، فقد أطفأها الله تعالى وذهب بنور المستوقد. ووجه آخر، وهو أن يكون المستوقد في هذا الوجه مستوقد نار لا يرضاها الله. ثم إما أن تكون ناراً مجازية كنار الفتنة والعداوة للإسلام، وتلك النار متقاصرة مدّة اشتعالها قليلة البقاء. ألا ترى إلى قوله: {كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَاراً لّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا الله} [المائدة: 64]، وإما ناراً حقيقية أوقدها الغواة ليتوصلوا بالاستضاءة بها إلى بعض المعاصي، ويتهدوا بها في طرق العبث، فأطفأها الله وخيب أمانيهم.
فإن قلت: كيف صح في النار المجازية أن توصف بإضاءة ما حول المستوقد؟ قلت: هو خارج على طريقة المجاز المرشح فأحسن تدبره.
فإن قلت: هلا قيل ذهب الله بضوئهم؟ لقوله: {فَلَمَّا أَضَاءتْ}؟ قلت: ذكر النور أبلغ؛ لأنّ الضوء فيه دلالة على الزيادة. فلو قيل: ذهب الله بضوئهم، لأوهم الذهاب بالزيادة وبقاء ما يسمى نوراً، والغرض إزالة النور عنهم رأساً وطمسه أصلاً. ألا ترى كيف ذكر عقيبه {وَتَرَكَهُمْ فِي ظلمات} والظلمة عبارة عن عدم النور وانطماسه، وكيف جمعها، وكيف نكرها، وكيف أتبعها ما يدل على أنها ظلمة مبهمة لا يتراءى فيها شبحان وهو قوله: {لاَّ يُبْصِرُونَ}.
فإن قلت: فلم وصفت بالإضاءة؟ قلت: هذا على مذهب قولهم: للباطل صولة ثم يضمحل. ولريح الضلالة عصفة ثم تخفت، ونار العرفج مثل لنزوة كل طماح. والفرق بين أذهبه وذهب به، أن معنى أذهبه: أزاله وجعله ذاهباً. ويقال: ذهب به إذا استصحبه ومضى به معه. وذهبت السلطان بماله: أخذه (فلما ذهبوا به)، {إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إله بِمَا خَلَقَ} [المؤمنون: 91]. ومنه: ذهب به الخيلاء. والمعنى: أخذ الله نورهم وأمسكه، {وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ} [فاطر: 2] فهو أبلغ من الإذهاب.
وقرأ اليماني: أذهب الله نورهم. وترك: بمعنى طرح وخلى، إذا علق بواحد، كقولهم: تركه ترك ظبي ظله. فإذا علق بشيئين كان مضمناً معنى صير، فيجري مجرى أفعال القلوب كقول عنترة:
فَتَرَكْتُهُ جَزَرَ السِّبَاعِ يَنُشْنَهُ

ومنه قوله: {وَتَرَكَهُمْ فِي ظلمات} أصله: هم في ظلمات، ثم دخل ترك فنصب الجزأين. والظلمة عدم النور. وقيل: عرض ينافي النور. واشتقاقها من قولهم: ما ظلمك أن تفعل كذا: أي ما منعك وشغلك، لأنها تسدّ البصر وتمنع الرؤية.
وقرأ الحسن {ظلمات} بسكون اللام وقرأ اليماني {في ظُلمة} على التوحيد. والمفعول الساقط من {لاَّ يُبْصِرُونَ} من قبيل المتروك المطرح الذي لا يلتفت إلى إخطاره بالبال، لا من قبيل المقدر المنوى، كأنّ الفعل غير متعدّ أصلاً، نحو {يَعْمَهُونَ} في قوله: {وَيَذَرُهُمْ فِي طغيانهم يَعْمَهُونَ} [الأعراف: 186].
فإن قلت: فيم شبهت حالهم بحال المستوقد؟ قلت: في أنهم غب الإضاءة خبطوا في ظلمة وتورّطوا في حيرة.
فإن قلت: وأين الإضاءة في حال المنافق؟ وهل هو أبداً إلا حائر خابط في ظلماء الكفر؟ قلت: المراد ما استضاءوا به قليلاً من الانتفاع بالكلمة المجراة على ألسنتهم، ووراء استضاءتهم بنور هذه الكلمة ظلمة النفاق التي ترمي بهم إلى ظلمة سخط الله وظلمة العقاب السرمد. ويجوز أن يشبه بذهاب الله بنور المستوقد اطلاع الله على أسرارهم وما افتضحوا به بين المؤمنين واتسموا به من سمة النفاق. والأوجه أن يراد الطبع، لقوله: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْىٌ}. وفي الآية تفسير آخر: وهو أنهم لما وصفوا بأنهم اشتروا الضلالة بالهدى، عقب ذلك بهذا التمثيل ليمثل هداهم الذي باعوه بالنار المضيئة ما حول المستوقد، والضلالة التي اشتروها وطبع بها على قلوبهم بذهاب الله بنورهم وتركه إياهم في الظلمات.
وتنكير النار للتعظيم. كانت حواسهم سليمة ولكن لما سدّوا عن الإصاخة إلى الحق مسامعهم، وأبوا أن ينطقوا به ألسنتهم، وأن ينظروا ويتبصروا بعيونهم جعلوا كأنما أيفت مشاعرهم وانتقضت بناها التي بنيت عليها للإحساس والإدراك كقوله:
صُم إذا سَمِعُوا خَيْراً ذُكِرْتُ بِه ** وإنْ ذُكِرْتُ بُسوءٍ عِنْدَهُمْ أَذِنُوا

أَصَمُّ عَمَّا سَاءَهُ سَمِيعُ

أَصَمُّ عَنِ الشَّيْءِ الَّذِي لا أرِيدُهُ ** واسمع خلق الله حين أريد

فأصَممت عمراً وأعميته ** عَنِ الجُودِ والفَخْرِ يَوْمَ الفَخَار

فإن قلت: كيف طريقته عند علماء البيان؟ قلت: طريقة قولهم (هم ليوث) للشجعان، وبحور للأسخياء. إلا أنّ هذا في الصفات، وذاك في الأسماء، وقد جاءت الاستعارة في الأسماء والصفات والأفعال جميعاً. تقول: رأيت ليوثاً، ولقيت صماً عن الخير، ودجا الإسلام. وأضاء الحق.
فإن قلت: هل يسمى ما في الآية استعارة؟ قلت: مختلف فيه. والمحققون على تسميته تشبيهاً بليغاً لا استعارة؛ لأنّ المستعار له مذكور وهم المنافقون. والاستعارة إنما تطلق حيث يطوى ذكر المستعار له، ويجعل الكلام خلواً عنه صالحاً لأن يراد به المنقول عنه والمنقول إليه، لولا دلالة الحال أو فحوى الكلام، كقول زهير:
لَدَى أَسَدٍ شَاكِي السِّلاَحِ مُقَذَّفٍ ** لَهُ لِبَدٌ أَظْفَارُهُ لَمْ تُقَلَّمِ

ومن ثم ترى المفلقين السحرة منهم كأنهم يتناسون التشبيه ويضربون عن توهمه صفحاً. قال أبو تمام:
ويُصْعِدُ حتَّي يَظُنَّ الجَهُولُ ** بأَنَّ لهُ حَاجَةً في السَّمَاءْ

وبعضهم:
لا تَحْسَبُوا أَنَّ في سِرْبَالِهِ رَجُلاً ** ففِيهِ غَيْثٌ وَلَيْثٌ مُسْبِلٌ مُشْبِل

وليس لقائل أن يقول: طوى ذكرهم عن الجملة بحذف المبتدأ فأتسلق بذلك إلى تسميته استعارة لأنه في حكم المنطوق به، نظيره قول من يخاطب الحجاج:
أَسَدٌ عَلَيَّ وفي الحُرُوبِ نَعَامَةٌ ** فَتْخاءُ تَنْفُرُ مِنْ صَفِيرِ الصَّافِرِ

ومعنى {لاَ يَرْجِعُونَ} أنهم لا يعودون إلى الهدى بعد أن باعوه، أو عن الضلالة بعد أن اشتروها، تسجيلاً عليهم بالطبع، أو أراد أنهم بمنزلة المتحيرين الذين بقوا جامدين في مكانهم لا يبرحون، ولا يدرون أيتقدّمون أم يتأخرون؟ وكيف يرجعون إلى حيث ابتدءوا منه؟

.تفسير الآيات (19- 20):

{أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ (19) يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20)}
ثم ثنى الله سبحانه في شأنهم بتمثيل آخر ليكون كشفاً لحالهم بعد كشف، وإيضاحاً غب إيضاح. وكما يجب على البليغ في مظانّ الإجمال والإيجاز أن يجمل ويوجز؛ فكذلك الواجب عليه في موارد التفصيل والإشباع أن يفصل ويشبع. أنشد الجاحظ:
يوحُونَ بالخُطَبِ الطِّوَالِ وتَارَةً ** وَحْيَ المُلاَحِظِ خِيفةَ الرُُّقَباء

ومما ثنى من التمثيل في التنزيل قوله: {وما يستوي الأعمى والبصير ولا الظلمات ولا النور ولا الظل ولا الحرور، وما يستوي الأحياء ولا الأموات} [فاطر: 21] وألا ترى إلى ذي الرمّة كيف صنع في قصيدته؟
أَذَاكَ أَمْ نَمَشٌ بالْوَشْيِ أَكْرَعُه

أَذَاكَ أَمْ خَاضِبٌ بالسَّيِّ مَرْتَعُهُُ

فإن قلت: قد شبه المنافق في التمثيل الأوّل بالمستوقد ناراً، وإظهاره الإيمان بالإضاءة، وانقطاع انتفاعه بانطفاء النار، فما ذا شبه في التمثيل الثاني بالصيب وبالظلمات وبالرعد وبالبرق وبالصواعق؟ قلت: لقائل أن يقول: شبه دين الإسلام بالصيب، لأنّ القلوب تحيا به حياة الأرض بالمطر. وما يتعلق به من شبه الكفار بالظلمات. وما فيه من الوعد والوعيد بالرعد والبرق. وما يصيب الكفرة من الأفزاع والبلايا والفتن من جهة أهل الإسلام بالصواعق. والمعنى: أو كمثل ذوي صيب. والمراد كمثل قوم أخذتهم السماء على هذه الصفة فلقوا منها ما لقوا.
فإن قلت: هذا تشبيه أشياء بأشياء فأين ذكر المشبهات؟ وهلا صرح به كما في قوله: {وَمَا يَسْتَوِي الأعمى والبصير والذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات وَلاَ المسيء} [غافر: 58]، وفي قول امرئ القيس:
كأنَّ قُلُوبَ الطَّيْرِ رَطْباً ويابِساً ** لَدَى وَكْرِها العُنَّابُ والحَشَفُ البَالِي؟

قلت: كما جاء ذلك صريحاً فقد جاء مطوياً ذكره على سنن الاستعارة، كقوله تعالى: {وَمَا يَسْتَوِى البحران هذا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وهذا مِلْحٌ أُجَاجٌ} [فاطر: 12]، {ضَرَبَ الله مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَاء متشاكسون وَرَجُلاً سَلَماً لّرَجُلٍ} [الزمر: 39]، والصحيح الذي عليه علماء البيان لا يتخطونه: أنّ التمثيلين جميعاً من جملة التمثيلات المركبة دون المفرّقة، لا يتكلف الواحد واحد شيء يقدر شبهه به، وهو القول الفحل والمذهب الجزل، بيانه: أنّ العرب تأخذ أشياء فرادى، معزولاً بعضها من بعض، لم يأخذ هذا بحجزة ذاك فتشبهها بنظائرها، كما فعل امرؤ القيس وجاء في القرآن، وتشبه كيفية حاصلة من مجموع أشياء قد تضامّت وتلاصقت حتى عادت شيئاً واحداً، بأخرى مثلها كقوله تعالى: {مَثَلُ الذين حُمّلُواْ التوراة} [الجمعة: 5] الآية. الغرض تشبيه حال اليهود في جهلها بما معها من التوراة وآياتها الباهرة، بحال الحمار في جهله بما يحمل من أسفار الحكمة، وتساوي الحالتين عنده من حمل أسفار الحكمة وحمل ما سواها من الأوقار، لا يشعر من ذلك إلا بما يمرّ بدفيه من الكدّ والتعب. وكقوله: {واضرب لَهُم مَّثَلَ الحياة الدنيا كَمَاء أنزلناه مِنَ السماء} [الكهف: 45] المراد قلة بقاء زهرة الدنيا كقلة بقاء الخضر. فأما أن يراد تشبيه الأفراد بالأفراد غير منوط بعضها ببعض ومصيرة شيئاً واحداً، فلا. فكذلك لما وصف وقوع المنافقين في ضلالتهم وما خبطوا فيه من الحيرة والدهشة شبهت حيرتهم وشدّة الأمر عليهم بما يكابد من طفئت ناره بعد إيقادها في ظلمة الليل، وكذلك من أخذته السماء في الليلة المظلمة مع رعد وبرق وخوف من الصواعق.
فإن قلت: الذي كنت تقدّره في المفرّق من التشبيه من حذف المضاف وهو قولك: (أو كمثل ذوي صيب) هل تقدّر مثله في المركب منه؟ قلت: لولا طلب الراجع في قوله تعالى: {يَجْعَلُونَ أصابعهم فِي ءاذَانِهِم} ما يرجع إليه لكنت مستغنياً عن تقديره؛ لأني أراعي الكيفية المنتزعة من مجموع الكلام فلا عليّ أوَلِيَ حرف التشبيه مفرد يتأتى التشبيه به أم لم يله. ألا ترى إلى قوله: {إِنَّمَا مَثَلُ الحياة الدنيا} [يس: 24] الآية، كيف ولي الماء الكاف، وليس الغرض تشبيه الدنيا بالماء ولا بمفرد آخر يتمحل لتقديره. ومما هو بين في هذا قول لبيد:
وما النَّاسُ إلاّ كالدِّيَارِ وأَهْلُهَا ** بِهَا يَوْمَ حَلُّوهَا وغَدْواً بَلاَقِعُ

لم يشبه الناس بالديار، وإنما شبه وجودهم في الدنيا وسرعة زوالهم وفنائهم، بحلول أهل الديار فيها ووشك نهوضهم عنها، وتركها خلاء خاوية.
فإن قلت: أي التمثيلين أبلغ؟ قلت: الثاني، لأنه أدل على فرط الحيرة وشدّة الأمر وفظاعته، ولذلك أُخر، وهم يتدرجون في نحو هذا من الأهون إلى الأغلظ.
فإن قلت: لم عطف أحد التمثيلين على الآخر بحرف الشك؟ قلت: أو في أصلها لتساوي شيئين فصاعداً في الشك، ثم اتسع فيها فاستعيرت للتساوي في غير الشك، وذلك قولك: جالس الحسن أو ابن سيرين، تريد أنهما سيان في استصواب أن يجالسا، ومنه قوله تعالى: {وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ ءاثِماً أَوْ كَفُوراً} [الإنسان: 24]، أي الآثم والكفور متساويان في وجوب عصيانهما، فكذلك قوله: {أَوْ كَصَيّبٍ} معناه أن كيفية قصة المنافقين مشبهة لكيفيتي هاتين القصتين، وأن القصتين سواء في استقلال كل واحدة منهما بوجه التمثيل، فبأيتهما مثلتها فأنت مصيب، وإن مثلتها بهما جميعاً فكذلك. والصيب: المطر الذي يصوّب، أي ينزل ويقع. ويقال للسحاب: صيب أيضاً. قال الشماخ:
وأَسْحَمَ دَانٍ صَادِقِ الرَّعْدِ صَيِّبِ

وتنكير صيب لأنه أريد نوع من المطر شديد هائل. كما نكرت النار في التمثيل الأول. وقرئ: كصائب، والصيب أبلغ. والسماء: هذه المظلة.
وعن الحسن: أنها موج مكفوف.
فإن قلت: قوله: {مّنَ السماء} ما الفائدة في ذكره؟ والصيب لا يكون إلا من السماء.
قلت: الفائدة فيه أنه جاء بالسماء معرفة فنفى أن يتصوّب من سماء، أي من أفق واحد من بين سائر الآفاق، لأنّ كل أفق من آفاقها سماء، كما أن كل طبقة من الطباق سماء في قوله: {وأوحى فِي كُلّ سَمَاء أَمْرَهَا} [فصلت: 12]. الدليل عليه قوله:
ومِنْ بُعْدِ أَرْضٍ بَيْنَنا وسَمَاءِ

والمعنى أنه غمام مطبق آخذ بآفاق السماء، كما جاء بصيب. وفيه مبالغات من جهة التركيب والبناء والتنكير. أمد ذلك بأن جعله مطلقاً. وفيه أن السحاب من السماء ينحدر ومنها يأخذ ماءه، لا كزعم من يزعم أنه يأخذه من البحر. ويؤيده قوله تعالى: {وَيُنَزّلُ مِنَ السماء مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ} [النور: 43] فإن قلت: بم ارتفع ظلمات؟ قلت: بالظرف على الاتفاق لاعتماده على موصوف. والرعد: الصوت الذي يسمع من السحاب، كأن أجرام السحاب تضطرب وتنتفض إذا حدتها الريح فتصوّت عند ذلك من الارتعاد. والبرق الذي يلمع من السحاب، من برق الشيء بريقاً إذا لمع.
فإن قلت: قد جعل الصيب مكاناً للظلمات فلا يخلو من أن يراد به السحاب أو المطر، فأيهما أريد فما ظلماته؟ قلت: أما ظلمات السحاب فإذا كان أسحم مطبقاً فظلمتا سجمته وتطبيقه مضمومة إليهما ظلمة الليل. وأما ظلمات المطر فظلمة تكاثفه وانتساجه بتتابع القطر، وظلمة إظلال غمامه مع ظلمة الليل.
فإن قلت: كيف يكون المطر مكاناً للبرق والرعد وإنما مكانهما السحاب؟ قلت إذا كانا في أعلاه ومصبه وملتبسين في الجملة فهما فيه. ألا تراك تقول: فلان في البلد، وما هو منه إلا في حيز يشغله جرمه.
فإن قلت: هلا جمع الرعد والبرق أخذاً بالأبلغ كقول البحتري:
يَا عَارِضاً مُتَلفِّعاً بُبُرودِهِ ** يَخْتَالُ بَيْنَ بُرُوقِهِ ورُعُودِهِ

وكما قيل ظلمات؟ قلت: فيه وجهان: أحدهما أن يراد العينان، ولكنهما لما كانا مصدرين في الأصل يقال: رعدت السماء رعداً وبرقت برقاً، روعى حكم أصلهما بأن ترك جمعهما وإن أريد معنى الجمع.
والثاني: أن يراد الحدثان كأنه قيل: وإرعاد وإبراق. وإنما جاءت هذه الأشياء منكرات، لأن المراد أنواع منها، كأنه قيل: فيه ظلمات داجية، ورعد قاصف، وبرق خاطب. وجاز رجوع الضمير في يجعلون إلى أصحاب الصيب مع كونه محذوفاً قائماً مقامه الصيب، كما قال: {أَوْ هُمْ قَائِلُونَ} [الأعراف: 4]. لأن المحذوف باق معناه وإن سقط لفظه. ألا ترى إلى حسان كيف عوّل على بقاء معناه في قوله:
يُسْقَوْنَ مِنْ وِرْدِ البريص عليْهِمُ ** بَرَدَى يُصَفِّقُ بالرَّحِيقِ السَّلْسَلِ

حيث ذكر يصفق؛ لأن المعنى؛ ماء بردى، ولا محل لقوله: {يَجْعَلُونَ} لكونه مستأنفاً، لأنه لما ذكر الرعد والبرق على ما يؤذن بالشدّة والهول، فكأن قائلاً قال: فكيف حالهم مع مثل ذلك الرعد؟ فقيل: {يَجْعَلُونَ أصابعهم فِي ءاذَانِهِم} ثم قال: فكيف حالهم مع مثل ذلك البرق؟ فقيل: يكاد البرق يخطف أبصارهم.
فإن قلت: مرأَيس الأصبع هو الذي يجعل في الأذن فهلا قيل أناملهم؟ قلت: هذا من الاتساعات في اللغة التي لا يكاد الحاصر يحصرها، كقوله:
{فاغسلوا وُجُوهَكُمْ وَأَيَّدِيَكُم} [المائدة: 6]، {فاقطعوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 6] أراد البعض الذي هو إلى المرفق والذي إلى الرسغ. وأيضاً ففي ذكر الأصابع من المبالغة ما ليس في ذكر الأنامل.
فإن قلت: فالأصبع التي تسدّ بها الأذن أصبع خاصة، فلم ذكر الاسم العام دون الخاص؟ قلت: لأن السبابة فعالة من السب فكان اجتنابها أولى بآداب القرآن. ألا ترى أنهم قد استبشعوها فكنوا عنها بالمسبحة والسباحة والمهللة والدّعاءة.
فإن قلت: فهلا ذكر بعض هذه الكنايات؟ قلت: هي ألفاظ مستحدثة لم يتعارفها الناس في ذلك العهد، وإنما أحدثوها بعد. وقوله: {مّنَ الصواعق} متعلق بيجعلون، أي: من أجل الصواعق يجعلون أصابعهم في آذانهم، كقولك: سقاه من العيمة. والصاعقة: قصفة رعد تنقض معها شقة من نار، قالوا: تنقدح من السحاب إذا اصطكت أجرامه، وهي نار لطيفة حديدة. لا تمرّ بشيء إلا أتت عليه، إلا أنها مع حدتها سريعة الخمود. يحكى أنها سقطت على نخلة فأحرقت نحو النصف ثم طفئت. ويقال: صعقته الصاعقة إذا أهلكته، فصعق؛ أي مات إما بشدة الصوت أو بالإحراق. ومنه قوله تعالى: {وَخَرَّ موسى صَعِقًا} [الأعراف: 143].
وقرأ الحسن: {من الصواقع}؛ وليس بقلب للصواعق، لأنّ كلا البنائين سواء في التصرف، وإذا استويا كان كل واحد بناء على حياله. ألا تراك تقول: صقعه على رأسه، وصقع الديك، وخطيب مصقع: مجهر بخطبته. ونظيره (جبذ) في (جذب) ليس بقلبه لاستوائهما في التصرف. وبناؤها إما أن يكون صفة لقصفة الرعد، أو للرعد، والتاء مبالغة كما في الراوية، أو مصدراً كالكاذبة والعافية.
وقرأ ابن أبي ليلى: حذار الموت، وانتصب على أنه مفعول له كقوله:
وأَغْفِرُ عَوْرَاءَ الكَرِيمِ ادِّخَارَهُ

والموت فساد بنية الحيوان. وقيل: عرض لا يصح معه إحساس معاقب للحياة. وإحاطة الله بالكافرين مجاز. والمعنى أنهم لا يفوتونه كما لا يفوت المحاط به المحيط به حقيقة. وهذه الجملة اعتراض لا محل لها. والخطف: الأخذ بسرعة.
وقرأ مجاهد {يخطف} بكسر الطاء، والفتح أفصح وأعلى، وعن ابن مسعود: يختطف.
وعن الحسن: يخطف، بفتح الياء والخاء، وأصله يختطف. وعنه: يخطف، بكسرهما على إتباع الياء الخاء.
وعن زيد بن علي: يخطف، من خطف.
وعن أبيّ: {يتخطف}، من قوله: {وتخطفُ الناس مِنْ حَوْلِهِمْ} [العنكبوت: 67]. {كُلَّمَا أَضآءَ لَهُم} استئناف ثالث كأنه جواب لمن يقول: كيف يصنعون في تارتي خفوق البرق وخفيته؟ وهذا تمثيل لشدة الأمر على المنافقين بشدته على أصحاب الصيب وما هم فيه من غاية التحير والجهل بما يأتون وما يذرون، إذا صادفوا من البرق خفقة، مع خوف أن يخطف أبصارهم، انتهزوا تلك الخفقة فرصة فخطوا خطوات يسيرة، فإذا خفى وفتر لمعانه بقوا واقفين متقيدين عن الحركة، ولو شاء الله لزاد في قصيف الرعد فأصمهم، أو في ضوء البرق فأعماهم. وأضاء: إما متعد بمعنى: كلما نوّر لهم ممشى ومسلكاً أخذوه والمفعول محذوف.
وإما غير متعد بمعنى: كلما لمع لهم {مَّشَوْاْ} في مطرح نوره وملقى ضوئه. ويعضده قراءة ابن أبي عبلة: كلما ضاء لهم والمشي: جنس الحركة المخصوصة. فإذا اشتد فهو سعي. فإذا ازداد فهو عدو.
فإن قلت: كيف قيل مع الإضاءة: كلما، ومع الإظلام: إذا؟ قلت: لأنهم حراص على وجود ما همهم به معقود من إمكان المشي وتأتيه، فكلما صادفوا منه فرصة انتهزوها، وليس كذلك التوقف والتحبس. وأظلم: يحتمل أن يكون غير متعد وهو الظاهر، وأن يكون متعدياً منقولاً من ظلم الليل. وتشهد له قراءة يزيد بن قطيب: أظلم، على ما لم يسم فاعله. وجاء في شعر حبيب بن أوس:
هُمَا أَظْلَمَا حالَيَّ ثُمَّتَ أَجْلَيَا ** ظَلاَمَيْهُما عنْ وَجْهِ أَمْرَدَ أشْيَبِ

وهو وإن كان محدثاً لا يستشهد بشعره في اللغة، فهو من علماء العربية، فاجعل ما يقوله بمنزلة ما يرويه. ألا ترى إلى قول العلماء: الدليل عليه بيت الحماسة، فيقتنعون بذلك لوثوقهم بروايته وإتقانه. ومعنى {قَامُواْ} وقفوا وثبتوا في مكانهم. ومنه: قامت السوق، إذا ركدت وقام الماء: جمد. ومفعول {شَآءَ} محذوف، لأن الجواب يدل عليه، والمعنى: ولو شاء الله أن يذهب بسمعهم وأبصارهم لذهب بها، ولقد تكاثر هذا الحذف في (شاء) و (أراد) لا يكادون يبرزون المفعول إلا في الشيء المستغرب كنحو قوله:
فَلَوْ شِئْتُ أَنْ أَبْكِي دَماً لَبَكَيْتُهُ

وقوله تعالى: {لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْواً لاتخذناه مِن لَّدُنَّا} [الأنبياء: 17] {لَّوْ أَرَادَ الله أَن يَتَّخِذَ وَلَداً} [الزمر: 4]. وأراد: ولو شاء الله لذهب بسمعهم بقصيف الرعد، وأبصارهم بوميض البرق.
وقرأ ابن أبي عبلة: لأذهب بأسماعهم، بزيادة الباء كقوله: {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ} [البقرة: 195]. والشيء: ما صح أن يعلم ويخبر عنه. قال سيبويه في ساقة الباب المترجم بباب مجاري أواخر الكلم من العربية: وإنما يخرج التأنيث من التذكير. ألا ترى أن الشيء يقع على كل ما أخبر عنه من قبل أن يعلم أذكر هو أم أنثى؟، والشيء: مذكر، وهو أعم العام: كما أن الله أخص الخاص يجري على الجسم والعرض والقديم. تقول: شيء لا كالأشياء؛ أي معلوم لا كسائر المعلومات، وعلى المعدوم والمحال فإن قلت: كيف قيل: {على كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ} وفي الأشياء ما لا تعلق به للقادر كالمستحيل وفعل قادر آخر؟ قلت: مشروط في حد القادر أن لا يكون الفعل مستحيلاً؛ فالمستحيل مستثنى في نفسه عند ذكر القادر على الأشياء كلها، فكأنه قيل: على كل شيء مستقيم قدير. ونظيره: فلان أمير على الناس أي على من وراءه منهم، ولم يدخل فيهم نفسه وإن كان من جملة الناس. وأما الفعل بين قادرين فمختلف فيه.
فإن قلت: ممّ اشتقاق القدير؟ قلت: من التقدير، لأنه يوقع فعله على مقدار قوّته واستطاعته وما يتميز به عن العاجز.