فصل: باب من مسائل اللام نختم به الكتاب

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: اللامات في اللغة ***


باب لام إيضاح المفعول من أجله

هذه اللام تجيء مبينة علة إيقاع الفعل وذلك قولك إنما أكرمت زيدا لعمرو أي من أجل عمرو وإنما بررت أخاك لك أي من أجلك، وكذلك ما أشبه هو ربما دخلت على الفعل المستقبل فكانت بمنزلة لام كي في نصب ما بعدها لأنها متضارعان يجيئان مبينين علة إيقاع الفعل وبعض الناس يقول إذا دخلت على الفعل المستقبل فهي لام كي بعينها وإذا دخلت على الأسماء فهي التي تبين المفعول، والقول فيهما واحد، وقد شرحناه في باب لام كي ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ‏}‏ ‏[‏سورة الأنعام‏:‏ 71‏]‏ ‏:‏ ‏{‏وما أمروا إلا ليعبدوا الله‏}‏ ‏[‏سورة البينة‏:‏ 5‏]‏ ومنه قول الشاعر‏:‏

أريد لأنسى ذكرها فكأنما *** تمثل لي ليلى بكل سبيل

تقديره أريد وإرادتي لهذا أي لنسيان ذكرها قال أبو العباس المبرد تقول أمرتك أن تفعل وأمرتك أن تفعل بالجزم وأمرتك بأن تفعل وأمرتك لتفعل من قال‏:‏ أمرتك بأن تفعل كأنه قال‏:‏ أمرتك أن بالفعل ومن قال أمرتك أن تفعل فهو قبيح بالجزم لأنه وصل أن بفعل الأمر وكان سبيله أن ينقله إلى لفظ الأمر للغائب فيقول أمرتك أن افعل كما تقول أمرتك أن قم وكتبت إليك أن اخرج ومن قال أمرتك أن تفعل بالنصب فهو وجه جيد وإنما أراد أمرتك بأن تفعل فلما حذف الخافض تعدى الفعل فنصب كما، قال الشاعر‏:‏

أمرتك الخير فافعل ما أمرت به *** فقد تركتك ذا مال وذا نشب

ومن قال أمرتك لتفعل فقد أخبر بالعلة التي من أجلها أمر فهذه اللام تبين علة وقوع الفعل وهي لام كي مع الأفعال، ومن هذا الباب قوله عز وجل‏:‏ ‏{‏إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ‏}‏ ‏[‏سورة النحل‏:‏ 40‏]‏؛ لأن بعض العلماء يذهب إلى أن التقدير إنما قولنا من أجل شيء إذا أردناه لأن القول عنده غير واقع بالشيء لأن الشيء إن كان معدوما فخطابه غير جائز وإن كان موجودا فهو مستغن عن التكون بوجوده ولكنه تمثيل كأنه قال‏:‏ إذا أردنا شيئا قلنا من أجله كن فيكون وأكثر أهل النظر يذهب إلى أنه لا قول هناك وأنه تمثيل للفعل كأنه قال‏:‏ إذا أردنا تكوين شيء تكون ليدل على تيسير كون الأشياء عليه وهذا مشهور في اللغة معروف أن يكون القول صلة للفعل كقولك‏:‏ قلت بيدي فحركتها إنما تريد حركت يدي وقلت بمتاعي فرفعته، وقال الحائط فسقط وشبيه بهذا ما لا قول فيه على الحقيقة قول الشاعر‏:‏

امتلأ الحوض، وقال قطني *** سلا رويدا قد ملأت بطني

تقديره لو كان ممن يتأنى له القول لقال مثل هذا لما في حاله ومشاهدته من الدليل عليه كما قال‏:‏

يشكو إلي جملي طول السرى *** يا جملي ليس إلي المشتكى

ولا قول هناك ولا شكوى على الحقيقة وإنما يراد به ما تدل عليه مشاهدة الحال، وقد كشف هذا المعنى عنترة في وصف فرسه فقال‏:‏

فازور من وقع القنا بلبانه *** وشكا إلي بعبرة وتحمحمي

لوكان يدري ما المحاورة اشتكى *** ولكان لو علم الكلام مكلمي

باب اللام التي تعاقب حروفا وتعاقبها

اعلم أن العرب قد تبدل الحروف بعضها من بعض إذا تقاربت مخارجها ولا تكاد تبدل ما بعد مخرجه وذلك نحو قولهم‏:‏ سمد رأسه وسبده إذا استأصل أخذ شعره والأصل الباء والميم بدل منها وكما قالوا أرقت الماء وهرقته وإياك وهياك وإبرية وهبرية لحزاز الرأس والأصل الهمز في هذه الأحرف والهاء معاقبة لها وكما قالوا جدف وجدث للقبر وغير ذلك مما يكثر تعداده مما هو معروف عند أهل اللغة من القلب والإبدال، وكذلك أيضا فعلوا باللام وما قاربها من الحروف فقالوا هتنت السماء وهتلت ولعمري ورعملي فقدموا وأخروا، وقالوا بعير رفل ورفن إذا كان سابغ الذنب والأصل اللام والنون بدل منها قال‏:‏ عدييسمو إلى أوصال ذيال رفن أراد رفلا فقلب اللام نونا، وقالوا لضرب من الطيور الرهادن والرهادل واحدها رهدل ورهدن قال‏:‏ ابن السكيت هو شبيه بالقبر ويقال لما بقي من الماء في الحوض الغريل والغرين إلى نظائر لذلك كثيرة فأما قولهم أصيلال وأصيلان فكذلك أيضا إلا أن أصيلانا جمع جمع أصيل كأنه قيل أصيل وأصل وجمع أصل فقيل أصلان كما قيل في جمع كثب كثبان فأصلان جمع الجمع ثم صغر أصلان فقيل أصيلان ثم أبدلت اللام من النون فقيل أصيلال

باب اللام التي بمعنى إلى

وذلك في قول الله تعالى‏:‏ ‏{‏رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ‏}‏ ‏[‏سورة آل عمران‏:‏ 193‏]‏ قال‏:‏ بعضهم معناه ينادي إلى الإيمان، وقال بعضهم تقديره إننا سمعنا مناديا للإيمان ينادي فأما قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وقالواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا‏}‏ ‏[‏سورة الأعراف‏:‏ 43‏]‏ فلا خلاف فيه أن تقديره هدانا إلى هذا فهذه لام إلى وفي هدانا ثلاث لغات يقال هديته الطريق كما قال الله‏:‏ اهدنا الصراط المستقيم؛ وهديته إلى الطريق كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ‏}‏ ‏[‏سورة الشورى‏:‏ 52‏]‏؛ وهديته للطريق كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا‏}‏ ‏[‏سورة الأعراف‏:‏ 43‏]‏؛ و‏:‏ ‏{‏إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم‏}‏ ‏[‏سورة الإسراء‏:‏ 9‏]‏ أي إلى التي هي أقوم فأما قوله تعالى‏:‏ ‏{‏سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ‏}‏ ‏[‏سورة الأعراف‏:‏ 57‏]‏؛ فجائز أن تكون اللام لبيان المفعول من أجله فيكون المعنى سقناه من أجل بلد ميت وجائز أن تكون بمعنى إلى فيكون التقدير سقناه إلى بلد ميت‏.‏

باب لام الشرط

لام الشرط على ضربين تكون مع فعل الأمر معطوفا على فعل مثله فيكون الكلام بمعنى الجزاء وتكون داخلة على حرف الشرط فتستقبل بلام التوكيد لا بد من ذلك فالمثال الأول قول الله جل وعز‏:‏ اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم؛ فهذا شرط وجزاء والدليل على ذلك تكذيب الله تعالى إياهم بقوله وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء إنهم لكاذبون يريد أنهم إنما يغرونهم بهذا الشرط الذي شرطوا لهم والجزاء، فإن خطاياهم غير محمولة عنهم ولا موضوعة وظاهر هذا الكلام الأمر ومعناه الجزاء وتلخيصه باللام كما ذكرت لك؛ وأما قوله تعالى متصلا بهذا وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم؛ فتأويله والله أعلم ليحملن أثقال أنفسهم؛ يعني أوزار خطاياهم ردا على هؤلاء الذين شرطوا هذا الشرط الذي ذكرناه وأثقالا مع أثقالهم؛ يعني أوزارا مضافة إلى أوزار خطاياهم لأن من أغووهم فعليهم أوزار إغوائهم كما يروى أن من سن سنة خير فله أجرها وأجر العاملين بها من غير أن ينقص من أجورهم شيء، وكذلك من سن سنة سوء، فإنه يأثم لأجل من استن بفعله من غير أن ينقص من إثم من استن بها؛ وأما مثال دخول لام الشرط على حرف الجزاء فمثل قوله تعالى‏:‏ لئن

لم يفعل ما آمره ليسجنن؛ و كلا لئن لم ينته لنسفعًا بالناصية؛ فهذه اللام يسميها بعضهم لام الشرط للزومها حرف الشرط واستقبالها بالجزاء مؤكدا وهي في الحقيقة لام القسم كأن قبلها قسما مقدرا هذا جوابه، وأكثر هذه اللامات ترجع إلى أصل واحد منه تشعبها وتنوعها وسنذكر هذا في باب مفرد مشروحا إن شاء الله تعالى‏.‏

باب اللام التي تكون موصلة لبعض الأفعال إلى مفعوليها وقد يجوز حذفها

وذلك قولك نصحت زيدا ونصحت لزيد والمعنى واحد، وكذلك تقول شكرت لزيد وشكرته قال الله عز وجل‏:‏ اشكر لي ولوالديك؛، وقال‏:‏ و أنصح لكم وأعلم من الله مالا تعلمون، وكذلك تقول‏:‏ كلت لزيد الطعام وكلته الطعام ووزنته ووزنت له قال الله تبارك وتعالى‏:‏ ‏{‏وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ‏}‏ ‏[‏سورة المطففين‏:‏ 3‏]‏؛ ومن ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏{‏قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم‏}‏ ‏[‏سورة النمل‏:‏ 72‏]‏؛ تقديره ردفكم والمعنى واحد وأهل التفسير يقولون معناه دنا لكم وهذا ليس بمقيس أعني إدخال هذه اللام بين المفعول والفعل وإنما هو مسموع في أفعال تحفظ ولا يقاس عليها ألا ترى أنه غير جائز أن يقال ضربت لزيد وأكرمت لعمرو وأنت تريد ضربت زيدا وأكرمت عمرا ومهما ثبتت به رواية صحيحة ألحق به هذا منتهى القول في اللامات وأنواعها ومواقعها وإن ورد منها ما لم نذكره فلن يخرج عن أصل من هذه الأصول البتة فتدبر ما يرد عليك منها، فإنه راجع إلى بعض ما ذكرناه إن شاء الله‏.‏

باب معرفة أصول هذه اللامات وبيان تشعبها منها

اعلم أن هذه اللامات كلها على اختلاف مواقعها وتباين تصرفها متشعبة من عشر لامات وهي الأصول لها كلها وهي الأصلية، ولام الإضافة، ولام التوكيد، ولام الأمر، ولام الجحود، ولام البدل، ولام الجواب واللام المزيدة، ولام الفصل، ولام العاقبة، وقد مضى شرحها مع سائر اللامات فيما مضى مستقصى إلا أن تلخيص ذلك أن تعلمأن لام الإضافة تجمع لام الملك، ولام الاستحقاق، ولام المقسم به، ولام المضمر، ولام النفي، ولام المنادى، ولام التعجب، ولام التبيين، ولام المستغاث المستغاث به، ولام المفعول من أجله واللام التي تكون وصلة لبعض الأفعال إلى مفعوليها كل هذه اللامات متشعبة من لام الإضافة؛ وأما لام التوكيد، فإنها تجمع لام القسم، ولام إن، ولام الابتداء واللام اللازمة للفعل المستقبل في الموجب في القسم؛ وأما لام الأمر، فإنها تجمع لام الأمر، ولام الجزاء، ولام الفصل تجمع لامين اللام التي تلزم إن المكسورة المخففة من الثقيلة، ولام الإيجاب في القسم؛ وأما اللام الزائدة، فإنه يدخل تحتها لام التكثير، ولام لعل، ولام عبد لشرح ذلك أن تعلم أن لام الإضافة تضيف الملك إلى المالك كقولك‏:‏ هذه الدار لزيد وهذا المال لعمرو، وكذلك تضيف ما استحق من الأشياء إلى مستحقه كقولك‏:‏ الشكر لك والحمد لله، وكذلك تضيف معنى القسم إلى المقسم به كقولك‏:‏ لله لأخرجن لأنها صلة فعل مقدر قبلها تقديره أقسم بالله وحروف الخفض كلها صلات للأفعال ألا ترى أنك إذا قلت مررت بزيد، فإن ما أوصلت مرورك إلى زيد بالباء ولذلك قال سيبويه‏:‏ إذا قلت كتبت بالقلم فالمعنى أن الكتابة ملصقة بالقلم فأما لام المضمر فحكمها في إضافة الملك والاستحقاق والعمل حكم اللام التي مع الظاهر الخافضة إلا أنا فرقنا بينهما لندل على العلة التي من أجلها كسرت مع الظاهر وفتحت مع المضمر، وكذلك لام النفي، ولام المنادى إنما يضي، فإن النفي والنداء إلى ما يتصلان به وكذلك قولك‏:‏ لا غلامي لك ويا بؤس للحرب، ولام التعجب كذلك في قوله اعجبوا لزيد ولزيد ما أعلمه إنما هي موصلة لمعنى الشيء الذي من أجله وقع التعجب إلى المتعجب منه، وكذلك لام التبيين والمستغاث والمستغاث به وسائر هذه اللامات على هذا التقدير؛ وأما لام التوكيد، فإنها مؤكدة لما دخلت عليه، وكذلك لام الابتداء للتوكيد، ولام إن للتوكيد، ولام الشرط للتوكيد، ولام القسم للتوكيد، وكذلك سائر ما يتعلق بها وإنما فصلنا بينها فيما مضى لندل على مواقعها وأحكامها، ولام الجواب تجمع لام لو، ولام لولا، ولام جواب القسم، وكذلك لام الفصل لأنها تزاد بعد إن المخففة من الثقيلة ليفصل بينها وبين النافية ومع الفعل المستقبل الموجب في القسم ليفصل بينه وبين المنفي؛ وأما شرح اللامات الزوائد في عبدل وحسدل ولعل وذلك وما اتصل بها ففيما مضى من الشرح غنى عن إعادته وفيه دليل واضح على اجتماعها في معنى الزيادة وافتراقها في أحكامها ومواقعها ففصلنا بينها حيث وجب الفصل وجمعنا حيث وجب الجمع ولولا اختلاف مواقع هذه اللامات وتباين أحكامها وعللها وشروطها لكان لقائل أن يقول اللامات كلها متشعبة من لامين لام أصلية، ولام زائدة وهي لعمري كلها ترجع إلى هاتين اللامين إلا أنا لو اقتصرنا لمتطلب اللامات على هذه الحكاية تعسر عليه جمعها وتفصيلها وموقعها من كتاب الله تعالى وكلام العرب وأشعارها

باب أحكام اللامات في الإدغام

إنما نذكر هذا ليكون هذا الكتاب جامعا لمعاني اللامات وأحكامها ومعنى الإدغام إنما هو إدخال حرف في حرف واشتقاقه من قول العرب أدغمت اللجام في في الفرس إذا أدخلته فيه قال ساعدة بن جؤية‏:‏

بمقربات بأيديهم أعنتها خوص إذا فزعوا أدغمن في اللجم

يقول أدخلت رؤوسهن في اللجم والإدغام في كلام العرب على ضربين أحدهما أن يلتقي حر، فإن مثلان متحركان وما قبل الأول منهما متحرك فتسكن الأول وتدغمه في الثاني وإظهار ذلك غير جائز نحو صل ومل وشد ومد وأشباه ذلك والآخر أن يلتقي حر، فإن مختل، فإن إلا أن أحدهما مقارب للآخر في المجانسة أو المخرج فتبدل الأول من جنس الثاني وتدغمه فيه فيصير من لفظ الثاني كقولك‏:‏ الرحمن الرحيم والسميع والذاهب وما أشبه ذلك نقول على هذه المقدمة الإدغام وصلك حرفا ساكنا بحرف مثله من موضع واحد أو موضعين من غير حركة تفصل بينهما ولا وقفة فيصيران بتداخلهما كحرف واحد ينبو اللسان عنهما نبوة واحدة ويشتد الحرف وليس غرضنا شرح الإدغام فنأتي على وجوهه وأحكامه وإنما ذكرنا منه أصلا يدل على وجوهه لتعلقه بمقصدنا ثم نرجع إلى ذكر اللام واعلم أنه لا بد من أن تعرف مخرج الحرف الذي تريد أن تعرف حكمه في الإدغام والحروف المجانسة له فمخرج اللام من طرف اللسان وتقاربه في مخرجه الراء والنون قال‏:‏ سيبويه مخرج اللام من حافة اللسان من أدناها إلى منتهى طرف اللسان ما بينها وبين ما يليها من الحنك الأعلى وما فويق الضاحك والناب والرباعية والثنية ومخرج النون من طرف اللسان بينه وبين ما فويق الثنايا ومخرج الراء أدخل من مخرج النون واللام في ظهر اللسان قليلا لانحرافه إلى اللام وفي الراء تكرير ليس في اللام ولا النون والراء من مخرج اللام كما ترى وإن تباعدا عنه أدنى تباعد فالمخرج واحد وتقارب اللام في مخرجها الطاء والدال والتاء والظاء والذال والثاء والسين والشين والصاد والضاد والزاي فلذلك صارت اللام تدغم في هذه الحروف على ما أذكره واعلم أن النون تدغم في اللام كقولك‏:‏ من لك، فإن شئت بغنة وإن شئت بغير غنة ولا يكون ذلك إلا من كلمتين قال‏:‏ سيبويه ليس في كلام العرب نون ساكنة قبل راء ولا لام في كلمة واحدة ليس فيه مثل قنل ولا قنر ولا عنر ولا عنل وما أشبه ذلك قال‏:‏ لأنه لو بين لثقل عليهم لقرب المخرجين كما ثقل بيان التاء مع الدال في ود وعدان ولو أدغم التبس بالمضاعف وجاز الإدغام في ود وعدان لأن صوتهما من الفم والنون ليست كذلك لأنها تصير غنة في الخياشيم فتلتبس بما ليس فيه غنة واللام تدغم في الراء نحو قولك الراكب والراهب والرحمن والرحيم ولا يجوز إدغام الراء في اللام نحو قولكك مر لبيدا لا يكون في هذا إلا الإظهار وذلك أن في الراء تكريرا فلو أدغمت في اللام ذهب التكرير فلا يجوز إدغام حرف فيه مزية وفضل على مقاربه فيه في هذا الموضع وفي جميع العربية لأنه لو أدغم فيه ذهب الفضل الذي له، وكذلك النون تدغم في الراء كقولك‏:‏ مراشد وأنت تريد من راشد والإظهار جائز ولا يجوز إدغام الراء فيها كما لم يجز إدغامها في اللام والعلة واحدة

، ولام المعرفة تدغم في أربعة عشر حرفا لا يجوز إظهارها معها لكثرة دور لام المعرفة في الكلام وتكرارها فيه وكثرة موافقتها لهذه الحروف قال‏:‏ سيبويه وذلك لأن اللام من طرف اللسان كما ذكرت لك واثنا عشر حرفا من هذه الحروف من طرف اللسان وحر، فإن منها يخلطان طرف اللسان فلما اجتمع فيها هذا وكثرتها في الكلام لم يجز إلا الإدغام والاثنا عشر حرفا النون والراء والدال والتاء والصاد والطاء والظاء والزاي والسين والثاء والذال ولم مثلها تكون لغير التعريف والحر، فإن اللذان خالطاها الضاد والشين لأن الضاد استطالت لرخاوتها حتى اتصلت بمخرج اللام والشين كذلك اتصلت بمخرج الطاء ولا يجوز إظهار لام المعرفة مع شيء من هذه الأربعة عشر حرفا وذلك قولك التائب والتائبون السائحون الراكعون الساجدون والصلاة والساحب والذاهب واللاعب وما أشبه ذلك وهي معروفة المواقع في كتابالله عز وجل‏:‏ وكلام العرب فإذا كانت اللام لغير التعريف نحو لام مثل وبل فدخلت على بعض هذه الحروف جاز الإظهار والإدغام وكان الإظهار في بعضها أحسن والإدغام في بعضها أحسن فمما يكون الإدغام فيه أحسن قولك هل رأيت لقرب الراء من اللام والإظهار أقبح ولله أعلم وهي فيما حكى سيبويه لغة لأهل الحجاز، وكذلك مع الطاء والدال والصاد والزاي والشين والإظهار أجود والإدغام أقبح وينشد لطريف العنبري‏:‏

تقول إذا استهلكت مالا للذة *** فطيمة هشيء بكفيك لائق يريد

هل شيء فأدغم اللام في الشين، وقد قرأ أبو عمرو بن العلاء هثوب الكفار ما كانوا يفعلون بالإدغام، وقد قرئ هل ثوب بالإظهار والإظهار أحسن وأنشد سيبويه لمزاحم العقيليك‏:‏

فدع ذا ولكن هتعين متيما *** على ضوء برق آخر الليل ناصب

يريد هل تعين فأدغم اللام في التاء وأنشد غيره‏:‏

ألا ليت شعري هتغيرت الرحا *** رحا المثل أم أضحت بفلج كما هيا

والإظهار أحسن‏.‏

باب من مسائل اللام نختم به الكتاب

اعلم أنك إذا قلت زيد لينطلقن وعبد الله لأبوه أفضل منك وما أشبه ذلك، فإن البصريين يرفعونه بالابتداء ويجعلون اللام وما بعده خبره وإنما جاز عندهم لما كان المبتدأ قد سبق إليه فرفعه وكان ما بعده خبرا عنه واللام مؤكدة له؛ وأما الكوفيون، فإن هذا عندهم غير جائز إلا من كلامين كأنه يرتفع زيد باسم مثله في نية المتكلم ولم يجز أن يكون كلاما واحدا عندهم لأن اللام تقطع ما قبلها مما بعدها ولا يتصل بعضه ببعض فلذلك لم يكن ما بعدها خبرا عما قبلها، وكذلك زيد إنه قائم وعبد الله هل قام لا يكون عندهم إلا على كلامين وهو عند البصريين جائز، فإن قلت زيد حلفت لأضربنه أو زيد أشهد إنه لعالم أو زيد قلت لك اضربه أو زيد قلت له ليقم كان هذا كله عند الكوفيين من كلام واحد وذلك أن هذه الحروف صارت صلة للفعل الذي قبلها واتصل الفعل بالاسم الذي قبله فصار في موضع خبر وارتفع الاسم بما عاد عليه من ذكره وهو كله عند البصريين على الابتداء والخبر جائز، فإن قلت لزيد أكل طعامك لم يجز تقديم شيء مما بعد اللام عليها لأنها حاجزة فاصلة ولو قلت طعامك لزيد أكل لم يجز أن تقدم مفعول الخبر على اللام ولا يتقدم مفعول ما بعد اللام عليها إلا في خبر إن وكذلك قولك‏:‏ إن زيدا لآكل طعامك، فإن قدمت الطعام فقلت إن زيدا طعامك لآكل كان ذلك جائزا عند البصريين والكوفيين معا قالوا لأن دخول اللام وخروجها سواء ألا ترى أن قولك إن زيدا آكل طعامك وإن زيدا لآكل طعامك سواء هذا احتجاجهم جميعا في إجازة هذا وعندي أن الأمر على خلاف ما ذهبوا إليه ولو كان كذلك لوجب إجازة تقديم المنصوب بخبر الابتداء على لام الابتداء وكذلك قولك‏:‏ لزيد آكل طعامك فكان يلزم أن يقال طعامك لزيد آكل لأن دخول هذه اللام وخروجها سواء كدخولها في خبر إن وخروجها فجاريت في ذلك أبا إسحاق الزجاج فقال لام الابتداء مقدرة قبلها يمين فهي جواب القسم فألزمته مثل ما ذكرت لك في لام الابتداء في هذا الكتاب والفرق بينهما وبين لام القسم من أن يكون الرجل إذا قال‏:‏ لزيد قائم وزيد غير قائم إنه حانث وتلزمه كفارة اليمين فقال ذلك غير واجب لأن هذه اللام تؤكد تأكيد لام القسم، والقول في ذلك أنه إنما امتنع من تقديم ما بعد هذه اللام عليها لأنها لام الابتداء ولها صدر الكلام ولا يسبق الابتداء شيء وجاز تقديم ما بعد لام إن عليها من المنصوب بخبرها لأنها في الحقيقة مقدرة قبل إن فكأن المقدم قبلها وقع بينها وبين اسم إن مؤخر بعدها في الترتيب فجاز لذلك فإذا خففت إن فقلت إن زيد لقائم لزمتها اللام كما ذكرت لك لتفصل بينها وبين التي تكون نافية بمعنى ما ولا يجوز تقديم المنصوب بالخبر على اللام هاهنا لأنها فاصلة بين الموجبة والنافية فقد وقعت لازمة في موضع لا يجوز أن تقدر في غيره فلو قلت إن زيد طعامك لآكل لم يجز كما جاز فيها حين شددت ولا يجوز إدخال اللام على شيء من أخوات إن غيرها للعلة التي قد مضى ذكرها في بابها ولا تدخل على لكن وإن كانت مؤكدة كما تؤكد إن لأنها تقع جوابا لقولك ما جاءني عمرو لكن زيدا جاءني والجواب لا يتقدمه شيء لئلا يفصل بينه وبين ما هو جوابه فلو أدخلت اللام في خبر لكن لقدرت قبل لكن فكانت تنقطع مما قبلها وذلك غير جائز؛ وأما قول الشاعر‏:‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ *** ولكنني من حبها لكميد

فإن ما أراد ولكن إنني من حبها لكميد فأدخل اللام في خبر إن وهذا مثل قول الله تعالى‏:‏ ‏{‏لكنا هو الله ربي‏}‏ ‏[‏سورة الكهف‏:‏ 38‏]‏ على قراءة من قرأ بإثبات الألف وأصله عند العلماء أجمعين على هذه القراءة لكن أنا هو الله ربي فألقيت الهمزة تخفيفا وأدغمت النون الأولى في الثانية، وكذلك الشاعر لما قال‏:‏ لكن إنني فحذف الهمزة بقيت نون لكن ساكنة خفيفة وبعدها ساكن فحذف نون لكن لالتقاء الساكنين وكان سبيله أن يكسرها ولكن حذفها في الشعر جائز، وقال الآخر‏:‏

فلست بآتيه ولا أستطيعه ولاك *** اسقني إن كان ماؤك ذا فضل

واعلم أن اللام تدخل في خبر إن على الخبر وعلى صلة الخبر إذا كانت مقدمة قبل الخبر، فإن أخرتها بعد الخبر لم تدخل إلا على الخبر لأنه موضعها كقولك‏:‏ ك إن زيدا لبالجارية كفيل وإن زيدا بالجارية لكفيل وإن قلت إن زيدا كفيل لبالجارية لم يجز وإنما جاز دخولها على صلة الخبر حين تقدمت لأنك توقعها على جملة الكلام الذي بعدها‏.‏

مسألة من القرآن

قول الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ‏}‏ ‏[‏سورة إبراهيم‏:‏ 46‏]‏؛ قرئ بكسر اللام ونصب الفعل على أن تكون إن على مذهب البصريين مخففة من الثقيلة وتكون اللام بمعنى كي، وقال بعضهم يجوز أن تكون إن نافية بمعنى ما التي تكون جحدا كأنه ما كان مكرهم لتزول منه الجبال استحقارا بمكرهم من أن تزول منه الجبال وهذا جيد في المعنى إلا أنه ضعيف في العربية لأن اللام لا تدخل على إن إذا كانت نافية، وقد قرئ وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال على أن نجعل إن هي المخففة من الثقيلة واللام للتوكيد التي تلزم في خبر إن تفصل بينها وبين النافية فيكون على هذا التقدير كأنه قال‏:‏ وإن مكرهم لتزول منه الجبال فدخلت اللام كما ذكرت لك ويكون هذا على التعظيم لمكرهم كما قال‏:‏ في موضع آخر‏:‏ وجاؤوا بسحر عظيم؛ ولكلا القراءتين مذهب على ما فسرت لك وأكثر القراء على كسر اللام ونصب الفعل إلا الكسائي، فإنه قرأ بفتح اللام ورفع الفعل تم الكتاب والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيد المرسلين محمد نبيه وعلى أهل بيته الطيبين صلاة دائمة زاكية إلى يوم الدين وحسبنا الله ونعم الوكيل‏.‏