فصل: تفسير الآيات (14- 16):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (14- 16):

{قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (14) قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (16)}
قال الطبري وغيره: أمر أن يقول هذه المقالة للكفرة الذين دعوه إلى عبادة أوثانهم، فتجيء الآية على هذا جواباً لكلامهم.
قال القاضي أبو محمد: وهذا التأويل يحتاج إلى سند في أن هذا نزل جواباً وإلا فظاهر الآية لا يتضمنه، والفصيح هو أنه لما قرر معهم أن الله تعالى {لمن ما في السماوات والأرض} [الأنعام: 12] {وله ما سكن في الليل والنهار} [الأنعام: 13] وأنه سميع عليم أمر أن يقول لهم على جهة التوبيخ والتوقيف {أغير} هذا الذي هذه صفاته {أتخذ ولياً} بمعنى أن هذا خطأ لو فعلته بين. وتعطي قوة الكلام أن من فعله من سائر الناس بين الخطأ، و{اتخذ} عامل في قوله: {أغير} وفي قوله: {ولياً} تقدم أحد المفعولين والولي لفظ عام لمعبود وغير ذلك من الأسباب الواصلة بين العبد وربه ثم أخذ في صفات الله تعالى فقال: {فاطر} يخفض الراء نعت لله تعالى، وفطر معناه ابتدع وخلق وأنشأ وفطر أيضاً في اللغة: شق، ومنه {هل ترى من فطور} [الملك: 3] أي من شقوق، ومن هذا انفطار السماء، وفي هذه الجهة يتمكن قولهم فطر ناب البعير إذا خرج لأنه يشق اللثة، وقال ابن عباس ما كنت أعرف معنى {فاطر السماوات} حتى اختصم إليّ أعرابيان في بئر فقال أحدهما: أنا فطرتها أي اخترعتها وأنشأتها.
قال القاضي أبو محمد: فحمله ابن عباس على هذه الجهة، ويصح حمله، على الجهة الأخرى أنه شق الأرض والبئر حين احتفرها، وقرأ ابن أبي عبلة: {فاطرُ} برفع الراء على خبر ابتداء مضمر أو على الابتداء {يطعم ولا يطعم} المقصود به يرزق ولا يرزق، وخص الإطعام من أنواع الرزق لمسّ الحاجة إليه وشهرته واختصاصه بالإنسان، وقرأ يمان العماني وابن أبي عبلة {يُطعِم} بضم الياء وكسر العين في الثاني مثل الأول يعني الوثن أنه لا يطعم وقرأ مجاهد وسعيد بن جبير والأعمش وأبو حيوة وعمرو بن عبيد وأبو عمرو بن العلاء في رواية عنه في الثاني {ولا يَطعم} بفتح الياء على مستقبل طعم فهي صفة تتضمن التبرية أي لا يأكل ولا يشبه المخلوقين، وقوله تعالى: {قل إني أمرت} إلى {عظيم} قال المفسرون: المعنى أول من أسلم من هذه الأمة وبهذه الشريعة، ولا يتضمن الكلام إلا ذلك، قال طائفة: في الكلام حذف تقديره: وقيل لي ولا تكونن من الممترين.
قال القاضي أبو محمد: وتلخيص هذا أنه عليه السلام أمر فقيل له كن أول من أسلم ولا تكونن من المشركين فلما أمر في الآية أن يقول ما أمر به جاء بعض ذلك على المعنى وبعضه باللفظ بعينه ولفظة {عصيت} عامة في أنواع المعاصي، ولكنها هاهنا إنما تشير إلى الشرك الذي نهي عنه، واليوم العظيم هو يوم القيامة وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم {من يُصرَف عنه} بضم الياء وفتح الراء، والمفعول الذي أسند إليه الفعل هو الضمير العائد على العذاب فهو مقدر، وقرأ حمزة والكسائي وعاصم أيضاً: {من يصرف عنه} فيسند الفعل إلى الضمير العائد إلى {ربي} ويعمل في ضمير العذاب المذكور آنفاً لكنه مفعول محذوف وحكي أنه ظهر في قراءة عبد الله وهي {من يصرفه عنه يومئذ}، وفي قراءة أبيّ بن كعب {من يصرفه الله عنه} وقيل: إنها من يصرف الله عنه، قال أبو علي وحذف هذا الضمير لا يحسن كما يحسن حذف الضمير من الصلة، كقوله عز وجل: {أهذا الذي بعث الله رسولاً} [الفرقان: 41] وكقوله: {وسلام على عباده الذين اصطفى} [النمل: 59] معناه بعثه واصطفاهم فحسن هذا للطول كما علله سيبويه، ولا يحسن هذا لعدم الصلة، قال بعض الناس القراءة بفتح الياء {من يَصرف} أحسن لأنه يناسب {فقد رحمه} وكان الأولى على القراءة الأخرى {فقد رحم} ليتناسب الفعلان.
قال القاضي أبو محمد: وهذا توجيه لفظي تعلقه خفيف، وأما بالمعنى فالقراءتان واحد، ورجح قوم قراءة ضم الياء لأنها أقل إضماراً، وأشار أبو علي إلى تحسين القراءة بفتح الياء بما ذكرناه، وأما مكي بن أبي طالب رحمه الله فتخبط في كتاب الهداية في ترجيح القراءة بفتح الياء، ومثل في احتجاجه بأمثلة فاسدة والله ولي التوفيق، ورحم عامل في الضمير المتصل وهو ضمير من ومستند إلى الضمير العائد إلى ربي، وقوله: {وذلك} إشارة إلى صرف العذاب وإلى الرحمة، والفوز والنجاة.

.تفسير الآيات (17- 18):

{وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17) وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (18)}
{يمسسك} معناه يصبك وينلك، وحقيقة المس هي بتلاقي جسمين فكأن الإنسان والضر يتماسان، و{الضُّر} بضم الضاد سوء الحال في الجسم وغيره، {والضَّر} بفتح الضاد ضد النفع، وناب الضر في هذه الآية مناب الشر وإن كان الشر أعم منه مقابل الخير، وهذا من الفصاحة عدول عن قانون التكلف والصنعة فإن باب التكلف وترصيع الكلام أن يكون الشيء مقترناً بالذي يختص به بنوع من أنواع الاختصاص موافقة أو مضادة، فمن ذلك قوله تعالى: {إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى} [طه: 118، 119] فجعل الجوع مع العري وبابه أن يكون مع الظمأ ومنه قول امرئ القيس: [الطويل]
كَأَنِّيَ لَمْ أَرْكَبْ جَوَاداً لِلَذَّةٍ ** وَلَمْ أَتَبَطَّنْ كَاعِباً ذَاتَ خَلْخَالِ

وَلَمْ أسْبَإِ الزِّقَّ الرَّوِيَّ ولمْ أقُلْ ** لِخَيْلِيَ كُرِّي كُرَّةً بِعْدَ إجْفَالِ

وهذا كثير، قال السدي {الضر} هاهنا المرض والخير العافية.
قال القاضي أبو محمد: وهذا مثال ومعنى الآية الإخبار عن أن الأشياء كلها بيد الله إن ضر فلا كاشف لضره غيره وإن أصاب بخير فكذلك أيضاً لا راد له ولا مانع منه، هذا تقرير الكلام، ولكن وضع بدل هذا المقدر لفظاً أعم منه يستوعبه وغيره، وهو قوله: {على كل شيء قدير} ودل ظاهر الكلام على المقدر فيه، وقوله: {على كل شيء قدير} عموم أي على كل شيء جائز يوصف الله تعالى بالقدرة عليه، وقوله تعالى: {وهو القاهر} الآية، أي وهو عز وجل المستولي المقتدر، و{فوق} نصب على الظرف لا في المكان بل في المعنى الذي تضمنه لفظ القاهر، كما تقول زيد فوق عمرو في المنزلة، وحقيقة فوق في الأماكن، وهي في المعاني مستعارة شبه بها من هو رافع رتبة في معنى ما، لما كانت في الأماكن تنبئ حقيقة عن الأرفع وحكى المهدوي: أنها بتقدير الحال، كأنه قال: وهو القاهر غالباً.
قال القاضي أبو محمد: وهذا لا يسلم من الاعتراض أيضاً والأول عندي أصوب: و{العباد} بمعنى العبيد وهما جمعان للعبد أما أنا نجد ورود لفظة العباد في القرآن وغيره في مواضع تفخيم أو ترفيع أو كرامة، وورود لفظ العبيد في تحقير أو استضعاف أو قصد ذم، ألا ترى قول امرئ القيس: [السريع]
***قولا لدودانَ عبيدِ العَصَا ** ولا يستقيم أن يقال هنا عباد العصا وكذلك الذين سموا العباد لا يستقيم أن يقال لهم العبيد لأنهم أفخم من ذلك، وكذلك قول حمزة رضي الله عنه وهل أنتم إلا عبيد لأبي، لا يستقيم فيه عباد، و{الحكيم} بمعنى المحكم، و{الخبير} دالة على مبالغة العلم، وهما وصفان مناسبان لنمط الآية.

.تفسير الآية رقم (19):

{قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآَنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آَلِهَةً أُخْرَى قُلْ لَا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (19)}
{أي} استفهام، وهي معربة مع إبهامها، وإنما كان ذلك لأنها تلتزم الإضافة ولأنها تتضمن علم جزء من المستفهم عنه غير معين، لأنك إذا قلت أي الرجلين جاءنا فقد كنت تعلم أن أحدهما جاء غير معين فأخرجها هذان الوجهان عن غمرة الإبهام فأعربت، وتتضمن هذه الآية أن الله عز وجل يقال عليه {شيء} كما يقال عليه موجود، ولكن ليس كمثله تبارك وتعالى شيء، و{شهادة} نصب على التمييز ويصح على المفعول بأن يحمل {أكبر} علىلتشبيه بالصفة المشبهة باسم الفاعل وهذه الآية مثل قوله تعالى {قل لمن ما في السماوات والأرض قل لله} [الأنعام: 12] في أن استفهم على جهة التوقيف والتقدير ثم بادر إلى الجواب إذ لا تتصور فيه مدافعة، وهذا كما تقول لمن تخاصمه وتتظلم منه من أقدر من في البلد ثم تبادر وتقول السلطان فهو يحول بيننا، ونحو هذا من الأمثلة، فتقدير الآية أنه قال لهم أي شيء أكبر شهادة الله أكبر شهادة، فهو شهيد بيني وبينكم، ف {الله} رفع بالابتداء وخبره مضمر يدل عليه ظاهر الكلام كما قدرناه، و{شهيد} خبر ابتداء مضمر.
وقال مجاهد المعنى أن الله تعالى قال لنبيه عليه السلام: قل لهم: أي شيء أكبر شهادة؟ وقل لهم: الله شهيد بيني وبينكم لما عيوا عن الجواب، ف {شهيد} على هذا التأويل خبر لله وليس في هذا التأويل مبادرة من السائل إلى الجواب المراد بقوله: {شهيد، بيني وبينكم} أي في تبليغي، وقرأت فرقة: {وأوحى إليّ هذا القرآن} على الفعل الماضي ونصب القرآن وفي {أوحى} ضمير عائد على الله تعالى من قوله: {قل الله}، وقرأت فرقة {وأوحي} على بناء الفعل للمفعول {القرآن} رفعاً، {لأنذركم} معناه لأخوفكم به العقاب والآخرة، {ومن} عطف على الكاف والميم في قوله: {لأنذركم} و{بلغ} معناه على قول الجمهور بلاغ القرآن، أي لأنذركم وأنذر من بلغه، ففي بلغ ضمير محذوف لأنه في صلة من، فحذف لطول الكلام، وقالت فرقة ومن بلغ الحكم، ففي {بلغ} على هذا التأويل ضمير مقدر راجع إلى {من}، وروي في معنى التأويل الأول أحاديث، منها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يا أيها الناس بلغوا عني ولو آية، فإنه من بلغ آية من كتاب الله تعالى فقد بلغه أمر الله تعالى أخذه أو تركه»، ونحو هذا من الأحاديث كقوله «من بلغه هذا القرآن فأنا نذيره» وقرأت فرقة {أأينكم} بزيادة ألف بين الهمزة الأولى والثانية المسهلة عاملة بعد التسهيل العاملة قبل التسهيل وقرأت فرقة {أينكم} بهمزتين الثانية مسهلة دون ألف بينهما، وقرأت فرقة {أإنكم} استثقلت اجتماع الهمزتين فزادت ألفاً بين الهمزتين، وقرأت فرقة {أنكم} بالإيجاب دون تقدير وهذه الاية مقصدها التوبيخ وتسفيه الرأي.
و{أخرى} صفة لآلهة وصفة جمع ما لا يعقل تجري في الإفراد مجرى الواحدة المؤنثة كقوله: {مآرب أخرى} [طه: 18] وكذلك مخاطبته جمع ما لا يعقل كقوله: {يا جبال أوبي معه} ونحو هذا، ولما كانت هذه الآلهة حجارة وعيداناً أجريت هذا المجرى ثم أمره الله تعالى أن يعلن بالتبري من شهادتهم، والإعلان بالتوحيد لله عز وجل والتبري من إشراكهم، {وإنني} إيجاب ألحقت فيه النون التي تلحق الفعل لتبقى حركته عند اتصال الضمير به في قوله ضربني ونحوه، وظاهر الآية أنها في عبدة الأصنام وذكر الطبري أنه قد ورد من وجه لم يثبت صحته أنها نزلت في قوم من اليهود، وأسند إلى ابن عباس قال: جاء النحام بن زيد وفردم بن كعب وبحري بن عمرو، فقالوا: يا محمد ما تعلم مع الله إلهاً غيره؟ فقال لهم: لا إله إلا الله بذلك أمرت، فنزلت الآية فيهم.

.تفسير الآيات (20- 21):

{الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (20) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآَيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (21)}
{الذين} رفع بالابتداء وخبره {يعرفونه} و{الكتاب} معناه التوراة والإنجيل وهو لفظ مفرد يدل علىلجنس، والضمير في {يعرفونه} عائد في بعض الأقوال على التوحيد لقرب قوله: {قل إنما هو إله واحد} [الأنعام: 19] وهذا استشهاد في ذلك على كفرة قريش والعرب بأهل الكتاب، و{الذين خسروا} على هذا التأويل منقطع مرفوع بالابتداء وليس من صفة {الذين} الأولى، لأنه لا يصح أن يستشهد بأهل الكتاب ويذمون في آية واحدة.
قال القاضي أبو محمد: وقد يصح ذلك لاختلاف ما استشهد فيه بهم وما ذموا فيه، وأن الذم والاستشهاد ليس من جهة واحدة، وقال قتادة والسدي وابن جريج: الضمير عائد في {يعرفونه} على محمد عليه السلام ورسالته، وذلك على ما في قوله: {وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم} [الأنعام: 19] فكأنه قال وأهل الكتاب يعرفون ذلك من إنذاري والوحي إليَّ، وتأول هذا التأويل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، يدل على ذلك قوله لعبد الله بن سلام إن الله أنزل على نبيه بمكة أنكم تعرفون أبناءكم فكيف هذه المعرفة فقال عبد الله بن سلام نعم أعرفه الصفة التي وصفه الله في التوراة فلا أشك فيه، وأما ابني فلا أدري ما أحدثت أمه.
قال القاضي أبو محمد: وتأول ابن سلام رضي الله عنه المعرفة بالابن تحقق صحة نسبه، وغرض الآية إنما هو الوقوف على صورته فلا يخطئ الأب فيها، وقالت فرقة: الضمير من {يعرفونه} عائد على القرآن المذكور قبل.
قال القاضي أبو محمد: ويصح أن تعيد الضمير على هذه كلها دون اختصاص، كأنه وصف أشياء كثيرة، ثم قال: أهل الكتاب {يعرفونه} أي ما قلنا وما قصصنا وقوله تعالى: {الذين خسروا} الآية، يصح أن يكون {الذين} نعتاً تابعاً ل {الذين قبله}، والفاء من قوله: {فهم} عاطفة جملة على جملة، وهذا يحسن على تأويل من رأى في الآية قبلها أن أهل الكتاب متوعدون مذمومون لا مستشهد بهم، ويصح أن يكون {الذين} رفعاً بالابتداء على استئناف الكلام، وخبره {فهم لا يؤمنون} والفاء في هذا جواب، {وخسروا} معناه غبنوها، وقد تقدم، وروي أن كل عبد له منزل في الحاجة ومنزل في النار، فالمؤمنون ينزلون منازل أهل الكفر في الجنة والكافرون ينزلون منازل أهل الجنة في النار فهاهنا هي الخسارة بينة والربح للآخرين، وقوله تعالى: {ومن أظلم} الآية {من} استفهام مضمنه التوقيف والتقرير، أي لا أحد أظلم ممن افترى، و{افترى} معناه اختلق، والمكذب بالآيات مفتري كذب، ولكنهما منحيان من الكفر، فلذلك نصا مفسرين، والآيات العلامات والمعجزات ونحو ذلك، ثم أوجب {إنه لا يفلح الظالمون} والفلاح بلوغ الأمل والإرادة والنجاح، ومنه قول عبيد: [الراجز]
أفْلِحْ بِمَا شِئْتَ فَقَدْ تَبْلُغُ بالضْ ** ضعْفِ وقد يُخْدَعُ الأرِيبُ