فصل: تفسير الآيات (22- 24):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (22- 24):

{وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (22) ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ (23) انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (24)}
قالت فرقة: {لا يفلح الظالمون} [الأنعام: 21] كلام تام معناه لا يفلحون جملة، ثم استأنف فقال: واذكر يوم نحشرهم، وقال الطبري المعنى لا يفلح الظالمون اليوم في الدنيا {ويوم نحشرهم} عطفاً على الظرف المقدر والكلام متصل، وقرأت طائفة {نحشرهم} و{نقول} بالنون، وقرأ حميد ويعقوب فيهما بالياء، وقرأ عاصم هنا وفي يونس قبل الثلاثين {نحشرهم ونقول} بالنون، وقرأ في باقي القرآن بالياء، وقرأ أبو هريرة {نحشِرهم} بكسر الشين فيجيء الفعل على هذا حشر يحشر ويحشر، واضاف الشركاء إليهم لأنه لا شركة لهم في الحقيقة بين الأصنام وبين شيء وإنما وقع عليها اسم الشريك بمجرد تسمية الكفرة فأضيفت إليهم لهذه النسبة و{تزعمون} معناه تدعون أنهم لله، والزعم القول الأميل إلى الباطل والكذب في أكثر كلامهم، وقد يقال زعم بمعنى ذكر دون ميل إلى الكذب، وعلى هذا الحد يقول سيبويه زعم اخليل ولكن ذلك إنما يستعمل في الشيء الغريب الذي تبقى عهدته على قائله، وقوله تعالى: {ثم لم تكن فتنتنهم إلا أن قالوا} الآية قرأ ابن كثير في رواية شبل عنه وعاصم في رواية حفص وابن عامر {تكن فتنتُهم} برفع الفتنة و{إلا أن قالوا} في موضع نصب على الخبر التقدير إلا قولهم، وهذا مستقيم لأنه أنث العلامة في الفعل حين أسنده إلى مؤنث وهي الفتنة، وقرأ نافع وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر وابن كثير أيضاً {تكن فتنتهم} بنصب الفتنة، واسم كان {أن قالوا}، وفي هذه القراءة تأنيث {أن قالوا}، وساغ ذلك من حيث كان الفتنة في المعنى، قال أبو علي وهذا كقوله تعالى: {فله عشر أمثالها} [الأنعام: 160] فأنث الأمثال لما كانت الحسنات بالمعنى وقرأ حمزة والكسائي {يكن} بالياء {فتنتَهم} بالنصب واسم كان {إلا أن قالوا} وهذا مستقيم لأنه ذكر علامة الفعل حين أسنده إلى مذكر، قال الزهراوي وقرأت فرقة {يكن فتنُهم} برفع الفتنة، وفي هذه القراءة إسناد فعل مذكرالعلامة إلى مؤنث، وجاء ذلك بالمعنى لأن الفتنة بمعنى الاختبار أو المودة في الشيء والإعجاب وقرأ أبي بن وكيع وابن مسعود والأعمش {وما كان فتنتهم}، وقرأ طلحة بن مصرف، {ثم كان فتنتهم} والفتنة في كلام العرب لفظة مشتركة تقال بمعنى حب الشيء والإعجاب به كما تقول فتنت بكذا، وتحتمل الآية هنا هذا المعنى أي لم يكن حبهم للأصنام وإعجابهم بها وإتباعهم لها لما سئلوا عنها ووقفوا على عجزها إلا التبري منها والإنكار لها، وهذا توبيخ لهم كما تقول لرجل كان يدعي مودة آخر ثم انحرف عنه وعاداه يا فلان لم تكن مودتك لفلان إلا أن شتمته وعاديته، ويقال الفتنة في كلام العرب بمعنى الاختبار، كما قال عز وجل لموسى عليه السلام:
{وفتناك فتوناً} [طه: 40]، وكقوله تعالى: {ولقد فتنا سليمان وألقينا} [ص: 34] وتحتمل الآية هاهنا هذا المعنى لأن سؤالهم عن الشركاء وتوقيفهم اختبار، فالمعنى ثم لم يكن اختبارنا لهم إذ لم يفد ولا أثمر، إلا إنكارهم الإشراك، وتجيء الفتنة في اللغة على معان غير هذين لا مدخل لها في الآية ومن قال إن أصل الفتنة الاختبار من فتنت الذهب في النار ثم يستعار بعد ذلك في غيره فقد أخطأ لأن الاسم لا يحكم عليه بمعنى الاستعارة حتى يقطع باستحالة حقيقته في الموضع الذي استعير له كقول ذي الرمة: [الطويل]
ولَفَّ الُّثرَيَّا في مُلاءتِهِ الفَجْرُ

ونحوه، والفتنة لا يستحيل أن تكون حقيقة في كل موضع قيلت عليه، وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وعاصم وابن عامر والله {ربِّنا} خفض على النعت لاسم الله، وقرأ حمزة والكسائي {ربَّنا} نصب على النداء، ويجوز فيه تقدير المدح، وقرأ عكرمة وسلام بن مسكين {واللهُ ربُّنا} برفع الاسمين وهذا على تقدير تقديم وتأخير كأنهم قالوا ما كنا مشركين والله ربنا، و{ما كنا مشركين} معناه جحود إشراكهم في الدنيا، فروي أنهم إذا رأوا إخراج من في النار من أهل الإيمان ضجوا فيوقفون ويقال لهم أين شركاؤكم فينكرون طماعية منهم أن يفعل بهم ما فعل بأهل الإيمان. وأتى رجل ابن عباس فقال: سمعت الله يقول: {والله ربنا ما كنا مشركين} وفي أخرى {ولا يكتمون الله حديثاً} [النساء: 42] فقال ابن عباس لما رأوا أنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن قالوا تعالوا فلنجحد، وقالوا ما كنا مشركين فختم الله على أفواههم وتكلمت جوارحهم فلا يكتمون الله حديثاً.
قال القاضي أبو محمد: وعبد بعض المفسرين عن الفتنة هنا بأن قالوا معذرتهم، قاله قتادة، وقال آخرون كلامهم قاله الضحاك، وقيل غير هذا مما هو كله في ضمن ما ذكرناه، وقوله تعالى {انظر كيف كذبوا} الآية، الخطاب لمحمد عليه السلام والنظر نظر القلب، وقال كذبوا في أمر لم يقع إذ هي حكاية يوم القيامة فلا إشكال في استعمال الماضي فيها موضع المستقبل ويفيدنا استعمال الماضي تحقيقاً ما في الفعل وإثباتاً له، وهذا مهيع في اللغة، ومنه قول الربيع بن ضبع الفزاري: [المنسرح]
أَصْبَحْتُ لا أحْمِلُ السِّلاَحَ ولا ** أمْلِكُ رَأْسَ البَعيِرِ إن نَفَرَا

يريد أن ينفر {وضل عنهم} معناه ذهب افتراؤهم في الدنيا وكذبهم بادعائهم لله تبارك وتعالى الشركاء.

.تفسير الآية رقم (25):

{وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آَذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آَيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (25)}
الضمير في قوله: {ومنهم} عائد على الكفار الذين تضمنهم قبل قوله: {يوم نحشرهم جميعاً} [الأنعام: 22] وأفرد {يستمع} وهو فعل جماعة حملاً على لفظ {من} و{أكنة} جمع كنان وهو الغطاء الجامع، ومنه كنانة السهام والكنّ، ومنه قوله تعالى: {بيض مكنون} [الصافات: 49] ومنه قول الشاعر: [الطويل]
إذا ما انتَضَوْها في الوغى مِنْ أَكِنَّةً ** حَسِبْتَ بُروقَ الغَيْثِ هَاجَتْ غُيُومُها

وفعال وأفعله مهيع في كلامهم و{أن يفقهوه} نصب على المفعول من أجله أي كراهية أن يفهموه، وقيل المعنى أن لا يفقهوه، ويلزم هذا القول إضمار حرف النفي، و{يفقهوه} معناه يفقهوه، ويقال فقِه الرجل بكسر القاف إذا فهم الشيء وفقُه بضمها: إذا صار فقيهاً له ملكة، وفقه إذا غلب في الفقه غيره، والوقر: الثقل في السمع، يقال وقرت أذنه ووقِرت بكسر القاف وفتحها، ومنه قول الشاعر: [الرمل]
وكلام سيّء وَقَرَتْ ** أُذُنِي وما بي مِنْ صَمَمْ

وقد سمع أذن موقورة فالفعل على هذا وقرت، وقرأ طلحة بن مصرف: {وِقراً} بكسر الواو كأنه ذهب إلى أن آذانهم وقرت بالصمم كما توقر الدابة من الحمل وهي قراءة شاذة، وهذا عبارة عما جعل الله في نفوس هؤلاء القوم من الغلط والبعد عن قبول الخير لا أنهم لم يكونوا سامعين لأقواله، وقوله تعالى: {وإن يروا كل آية} الآية، الرؤية هنا الرؤية العين يريد كانشقاق القمر وشبهه.
قال القاضي أبو محمد: ومقصد هذه الآية أنهم في أعجز درجة وحاولوا رد الحق بالدعوى المجردة والواو في قوله: {وجعلنا} واو الحال والباب أن يصرح معها بقد، وقد تجيء أحياناً مقدرة، وإيضاح ذلك أنه تعالى قال ومن هؤلاء الكفرة من يستمعك وهو من الغباوة في حد قلبه في كنان وأذنه صماء وهو يرى الآيات فلا يؤمن بها لكنه مع بلوغه الغاية من هذه القصور إذا جاء للمجادلة قابل بدعوى مجردة، والمجادلة المقابلة في الاحتجاج مأخوذ من الجدل، و{هذا} في قولهم إشارة إلى القرآن، والأساطير جمع أسطار كأقوال وأقاويل ونحوه، وأسطار جمع سطر وسطر، وقيل الأساطير جمع أسطارة وهي النزهات، وقيل جمع أسطورة كأعجوبة وأضحوكة، وقيل هم اسم جمع لا واحد من لفظه كعبابيد وشماميط والمعنى أخبار الأولين وقصصهم وأحاديثهم التي تسطر وتحكى ولا تحقق كالتواريخ وإنما شبهها الكفار بأحاديث النضر بن الحارث وأبي عبد الله بن أبي أمية عن رستم والسندباد، ومجادلة الكفار كانت مرادّتهم نور الله بأفواههم المبطلة، وقد ذكر الطبري عن ابن عباس أنه مثل من ذلك قولهم: إنكم أيها المتبعون محمداً تأكلون ما قتلتم بذبحكم ولا تأكلون ما قتل الله، ونحو هذا من التخليط الذي لا تتركب منه حجة.
قال القاضي أبو محمد: وهذا جدال في حكم، والذي في الآية إنما هو جدال في مدافعة القرآن، فلا تتفسر الآية عندي بأمر الذبح.

.تفسير الآيات (26- 27):

{وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (26) وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآَيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (27)}
الضمير في قوله: {وهم} عائد على المذكورين قل، والضمير في {عنه} قال قتادة ومجاهد يعود على القرآن المتقدم ذكره في قوله أن يفهموه وقال ابن عباس وابن الحنفية والضحاك هو عائد على محمد عليه السلام والمعنى أنهم ينهون غيرهم ويبعدون هم بأنفسهم و{النأي} البعد، {وإن يهلكون} معناه ما يهلكون إلا أنفسهم بالكفر الذي يدخلهم جهنم، وقال ابن عباس أيضاً والقاسم وحبيب بن أبي ثابت وعطاء بن دينار المراد بقوله: {وهم ينهون عنه} أبو طالب ومن كان معه على حماية رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى الدوام في الكفر، والمعنى وهم ينهون عنه من يريد إذايته {وينأون عنه} بإيمانهم واتباعهم فهم يفعلون الشيء وخلافه، ويقلق على هذا القول رد قوله: {وهم} على جماعة الكفار المتقدم ذكرها، لأن جميعهم لم يكن ينهى عن إذاية النبي صلى الله عليه وسلم.
قال القاضي أبو محمد: ويتخرج ذلك ويحسن على أن تقدر القصد ذكر ما ينعى على فريق فريق من الجماعة التي هي كلها مجمعة على الكفر، فخرجت العبارة عن فريق من الجماعة بلفظ يعم الجماعة، لأن التوبيخ على هذه الصورة أغلظ عليهم، كما تقول إذا شنعت على جماعة فيها زناة وسرقة وشربة خمر هؤلاء يزنون ويسرقون ويشربون الخمر وحقيقة كلامك أن بعضهم يفعل هذا وبعضهم يفعل هذا، فكأنه قال: من هؤلاء الكفرة من يستمع وهم ينهون عن إذايته ولا يؤمنون به، أي: منهم من يفعل ذلك {وما يشعرون} معناه: ما يعلمون علم حسّ، وهو مأخوذ من الشعار الذي يلي بدن الإنسان، والشعار مأخوذ من الشعر، ونفي الشعور مذمة بالغة إذ البهائم تشعر وتحس، فإذا قلت لا يشعر فقد نفيت عنه العلم النفي العام الذي يقتضي أنه لا يعلم ولا المحسوسات.
قال القاضي أبو محمد: وقرأ الحسن {وينون عنه} ألقيت حركة الهمزة على النون على التسهيل القياسي، وقوله تعالى: {ولو ترى إذ وقفوا على النار} الآية المخاطبة فيه لمحمد صلى الله عليه وسلم، وجواب {لو} محذوف، تقديره في آخر هذه الآية لرأيت هولاً أو مشقات أو نحو هذا، وحذف جوابها في مثل هذا أبلغ لأن المخاطب يترك مع غاية تخيله، ووقعت {إذ} في موضع إذا التي هي لما يستقبل وجاز ذلك لأن الأمر المتيقن وقوعه يعبر عنه كما يعبر عن الماضي الوقوع، و{وقفوا} معناه: حبسوا، ولفظ هذا الفعل متعدياً وغير متعد سواء، تقول: وقفت أنا ووقفت غيري، وقال الزهراوي: وقد فرق بينهما بالمصدر ففي المتعدي وقفته وقفاً وفي غير المتعدي وقفت وقوفاًَ، قال أبو عمرو بن العلاء: لم أسمع في شيء من كلام العرب أوقفت فلاناً إلا أني لو لقيت رجلاً واقفاً فقلت له ما أوقفك هاهنا لكان عندي حسناً، ويحتمل قوله: {وقفوا على النار} أن يكون دخلوها، فكان وقوفهم عليها أي فيها، قاله الطبري، ويحتمل أن يكون أشرفوا عليها وعاينوها، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والكسائي وعاصم في رواية أبي بكر: {ولا نكذبُ} ونكونُ بالرفع في كلها، وذلك على نية الاستئناف والقطع في قوله ولا نكذب ونكون أي يا ليتنا نرد ونحن على كل حال لا نكذب ونكون، فأخبروا أنفسهم بهذا ولهذا الإخبار صح تكذيبهم بعد هذا، ورجح هذا سيبويه ومثله بقولك دعنى ولا أعود أي وأنا لا أعود على كل حال، ويخرج ذلك على قول آخر وهو أن يكون ولا نكذب ونكون داخلاً في التمني على حد ما دخلت في نرد، كأنهم قالوا: يا ليتنا نرد وليتنا نكذب وليتنا نكون، ويعترض هذا التأويل بأن من تمنى شيئاً يقال إنه كاذب وإنما يكذب من أخبر.
قال القاضي أبو محمد: وينفصل عن هذا الاعتراض بأن يكون قوله: {وإنهم لكاذبون} [الأنعام: 28] حكاية عن حالهم في الدنيا كلاماً مقطوعاً مما قبله وبوجه آخر وهو أن المتمني إذا كانت سجيته وطريقته مخالفة لما تمنى بعيدة منه يصح أن يقال له كذبت على تجوز، وذلك أن من تمنى شيئاً فتمنيه يتضمن إخباراً أن تلك الأمنية تصلح له ويصلح لها فيقع التكذيب في ذلك الإخبار الذي يتضمنه التمني، ومثال ذلك أن يقول رجل شرير ليتني أحج وأجاهد وأقوم الليل فجائز أن يقال لهذا على تجوز كذبت أي أنت لا تصلح لهذا ولا يصلح لك، وروي عن أبي عمرو: أنه أدغم باء نكذب في الباء التي بعدها، وقرأ ابن عامر وحمزة وعاصم في رواية حفص ولا نكذبَ ونكونَ بنصب الفعلين، وذلك كما تنصب الفاء في جواب التمني، فالواو في ذلك والفاء بمنزلة، وهذا تقدير ذكر مصدر الفعل الأول كأنهم قالوا يا ليتنا كان لنا رد وعدم تكذيب وكون من المؤمنين، وقرأ ابن عامر في رواية هشام بن عمار عن أصحابه عن ابن عامر {ولا نكذبُ} بالرفع {ونكونَ} بالنصب، ويتوجه ذلك على ما تقدم في مصحف عبد الله بن مسعود {يا ليتنا نرد فلا نكذب بآيات ربنا ونكون} بالفاء، وفي قراءة أبي بن كعب {يا ليتنا نرد فلا نكذب بآياتنا أبداً ونكون}، وحكي أبو عمرو أن في قراءة أبي {بآيات ربنا ونحن نكون}، وقوله: {نرد} في هذه الأقوال كلها معناه: إلى الدنيا، وحكى الطبري تأويلاً آخر وهو يا ليتنا نرد إلى الآخرة أي نبعث ونوقف على النار التي وقفنا عليها مكذبين ليت ذلك ونحن في حالة لا نكذب ونكون، فالمعنى يا ليتنا نوقف هذا الوقوف غير مكذبين بآيات ربنا كائنين من المؤمنين.
قال القاضي أبو محمد: وهذا التأويل يضعف من غير وجه ويبطله قوله تعالى: {ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه} [الأنعام: 28] ولا يصح أيضاً التكذيب في هذا التمني لأنه تمني ما قد مضى. وإنما يصح التكديب الذي ذكرناه قل هذا على تجوز في تمني المستقبلات.