فصل: تفسير الآيات (42- 45):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (42- 45):

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42) فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (43) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44) فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (45)}
في الكلام حذف يدل عليه الظاهر تقديره فكذبوا فأخذناهم، ومعناه لازمناهم وتابعناهم الشيء بعد الشيء، {البأساء} المصائب في الأموال، {والضراء} في الأبدان، هذا قول الأكثر، وقيل قد يوضع كل واحد بدل الآخر، ويؤدب الله تعالى عباده {بالبأساء والضراء} ومن هنالك أدب العباد نفوسهم بالبأساء في تفريق المال، والضراء في الحمل على البدن في جوع وعري، والترجي في لعل في هذا الموضع إنما هو على معتقد البشر لو رأى أحد ذلك لرجا تضرعهم بسببه، والتضرع التذلل والاستكانة، وفي المثل أن الحمى أضرعتني لك، ومعنى الآية توعد الكفار وضرب المثل لهم، و{لولا} تحضيض، وهي التي تلي الفعل بمعنى هلا، وهذا على جهة المعاتبة لمذنب غائب وإظهار سوء فعله مع تحسر ما عليه، والمعنى إذ جاءهم أوائل البأس وعلاماته وهو تردد البأساء والضراء، و{قست} معناه صلبت وهي عبارة عن الكفر ونسب التزيين إلى الشيطان وقد قال تعالى في آية أخرى {كذلك زينا لكل أمة عملهم} [الأنعام: 108] لأن تسبب الشيطان ووسوسته تجلب حسن الفكر في قلوبهم، وذلك المجلوب الله يخلقه، فإن نسب إلى الله تعالى فبأنه خالقه وإلى الشيطان فبأنه مسببه.
وقوله تعالى: {فلما نسوا} الآية، عبر عن الترك بالنسيان إذا بلغ وجوه الترك الذي يكون معه نسيان وزوال المتروك عن الذهن، وقرأ ابن عامر فيما روي عنه {فتّحنا} بتشديد التاء، و{كل شيء} معناه مما كان سد عليهم بالبأساء والضراء من النعم الدنياوية، فهو عموم معناه خصوص، و{فرحوا} معناه بطروا وأشروا وأعجبوا وظنوا أن ذلك لا يبيد وأنه دال على رضى الله عنهم، وهو استدرجهم من الله تعالى، وقد روي عن بعض العلماء أنه قال: رحم الله عبداً تدبر هذه الآية {حتى إذا فرحوا با أوتوا أخذناهم بغتة} وقال محمد بن النضير الحارثي: أمهل القوم عشرين سنة، وروى عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا رأيتم الله يعطي العباد ما يشاؤون على معاصيهم فذلك استدراج» ثم تلا {فلما نسوا} الآية كلها، و{أخذناهم}، وهو مصدر في موضع الحال لا يقاس عليه عند سيبويه، والمبلس الحزين الباهت اليائس من الخير الذي لا يحير جواباً لشدة ما نزل به من سوء الحال، وقوله تعالى: {فقطع دابر القوم} الآية، الدابر آخر الأمر الذي يدبره أي يأتي من خلفه، ومنه قول الشاعر [أمية بن أبي الصلت] [البسيط]
فَأُهلِكُوا بعذابٍ حصَّ دَابِرَهُمْ ** فما استطاعُوا لَهُ دَفْعاً ولا انْتَصَرُوا

وقول الآخر: [الطويل]
وَقَدْ زَعَمتْ علْيا بَغِيضٍ وَلَفُّها ** بَأني وَحِيدٌ قَدْ تَقَطَّع دابري

وهذه كناية عن استئصال شأفتهم ومحو آثارهم كأنهم وردوا العذاب حتى ورد آخرهم الذي دبرهم وقرأ عكرمة {فقَطَع} بفتح القاف والطاء {دابرَ} بالنصب، وحسن الحمد عقب هذه الآية لجمال الأفعال المتقدمة في أن أرسل الرسل وتلطف في الأخذ بالبأساء والضراء ليتضرع إليه فيرحم وينعم، وقطع في آخر الأمر دابر الظلمة، وذلك حسن في نفسه ونعمة على المؤمنين فحسن الحمد يعقب هذه الأفعال، وبحمد الله ينبغي أن يختم كل فعل وكل مقالة لا رب غيره.

.تفسير الآيات (46- 49):

{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ (46) قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ (47) وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آَمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (48) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (49)}
هذا ابتداء احتجاج على الكفار، و{أخذ الله} معناه أذهبه وانتزعه بقدرته، ووحد السمع لأنه مصدر مفرد يدل على جمع، والضمير في {به} عائد على المأخوذ، وقيل على السمع، وقيل على الهدى الذي تضمنه المعنى، وقرأ الأعرج وغيره بهُ انظر بضم الهاء، ورواها المسيبي وأبو وجزة عن نافع، و{يصدقون} معناه يعرضون وينفرون، ومنه قول الشاعر: [البسيط]
إذا ذَكَرْنَ حديثاً قُلْنَ أحْسَنَهُ ** وهنَّ عَنْ كُلِّ سُوءٍ يُتَّقَى صُدُقَا

قال النقاش: في الآية دليل على تفضيل السمع على البصر لتقدمته هنا، ثم احتج لذلك بقوله: {إنما يستجيب الذين يسمعون} [الأنعام: 36] وبغير ذلك، والاستفهام في قوله: {من إله} معناه التوقيف، أي ليس ثمة إله سواه فما بال تعلقكم بالأصنام وتمسككم بها وفي لا تدفع ضرراً ولا تأتي بخير، وتصريف الآيات هو نصب العبر ومجيء آيات القرآن بالإنذار والاعذار والبشارة ونحوه وقوله تعالى: {قل أرأيتكم} الآية، وعيد وتهديد، و{بغتة} معناه لا يتقدم عندكم منها علم و{جهرة} معناه: تبدو لكم مخايلة ومبادية ثم تتوالى حتى تنزل، قال الحسن بن أبي الحسن: {بغتة} ليلاً و{جهرة} نهاراً، قال مجاهد: {بغتة} فجأة آمنين و{جهرة} وهم ينظرون، وقرأ ابن محيصن {هل يهلك} على بناء الفعل للفاعل، والمعنى هل تهلكون ألا أنتم لأن الظلم قد تبين في حيزكم، و{هل} ظاهرها الاستفهام ومعناها التسوية المضمنة للنفي ولا تكون التسوية بها إلا في النفي، وتكون بالألف في نفي وفي إيجاب، وقوله تعالى: {وما نرسل المرسلين} الآية، المعنى إنما نرسل الأنبياء المخصوصين بالرسالة ليبشروا بإنعامنا ورحمتنا لمن آمن وينذروا بعذابنا وعقابنا من كذب وكفر، ولسنا نرسلهم ليقترح عليهم الآيات ويتابعوا شذوذ كل متعسف متعمق، ثم وعد من سلك طريق البشارة فآمن وأصلح في امتثال الطاعات، وأوعد الذين سلكوا طريق النذارة فكذب بآيات الله، وفسق أي خرج عن الحد في كفرانه وعصيانه، وقال ابن زيد: كل فسق في القرآن فمعناه الكذب، ذكره عنه الطبري مسنداً و{يمسهم} أي يباشرهم ويلصق بهم، وقرأ الحسن والأعمش {العذاب بما} بإدغام الباء في الباء، ورويت عن أبي عمرو، وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش {يفسِقون} بكسر السين وهي لغة.

.تفسير الآيات (50- 51):

{قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ (50) وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (51)}
هذا من الرد على القائلين لولا أنزل عليه آية والطالبين أن ينزل ملك أو تكون له جنة أو أكثر أو نحو هذا، والمعنى: لست بهذه الصفات فيلزمني أن أجيبكم باقتراحاتكم، وقوله: {لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب} يحتمل معنيين أظهرهما أن يريد أنه بشر لا شيء عنده من خزائن الله ولا من قدرته ولا يعلم شيئاً مما غيب عنه، والآخر أنه ليس بإله فكأنه قال لا أقول لكم إني أتصف بأوصاف إله في أن عندي خزائنه وأن يأعلم الغيب، وهذا هو قول الطبري وتعطي قوة اللفظ في هذه الآية الملك أفضل من البشر، وليس ذلك بلازم من هذا الموضع، وإنما الذي يلزم منه أن الملك أعظم موقعاً في نفوسم وأقرب إلى الله، والتفضيل يعطيه المعنى عطاء خفياً وهو ظاهر من آيات آخر، وهي مسألة خلاف، و{ما يوحى} يريد القرآن وسائر ما يأتي به الملك، أي وفي ذلك عبر وآية لمن تأمل ونظر، وقوله تعالى {قل هل يستوي} الآية، أي قل لهم إنه لا يستوي الناظر المفكر في الآيات أو المعرض الكافر المهمل للنظر، فالأعمى والبصير مثالان للمؤمن والكافر، أي ففكروا أنتم وانظروا وجاء الأمر بالفكرة في عبارة العرض والتحضيض و{أنذر} عطف على {قل}، والنبي عليه السلام مأمور بإنذار جميع الخلائق، وإنما وقع التحضيض هنا بحسب المعنى الذي قصد، وذلك أن فيما تقدم من الآيات نوعاً من اليائس في الأغلب عن هؤلاء الكفرة الذين قد قال فيهم أيضاً {أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون} [البقرة: 6، يس: 10] فكأنه قيل له هنا: قل لهؤلاء الكفرة المعرضين كذا ودعهم ورأيهم لأنفسهم وأنذر بالقرآن هؤلاء الآخرين الذين هم مظنة الإيمان وأهل للانتفاع، ولم يرد أنه لا ينذر سواهم، بل الإنذار العام ثابت مستقر، والضمير في {به} عائد على {ما يوحى} {ويخافون} على بابها في الخوف أي الذين يخافون ما تحققوه من أن يحشروا ويستعدون لذلك، ورب متحقق لشيء مخوف وهو لقلة النظر والحزم لا يخافه ولا يستعد له.
قال القاضي ابو محمد: وقال الطبري: وقيل {يخافون} هنا بمعنى يعلمون، وهذا غير لازم، وقوله: {الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم} يعم بنفس اللفظ كل مؤمن بالبعث من مسلم ويهودي ونصراني، وقوله: {ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع} يحتمل معنيين فإن جعلناه داخلاً في الخوف في موضع نصب على الحال أي يخافون أن يحشروا في حال من لا ولي له ولا شفيع، فهي مختصة بالمؤمنين المسلمين ولأن اليهود والنصارى يزعمون أن لهم شفعاء وأنهم أبناء الله ونحو هذا من الأباطيل، وإن جعلنا قوله: {ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع} إخباراً من الله تعالى عن صفة الحال يؤمئذ فهي عامة للمسلمين وأهل الكتاب و{لعلهم يتقون} ترجٍّ على حسب ما يرى البشر ويعطيه نظرهم.

.تفسير الآيات (52- 53):

{وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (52) وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ (53)}
المراد ب {الذين} ضعفة المؤمنين في ذلك الوقت في أمور الدنيا بلال وعمار وابن أم عبد ومرثد الغنوي وخباب وصهيب وصبيح وذو الشمالين والمقداد ونحوهم وسبب الآية أن الكفار قال بعضهم للنبي صلى الله عليه وسلم: نحن لشرفنا وأقدارنا لا يمكننا أن نختلط بهؤلاء، فلو طردتهم لاتبعناك وجالسناك، ورد في ذلك حديث عن ابن مسعود، وقيل: إنما قاله هذه المقالة أبو طالب على جهة النصح للنبي صلى الله عليه وسلم قال له: لو أزلت هؤلاء لاتبعك أشراف قومك وروي أن ملأ قريش اجتمعوا إلى أبي طالب في ذلك، وظاهر الأمر أنهم أرادوا بذلك الخديعة، فصوب هذا الرأي من أبي طالب عمر بن الخطاب وغيره من المؤمنين فنزلت الآية، وقال ابن عباس: إن بعض الكفار إنما طلب أن يؤخر هؤلاء عن الصف الأول في الصلاة، ويكونون هم موضعهم، ويؤمنون إذا طرد هؤلاء من الصف الأول فنزلت الآية، أسند الطبري إلى خباب بن الأرت أن الأقرع بن حابس ومن شابهه من أشراف العرب قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم اجعل لنا منك مجلساً، لا يخالطنا فيه العبيد والحلفاء، واكتب لنا كتاباً، فهمّ النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فنزلت هذه الآية.
قال القاضي أبو محمد: وهذا تأويل بعيد في نزول الآية، لأن الآية مكية وهؤلاء الأشراف لم يفدوا إلا في المدينة، وقد يمكن أن يقع هذا القول منهم ولكنه إن كان وقع فبعد نزول الآية بمدة اللهم إلا تكون الآية مدنية، قال خباب رضي الله عنه: ثم نزلت {وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم} [الأنعام: 54] الآية فكنا نأتي فيقول لنا: سلام عليكم ونقعد معه، فإذا أراد يقوم قام وتركنا، فأنزل الله {واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم} [الكهف: 28] الآية فكان يقعد معنا، فإذا بلغ الوقت الذي يقوم فيه قمنا وتركناه حتى يقوم و{يدعون ربهم بالغداة والعشي} قال الحسن بن أبي الحسن المراد به صلاة مكة التي كانت مرتين في اليوم بكرة وعشياً وقيل: بل قوله: {بالغداة والعشي} عبارة عن استمرار الفعل وأن الزمن معمور به، كما تقول: الحمد لله بكرة وأصيلا، فإنما تريد الحمد لله في كل وقت والمراد على هذا التأويل قيل، هو الصلوات الخمس، قاله بن عباس وإبراهيم، وقيل الدعاء وذكر الله واللفظة على وجهها وقال بعض القصاص: إنه الاجتماع إليهم غدوة وعشياً فأنكر ذلك ابن المسيب وعبد الرحمن بن أبي عمرة وغيرهما وقالوا: إنما الآية في الصلوات في الجماعة، وقيل: قراءة القرآن وتعلمه قاله أبو جعفر ذكره الطبري، وقيل العبادة قاله الضحاك: وقرأ أبو عبد الرحمن ومالك بن دينار والحسن ونصر بن عاصم وابن عامر {بالغدوة والعشي}، وروي عن أبي عبد الرحمن {بالغدو} بغير هاء، وقرأ ابن أبي عبلة بالغدوات والعشيات بألف فيهما على الجمع، وغدوة: معرفة لأنها جعلت علماً لوقت من ذلك اليوم بعينه وجاز إدخال الألف واللام عليها كما حكى أبو زيد لقيته فينة غير مصروف والفينة بعد الفينة فألحقوا لام المعرفة ما استعمل معرفة، وحملاً على ما حكاه الخليل أنه يقال: لفيته اليوم غدوة منوناً، ولأن فيها مع تعيين اليوم، إمكان تقدير معنى الشياع، ذكره أبو علي الفارسي و{وجهه} في هذا الموضع معناه جهة التزلق إليه كما تقول خرج فلان في وجه كذا أي في مقصد وجهة {وما عليك من حسابهم من شيء} معناه لم تكلف شيئاً غير دعائهم فتقدم أنت وتؤخر ويظهر يكون الضمير في {حسابهم} و{عليهم} للكفار الذين أرادوا طرد المؤمنين، أي ما عليك منهم آمنوا ولا كفروا فتطرد هؤلاء رعياً لذلك، والضمير في تطردهم عائد على الضعفة من المؤمنين، ويؤيد هذا التأويل أن ما بعد الفاء أبداً سبب ما قبلها، وذلك لا يبين إذا كانت الضمائر كلها للمؤمنين، وحكى الطبري أن الحساب هنا إنما هو في رزق الدنيا، أي لا ترزقهم ولا يرزقونك.
قال القاضي أبو محمد: فعلى هذا تجيء الضمائر كلها للمؤمنين، وذكره المهدوي، وذكر عن الحسن أنه من حساب عملهم كما قال الجمهور، و{ما عليك} وقوله: {فتكون} جواب النهي في قوله: {ما عليك} {فتطردهم} جواب النهي في قوله: {ولا تطرد} و{من الظالمين}، معناه يضعون الشيء غير مواضعة وقوله تعالى: {وكذلك فتنا بعضهم ببعض} الآية {فتنا} معناه في هذه الآية: ابتلينا، فابتلاء المؤمنين بالمشركين هو ما يلقون منهم من الأذى، وابتلاء المشركين بالمؤمنين هو أن يرى الرجل الشريف من المشركين قوماً لا شرف لهم قد عظمهم هذا الدين وجعل لهم عند نبيه قدراً ومنزلة، والإشارة بذلك إلى ما ذكر من طلبهم أن يطرد الضعفة و{ليقولوا} معناه ليصبر بحكم القدر أمرهم إلى أن يقولوا، فهي لام الصيرورة كما قال تعالى: {فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدواً وحزناً} [القصص: 8] أي ليصير مثاله أن يكون لهم عدواً وقول المشركين على هذا التأويل {أهؤلاء منّ الله عليهم من بيننا} هو على جهة الاستخفاف والهزء ويحتمل الكلام معنى آخر وهو أن تكون اللام في {ليقولوا} على بابها في لام كي وتكون المقالة منهم استفهاماً لأنفسهم ومباحثة لها وتكون سبب إيمان من سبق إيمانه منهم، فمعنى الآية على هذا التأويل وكذلك ابتلينا أشراف الكفار بضعفاء المؤمنين ليتعجبوا في نفوسهم من ذلك ويكون سبب نظر لمن هدي.
قال القاضي أبو محمد: والتأويل الأول أسبق والثاني يتخرج، ومنّ على كلا التأويلين إنما هي على معتقد المؤمنين، أي هؤلاء منّ الله عليهم بزعمهم أن دينهم منة، وقوله: {أليس الله بأعلم بالشاكرين} أي يا أيها المستخفون أو المتعجبون على التأويل الآخر ليس الأمر أمر استخفاف ولا تعجب، فالله أعلم بمن يشكر نعمته والمواضع التي ينبغي أن يوضع فيها فجاء إعلامهم بذلك في لفظ التقدير إذ ذلك بين لا تمكنهم فيه معاندة.