فصل: تفسير الآيات (63- 64):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (63- 64):

{قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (63) قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ (64)}
هذا تماد في توبيخ العادلين بالله الأوثان، وتوقيفهم على سوء الفعل في عبادتهم الأصنام وتركهم الذي ينجي من المهلكات ويلجأ إليه في الشدائد، و{من} استفهام رفع بالابتداء، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي {من ينَجّيكم قل الله يَنجّيكم} بتشديد الجيم وفتح النون، وقرأ أبو عمرو في رواية علي بن نصر عنه وحميد بن قيس ويعقوب {ينْجِيكم} فيها بتخفيف الجيم وسكون النون، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر بالتشديد في الأولى والتخفيف في الثانية فجمعوا بين التعدية بالألف والتعدية بالتضعيف كما جاء ذلك في قوله تعالى: {فمهِّل الكافرين أمْهِلهم رويداً} [الطارق: 17] و{ظلمات البر والبحر} يراد به شدائدهما، فهو لفظ عام يستغرق ما كان من الشدائد بظلمة حقيقية وما كان بغير ظلمة، والعرب تقول عام أسود ويوم مظلوم ويوم ذو كواكب ونحو هذا يريدون به الشدة، قال قتادة: المعنى من كرب البر والبحر، وقاله الزجّاج و{تدعونه} في موضع الحال و{تضرعاً} نصب على المصدر والعامل فيه {تدعونه}، والتضرع صفة بادية على الإنسان، {وخفية} معناه الاختفاء والسر، فكأن نسق القول: تدعونه جهراً وسراً هذه العبارة بمعان زائدة، وقرأ الجميع غير عاصم: {وخُفية} بضم الخاء، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر {وخِفية} بكسر الخاء، وقرأ الأعمش: {وخيفة} من الخوف وقرأ الحجازيون وأهل الشام: {أنجيتنا}، وقرأ الكوفيون {أنجانا} على ذكر الغائب، وأمال حمزة والكسائي الجيم، و{من الشاكرين} أي على الحقيقة، والشكر على الحقيقة يتضمن الإيمان، وحكى الطبري في قوله: {ظلمات} أنه ضلال الطرق في الظلمات ونحوه المهدوي أنه ظلام الليل والغيم والبحر.
قال القاضي أبومحمد: وهذا التخصيص كله لا وجه له وإنما هو لفظ عام لأنواع الشدائد في المعنى، وخص لفظ {الظلمات} بالذكر لما تقرر في النفوس من هول الظلمة، وقوله تعالى: {قل الله ينجيكم} الآية: سبق في المجادلة إلى الجواب، إذ لا محيد عنه، {ومن كل كرب} لفظ عام أيضاً ليتضح العموم الذي في الظمات، ويصح أن يتأول من قوله: {ومن كل كرب} تخصيص الظلمات قبل، ونص عليها لهولها، وعطف في هذا الموضع ب {ثم} للمهلة التي تبين قبح فعلهم، أي ثم بعد معرفتكم بهذا كله وتحققكم به أنتم تشركون.

.تفسير الآيات (65- 67):

{قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (65) وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (66) لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (67)}
هذا إخبار يتضمن الوعيد، والأظهر من نسق الآيات أن هذا الخطاب للكفار الذين تقدم ذكرهم وهو مذهب الطبري، وقال أبيّ بن كعب وأبو العالية وجماعة معهما: هي للمؤمنين وهم المراد، قال أبي بن كعب: هي أربع خلال وكلهن عذاب وكلهن واقع قبل يوم القيامة فمضت اثنتان بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس وعشرين سنة، ثم لبسوا شيعاً وأذيق بعضهم بأس بعض، واثنتان واقعتان لا محالة الخسف والرجم، وقال الحسن بن أبي الحسن: بعضها للكفار وبعضها للمؤمنين بعث العذاب من فوق وتحت للكفار وسائرها للمؤمنين، وهذا الاختلاف إنما هو بحسب ما يظهر من أن الآية تتناول معانيها المشركين والمؤمنين، وروي من حديث جابر وخالد الخزاعي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزلت {أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم} قال أعوذ بوجهك فلما نزلت {أو من تحت أرجلكم} قال: أعوذ بوجهك فلما نزلت {أو يلبسكم شيعاً ويذيق بعضكم بأس بعض} قال هذه أهون أو هذه أيسر، فاحتج بهذا من قال إنها نزلت في المؤمنين، وقال الطبري: وغير ممتنع أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم تعوذ لأمته من هذه الأشياء التي توعد بها الكفار، وهون الثالثة لأنها بالمعنى هي التي دعا بها فمنع حسب حديث الموطأ وغيره، وقد قال ابن مسعود: إنها أسوأ الثلاث، وهذا عندي على جهة الإغلاظ في الموعظة، والحق أنها أيسرها كما قال عليه السلام، و{من فوقكم ومن تحت أرجلكم} لفظ عام للمنطبقين على الإنسان وقال السدي عن أبي مالك {من فوقكم} الرجم {ومن تحت أرجلكم} الخسف وقاله سعيد بن جبير ومجاهد، وقال ابن عباس رضي الله عنه: {من فوقكم} ولاة الجور {ومن تحت أرجلكم} سفلة السوء وخدمة السوء.
قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه: وهذه كلها أمثلة لا أنها هي المقصود، إذ هذه وغيرها من القحوط والغرق وغير ذلك داخل في عموم اللفظ و{يلبسكم} على قراءة الستة معناه يخلطكم شيعاً فرقاً بتشيع بعضها لبعض، واللبس الخلط، وقال المفسرون هو افتراق الأهواء والقتال بين الأمة، وقرأ أبو عبد الله المدني {يُلبسكم} بضم الياء من ألبس فهوعلى هذه استعارة من اللباس، فالمعنى أو يلبسكم الفتنة شيعاً و{شيعاً} منصوب على الحال وقد قال الشاعر [النابغة الجعدي]: [المتقارب]
لبِسْت أُناساً فأفْنَيْتهم

فهذه عبارة عن الخلطة والمقاساة، والبأس القتل وما أشبهه من المكاره، {ويذيق} استعارة إذ هي من أجل حواس الاختبار، وهي استعارة مستعملة في كثير من كلام العرب وفي القرآن، وقرأ الأعمش {ونذيق} بنون الجماعة، وهي نون العظمة في جهة الله عز وجل، وتقول أذقت فلاناً العلقم تريد كراهية شيء صنعته به ونحو هذا، وفي قوله تعالى {انظر كيف نصرف} الآية، استرجاع لهم وإن كان لفظها لفظ تعجيب للنبي صلى الله عليه وسلم فمضمنها أن هذه الآيات والدلائل إنما هي لاستصرافهم عن طريق غيهم، و{الفقه} الفهم، والضمير في {به} عائد على القرآن الذي فيه جاء تصريف الآيات، قاله السدي وهذا هو الظاهر، وقيل يعود على النبي عليه السلام وهذا بعيد لقرب مخاطبته بعد ذلك بالكاف في قوله: {قومك} ويحتمل أن يعود الضمير على الوعيد الذي تضمنته الآية ونحا إليه الطبري، وقرأ ابن أبي عبلة {وكذبك قومك} بزيادة تاء، و{بوكيل} معناه بمدفوع إلى أخذكم بالإيمان والهدى، والوكيل بمعنى الحفيظ، وهذا كان قبل نزول الجهاد والأمر بالقتال ثم نسخ، وقيل لا نسخ في هذا إذ هو خبر. قال القاضي أبو محمد: والنسخ فيه متوجه لأن اللازم من اللفظ لست الآن، وليس فيه أنه لا يكون في المستأنف وقوله: {لكل نبأ مستقر} أي غاية يعرف عندها صدقه من كذبه {وسوف تعلمون} تهديد محض ووعيد.

.تفسير الآيات (68- 69):

{وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آَيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (68) وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلَكِنْ ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (69)}
لفظ هذا الخطاب مجرد للنبي صلى الله عليه وسلم وحده، واختلف في معناه فقيل إن المؤمنين داخلون في الخطاب معه.
قال القاضي أبو محمد: وهذا هو الصحيح، لأن علة النهي وهي سماع الخوض في آيات الله تسلهم وإياه وقيل: بل بالمعنى أيضاً إنما أريد به النبي صلى الله عليه وسلم وحده، لأن قيامه عن المشركين كان يشق عليهم وفراقه لهم على معارضته وإن لم يكن المؤمنون عندهم كذلك، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن ينابذهم بالقيام عنهم إذا استهزؤوا وخاضوا ليتأدبوا بذلك ويدعوا الخوض والاستهزاء، وهذا التأويل يتركب على كلام ابن جرير يرحمه الله، والخوض أصله في الماء ثم يستعمل بعد في غمرات الأشياء التي هي مجاهل تشبيهاً بغمرات الماء، {وإما} شرط وتلزمها النون الثقيلة في الأغلب، وقد لا تلزم كما قال:
***إمَّا يُصِبْكَ عَدُوٌّ في مُنَاوَأةٍ ** إلى غير ذلك من الأمثلة، وقرأ ابن عامر وحده {ينسّنَك} بتشديد السين وفتح النون والمعنى واحد، إلا أن التشديد أكثر مبالغة، و{الذكرى} والذكر واحد في المعنى وإنما هو تأنيث لفظي، ووضفهم هنا ب {الظالمين} متمكن لأنهم وضعوا الشيء في غير موضعه، و{أعرض} في هذه الآية بمعنى المفارقة على حقيقة الإعراض وأكمل وجوهه، ويدل على ذلك {فلا تقعد}.
وقوله تعالى: {وما على الذين يتقون من حسابهم} الآية، والمراد ب {الذين} هم المؤمنون. والضمير في {حسابهم} عائد على {الذين يخوضون} ومن قال إن المؤمنين داخلون في قوله: {فأعرض} قال إن النبي عليه السلام داخل في هذا القصد ب {الذين يتقون}، والمعنى عندهم على ما روي أن المؤمنين قالوا لما نزلت فلا تقعد معهم قالوا: إذا كنا لا نضرب المشركين ولا نسمع أقوالهم فما يمكننا طواف ولا قضاء عبادة في الحرم فنزلت لذلك {وما على الذين يتقون}.
قال القاضي أبو محمد: فالإباحة في هذا هي في القدر الذي يحتاج إليه من التصرف بين المشركين في عبادة ونحوها، وقال بعض من يقول إن النبي عليه السلام داخل في {الذين يتقون} وإن المؤمنين داخلون في الخطاب الأول أن هذه الآية الأخيرة ليست إباحة بوجه، وإنما معناها لا تقعدوا ولا تقربوهم حتى تسمعوا استهزاءهم وخوضهم، وليس نهيكم عن القعود لأن عليكم شيئاً من حسابهم وإنما هو ذكرى لكم، ويحتمل المعنى أن يكون لهم لعلهم إذا جانبتموهم يتقون بالإمساك عن الاستهزاء، وأما من قال إن الخطاب الأول هو مجرد للنبي صلى الله عليه وسلم لثقل مفارقته مغضباً على الكفار فإنه قال في هذه الآية الثانية إنها مختصة بالمؤمنين، ومعناها الإباحة، فكأنه قال فلا تقعد معهم يا محمد وأما المؤمنون فلا شيء عليهم من حسابهم فإن قعدوا فليذكروهم لعلهم يتقون الله في ترك ما هم فيه.
قال القاضي أبو محمد: وهذا القول أشار إليه النقاش ولم يوضحه، وفيه عندي نظر، وقال قائل هذه المقالة: إن هذه الإباحة للمؤمنين نسخت بآية النساء قوله تعالى: {وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره} [النساء: 140] وكذلك أيضاً من قال أولاً إلا أن الإباحة كانت بحسب العبادات يقول إن هذه الآية التي في النساء ناسخة لذلك إذ هي مدنية، والإشارة بقوله: {وقد نزل} [النساء: 140] إليها بنفسها فتأمله، وإلا فيجب أن يكون الناسخ غيرها، و{ذكرى} على هذا القول يحتمل أن يكون ذكر وهم ذكرى، ويحتمل ولكن أعرضوا متى أعرضتم في غير وقت العبادة ذكرى، و{ذكرى} على كل قول يحتمل أن تكون في موضع نصب بإضمار فعل أو رفع وإضمار مبتدأ، وينبغي للمؤمن أن يمتثل حكم هذه الآية مع الملحدين وأهل الجدال والخوض فيه، حكى الطبري عن أبي جعفر أنه قال لا تجالسوا أهل الخصومات فإنهم الذين يخوضون في آيات الله.

.تفسير الآية رقم (70):

{وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (70)}
هذا أمر بالمشاركة وكان ذلك بحسب قلة أتباع الإسلام حينئذ، قال قتادة: ثم نسخ ذلك وما جرى مجراه بالقتال، وقال مجاهد: الآية إنما هي للتهديد والوعيد فهي كقوله تعالى: {ذرني ومن خلقت وحيدأ} [المدثر: 11] وليس فيها نسخ لأنها متضمنة خبراً وهو التهديد، وقوله: {لعباً ولهواً} يريد إذ يعتقدون أن لا بعث فهم يتصرفون بشهواتهم تصرف اللاعب اللاهي، {وغرتهم الحياة الدنيا} أي خدعتهم من الغرور وهو الإطماع بما لا يتحصل فاغتروا بنعم الله ورزقه وإمهاله وطمعهم ذلك فيما لا يتحصل من رحمته.
قال القاضي أبو محمد: ويتخرج في {غرتهم} هنا وجه آخر من الغَرور بفتح العين أي ملأت أفواههم وأشبعتهم، ومنه قول الشاعر: [الطويل]
ولما التَقَيْنَا بالحَنِيَّةِ غَرَّنِي ** بِمَعْروفِهِ حتّى خَرَجَتُ أُفَوِّقُ

ومنه غر الطائر فرخه، ولا يتجه هذا المعنى في تفسير غر وفي كل موضع وأضاف الدين إليهم على معنى أنهم جعلوا اللعب واللهو ديناً، ويحتمل أن يكون المعنى اتخذوا دينهم الذي كان ينبغي لهم لعباً ولهواً، والضمير في {به} عائد على الدين، وقيل: على القرآن، و{أن تبسل} في موضع المفعول أي لئلا تبسل أو كراهية أن تبسل، ومعناه تسلم، قال الحسن وعكرمة، وقال قتادة: تحبس وترتهن، وقال ابن عباس: تفضي وقال الكلبي وابن زيد: تجزى، وهذه كلها متقاربة بالمعنى، ومنه قول الشنفرة: [الطويل]
هنالك لا أَرْجُو حَيَاةً تَسُرُّنِي ** سَمِيرَ اللَّيالي مُبْسَلاً بالجَرَائِرِ

وقال بعض الناس هو مأخوذ من البَسَل أي من الحرام كما قال الشاعر [ضمرة النهشاني]: [الكامل]
بَكَرَتْ تَلُومُكَ بِعْدَ وَهْنٍ في النَّدَى ** بَسل عَلَيْك مَلامَتِي وعِتابي

قال القاضي أبو محمد: وهذا بعيد، و{نفس} تدل على الجنس، ومعنى الآية وذكر بالقرآن والدين وادع إليه لئلا تبسل نفس التارك للإيمان بما كسبت من الكفر وآثرته من رفض الإسلام، وقوله تعالى: {ليس لها من دون الله} في موضع الحال، و{من} لابتداء الغاية ويجوز أن تكون زائدة و{دون} ظرف مكان وهي لفظة تقال باشتراك، وهي في هذه الآية الدالة على زوال من أضيفت إليه من نازلة القول كما في المثل:
***وأمر دون عبيدة الودم ** والولي والشفيع هما طريقا الحماية والغوث في جميع الأمور {وإن تعدل كل عدل} أي وإن تعط كل فدية، وإن عظمت فتجعلها عدلاً لها لا يقبل منها، وحكى الطبري عن قائل ان المعنى وإن تعدل من العدل المضاد للجور، ورد عليه وضعّفه بالإجماع على أن توبة الكافر مقبولة.
قال القاضي أبو محمد: ولا يلزم هذا الرد لأن الأمر إنما هو يوم القيامة ولا تقبل فيه توبة ولا عمل، والقول نص لأبي عبيدة، و{العدل} في اللغة مماثل الشيء من غير جنسه، وقبل: العِدل بالكسر المثل والعَدل بالفتح القيمة، و{أولئك} إشارة إلى الجنس المدلول عليه بقوله: {تبسل نفس}، و{ابسلوا} معناه أسلموا بما اجترحوه من الكفر، و{الحميم} الماء الحار، ومنه الحمام والحمة ومنه قول أبي ذؤيب: [الكامل]
إلا الحَميمَ فإنَّه يَتَبَصَّعُ ** وأليم فعيل بمعنى أي مؤلم.