فصل: تفسير الآيات (76- 77):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (76- 77):

{فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآَفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77)}
هذه الفاء في قوله: {فلما} رابطة جملة ما بعدها وهي ترجح أن المراد بالملكوت هو هذا التفصيل الذي في هذه الآية، و{جن الليل}: ستر وغطى بظلامه، ويقال الجن، والأول أكثر، ويشبه أن يكون الجن والمجن والجنة والجنن وهو القبر مشتقة من جن إذا ستر، ولفظ هذه القصة يحتمل أن تكون وقعت له في حال صباه وقيل بلوغه كما ذهب إليه ابن عباس. فإنه قال: رأى كوكباً فعبده، وقاله ناس كثير إن النازلة قبل البلوغ والتكليف، ويحتمل أن تكون وقعت له بعد بلوغه وكونه مكلفاً، وحكى الطبري هذا عن فرقة وقالت إنه استفهم على جهة التوقيف بغير ألف، قال وهذا كقول الشاعر: [الطويل]
رَقوني وقالوا يا خُوَيْلِدُ لَمْ تُرَعْ ** فَقَلْتُ وأنْكَرْتُ الوُجُوهَ هُمُ هُمُ

يريد أهم هم وكما قال الآخر: [الطويل]
لَعَمْرُكَ مَا أدْرِي وإنْ كُنْتُ دَارِياً ** شَعِيثُ بْنُ سَهْمٍ أَمْ شَعِيثُ بْنُ منْقرِ

يريد أشعيث.
قال القاضي أبو محمد: والبيت الأول لا حجة فيه عندي وقد حكي أن نمرود جبار ذلك الزمن رأى منجموه أن مولوداً ولد في سنة كذا في عمله، يكون خراب الملك على يديه فجعل يتبع الحبالى ويوكل بهن حراساً فمن وضعت أنثى تركت ومن وضعت ذكراً حمل إلى الملك فذبحه وأن أم إبراهيم حملت وكانت شابة قوية فسترت حملها فلما قربت ولادتها بعثت تارخ أبا إبراهيم إلى سفر وتحيلت لمضيه إليه ثم خرجت هي إلى غار فولدت فيه إبراهيم وتركته في الغار وقد هيأت عليه، وكانت تقتقده فتجده يغتذي بأن يمص أصابعه فيخرج له منها عسل وسمن ونحوها، وحكى بل كان يغذيه ملك وحكي بل كانت تأتيه بألبان النساء اللاتي ذبح أبناؤهن، فشب إبراهيم أضعاف ما يشب غيره، والملك في خلال ذلك يحس بولادته ويشدد في طلبه فمكث في الغار عشرة أعوام وقيل خمس عشرة سنة، وأنه نظر أول ما عقل من الغار فرأى الكوكب وجرت قصة الآية.
قال القاضي أبو محمد: وجلبت هذه القصص بغاية الاختصار في اللفظ وقصدت استيفاء المعاني التي تخص الآية ويضعف عندي أن تكون هذه القصة في الغار لقوله في آخرها {إني بريء مما تشركون} [الأنعام: 78] وهي ألفاظ تقتضي محاجة ورداً على قوم، وحاله في الغار بعيدة عن مثل هذا اللهم إلا أن يتأول في ذلك أنه قالها بينه وبين نفسه، أي قال في نفسه معنى العبارة عنه: يا قوم إني بريء مما تشركون، وهذا كما قال الشاعر: [الرجز]
ثم انثنى وَقَالَ في التّفِكيرِ ** إنَّ الحياةَ اليومَ في الكُرُورِ

قال القاضي أبو محمد: ومع هذا فالمخاطبة تبعده، ولو قال يا قوم إني بريء من الإشراك لصح هذا التأويل وقوي، فإن قلنا بأنه وقعت له القصة في الغار في حال الصبوة عدم التكليف على ما ذهب إليه بعض المفسرين ويحتمله اللفظ فذلك ينقسم على وجهين: إما أن يجعل قوله: {هذا ربي} تصميماً واعتقاداً وهذا باطل لأن التصميم لم يقع من الأنبياء صلوات الله عليهم وإما أن يجعله تعريضاً للنظر والاستدلال كأنه قال هذا المنير البهي ربي إن عضدت ذلك الدلائل ويجيء إبراهيم عليه السلام كما قال الله تعالى لمحمد عليه السلام:
{ووجدك ضالاً فهدى} [الضحى: 6] أي مهمل المعتقد، وإن قلنا بأن القصة وقعت له في حال كفره وهو مكلف فلا يجوز أن يقول {هذا ربي} مصمماً ولا معرضاً للنظر، لأنها رتبة جهل أو شك وهو عليه السلام منزه معصوم من ذلك كله، فلم يبق إلا أن يقولها على جهة التقرير لقومه والتوبيخ لهم وإقامة الحجة عليهم في عبادة الأصنام، كأنه قال لهم: أهذا المنير ربي؟ أو هذا ربي وهو يريد على زعمكم؟ كما قال الله تعالى: {أين شركائي} [النحل: 27، القصص: 62-74، فصلت: 47] فإنما المعنى على زعمكم، ثم عرض إبراهيم عليهم من حركته وأفوله أمارة الحدوث، وأنه لا يصلح أن يكون ربّاً ثم في آخر أعظم منه وأحرى كذلك ثم في الشمس كذلك، فكأنه يقول: فإذا بان في هذه المنيرات الرفيعة أنها لا تصلح للربوبية فأصنامكم التي هي خشب وحجارة أحرى أن يبين ذلك فيها، ويعضد عندي هذا التأويل قوله: {إني بريء مما تشركون} [الأنعام: 78] ومثل لهم بهذه الأمور لأنهم كانوا أصحاب علم نجوم ونظر في الأفلاك، وهذا الأمر كله إنما وقع في ليلة واحدة والكوكب وهو الزهرة، في قول قتادة وقال السدي وهو المشتري جانحاً للغروب، فلما أفل بزغ القمر وهو أول طلوعه فسرى الليل أجمع فلما بزغت الشمس زال ضوء القمر قبلها لانتشار الصباح وخفي نوره ودنا أيضاً من مغربه فسمي ذلك أفولاً لقربه من الأفول التام على تجوز في التسمية، ثم بزغت الشمس على ذلك، وهذا الترتيب يستقيم في الليلة الخامسة عشرة من الشهر إلى ليلة عشرين، وليس يترتب في ليلة واحدة كما أجمع أهل التفسير إلا في هذه الليالي، وبذلك التجوز في أفول القمر، و{أفل} في كلام العرب معناه غاب، يقال: أين أفلت عنّا يا فلان، وقيل معناه ذهب.
قال القاضي أبو محمد: وهذا خلاف في عبارة فقط، وقال ذو الرمة: [الطويل]
مصابيحُ لَيْسَتْ باللّواتي تَقُودُها ** نُجُومٌ ولا بالآفِلاتِ الدّوالِكِ

وقال {الآفلين} فجمع بالياء والنون لما قصد الأرباب ونحو ذلك وعلى هذا يخرج قوله في الشمس {هذا ربي} فذكر الإشارة إليها لما قصد ربه وقرأ ابن كثير وعاصم في رواية حفص: {رَأَى} بفتح الراء والهمزة، وقرأ نافع بين الفتح والكسر، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وابن عامر وحمزة والكسائي بكسرهما، وقرأ أبو عمرو بن العلاء، بفتح الراء وكسر الهمزة، وقوله تعالى: {فلما رأى القمر بازغاً} الآية، البزوغ في هذه الأنوار: أول الطلوع، وقد تقدم القول فيما تدعو إليه ألفاظ الآية وكون هذا الترتيب في ليلة واحدة من التجوز في أفول القمر لأن أفوله لو قدرناه مغيبه في المغرب لكان ذلك بعد بزوغ الشمس وجميع ما قلناه يعطيه الاعتبار و{يهدني} يرشدني وهذا اللفظ قول من قال: النازلة في حال الصغر، و{القوم الضالون} عبدة المخلوقات، كالأصنام وغيرها وإن كان الضلال أعمّ من هذا فهذا هو المقصود في هذا الموضع.

.تفسير الآيات (78- 80):

{فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79) وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (80)}
لما قصد قصد ربه قال هذا فذكر أي هذا المرئيّ أو المنير ونحو هذا، فما أفلت الشمس لم يبق شيء يمثل لهم به، فظهرت حجته وقوي بذلك على منابذتهم والتبري من إشراكهم، وقوله: {إني بريء مما تشركون} يؤيد قول من قال: النازلة في حال الكبر والتكليف: و{وجهت وجهي} أي أقبلت بقصدي وعبادتي وتوحيدي وإيماني وغير ذلك مما يعمه المعنى المعبر عنه ب {وجهي}، و{فطر} معناه: ابتدع في أجرام، و{حنيفاً} معناه مستقيماً، والحنف الميل في كلام العرب، وأصله في الأشخاص وهو في المعاني مستعار، فالمعوج في الأجرام أحنف على الحقيقة أي مائل والمستقيم فيها أحنف على تجوز كأنه مال عن كل جهة إلى القوام و{حاجه} فاعله من الحجة، قال أتراجعوني في الحجة في توحيد الله، وقرأت فرقة {أتحاجونني} بإظهار النونين وهو الأصل، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائي {أتحاجوني} بإدغام النون الأولى في الثانية، وقرأ نافع وابن عامر {أتحاجوني} بحذف النون الواحدة فقيل: هي الثانية وقيل هي الأولى ويدل على ذلك أنها بقيت مكسورة قال أبو علي الفارسي: لا يجوز أن تحذف الأولى لأنها للإعراب وإنما حذفت الثانية التي هي توطئة لياء المتكلم كما حذفت في {ليتي} وفي قول الشاعر: [الوافرُ]
يسوءُ الفالياتِ إذا فَلَيْنِي

وكسرت بعد ذلك الأولى الباقية لمجاورتها للياء {وقد هداني} أي أرشدني إلى معرفته وتوحيده، وأمال الكسائي هدانِ والإمالة في ذلك حسنة وإذا جازت الإمالة في غزا ودعا هما من ذوات الواو فهي في هدانِ التي هي من ذوات الياء أجوز وأحسن، وحكي أن الكفار قالوا لإبراهيم عليه السلام خف أن تصيبك آلهتنا ببرص أو داء لإذايتك لها وتنقصك، فقال لهم لست أخاف الذي تشركون به، لأنه لا قدرة له ولا غناء عنده و{ما} في هذا الموضع بمعنى الذي، والضمير في {به} يحتمل أن يعود على الله عز وجل فيكون على هذا في قوله: {تشركون} ضمير عائد على {ما} تقدير الكلام ولا أخاف الأصنام التي تشركونها بالله في الربوبية، ويحتمل أن يعود الضمير على {ما} فلا يحتاج إلى غيره، كأن التقدير ما تشركون بسببه، وقوله تعالى: {إلا أن يشاء ربي شيئاً} استثناء ليس من لأول و{شيئاً} منصوب ب {يشاء}، ولما كانت قوة الكلام أنه لا يخاف ضراً استثنى مشيئتة ربه تعالى في أن يريده بضر، و{علماً} نصب على التمييز وهو مصدر بمعنى الفاعل، كما تقول العرب: تصبب زيد عرقاً، المعنى تصبب عرق زيد فكذلك المعنى هنا وسع علم ربي كل شيء {أفلا تتذكرون} توقيف وتنبيه وإظهار لموضع التقصير منهم.

.تفسير الآيات (81- 83):

{وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82) وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آَتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83)}
هذه الآية إلى {تعلمون} هي كلها من قول إبراهيم عليه السلام لقومه، وهي حجته القاطعة لهم، المعنى: وكيف أخاف الأصنام التي لا خطب لها وهي حجارة وخشب إذا أنا نبذتها ولم أعظمها، ولا تخافون أنتم الله عز وجل وقد أشركتم به في الربوبية أشياء لم ينزل بها عليكم حجة، والسلطان: الحجة، ثم استفهم على جهة التقرير {فأي الفريقين أحق بالأمن} أي من لم يشرك بالقادر العالم أحق أن يأمن وقوله تعالى: {الذين آمنوا} الآية، {الذين} رفع بالابتداء، و{يلبسوا} معناه يخلطوا، والظلم في هذه الآية الشرك تظاهرت بذلك الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن جماعة من الصحابة أنه لما نزلت هذه الآية أشفق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: أيّنا لم يظلم نفسه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إنما ذلك كما قال لقمان: إن الشرك لظلم عظيم» وروي أن عمر بن الخطاب قرأ في المصحف فلما أتى عليها عظمت عليه، فلبس رداءه ومر إلى أبي بن كعب، فقال: يا أبا المنذر وسأله عنها، فقال له إنه الشرك يا أمير المؤمنين، فسري عن عمر، وجرى لزيد بن صوحان مع سلمان نحو مما جرى لعمر مع أبي بن كعب رضي الله عنهم، وقرأ مجاهد، {ولم يلبسوا إيمانهم بشرك} وقرأ عكرمة {يُلبسوا} بضم الياء، و{الأمن} رفع بالابتداء وخبره في المجرور والجملة خبر {أولئك}، {وهم مهتدون} أي راشدون، وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: المراد بهذه الآية إبراهيم خاصة، وقال عكرمة: نزلت في مهاجري أصحاب محمد عليه السلام خاصة، وقالت فرقة: هي من قول إبراهيم لقومه فهي من الحجة التي أوتيها، وقال ابن جريج هي من قول قوم إبراهيم ويجيء هذا من الحجة أيضاً أن أقروا بالحق وهم قد ظلموا في الإشراك، وقال ابن إسحاق وابن زيد وغيرهما: بل ذلك قول من الله عز وجل ابتداء حكم فصل عام لوقت محاجة إبراهيم وغيره ولكل مؤمن تقدم أو تأخر.
قال القاضي أبو محمد: وهذا هو البين الفصيح الذي يرتبط به معنى الآية ويحسن ورصفها، وهو خبر من الله تعالى {وتلك} إشارة إلى هذه الحدة المتقدمة وهي رفع بالابتداء و{حجتنا} خبره و{آتيناها} في موضع الحال، ويجوز أن تكون {حجتنا} بدلاً من تلك وآتيناها خبر {تلك} وإبراهيم مفعول ب {آتيناها} والضمير مفعول أيضاً ب {آتيناها} مقدم و{على} متعلقة بقوله: {حجتنا} وفي ذلك فصل كثير، ويجوز أن تتعلق على ب آتيناها على المعنى إذ أظهرناها لإبراهيم على قومه ونحو هذا، وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر {نرفع درجاتِ من نشاء} بإضافة الدرجات إلى {من}، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي {نرفع درجاتٍ من نشاء}.
قال القاضي أبو محمد: وهما مأخذان من الكلام، والمعنى المقصود بهما واحد، و{درجات} على قراءة من نون نصب على الظرف، و{عليم حكيم} صفتان تليق بهذا الموضع إذ هو موضع مشيئة واختيار فيجتاج ذلك إلى العلم والإحكام، والدرجات أصلها في الأجسام ثم تستعمل في المراتب والمنازل المعنوية.

.تفسير الآيات (84- 86):

{وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (85) وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ (86)}
{ووهبنا} عطف على {آتينا} [الأنعام: 83] و{إسحاق} ابنه من سارة، {ويعقوب} هو ابن إسحاق، و{كلاً} و{نوحاً} منصوبان على المفعول مقدمان على الفعل، وقوله: {من قبل} لقومه صلى الله عليه وسلم، وقوله: {ومن ذريته} المعنى وهدينا من ذريته، والضمير في {ذريته} قال الزجّاج جائز أن يعود على إبراهيم، ويعترض هذا بذكر {لوط} عليه السلام وهو ليس من ذرية إبراهيم بل هو ابن أخيه وقيل ابن أخته ويتخرج عند من يرى الخال أباً وقيل: يعود الضمير على نوح وهذا هو الجيد، و{داود} يقال هو ابن إيشى {وسليمان} ابنه، {وأيوب} هما فيما يقال أيوب بن رازح بن عيصو بن إسحاق بن إيراهيم، {ويوسف} هو ابن يعقوب بن إسحق، {وموسى وهارون} ها ابنا عمران بن يصهر بن قاهث بن لاوي بن يعقوب، ونصب {دواد} يحتمل أن يكون ب {وهبنا} ويحتمل أن يكون ب {هدينا} وهذه الأسماء كلها فيها العجمة والتعريف، فهي غير مصروفة، {وموسى} عند سيبويه وزنه مفعل فعلى هذا يتصرف في النكرة، وقيل وزنه فعلى، فعلى هذا لا يتصرف في معرفة ولا نكرة، {وكذلك نجزي المحسنين} وعد من الله عز وجل لمن أحسن في عمله وترغيب في الإحسان، {وزكريا} فيما يقال هو ابن آذر بن بركنا، {وعيسى} ابن مريم بنت عمران بن ياشهم بن أمون بن حزينا، {والياس} هو ابن نسي بن فنحاص بن العيزان بن هارون بن عمران، وروي عن عبد الله بن مسعود أنه قال إدريس هو الياس ورد ذلك الطبري وغيره بأن إدريس هو جد نوح تظاهرت بذلك الروايات {وزكرياء} قرأته طائفة بالمد وقرأته طائفة بالقصر {زكريا}، وقرأ ابن عامر باختلاف عنه، والحسن وقتادة بتسهيل الهمزة من الياس، وفي هذه الآية أن عيسى عليه السلام من ذرية نوح أو إبراهيم بحسب الاختلاف في عود الضمير من ذريته، وهو ابن ابنته، وبهذا يستدل في الأحباس على أن ولد البنت من الذرية، وإسماعيل هو أكبر ولدي إبراهيم عليه السلام وهو من هاجر واليسع قال زيد بن أسلم وهو يوشع بن نون، وقال غيره: هو أليسع بن أخطوب بن العجوز، وقرأ جمهور الناس {وأليسع} وقرأ حمزة والكسائي {والليسع} كأن الألف واللام دخلت على فيعل، قال أبو علي الفارسي: فالألف واللام في {اليسع} زائدة لا تؤثر معنى تعريف لأنها ليست للعهد كالرجل والغلام ولا للجنس كالإنسان والبهائم ولا صفة غالبة كالعباس والحارث لأن ذلك يلزم عليه أن يكون {اليسع} فعلاً، وحينئذ يجري صفة. وإذا كان فعلاً وجب أن يلزمه الفاعل ووجب أن يحكى إذ هي جملة ولو كان كذلك لم يجز لحاق اللام له إذ اللام لا تدخل على الفعل فلم يبق إلا أن تكون الألف واللام زائدة كما هي زائدة في قولهم الخمسة العشر درهماً، وفي قول الشاعر: [الرجز]
يا ليت أمَّ العمرِ كَانَتْ صَاحبي

بالعين غير منقوطة، وفي قوله: [الطويل]
وَجَدْنَا الوليدَ بْنَ اليزيدِ مُبَارَكاً ** شديداً بأعباءِ الخلافةِ كاهِلُهْ

قال وأما الليسع فالألف واللام فيه بمنزلتها في الحارث والعباس لأنه من أبنية الصفات لكنها بمنزلة {اليسع} في أنه خارج عما عليه الأسماء الأعجمية إذ لم يجئ فيها شيء هو على هذا الوزن كما لم يجئ منها شيء فيه لام تعريف فهما من الأسماء الأعجمية إلا أنهما مخالفات للأسماء فيما ذكر.
قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه: وأما اليزيد فإنه لما سمي به أزيل منه معنى الفعل وأفردت فيه الاسمية فحصل علماً وزيدت فيه الألف واللام لا لتعريف، وقال الطبري دخلت الألف واللام إتباعاً للفظ الوليد، {ويونس} هو ابن متَّى ويقال يونس ويونَس ويونُس وكذلك يوسِف ويوسَف ويوسُف وبكسر النون من يونِس والسين من يوسِف قرأ الحسن وابن مصرف وابن وثاب وعيسى بن عمر والأعمش في جميع القرآن و{العالمين} معناه عالمي زمانهم.