فصل: تفسير الآيات (4- 7):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (4- 7):

{وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ (4) فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (5) فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6) فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ (7)}
{كم} في موضع رفع بالابتداء والخبر {أهلكناها}، ويصح أن يكون الخبر في قوله: {فجاءها} و{أهلكناها} صفة، ويصح أن تكون في موضع نصب بفعل مقدر بعدها تقديره وكم أهلكنا من قرية أهلكناها، وقدر الفعل بعدها- وهي خبرية- تشبيهاً لها بالاستفهامية في أن لها في كل حال صدر الكلام، وقالت فرقة المراد وكم من أهل قرية وحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقام المضاف، وقالت فرقة إنما عبر بالقرية لأنها أعظم في العقوبة إذا هلك البشر وقريتهم، وقد بين في آخر الآية بقوله: {أوهم} أن البشر داخلون في الهلاك، فالآية على هذا التأويل تتضمن هلاك القرية وأهلها جميعاً، وعلى التأويل الأول تتضمن هلاك الأهل ولا معنى لذكر القرية، والمراد بالآية التكثير، وقرأ ابن أبي عبلة: {وكم من قرية أهلكناهم فجاءهم بأسنا}. وقوله: {فجاءها} يقتضي ظاهره أن المجيء بعد الإهلاك، وذلك، وذلك مستحيل فلم يبق إلا أن يعدل على ظاهر هذا التعقيب فقيل الفاء قد تجيء بمنزلة الواو ولا تعطى رتبة.
قال القاضي أبو محمد: وهذا ضعيف وقيل عبر عن إرادة الإهلاك بالإهلاك، قال مكي في المشكل: مثل قوله: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ} [النحل: 98].
قال القاضي أبو محمد: وهذا يحتج به في تأويل من قال الفاء في هذه الآية لتعقيب القول، وقيل المعنى {أهلكناها} بالخذلان وقلة التوفيق فجاءها بأسنا بعد ذلك، وقال الفراء وحكاه الطبري أن الإهلاك هو مجيء البأس ومجيء البأس هو الإهلاك فلما تلازما لم يبال أيهما قدم في الرتبة، وقيل إن الفاء لترتيب القول فقط فكأنه أخبر عن قرى كثيرة أنه أهلكها ثم قال فكان من أمرها مجيء البأس.
و{بياناً} نصب على المصدر في موضع الحال، و{قائلون} من القائلة، وإنما خص وقتي الدعة والسكون لأن مجيء العذاب فيهما أفظع وأهول لما فيه من البغت والفجأة، و{أو} في هذا الموضع كما تقول: الناس في فلان صنفان حامد أو ذام، فكأنه قال جاءهم بأسنا فرقتين بائتين أو قائلين، وهذا هو الذي يسمى اللف، وهو إجمال في اللفظ يفرقه ذهن المخاطب دون كلفة، والبأس: العذاب، وقيل: المراد أو وهم قائلون فكره اجتماع حرفي العطف فحذفت الواو وهذا تكلف لأن معنى اللف باق.
وقوله تعالى: {فما كان دعواهم} الآية، تبين في هذه الآية غاية البيان أن المراد في الآية قبلها أهل القرى، والدعوى في كلام العرب لمعنيين، أحدهما الدعاء قال الخليل: تقول اللهم أشركنا في صالح دعوى المسلمين ومنه قول عز وجل: {فما زالت تلك دعواهم} [الأنبياء: 15].
ومنه قول الشاعر [الطويل]
وإن مَذِلَتْ رجلي دعوتك أشتفي ** بدعواك من مذل بها فيهونُ

والثاني الادعاء، فقال الطبري: هي في هذا الموضع بعنى الدعاء.
قال القاضي أبو محمد: ويتوجه أن يكون أيضاً بمعنى الادعاء، لأن من ناله مكروه أو حزبه حادث فمن شأنه أن يدعو كما ذهب إليه المفسرون في فعل هؤلاء المذكورين في هذه الآية، ومن شأنه أيضاً أن يدعي معاذير وأشياء تحسن حاله وتقيم حجته في زعمه، فيتجه أن يكون هؤلاء بحال من يدعي معاذير ونحوها، فأخبر الله عنهم أنهم لم تكن لهم دعوى ثم استثنى من غير الأول، كأنه قال لم يكن دعاء أو ادعاء إلا الإقرار والاعتراف، أي هذا كان بدل الدعاء أو الادعاء، وتحتمل الآية أن يكون المعنى فما آلت دعواهم التي كانت في حال كفرهم إلا إلى اعتراف، ونحو من الآية قول الشاعر: [الفرزدق]
وقد شهدت قيس فما كان نصرها ** قتيبة إلا عضها بالأباهم

واعترافهم وقولهم {إنا كنا ظالمين} هو في المدة بين ظهور العذاب إلى إتيانه على أنفسهم، وفي ذلك مهلة بحسب نوع العذاب تتسع لهذه المقالة وغيرها، وروى ابن مسعود عن النبي عليه السلام أنه قال «ما هلك قوم حتى يعذروا من أنفسهم». وفسر عبد الملك بن ميسرة هذا الحديث بهذه الآية. و{دعواهم} خبر كان، واسمها {إلا أن قالوا} وقيل بالعكس.
وقوله تعالى: {فلنسئلن الذين أرسل إليهم} الآية وعيد من الله عز وجل لجميع العالم، أخبر أنه يسأل الأمم أجمع عما بلغ إليهم عنه وعن جميع أعمالهم ويسأل النبيين عما بلغوا.
قال القاضي أبو محمد: وقد نفي السؤال في آيات وذلك هو سؤال الاستفهام الحقيقي وقد أثبت في آيات كهذه الآية وهذا هو سؤال التقرير، فإن الله قد أحاط علماً بكل ذلك قبل السؤال فأما الأنبياء والمؤمنون فيعقبهم جوابهم رحمة وكرامة، وأما الكفار ومن نفذ عليه الوعيد من العصاة فيعقبهم جوابهم عذاباً وتوبيخاً، فمن أنكر منهم قص عليه بعلم، وقرأ ابن مسعود ابن عباس {فلنسألن الذين أرسلنا إليهم قبلك رسلنا ولنسألن المرسلين}.
وقوله تعالى: {فلنقصن} أي فلنسردن عليهم أعمالهم قصة قصة، {بعلم} أي بحقيقة ويقين، قال ابن عباس: يوضع الكتاب يوم القيامة فيتكلم بما كانوا يعملون.
قال القاضي أبو محمد: يشبه أن يكون الكلام هنا استعارة إذ كل شيء فيه مقيد، {وما كنا غائبين} أي ما كنا من لا يعلم جميع تصرفاتهم كالغائب عن الشيء الذي لا يعرف له حالاً.

.تفسير الآيات (8- 9):

{وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (8) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآَيَاتِنَا يَظْلِمُونَ (9)}
{الوزن} مصدر وزن يزن، ورفعه بالابتداء و{الحق} خبره، و{يومئذ} ظرف منتصب ب {الوزن} ويصح أن يكون {يؤمئذ} خبر الابتداء، و{الحق} نعت ل {الوزن} والتقدير الوزن الحق ثابت أو ظاهر يومئذ، و{يومئذ} إشارة إلى يوم القيامة، والفصل بين الخلائق، واختلف الناس في معنى الوزن والموازين فقالت فرقة: إن الله عز وجل أراد أن يعلم عباده أن الحساب والنظر يوم القيامة هو في غاية التحرير ونهاية العدل فمثل لهم في ذلك بالوزن والميزان إذ لا يعرف البشر أمراً أكثر تحريراً منه، فاستعير للعدل وتحرير النظر لفظة الوزن والميزان كما استعار ذلك أبو طالب في قوله:
بميزان قسط لا يخس شعيرة ** له حاكم من نفسه غير عائل

قال القاضي أبو محمد: وهذا القول أصح من الأول من جهات، أولها أن ظواهر كتاب الله عز وجل تقتضيه وحديث الرسول عليه السلام ينطق به، من ذلك: قوله لبعض الصحابة وقد قال له يا رسول الله أين أجدك في القيامة؟ فقال «اطلبني عند الحوض فإن لم تجدني فعند الميزان»، ولو لم يكن الميزان مرئياً محسوساً لما أحاله رسول الله صلى الله عليه وسلم على الطلب عنده، وجهة أخرى أن النظر في الميزان والوزن والثقل والخفة المقترنات بالحساب لا يفسد شيء منه ولا تختل صحته، وإذا كان الأمر كذلك فلم نخرج من حقيقة اللفظ إلى مجازه دون علة؟ وجهة ثالثة وهي أن القول في الميزان هو من عقائد الشرع الذي لم يعرف إلا سمعاً، وإن فتحنا فيه باب المجاز غمرتنا أقوال الملحدة والزنادقة في أن الميزان والصراط والجنة والنار والحشر ونحو ذلك إنما هي ألفاظ يراد بها غير الظاهر.
وروي هذا القول عن مجاهد والضحاك وغيره، وكذلك استعير على قولهم الثقل والخفة لكثرة الحسنات وقلتها، وقال جمهور الأمة: إن الله عز وجل أراد أن يعرض لعباده يوم القيامة تحرير النظر وغاية العدل بأمر قد عرفوه في الدنيا وعهدته أفهامهم، فميزان القيامة له عمود وكفتان على هيئة موازين الدنيا، قال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: صاحب الموازين يوم القيامة جبريل عليه السلام، وقالوا: هذا الذي اقتضاه لفظ القرآن ولم يرده نظر.
قال القاضي أبو محمد: فينبغي أن يجري في هذه الألفاظ إلى حملها على حقائقها، وأما الثقل والخفة فإن الآثار تظاهرت بأن صحائف الحسنات والسيئات توضع في كفتي الميزان فيحدث الله في الجهة التي يريد ثقلاً وخفة على نحو إحداثه ذلك في جسم رسول الله صلى الله عليه وسلم في وقت نزول الوحي عليه، ففي الصحيح من حديث زيد بن ثابت أنه قال: كنت أكتب حتى نزلت: {غير أولي الضرر} [النساء: 95] وفخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذي حتى كادت أن ترض فخذي، وفي الحديث أنه كان إذا أوحي إليه وهو على ناقته بركت به عجزاً عن حمله لثقل الحادث فيه، ولابد لنا أن نعلم أن الثقل الحادث مع الحسنات إنما يتعلق بجسم، إذ العرض لا يقول بالعرض، فجائز أن يحدث الثقل في الصحائف وهو أقربها إلى الظن، وجائز أن يحدث في ذلك من الأجسام المجاورة لتلك الحال، وإلى حدوثه في الصحائف ذهب أبو المعالي، ورويت في خبر الميزان آثار عن صحابة وتابعين في هيئته وطوله وأحواله لم تصح بالإسناد، فلم نر للإطالة بها وجهاً، وقال الحسن فيما روي عنه: بلغني أن لكل أحد يوم القيامة ميزاناً على حدة.
قال القاضي أبو محمد: وهذا قول مردود الناس على خلافه، وإنما لكل أحد وزن يختص به والميزان واحد، وروي عن مجاهد في قوله: {ثقلت موازينه} أن الموازين الحسنات نفسها.
قال القاضي أبو محمد: وجمع لفظ الموازين إذ في الميزان موزونات كثيرة فكأنه أراد التنبيه عليها بجمعه لفظ الميزان. و{المفلحون} في اللغة المدركون لبغيتهم الناجحون في طلبهم ومنه قول عبيد: [الرجز]
أفلحْ بما شئت فقد يبلغ بالضْ ** ضَعف وقد يُخْدَعُ الأريبُ

فأما قول الشاعر: [المنسرح]
والمسْي والصبح لا فلاح معهْ ** فقد قيل إنه بمعنى البقاء.

قال القاضي أبو محمد: والبقاء بلوغ بغية بلوغ بغية فالمعنيان متقاربان، ووزن الله تعالى أعمال العباد مع علمه بدقائق الأشياء وجلائلها نظير كتبه أعمالهم في صحائفهم واستنتساخه ذلك ونظير استنطاقه جوارحهم بالشهادة عليهم إقامة للحجة وإيضاحاً، فقد تقرر في الشرع أن كلمة التوحيد ترجح ميزان من وزنت في أعماله ولا بد، فإن قال قائل كيف تثقل موازين العصاة من المؤمنين بالتوحيد ويصح لهم حكم الفلاح ثم تدخل طائفة منهم النار وذلك شقاء لا محالة؟ فقالت طائفة إنه توزن أعمالهم دون التوحيد فتخف الحسنات فيدخلون النار ثم عند إخراجهم يوزن التوحيد فتثقل الحسنات فيدخلون الجنة، وأيضاً فمعرفة العاصي أنه غير مخلد فلاح وإن تقدمه شقاء على جهة التأديب.
وقوله تعالى: {ومن خفت موازينه} الآية، المعنى من خفت كفة حسناته فشالت، و{خسروا أنفسهم} أي بالهلاك والخلود في النار وتلك غاية الخسارة، وقوله: {بما كانوا} أي جزاء بذلك كما تقول أكرمتك بما أكرمتني، وما في هذا الموضع مصدرية، والآيات هنا البراهين والأوامروالنواهي و{يظلمون} أي يضعونها في غير مواضعها بالكفر والتكذيب.

.تفسير الآيات (10- 11):

{وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (10) وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (11)}
الخطاب لجميع الناس، والمراد أن النوع بجملته ممكن في الأرض، والمعايش جمع معيشة وهي لفظة تعم المأكول الذي يعاش به والتحرف الذي يؤدي إليه، وقرأ الجمهور معايِش بكسر الياء دون همز، وقرأ الأعرج وغيره معائش بالهمز كمدائن وسفائن، ورواه خارجة عن نافع، وروي عن ورش معايْش بإسكان الياء، فمن قرأ معايش بتصحيح الياء فهو الأصوب لأنها جمع معيشة وزنها مفعلة، ويحتمل أن تكون مفعُلة بضم العين قالهما سيبويه، وقال الفراء مفعلة بفتح العين فالياء في معيشة أصلية وأعلت معيشة لموافقتها الفعل الذي هو يعيش في الياء أي في المتحرك والساكن، وصححت معايِش في جمع التكسير لزوال الموافقة المذكورة في اللفظ ولأن التكسير معنى لا يكون في الفعل إنما تختص به الأسماء، ومن قرأ معايْش فعلى التخفيف من معايِش، وقرأ معائِش فأعلها فذلك غلط، وأما توجيهه فعلى تشبيه الأصل بالزائد لأن معيشة تشبه في اللفظ صحيفة فكما يقال صحائف قيل معائِش، وإنما همزت ياء صحائف ونظائرها مما الياء فيه زائدة لأنها لا أصل لها في الحركة وإنما وزنها فعيلة ساكنة، فلما اضطر إلى تحريكها في الجمع بدلت بأجلد منها.
و{قليلاً} نصب ب {تشكرون}، ويحتمل أن تكون {ما} زائدة، ويحتمل أن تكون مع الفعل بتأويل المصدر، {قليلاً} نعت لمصدر محذوف تقديره شكراً قليلاً شكركم، أو شكراً قليلاً تشكرون.
وقوله تعالى: {ولقد خلقناكم ثم صورناكم} الآية، هذه الآية معناها التنبيه على موضع العبرة والتعجيب من غريب الصنعة وإسداء النعمة، فبدأ بالخلق الذي هو الإيجاد بعد العدم ثم بالتصوير في هذه البنية المخصوصة للبشر، وإلا فلم يعر المخلوق قط من صورة، واضطراب الناس في ترتيب هذه الآية لأن ظاهرها يقتضي أن الخلق والتصوير لبني آدم قبل القول للملائكة أن يسجدوا، وقد صححت الشريعة أن الأمر لم يكن كذلك، فقالت فرقة: المراد بقوله: {ولقد خلقناكم ثم صورناكم} آدم بنفسه وإن كان الخطاب لبنيه، وذلك لما كان سبب وجود بنيه بما فعل فيه صح مع تجوز أن يقال إنه فعل في بنيه، وقال مجاهد: المعنى {ولقد خلقناكم ثم صورناكم} في صلب آدم وفي وقت استخراج ذرية آدم من ظهره أمثال الذر في صورة البشر.
قال القاضي أبو محمد: ويترتب في هذين القولين أن تكون {ثم} على بابها في الترتيب والمهلة، وقال عكرمة والأعمش: المراد خلقناكم في ظهور الآباء وصورناكم في بطون الأمهات. وقال ابن عباس والربيع بن أنس: أما {خلقناكم} فآدم وأما {صورناكم} فذريته في بطون الأمهات، وقاله قتادة والضحاك.
وقال معمر بن راشد من بعض أهل العلم: بل ذلك كله في بطون الأمهات، من خلق وتصوير.
قال القاضي أبو محمد: وقالت هذه الفرقة إن {ثم} لترتيب الأخبار بهذه الجمل لا لترتيب الجمل في أنفسها. وقال الأخفش {ثم} في هذه الآية بمعنى الواو، ورد عليه نحويو البصرة.
و{ملائكة} وزنه إما مفاعلة وإما معافلة بحسب الاشتقاق الذي قد مضى ذكره في سورة البقرة، وهنالك ذكرنا هيئة السجود والمراد به ومعنى إبليس وكيف كان قبل المعصية، وأما قوله في هذه الآية {إلا إبليس} فقال الزجّاج هو استثناء ليس من الأول ولكن إبليس أمر بالسجود بدليل قوله تعالى: {ما منعك ألآ تسجد إذ أمرتك} [الأعراف: 12] وقال غير الزجّاج: الاستثناء من الأول لأنّا لو جعلناه منقطعاً على قول من قال إن إبليس لم يكن من الملائكة لوجب أن إبليس لم يؤمر بالسجود، إلا أن يقول قائل هذه المقالة إن أمر إبليس كان بوجه آخر غير قوله: {اسجدوا} وذلك بيّن الضعف. وقرأ أبو جعفر بن القعقاع {للملائكةُ اسجدوا} بضم الهاء وهي قراءة ضعيفة. ووجهها أنه حذف همزة {اسجدوا} وألقى حركتها عن الهاء، وذلك لا يتجه لأنها محذوفة مع جر الهاء بحركة، أي شيء يلغى إنما يكون في الوصل.