فصل: تفسير الآيات (167- 168):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (167- 168):

{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (167) وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (168)}
بنية تأذن هي التي تقتضي التكسب من أذن أي علم ومكن وآذن أي أعلم مثل كرم وأكرم وتكرم إلا أن تعلم وما جرى مجرى هذا الفعل إذا كان مسنداً إلى اسم الله عز وجل لم يلحقه معنى التكسب الذي يلحق المحدثين، فإنما يترتب بمعنى علم صفة لا بتكسب بل هي قائمة بالذات وإلى هذا المعنى ينحو الشاعر بقوله:
تعلم أبيت اللعن

لأنه لم يأمره بالتعلم الذي يقتضي جهالة وإنما أراد أن يوقفه على قوة علمه، ومنه قول زهير:
تعلم إن شر الناس حي ** ينادي في شعارهم يسار

فمعنى هذه الآية وإذ علم الله ليبعثن عليهم، ويقتضي قوة الكلام أن ذلك العلم منه مقترن بإنفاذ وإمضاء، كما تقول في أمر قد عزمت عليه غاية العزم علم الله لأفعلن كذا، نحا إليه أبو علي الفارسي، وقال الطبري وغيره {تأذن} معناه أعلم وهو قلق من جهة التصريف إذ نسبة {تأذن} إلى الفاعل غير نسبة أعلم، وتبين ذلك من التعدي وغيره، وقال مجاهد: {تأذن} معناه قال، وروي عنه أن معناه أمر، وقالت فرقة: معنى {تأذن} تألى.
قال القاضي أبو محمد: وقادهم إلى هذا القول دخول اللام في الجواب، وأما اللفظة فبعيدة عن هذا، والضمير في {عليهم} لمن بقي من بني إسرائيل لا للضمير في لهم. وقوله: {من يسومهم} قال سعيد بن جبير هي إشارة إلى العذاب، وقال ابن عباس هي إلى محمد صلى الله عليه وسلم وأمته.
قال القاضي أبو محمد: والصحيح أنها عامة في كل من حال اليهود معه هذه الحال، و{يسومهم} معناه يكلفهم ويحملهم، و{سوء العذاب} الظاهر منه الجزية والإذلال، وقد حتم الله عليهم هذا وحط ملكهم فليس في الأرض راية ليهودي، وقال ابن المسيب فيستحب أن تتعب اليهود في الجزية، ولقد حدثت أن طائفة من الروم أملقت في صقعها فباعت اليهود المجاورة لهم الساكنة معهم وتملكوهم، ثم حسن في آخر هذه الآية لتضمنها الإيقاع بهم والوعيد أن ينبه على سرعة عقاب الله ويخوف بذلك تخويفاً عاماً لجميع الناس ثم رجى ذلك لطفاً منه تبارك وتعالى.
{وقطعناهم} معناه فرقناهم في الأرض، قال الطبري عن جماعة من المفسرين: ما في الأرض بقعة إلا وفيها معشر من اليهود، والظاهر في المشار إليهم في هذه الآية أنهم الذين بعد سليمان وقت زوال ملكهم، والظاهر أنه قبل مدة عيسى عليه السلام لأنه لم يكن فيهم صالح بعد كفرهم بعيسى صلى الله عليه وسلم، وفي التواريخ في هذا الفصل روايات مضطربة، و{الصالحون} و{دون ذلك} ألفاظ محتملة أن يدعها صلاح الإيمان ف {دون} بمعنى غير يراد بها الكفرة، وإن أريد بالصلاح العبادة والخير وتوابع الإيمان ف {دون ذلك} يحتمل أن يكون في مؤمنين، و{بلوناهم} معناه امتحناهم، و{الحسنات} الصحة والرخاء ونحو هذا مما هو بحسب رأي ابن آدم ونظره، و{السيئات} مقابلات هذه، وقوله: {لعلهم} أي بحسب رأيكم لو شاهدتم ذلك، والمعنى لعلهم يرجعون إلى الطاعة ويتوبون من المعصية.

.تفسير الآيات (169- 170):

{فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (169) وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ (170)}
{خلف} معناه حدث خلفهم و{بعدهم خلْف} بإسكان اللام يستعمل في الأشهر في الذم ومنه قول لبيد: [الكامل]
ذهب الذين يعاش في أكنافهم ** وبقيت في خلف كجلد الأجرب

وقد يستعمل في المدح ومنه قول حسان: [الطويل]
لنا القدم الأولى إليك وخلفنا ** لأولنا في طاعة الله تابع

والخلَف بفتح اللام يستعمل في الأشهر في المدح، قال أبو عبيدة والزجاج: وقد يستعمل في الذم أيضاً ومنه قول الشاعر:
الا ذلك الخلف الأعور

وقال مجاهد: المراد ب الخلف هاهنا النصارى وضعفه الطبري وقرأ جمهور الناس {ورثوا الكتاب} وقرأ الحسن بن أبي الحسن البصري {وُرّثوا الكتاب} بضم الواو وشد الراء، وقوله: {يأخذون عرض هذا الأدنى} إشارة إلى الرشا والمكاسب الخبيثة والعرض ما يعرض ويعن ولا يثبت، والأدنى إشارة إلى عيش الدنيا، وقوله: {ويقولون سيغفر لنا} ذم لهم باغترارهم وقولهم: {سيغفر} مع علمهم بما في كتاب الله من الوعيد على المعاصي وإصرارهم عليهم وأنهم إذا أمكنتهم ثانية ارتكبوها فهؤلاء عجزة كما قال صلى الله عليه وسلم: «والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله، فهؤلاء قطعوا بالمغفرة وهم مصرون وإنما يقول سيغفر لنا من أقلع وندم».
وقوله تعالى: {ألم يؤخذ عليهم} الآية، تشديد في لزوم الحق على الله في الشرع والأحكام بين الناس وأن لا تميل الرشا بالحكام إلى الباطل، و{الكتاب} يريد به التوراة وميثاقها الشدائد التي فيها في هذا المعنى، وقوله: {أن لا يقولوا على الله إلا الحق} يمكن أن يريد بذلك قولهم الباطل في حكومة مما يقع بين أيديهم، ويمكن أن يريد قولهم سيغفر لنا وهم قد علموا الحق في نهي الله عن ذلك، وقرأ جمهور الناس: {يقولوا} بياء من تحت وقرأ الجحدري: {تقولوا} بتاء من فوق وقوله: {ودرسوا} معطوف على قوله: {ألم يؤخذ} الآية بمعنى المضي، يقدر: أليس قد أخذ عليهم ميثاق الكتاب ودرسوا ما فيه وبهذين الفعلين تقوم الحجة عليهم في قولهم الباطل، وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي، {وادارسوا} ما فيه وقال الطبري وغيره، قوله: {ودرسوا} معطوف على قوله: {ورثوا الكتاب}.
قال القاضي أبو محمد: وفي هذا نظر لبعد المعطوف عليه لأنه قوله: {ودرسوا} يزول منه معنى إقامة الحجة بالتقدير الذي في قوله: {ألم} ثم وعظ وذكر تبارك وتعالى بقوله: {والدار الآخرة خير للذين يتقون} وقرأ جمهور الناس: {أفلا تعقلون} بالتاء من فوق وقرأ أبو عمرو وأهل مكة: {يعقلون} بالياء من أسفل.
وقوله: {والذين} عطف على قوله: {للذين يتقون} وقرأ ابن كثير ونافع وحمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص وأبو عمرو والناس: {يَمَسّكون} بفتح الميم وشد السين وقرأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأبو العالية وعاصم وحده في رواية أبي بكر.
{يمْسِكون} بسكون الميم وتخفيف السين، وكلهم خفف {ولا تمسكوا بعصم الكوافر} [الممتحنة: 10] إلا أبا عمرو فإنه قرأ: {ولا تمَسّكوا} بفتح الميم وشد السين، وقرأ الأعمش {والذين استمسكوا} وفي حرف أبيّ {والذين مسكوا} يقال أمسك ومسك وهما لغتان بمعنى واحد، قال كعب بن زهير: [البسيط]
فما تمسك بالعهد الذي زعمت ** إلا كما تمسك الماء الغرابيل

أما أن شد السين يجري مع التعدي بالباء.

.تفسير الآيات (171- 172):

{وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (171) وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172)}
{نتقنا} معناه اقتلعنا ورفعنا فكأن النتق اقتلاع الشيء، تقول العرب: نتقت الزبدة من فم القربة، ومنه قول الشاعر: [الرجز]
ونتقوا أحلامنا الأثاقلا

والناتق الرحم التي تقلع الولد من الرجل، ومنه قول النابغة:
لم يحرموا حسن الغداء وأمهم ** دحقت عليك بناتق مذكار

وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «عليكم بتزويج الأبكار فإنهن أنتق أرحاماً وأطيب أفواهاً» الحديث. وقد جاء في القرآن بدل هذه اللفظة في هذه القصة بعينها رفعنا لكن {نتقنا}، و{فوقَهم} أعطت الرفع بزيادة قرينة هي أن الجبل اقتلعته الملائكة وأمر الله إياه، وروي أن موسى عليه السلام لما جاءهم بالتوراة فقال عن الله تعالى هذا كتاب الله أتقبلونه بما فيه؟ فإن فيه بيان ما أحل لكم وما حرم عليكم وما أمركم وما نهاكم، قالوا: انشر علينا ما فيها فإن كانت فرائضها يسيرة وحدودها خفيفة قبلناها، قال: قبلوها بما فيها قالوا: لا، فراجعهم موسى فراجعوا ثلاثاً فأوحى الله عز وجل إلى الجبل فانقلع وارتفع فوق رؤوسهم، فقال لهم موسى صلى الله عليه وسلم ألا ترون ما يقول ربي؟: لئن لم تقبلوا التوراة بما فيها لأرمينكم بهذا الجبل قال الحسن البصري: فلما رأوا إلى الجبل خر كل واحد منهم ساجداً على حاجبه الأيسر ونظر بعينه اليمنى إلى الجبل فرقاً أن يسقط عليه فلذلك ليس في الأرض يهودي يسجد إلا على حاجبه الأيسر يقولون هذه السجدة التي رفعت بها عنا العقوبة، و{الظلة} ما أظل ومنه {من ظلل من الغمام} [البقرة: 210] ومنه {عذاب يوم الظلة} [الشعراء: 189] ومنه قول أسيد بن حضير للنبي صلى الله عليه وسلم: قرأت البارحة فغشي الدار مثل الظلة فيها أمثال المصابيح فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «تلك السكينة تنزلت للقرآن» فإن قيل فإذا كان الجبل ظلة فما معنى: كأنه؟ فالجواب أن البشر إنما اعتادوا هذه الأجرام الأرضية ظللاً إذا كانت على عمد، فلما كان الجبل على غير عمد قيل {كأنه ظلة} أي كأنه على عمد، {وظنوا} قال المفسرون: معناه أيقنوا.
قال القاضي أبو محمد: وليس الأمر عندي كذلك بل هو موضع غلبة الظن مع بقاء الرجاء، وكيف يوقنون بوقوعه وموسى عليه السلام يقول: إن الرمي به إنما هو بشرط أن لا يقبلوا التوراة والظن إنما يقع ويستعمل في اليقين متى كان ذلك المتيقن لم يخرج إلى الحواس وقد يبين هذا فيما سلف من هذا الكتاب ثم قبل لهم في وقت ارتفاع الجبل: {خذوا ما آتيناكم بقوة} فأخذوها والتزموا جميع ما تضمنته من شدة ورخاء فما وفوا، وقرأ جمهور الناس: {واذكروا} وقرأ الأعمش فيما حكى أبو الفتح عنه: واذكروا ولعلكم على ترجيهم وهذا تشدد في حفظها والتهمم بأمرها.
وقوله تعالى: {وإذ أخذ ربك} الآية، التقدير واذكر إذ أخذ وقوله: {من ظهورهم} قال النحاة: هو بدل اشتمال من قوله: {من بني آدم}، وألفاظ هذه الآية تقتضي أن الأخذ إنما كان من بني آدم من ظهورهم وليس لآدم في الآية ذكر بحسب اللفظة وتواترت الأحاديث في تفسير هذه الآية عن النبي صلى الله عليه وسلم من طريق عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعبد الله بن عباس وغيرهما أن الله عز وجل لما خلق آدم وفي بعض الروايات لما أهبط آدم إلى الأرض في دهناء من أرض السند قاله ابن عباس، وفي بعضها أن ذلك بنعمان وهي عرفة وما يليها قاله أيضاً ابن عباس وغيره، مسح على ظهره وفي بعض الروايات بيمينه وفي بعض الروايات ضرب منكبه فاستخرج منها أي من المسحة أو الضربة نسم بينه ففي بعض الروايات كالذر وفي بعضها كالخردل وقال محمد بن كعب: إنها الأرواح جعلت لها مثالات، وروى عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أخذوا من ظهره كما يؤخذ بالمشط من الرأس وجعل الله لهم عقولاً كنملة سليمان وأخذ عليهم العهد بأنه ربهم وأن لا إله غيره» فأقروا بذلك والتزموه وأعلمهم أنه سيبعث الرسل إليهم مذكرة وداعية، فشهد بعضهم على بعض، قال أبيّ بن كعب وأشهد عليهم السماوات السبع فليس من أحد يولد إلى يوم القيامة إلا وقد أخذ عيله العهد في ذلك اليوم والمقام، وقال السدي أعطى الكفار العهد يومئذ كارهين على وجه التقية.
قال القاضي أبو محمد: هذه نخيلة مجموع الروايات المطولة، وكأن ألفاظ هذه الأحاديث لا تلتئم مع ألفاظ الآية، وقد أكثر الناس في روم الجمع بينهما فقال قوم: إن الآية مشيرة إلى هذا التناسل الذي في الدنيا، و{آخذ} بمعنى أوجد على المعهود وأن الإشهاد هو عند بلوغ المكلف وهو قد أعطي الفهم ونصبت له هذه الصنعة الدالة على الصانع، ونحا إلى هذا المعنى الزجّاج، وهو معنى تحتمله الألفاظ لكن يرد عليه تفسير عمر بن الخطاب وابن عباس رضي الله عنهما الآية بالحديث المذكور، وروايتهما ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وطوّل الجرجاني في هذه المسألة ومدار كلامه على أن المسح وإخراج الذرية من أظهر آدم حسب الحديث، وقيل في الآية أخذ من ظهورهم إذ الإخراج من ظهر آدم الذي هو الأصل إخراج من ظهور بنيه الذين هم الفرع إذ الفرع والأصل شيء واحد، إلى كلام كثير لا يثبت للنقد، وقال غيره: إن جميع ما في الحديث من مسح بيمينه وضرب منكبه ونحو هذا إنما هي عبارة عن إيجاد ذلك النسم منه، واليمين عبارة عن القدرة أو يكون الماسح ملكاً بأمر الله عز وجل فتضمن الحديث صدر القصة وإيجاد النسم من آدم، وهذه زيادة على ما في الآية، ثم تضمنت الآية ما جرى بعد هذا من أخذ العهد، والنسم حضور موجودون هي تحتمل معنيين أحدهما ن يكون أخذ عاملاً في عهد أو ميثاق تقدره بعد قوله: {ذرياتهم} ويكون قوله: {من ظهورهم} لبيان جنس النبوة إذ المراد من الجميع التناسل ويشركه في لفظة بني آدم بنوه لصلبه وبنوه بالحنان والشفقة ويكون قوله: {من ذرياتهم} بدلاً من {بني آدم}، والمعنى الآخر أنه لما كانت كل نسمة هنالك لها نسبة إلى التي هي من ظهرها كأن تعيين تلك النسبة أخذ من الظهر إذ ستخرج منه فهي المستأنف فالمعنى وإذ عينوا بهذه النسبة وعرفوا بها فذلك أخذ ما و{أخذ} على هذا عامل في {ذرياتهم} وليس بمعنى مسح وأوجد بل قد تقدم إيجادهم كما تقدم الحديث المذكور، فالحديث يزيد معنى على الآية وهو ذكر آدم وأول إيجاد النسم كيف كان.
وقال الطرطوشي إن هذا العهد يلزم البشر وإن كانوا لا يذكرونه في هذه الحياة كما يلزم الطلاق من شهد عليه به وهو قد نسيه إلى غير هذا مما ليس بتفسير ولا من طريقه.
وقرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر: {ذرياتهم} جمع جمع وقرأ ابن كثير وعاصم وحمزة والكسائي: {ذريتهم} والإفراد هنا جمع وقد تقدم القول على لفظ الذرية في سورة آل عمران.
وروي في قصص هذه الآية: أن الأنبياء عليهم السلام كانوا بين تلك النسم أمثال السرج وأن آدم عليه السلام رأى داود فأعجبه فقال: من هذا؟ فقيل: نبي من ذريتك فقال: كم عمره؟ فقيل ستون سنة، فقال زيدوه من عمري أربعين سنة فزيدت قال: وكان عمر آدم ألفاً فلما أكمل تسعمائة وستين جاء ملك الموت فقال له آدم بقي لي أربعون سنة فرجع ملك الموت إلى ربه فأخبره فقال له قل له إنك أعطيتها لابنك داود فتوفي عليه السلام بعد أن خاصم في الأربعين، قال الضحاك بن مزاحم: من مات صغيراً فهو على العهد الأول ومن بلغ فقد أخذه العهد الثاني يعني الذي في هذه الحياة المعقولة الآن، وحكى الزجاج عن قوم أنهم قالوا إن هذه الآية عبارة عن أن كل نسمة إذا ولدت وبلغت فنظرها في الأدلة المنصوبة عهد عليها في أن تؤمن وتعرق وتعرف الله، وقد تقدم ذكر هذا القول وهو قول ضعيف منكب عن الأحاديث المأثورة مطرح لها.
وقوله: {شهدنا} يحتمل أن يكون من قول بعض النسم لبعض أي شهدنا عليكم لئلا تقولوا يوم القيامة غفلنا عن معرفة الله والإيمان به فتكون مقالة من هؤلاء لهؤلاء، ذكره الطبري، وعلى هذا لا يحسن الوقف على قوله: {بلى} ويحتمل أن يكون قوله: {شهدنا} من قول الملائكة فيحسن الوقف على قوله: {بلى}، قال السدي: المعنى قال الله وملائكته شهدنا، ورواه عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقرأ السبعة غير أبي عمرو: {أن تقولوا} على مخاطبة حاضرين، وقرأ أبو عمرو وحده، {أن يقولوا} على الحكاية عن غائبين وهي قراءة ابن عباس وابن جبير وابن محيصن والقراءتان تتفسر بحسب المعنيين المذكورين، و{أن} في موضع نصب على تقدير مخافة أن.