فصل: تفسير الآيات (190- 193):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (190- 193):

{فَلَمَّا آَتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آَتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (190) أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (191) وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (192) وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ (193)}
يقال إن الآية المتقدمة هي في أدم وحواء وإن الضمير في قوله: {آتاهما} عائد عليهما، قال إن الشرك الذي جعلاه هو في الطاعة، أي أطاعا إبليس في التسمية بعبد الحارث كما كانا في غير ذلك مطيعين لله، وأسند الطبري في ذلك حديثاً من طريق سمرة بن جندب، ويحتمل أن يكون الشرك في أن جعلا عبوديته بالاسم لغيره، وقال الطبري والسدي في قوله تعالى: {فتعالى الله عما يشركون} إنه كلام منفصل ليس من الأول، وإن آدم وحواء تم في قوله: {فلما آتاهم}، وإن هذا كلام يراد به مشركو العرب.
قال القاضي أبو محمد: وهذا تحكم لا يساعده اللفظ، ويتجه أن يقال تعالى الله عن ذلك اليسير المتوهم من الشرك في عبودية الاسم، ويبقى الكلام في جهة أبوينا آدم وحواء عليهما السلام، وجاء الضمير في {يشركون} ضمير جمع لأن إبليس مدبر معهما تسمية الولد عبد الحارث، ومن قال إن الآية المتقدمة إنما الغرض منها تعديد النعمة في الأزواج وفي تسهيل النسل والولادة ثم ذكر سوء فعل المشركين بعقب ذلك، قال في الآية الأخيرة إنها على ذلك الأسلوب وإن قوله: {فتعالى الله عما يشركون} المراد بالضمير فيه المشركين، والمعنى في هذه الآية فلما آتى الله هذين الانسانين صالحاً أي سليماً ذهبا به إلى الكفر وجعلا لله فيه شركاً وأخرجاه عن الفطرة، ولفظة الشرك تقتضي نصيبين، فالمعنى: وجعلا لله فيه ذا شرك لأن إبليس أو أصنام المشركين هي المجعولة، والأصل أن الكل لله تعالى وبهذا حل الزجاج اعتراض من قال ينبغي أن يكون الكلام جعلا لغيره شركاً وقرأ نافع وعاصم في رواية أبي بكر {شِرْكاً} بكسر الشين وسكون الراء على المصدر، وهي قراءة ابن عباس وأبي جعفر وشيبة وعكرمة ومجاهد وعاصم وأبان بن تغلب، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم {شركاء} على الجمع، وهي بينة على هذا التأويل الأخير وقلقه على قول من يقول: إن الآية الأولى في آدم وحواء، وفي مصحف أبيّ ابن كعب {فلما آتاهما صالحاً أشركا فيه}، وذكر الطبري في قصص حواء وآدم وإبليس في التسمية بعيد الحارث وفي صورة مخاطبتهم أشياء طويلة لا يقتضي الاختصار ذكرها.
وقرأ نافع والحسن وأبو جعفر وأبو عمرو وعاصم {عما يشركون أيشركون} بالياء من تحت فيهما، وقرأ أبو عبد الرحمن {عما تشركون} بالتاء من فوق {أتشركون مالا يخلق} الآية، وروى بعض من قال إن الآيات في آدم وحواء أن إبليس جاء إلى آدم وقد مات له ولد اسمه عبد الله فقال: إن شئت أن يعيش لك الولد فسمه عبد شمس، فولد له ولد فسماه كذلك وإياه عنى بقوله: {أيشركون مالا يخلق شيئاً}، {وهم يخلقون} على هذا عائد على آدم وحواء والابن المسمى عبد شمس، ومن قال بالقول الآخر قال إن هذه في مشركي الكفار الذين يشركون الأصنام في العبادة وإياها أراد بقوله: {ما لا يخلق}، وعبر عنها بهم كأنها تعقل على اعتقاد الكفار فيها وبحسب أسمائها، و{يخلقون} معناه ينحتون ويصنعون، ويحتمل على قراءة {يشركون} بالياء من تحت أني كون المعنى وهؤلاء المشركون يخلقون، أي فكان قولهم أن يعتبروا بأنهم مخلوقون فيجعلون إلههم خالقهم لا من لا يخلق شيئاً.
قوله تعالى: {ولا يستطيعون} الآية، هذه تخرج على تأويل من قال إن المراد آدم وحواء والشمس على ما تقدم، ولكن بقلق وتعسف من المتأول في المعنى، وإنما تتسق هذه الآيات ويروق نظمها ويتناصر معناها على التأويل الآخر، والمعنى ولا ينصرون أنفسهم من أمر الله وإرادته، ومن لا يدفع عن نفسه فأحرى أن لا يدفع عن غيره.
وقوله تعالى: {وإن تدعوهم إلى الهدى} الآية، من قال إن الآيات في آدم عليه السلام قال إن هذه مخاطبة للنبي صلى الله عليه وسلم وأمته مستأنفة في أمر الكفار المعاصرين للنبي صلى الله عليه وسلم، و{لهم} الهاء والميم من {تدعوهم}، ومن قال بالقول الآخر قال إن هذه مخاطبة للمؤمنين والكفار على قراءة من قرأ {يشركون} بالياء من تحت، وللكفار فقط على من قرأ بالتاء من فوق على جهة التوقيف، أي إن هذه حال الأصنام معكم إن دعوتموهم لم يجيبوكم إذ ليس لهم حواس ولا إدراكات، وقرأ نافع وحده {لا يتْبَعوكم} بسكون التاء وفتح الباء وقرأ الباقون {لا يتَّبِعوكم} بشد التاء المفتوحة وكسر الباء والمعنى واحد، وفي قوله تعالى: {أدعوتموهم أم أنتم} عطف الاسم على الفعل، إذ التقدير أم صمتم ومثل هذا قول الشاعر: [الطويل]
سواء عليك الفقر أم بت ليلة ** بأهل القباب من نمير بت عامر

.تفسير الآيات (194- 196):

{إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (194) أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنْظِرُونِ (195) إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (196)}
قرأ جمهور الناس {إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم} بتثقيل {إنّ} ورفع {عبادٌ} وهي مخاطبة للكفار في تحقير شأن أصنامهم عندهم أي إن هذه الأصنام مخلوقة محدثة، إذ هي أجسام وأجرام فهي متعبدة أي متملكة، وقال مقاتل، إن المراد بهذه الآية طائفة من العرب من خزاعة كانت تعبد الملائكة فأعلمهم الله أنهم عباد أمثالهم لا آلهة، وقرأ سعيد بن جبير {إن الذين تدعون من دون الله عباداً أمثالكم} بتخفيف النون من {إنْ} على أن تكون بمعنى ما وبنصب قوله: {عباداً وأمثالكم}، والمعنى بهذه القراءة تحقير شأن الأصنام ونفي مماثلتهم للبشر، بل هم أقل وأحقر إذ هي جمادات لا تفهم ولا تعقل، وسيبويه يرى أن {إن} إذا كانت بمعنى {ما} فإنها تضعف عن رتبة {ما} فيبقى الخبر مرفوعاً وتكون هي داخلة على الابتداء والخبر لا ينصبه، فكان الوجه عنده في هذه القراءة {إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم} وأبو العباس المبرد يجيز أن تعمل عمل ما في نصب الخبر، وزعم الكسائي أن {إن} بمعنى ما لا تجيء إلا وبعدها إلا كقوله تعالى: {إن الكافرون إلا في غرور} [الملك: 20] ثم بين تعالى الحجة بقوله: {فدعوهم} أي فاختبروا فإن لم يستجيبوا فهم كما وصفنا، وقوله تعالى: {ألهم أرجل} الآية، الغرض من هذه الآية، ألهم حواس الحي وأوصافه؟ فإذا قالوا لا، حكموا بأنها جمادات فجاءت هذه التفصيلات لذلك المجمل الذي أريد التقرير عليه فإذا وقع الإقرار بتفصيلات القضية لزم الإقرار بعمومها وكان بيانها أقوى ولم تبق بها استرابة، قال الزهراوي: المعنى أنتم أفضل منهم بهذه الجوارح النافعة فكيف تعبدونهم؟
قال القاضي أبو محمد: وتتقون بهذا التأويل قراءة سعيد بن جبير، إذ تقتضي أن الأوثان ليست عباداً كالبشر، وقوله في الآية {أم} إضراب لكل واحدة عن الجملة المتقدمة لها، وليست أم المعادلة لللألف في قوله أعندك زيد أم عمرو؟ لأن المعادلة إنما هي في السؤال عن شيئين أحدهما حاصل، فإذا وقع التقدير على شيئين كلاهما منفي ف أم إضراب عن الجملة الأولى.
قال القاضي أبو محمد: وهذا عندي فرق معنوي، وأما من جهة اللفظ والصناعة النحوية فهي هي، وقرأ نافع والحسن والأعرج {يبطِشون} بكسر الطاء وقرأ نافع أيضاً وأبو جعفر وشيبة {يبطُشون} بضمها، ثم أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يعجزهم بقوله: {قل ادعوا شركاءكم} أي استنجدوهم إلى إضراري وكيدي ولا تؤخروني، المعنى فإن كانوا آلهة فسيظهر فعلهم، وسماهم شركاءهم من حيث لهم نسبة إليهم بتسميتهم إياهم آلهة وشركاء لله، وقرأ أبو عمرو ونافع {كيدوني} بإثبات الياء في الوصل، وقرأ ابن كثير وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي {كيدون} بحذف الياء في الوصل والوقف، قال أبو علي: إذا أشبه الكلام المنفصل أو كان منفصلاً أشبه القافية وهم يحذفون الياء في القافية كثيراًً قد التزموا ذلك، كما قال الأعشى: [المتقارب]
فهل يمنعني ارتيادي البلا ** د من حذر الموت أن يأتين

وقد حذفوا الياء التي هي لام الأمر كما قال الأعشى: [الرمل]
يلمس الأحلاس في منزله ** بيديه كاليهودي المصل

وقوله: {فلا تنظرون} أي لا تؤخرون، ومنه قوله تعالى: {فنظرة إلى ميسرة} [البقرة: 280]، وقوله تعالى: {إن وليي الله} الآية، أحالهم على الاستنجاد بآلهتهم في ضره وأراهم أن الله هو القادر على كل شيء لا تلك، عقب ذلك بالإسناد إلى الله والتوكل عليه بأنه وليه وناصره، وقرأ جمهور الناس والقرأة {إن وليِّيَ الله} بياء مكسورة مشددة وأخرى مفتوحة، وقرأ أبو عمرو فيما روي عنه {إن وليّ اللَّهُ} بياء واحدة مشددة ورفع الله، وقال أبو علي لا تخلو هذه القراءة من أن تدغم الياء التي هي لام الفعل في ياء الإضافة أو تحذف الياء التي هي لام الفعل وتدغم ياء فعيل في ياء الإضافة، ولا يجوز أن تدغم الياء التي هي لام الفعل في ياء الإضافة لأنه إذا فعل ذلك انفك الإدغام الأول، فليس إلا أنه حذف لام الفعل وأدغم ياء فعيل في ياء الإضافة، وقرأ ابن مسعود {الذي نزل الكتاب بالحق وهو يتولى الصالحين}، وقرأ الجحدري فيما ذكر أبو عمرو الداني {أن ولي إله} على الإضافة وفسر ذلك بأن المراد جبريل صلى الله عليه وسلم، ذكر القراءة غير منسوبة أبو حاتم وضعفها وإن كانت الفاظ هذه الآية تلائم هذا المعنى وتصلح له، فإن ما قبلها وما بعدها يدافع ذلك.

.تفسير الآيات (197- 200):

{وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (197) وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (198) خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200)}
الضمير في قوله: {من دونه} عائد على اسم الله تعالى وهذا الضمير مصرح بما ذكرناه من ضعف قراءة من قرأ {إن ولي الله} أنه جبريل صلى الله عليه وسلم، وهذه الآية أيضاً بيان لحال تلك الأصنام وفسادها وعجزها عن نصرة أنفسها فضلاً عن غيرها.
وقوله تعالى: {وإن تدعوهم} الآية، قالت فرقة: المخاطبة للنبي صلى الله عليه وسلم وأمته، والهاء والميم في قوله: {تدعوهم} للكفار ووصفهم بأنهم لا يسمعون ولا يبصرون إذ لم يتحصل لهم عن النظر والاستماع فائدة ولا حلوا منه بطائل، قاله السدي ومجاهد، وقال الطبري: المراد بالضمير المذكور الأصنام، ووصفهم بالنظر كناية عن المحاذاة والمقابلة وما فيها من تخييل النظر كما تقول دار فلان تنظر إلى دار فلان، ومعنى الآية على هذا تبين جمودية الأصنام وصغر شأنها، وذهب بعض المعتزلة إلى الاحتجاج بهذه الآية على أن العباد ينظرون إلى ربهم ولا يرونه، ولا حجة لهم في الآية لأن النظر في الأصنام مجاز محض.
قال القاضي أبو محمد: وإنما تكرر القول في هذا وترددت الآيات فيه لأن أمر الأصنام وتعظيمها كان متمكناً من نفوس العرب في ذلك الزمن ومستولياً على عقولهها فأوعب القول في ذلك لطفاً من الله تعالى بهم.
وقوله تعالى: {خذ العفو} الآية، وصية من الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم تعم جميع أمته وأخذ بجميع مكارم الأخلاق، وقال الجمهور في قوله: {خذ العفو} إن معناه اقبل نم الناس في أخلاقهم وأقوالهم ومعاشرتهم ما أتى عفواً دون تكلف، فالعفو هنا الفضل والصفو الذي تهيأ دون تحرج، قاله عبد الله بن الزبير في مصنف البخاري، وقاله مجاهد وعروة، ومنه قول حاتم الطائي: [الطويل]
خذي العفو مني تستديمي مودتي ** ولا تنطقي في سورتي حين أغضب

وقال ابن عباس والضحاك والسدي: هذه الآية، في الأموال، وقيل هي فرض الزكاة أمر بها صلى الله عليه وسلم أن يأخذ ما سهل من أموال الناس، وعفا أي فضل وزاد من قولهم عفا النبات والشعر أي كثر، ثم نزلت الزكاة وحدودها فنسخت هذه الآية، وذكر مكي عن مجاهد أن {خذ العفو} معناه خذ الزكاة المفروضة.
قال القاضي أبو محمد: وهذا شاذ، وقوله: {وأمر بالعرف} معناه بكل ما عرفته النفوس مما لا ترده الشريعة، ويروى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لجبريل: {ما هذا العرف الذي أمر به، قال: لا أدري حتى أسأل العالم، فرجع إلى ربه فسأله ثم جاءه فقال له: يا محمد هو أن تعطي من حرمك وتصل من قطعك وتعفو عمن ظلمك}.
قال القاضي أبو محمد: فهذا نصب غايات والمراد فما دون هذا من فعل الخير، وقرأ عيسى الثقفي فيما ذكر أبو حاتم {بالعُرف} بضم الراء والعرْف والعرُف بمعنى المعروف، وقوله: {وأعرض عن الجاهلين} حكم مترتب محكم مستمر في الناس ما بقوا، هذا قول الجمهور من العلماء، وقال ابن زيد في قوله: {خذ العفو- إلى- الجاهلين} إنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك مداراة لكفار قريش ثم نسخ ذلك بآية السيف.
قال القاضي أبو محمد: وحديث الحر بن قيس حين أدخل عمه عيينة بن حصن على عمر دليل على أنها محكمة مستمرة، لأن الحر احتج بها على عمر فقررها ووقف عندها.
وقوله تعالى: {وإما ينزغنك من الشيطان نزغ} وصية من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم تعم أمته رجلاً رجلاً، والنزغ حركة فيها فساد، وقلَّما تستعمل إلا في فعل الشيطان لأن حركاته مسرعة مفسدة، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يشر أحدكم على أخيه بالسلاح، لا ينزغ الشيطان في الغضب وتحسين المعاصي واكتساب الغوائل وغير ذلك»، وفي مصنف الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن للملك لمة وإن للشيطان لمة».
قال القاضي أبو محمد: وعن هاتين اللمتين هي الخواطر من الخير والشر، فالأخذ بالواجب هذه الآية يصلح مع الاستعاذة ويصلح أيضاً ما يقول فيه الكفار من الأقاويل فيغضبه الشيطان لذلك، وعليم كذلك وبهذه الآية تعلق ابن القاسم في قوله: إن الاستعاذة عند القراءة أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم.