فصل: تفسير الآية رقم (24):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.تفسير الآية رقم (24):

{قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24)}
هذه الآية تقوي مذهب من رأى أن هذه والتي قبلها إنما مقصودها الحض على الهجرة، وفي ضمن قوله: {فتربصوا} وعيد بين، وقوله: {بأمره} قاله الحسن الإشارة إلى عذاب أو عقوبة من الله، وقال مجاهد: الإشارة إلى فتح مكة، والمعنى فإذا جاء الله بأمره فلم تسلبوا ما يكون لكم أجراً ومكانة في الإسلام.
قال القاضي أبو محمد: وذكر الأبناء في الآية لما جلبت ذكرهم المحبة، والأبناء صدر في المحبة وليسوا كذلك في أن تتبع آراؤهم كما في الآية المتقدمة، وقرأ جهور الناس {وعشيرتكم}، وقرأ عاصم وحده بخلاف عنه وأبو رجاء وأبو عبد الرحمن وعصمة {وعشيراتكم}، وحسن هذا الجمع إذ لكل أحد عشيرة تختص به، ويحسن الإفراد أن أبا الحسن الأخفش قال إنما تجمع العرب عشائر ولا تكاد تقول عشيرات، و{اقترفتموها} معناه اكتسبتموها، وأصل الاقتراف والمقارفة مقاربة الشيء، {وتجارة تخشون كسادها} بيّن في أنواع المال، وقال ابن المبارك: الإشارة إلى البنات اللواتي لا يتزوجن لا يوجد لهن خاطب {ومساكن} جمع مسكن بفتح الكاف مفعل من السكنى، وما كان من هذا معتل الفاء فإنما يأتي على مفعل بكسر العين كموعد وموطن، والمساكن القصور والدور، و{أحب} خبر كان، وكان الحجاج بن يوسف يقرؤها {أحبُّ} بالرفع وله في ذلك خبر مع يحيى بن يعمر سأله الحجاج هل تسمعني الجن قال نعم في هذا الحرف، وذكر له رفع أحب فنفاه.
قال القاضي أبو محمد: وذلك خارج في العربية على أن يضمر في كان الأمر والشأن ولم يقرأ بذلك، وقوله: {والله لا يهدي القوم الفاسقين} عموم لفظ يراد به الخصوص فيمن يوافي على فسقه، أو عموم مطلق على أنه لا هداية من حيث الفسق.

.تفسير الآيات (25- 27):

{لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25) ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (26) ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (27)}
هذه مخاطبة لجميع المؤمنين يعد الله نعمه عليهم، و{مواطن} جمع موطِن بكسر الطاء، والموطِن موضع الإقامة أو الحلول لأنه أول الإقامة، والمواطن المشار إليها بدر والخندق والنضير وقريظة، ولم يصرف {مواطن} لأنه جمع ونهاية جمع، {ويوم} عطف على موضع قوله: {في مواطن} أو على لفظة بتقدير وفي يوم، فانحذف حرف الخفض، و{حنين} واد بين مكة والطائف قريب من ذي المجاز وصرف حين أريد به الموضع والمكان، ولو أريد به البقعة لم يصرف كما قال الشاعر [حسان رضي الله عنه]: [الكامل]
نصروا نبيَّهم وشدُّوا أزْرَه ** بحنينَ يومَ تَوَاكلِ الأبطالِ

وقوله: {إذ أعجبتكم كثرتكم} روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال حين رأى حملته اثني عشر ألفاً قال: «لن نغلب اليوم من قلة»، روي أن رجلاً من أصحابه قالها فأراد الله إظهار فأراد الله إظهار العجز فظهر حين فر الناس، ثم عطف القدر بنصره، وقوله: {وضاقت عليكم الأرض بما رحبت} أي بقدر ما هي رحبة واسعة لشدة الحال وصعوبتها، ف ما مصدرية، وقوله: {ثم وليتم مدبرين} يريد فرار الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال القاضي أبو محمد: واختصار هذه القصة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما فتح مكة وكان في عشرة آلاف من أصحابه وانضاف إليه ألفان من الطلقاء فصار في اثني عشر ألفاً سمع بذلك كفار العرب فشق عليهم فجمعت له هوازن وألفافها وعليهم مالك بن عوف النصري وثقيف وعليهم عبد ياليل بن عمرو وانضاف إليهم أخلاط من الناس حتى كانوا ثلاثين ألفاً فخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اجتمعوا بحنين، فلما تصافَّ الناس حمل المشركون من مجاني الوادي، فانهزم المسلمون، قال قتادة: ويقال إن الطلقاء من أهل مكة فروا وقصدوا إلقاء الهزيمة في المسلمين، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلة شهباء، وقال أبو عبد الرحمن الفهري: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم، يومئذ وكان على فرس قد اكتنفه العباس عمه وابن عمه أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، وبين يديه أيمن بن أم أيمن، وثم قتل رحمه الله، فلما رأى رسول الله عليه وسلم شدة الحال نزل عن بغلته إلى الأرض، قاله البراء بن عازب، واستنصر الله عز وجل فأخذ قبضة من تراب وحصى فرمى بها وجوه الكفار، وقال: شاهت الوجوه، وقال عبد الرحمن: تطاول من فرسه فأخذ قبضة التراب ونزلت الملائكة لنصره ونادى رسول الله صلى الله عليه وسلم يا للأنصار، وأمر رسول الله عليه وسلم العباس أن ينادي أين أصحاب الشجرة أين أصحاب سورة البقرة، فرجع الناس عنقاً واحداً وانهزم المشركون، قال يعلى بن عطاء: فحدثني أبناؤهم قالوا لم بيق منا أحد إلا دخل في عينيه من ذلك التراب، واستيعاب هذه القصة في كتاب السير.
وظاهر كلام النحاس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في أربعة عشر ألفاً، وهذا غلط، و{مدبرين} نصب على الحال المؤكدة كقوله: {وهو الحق مصدقاً} [البقرة: 91] والمؤكدة هي التي يدل ما قبلها عليها كدلالة التولي على الادبار، وقوله تعالى: {ثم أنزل الله سكينته} الآية، {ثم} هاهنا على بابها من الترتيب، والسكينة النصر الذي سكنت إليه ومعه النفوس والحال، والإشارة بالمؤمنين إلى الأنصار على ما روي، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نادى في ذلك اليوم يا معشر الأنصار، فانصرفوا وهو ردوا الهزيمة، والجنود الملائكة، والرعب قال أبو حاجز يزيد بن عامر كان في أجوافنا مثل ضربة الحجر في الطست من الرعب، وعذاب الذين كفروا هو القتل الذي استحرَّ فيهم والأسر الذي تمكن في ذراريهم، وكان مالك بن عوف النصري قد أخرج الناس بالعيال والذراري ليقاتلوا عليها، فخطأه في ذلك دريد بن الصمة، وقال لمالك بن عوف راعي ضأن وهل يرد المنهزم شي؟ وفي ذلك اليوم قتل دريد بن الصمة القتلة المشهورة، قتله ربيعة بن رفيع بن أهبان السلمي، ويقال ابن الدغنة وقوله: {ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء} إعلام بأن من أسلم وتاب من الكفار الذين نجوا ذلك اليوم فإنهم مقبولون مسلمون موعودون بالغفران والرحمة.

.تفسير الآية رقم (28):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28)}
قال قتادة ومعمر بن راشد وغيرهما: صفة المشرك بالنجس إنما كانت لأنه جنب إذ غسله من الجنابة ليس بغسل، وقال ابن عباس وغيره: بل معنى الشرك هو الذي كنجاسة الخمر، قال الحسن البصري: من صافح مشركاً فليتوضأ.
قال القاضي أبو محمد: فمن قال بسبب الجنابة أوجب الغسل على من يسلم من المشركين، ومن قال بالقول الآخر لم يوجب الغسل، والمذهب كله على القول بإيجاب الغسل إلا ابن عبد الحكم فإنه قال: ليس بواجب، وقرا أبو حيوة {نِجْس} بكسر النون وسكون الجيم، ونص الله تعالى في هذه الآية على المشركين وعلى المسجد الحرام، فقاس مالك رحمه الله غيره جميع الكفار من أهل الكتاب وغيرهم على المشركين، وقاس سائر المساجد على المسجد الحرام، ومنع من دخول الجميع في جميع المساجد وكذلك كتب عمر بن عبد العزيز إلى عماله ونزع في كتابه بهذه الآية، ويؤيد ذلك قوله تعالى: {في بيوت أذن الله أن ترفع} [النور: 36]، وقال الشافعي هي عامة في الكفار خاصة في المسجد الحرام، فأباح دخول اليهود والنصارى والوثنيين في سائر المساجد، ومن حجته حديث ربط ثمامة بن أثال، وقال أبو حنيفة هي خاصة في عبدة الأوثان وفي المسجد الحرام، فأباح دخول اليهود والنصارى في المسجد الحرام وغيره، ودخول عبدة الأوثان في سائر المساجد، وقال عطاء: وصف المسجد بالحرام ومنع القرب يقتضي منعهم من جميع الحرم.
قال القاضي أبو محمد: وقوة قوله: {فلا يقربوا} يقتضي أمر المسلمين بمنعهم، وقال جابر بن عبد الله وقتادة: لا يقرب المسجد الحرام مشرك إلا أن يكون صاحب جزية أو عبداً لمسلم، وعبدة الأوثان مشركون بإجماع، واختلف في أهل الكتاب، فمذهب عبد الله بن عمر وغيره أنهم مشركون، وقال جمهور أهل العلم ليسوا بمشركين، وفائدة هذا الخلاف تتبين في فقه مناكحهم وذبائحهم وغير ذلك، وقوله: {بعد عامهم هذا} يريد بعد عام تسع من الهجر وهو عام حج أبو بكر بالناس وأذن علي بسورة براءة، وأما قوله: {وإن خفتم عيلة} قال عمرو بن فائد: المعنى وإذ خفتم.
قال القاضي أبو محمد: وهذه عجمة والمعنى بارع بإن، وكان المسلمون لما منع المشركون من الموسم وهم كانوا يجلبون الأطعمة والتجارات قذف الشيطان في نفوسهم الخوف من الفقر وقالوا من أين نعيش؟ فوعدهم الله بأن يغنيهم من فضله، قال الضحاك: ففتح عليهم باب أخذ الجزية من أهل الذمة، بقوله: {قاتلوا الذين لا يؤمنون} [التوبة: 29] إلى قوله: {وهم صاغرون} [التوبة: 29]، وقال عكرمة: أغناهم بإدرار المطر عليهم.
قال القاضي أبو محمد: وأسلمت العرب فتمادى حجهم وتجرهم وأغنى الله من فضله بالجهاد والظهور على الأمم، والعيلة الفقر، يقال: عال الرجل يعيل عيلة إذا افتقر، قال الشاعر: [أحيحة]
وما يدري الفقير متى غناه ** وما يدري الغني متى يعيل

وقرأ علقمة وغيره من أصحاب ابن مسعود، عايلة وهو مصدر كالقايلة من قال يقيل، وكالعاقبة والعافية، ويحتمل أن تكون نعتاً لمحذوف تقديره حالاً عائلة، وحكى الطبري أنه يقال عال يعول إذا افتقر.

.تفسير الآية رقم (29):

{قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29)}
هذه الأشياء تضمنت قتال أهل الكتاب من اليهود والنصارى حتى يقتلوا أو يؤدوا الجزية، قال مجاهد: وعند نزول هذه الآية أخذ رسول الله صلة الله عليه وسلم في غزو الروم ومشى نحو تبوك، ومن جعل أهل الكتاب مشركين في هذه الآية عنده ناسخة بما فيها من أخذ الجزية لقوله تعالى: {فاقتلوا المشركين} [التوبة: 5] ونفى عنهم الإيمان بالله واليوم الآخر من حيث تركوا شرع الإسلام الذي يجب عليهم الدخول فيه، فصار جميع ما لهم في البعث وفي الله عز وجل من تخيلات واعتقادات لا معنى لها، إذ تلقوها من غير طريقها، وأيضاً فلم تكن اعتقاداتهم مستقيمة لأنهم تشعبوا وقالوا: عزيز ابن الله والله ثالث ثلاثة وغير ذلك، ولهم أيضاً في البعث آراء كشراء منازل الجنة من الرهبان، وقول اليهود في النار نكون فيها أياماً بعد ونحو ذلك، وأما قوله: {لا يحرمون ما حرم الله ورسوله} فبين، ونص على مخالفتهم لمحمد صلى الله عليه وسلم، وأما قوله: {ولا يدينون} فمعناه ولا يطيعون ويمتثلون، ومنه قول عائشة: ما عقلت أبوي إلا وهما يدينان الدين، والدين في اللغة لفظة مشتركة وهي هاهنا الشريعة، وهي مثل قوله تعالى: {إن الدين عند الله الإسلام} [آل عمران: 19]، وأما قوله: {من الذين أوتوا الكتاب} فنص في بني إسرائيل وفي الروم وأجمع الناس في ذلك، وأما المجوس فقال ابن المنذر: لا أعلم خلافاً في أن الجزية تؤخذ منهم.
قال القاضي أبو محمد: وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «سنوا بهم سنة أهل الكتاب»، فقال كثير من العلماء معنى ذلك في أخذ الجزية منهم، وليسوا أهل الكتاب، فعلى هذا لم يتعد التشبيه إلى ذبائحهم ومناكحهم، وهذا هو الذي ذكره ابن حبيب في الواضحة، وقال بعض العلماء: معناه سنوا بهم سنة أهل الكتاب إذ هم أهل كتاب، فعلى هذا يتجه التشبيه في ذبائحهم وغيرها، والأول هو قول مالك وجمهور أصحابه، وروي أنه قد كان بعث في المجوس نبي اسمه زرادشت، وأما مجوس العرب فقال ابن وهب: لا تقبل منهم جزية ولابد من القتال أو الإسلام، وقال سحنون وابن القاسم وأشهب: تؤخذ الجزية من مجوس العرب والأمم كلها، وأما عبدة الأوثان من العرب فلم يستثن الله فيهم جزية ولا بقي منهم على الأرض بشر، قال ابن حبيب وإنما لهم القتال أو الإسلام وهو قول ابن حنيفة.
قال القاضي أبو محمد: ويوجد لابن القاسم أن الجزية تؤخذ منهم، وذلك أيضاً في التفريع لابن الجلاب وهو احتمال لا نص، وأما أهل الكتاب من العرب فذهب مالك رحمه الله إلى أن الجزية تؤخذ منهم، وأشار إلى المنع من ذلك أبو حنيفة، وأما السامرة والصابئون فالجمهور على أنهم من اليهود والنصارى تؤخذ منهم الجزية وتؤكل ذبائحهم، وقالت فرقة لا تؤكل ذبائحهم، وعلى هذا لا تؤخذ الجزية منهم، ومنع بعضهم الذبيحة مع إباحة أخذ الجزية منهم وأما عبدة الأوثان والنيران وغير ذلك فجمهور العلماء على قبول الجزية منهم، وهو قول مالك في المدونة، وقال الشافعي وأبو ثور: لا تؤخذ الجزية إلا من اليهود والنصارى والمجوس فقط ومذهب مالك رحمه الله أن الجزية لا تؤخذ إلا من الرجال البالغين الأحرار العقلاء، وهو قول الشافعي وأبي حنيفة، ولا تضرب على الصبيان والنساء والمجانين ولا تضرب على رهبان الديارات والصوامع المنقطعين، قال مالك في الواضحة: وأما إن كانت قد ضربت عليهم ثم انقطعوا بعد ذلك فلا تسقط عنهم، وأما رهبان الكنائس فتضرب عليهم، واختلف في الشيخ الفاني، ومن راعى أن علتها الإذلال أمضاها في الجميع وقال النقاش: العقوبات الشرعية تكون في الأموال والأبدان فالجزية من عقوبات الأموال، وأما قدرها فذهب رحمه الله وكثير من أهل العلم على ما فرضه عمر رضي الله عنه وذلك أربعة دنانير على أهل الذهب وأربعون درهماً على أهل الفضة، وفرض...
.... رضي الله ضيافة وأرزاقاً وكسوة، قال مالك في الواضحة ويحط ذلك عنهم اليوم لما....... عليهم من اللوازم، فهذا أحد ما ذكر عن عمر وبه أخذ مالك، قال سفيان الثوري رويت عن........ عمر ضرائب مختلفة.
قال القاضي أبو محمد: وأظن ذلك بحسب اجتهاده رضي الله عنه في يسرهم وعسرهم، وقال الشافعي وغيره: قدر الجزية دينار على الرأس، ودليل ذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذاً بذلك وأخذه جزية اليمن كذلك أو قيمته معافر وهي ثياب، وقال كثير من أهل العلم ليس لذلك في الشرع حد محدود وإنما ذلك إلى اجتهاد الإمام في كل وقت وبحسب قوم قوم، وهذا كله في العنوة، وأما الصلح فهو ما صولحوا عليه من قليل أو كثير، واختلف في المذهب في العبد الذي يعتقه الذمي أو المسلم هل يلزمه جزية أم لا؟ وقال ابن القاسم لا ينقص أحد من أربعة دنانير كان فقيراً أو غنياً، وقال أصبغ: يحط الفقير بقدر ما يرى من حاله، وقال ابن الماجشون لا يؤخذ من الفقير شيء والجزية وزنها فعلة من جزى يجزي إذا كافى عن ما أسدى إليه، فكأنهم أعطوها جزاء ما منحوا من الأمن، وهي كالقعدة والجلسة.
ومن هذا المعنى قول الشاعر: [الكامل]
يجزيك أو يثني عليك وإن من ** أثنى عليك يما فعلتَ كمن جزى

وقوله تعالى: {عن يد} يحتمل تأويلات، منها أن يريد سوق الذمي لها بيده لا مع رسول ليكون في ذلك إذلال له، ومنها أن يريد عن نعمة منكم قبلهم في قبولها منهم وتمينهم، واليد في اللغة النعمة والصنع الجميل، ومنها أن يريد عن قوة منكم عليهم وقهر لا تبقى لهم معه راية ولا معقل، واليد في كلام العرب القوة، يقال: فلان ذو يد ويقال ليس لي بكذا وكذا يد أي قوة، ومنها أن يريد أن ينقذوها ولا يؤخروا بها كما تقول بعته يداً بيد، ومنها أن يريد عن استسلام منهم وانقياد على نحو قولهم ألقى فلان بيده إذا عجز واستسلم، وقوله: {وهو صاغرون} لفظ يعم وجوهاً لا تنحصر لكثرتها ذكر منها عن عكرمة أن يكون قابضها جالساً والدافع من أهل الذمة قائم، وهذا ونحوه داع إلى صغارهم.